Skip to main content

Full text of "الملكة الفقهية حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها"

See other formats




ح شركة العبيكان للتعليم؛ ۷١٤١د‏ 
فهرسة مكتبة الملك فهد الوطنية أثناء النشر 
القاضيء عبدالله فهد 
الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها. / عبدال 
فهد القاضي. ‏ الرياض: 51517 ١ه‏ 
ردمك: ۲-۰۳-۹۲۲۲ ۹۷۸-1۰ 


١‏ الفقه الإسلامي ١‏ العنوان 
دیوي ١1 ۲٣۰‏ 


الطبعة الأولى 
۷ - ۰۱1م 


صدر هذا الكتاب بالتعاون مع شركة العبيكان للتعليم 
حقوق الطباعة والنشر محفوظة للجمعية الفقهية السعودية 





امتياز التوزيع الى : 52 
شركة مكتبة 1 


المملكة العربية السعودية - الرياض - حي الفلاح - 
جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية 
info@alfiqhia.org.sa‏ 


هاتف ۰۱۱۲0۸۲۳۳۲ 


المملكة العربية السعودية - الرياض - المحمدية - 
طريق الأمير تركي بن عبد العزيز الأول 
هاتف 44085514 - فاكس : ٤۸۸۹۰۲۴۳‏ ص. ب: 


۱۱٣۹۰۵ الریاض‎ ۷ 








الحمد لله الذي أحاط بكل شيء علماء ووسع كل شيء رحمة» 
أحمده على كماله وإنعامه» ولا أحصي ثناء عليه؛ وأستعينه تعالى 
وأستغفره. وأعوذ به من شر نفسي ومن سيئات عملي» من يهده الله فلا 
مضل لهء ومن يضلل فلا هادي لهء وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا 
شريك لهء وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛. صلى الله عليه وعلى آله 
وصحبه وسلّم تسليما. 


أما بعد: 


فإن العلم المستفاد من وحي الله تعالى إلى رسوله مه هو أشرف 
العلوم وأنفعها؛ فبه يُعرف الله تعالى» وتعرف حدوده» والطريق 
الموصلة إليه» وهو الأساس للإيمان والعمل الصالح اللذين هما عماد 
السعادة فى الدارين» وهو إرث الأنبياء» وطلبه ابتغاءَ وجه الله تعالى لا 
يعدله عمل. 

وفي ذِرُوات هذا العلم الشريف: علم الفقهء أعنى به: معرفة 
الأحكام الشرعية العملية بأدلتهاء الذي يُعرف به الحلال والحرامء 
ويميز بين الصحيح والفاسد. والمقبول والمردود. من عبادات الناس 


الملكة الفقهية : حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها 2 
as‏ ذوو قطي كيال القريلة يسكع تزقا دا بي لع اليا 
في حياتهم الدنيا والأخرى. 


وإذا كان من الواجب المتعيّن على كل مسلم أن يأخذ من هذا العلم 
-علم الفقه- بنصيب» وذلك بأن يعلم حكم الشرع في الأمور التي يلزمه 
العمل بهاء فإن من الواجب الكفائي على الأمة جمعاء أن يقوم منها 
طائفة تنهض بأعباء هذا العلم وتقوم بحقهء روايةً ودراية ورعاية؛ إقامة 
لدين اللهء وتبيانا له» ونصحا لعباده. 


ي 


ولما كان الفقه في حقيقته هو الفهم. وكانت الغاية من تعليمه أن 
يكتسب متعلمه صفة راسخة يهتدي بها إلى معرفة أحكام الشريعة وعللها 
وغاياتهاء ويبصر بها منهج الشرع في حادث النوازل» ويواجه مشكلات 
الحياة ومتغيراتها ببصيرة وثبات» يفعل ذلك كله على وجه من اليسر 
والتتهولة» نن ةل ماح مها ي لف في الاسفد لال نولا 
ا 

لما كان الفقه الحقّ هكذاء وكانت الغاية من تعليمه تلك كان حقا 
عقا البئع أن يمل تفيل تللم البيحة بعاينه» وأن يسلك من 
مسالك التعلّم ما يقربه منها ويُكسبه إياهاء وكان حقاً على الفقيه المعلّم 
أن يعين طلابه على الاقتراب من تلك الرتبة العاليةء وأن يذلل لهم 
سبلها. 

وفي هذا السبيل يأتي هذا البحث مشتملا على ثلاثة فصول من 
رسالة الدكتوراه الموسومة ب(الملكة الفقهية» دراسة استقرائية تطبيقية)» 
والفصول الثلاثة هي : 


9-0 مقدمة 


كا غك 


© التعريف بالملكة الفقهية» والأحكام المتعلقة بها. 

© شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها. 

من اتمرات التلكة الفعهية” . 

والمنهج العام في هذا البحث هو المنهج الاستقرائي» الذي يقوم 
أوَلا بتتبع الآثار والإشارات ذات الدلالة على حقيقة الملكة الفقهية› 
يحللها ويفسرها نتيا مني ادر EE‏ 
للك اا 

وأما حدود البحث فإن البحث فى (الملكة الفقهية) ينتمى إلى : 
البحث في شروط المجتهد؛ لكون الملكة إحدى شروط الاجتهاد؛ لذا 
سيتخذ البحث من هذا الشرط إطارا لهء فلا يبحث فى غيره من شروط 
الاجتهاد» كما لا يبحث فى غير الملكة الفقهية» كالملكة الحديثية 
والملكة اللغوية. 


ومن جهة المراجع التي هي مجال الاستقراء: فقد حاول البحث 
اما غ الى ا مو وا و ف 
ذات الصلة بالملكة الفقهية» من كتب أصول الفقه والفقه والقواعد 
الفقهية وأحكام القرآن وشروح الحديث وتراجم الفقهاء وآداب طلب 
العلم وعلم النفس والمناهج وطرق التدريس» ولم يكن لذلك حدود 
(1) يوجد الفصل الخامس من الرسالة (رؤية مقترحة لتنمية الملكة الفقهية في التدريس 


الفقهي الجامعي) منشورا على الرابط: 


http://fac.ksu.cdu.sa/aalqadi/publication/1 31929 


الملكة الفقهية : حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها E‏ 


مي 
A F‏ 4 8 
س0 4 71 ل 


زمنية ؛ رغبة في توسعة مجال الاستقراء؛ لما يعود به من زيادة الإيضاح 
والكشف لموضوع البحث. 

وتتبين أهمية البحث وأسباب اختياره بالنقاط التالية : 

١‏ - شرف موضوعه. وهو القدرة الذهنية للفقيه» التي تكون بالصقل 
والتدريب مَلَكة وسَجِيّة وطبيعةً له» يصل معها إلى النتائج العلمية من 
غير تكلف ولا معاناة» وتلك هي حقيقة الفقه. 

؟ - أن فيه إبرازا للروابط الوّثقى الواصلة بين علمَي الفقه 
والأصول. فهما العِلّمان المتآزران المتلازمان» وبالربط بينهما تتجلى 
مآخذ الفقه وقواعده وأسباب الاختلاف فيه من جهة» كما تبرز حيوية 
علم الأصول وواقعيته ويسهل تناوله للمتعلم من جهة أخرى. 

۳ - أن في بحث هذا الموضوع عونا للمشتغلين بالتدريس الفقهي 
والأصولي على تجويد الأداء التدريسي» وزيادة القدرة على تحقيق 
أهداف تعليم الفقه وأصوله. للوصول إلى إعداد الفقيه الفاهم لعلمه 
فهما جيداء القادر على التعبير عنه والاستدلال له والتجديد فيه 
المجيد لتعليمه وتدريسه» المتمكن من تطبيق علمه وتنزيله على 
الوقائع» القادر على التعامل مع مشكلات العصر الفقهية» واستعمال 
أدوات البحث والتفكير في ذلك. 


الدراسات السابقة : 

- تربية ملكة الاجتهاد من خلال كتاب (بداية المجتهد وكفاية 
المقتصد) لابن رشد الحفيدء تأليف محمد أوشريف بولوزء وهو بحث 
لنيل درجة الدكتوراه في الدراسات الإسلامية» بجامعة محمد بن عبدالله 


7 


بوم مقدمة ولي 
ب 
۹ .ا : 


a” i 


rt 


ا 


بالمغرب. كلية الآداب والعلوم الإنسانية» وحدة القرآن والحديث 
وعلومهاء السنة الجامعية »)70١1/ -50١5(‏ وقد نشرته دار كنوز إشبيليا 
عام .١577‏ 

والبحث دراسة لكتاب بداية المجتهد. من جهة كونه مادة صالحة 
للدربة على اكتساب ملكة الاجتهادء ويقع في أربعة أبواب: الباب 
الأول: ابن رشد الفيلسوف الفقيه وكتاب (البداية)» والباب الثانى: 
تربية ملكة الاجتهاد عند ابن رشد» والباب الثالث: آيات اتاد 
الأحكام ودورها في تربية ملكة الاجتهادء والباب الرابع: دور الإجماع 
والأصول التبعية في تربية ملكة الاجتهاد. 

فالكتاب في جملته دراسة تحليلية لكتاب ابن رشدء وموضع الالتقاء 
بينه وبين هذا البحث هو الفصل الثاني من الباب الثاني» الذي عنوانه 
(مستويات وشروط تربية ملكة الاجتهاد). ويقع هذا الفصل في ٠١‏ 
صفحة'''؛ وفيه مبحثان» المبحث الأول: مستويات تربية ملكة 
الاجتهاد» والمبحث الثاني : الشروط الضرورية لتربية ملكة الاجتهاد. 

وبالاطلاع على هذا الجزء من البحث يتبين أن الموضوع في حاجة 
إلى مزيد تحرير وتفصيل» ذلك أن غرض هذا الكتاب هو بحث ملكة 
(الاجتهاد) عند (ابن رشد)؛ فهو متقيّد بهذين القيدين» وما توجهت إلى 
بحثه في هذه الرسالة هو (الملكة الفقهية) عامة» وهي أعم من ملكة 
الاجتهادء فالملكة الفقهية -كما سيأتي- مراتب ومستويات» عُلياها 
ملكة الاجتهادء ودونها مراتب في الفقه» لكل مرتبة ملكاتهاء وإن 


(41۷-۳4 /۱( )1( 


7 الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها يثن, 


ذا ص 
دراسة هذه المراتب من الملكة لمن الأهمية بمكان» ولا سيما أنها 
المراتب الأولى من الملكة التي توصل المتفقه بتوفيق الله إلى ما فوقها 
من الرتب» ومن هنا كان تناولٌ الباحث للملكة الفقهية على سبيل التبع 
لا الأصالة؛ ولذا كان تناولا موجزا غير مستوفى؛ وعلى سبيل المثال: 
جاء التعريف بالملكة في اللغة والاصطلاح في صفحتين ائنتين""“» كما 
نجد من عناوين المبحث الثانى : (بعض الشروط الضرورية لتربية ملكة 
الاجتهاد)". ۰ 

وأيضا حاولت إيضاح (أنواع الملكة الفقهية ومجالاتها) و(ثمرات 
الملكة الفقهية)ء وهما أمران خلا منهما هذا الكتاب» وإن إبراز هذين 
الجانبين وتفصيلهما لمما يُجلي الموضوع ويوضح أنواع الملكة 
وثمراتها لطالبها. 

وقد بحث المؤلف الأمور المُنمّية للملكة فتناولها في مبحث 
عنوانه : (الشروط الضرورية لتربية ملكة الاجتهاد) ٠"‏ وقد حرصت في 
هذا البحث على استيفاء هذا المقصد المهم بحسب الإمكان؛ لأن 
اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها هو المقصود الأول من دراسة هذا 
الموضوع. 

ثم ختمت البحث بفصل يشتمل على (رؤية مقترحة لتنمية الملكة 
الفقهية في التدريس الفقهي الجامعي)؛ رغبة في الخروج من هذا 
البحث الاستقرائي الوصفي بنتيجة عملية إجرائية. 


.(Tor-0۱/۱) (۱) 


.(TIV/N) (¥) 
.(417-TIY/) 5 


يعم مقدمه 
پو للل 1 


هذه هي الرسالة العلمية الوحيدة التي وقفت عليها في الموضوع. 
وإلى جانبها مؤلفات أخرى» هي : 
- تكوين الملكة الفقهية» للدكتور محمد عثمان شبير» وهو مؤلّف 
يقع في ٠١‏ صفحة.ء وفيه ثلاثة فصول. الفصل الأول: حقيقة الملكة 
الفقهيةء والفصل الثاني : مقومات الملكة الفقهية» والفصل الثالث: 
رعاية الملكة الفقهية. 
وهذا الكتاب هو أول الكتب المعاصرة ظهورا في هذا الموضوع› 
وقد نشر النشرة الأولى في عام ١١٤٠ء‏ ضمن سلسلة كتاب الأمة› 
الصادرة عن وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في قطر. 
ومع إجادة المؤلف في هذا الكتاب وفضل السبق له» ففي الموضوع 
مجال ومنّسع : 
فقد عرّف المؤلف الملكة الفقهية في المبحث الأول من الفصل 
الأول من خلال ثلاثة مداخل» هي 
١‏ - التعريف بمفردتي العنوان (الملكة) و(الفقه). 
۲ - التعريف بالملكة الفقهية لقبا. 
SLI SESE‏ 
وقد حاولت في هذا البحث التعريف بالملكة الفقهية من مداخل 
أخرى متعددة» يتضح بمجموعها مدلول هذا المصطلح» وذلك ما 
سيأتي -إن شاء الله- في الفصل الأول. 


)١(‏ ص۱۹-۸. 


الملكة الفقهية : حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها : 


5 چ 

ع 1 8 + 
0 :8 لجنيا 
كك > 





أيضا بحث المؤلف (أنواع الملكة الفقهية) في المبحث الثاني من 
الفصل الأول فذكرها في عناوين مجملة وغير مستوعبة للملكات 
الفقهية» وقد حاولت في الفصل الثالث من هذا البحث استيفاء أصول 
الملكات الفقهية. ثم تفصيل تلك الأصول وتحليلها إلى ملكات جزئية» 
يعسن الإمكانة 

كما بحث المؤلف (مقومات الملكة الفقهية) في الفصل الثاني" 
وفي المبحث الأول من الفصل الثالث (تنمية الملكة الفقهية) ٠‏ وقد 
قصدت في هذا البحث تأصيل هذا الموضوع» ببحث وسائل اكتساب 
وتنمية الملكة بحثا استقرائيا في التراث الفقهي. ثم إبراز الأسس 
والشروط الأساسية لاكتساب الملكة من بين تلك الوسائل التفصيلية» 
وكان ذلك في الفصل الثاني من هذا البحث. 

وبحث المؤلف أيضا (الطريقة المثلى في تدريس الفقه)“» فشرحها 
شرحا يعود إلى تقرير مبدأي (التدرج في الطلب) و(العناية بحفظ متن 
للمبتدئين)» وقد سعيت في هذا البحث إلى رسم رؤية مكتملة وإجرائية 
لتنمية الملكة الفقهية» وذلك هو موضوع الفصل الخامس. 

١‏ - كيف تنمي مَلَكَتَك الفقهية» تأليف الدكتور/ اعون ولد سيد 
ذي النورين»ء نشر مركز البحوث والدراسات التابع لمجلة البيان» 
۳ 


(۱) ص١1"0-5.‏ 
(۲) ص۲٤-۷۸.‏ 
(۳) ص44-85. 
)٤(‏ ص۸۳-۷۹. 





يتألف الكتاب من (80) صفحة من القطع المتوسط. وفيه فصلان: 


الفصل الأول: تنمية الملكة الفقهية» وقد تضمن هذا الفصل تعريفا 
لغويا واصطلاحيا ل(تنمية الملكة الفقهية)”'". تلاه عرض لأسس تنمية 
الملكة الفقهية» وهي تسعة» فذكرها المؤلف بشيء من التوضيح 
والتقرير والتفصيل لما يتفرع عنها من وسائل”". 


والفصل الثانى: آفات فى طريق المتفقّه» ذكر فيها ستة من 
| )۳( 
الوا 


فالكتاب كما هو ظاهر يراد منه تقديم نبذة معرّفةٍ بالملكة» ولیس من 
مقصود المؤلف استيعاب مباحثها وتأصيلها. 

٣‏ - الدّربة على الملكة (كيفية تخريج المسائل الفقهية والعقدية من 
الكتاب والسنة ومصنفات أهل العلم للوصول إلى الراجح من الأقوال» 
مع تدريبات عملية تعين الباحث على ذلك)» تأليف الشيخ عمرو 
عبدالمنعم سليم» نشر دار الأندلس الخضراءء عام .١157١‏ 

بدأ المؤلف كتابه بمقدمة أصولية تحدث فيها عن أصول الأدلة 
(الكتاب والسنة والإجماع)ء ثم عن آثار الصحابة والقياس» ثم عن 
الأحكام التكليفيةء ثم عن تعارض الأدلة“ ثم بَحَتَ مراحل البحث 
)0030 ص6 .18-١‏ 

.16-١ ص6‎ (۲( 


.V€- ¥ (۳) 
.٤ ۰-٩ص‎ (£) 





الملكة الفقهية : حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها اين 


0 


)1( 
والاختيار . 


كما تحدث عن (اختيار المسار المناسب للبحث: المسار الفقهى». 
أو المسار الحديثي)» ثم وضع نبذة عن بعض المصنفات الحديثية: 
والعقّدية. 

ثم وضع تدريبات عملية تعين الطالب على ممارسة البحث العلمي 
وتحقيق المسائل» واستغرق ذلك أكثر من نصف الكتاب”". 

وبالنظر في هذا الكتاب يتبين أن عناية هذا الكتاب القيّم مقتصرة 
على جانب من جوانب الملكة» وهي ملكة البحث والترجيح» وما 
يتفرع عنهاء مع أن الملكات الفقهية أوسع من ذلك. 

؟ - تكوين الذهنية العلمية؛ دراسة نقدية لمسالك التلقي في العلوم 
الشرعية» لمحمد بن حسين الأنصاري» دار الميمان للنشر والتوزيع» 
.١‏ 

الات مز ۳9۸ قله موت ا الات 
التأصيلية في العلوم الشرعيةء يليه ثلاثة فصول» أولها: ظاهرة المتون 
والمختصرات في العلوم الشرعية» وثانيها: مسلك الحفظ والتلقين في 
التعلم» وثالثها : رؤية بنائية (الأسس والبدائل)» ثم خاتمة. 

والكتاب دراسة تحليلية نقدية للمسالك المتّبعة في طلب العلم 
)١(‏ ص .5"-4١‏ 


(۲) ص151-548. 
(۳) ص813-14#. 


Rb 2‏ 
me‏ مدي e‏ 53 
خي ا ال 
2 1 ت ر 


الشرعى عامة لا الفقه خاصة» ومعظم هذا النقد متجه إلى صور من 
ا الخاطئ لأسلوبي (المختصرات) و(الحفظ)» ثم أتبعه 
المؤلف منهجا مكتملا في تكوين الذهنية العلمية» واستعمالا معتدلا 
للأسلوبين السابقين (المختصرات والحفظ). 

فالكتاب باحتثٌ في بعض جوانب (عوائق الملكة ومفسداتها). 


وليس من مقاصده تناول موضوع الملكة من سائر جوانبها. 


خطة البحث : 

يتألف هذا البحث من فصول ثلاثة. هذا بيانها: 

الفصل الأول: التعريف بالملكة الفقهية» والأحكام المتعلقة بهاء 
وفيه ثلاثة مباحث : 

المبحث الأول: التعريف بجزءي (الملكة الفقهية)» وفيه مطلبان: 

المطلب الأول: التعريف بالملكة» وفيه فرعان: 

الفرع الأول: الملكة في اللغة. 

الفرع الثاني : الملكة في الاصطلاح» وفيه ثلاث مسائل : 

المسألة الأولى: تعريف الملكة اصطلاحا. 

المسألة الثانية: مصدر مصطلح (الملكة). 

المسألة الثالثة: موضوع الملكة. 

المطلب الثاني : التعريف بالفقه. 

المبحث الثاني : التعريف بالملكة الفقهية مُربة» وفيه سبعة 
مطالب : 


الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها ا 


المطلب الأول : عباراتٌ للعلماء يؤخذ منها مدلول الملكة الفقهية. 

المطلب الثاني : الكلمات المرادفة للملكة الفقهية في لسان السلف 
اللا 

المطلب الثالث : تعريفات المعاصرين للملكة الفقهية والتعريف 
المختار. 

المطلب الرابع : موضوع الملكة الفقهية. 

المطلب الخامس : نسبة الملكة الفقهية. 

المطلب السادس : صلة الملكة الفقهية بالمصطلحات المقاربة لها. 

المطلب السابع : التدرّج والتجزؤ من خصائص الملكة الفقهية. 

المبحث الثالث : الأحكام المرتبة على الملكة الفقهية» وفيه ثلاثة 
فروع : 

الفرع الأول : الأحكام الوضعية المتعلقة بالملكة الفقهية» وفيه 
مسألتان: 

المسألة الأولى : ملكة الاجتهاد سبب لوجوب الاجتهاد. 

المسألة الثانية: الملكة الفقهية شرط لصحة جميع التصرفات 
الفقهية. 

الفرع الثاني : الأحكام التكليفية المتعلقة بالملكة الفقهية» وفيه 
مسألتان: 

المسألة الأولى: وجوب تنمية الملكة الفقهية 

المسألة الثانية : وجوب الاجتهاد على من تحققت له ملكته. 


الفرع الثالث: ما يعرف به تحقق الملكة الفقهية» وفيه تمهيد 
وعبالتان” 

التمهيد في خفاء الملكة وعدم انضباط تحصيلها. 

المسألة الأولى: ما يعرف به المرء تحقق الملكة في نفسه. 

المسألة الثانية: ما يعرف به المرء تحقق الملكة في غيره. 

الفصل الثانى: شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتهاء وفيه تمهيد 
وأربعة ا 

التمهيد في أن العلم هبة من الله لا تنال إلا بفضله. 

المبحث الأول: الاستعداد الفطري» وفيه ثلاثة مطالب: 

المطلب الأول: الذكاء. وفيه خمسة فروع: 

الفرع الأول: التعريف بالذكاء. 

الفرع الثاني : حاجة طالب الفقه إلى الذكاء. 

الفرع الثالث: أنواع الذكاءء وفيه مسألتان: 

المسألة الأولى: نظرية تعدد الذكاء. 

المسألة الثانية : الاستفادة من نظرية تعدد الذكاء في تكوين ملكة 
الفقه. 

الفرع الرابع: القدر المكتسب من الذكاءء وفيه مسألتان: 

المسألة الأولى : الذكاء بين الوراثة والبيئة. 

المسألة الثانية: بعض الوسائل التى استعملها الفقهاء في تنمية 
التفكير. ١‏ 






09 الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها 2 
الفرع الخامس: العمل عند نقص الذكاء الفطري» وفيه مسألتان: 
المسألة الأولى : حث الطالب على الاستمرار فى الطلب وإعانته 

على ذلك. ۰ 
المسألة الثانية : إرشاد الطالب إلى أن يأخذ من العلم ما يتعين عليه 

ثم الانصراف إلى ما يلائمه من الأعمال الصالحة الأخرى. 





المطلب الثاني : الطبيعة المعتدلة» وفيه ثلاثة فروع: 

الفرع الأول: التعريف بالطبيعة» وأثرها في السلوك والتفكير. 

الفرع الثاني: وصف الطبيعة المعتدلة التي ينبغي أن يتصف بها 
الفقيه. 

الفرع الثالث: موقف المتفقه من الأخلاق الخارجة عن الاعتدال» 
وفيه خمس مسائل : 

المسألة الأولى: الصفات الشخصية بين الثبات وقابلية التغيير. 

المسألة الثانية : الشريعة لا تأمر إلا بالممكن. 

المسألة الثالثة: الموقف من الصفات القابلة للتغيير. 

المسألة الرابعة: الموقف من الصفات الثابتة. 

المسألة الخامسة: إذا وقع الخطأ بعد الاجتهاد فصاحبه مثاب 


وخطؤه مغفور. 
المطلب الثالث : الرغبة في اكتساب الملكة الفقهيةء وفيه ثلاثة 
فروع: 


الفرع الأول: أثر وجود الرغبة في اكتساب الملكة الفقهية. 


ل ی 

الفرع الثاني : شروط الرغبة الدافعة إلى اكتساب الملكة الفقهية» 
وفيه ثلاث مسائل : 

المسألة الأولى: الاعتدال. 

المسألة الثانية: الاستمرار. 

المسألة الثالثة: الذاتية. 

الفرع الثالث: العمل عند ضعف الرغبة في طلب الفقهء وفيه 
مسألتان: 

المسألة الأولى: ترغيب النفس وإثارة دوافعها. 

المسألة الثانية: الموازنة بين مصلحة مراعاة حال النفس وإقبالها 
ومصلحة حمل العلم. 

المبحث الثاني : العناية بالقواعد والكليات» وفيه أربعة مطالب: 

المطلب الأول: نصوص الوحي» وفيه فرعان: 

الفرع الأول: أثر المعرفة بنصوص الوحي في اكتساب الملكة 
الفقهية» وفيه مسألتان: 

المسألة الأولى: نصوص الوحي محيطة بجميع ما يحتاج إليه الناس 
من العلم. 

المسألة الثانية: نصوص الوحي محصلة للعلم الراسخ. 

الفرع الثاني: سبل اكتساب الملكة الفقهية بالتفقه في نصوص 
الوحي. 

المطلب الثاني : أصول الفقه» وفيه ثلاثة فروع : 


0 الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها 3 

الفرع الأول: التعريف بأصول الفقه. 

الفرع الثاني: أثر العلم بأصول الفقه في اكتساب الملكة الفقهية. 

الفرع الثالث: سبل تنمية الملكة الفقهية بطريق العناية بأصول 
الفقه» وفيه مسألتان: 

المسألة الأولى: المعرفة بأصول الفقه. 

المسألة الثانية: الممارسة. 

المطلب الثالث: القواعد والضوابط الفقهية» وفيه ثلاثة فروع : 

الفرع الأول: التعريف بالقواعد والضوابط الفقهية والألقاب 
المقاربية لهاء وفيه مسألتان: 

المسألة الأولى: التعريف بالقواعد والضوابط الفقهية. 

المسألة الثانية: التعريف بالفروق والأشباه والنظائر والنظرية 
الفقهية. 

الفرع الثاني: أثر العلم بالقواعد والضوابط في اكتساب الملكة 
الفقهية. 

الفرع الثالث: سبل تنمية الملكة الفقهية بطريق العناية بالقواعد 
والضوابط. 

المطلب الرابع : مقاصد الشريعةء وفيه أربعة فروع: 

الفرع الأول: التعريف بمقاصد الشريعة. 

الفرع الثاني : أثر العلم بمقاصد الشريعة في اكتساب الملكة الفقهية. 

الفرع الثالث: العلم بمقاصد الشريعة شرط للاجتهاد. 





قدمة قو 
عم مقدمه E‏ 
ا 17 
الوا 2 ا e‏ 


الفرع الرابع: سبل تنمية الملكة الفقهية بطريق العناية بمقاصد 
الشريعة. 

المبحث الثالث : الممارسة المباشرة» وفيه تمهيد وعشرة مطالب: 

التمهيد في التعريف بالممارسة المباشرة وأثرها في جودة التعلم. 

المطلب الأول: العمل بالعلم. 

المطلب الثاني : أخذ العلم عن العلماء الربانيين. 

المطلب الثالث : إعمال الفكر في التفقهء وفيه ثلاثة فروع: 

الفرع الأول: التفكير ضرورة لتكوين الملكة الفقهية. 

الفرع الثاني : من مسالك تنمية الملكة الفقهية بطريق إعمال 
التفكيرء وفيه ثللاث مسائل : 

المسألة الأولى : عدم إمرار الإشكالات بلا حل. 

المسألة الثانية: تأمل المسائل المشكلة ومحاولة حلها قبل سؤال 
العلماء ومراجعة الكتب. 

المسألة الثالث: التحضير للدرس وشرخه قبل سماع شرح الشيخ. 

الفرع الثالث : التفقّه ببحث المسائل غير الواقعة. 

المطلب الرابع : المذاكرة والمباحثة» وفيه أربعة فروع: 

الفرع الأول: التعريف بالمذاكرة والمباحثة. 

الفرع الثاني : مكانة المذاكرة والمباحثة وأثرهما في تحصيل الملكة 
الفقهية. 


الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها يون 


"r 
7 





0 

الفرع الثالث: لمحات من استعمال العلماء أسلوب المذاكرة 
والمباحثة في التعلم والتعليم. 

الفرع الرابع: ازدياد العناية بأساليب المذاكرة والمباحثة في علم 
طرق التدريس الحديث. 

المطلب الخامس: النظر في أقوال الفقهاء وكتبهم للتفقه بها لا 
للتقليدء وفيه فرعان: 

الفرع الأول: أثر النظر في أقوال الفقهاء وكتبهم في اكتساب الملكة 
الفقهية. 

الفرع الثاني: شروط الانتفاع بالنظر في أقوال الفقهاء وكتبهم» وفيه 
أربع مشائل: 

المسألة الأولى: وجود القاعدة المعرفية. 

المسألة الثانية: جودة الاختيار. 

المسألة الثالثة: ملاءمة غرض القارئ لمقصد المؤلف. 

المسألة الرابعة: أن تكون القراءة قراءة ارتياض على الاجتهاد. 

المطلب السادس : تنوّع مصادر العلمء وفيه فرعان: 

الفرع الأول: أثر تنوع مصادر العلم في اكتساب الملكة الفقهية. 

الفرع الثاني: من أشكال تنوع مصادر العلم عند الفقهاء. 

المطلب السابع : التعليم. 

المطلب الثامن: البحث والتأليف» وفيه ثلاثة فروع : 

الفرع الأول: التعريف بالبحث والتأليف. 


رك مقدمة يفم 


الفرع الثاني : أثر البحث والتأليف في اكتساب الملكة الفقهية. 

الفرع الثالث: مما تلزم مراعاته من أراد البحث والتآليف» وفيه 
ثلاث مسائل : 

المسألة الأولى : الأهلية للتأليف. 

المسألة الثانية: أن يختار من أنواع التأليف ما هو أجدى في 
أكسات العلكة: 

المسألة الثالئة: احتواء التأليف على فائدة جديدة. 

المطلب التاسع : المناظرةء وفيه ثلاثة فروع : 

الفرع الأول : التعريف بالمناظرة. 

الفرع الثاني : أثر المناظرة في اكتساب الملكة الفقهية. 

الفرع الثالث: من آداب المناظرة. 

المطلب العاشر : التجربة وممارسة الحياة» وفيه فرعان: 

الفرع الأول: أثر التجربة وممارسة الحياة في تنمية الملكة الفقهية. 

الفرع الثاني : بعض مسالك التجربة وممارسة الحياة المستعملة لدى 
الفقهاء.» وفيه خمس مسائل : 

المسألة الأولى : مخالطة الناس ومعاملتهم ومعايشة أحوال الحياة. 

المسألة الثانية : مزاولة الفتوى والقضاء. 

المسألة الثالثة : مشاهدة التطبيقات الفقهية الصحيحة لتنزيل الأحكام 
على الوقائع. 

المسألة الرابعة: المعرفة بالتاريخ. 


ا الملكة الفقهية : حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها إجر, 
© غ5 5 ی 
E‏ 20 

o جوک‎ 


المسألة الخامسة : الاطلاع على العلوم الاجتماعية والنفسية. 

المبحث الرابع: التكرارء وفيه تمهيد وسبعة مطالب: 

التمهيد في التعريف بالتكرار وأثره في اكتساب الملكة. 

المطلب الأول: الانقطاع إلى طلب العلم والتفرغ له. 

المطلب الثاني : الحفظء وفيه فرعان: 

الفرع الأول: لمحة في عناية العلماء بالحفظ ومكانته من الملكة. 

الفرع الثاني: تقليل بعض الاتجاهات التربوية من شأن الحفظ 
ومناقشة هذا التوجه. 

المطلب الثالث : الاستذكارء وفيه فرعان: 

الفرع الأول: مكانة استذكار العلم وأثره في رسوخه. 

الفرع الثاني : من أساليب استذكار العلم لدى الفقهاء. 

المطلب الرابع : الاختصاص» وفيه ثلاثة فروع : 

الفرع الأول: الاختصاص بعلم الفقه من بين العلوم» وفيه 
مسالتان : 

المسألة الأولى: حاجة طالب الفقه إلى الاختصاص به. 

المسألة الثانية : ما يلزم المختص بعلم الفقه من العلوم الأخرى. 

الفرع الثاني: الاختصاص بباب أو فنّ من فنون الفقهء وفيه 
الان 

المسألة الأولى: جواز الاختصاص بعلم باب أو فن من الفقه ودعاء 
الحاجة إلى ذلك. 





المسألة الثانية: ما يلزم المختص بباب أو فن من الفقه من المعرفة 

بالأبواب والعلوم الأخرى. 

الفرع الثالث: إدامة النظر في كتاب أو كتب من كتب الفقه العالية. 

المطلب الخامس: التعليم. 

المطلب السادس : الاستمرار في طلب العلم. 

المطلب السابع : تقدم السن. 

الفصل الثالث : من ثمرات الملكة الفقهيةء وفيه الثمرات التالية: 

١‏ - إصابة الحق ولا سيما في المسائل الخفية. 

۲ - الرسوخ» ومن آثاره: 

أ - الثبات على الحق» والسلامة من التزلزل أمام الشبهات 
والمعارضات. 

ب - الاظراد والسلامة من التناقض. 

ت - طمأنينة الفقيه لصحة ما انتهى إليه اجتهاده. 

ث - هيبة الفتوى والتثيّت فيها. 

- التأهّل للقيام بفريضة الاجتهاد. 

٤‏ - التصور المحيط والشامل للمسألة المبحوثة. 

ه ‏ يُسر الوصول إلى الأحكام. 

١‏ الانفكاك من سلطان اللفظ. 

۷ - الاستشکال. 

6 - القدرة على التأصيل وإصدار الأحكام الكلية. 


الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها ر 






٩‏ - تمييز مراتب العلم. 

٠‏ - التناول الصحيح لمسائل الخلاف. 

١‏ -إدراك اتساق الشريعة واطراد أحكامها وبراءتها من التناقض 
والاختلاف. 

- استفادة الدلالات المتعددة من الدليل الواحد. 

۳ - إدراك الأوجه والاحتمالات التي يحتملها الدليل. 

٤‏ - الاستنباط. 

6 إقامة الأدلة المتعددة للمدلول الواحد. 

١‏ - تنوّع الاستدلال» واستثمار أنواع الأدلة كلها. 

١١‏ - النظر في متن الحديث عند الحكم عليه بالصحة أو الضعف. 

-الإيمان بالمتشابه ورده إلى المحكم. 

4 حسن الفهم للخلاف. 

٠‏ - حسن الفقه لآثار السلف. 

١‏ -الاستغناء بدلالة النصوص عن اجتهاد الرأي. 

57 - الوصول بالاجتهاد إلى ما يوافق النص. 

۳ - القول بالاستحسان. 

٤‏ اقل الدثيل .على المستدل: 

الخاتمة. 


7 
3 
Ê‏ 
سا 
م 





00 
١ 


9 


وبعد: 


فإني أتوجه إلى الله تعالى حامدا شاكرا على ما يسر وهدى» فهو 
سبحانه المعلم والمعين والهادي» وهو ولي النعمة ومُولِي الفضل› 
وإليه تعالى أرغب في أن يمن علي في هذا العمل بالعفو عن التقصير 
والزلل والخلل» فإني أبوء له بالنعمة» وأبوء بالذنب» وأرجو من رحمته 
وفضله أن يتلقى هذا العمل بلطفي منه ورحمة» وأن يكتب له القبول 
عنده والبركة. 


كما أسأله سبحانة أن يجري خير الجزاء كل من أعانتي وأفاذني 
وعلمني» اللهم فاغفر لعلمائنا علماء المسلمين» واجزهم عنا خير 
الجزاءء وارفع درجاتهم» اللهم وارحم والدي» واغفر لهما واجزهما 
عني خير الجزاء كما ربياني وعلماني» اللهم واغفر لمشايخي ومعلمي»› 
وارفع درجاتهم وأصلح ذرياتهم. وأخص منهم أستاذي المشرف على 
هذه الرسالة» سعادة الأستاذ الدكتور/ عبدالعزيز بن سعود الضويحي › 
الذي تفضل أوّلا بقبول الإشراف عليهاء ثم كان لمتابعته وعنايته 
الكريمة فضل كبير في تمام هذا العمل» فجزاه الله خير الجزاءء وزاده 
بركة ومعونة على كل خيرء وأصحاب الفضيلة فاحصي هذه الرسالة: 
الأستاذ الدكتور/ عبدالله بن محمد السعيدي» والدكتور/ عقيل بن 
عبدالرحمن العقيل» والأستاذ الدكتور/ محمد بن سعد المقرن» 
والدكتور/ نذير محمد الطيب أوهاب» فشكر الله لهم. وبارك في 
ع 


والحمد لله رب العالمين. 


ma3bad@gmail.com : للتواصل‎ 


الفصل الأول 


التعريف بالملحة الفقهية 
والأحكام المتعلقة بها 


وفيه ثلاثة مباحث: 

المبحث الأول : التعريف بجزءي (الملكة الفقهية) 
المبحث الثاني : التعريف بالملكة الفقهية مركبة 
المبحث الثالث : الأحكام المرتبة على الملكة الفقهية 





6 


المبحث الأول 
التعريف بجزءي الملكة الفقهية 





وفيه مطلبان: 
المطلب الأول: التعريف بالملكة 
المطلب الثانى : التعريف بالفقه 


المطلب الأول: التعريف بالملكة: 
وفيه فرعان: 
الفرع الأول: الملكة في اللغة 
الفرع الثاني : الملكة في الاصطلاح 


الفرع الأول: المَلكة في اللغة: 
بفتح الميم واللام والكاف. مصدر مَلَّكَ يَمْلِك مُلْكا ويِلكا ومَلَكّة 
وممْلكة و و أ احتوى الشيء قادرا على الاستبداد به. 
قال أقن العن ناتملك كا لأر ات 
مَلَكةٌ العَبْدِء أي: رِقُهُ وفي الحديث: «لا يدخل الجنة سيئ 


الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها مم 


ا 0201 
المَلَكة»'» أي : الذي يسيء صحبة المماليك”" وفي الحديث أيضا : 
اخسن المَلَكة :ٌ وفي الأمثال: «الشرط أَمْلَّك عليك أحْ 
لی ا 30 و 8 ى( 





وكاقة الأسماء والأفعال المتصرفة من مادة (ملك) تلتقي في دلالتها 
على قوَّةٍ الشيء وتماسّكهء فمنها: المَّلْك: ما ملكت اليد من مال 
وخََوّل”'': والمّمْلّكة: سلطان الملِك في رعيته» والمَمْلكة أيضا: وسط 
الشيءء ويلاك الأمر: ما يَعتمد عليهء ومَلَكْتُ الطعامً: إذا أجدتَ 
عجنه فتماسك وقَوِي» ومَلَكَ الخِشّْك”" أمّهِ: إذا قوي وقدر أن يتبعهاء 


)١(‏ رواه الترمذي في سننه» كتاب البر والصلة. باب ما جاء في الإحسان إلى الخادم» 
برقم ,.)١955(‏ وار بن ماجه في سئئنه» كتاب الأدب» باب الإحسان إلى المماليك» 
برقم (۳۹۹۱)ء من حديث أبي بكر ؤلإنه» وفيه فرقد السبخي» قال الترمذي : «حديث 
غريب» وقد تكلم أيوب السختياني وغير واحد في فرقد السبخي من قبل حفظه». 
وضعفه أيضا العراقي والبوصيري. انظر: المغني عن حمل الأسفار (١/1۸۳)ء‏ 
مصباح الزجاجة (6٤/۸٠۱)ء‏ خلاصة الكلام في تخريج أحاديث بلوغ المرام 
ص٣٣۱۲‏ . 

(۲) النهاية في غريب الحديث والأثر (ملك) ص ۸۸۲. 

(۳) رواه أحمد فی مسنده )١701/4(‏ 7/0 007). وأبو داود فى سئنه؛ كتاب الأدب». باب 
في حق المملوك؛ برقم (0117, 017)» من حديث رافع بن مكيث الجهني وَلِن» 
وضعفه العراقي والألباني» فيه راو مجهول. وآخر مبهم. انظر: مسند الإمام أحمد 
(547/70). سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة )7١8/17(‏ (2)7/44 تخريج 
أحاديث إحياء علوم الدين .)٠١١١ /٤(‏ 

(5) مجمع الأمثال (۱/ .)۳١۷‏ 

(5) انظر: المغرب في ترتيب المعرب .)۲۷٤/۲(‏ 

(5) الحَوّل: ما أعطاك الله تعالى من النَعَم والعبيد والإماء وغيرهم من الحاشية. انظر: 
الصحاح (خ و ل) (3540/5)., القاموس المحيط (خ ا ل). ص495. 

(۷) الخشف: بخاء مثلثة» ولد الظبي أولّ ما يولد أو أول مشيه. القاموس المحيط» (خ ش 
ف)» ص 8 .8١‏ 


28 الفصل الأول: التعريف بالملكة الفقهية والأحكام المتعلقة بها N‏ 
HT 2‏ 


م س 
وناقةً يلا الإبل: إذا كانت الإبل تتبعهاء وهذا يلك يدي» وله 
مَلَكُوْت العراق: أي عزه وسلطانه» وخَلَّ عن يِلّك الطريق: أي وسطهء 
وما تمالك فلان: أي لم يستطع أن يحبس نفسه» وما له مَّلاك: أي لا 
ا 


الفرع الثاني : المَلكة في الاصطلاح : 
وفیه ثلاث مسائل : 
المسألة الأولى: تعريف الملكة اصطلاحا. 
المسألة الثانية: مصدر مصطلح (الملكة). 
المسألة الثالثة: موضوع الملكة. 


المسألة الأولى: تعريف الملكة اصطلاحا : 


a, ese‏ اي 
الملكة مصطلح فلسفي الاصل 2 فشترك بين معنيين ‏ : 
اعد هين اف ال اا ف ال 


(1) انظر مادة (م ل ك) في : العين /٥(‏ ١۳۸)ء‏ تهذيب اللغة (۲۹۹/۱۰). أساس البلاغة 
(۲/ ۲۲۷). مقاييس اللغة ,)70١/5(‏ الصحاح (٤/١١١۱)ء‏ المحكم (۷/ ٤٤)ء‏ 
المخصص (۳۲۳/۱)ء لسان العرب (١٠/۹4۲٤)ء‏ القاموس المحيط صغ405. 
المصباح المنير ص٤۷٤»‏ تاج العروس .)٤١/۲۷(‏ 

(۲) انظر: المسألة الثانية من هذا الفرع : مصدر مصطلح الملكة» ص١4.‏ 

(۳) انظر: الكليات ص805» كشاف اصطلاحات الفنون والعلوم »)١١89/5(‏ المعجم 
الوسيط (ملك) (۲/ .)۸۸٦‏ 

)٤(‏ انظر: التعریفات ص۲۲۹ الكليات ص٤۳۷‏ التوقيف على مهمات التعاريف» 
ص۹٥۷٦‏ . كشف الظنون /1١(‏ 070 جامع العلوم في اصطلاحات الفنون (۳/ ۲۲۸)»= 


الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها 2 






يي 
حالاء ومن شأن الحال أن يكون سريع الزوال» فإذا تكرر الفعل 
ومارسته النفس حتى رسخت تلك الكيفية وصارت بطيئة الزوال قيل 
لها ملک 


ومثال ذلك: طالب علم النحو يتعلم قواعده ويتدرّب على التزامه 
في منطقه ويحاول إصابة الإعراب في حديثه وكتابه» فإذا ما استمر في 
ذلك وداوم تكراره صار النطق على الوجه العربي الصحيح ملكة مستقرة 
لهء لا يحتاج فيها إلى تذكّر القواعدء بل يجري على لسانه سهلا 
حاضرا بلا تكلف. 


ومن ذلك: الملكة التي تكون لنقّاد المحدثين من دوام نظرهم في 
متون الأحاديث وأسانيدهاء فيكون لأحدهم بصيرة يميز بها السقيم من 
الحديث» ولو لم يقف له على علة معينة أو ضعف ظاهرء يقول ابن 
دقيق العيد -رحمه الله-: «أهل الحديث كثيرا ما يحكمون بذلك”") 
باعتبار أمور ترجع إلى المروي وألفاظ الحديث» وحاصله يرجع إلى أنه 
حصلت لهم لكثرة محاولة ألفاظ الرسول يية... ملكة يعرفون بها ما 


-المعجم الوسيط (الموضع السابق)» معجم لغة الفقهاء ص0۹٤۰‏ كشاف اصطلاحات 
الفنون والعلوم (۲/ .)۱۳۹٩‏ التقرير والتحبير (۱/ ۱۸)ء (۲/ ۲٤۲)ء‏ الجر جرخ 
التحرير /١(‏ ۲١۲)ء‏ تيسير التحرير /١(‏ ١١)ء‏ غاية الوصول في شرح لب الأصول 

(1) انظر: التعريفات (الموضع السابق)ء الكليات (الموضع السابق)ء جامع العلوم 
(الموضع السابق). 





: عم الفصل الأول: التعريف بالملكة الفقهية والأحكام المتعلقة بها الم 
ع 0 0 1 1 
يجوز أن يكون من ألفاظ النبي بيه وما لا يجوز أن يكون من 


ألا ل 


وهذا يجري في كل المهارات والعلوم التي لها جانب تطبيقي › 
كالحساب والطب». وكالرياضات البدنية» ويجري أيضا ف المهن 
والحرف» كالنجارة والحدادة» وبه أيضا تكتسب الأخلاق الحميدة» 
كما يجري في الأفعال التي يزاولها الإنسان في حياته ويحتاج في بدء 
اكتسابها إلى ذربة وتمرين» كقيادة السيارة والسباحة والكتابة بالحاسب 
الآلي» فإنه في أول تعلمه لها يستطيع الإتيان بها لکن بعناءِ وتذگر» ثم 
تصبح ملكات قارة. 


ويصف هذه الحقيقة نجم الدين الطوفي فيقول: «من المعلوم 
بالوجدان أن النفوس يصير لها فيما تعانيه من العلوم والحرف ملكات 
قارة فيهاء تدرك بها الأحكام العارضة في تلك العلوم والحرف... 
ويسمي ذلك أهل الصناعات وغيرهم: دُربة» وأهل التصوف: ذوقاء 
وأهل الفلسفة ونحوهم: ملك 


ومثال ذلك: الدلالون في الأسواق قد صار لهم دُربة بمعرفة قيم 
الأشياء؛ لكثرة دورانها على أيديهم ومعاناتهم» حتى صاروا أهل خبرة 


)١(‏ الاقتراح في بيان الاصطلاح ص٥۲٠‏ وانظر: معرفة علوم الحديث (١/١١١)ء‏ الجامع 
لأخلاق الراوي وآداب السامع (۲/ ۳۸۲)ء جامع العلوم والحكم »)٠١١ -٠٠١/۲(‏ 
النكت على مقدمة ابن الصلاح للزركشي )۲/ 1€(« المقنع في علوم الحديث /١(‏ 
9 فتح المغيث (۳/ ۳۹)ء نزهة النظر ص1۸ الملكة النقدية عند المحدثين وكيفية 
بنائهاء للدكتور/ عبدالجبار سعيدء في مجلة الزرقاء للعلوم والدراسات» المجلد 
الثامن» العدد الأول ص51-77. 


الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها | 





يرجع إليهم شرعا في قيم الأشياء» فيركب أحدهم الفرس فيسوقه أو 
يراه رؤية مجرّدة» أو يأخذ الثوب أو غيره من الأعيان على حسب ما 
هو دلال فيه فيقول: هذا يساوي كذاء أو قيمته كذاء فلا يخطئ بحبة 
زيادة ولا قفا . 


ويربط بدر الدين الزركشي بين الملكة وقاعدة عقلية هي (الفرق بين 
العلم بالشيء والعلم بالعلم بالشيء)ء و(الفرق بين حضور الشيء 
وحضور تذگره)» فقد يكون الشيء حاضرا ولا يحضرنا تذكره» ومثال 
ذلك: ملكة الكتابة» فالكتابة تتوقف على العلم بكيفية التركيب بين 
الحروف وترتيبها» ثم إنها تكثر وتتكرر حتى تصير ملكة للنفس» فيكتب 
الكاتب ولا يستحضر في ذهنه رسم الحروف ورتبهاء وفي الحقيقة قد 
حصل ذلك الرسم والترتيب ولكن لم يحضره تذكّره'". 

ويُعرف الشيخ الطاهر بن عاشور -رحمه الله- الملكةء مبينا أن 
تحصيلها هو القصد من تعلّم جميع العلوم فيقول: «ما القصد من كل 
علم إلا إيجاد الملكة التي استّخدم لإصلاحهاء ونعني بالملكة: أن 
يصير العمل بتعليمات العلم كسجية للمتعلم لا يحتاج معها إلى مشايعة 
القواعد إياه»0”" . 


فالملكة مؤلّفة من أمرين : مرف ار ماء ورسوحٌ في تلك المعرفة» 
ويظهر أثر ذلك في قدرة صاحب الملكة على الفعل على وجه من اليسر 
)١(‏ شرح مختصر الروضة ("/ .)١1947‏ 


(؟) انظر: المنشور (0179/6). 
)۳( أليس الصبح بقريب ص۷١٠‏ 


.تم الفصل الأول: التعريف بالملكة الفقهية والأحكام المتعلقة بها م 


والسهولة والطمأنينة والثقة؛ لكون الفعل يصدر عنه عفوا كالطبيعة 
والسجية» كما أن الفعل يصدر منه على وجه صحيح؛ إذ لا معنى 
لسهولة الفعل مالم يأت على الوجه الصحيح» ويكون صاحب الملكة 
قادرا على التصرف في الأحوال المتغيرةء قادرا على الإبداع 
ب(المهارة)ء التي تُعرّف بأنها: القدرة على القيام بنشاط عقلي أو 
انفعالى أو حركي أو جميع ذلك». ويتطلى"تعلميها أو اكتيابها الشهولة 
والدقة واقتصاد الوقت فى أدائها. 
وتعَرّف أيضا باتها؟ براعة تنمو بالتعلم. وقد تكون حركية أو لفظية 
0 2 ا )۳( 
أو عقلية أو مزيجا من أكثر من نوع ٠.‏ 
وللمهارة في بحوث علم النفس التربوي خصائص نجدها بارزة في 
المهارة الفقهية (الملكة)» فمن خصائص المهارة" : 
© أنها مزيج مركب من عناصر عدةء فهي تتضمن معارف 
ومعلومات› وقدرات عقلية» وقد تحوي عددا من المهارات 
الفرعية الجزئية التي تتصف بالتكامل فيما بينهاء وقد يبلغ 
الامتزاج بين هذه العناصر مبلغ التعقيد» بحيث يختلف الخبراء 
فى وصف الطبيعة الدقيقة للمهارة. 


.١16ص سيكولوجية المهارات‎ )١( 

00( سيكولوجية المهارات ص٦۰۱‏ وينظر : علم النفس التربوي ص۷٥1‏ ۰ تعليم التفكير 
ومهاراته ص‌۲۷۷. 

(۳) انظر: علم النفس التربوي ص ٠٦٦١-٠١۸‏ سيكولوجية المهارات ص۳۲-۲۳. تعليم 
التفكير ومهاراته ص۲۷۹. 


0 الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها بير 
# عجو ا 


© أنها تكتسب بالجمع بين المعرفة النظرية والممارسة والتدريب. 
© أن صاحب المهارة يستطيع القيام بها بتلقائية وعفوية (الدقة مع 
السرعة). 
© قدرة صاحب المهارة على أدائها حتى في الأحوال الصعبة 
والمتغيرة. 
© ثقة صاحب المهارة بأدائه» ونقص مشاعر التردد والتوتر. 
© زيادة المرونة في الأداءء والقدرة على توقع النتائج؛ نتيجة 
للتأهب للظروف أوالشروط أو المواقف المتغيرة» ونقص الشعور 
بالمفاجأة أثناء الأداء. 
© النمو المتدرج» فالمتعلم يكتسبها على مر الوقت» فيبدأ وهو 
قليل المهارة. ويرتقي شيئا فشيئاء في نمو لا يبدو جليا إلا عند 
المقارنة بين حال المتعلم في بدء التعلم ا وال هدوقت 
طويل من التعلم. 
ويوضح هذا النمو المتدرج الذي تتسم به الملكة: مستويات 
الأهداف المهارية» وهي سبع مستويات» ترتقي من الأدنى إلى 
الأعلى : 
فالمستوى الأول: مستوى الإدراك. وهو تصور المتدرب للمهارة 
تصورا نظريا صحيحا. 
والمستوى الثاني : التهيؤء وهو الاستعداد النفسي للمتعلم لأداء 
المهارة. 
والمستوى الثالث: الاستجابة الموجهة. وهي المرحلة الأولى من 





بع الفصل الأول: التعريف بالملكة الفقهية والأحكام المتعلقة بها 0 


5 


ممارسة المهارة» وتتسم باعتماد أداء المتعلم للمهارة على التقليد 
والتكرار والمحاولة والخطأ. 


والمستوى الرابع : الاستجابة الآلية» وهى أن يؤدي المتعلم المهارة 
بصورة اعتيادية فيها نوع من الثقة والجرأة. 

والمستوى الخامس: الاستجابة المركّبة» وهى أداء المهارة بثقة 
وجرأة -كالمستوى السابق- مع دقة تامة ومهارة عالية وبأسرع وقت وأقل 
جهد. 

والمستوى السادس: التكيئفء وهى أداء المهارة على النحو 
الموصوف آنفاء مع القدرة على تعديل نمط المهارة بحسب ما يقتضيه 
تغير الموقف. 

(0). 7 

الابتكار وتطوير المهارة"'". 

وإلى هذاء فقد عُنى الباحثون النفسيون بتحليل المهارة إلى مكوناتها 
الأساسية» ولعل من المفيد هنا الإشارة إلى هذا التحليل لما فيها من 
تفسير لعناصر المهارات (الملكات) الفقهية. 

فالمهارة تتألف من مكونات أربعة» هى : 

© المكون المعرفي: لكل مهارة تعليمات وشروط يتوقف إتقان 


)١(‏ انظر: المنهج أسسه ومكوناته ص ٠١۳-٠۲۰‏ . استراتيجيات التدريس في القرن الحادي 
والعشرين ص٤۷۹-۷»‏ وينظر : التعليم والتعلم وعلم النفس التربوي ص55١.,‏ المنهج 
المدرسى المعاصر ص‌۱۲۳-١١٠.‏ 


e‏ الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها ا 


R2 
ا‎ 


المهارة على العلم بهاء فالمكون المعرفي للمهارة هو دراية 
المتعلم بتلك المعلومات. 
© المكون الإدراكي: وهو قدرة المتعلم على توجيه انتباهه نحو 
المؤثرات المختلفة. وإدراكها على نحو جيد» وتمييزها عن 
عرفا 
© المكون التنسيقي: وهو قدرة المتعلم على التنسيق بين المؤثرات 
الخارجية وبين استجاباته لها حتى تكون متآزرة متلائمة. 
© المكون الشخصي: وهي الخصائص الشخصية المؤثرة في أداء 
المهارة. كالقدرة على الاسترخاء والاحتفاظ بالهدوء عند 
الاستثارة» وكالجُرأة والإقدام على المخاطرة'. 
ومناسبة المعنى الاصطلاحي للمعنى اللغوي ظاهرة؛ فالملكة في 
أصل الوضع اللغوي هي امتلاك الشيء» وامتلاك الشيء يتضمن 
استقراره بيد مالكه وتمكنه من التصرف فيه» ولا شك أن من اتصف 
بصفة راسخة فهو مالك لها. 
وهذا المعنى للملكة هو المستعمل عند الفقهاء والأصوليين 
الما خرو وهو المقصود فى هذا البحث. 
وأما المعنى الآخر للملكة فهو: ما يقابل العدم. والملكة بهذا 
المعنى: هي الاستعداد والقابلية» فيعرفونها بأنها: كل معنى وجودي 
ا are e E‏ 00 
امكن أن يكون ثابتا للشيءء والعدم المقابل له: ارتفاع هذه الملكة 5 


)١(‏ انظر: علم النفس التربوي ص7717-577. سيكولوجية المهارات ص”5-7". 
)۲( انظر: غاية المرام في علم الكلام ص١5,‏ التدمرية بتحقيق د. محمد السعوي ص07١-‏ 





5-85 الفصل الأول: التعريف بالملكة الفقهية والأحكام المتعلقة بها ا 
EY E ES‏ 
كت اه 


وغارة أخرق : القدرة على الفعل" وارك 
فيقال مثلا: الحيوان له ملكة السمع والبصرء أي أنه قابل لهذا 
الصفة. بخلاف الحجر فهو غير قابل لها. 


المسألة الثانية: مصدر مصطلح (الملكة) : 
مع صحة هذا الاسم (الملكة) وأصالته في اللغة» فإن استعماله في 
هذا التصى المشانإليه ليس استحمالا ماتورا'عن العرت» ولا من 
استعمال الشرع في نصوص الكتاب والسنة؛ لكنه اصطلاح حادث» 
استعمله أوّلا أصحاب العلوم العقلية» ثم نفذ إلى العلوم الشرعية مارا 
من علم المنطق. فشاع في كلام المتأخرين» واستعملوه في كتبهم 
وشروحهم» ولا سيما كتب أصول الفقه ومصطلح الحديث وغيرها؛ 
ومما يدل على ذلك : 
© خلو المعاجم اللغوية من هذا المعنى» مع توسّعها واستيعابها 
الامعمالات والدلالات: والاشتفاقات7 
© عدم وروده على ألسنة المتقدمين من العلماءء مع تعرضهم 
لمدلوله في مقامات عدة» كحديثهم عن الاجتهاد وشروط المفتي 
والقاضي وصفة التعليم والمعلم ونعتهم من يترجمون له. وإنما 
كاتا يعبرون عن هذا المعتى 'بكلمات أعستاتي إن شناء اله ٠‏ 


=(حاشية)ء المعجم الفلسفي» ص۱۹۲ برقم .)٠٠٠١(‏ الكليات ص٦٠۰۸‏ كشاف 
اصطلاحات الفنون والعلوم (۸۹/۲)ء المعجم الوسيط (ملك) (۲/ .)۸۸٦‏ 

.7”١ص انظر ما سبق في التعريف اللغوي‎ )١( 

(؟) انظر: المطلب الثاني من المبحث الثاني من هذا الفصل: (الكلمات المرادفة للملكة 
الفقهية في لسان السلف والعلماء) ص5 0. 


5 


د 


(۱( 
(۲( 


(۳) 


(€) 


(0) 


(3 


الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها يعر 5 


تت 
فلم أقف على هذه الكلمة فيما رجعت إليه من كتب الأصول 
والحديث والتراجم المتقدمة زمنا"» ثم عرزت ذلك بالبحث 
الإلكتروني”"'» ومن أقدم من وجدته استعمل هذه الكلمة: محمد 
ابن زكريا الرازي (ت: 7ااه)2'"7 ومسكويه (ت: ١417ه)‏ ,2 


وابن :. سنيتا (۲۸ )° والغزالي (ت : ۰0 ۵0۰ 0 وابن باجه 


مما سيأتي بيانه في قائمة مراجع البحث. 

عن كلمة (ملكة. الملكة). في برنامج جامع الفقه الإسلامي إنتاج شركة حرف» 
والمكتبة الشاملة (الإصدار .)٤۸.۳‏ 

في رسائل فلسفية» ص١7.‏ 

ومحمد بن زكريا الرازي: طبيب فيلسوف شهيرء تولى الإشراف على بيمارستان الري. 
ثم بيمارستان يغداد». وكان كثير التصنيف. ذا مروءة وإحسان إلى المرضى. انظر : سير 
أعلام النبلاء /١5(‏ 8654 الأعلام .)٠١١ /١(‏ 

في تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق.» ص۲۹ء .٠٤١ »٤١‏ 

ومسكويه هو: أحمد بن محمد بن يعقوب» اشتغل بالفلسفة والكيمياءء ثم بالتاريخ 
والأدب والإنشاء» كان قيما على خزانة كتب ابن العميدء ثم كان كاتبا لبني بويه» من 
مؤلفاته : تجارب الأمم» وتهذيب الأخلاق. انظر: معجم الأدباء -٤4٤/۲(‏ ٥4٤)ء‏ 
الأعلام .)۲١١/١(‏ 

في القانون في الطب (۱/ .)١١١‏ 

وابن سينا: هو الحسين بن عبدالله بن الحسن بن علي بن سيناء الملقب بالرئيس» نبغ 
في الطب والعلوم العقلية صغيراء وفاق معلميه» وكان نادرة زمانه علما وذكاء» له قريب 
من مائة مصنف. منها: القانون» والشفاءء والنجاة» قال الذهبى: هو رأس الفلاسفة 
الإسلامية» لم يأت بعد الفارابي مثلهء كفره الغزالي في المنقذ من الضلال. انظر: 
وفيات الأعيان .)١77-١101//5(‏ سير أعلام النبلاء (11/ ١اه-/ه).‏ الأعلام (؟/ 
-515). 

في کتبه» منها: معیار العلم» ص 2.7847 .77١‏ 

والغزالي هو: محمد بن محمد بن محمد» أبو حامد الطوسي الشافعي» الملقب بحجة 
الإسلام» كان رأسا في علم الفقه والأصول والكلام والتصوف» من كتبه : إحياء علوم 
الدين» والمستصفى › وشفاء الغليل» وتهافت الفلاسقة: وله في الفقه: البسيط- 


بع الفصل الأول: التعريف بالملكة الفقهية والأحكام المتعلقة بها 


ق 
a 3 . . 2‏ 
+ او ا ا €۳ 3 
ج یس“ 


8 
(ت: ۳۳٥ھ)'‏ وابن رشد الحفید (ت: ۹۰ھ))» وهؤلاء 
جميعا فلاسفة أو لهم استمداد من الفلاسفة» ثم انتشر بعد ذلك 
© أن جماعة من المؤلفين فى التعريفات الاصطلاحية نسب هذا 
الاصطلاح إلى الخ كا6 ار المنطقيين7” 
غير أن حداثة هذا الاصطلاح لا تقدح فيه ولا تعيبه. بل هو 
مصطلح مقبول سائغ؛ لبراءته من منافاة شيء من مقررات الكتاب 
والسنة» وموافقته لسَنن اللغة» ومطابقته للواقع؛ فكان مصطلحا مقبولا 
كسائر المصطلحات الحادثة في العلوم الإسلامية. 


=والوسيط والوجيز. انظر: وفيات الأعيان (۳/ 701), طبقات الشافعية الكبرى /٤(‏ 
۱ الأعلام (۷/ ۲۲). 

)0( في : رسائل فلسفية ص٤ ٠»‏ 0 
وابن باجه: هو محمد بن يحيى بن الصائغ التجيبي السرقسطي» أبو بكرء فيلسوف 
طبيب شاعرء عنه أخذ ابن رشد الحفيد. انظر: عيون الأنياء فى طبقات الأطباء 
ص٦۱١‏ سير أعلام النبلاء /۲١(‏ 4۳)ء هدية العارفين (۸۷/۲). ٠‏ 

)( في كتبه ٠‏ منها تلخيص الخطابة ص1. 
وابن رشد: هو محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد القرطبى المالكى» الشهير بالحفيدء 
فيلسوف فقيه طبيب» من مؤلفاته: فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من 
الاتصال. والضروري في أصول الفقه. وبداية المجتهد. وتهافت التهافت (في الرد 
على الغزالي). انظر: الدیباج المذهب ص٤۲۸ء‏ شذرات الذهب ٠ .)۳۲١/۹‏ 

(۳) انظر: جامع العلوم في اصطلاحات الفنون (۲۲۸/۳)ء فقد عزا هذا المصطلح إلى 
(الحكماء)ء وهم في عرفهم: الفلاسفة» وفي كشاف اصطلاحات الفنون والعلوم /١(‏ 
)3١‏ نسب هذا المصطلح إلى العلوم العقلية» وكذلك في الكليات ص٤۳۷‏ عزاه إلى 
عرف أهل المنطق» وفي شرح مختصر الروضة للطوفي )١197/(‏ أضافه إلى أهل 
الفلسفة. 

(5) انظر: الصياغة الفقهية ص 7560-7594 ضوابط قبول المصطلحات العقدية والفكرية 
عند أهل السنة والجماعة ص۰۱۳۰ 2799 ۳۹۲. 


الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها ا 
که 


1 
المسألة الثالثة: موضوع الملكة: 

إن موضوع الملكة والمجال الذي تنشأ فيه هو: المهارات والسلوك 
والأفعال والتصرفات. 

فتكرار هذه الأمور يُصيّرها صفة راسخة في النفس» تفعلها بسر 
وتلقائية» بلا تكلّف ولا استحضار. 

وبهذا يمكن التمييز بين الملكة وبين مصطلحين آخرين مشابهين لهاء 
هما: الحفظ» والاعتقاد. 

فهذه الكلمات الثلاث (الملكة. الحفظء الاعتقاد) تجتمع في 
دلالتها على رسوخ أمر ما في الذهن؛ لكنها تختلف في صفة ذلك 
الرسوخ. 

فإن كان رسوحٌ فعل وسلوك كان ملكة. 

وإن كان رسوخ معرفة نظرية مجرّدة كان حفظا. 

وإن كان رسوخ تصديق ويقين كان اعتقادا. 

وعلى هذا فرسوخ العلوم في النفس قد يوصف بهذه الصفات الثلاثة 
بأنظار مختلفة» فرسوخ قواعد علم النحو -مثلا- في نفس النحوي يعد 
حفظا من جهة كونه معلومات نظرية ثابتة في الحافظةء ويسمى ملكة إذا 
كان قادرا على النطق العربي الصحيح بلا تكلف» ويسمى اعتقادا من 
جهة كونه يقينا راسخا بصحة هذه القواعد ومطابقتها للسان العربي. 

هذا ما يستفاد من استعمال العلماء لهذا المصطلح. فإنا نراهم 
يُطلقون الملكة بإزاء ما هو سلوك وتصرفء. سواء أكان هذا السلوك 
والتصرّف بحركة العقل أو النفس أو الجوارح» فهم يُعبّرون عن 


, بك الفصل الأول: التعريف بالملكة الفقهية والأحكام المتعلقة بها 0 
ا ج ص 3 


1 یو 


الحديث الموضوع زر ذلك ما عقت الإشارة اله قرا وما ساي 
ويطلقون أيضا اسم (الملكة) على مهارة أصحاب المهن في مهن 
ويُعرّفون العدالة -مثلا- بأنها ملكة تحمل على ملازمة التقوى 
والمروءة”"©» ويُعرفون الأخلاق بكونها ملكات” "2 ويُطلقون اسم العلم 
-كعلم الفقه أو الحساب- على الملكة الحاصلة من تكرّر ذلك العلم 
على ذهن متعلّمه حتى أصبح العمل بمقتضيات ذلك العلم أمرا سهلا 
ميسورا» وكل هذه الاستعمالات تلتقي في كون مجال الملكة 
ومحلّها هو التصرفات والسلوك. 
المطلب الثانى : التعريف بالفقه: 

الفِقْهُ في اللغة: المَهُمُّء والفظنة» والعلم بالشيء. 

والفعل المشتق منه: 

أ - فَقِهَ يَفْقَهُ أي فَهم. 

ب - وقَقّهَ يَفْفُهُ إذا صار الفقه سجية لهء أي صار فقيها. 
)١(‏ انظر: شرح مختصر الروضة (7/ .)١197‏ 
(۲) انظر: نزهة النظر شرح نخبة الفكر ص۳۸٠‏ فتح المغيث »)۲۸/١(‏ شرح نخبة الفكر 


للقاري ص27 7. 

(۳) انظر: مختصر منهج القاصدین ص۹۲٠‏ 

)٤(‏ فالعلم يطلق تارة على مجموع المسائل» وتارة على التصديقات بتلك المسائل» وتارة 
على الملكة الحاصلة من تكرار تلك التصديقات. انظر : كشف الظنون (١/۸)ء‏ أبجد 
العلوم (۱/ ۲۳ء ۳۸ 47). 


ددا الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها إيرر, 


ج - وَفَقَهَ يَفْقهِ إذا غلب غيره في الفقهء يقال: فاقَهَهُ -أي باحَنَّهُ في 


العلم- فمَقَهَها". 


والمصدر: الْفِقَه والققا7, 

وأما في العرف الإسلامي فقد غلب على اسم الفقه استعماله في 
العلم بالدين وفهمه خاصة؛ ففهم علوم الدين هو الفقه عند المسلمين» 
والعالم العامل بها هو الفقيه عندهمء هذا هو الشائع لدى السلف - 
رحمهم الل" ومما جاء عنهم في هذا المعنى: ماروي عن 
علي دنه أنه قال: ألا أنبئكم بالفقيه كل الفقيه؟ قالوا بلى. قال: من لم 
يقنط الناس من رحمة الله ولم يؤيسهم من روح الله ولم يؤمنهم من 
مکر الله ولا يدع القرآن رغبة عنه إلى ما وا 

وقول الحسن البصري -رحمه الله-: إنما الفقيه الزاهد في الدنياء 
الراغب في الآخرة» البصير بدينه» المواظب على عبادة ربه“. 


)١(‏ في (أصول الفقه. الحد والموضوع والغاية) للدكتور/ عبدالوهاب الباحسين قوله: لم 
نجد في المعاجم اللغوية ما يفيد أن (فَقَه) بفتح القاف: سبق غيره في الفهم. وتَبِعهُ ذلك 
تقع على الأصوليين الذين ذكروا ذلك. اه. ص۸٤ء‏ لكن يؤخذ هذا المعنى مما ذكره 
صاحب القاموس المحيط بقوله: «وفاقَهَهُ : باحَتّهُ في العلم» فَفَقَهَه -كنصره- : غلبه فيه». 

(۲) انظر مادة (ف ق ه) فى: العين »)7//١ /٠(‏ تهذيب اللغة (0/ 5 »)5٠‏ مقاييس اللغة /٤(‏ 
5» الصحاح (74/1؟). لسان العرب (۲۲/۱۳٥)ء‏ القاموس المحيط 
ص 21715٠‏ الفقیه والمتفقه (۱/ ۱۸۹). 

(۳) انظر: إحياء علوم الدين (۱/ ١۱۲-٤۱۲)ء‏ شرح صحيح مسلم للنووي «((TFT/Y)‏ فتح 
الباري /١(‏ ١٠٠)ء‏ البحر المحيط (۱/ ۲۳)ء ترتيب العلوم ص ۹١١٠ء‏ المدخل المفصل 
إلى فقه الإمام أحمد بن حنبل ص١47-5»‏ المدخل إلى الشريعة والفقه الإسلاميء 
ص٣۳.‏ 

.)۳۰٥( رواه الدارمي في سننه برقم‎ )٤( 

)٥(‏ رواه الدارمي في سننه برقم .)۳٠۲(‏ وانظر كلمات أخر في هذا المعنى في: سئن- 


0 الفصل الأول: التعريف بالملكة الفقهية والأحكام المتعلقة بها 





ا ا وعلوم E‏ 178 خادمة لها؛ 
تمايزت تلك العلوم. ا کا اا وانتدب إلى العناية 
بكل علم منها طائفة» وهنا أصبح اسم (الفقه) مختصا بالعلم بأحكام 
الشريعة العمليةء من أحكام العبادات والبيوع والأقضية ونحوهاء 
0 (الفقيه) هو 0 بتلك 0 ولا يزال هه هذا الو هو 

0 12201110 u 

الوجه الأول: إطلاق اسم الفقه على العلم بالأحكام الشرعية 
العملية» فالفقه على هذا هو: العلم بالأحكام الشرعية العملية من 
أدلتها الت ين 

وهذا التعريف للفقه بأنه العلم موافق للتعريف اللغوي للفقهء الذي 
سبق ذكره. 

والوجه الآخر: إطلاق اسم الفقه على الأحكام الشرعية نفسهاء 
والفقه بهذا الاعتبار هو: الأحكام الشرعية الفرعية". 


=الدارمي» الموضع السابق» وجامع بيان العلم وفضلهء باب من يستحق أن يسمى 
فقيهاً أو عالما حقيقة لا مجازا (؟/ 57- 44). 

.08 انظر: أصول الفقه؛ الحد والموضوع والغاية ص55-‎ )١( 

(۲) انظر: نهاية السول (١/۲۲)ء‏ جمع الجوامع مع شرح المحلي .)٤/١(‏ 
وقد عرف الفقه تعريفات كثيرةء ونوقشت تلك التعريفات» وهذا التعريف هو أشهر 
التعريفات وأسلمها. انظر: أصول الفقه» الحد والموضوع والغاية ص۳٦‏ البحر 
المحيط .)5١/١(‏ 

(۳) انظر: أصول الفقه لابن مفلح (١/١۱)ء‏ أصول الفقه. الحد والموضوع والغاية 
ص لا6. 


2 


N الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها‎ ١ 


لك 
3 5 

ه ۸ 4 مع 
# عة ¢ 


اا ال اكا ون كان اال ازا اطلى ف الت 
على ثمرته ول ان هو استعمال شر عى محفوظ. فقد جاء عليه قول 
النبى ية ارب حامل فقه ليس بفقيه» ورب حامل فقه إلى من هو أفقه 


مه 


.)۲۳/۱( انظر: البحر المحيط‎ )١( 

(۲) رواه أحمد في مسنده (05/ “1817) برقم )7١0940(‏ وأبو داود في سئنه» كتاب العلم» باب 
فضل نشر العلمء برقم (١٠٠۳)ء‏ والترمذي في سننهء أبواب العلم» باب ما جاء في 
الحث على تبليغ السماع» برقم (١١٠۲)ء‏ وابن ماجه في سننه» كتاب السنة» باب من 
بلغ علماء برقم (۲۳۰) من حدیث زید بن ثابت» وصححه البوصيري والألباني. انظر : 
مصباح الزجاجة (۱/ ۳۲)ء سلسلة الأحاديث الصحيحة .)1۷١ /١(‏ 





المسبحث الثاني 
التعريف بالملكة الفقهية مركبة 


التعريف بالملكة الفقهية هو مدار هذه الرسالة» فهي بجملتها تعريف 
بالملكة الفقهيةء لكن الغرض في هذا المبحث هو التقديم بتعريف 
جامع مُمهّد لما يأتي بعده من التفصيل. 

والملكة الفقهية -كما سيأتي- مصطلح حادث» غير مستعمل في 
لسان السلف. وإن كان مدلوله شائعا في كلامهم» وقد عبّروا عن 
الملكة بعبارات أخرى» والفقهاء والأصوليين الذين عبَروا ب(الملكة) لم 
يضعوا تعريفا لهاء وإنما سَّطرت لهم كلمات كاشفة لمعناها لا على 
سبيل الحدء بل على سبيل الوصف والتقريب والتعريف بالشيء بمثاله 


أو ثمرته. 
ولذا سيكون التعريف بالملكة الفقهية من مداخل عدة» تنتظمها 


المطلب الأول : عباراتٌ للعلماء يؤخذ منها مدلول الملكة الفقهية. 


المطلب الثانى : الكلمات المرادفة للملكة الفقهية في لسان السلف 
وال 


N‏ الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها امن 
EE‏ یک 
المطلب الثالث : تعريفات المعاصرين للملكة الفقهية والتعريف 
المختار. 
المطلب الرابع : موضوع الملكة الفقهية. 
المطلب الخامس : نسبة الملكة الفقهية. 
المطلب السادس: صلة الملكة الفقهية بالمصطلحات المقاربة لها. 
المطلب السابع : التدرّج والتجزؤ من خصائص الملكة الفقهية. 


المطلب الأول: عباراتٌ للعلماء يؤخذ منها مدلول الملكة 
الفقهية : 
جاءت عن العلماء -رحمهم الله- عبارات مفسّرة لحقيقة الملكة 
الفقهية وكاشفة لهاء إما بتوضيح حقيقتهاء أو بالتعريف بآثارها 
ولوازمها الدالة على اتصاف صاحبها بالملكة» وقد جاءت عنهم في 
سياق تعريفهم بالفقيه» أو المجتهد المتأهل للاإفتاء» أو وصفهم للفقه 
المأمول الذي ينبغي للمتفقه أن يتخذه غاية في طلبه. 
فمن تلك الكلمات: 
© «ليس الفقهة حمل الفقهء وإنما الفقه معرفة الفقه. والفطنة فيه» 
والفهم بمعانیه»'“. 
© «اسم الفقيه واقع على صفة في المرء» وهي فهمه لما عنده وتنبهه 
على حقيقة معانى ألفاظ القرآن والحديث,. ووقوفه عليهاء 
E TE‏ 


.)54/7( لسعيد بن الحداد المالكي. رياض النفوس‎ )١( 
.)١754 /7( (؟) لابن حزم. الإحكام شرح أصول الأحكام‎ 


( الفصل الأول: التعريف بالملكة الفقهية والأحكام المتعلقة بها 





© «إذا لم يتكلم الفقيه في مسألة لم يسمعها ككلامه في مسألة 
سمعها فليس بفقيه»”"". 

© العالم من «يكون اعتماده في علومه على بصيرته وإدراكه بصفاء 
قلبه» لا على الصحف والكتب. ولا على تقليد ما يسمعه من 
غيره4وإتنا المعلّد متاحب ‏ الشرع صلوات الله عليه وسَلامه فيمًا 
أ ا 


© «المفتي هو المتمكن من درك أحكام الوقائع على يسر من غير 
معاناة تعلم»”". 

© (إنما الحَبّر من يملي عليه قلبه ودماغه» وتبرز التحقيقات التي 
تشهد الفطر السليمة بأنها في أقصى غايات النظرء مشحونة 
باستحضار مقالات العلماء» مشارًا فيها إلى ما يستند الكلام إليه 
من أدلة المنقول والمعقول. يرمز إلى ذلك رمز الفارغ منه الذي 
ا ا 

رانف ل عدن 6 وان ف الین : 
واختلط الفقه بلحمه ودمه» حتى يقدر أن يقول فيما لم يطالع من 
المسائل براه كران مطاا لقرل العلا 


.)١٤/۱( لأبى حامد الغزالى» نقله عنه الزركشي في البحر المحیط‎ )١( 

(؟) لأبي حامد الغزالي. إحياء علوم الدين (۱/ ۲۹۰). 

(۳) لأبي المعالي الجويني. غياث الأممء ص 248١0‏ وقد نقلها عنه ابن الصلاح في أدب 
المفتى والمستفتى ص7”7» وابن حمدان في صفة الفتوى والمفتي والمستفتي ص؟7١.‏ 

(4) لتاج الدين السبكي. طبقات الشافعية الكبرى .)٠٠١ /١(‏ 

() لابن حجر الهيتمي. الفتاوى الفقهية الكبرى (5/ .)١97‏ 


4 


0-37 ا 
o 0‏ ا 
0 
یدو 


الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها ا 


نو 
د 


© «الفقيهُ حقيقة: من له أهلية تامة يعرف بها الحكم إذا شاء 


(1) 


(۲( 
(۳) 


بدلیله»(. 


من شروط المجتهد: «أن يكون فقيه النفس» أي: له قدرة على 
استخراج أحكام الفقه من أدلتها... فتضمن ذلك أن يكون عنده 
سجية وقوة يقتدر بها على التصرف بالجمع»› والتفريق› 
والترتيب» والتصحيح. والإفساد؛ فإن ذلك ملاك صناعة 
الفقه»". 
«العلوم ما دونت إلا لترقية الأفكار» وصقل مرائي العقول» 
وبمقدار ما يفيده العلم من ذلك ينبغي أن يزاد في اعتباره» فما 
القصد من كل علم إلا إيجاد الملكة التى استخدم لإصلاحهاء 
ونعني با لملكة: أن يصير العمم بتعليمات العلم كسجية للمتعلم 
2 16 + اله 222 
لا يحتاج معها إلى مشايعة القواعد إياه» . 
«ليس العلم رموزا تُحلء ولا كلمات تحفظهء ولا انقباضا 
وتكلفاء ولكنه نور العقل واعتداله وصلوحيته لاستعمال الأشياء 
فيما يُحتاج إليه منهاء فهو استكمال النفسء. والتطهر من الغفلة» 
والتأهل للاستفادة والإفادة» وما كانت العلوم المتداولة بين 
الناس إلا خادمة لهذين الغرضين» وهما: ارتقاء العقل لإدراك 
الحقائق» واقتدار صحابه على إفادة غيره بما أدركه هو؛ إذن 


لابن حمدان. صفة الفتوى والمفتي والمستفتي ص5 ١.ء‏ وانظر: المسودة (؟2)498/1 
شرح الكوكب المنير /١(‏ 57). 
علاء الدين المرداوي» التحبير شرح التحرير (۸/ .)۳۸۷١‏ 
للطاهر بن عاشور. آليس الصبح بقريب ص۷١٠.‏ 


ع الفصل الأول: التعريف بالملكة الفقهية والأحكام المتعلقة بها يي 
ا ا ل ٣ن‏ 


: ج‎ 
“ars” ١ 


فالعلوم التي تدرّس إن لم تكن الغاية منها ما ذكرنا فهي عبارة عن 
إضاعة العمر وامتلاء اك ولا يكاد يبلغ المتعلم الغاية 
المذكورة إلا متى تلقى العلوم بيقظة» وراقب غاياتها في أعماله. 
كمراقبة قواعد النحو في التكلم» وقواعد الفقه في المعاملة. 
وقواعد المنطق في الفهم والإفهام. فإن هو لم يفعل وتعاطى 
العلوم عن ذهول بما تقرر كان قد أضاع زمنا في التعلم عن غير 
استخمارء إلا ألفاظا حفظها»". 

© «طالب العلم إذا استمر في طلبه مرّت عليه أحوال ثلاثة... 


والثاني: أن ينتهي بالنظر إلى تحقيق معنى ما حصل على حسب ما 
أداه إليه البرهان الشرعي» بحيث يحصل له اليقين ولا يعارضه شك› 
بل تصير الشكوك إذا أوردت عليه كالبراهين الدالة على صحة ما في 
يديه» فهو يتعجب من المتشكك في محصوله كما يتعجب من ذي عينين 
لا يرى ضوء النهارء لكنه استمر به الحال إلى أن زل محفوظه عن 
حفظه حكماء وإن كان موجودا عنده» فلا يبالي في القطع على 
المسائلء أنْص عليها أو على خلافها أم لا 

فإذا حصل الطالب على هذه المرتبة فهل يصح منه الاجتهاد في 
الأحكام الشرعية أم لا؟ هذا محل نظر والتباس» ومما يقع فيه 
الخلاف... 

والثالث: أن يخوض فيما خاض فيه الطرفان"» ويتحقق بالمعاني 


.11١-5١١ص للطاهر بن عاشور. أليس الصبح بقريب‎ )١( 
يعنى أصحاب الحال الأولى والثانية من مراتب طلب العلم.‎ )۲( 


ا الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها بي 
1 ببس سس سس 
ی پک 


الشرعية منزَّلةَ على الخصوصيات الفرعية» بحيث لا يصده التبحر في 
الاستبصار بطرف عن التبحر في الاستبصار بالطرف الآخرء فلا هو 
يجري على عموم واحدٍ منهما دون أن يعرضه على الآخرء ثم يلتفت 
مع ذلك إلى تنزل ما تلخص له على ما يليق في أفعال المكلفين» فهو 
في الحقيقة راجع إلى الرتبة التي ترقى منهاء لكن بعلم المقصود 
الشرعي في كل جزئي فيها عموما وخصوصا. 

وهذه الرتبة لا خلاف في صحة الاجتهاد من صاحبهاء وحاصله أنه 
متمكن فيها حاكم لها غير مقهور فيهاء بخلاف ما قبلها فإن صاحبها 
محكوم عليه فيهاء ولذلك قد تستفزه معانيها الكلية عن الالتفات إلى 
الخصوصيات» وكل رتبة حكمت على صاحبها دلت على عدم رسوخه 
فيها» وإن كانت محكوما عليها تحت نظره وقهره فهو صاحب التمكين 
والرسوخ» فهو الذي يستحق الانتصاب للاجتهاد. والتعرض 
للاستنباط... 


ويسمى صاحب هذه المرتبة: الرباني» والحكيم› والراسخ في 
العلمء والعالم» والفقيهء والعاقل؛ لأنه يربى بصغار العلم قبل كباره. 
ويوفي كل أحد حقه حسيما يليق بهء وقد تحقق بالعلم وصار له 
كالوصف المجبول عليه» وفهم عن الله مراده»'. 
e‏ «رأَينا أن نذكر في هذا الكتاب”"' سبع مسائل مشهورة تجري 
مجرى الأصول لما يطرأ على المجتهد من مسائل هذا الباب» 


.)١۳۲-۱۳۱ /٤( للشاطبي. الموافقات‎ )١( 
كتاب الصرف». من بداية المجتهد.‎ 49 


2 00 ٣ 


أت عيسو عأ 


ك الفصل الأول: التعريف بالملكة الفقهية والأحكام المتعلقة بها هم 
فإن هذا الكتاب إنما وضعناه ليبلغ به المجتهد في هذه الصناعة 
رتبة الاجتهاد إذا حصّل ما يجب له أن يحصل قبله من القدر 
الكافي له في علم النحو واللغة وصناعة أصول الفقه... وبهذه 
الرتبة يسمى فقيهاء لا بحفظ مسائل الفقه ولو بلغت في العدد 
أقصى ما يمكن أن يحفظه إنسان» كما نجد متفقهة زماننا يظنون 
أن الأفقه هو الذي حفظ مسائل أكثرء وهؤلاء عرض لهم شبيه ما 
يعرض لمن ظن أن الخفاف هو الذي عنده خفاف كثيرة» لا الذي 
يقدر على عملهاء وهو بيّن أن الذي عنده خفاف كثيرة سيأتيه 
إنسان بقدم لا يجد في خفافه ما يصلح لقدمه» فيلجاً إلى صانع 
الخفاف ضرورة» وهو الذي يصنع لكل قدم خفا يوافقه» فهذا هو 
مثال أكثر المتفقهة في هذا الوقت»'. 


وقد أوضحّت هذه الكلمات: أن الملكة ليست حفظ فروع الفقه ولا 
أصوله. و لكنها الفهم للكتاب والسنة. والتنبه لمعانيهما ومضامينهما 
وعلل أحكامهماء والقدرة على استحضار ذلك عند الحاجة» وأن تنطبع 
المسائل ولم تسمع به وتستطيع الاستدلال لما تأتي به من حكم» حتى 
من الاجتهاد والتصرف فى الأحوال المتغيرة بإعطاء كل حال حكمها 
اللائق بهاء والجمع بين مقاصد الشريعة» ورعاية كل من كلياتها 
وجزثياتها. ثم يأتي ذلك كله سمحا يسيرا. 


.)١785 /”( بداية المجتهد‎ )١( 


کی الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها )يج 
0 ا 
2 عجن >" لعي 


المطلب الثانى: الكلمات المرادفة للملكة الفقهية فى لسان 
السلف والعلماء : 
ليست (الملكة الفقهبة) كلية:عشقة الاسععفال7 5 لكن مذلؤلها 


الفقه هو الفهم. وهو -كما مضى”"- يأتي مصدرا ل(فَقُه يفقّه). إذا 
صار الفقه سجية له» وصاحب هذه السجية هو الفقيه» وفي قول 
النبي ييه «رب حامل فقه ليس بفقيه»" فرق بين حامل الفقه والفقيف 
وبيان لكون الفقه هو الفهم والوعي» وقد مر قريبا قول ابن حزم -رحمه 
الله- : «اسم الفقه واقع على صفة في المرء» وهي فهمه لما عنده» 
وتنبّهُه على حقيقة معاني ألفاظ القرآن والحديث» ووقوفه عليهاء 
وحضور كل ذلك في ذكره متى أراده»”*'» وقول ابن الحداد المالكي : 
«ليس الفقه حمل الفقه. وإنما الفقه معرفة الفقه. والفطنة فيه. والفهم 
TE‏ 


وفي التعريف الاصطلاحي المشهور للفقه إشارة إلى أن الفقه الحق 


.4١ص انظر: مصدر مصطلح (الملكة)‎ )١( 
.٤٥ص انظر: التعريف بالفقه‎ )۲( 

(۳) سبق تخريجه ص۸٤.‏ 

() الإحکام شرح أصول الأحکام .)١١١/۲(‏ 
(۵) رياض النفوس (۲/ .)٦۹‏ 








بت الفصل الأول: التعريف بالملكة الفقهية والأحكام المتعلقة بها ور 
SE‏ ۷ 1ك 


هو الملكة» وأن الفقيه هو ذو الملكةء لا الذي يحفظ المسائل› 
فتعريف الفقه بأنه (معرفة الأحكام الشرعية الفرعية بالفعل أو بالقوة 
القريبة)”'' مبيّن لذلك» من جهة أن (المعرفة بالقوة) عبارة عن امتلاك 
القدرة والأهلية للمعرفة”" » وكذا تعريف الفقه بأنه (العلم بالأحكام 
الشرعية العملية من أدلتها التفصيلية)؛ لأن الذي يعرف الحكم بدليله 
هو المجتهد ذو الملكة؛ ولهذا قال ابن حمدان: «الفقيه على الحقيقة.. 
من له أهلية تامة يمكنه أن يعرف الحكم بها إذا شاء بدليله...؛ فكل فقيه 
و 

© فقه البدن. 

© فقه النفس. 

© فقه الطبع. 

لقد كان الاقتصار على كلمة (الفقه) و(الفقيه) كافيا في الدلالة على 
المراد بحسب اللغة» لكن التجوز الذي حدث في استعمال اسم 
(الفقه)» والترخص في إطلاق اسم (الفقيه) على من يحفظ الفروع وإن 
لم يكن عارفا بمآخذها قادرا على الاجتهاد””'؛ دعا العلماءً إلى 





.)٤١/١( انظر: شرح الكوكب المنير‎ )١( 

(۲) شرح الكوكب المنير .)47/١(‏ 

(*) انظر: نهاية السول .»)١9/١(‏ جمع الجوامع مع شرح المحلي .)57/١(‏ 

(5) صفة الفتوى والمفتي ص4١.‏ وانظر أيضا: شرح الزركشي على مختصر الخرقي (۷/ 
۸). التقریر والتحبیر (۲۹۱/۳)ء شرح الكوكب المنير (504/5- .)55١0‏ الفكر 
السامى ص8 .١‏ 

)0( ال ت جمال عبدالناصر فى الفقه الإسلامى ,)١7-1١١/١(‏ أصول الفقه الحد 
والموضوع والغايةء ٥۷-٥١‏ المدخل إلى الفقه الإسلامي» للخياطء ص١١.‏ 


e‏ الملكة الفقهية : حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها ع 
A j‏ ب E‏ 
عبد o‏ 


الاحتراز وتقييد (الفقه) بإضافته إلى البدن أو النفس أو الطبع؛ إيضاحا 
منهم أن الفقه الحق هو ما كان فقه وعي» لا فقه رواية وحمل. 

ولعل (فقيه البدن) أقدم هذه الكلمات ان وفيها صف 
البدنُ -وهو الجسد- بالفقه! تعبيرا عن امتزاجه به» كما قيل عن عمر بن 
محمد الشيرزي : «لو فصد عمر لجرى منه الفقه مكان الدم!»". 

وكذلك (فقيه النفس) استعملت في التراجم"» وفي كتب الأصول 
في صفات ١‏ ل 

و(فقيه البدن) عبارة المحدثين» و(فقيه النفس) عبارة الأصوليين”. 

وفي معنى هاتين الكلمتين نجد للجويني عبارة ثالثة هي (فقه 
الطبع)ء والطبع هو السجية التي جبل عليها الإنسان”' » وفيها تأكيد 


)١(‏ فقد وصف بها زائدةٌ بن قدامة (ت: ١١١ه)‏ أبا حنيفة. انظر : مناقب الإمام أبي حنيفة 
وصاحبيهء ص۲۹. 
ویحیی بنٰ بكير (ت: 177ه) الليتٌ بنّ سعد. انظر: تاريخ بغداد .)015/١5(‏ 
والإمام أحمد بن حنبل (ت: 178ه) أحمدٌ بنَ سعيد الدارمي. انظر: الكاشف للذهبي 
(1/€(. 
ويعقوب بن شيبة (ت: 177ه) يحبى بِنّ آدم. انظر: تهذيب الکمال (۱۹۱/۳۱)ء تاريخ 
الإسلام .)٤١۲ /۱٤(‏ 
وأبو حاتم الرازي (ت: ۲۷۷ه) الإمام الشافعي. انظر: آداب الشافعي ومناقبه» ص٩۸.‏ 

(۲) معجم البلدان (۳/ ۳۸۲). 

(۳) انظر: سیر اعلام النبلاء (۱/ ۲۹۷)ء (۳/ ۱٥)ء‏ (071/5)ء (ه/ .)171١‏ 

ء)٠٠١‎ ء۹٥‎ /۱( انظر: غیاث الأمم ص٩۸٤۰ 2.497 البرهان ص۳۳۲١ء المجموع‎ )٤( 
الوابل الصيب ص۲۳۲ . البحر المحيط (77*/5. 8/ 777). المدخل إلى مذهب‎ 
.۲۳۳ الإمام أحمد بن حنبل ص۲۲۳۴‎ 

)٥(‏ انظر: حلية طالب العلم ص۷٥.‏ مقدمة تحقيق كتاب : الكاشف في معرفة من له رواية 
في الكتب الستةء ت. محمد عوامة (١/۳٤)ء‏ نقلا عن شيخه عبدالله الغماري. 

(7) القاموس المحيط (طبع) ص۳٤۷.‏ 


.25 الفصل الأول: التعريف بالملكة الفقهية والأحكام المتعلقة بها دير 
يي ب ا حم اي ب ل حيو ييز 3104 


رع 
a‏ 


لمعنى الرسوخ والتمكن» فيقول: «لا يستقل بنقل مسائل الفقه من يعتمد 
الحفظ ولا يرجع إلى كَيْس وفطنة وفقه طبع...»'. 


% العلم: 

يطلق (العِلّم) في الاستعمال العربي وفي الاصطلاح العلمي ثلا 
إطلاقات: 

أحدها : إطلاقه على الإدراك"» فمن أدرك شيئا قيل: هو عالم به 
وعلى هذا الإطلاق عُرّف العلم بأنه: المعرفة» وعُرّف في لسان أهل 
الاصطلاح بأنه: إدراك الشيء على ما هو عليه إدراكا جازما. 

الإطلاق الثاني : نفس الشيء المدرّك» أي: المعلوم. 

ومن هذا الاستعمال قول النبي ييه «من سلك طريقا يلتمس فيه 
ا 


ومن هذا الباب: إطللاق العلم على مجموع المسائل والقواعد التي 
يجمعها موضوع واحد وتعالج بمنهج معين› فيقال: علم الفقه. وعلم 
الح 

الإطلاق الثالث : الملكة الغريزية الحاصلة توالى الأدرا كا" 


)١(‏ غياث الأمم ص589. 

(۲) انظر: الحاشية على المطول ص۸4٤»‏ أبجد العلوم .)١١/١(‏ 

(۳) انظر: الصحاح /٥(‏ ۱۹۹۰)». القاموس المحيط ص0١5١١.‏ 

.)١-۲۹/۱( انظر: التعریفات ص٥٥٠۰ آبجد العلوم‎ )٤( 

(5) انظر: الحاشية على المطول ص۸٤‏ أبجد العلوم .)١١/١(‏ 

(7) رواه مسلم في صحيحه. كتاب الذكر والدعاء» برقم (7199): عن أبي هريرة ذلهنه. 
(۷) انظر: الحاشية على المطول ص8 4» أبجد العلوم .)١7/١(‏ 


ع الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها ج , 


ا 
E 3‏ 
یحو“ EY‏ 


فيُطلق (العلم) على معرفة الفقيه بالفقه إذا أصبحت معرفة راسخة» 
وهذا الإطلاق للعلم مطابق للمّلكة. 

فإطلاق العلم على الملكة استعمال عربي أصيل»ء ومن شواهده: 
جمع العرب ل(عالِم) على (عُلّماء): وكان القياس أن تُجمع على 
(عالمين)» وهذا الصيغة من الجمع -أعني (فُعَلاء)- إنما تستعمل لجمع 
(فعِيل)» كما يقال: كبير وكبراء» وأمير وأمراء. فجِمْع (عالم) على 
(علماء) جاء تشبيها له ب(عليم) المفيد للمبالغة» كما جمع (شاعر) على 
(شعراء) لما كان الشعر ملكة غريزية. 

يقول أبو الفتح بن جني : «لما كان العلم إنما يكون الوصف به بعد 
المزاولة له وطول الملابسة صار كأنه غريزة ولم يكن على أول دخوله 
فيه» ولو كان كذلك لكان متعلما لا عالما؛ فلما خرج بالغريزة إلى باب 
(فَعْل) صار (عالم) في المعنى ك(عليم)؛ فكسّر تكسيرّه)”"' . 


8 E 
: الرُسوخ‎ * 
رسوخ الشيء: ثباته ثباتا متمكّنا... والرَّاسِخٌ في العلم: المتحقّق‎ 
بب الذي. لا يعرضة شبهة” '". وقد سبق أن الملكة هى الضفة الراسنخة.‎ 
والرسوخ صفة يمدح بها العالم» وقد تطلق منفية عن بعض من جاء‎ 
منهم الغلط وقلة التحقيق والنقل غير المحرر في العله”".‎ 


.)87/١( الخصائص‎ )١( 


(۲) المفردات في غريب القرآن (رسخ) ص108. 
(۳) انظر: إحكام الأحكام (1/۲). 





بع الفصل الأول: التعريف بالملكة الفقهية والأحكام المتعلقة بها 





e 


8 العلماء بالرسوخ في و 26 في الْعِلرٍ و ءامنا پو ٤‏ قن 

عند ريا 00 وقوله تعالى # لکن السود في لأر مهم ولون يمون با 
و ليك وما أنزلّ ن 0 

والذي يظهر: أن أحسن هذه الكلمات وأحراها بالاستعمال هى 
(الفقه) و(الفقيه) فحسب؛ لبلاغتها وأصالتها. 

أما بلاغتها فهي دالة على المقصود في إيجاز؛ ذلك أن (الفقه) 
مصدر (فقُّه يفقّه)» وذلك يتضمن أمرين: الفهم» ورسوخهء وقد أتت 
عليهما هذه الكلمة الواحدة» وهي كلمة مفردة» غير مركبة تركيبا إضافيا 
-كفقه النفس- ولا تركيباً وصفياً -كالملكة الفقهية-. 

وأما أصالتها فهي كلمة باقية ية على وضعها العربي ذاتهء لا 
اضطلاع فيا تكلم بها الشارع في مثل قوله ككل افذلك مثل من كَمّه 
في دين الله ونفعه ما بعثني الله به فعلِم وعلّم)"» وقوله كل «الناس 
معادن» خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا»”*'. 
ودعائه ية لابن عباس اللهم فقهه في الدين»”“. 


.)۷( سورة آل عمرانء الآية‎ )١( 

(۲) سورة النساءء الآية (151). 

(۳) رواه البخاري في صحيحه»ء كتاب العلمء باب فضل من علم وعلّم» برقم (۷۹)» 
ومسلم في صحيحه» كتاب الفضائل» برقم (۲۲۸۲)ء» من حديث أبي موسى 
الأشعري ونه 

)٤(‏ رواه البخاري في صحيحهء كتاب أحاديث الأنبياء» باب قول الله تعالى «وَاتمَدٌ أله 
هيم خَلِلًا»» برقم (7701): ومسلم في صحيحه» كتاب فضائل الصحابة» برقم 
(76075) من حديث أبى هريرة طله. 

() رواه البخاري في ا كتاب الوضوء» باب وضع الماء عند الخلاء» برقم- 


e‏ الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها ,رج 

لكنّ ما حدث من التجوز في استعمال اسم (الفقه) بإطلاقه على 
ثمرته» وهي الفروع المستنبطةء وإطلاق اسم (الفقيه) على من يحفظ 
الفروع ويتلقاها تقليداء هذا التجوز دعا إلى التقييد والاحتراز» ونشأ 
عنه تلك الكلمات سالفة الذكرء وهذا ما أستند إليه في اختياري 
(الملكة الفقهية) عنوانا لهذه الرسالة. 


+3 


المطلب الثالث : تعريفات الباحثين المعاصرين للملكة الفقهية : 

عرف الدكتور محمد رأفت عثمان وأصحابه الملكة بأنها: «القدرة 
على النظر في الأدلة» وكيفية استنباط الأحكام منهاء حتى لا تكاد 
تعرض له حادثة من الحوادث إلا أمكن أن يعطيها ما يليق بها من 
الأحكام. فضلاً عنه أنه بعد ذلك تطمئن نفسه إلى ما يعمل به من 
أحكام أو يفتي به غيره أو يقضي به بين الناس» إذ لا يقدم على ذلك 
إلا وهو يعلم الدليل على ما أقدم عليه»”". 

وعرفها الدكتور محمد عثمان شبير بأنها : «صفة راسخة في النفس» 
تحقق الفهم لمقاصد الكلام» الذي يسهم في التمكن من إعطاء الحكم 
الشرعى للقضية المطروحة, إما بردّه إلى مظانه فى مخزون الفقه. أو 
اا من الأدلة الشرعية» أو القواعد الكلية». 


وعرفها الدكتور حول ولد محمد ذي النورين بأنها : «القدرة على 


:)١157(-‏ ومسلم في صحيحه» كتاب فضائل الصحابة» برقم (۷۷٤۲)ء‏ من حديث 
عبدالله بن عباس -رضي الله عنهما-. 

: +بخوت في الفقه المقارن» لمحمد رأفت عفمان وآخريق: صل‎ )١( 

(00 “تكوين الملكة الفقهنة صل 





اكاب لالع يرا وتعاس حكن ضير ا ت 
صاحبها من فهم المسائل المعروضة عليهء وتقوده إلى امتلاك آلية 
تسعفه بتنزيل النصوص على الوقائع» واستنباط الأحكام الشرعية في 
لها رجا بين لارا وجا عل مجاهت الها ووا رة بان 
المصالح والمفاسد)”". 
تحقق الفهم للنص الشرعي ودلالاته ومقاصده وإيماءاته بحيث يتمكن 
من إعطاء الحكم الشرعى للقضية المطروحة إما برده إلى نظائره من 
الفقه أو بالاستنباط من الأدلة الشرعية أو القواعد الكلية»". 

ويقول الدكتور محمد صادقى : «الملكة الفقهية هى هيئة الكمال 
العقلي في الاشتغال الفقهى». من خلال الضبط العلمى لقضايا الفقه 
فقهي سواء كان تفريعا أو تحقيقا از امحياظا أو غيره من تصرفات 
ا 

هذه نبذة من تعريفات المعاصرين للملكة الفقهية› وهي تعريفات 
تزيدنا بصيرة ومعرفة بهذا المصطلح. وأو الآن بعد عرض هذه 


التعريفات أن ا بکلمتین: 


.١9ص كيف تنمي ملكتك الفقهية‎ )١( 

(۲) التنظير الفقهي وأهميته في تكوين الملكة الفقهية للدارسين لقضايا الواقع المعاصرء 
ضمن السجل العلمي لندوة تدريس فقه القضايا المعاصرة في الجامعات السعودية /١(‏ 
0۳( 

(۳) منهاج تدريس الفقه ص .5١6‏ 


ال" الملكة الفقهية : حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها بيشي 


د 7 

الكلمة الأولى: إن المتتبع لاستعمال العلماء لمصطلح (الملكة) 
عدن فا الك تطلى غل ف 

الأول: الصفة الراسخة في النفس. 

وبهذا الاستعمال لا تسمى الصفة أو المهارة ملكة إلا إذا كانت 
راسخة في نفس الشخص المعين الموصوف بها؛ فلا يقال -مثلاً-: زيدٌ 
ر لا في الا اط او فی القياس - إلا إذا كان ماهراً في 
الاستنباط أو القياس» وكان ذلك سجية لهء وهذا الاستعمال هو ما 
جاءت التعريفات السابقة ببيانه. 


ای 
چ 


وهذا الإطلاق خاص. أو إضافى. 

والثاني: الصفة أو المهارة مطلقاً. من غير نظر إلى رسوخها لدى 
شخص معين أو عدمه. 

فبهذا الإطلاق يقال -مثلاً- عن (الاستنباط) إنه ملكة» وعن (تحقيق 
الفا اك ملك وع هاي ا و ي وار ومدرة 
فكرية» فيقال: ملكة الاستنباطء وملكة تحقيق المناط» وملكة القياس» 
من غير أن يوصف بذلك شخص معين, فهذا إطلاق عام. 

فالتعريفات المذكورة أتت مبينة الإطلاق الأول» وأما الملكة الفقهية 
بالإطلاق الثاني فيمكن تعريفها بأنها: المهارة المستعملة في الاجتهاد 
الفقهى. 

الكلمة الثانية: جاء فى بعض التعريفات أن الملكة هى (القدرة على 
النظر في الأدلة» وكيفية استنباط الأحكام منها)» وهذا الاتجاه في 
تعريف الملكة هو ما يمثله التعريف الأول المذكور آنفا. 








.عم الفصل الأول: التعريف بالملكة الفقهية والأحكام المتعلقة بها م 
جح ا سس 1 


kk 


9j 


2 


م 
4 


والذي يُنتقد في هذا الاتجاه: أنه يجعل الملكة الفقهية مساوية 
للاجتهاد المطلق» حيث يسكمد الفقيه حكمه من استئباط النصوص 
مباشرة» من غير تخريج على فروع ولا أصول» ولا تقيّد بقواعد أصولية 
لغيره من العلماء. 

وإذا كان هذا مدلول مثل هذا التعريف فإنه منتقد بكونه غير جامع» 
ذلك أن الملكة الفقهية تتصف بالتدرّج والتجزؤ”'» فالفقهاء درجات 
متفاوتة في الفقه. فمنهم من هو في مرتبة الاجتهاد المطلق. يستمد من 
النصوص› ولا يُقلد في الأصول ولا في الفروع. ومنهم من هو مقلد 
- لإمام من الآئمة في أصوله وفروعه»ء وبينهما مراتب متفاوتة» وكل مرتبة 
من تلك المراتب لها ملكات فقهية تليق بها؛ فقصر مدلول (الملكة 
الفقهية) على ملكة المجتهد المطلق تقصير في التعريف بالملكة الفقهية. 

ولا يخفى أن التعريف بالمصطلحات نوع من الترجمة عن مراد 
مستعمليها وواضعيهاء وهي وظيفة تقتضي الدقة في التعبير عن مرادهم 
واستعمالهم. ونحن نجد الفقهاء -رحمهم الله- يُطلقون الملكة كثيراً 
على مهارات فقهية لا ترقى إلى مرتبة الاجتهاد المطلق» مثل مهارات 
التخريج» ومهارة فهم كلام الفقهاء وتنزيله على الوقائع؛ وعلى هذا 
فينبغي أن يكون تعريف الملكة شاملا لتلك المستويات الفقهية كلها. 

وإذا استبعدنا التعريف الأولء فإن ما يليه من التعريفات قد تجنّب 
هذا المحذور؛ ولذا لا أجد مانعا من تعريف الملكة بهاء سوى ما قد 


)١(‏ انظر المطلب السابع من هذا المبحث (التدرج والتجزؤ من خصائص الملكة الفقهية) 
ص57. 


يي الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها )م , 
3 و 


تعاب به من الإطناب الذي لا يستحسن فى التعريف؛ ولذا أختار 
التعريف بالملكة يأنها : القدرة الراسخة فى التسين ال كن 
صاحبها من معرفة الأحكام الشرعية وتنزيلها على الوقائع. 


المطلب الرابع : موضوع الملكة الفقهية : 

سبق القول بأن موضوع الملكة والمجال الذي تنشأ فيه هو: 
المهارات والسلوك والأفعال والتصرفات”''؛ فيكون موضوع الملكة 
الفقهية: المهارات والتصرفات الفقهية التي يزاولها الفقيه للتعرف على 
الحكم الشرعي وتطبيقه على الواقع. 

ولطبيعة الفقه فالمهارات والتصرفات التي تجري فيها الملكة 
مهارات وتصرفات عقلية» تتمثل في الفهم والاستدلال بأنواعه 
والاختيار والتقويم والتخريج وتحقيق المناط وغير ذلك» فالبحث في 
الملكة الفقهية بحث عن حقيقة هذه المهارات وأنواعها وسبل تنميتها 
حتى تكون سجايا راسخة» والبحث عن عوائقهاء وعن ظواهرها الدالة 
عليها» وعن ثمراتها. 


المطلب الخامس : نسبة الملكة الفقهية: 


من مداخل التعريف بالملكة الفقهية: بيان نسبتها إلى فنون الفقه 
وكشف روابطها بذلك العلمء وبيانا لذلك يقال: بالنظر فى الشروط 
المشترطة فى المجتهد نجدها عائدة إلى ثلاثة أصناف : 


)١(‏ انظر: تعريف الملكة اصطلاحًا ص۳۳. 





بع الفصل الأول: التعريف بالملكة الفقهية والأحكام المتعلقة بها م 
ا ا I‏ 


E 
ےو‎ ١ 


© شروط ذاتية» وهي شرط الإسلام والبلوغ والعقل. 


8 وشروط معرفية» وهي الشروط المتعلقة بالعلوم المشترطة في 
المجتهد. كعلمه بأدلة الأحكام والناسخ والمنسوخ والإجماع وأسباب 
النزولء ومعرفته باللسان العربي وأوجه الاستدلال». كالنص والظاهر 
والمجمل والمبين والحقيقة والمجازء وإن كان مجتهداً مقيداً فبأن 
يعرف أصول المذهب وقواعده وفروعه. 


التصرف والاستدلال والتطبيق على الوقائع. 


وهذا"الضنتنك العالق هن الملكة: ونه سكن من اسشعمان الشزوط 
المعرفية وتوظيفها في تحقيق مقاصد الفقه. فالبحث في الملكة بحث 
في شرط من شروط الاجتهاد؛ والبحث في شروط الاجتهاد بحث 
أصولي؛ فالبحث في (الملكة الفقهية) بحث في فرع من فروع علم 
أصول الفقه. 


لها : 


مما يتم به التعريف بالملكة الفقهية تمييزها عن الكلمات المقاربة 
لها ونان وة اة ما ولا اش هنا إلى من كلمات فد 
تشتبه بالملكة الفقهيةء هي : الذكاء» وسرعة البديهة» والفقه» والفهم 
والاجتهاد. 


ar‏ الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها ,ية 
A‏ كد چ 
کا ر 
الذكاء : 

الذكاء :فى اللغة؟: دة القلب والفطة ود الاد 

ووجه اشتباه (الذكاء) بالملكة الفقهية ما نجتمع فيه الكلمتان من 
الدلالة على قوةٍ عقلية» وقد تبين من تعريفما أنهما حقيقتان مختلفتان» 
والعلاقة بينهما علاقة الشرط بالمشروطء فسيأتى -إن شاء الله- أن 
الذكاء:والاسجعكذاه »العقلى أخذ شروط اكقتبيات النتلكي”"' 6 فوجوره 
الملكة الفقهية يستلزم وجود قدر من الذكاء؛ لأنه شرطه» ووجود الذكاء 
لا يستلزم وجود الملكة. 


سرعة البديهة : 


«الباء والدال والهاء أصل واحدء يدل على أول الشيء والذي 
يفاجئ منه» يقال: بادهت فلانا بالأمر إذا فاجأتهء وفلان ذو بديهة: إذا 
56 الأمر الم تحير . 
فسرعة البديهة عبارة عن سرعة الإدراك والتفكيرء وضدها: بطء 
التفكير» وسرعة البديهة تتضمن سرعة نقل الواقع المحسوس إلى الدماغ 
عن طريق حاسة أو أكثر من الحواس الخمس. مع سرعة الربط بين 


)١(‏ انظر: أساس البلاغة (ذ ك ي) (1/ 710). الصحاح (ذ ك )١‏ (7757/5). (ب ل د) 
0( »© لسان العرب (ذكا) .)7541//١5(‏ 
ويُنظر في تعريف الذكاء ما سيأتي في المبحث الأول من الفصل الثاني ص7١١.‏ 

(۲) ص56 1. 

(۴) مقاييس اللغة .)١٠١/١(‏ وانظر مادة (ب د ه) في: أساس البلاغة (201/1)» الصحاح 
 ) “7‏ لسان العرب (۱۳/ .)٤۷٥‏ 





الفصل الأول: التعريف بالملكة الفقهية والأحكام المتعلقة بها د 
ا 
ج ER‏ 


الواقع المحسوس والمعلومات السابقة» للوضول إلى التفسير أو اتخاذ 
القرار المناسب» فإذا جرت هاتان العمليتان سريعا كان المرء سريع 
ا 

ولبيان الصلة بين (الملكة) وسرعة البديهة يقال: إن سرعة البديهة 
تطلق على نوعين من صور التفكير السريع" هما: 

© سرعة البديهة الفطرية : وهي الذكاء الجبلي الفطري» الذي يتمكن 
المرء معه من سرعة الوصول إلى المطلوبات الفكرية. 

© وسرعة البديهة الصناعية: وهي سرعة الوصول إلى النتائج 
والحلولء الناشئة عن التعلم والممارسة والاكتساب» فمن المعلوم أن 
ممارسة المرء لحرفة أو عمل ما يكسبه خبرة به» فيكون سريع الإدراك 
لات اك الل ورم الوسر لن جارك ك الات 

فسرعة البديهة بالمعنى الأول هي جزء من الذكاءء فعلاقتها بالملكة 
علاقة الشرط بالمشروط. كما قيل أنفا عن الذكاء. 

وسرعة البديهة بالمعنى الثاني ثمرة الملكة ونتيجتها؛ لأن الملكة 
عبارة عن المعرفة الراسخة» وذلك يثمر -فيما يُثمر- سرعة الفهم 
لمسائل العلم وسرعة الوصول إلى حلول المشكلات المتعلقة به. 


الفقه : 


.١77ص انظر: مهارات التفكير وسرعة البديهة‎ )١( 
. ۱۲٤ص انظر : المرجع السابق»‎ (۲) 


ih‏ الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها ا 


0 2 
وتعريف الفقه"» وإبرازاً لذلك يقال: إن الفقه يستعمل في اللغة 
والاصطلاح على أوجه عدة: 
أ - فيطلق الفقه في اللغة مراداً به الفهم مطلقاً. وهو على هذا 
مصدر فقه يفقه» إذا فهم. 
وستأتي نسبة الملكة إلى الفقه بهذا المعنى تحت العنوان التالي 
(الفهم). 
ب - ويطلق في اللغة أيضاً مراداً به: كون الفهم سجية» وهو على 
هذا فضدر (فَقُّه يَفقّه)» إذا ضار الفقه سجنة له: 
ج - وعلى هذا المعنى أيضاً يطلق الفقه في الاصطلاح» فيعرف 
بأنه: العلم بالأحكام الشرعية العملية من أدلتها التفصيلية”". 
والنسبة بين الملكة الفقهية والفقه على هذا المعنى هى التساوي"» 
فالملكة هى الفقه. ولذا يعبّر عن الملكة بالفقه -كما 0 وبفقه النفس 
وفقه البدن كما سبق. 
د - كما يطلق الفقه في الاصطلاح بالنظر إليه عِلْماء والفقه بهذا 
هو: الأحكام الشرعية الفرعية. 
والفقه :بهذا المعتى ثمرة للملكة الفقهية» قصضاحب الملكة -وهو 
المجتهد- هو الذي يستنبط الفروع الفقهية. 
)١(‏ انظر في تعريف الملكة: ص77 وفي تعريف الفقه: ص80. 
(۲) انظر: ص47. 


(*) التساوي: هي نسبة بين حقيقتين يلزم من وجود كل واحدة وجود الأخرى» ومن عدمها 
عدمّهاء كالإنسان والضاحك بالقوة. انظر: شرح الكوكب المنير .)۷١ /١(‏ 


0 الفصل الأول: التعريف بالملكة الفقهية والأحكام المتعلقة بها ا 
بز ا ا ا ا ا 


القهم: 
الفهم: مصدر فهم يمهم فهما وفهما وفهامة وفهايية» وهو معرفة 
و 
القى ع وغل وع 


وفي الاصطلاح عرف الجرجاني الفهم بأنه: تصور المعنى من لفظ 
ا 


D3 
م‎ 


فالفهم إذاً كالذكاء في كونه مخالفا لحقيقة الملكة الفقهية» لكنه 
شرط لتحصيلهاء فصحة الفهم تجعل المرء قابلا لاكتساب الملكةء 
لكنه لا يكون ذا ملكة حتى يأخذ بالأسباب الأخرى التي تحصل بها 
الملكة» وفي هذا يقول ابن خلدون: 0 والوعي ؛ 
لأنَا نجد فهم المسألة الواحدة من الفنّ الواحد ووعيها مشتركاً بين من 
ا" في ذلك الفنّ وبين من هو مبتدئ فيه وبين العاميّ الذي لم 
يعرف علما وبين العالم التّحرير» والملكة إِنّما هي للعالم أو الشّادي 
في الفنون دون من سواهما؛ فدلٌَ على أن هذه الملكة غير الفهم 
وا 


شد 


(1) انظر مادة (ف ه م) في : العين (٤/١1)ء‏ أساس البلاغة (۳۸/۲)ء الصحاح /٥(‏ 
٥‏ المحكم (778/5). لسان العرب .)504/١5(‏ القاموس المحيط 
ص٤٤۱۱‏ » تاج العروس (۳۳/ .)۲۲٤‏ 

(؟) التعريفات ص59١.‏ وانظر: الكليات ص57. التوقيف على مهمات التعاريف 
ص 750. دستور العلماء (۳/ .)١‏ 

(*) شدا من العلم: أخذ طائفة منهء من قولهم: شدا الإبل» إذا جمعها وساقها. انظر: 
الصحاح (750/5). المصباح المنير ص؟901؟: (ش د .)١‏ 

(4) مقدمة ابن خلدون ص۳۹۸. وانظر: بدائع السلك في طبائع الملك (۲/ »)٠۴١‏ كشف 
الظنون .)٤١/١(‏ 


0 الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها بين 
NT‏ رك 


الاجتهاد: 

الاجتهاد في اللسان العربي: بذل الوسع والطاقة في أمر ما 
وهو في الاصطلاح الأصولي: استفراغ الفقيه وسعه لدرك حكم 
7 

فالاجتهاد والملكة الفقهية حقيقتان مختلفتان» لكن قد صرح 
الأصوليون بأن من شروط التأهل للاجتهاد ثبوت الملكة الفقهية"". 
فالعلاقة بينهما علاقة المشروط بشرطه. 


المطلب السابع : التدرج والتحزؤ من خصائص الملكة الفقهية : 
الحديث عن الملكة الفقهية ووصف ما كان عليه العلماء منها قد 
يؤدي إلى وهم ضار بطالب العلم» هو اعتقاد بعد منال هذه الرتبة» 
وأنها درجة خالصة للمجتهدين» وقد يكون لهذا الوهم ما يقويه» مثل 
والواقع أن الملكة الفقهية مستويات عدة» والفقهاء الذين ثبتت لهم 
ملكة الفقه ليسوا طبقاً واحداً فى الفقهء فالفقه رتب ومتازلء ولكل رتبة 
ا 


)2( انظر : الصحاح (۲/ 1°(« المحكم (غ:/6١- (\of‏ (ج ٥‏ د). 

(۲) شرح الكوكب المنير (508/5): وانظر: كشف الأسرار »)١4/4(‏ شرح تنقيح 
الفصول ص579» المستصفى (۲/ ۳۸۲). 

() سيأتي هذا تحت عنوان (الملكة الفقهية شرط لجميع التصرفات الفقهية) ص١8.‏ 





بعل الفصل الأول: التعريف بالملكة الفقهية والأحكام المتعلقة بها e‏ 





وفي مقام الممارسة» فهو يجعل النظر إلى الملكة كما لو كانت مستوى 
واحداًء. هو مستوى الاجتهاد المطلق. 

والذي يزيل هذا الوهم هو كشف جانب مهم من حقيقة الملكة» هو 
أن اكتساب الملكة -أيّ ملكة- هو حالة متجزئة متدرجةء ينالها الطالب 
درجة درجة وجزءاً جزءاً حتى تتناهى وترسخ» وإن حضور هذه الحقيقة 
لأمر مهم للمعلم والمتعلم سواء. 

فتمام الملكة الفقهية هو الحال التي عليها المجتهدون المستقلون» 
ولكن قدراً من هذه الملكة متأتي لطالب العلم متى كان صحيح الفهم. 
كما أن قدراً آخر فوقه ممكن لهذا الطالب متى تدرج في الأخذ بأسباب 
اكتساب الملكة» وقصورٌ الطالب عن على مراتب الملكة لا يلجئه إلى 
ترك ما هو قادر عليه منهاء فما لا يدرك کله لا يُترك كلهء وطلبه لما هو 
متيسر له من مراتب الملكة يؤدي به إلى ما هو أرفع منه على سبيل 
الترقي المتدرج» فالملكة لا تأتي طفرة”". 

ولعل مما يُلفت به النظر إلى سمة التدرج في الملكة الفقهية: ذكُر 
طبقات المفتين التي رتبها الفقيه الحافظ أبو عمرو بن الصلاح كث" وتبعه 
عليها كثير من الأصوليين" ٠‏ وخلاصتها : أن المفتين على مرتبتين : 


)١(‏ سيأتي -إن شاء الله- عند الكلام على تجزؤ الاجتهاد مزيد إيضاح لصفة التجزؤ في 
الملكة ص6 5ة. 

(۲) انظر: أدب المفتي والمستفتي (71/1-/717). 

() منهم الدهلوي في عقد الجيد ص230-47 والنووي في المجموع 2»)43/١(‏ والسبكي 
في جمع الجوامع (مع شرح المحلي وحاشية العطار ۲/ ١١٤)ء‏ والسيوطي في الرد على 
من أخلد إلى الأرض ص۳۹- ١٤ء‏ وابن حمدان الحنبلي في صفة الفتوى والمفتي 
والمستفتي ص١١-‏ ۲۴ء وأبو العباس بن تيمية في المسودة ص ٥1۹4ء‏ وابن القيم في 
أعلام الموقعين (1/ .)۱١۷ -٠٠٠١‏ وعلاء الدين المرادوي في التحبير شرح التحرير= 


9 الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها .شر 
المرتبة الأولى : الاجتهاد المطلق» وهي مرتبة من كملت ملكته» وتم 
والمرتبة الثانية : الاجتهاد المقيد» ويتضمن ثلاث طبقات : 
الطبقة الأولى : الاجتهاد في التخريج. 
وهو أن يكون مقلداً لإمامه فى أصوله» فيجتهد فى الاستنباط من 

النصوص على ضوء تلك الأصول» ويقوم بالتخريج على أصول إمامه 

وفروعه. 
الطبقة الثانية : الاجتهاد في الترجيح. 
وهو أن يتمكن الفقيه من الترجيح بين أقوال فقهاء المذهب إذا 

اختلفت» فيرجح ما كان منها أليق بقواعد المذهب» وكذلك يرجح بين 

الروايات عن إمام المذهب إذا تعددت» لخبرته بأصول إمامه. 
الطبقة الثالثة : حفظ المذهب. 

/٩=‏ ۳۸۸۵-۳۸۸۰). وابن بدارن في المدخل إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل 
ص -١80‏ لا .١‏ 

وقارن بما نقله ابن عابدين عن ابن كمال باشاء في شرح منظومة عقود رسم المفتي 
ص۸-۷» وأصول الفقه لأبي زهرة ص۳۸1-۳۷۹. وما ذكره القرافي في الفروقء 
الفرق (۷۸) (۲/ ۱۹۸- ۲۰۹). 

وانظر: المدخل المفصل إلى فقه الإمام أحمد بن حنبل ص*۸. الاجتهاد في الشريعة 
الإسلامية ص/الاء الفتوى في الشريعة الإسلامية :)1١9-1١1//١(‏ منهج استنباط 
أحكام النوازل الفقهية المعاصرة ص560١.‏ 








بع الفصل الأول: التعريف بالملكة الفقهية والأحكام المتعلقة بها عم 
ie‏ £ ¥0 
ا آمو 


إلحاق المسائل الحادثة التى لا نص فيها عن المذهب بما يماثلها من 
مسائل المذهب إذا كان الإلحاق جليا”'". 





)١(‏ تتميما للإيضاح أنقل كلام ابن الصلاح يَدنهُ بنصه: 
قال نة : «القول فى شروط المفتى وصفاته وأحكامه وآدابه: أما شروطه وصفاته فهو 
آنا كن فك نتلا هة هارا مدها عو أسات الفدى وسات اة لأن من 
لم يكن كذلك فقوله غير صالح للإعتماد وإن كان من أهل الإجتهاد» ويكون فقيه النفس 
سليم الذهن رصين الفكر صحيح التصرف والاستنباط متيقظا. 
ثم ينقسم وراء هذا إلى قسمين: مستقل وغير مستقل. 
القسم الاول: المفتي المستقل» وشرطه أن يكون مع ما ذكرناه قيّما بمعرفة أدلة 
الأحكام الشرعية... عالما بما يشترط في الأدلة ووجوه دلالاتهاء ويكفيه اقتباس 
الأحكام منهاء وذلك يستفاد من علم أصول الفقه» عارفا من علم القرآن وعلم الحديث 
وعلم الناسخ والمنسوخ وعلمي النحو واللغة واختلاف العلماء واتفاقهم بالقدر الذي 
يتمكن به من الوفاء بشروط الأدلة والاقتباس منهاء ذا دربة وارتياض في استعمال ذلك» 
غالما بالثقه» ضابططا لأمهات مسائله وتقاريعه المقروع من اتمهندهاح :تمن جمع عه 
الفضائل فهو المفتي المطلق المستقل... 
القسم الثاني : المفتي الذي ليس بمستقل» منذ دهر طويل طوي بساط المفتي المستقل 
المطلق والمجتهد المستقل» وأفضى أمر الفتوى إلى الفقهاء المنتسبين إلى أئمة 
المذاهب المتبوعة وللمفتي المنتسب أحوال أربع: 
الأولى: أن لا يكون مقلدا لإمامه لا في المذهب ولا في دليله؛ لكونه قد جمع 
الأوصاف والعلوم المشترطة في المستقل» وإنما ينسب إليه لكونه سلك طريقه في 
الاجتهاد ودعا إلى سبيله... 
الحالة الثانية: أن يكون في مذهب إمامه مجتهدا مقيداء فيستقل بتقرير مذهبه بالدليل» 
غير أنه لا يتجاوز في أدلته أصول إمامه وقواعده» ومن شأنه أن يكون عالما بالفقهء 
خبيرا بأصول الفقهء عارفا بأدلة الأحكام تفصيلاء بصيرا بمسالك الأقيسة والمعاني» 
تام الارتياض في التخريج والاستنباط» قيّما بإلحاق ما ليس بمنصوص عليه في مذهب 
إمامه بأصول مذهبه وقواعده. ولا يعرى عن شوب من التقليد له ؛ لإخلاله ببعض العلوم 
والأدوات المعتبرة في المستقل... [و] تخريجه تارة يكون من نص معين لإمامه في 
مسألة معينة» وتارة لا يجد لإمامه نصا معينا يخرج منه فيخرج على وفق أصوله بأن يجد 
دليلا من جنس ما يحتج به إمامه وعلى شرطه فيفتي بموجبه... = 


الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها جر 


کے 


152 
حم كرواين الما ولد لمارا بأنه ما من صنف من هذه 

الأصناف إلا ويشترط فيه فقه النفس» ويقول عن الطبقة الدنيا (حفظ 
المذهب): «إن هذا الفقيه لا يكون إلا فقيه النفس؛ لأن تصوير 


المسائل على وجهها ثم نقل أحكامها بعد استتمام تصويرها جلياتها 
وخفياتها لا يقوم به إلا فقيه النفس ذو حظ من الفقه». 


دخولهم جميعاً في اسم الفقه واستحقاقهم لوصف الملكة فيه. 

وإلى هذا الترتيب» فقد بين جماعة من العلماء -فى سياق حديئهم 
عن الاجتهاد والتقليد- إلى أن لأهل العلم المتوسطين في تحصيله مقاما 
متوسطا بين الاجتهاد التام والتقليد المحض : 

TT‏ معرفة الحكم الشرعي بدليله» بأن يبذل المجتهد 
وسعه في استنباط الحكم» بعد استجماع الشروط المعتبرة في 
المجتهد» واستيفاء النظر في المسألة المجتهّد فيها 


= الحالة الثالثة : أن لا يبلغ رتبة أئمة المذاهب أصحاب الوجوه والطرق» غير أنه فقيه 
النفس» حافظ لمذهب إمامه» عارف بأدلته» قائم بتقريرها وبنصرته» يصور ويحرر 
ويمهد ويقرر ويوازن ويرجح» لكنه قصر عن درجة أولئك؛ إما لكونه لم يبلغ في حفظ 
المذهب مبلغهم» وإما لكونه لم يرتض في التخريج والاستنباط كارتياضهم وإما لكونه 
غير متبحر في علم أصول الفقه... 
الحالة الرابعة: أن يقوم بحفظ المذهب ونقله وفهمه في واضحات المسائل 
ومشكلاتهاء غير أن عنده ضعفا فى تقرير أدلته وتحرير أقيسته» فهذا يعتمد نقله وفتواه به 
فيما يحكيه من مسطورات مذهبه من منصوصات إمامه وتفريعات أصحابه المجتهدين 
في مذهبه وتخريجاتهم. وأما ما لا يجده منقولا في مذهبه فإن وجد في المنقول ما هذا 
في معناه بحيث يدرك من غير فضل فكر وتأمل أنه لا فارق بينهما. .. جاز له إلحاقه به 
والفتوى يه وكذلك ما يعلم إندراجه تحت ضابط منقول ممهد في المذهب› وما لم 
يكن كذلك فعليه الإمساك عن الفتيا منه». 

.44١ص وانظر: غياث الأمم‎ )١( 


.24 الفصل الأول: التعريف بالملكة الفقهية والأحكام المتعلقة بها لي 
بوه ي ۷إ 


6 


والتقليد هو: معرفة الحكم من غير علم بدليله» وهو أيضاً: قبول 
قول القائل ونت لا تدري من أين قاله. 

وبينهما مرتبة يسميها ابن عبدالبر كلة: الاتباع» وهي : متابعة قول 
الغير بعد معرفة دليله. 

يقول ابن عبدالبر كأنْه: «التقليد عند جماعة العلماء غير الاتباع ؛ لأن 
الاتباع هو أن تتبع القائل على ما بان لك من فضل قوله وصحة مذهبهء 
والتقليت أناتقول يقوله: وان لآ تعرقه ولا وجه القول ولا معتاةة7 

ويقول ابن تيمية ككنه: «أكثر من تميّز في العلم من المتوسطين إذا نظر 
وتأمل أدلة الفريقين بقصد حسن ونظر تام ترجح عنده أحدهماء لكن قد لا 
يثق بنظره» بل يحتمل أن عنده ما لا يعرف جوابه» والواجب على مثل هذا 
موافقته للقول الذي ترجح عنده بلا دعوى منه للاجتهاد»”". 

ويقول ابن القيم ككدنه: «من هنا يتبين الفرق بين تقليد العالم في كل 
ما قال وبين الاستعانة بفهمه والاستضاءة بنور علمه»ء فالأول يأخذ قوله 
من غير نظر فيه ولا طلب لدليله من الكتاب والسنة» بل يجعل ذلك 
كالحبل الذي يلقيه في عنقه يقلده به» ولذلك سمى تقليداً بخلاف من 
استعان بفهمه واستضاء بنور علمه في الوصول إلى الرسول صلوات الله 
وسلامه عليه فإنه يجعلهم بمنزلة الدليل إلى الدليل الأول» فإذا وصل 
إليه استغنى بدلالته عن الاستدلال بغيره» فمن استدل بالنجم على القبلة 
فإنه إذا شاهدها لم يبق لاستدلاله بالنجم معنى»“. 


.)١٠/١( الفتوى في الشريعة الإسلامية‎ )١( 

(؟) جامع بیان العلم وفضله (۲/ ۳۷). 

(۳) الفروع (۹/۱۱٠۱)ء‏ الأخبار العلمية في الاختيارات العلمية ص١۸٤.‏ 
)٤(‏ الروح ص٤٠۲٠‏ وينظر: الفتوى في الشريعة الإسلامية (۳۰۱/۱- .)۳١١‏ 


م الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها 2 . 
ق ج 
ی یک 


ويُضاف إلى هذا: أن وصف المرء بأنه مقلد أو مجتهد أو متبع ليس 
وصفا لازما له في كل أحوالهء بل هو وصف نسبيء أي أن العالم 
يكون في بعض المسائل والأبواب مجتهداًء وفي بعضها متبعاء وفيها 
بعضها مقلدا. 

وفائدة التنبّه إلى هذا : تأكيد ما سبق من أن قصور الطالب عن ملكة 
الاجتهاد لا يمنعه من محاولة درجة الاتباع وتحصيل ملكته. وعجزه عن 
الاجتهاد في الأبواب كلها لا يمنع من التأهل له في بعض الأبواب 
والمسائل» وضعفه عن استنباط الأحكام الخفية لا يمنعه من مزاولة 
الاستدلال بالطرق الظاهرة المقدور عليها. 

وليس المقصود في هذا الموضع تحديد رتب الملكة وتمييز بعضها 
عن بعض؛ فهذا أمر تقديري اجتهادي» ويمكن الاستفادة فيه من 
الترتيب التقريبي الذي نبه إليه ابن الصلاح نة وإنما المقصود الأول: 
التنبيه إلى تفاوت أهل الفقه فيه مع استحقاقهم جميعاً لوصف الملكة. 
وأن الملكة الفقهية لا تنحصر فى ملكات الاجتهاد المطلق» فالفقه 
دراه لكل در اا فل الد ا ا كات 
في الاستنباط والاستدلال لا يتقيد فيها بأصول مذهب معين» وللمجتهد 
في المذهب ملكة في الاستدلال لكنه لا يخرج فيها عن أصول إمامه؛ 
وله أيضاً ملكات في التخريج على الأصول وعلى الفروع. ولمن دونه 
من فقهاء الفتوى ملكات في فهم النصوص الفقهية وتنزيلها على 
الوقائع» والترجيح بين الأقوال. 


المسبحث الثالث 
الأحكام المتعلقة بالملكة الفقهية 





من عوانب التغريك: بالملكة الفقهية :'التغريت يما علق بها من 
أحكام شرعية» وهي أحكام تعود إلى نوعين: أحكام تكليفية» وأحكام 
وضعية» وذلك يقتضى معرفة ما يدرك به ثبوت الملكة و 
وذلك كائن -إن شاء لله- في فروع ثللاثة : 

الفرع الأول: الأحكام الوضعية المتعلقة بالملكة الفقهية. 

الفرع الثاني: الأحكام التكليفية المتعلقة بالملكة الفقهية. 

الفرع الثالث: ما يعرف به تحقق الملكة الفقهية. 
الفرع الأول: الأحكام الوضعية المتعلقة بالملكة الفقهية : 

الحكم الوضعي: هو مقتضى خطاب الشرع المتعلق بأفعال 
التكلفين بجغل الشىء:سباً لشيء أو شرظا له أو مانحاامته ٠‏ فهو 
عبارة عن جعل الشيء علامة على ثبوت حكم شرعي تكليفي. 

وبالنظر إلى الأحكام المترتبة على الملكة الفقهية نجد أن الملكة قد 


6 الملكة الفقهية : حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها ,,:.. 
i A‏ ال اال pp‏ 


اجتي ل و ا ب وس و وس ت 

, 2-5 

۳ ر‎ * 2 
- E 


جعلت مناطاً لجملة من الأحكام الشرعية» وهذا ما سيتبين -إن شاء 
الله- في المسائل الثلاث التالية: 

المسألة الأولى : ملكة الاجتهاد سبب لوجوب الاجتهاد. 

المسألة الثانية : الملكة الفقهية شرط لصحة جميع التصرفات 
الفقهية. 

المسألة الثالثة : الملكة الفقهية شرط لأهلية الإفتاء والقضاء. 


المسألة الأولى: ملكة الاجتهاد سبب لوجوب الاجتهاد: 


السبب : هو ما يلزم من عدمه العدم ومن وجوده الوجود ا 


وهذا الوصف منطبق على ثبوت ملكة الاجتهادء فإنه يلزم من ثبوت 
هذه الملكة ثبوت وجوب الاجتهاد» ومن عدمها عدم وجوبهء وهذا ما 
سيتبين -إن شاء الله- في المسألة الثانية من الفرع الثاني من هذا 
المطلب» تحت عنوان (وجوب الاجتهاد على من تحققت له ملكته)''. 


المسألة الثانية: الملكة الفقهية شرط لصحة جميع التصرفات 
الفقهية : 
الشرط : هو ما يلزم من عدمه العدم. ولا يلزم من وجوده وجود ولا 


عدم ا 


(01١0)‏ الفروق .)۱۷١ /١(‏ شرح تنقيح الفصول ص۸۱. 
(؟) ص٥٩.‏ 
(۳) الفروق (۱۷۳/۱)» شرح تنقيح الفصول ص۸۲. 


,ع الفصل الأول: التعريف بالملكة الفقهية والأحكام المتعلقة بها العم 
اي ال لي لي ااي ا ١م34‏ 


ل ماده 


والتصرفات التي يزاولها الفقيه كثيرة» كالا جتهاد المطلق واستنباط 
العلل والقياس والترجيح بين الأدلة وبين ¿ الأقوال والتخريج على أصول 
المذهب وعلى فروعه وتحقيق المناط ونقل المذهب وروايته. 


وت 
ج 


ص 


فمن شرط صحة هذه التصرفات وغيرها: أن يكون الفقيه ذا ملكة 
فيهاء فلا يجوز ممارسة شيء منها وهو لم ترسخ له ملكة فيها''". 

يقول ابن الصلاح كانه بعد أن ذكر مراتب المفتين: «هذه أصناف 
المفتين وشروطهم. وهي خمسة. وما من صنف منها إلا ويشترط فيه 
خفظ المذه يوافقهالنفس)1"7.. وهعكذا قال كتيروق عمن ذكرؤاعواتت 
الا 


وإنما كانت الملكة شرطاً لصحة هذه التصرفات والاعتماد عليها 
لأن اجتهاد صاحب الملكة يتضمن تحقق شروط الاجتهاد. فهو لخبرته 
الراسخة يأتي بالاجتهاد تامًّا على وجهه المشترط» بخلاف غير ذي 
الملكة فإنه قد يُخل بجزء من أجزاء الاجتهاد أو يوقعه على غير وجهه 
فلا يشعر بما أخل به. 

ولأن الاجتهاد إذا صدر من صاحب ملكة أورث في نفسه اليقين أو 
غلبة الظن بصحة اجتهاده» وغلبة الظن هي مناط التكليف» بخلاف 
الاجتهاد إذا صدر من غير ملكة فإنه لا يورث صاحبه غلبة ظن» فلا 


)١(‏ أي لا يجوز له ممارستها على وجه العمل بها والإفتاء بهاء أما على سبيل التفقه والتمرن 
فلا بأس» بل هو من وسائل اكتساب الملكة» كما سيآتي في الفصل الثاني. 

(۲) أدب المفتى والمستفتی .)١۷ /١(‏ 00 

(2): اق راح ف اا م 


N 0‏ الملكة الفقهية : حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها ا 
ا رھک 


يكون صاحبه على ثقة من اجتهاده» وإن رأى أن عنده غلبة ظن بذلك 
فهي غلبة ظن غير معتدٌ به؛ لأن غلبة الظن إنما يُعتدٌ بها إذا كان لها 
ضابط شرعي”". 

والأصوليون يصرحون باشتراط الملكة لصحة كافة أنواع الاجتهاد 
ومراتبه» وفيما يلي أشير إلى نماذج من ذلك : 


الاجتهاد المطلق : 

يصرح الأصوليون باشتراط ثبوت الملكة للتأهل للاجتهادء فإضافة 
إلى الشروط العلمية لا بد للمجتهد من قدرة على التصرف واستثمار 
الأدلة» وأن تكون هذه القدرة من الرسوخ بحيث بلغت مبلغ الملكة 
القارة التي يزاولها المجتهد بسر وسهولة. 

واشتراط الملكة للاجتهاد نجده صريحاً في بعض تعريفاتهم 
للمجتهد. فابن حمدان يعرف المجتهد بقوله: «فأما المجتهد مطلقا فهو 
من حفظ وفهم أكثر الفقه وأصوله وأدلته في مسائله. إذا كانت له أهلية 
تامة يمكنه معرفة أحكام الشرع فيها بالدليل وسائر الوقائع إذا شاء»”"٠‏ 
والأهلية عبارة عن الملكة. 

ويقول: «الفقيه حقيقة: من له أهلية تامة يعرف بها الحكم إذا شاء 


ا 


(۱) انظر: كشاف القناع .)۲٠۲/۱(‏ 

(۲) صفة الفتوى والمفتي والمستفتي ص٥٠.‏ 

(۳) لابن حمدان. صفة الفتوى والمفتي والمستفتي ص15١»‏ وانظر: المسودة (۲/ 44۸)ء 
شرح الکوکب المنیر .)٤١/۱(‏ 


.بعال الفصل الأول: التعريف بالملكة الفقهية والأحكام المتعلقة بها عي 
و ا ل 


ويقول بدر الدين الزركشي : «المجتهد: الفقيهة» وهو : البالغ العاقل 
ذو ملكة يقتدر بها على استنتاج الأحكام ما ا 

وعرف تاج الدين السبكي ّنه المجتهد بأنه: «البالغ العاقل... فقيه 
النفس... العارف بالدليل العقلي والتكليف به» ذو الدرجة الوسطى لغة 
وعربية وأصولاً وبلاغة ومتعلّق الأحكام من كتاب وسنة وإن لم يحفظ 
المتون». 

ثم نقل عن والده: أن المجتهد «مَن هذه العلوم ملكة له. وأحاط 
بمعظم قواعد الشرع ومارسها بحيث اكتسب قوة يفهم بها مقصود 
الشارع»” ". 

ويذكر علاء الدين المرداوي من شروط المجتهد: «أن يكون فقيه 
النفس» أي: له قدرة على استخراج أحكام الفقه من أدلتها؛ كما يعلم 
ذلك من حد الفقه...» فتضمن ذلك أن يكون عنده سجية وقوة يقتدر بها 
على التصرف بالجمعء والتفريق» والترتيب» والتصحيح.» والإفساد؛ 
فإن ذلك ملاك صناعة الفقه»". 

ومع هذاء فكثيرون لم يصرحوا بذكر الملكة في شروط المجتهد» 
وليس ذلك إهداراً لهذا الشرط» بل هو متضمَّن في شروط أخرى. 
فنجد شرط الملكة ضمن شرط (العلم بأدلة الأحكام) في مثل قول 


ل 


n 


.)١198/5( البحر المحيط‎ )١( 

(۲) جمع الجوامع (مع شرح المحلي وحاشية العطار ؟/١571-47).‏ 
وانظر: التقرير والتحبير (۱/ ۰)۱۸ (۳/ ۲۹۱)ء الفكر الساميى ص۰۷۲۹ غاية الوصول 
في شرح لب الأصول (ص: 22190 تقرير الاستناد ص 4: 44» المدخل إلى مذهب 
الإمام أحمد بن حنبل ص١15.»‏ إرشاد الفحول ص١16.‏ 

(۳) التحبير شرح التحرير (۸/ .)۳۸۷١‏ 


- 0 الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها ا 5 
2 4 و و 


الإمام الشافعي كنة: «لا يقيس”' إلا من جمع الآلة التي له القياس 
بهاء وهي العلم بأحكام كتاب الله: فرضه. وأدبه. وناسخهء 
ومنسوخهء وعامهء وخاصه.ء وإرشاده» ويستدل على ما احتمل التاويل 
منه بسنن رسول الله » فإذا لم يجد سنة فبإجماع المسلمين» فإن لم يكن 
إجماع فبالقياس. 

ولا يكون لأحد أن يقيس حتى يكون عالما بما مضى قبله من 
السنن» وأقاويل السلف. وإجماع الناس» واختلافهم» ولسان العرب. 

ومن كان عالما بما وصفنا بالحفظ لا بحقيقة المعرفة فليس له أن 
يقول أيضاً بقياس» لأنه قد يذهب عليه عقل المعاني»”". 


E 
7 


فالشافعي ّنه يبين مراده بمعرفة أدلة الأحكام» وأنه ليس مجرد 
حفظهاء بل الشرط: حقيقة المعرفة» التي تعني صحة الفهم والقدرة 
على الاستنباط والجمع ا العلل والمعاني»ء وتلك هي الملكة. 

كما نجد شرط الملكة في اشتراطهم في المجتهد «أن يكون عارفا 
بمدارك الأحكام الشرعية وأقسامها وطرق إثباتها ووجوه دلالاتها على 
مدلولاتها واختلاف مراتبها والشروط المعتبرة فيها... وأن يعرف جهات 
ترجيحها عند تعارضهاء وكيفية استثمار الأحكام منهاء قادراً على 
تحريرها وتقريرها والانفصال عن الاعتراضات الواردة عليها»”". 


)١(‏ أي: لا يجتهد. فالشافعي كك يُعبّر بالقياس عن الاجتهادء كما صرح بهذا في الرسالة 
ص۷۷٤.‏ 

() الرسالة ص9ة٠:65-١١6.‏ 

(۳) إحكام الأحكام للآمدي /٤(‏ ۱۹۸). وانظر : كشف الأسرار /٤(‏ ١٠)ء‏ فواتح الرحموت 
(۲/ ۳۹۳)» المستصفی (7/ 787): المحصول )75١/5(‏ نهاية السول للأسنوي (5/ 
651 »). العدة (5/ .)١6945‏ روضة الناظر (7/ 459). 


.+ الفصل الأول: التعريف بالملكة الفقهية والأحكام المتعلقة بها لمي 
كر ار ا ا الئئ 2١2‏ بيس فا 


+ 
e 


فالمعرفة المقصودة فى هذه الآمور: هى ما كان ملكة راسخة» فهي 
التي توصف بكونها علما ومعرفة» بخلاف المعرفة الظاهرة غير 
الحقيقة هو المجتهد. 

كما أنهم يصرحون باشتراط الملكة في المناصب العلمية التي 
يشترط لها الاجتهاد. كالقضاء والإفتاء» وقد خلت نبذة من كلماتهم فى 
هذا“ وستعود الإشارة إلى ذلك -إن شاء اش- عند الحديث عن ملكة 
تنزيل الأحكام الكلية على الوقائع. 

وهو الاجتهاد ضمن أصول إمام من الأئمة في استنباط الأحكام من 
الأدلة» أو بالتخريج على قواعد ذلك الإمام أو فروعه. 

فالملكة -كما سبق- شرط لهذه الرتبة من الاجتهاد. يقول ابن 
الصلاح في وصف شرط المجتهد في المذهب في المرتبة الثانية 
والغالئة: «الحال الثانية: أن يكون فى مذهب إمامه مجتهداً مقيداًء 
فيستقل بتقرير مذهبه بالدليل» غير أنه لا يتجاوز في أدلته أصول إمامه 
وقواعده» ومن شأنه أن يكون عالما بالفقه» خبيراً بأصول الفقهء عارفا 
بأدلة الأحكام تفصيلاً. بصيراً بمسالك الأقيسة والمعاني» تام 
الارتياض فی التخريج والاستنباط... 

الحالة الثالثة: أن لا يبلغ رتبة أئمة المذاهب أصحاب الوجوه 


.ة٠*ص فى العبارات المفسرة للملكة‎ )١( 


م الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها ا 
والطرق» غير أنه فقيه النفس» حافظ لمذهب إمامهء عارف بأدلته» قائم 
بتقريرها وبنصرته» يصور ويحرر ويمهد ویقرر ویوازن ویرجح»'. 

ويُلخْص ابن أمير الحاج شروط المجتهد في المذهب قائلاً: 
«والحاصل: أن يكون له ملكة الاقتدار على استنباط أحكام الفروع 
المتجددة التي لا نقل فيها عن صاحب المذهب من الأصول التي مهدها 
صاحب المذهب» وهو المسمى بالمجتهد في المذهب»”". 


الإفتاء والقضاء : 

يتفق العلماء على أن الملكة الفقهية شرط للتأهل لمنصب الإفتاء 
والقضاءء واتفاقهم هذا يؤخذ من إجماعهم على اشتراط العلم في 
المفتي والقاضي» على اختلاف في قدر العلم المشترط لذلك. 

فقد جزم جماعة من أهل العلم بأن من شرط الإفتاء الاجتهادء وأنه 
لا يجوز للمقلد الفتوى إلا عند الحاجة. وذلك عند عدم العالم 
المجتهد. قال ابن القيم كان : «لا يجوز للمقلد أن يفتي في دين الله بما 
هو مقلد فيه وليس على بصيرة فيه» سوى أنه قول من قلده دینه» هذا 
إجماع من السلف كلهمء وصرح به الإمام أحمد والشافعي طا 


: )۳( 
وغيرهما)”". 


)١(‏ أدب المفتي والمستفتي .)070-77/١(‏ وانظر: غياث الأمم ص595». والمراجع 
السابقة. 

(۲) التقرير والتحبیر (۳/ 7"557). 

(۳) أعلام الموقعين (4۹4/1)ء ونقل ابن الصلاح هذا القول عن الحليمي وأبي محمد 
الجويني وأبي المحاسن الروياني. انظر : أدب المفتي والمستفتي (١/۳۸)ء‏ والمجموع 
.)٠١١/١(‏ وعزاه ابن القيم إلى جمهور الحنابلة والشافعية. انظر: أعلام الموقعين- 


.د الفصل الأول: التعريف بالملكة الفقهية والأحكام المتعلقة بها لمي 
ب ا و ات جم بي رمج ب بوت 11 


2_2 دو“ 


3و 


وذكر في موضع آخر في المسألة ثلاثة أقوال» ثالثها: جواز فتوى 
المقلد عند عدم المجتهد. قال: وهو أصح الأقوال» وعلية العسا ”2 

وعلى هذا فاشتراط الملكة فى المفتى ظاهرء فالملكة بعض شروط 
المجتهد. 

وت ر هن الا ا جرا فی الل ووا أن عدف 
فتواه: أنها نقل وحكاية لمذهب من هو مقلد له" . 


وعلى هذا القول صرّحوا بأنه لا بد له من الملكة التي يتمكن بها من 
صحة النقل عن المذهب والتخريج عليه وتنزيل الأحكام على الوقائع» 
فقد سبق كلام ابن الصلاح وغيره في مراتب المفتين» وفيه اشتراط 
الملكة لكل مرتبة. 

ومن عباراتهم في ذلك أيضاً: قول أبي المعالي الجويني : «المفتي : 
هو المتمكن من درْك أحكام الوقائع على يسير”*' من غير معاناة 


تعلم)””. 


<(۲/٦۸)ء‏ وانظر كلام الشافعي الذي أشار إليه ابن القيم في : الفقيه والمتفقه (۲/ 
۳۳۲-۱)» وكلام أحمد في : الفقيه والمتفقه (۲/ ۳۴۲)ء المسودة (۲/ .)4۲١‏ 

.)٠١٤/١( انظر: أعلام الموقعين (۸1/۲)ء‎ )١( 

(؟) ممن قال به: أبو بكر القفال المروزي من الشافعية. انظر: أدب المفتي والمستفتي /١(‏ 
)٨۸‏ والمجموع .23١١/١(‏ والحسن بن بشار من الحنابلة. انظر: المسودة (؟/ 
4 أعلام الموقعين (؟85/5). .)1١5/5(‏ 

(۳) انظر: أدب المفتي والمستفتي .)۳۸/١(‏ أعلام الموقعين (5/ )٠٠١‏ 

(5) هكذاء وفى (صفة المفتى لابن حمدان): على بش 

(5) غياث الأمم ص »48١0‏ وانظر: أدب المفتي والمستفتي (77/1)» صفة الفتوى والمفتي 
والمستفتي لابن حمدان ص7١.‏ 


00 الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها ,بغر 
ا و و و 


ويقول النووي: «شرط المفتى كونه مكلفا مسلما ثقة مأمونا متنزها 
عن أسباب الفسق وخوارم المرؤة فقيه النفس سليم الذهن رصين الفكر 
صحيح التصرف والاستنباط متيقظا»"'". 


ويقول ابن حجر الهيتمي ين واصفا مقام الإفتاء: «وليس هذا 
المقام ينال بالهويناء أو يَتسور سوره الرفيع من حفظه وتلقف فروعا لا 
يهتدي لفهمها ولا يدري مأخذها ولا يعلم ما قيل فيهاء وإنما يجوز 
تسوّر ذلك السور المنيع من خاض غمرات الفقه حتى اختلط بلحمه 
ودمه» وصار فقيه النفس بحيث لو قضى برأيه في مسألة لم يطلع فيها 
على نقل لوجد ما قاله سبقه إليه أحد من العلماءء فإذا تمكن الفقه فيه 
حتى وصل لهذه المرتبة ساغ له الآن أن يفتي» وأما قبل وصوله لهذه 
المرتبة فلا يسوغ له إفتاءء وإنما وظيفته السكوت عما لا يعنيه» وتسليم 
القوس إلى باريها؛ إذ هي مائدة لا تقبل التطفل» ولا يصل إلى حومة 
حماها الرحب الوسيع إلا من أنعم عليه مولاه بغايات التوفيق 


والتفضل)”". 

ويقول -جوابا لسؤال عن شخص يقرأ ويطالع الكتب الفقهية بنفسه 
ولم يكن له شيخ يقرر له المسائل... هل يجوز له أن يفتي؟-: ١لا‏ يجوز 
لهذا المذكور الإفتاء بوجه من الوجوه؛ لأنه عامى جاهل لا يدري ما 
يقول... بخلاف الماهر الذي أخذ الك غر الت ومارت لاحم 
نفسانية» فإنه يميز بين الصحيح من غيره» ويعلم المسائل وما يتعلق بها 


(۲) الفتاوی الفقهية الکبری .)١97 -۱۹۲ /٤(‏ 


.28 الفصل الأول: التعريف بالملكة الفقهية والأحكام المتعلقة بها مي 
ل ل قر ع gg‏ ةا 


على الوجه المعتمد به» فهذا هو الذي يفتي الناس» ويصلح أن يكون 
واسطة بينهم وبين الله تعالى». 

وللعلماء في القضاء قولان كالإفتاءء فقد ذهب فريق منهم إلى أن 
من شرط القاضي الاجتهادء وحكاه ابن حزم إجماعاء فعلى هذا القول 
لا يجوز تولية غير المجتهد إلا ضرورة» وذهب فريق إلى جواز تولية 
المقلد ولو وُجد المجتهد”". 

فاشتراط الملكة على القول الأول بين. 

وعلى القول بجواز تولية المقلد إما مطلقا وإما عند عدم المجتهد 
فمن شرط القاضي أن تكون له ملكة في اتباع مذهب إمامه» وفي تنزيله 
على الوقائع» شأنه في ذلك شأنه المفتيء بل هو أولى؛ لما في القضاء 
من الإلزام. 

وسيآتي -إن شاء الله- مزيد بيان لتوقف الفتوى والقضاء على ثبوت 
الملكة الفقهية» ولا سيما الملكات المتعلقة بتنزيل الأحكام الكلية على 
الوقائع» وذلك في المبحث الثالث من الفصل الثالث إن شاء الله. 


الإفتاء بالمذهب فى المسائل الجلية: 


أدنى درجات الفقهاء: من هو متمكن من الإفتاء فى المسائل الواقعة 
إذا كانت مما نص الفقهاء على حكمهء أو كانت الحادثة مندرجة في 


.)”7 /5( الفتاوى الفقهية الكبرى‎ )١( 

(؟) انظر: بدائع الصنائع (۳/۷). تبصرة الحکام (۲۲/۱). أدب القاضي -٦۳۳/١(‏ 
c(1‏ الشرح الكبير على المقنع 52 الفروع (١١/77١٠)ء‏ مراتب الإجماع 
ص ٥°‏ . 


0 5 الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها اه 
ıı Qo‏ 
a4‏ 3 5 0 


ضابط قد قرره الفقهاءء أو كانت قريبة من المسائل المسطورة في كتب 
الفقه» بحيث لا يحتاج الفقيه في تنزيل الحكم عليها إلى كثير نظر وتأمل. 

ومع سهولة هذه المرتبة بالنسبة إلى غيرهاء فهي مرتبة لا بد لها من 
فقه نفس وصحة تصورء ليكون الفقيه قادراً على صحة الفهم لكلام 
الفقهاء. مدركاً لمقاصدهم في إطلاقاتهم. قادراً على تصور المسائل 
الحادثة على وجههاء ثم تنزيل الأحكام عليها. 

وهذا ما يقرره أبو المعالي الجويني كآنه بقوله «لا يستقل بنقل مسائل 
الفقه من يعتمد الحفظ ولا يرجع إلى كَيْس وفطنة وفقه طبع» فإن تصوير 
مسائلها أولاء وإيراد صورها على وجوهها لا يقوم بها إلا فقيه» ثم نقل 
المذاهب بعد استتمام التصوير لا يتأتي إلا من مرموق في الفقه خبير»”". 

ويؤكد ابن الصلاح ذلك» فيقول في صفة المفتي ذي المرتبة 
الرابعة: «ثم إن هذا الفقيه لا يكون إلا فقيه النفس؛ لأن تصوير 
المسائل على وجهها ثم نقل أحكامها بعد استتمام تصويرها جلياتها 
وخفياتها لا يقوم به إلا فقيه النفس ذو حظ من الفقه»”". 


الفرع الثاني : الأحكام التكليفية المتعلقة بالملكة الفقهية: 
الحكم التكليفي: هو خطاب الله تعالى المتعلق بأفعال المكلفين 

بالاقتضاء أو التخيير"» والأحكام التكليفية خمسةء هي : الإيجاب 

والتحريم والندب والكراهة والاستحباب. 

.484 غياث الأمم ص‎ )١( 


(؟) أدب المفتي والمستفتي (۱/ ۳۷). 
(۳) انظر: شرح مختصر الروضة .)۲١١/١(‏ 


2 الفصل الأول: التعريف بالملكة الفقهية والأحكام المتعلقة بها ر 
ال ثم 131 
e‏ > جد * 


ويتعلق بالملكة الفقهية من الأحكام التكليفية حكمان: 

© وجوب تنميتها. 
الاجتهاد. 

رفغا ما مجك فى السا الال 
المسألة الأول: وجوب تنمية الملكة الفقهية : 
العلم؛ لأن حصول الملكة العلمية هو الغاية من طلب العلم» وطلب 
العم مرديتان”؟؟ : 

إحداهما: طلب علم ما يجب على المسلم عمله واعتقاده» فهذا 
به علما وعملاء وهذا أمر يختلف باختلاف الأفراد. 

والمرتبة الثانية: طلب علم ما هو زائد على ذلك من أحكام 
الاعتقاد والعمل. فطلب هذا العلم فرض كفاية على المسلمين» إذا قام 
النوافل. 
)١(‏ انظر: الذخيرة .)١57 /١(‏ الموافقات .)25١ /١(‏ الرسالة ص05" الفقيه والمتفقه 

(2358/1©). القواطع في أصول الفقه /١(‏ ۹۸). إحياء علوم الدين »)٥٦/١(‏ المنثور في 


القواعد 0/5 الرد على من أخلد إلى الأرض صا ۰ مجموع فتاوى ابن تيمية 
(58؟/ .)3١‏ الآداب الشرعية (7/ 2077 إحكام الأحكام لابن حزم (؟/ .)١١5‏ 


.., الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها‎ n 
و‎ 1 


فطلب العلم -الذي هو وسيلة تنمية الملكة الفقهية- فرض كفاية» 
وإذا كان كذلك فيتعلق به أربع مسائل : 

الأولى: أن فروض الكفايات وإن كانت تتعلق بمجموع الأمة في 
الجملة فهي في الحقيقة تتعلق بالقادرين منهمء لا بكل فرد أيا كان. 
يقول الشاطبى كآنه : «طلب الكفاية يقول العلماء بالأصول: إنه متوجه 
على الجميع› لكن إذا قام به بعضهم سقط عن الباقين» وما قالوه 
صحيح من جهة كلي الطلب» وأما من جهة جزئيه ففيه تفصيل... ولكن 
الضابط للجملة من ذلك: أن الطلب وارد على البعض» ولا على 
البعض كيف كان» ولكن على من فيه أهلية القيام بذلك الفعل 
المطلوبء لا على الجميع عموماً» والدليل على ذلك أمور... 

وعلى هذا المَهْيَع جرى العلماء في تقرير كثير من فروض 
الكفايات». فقد جاء عن مالك أنه سئل عن طلب العلم: أفرض هو؟ 
فقال: أما على كل الناس؛ فلا. يعني به الزائد على الفرض العيني» 
وقال أيضاً: أما من كان فيه موضع للإمامة؛ فالاجتهاد في طلب العلم 


عليه وا 


وعلى هذا يتعلق وجوب تنمية الملكة بالمتأهلين لذلك» وهم من 
كان لديه استعداد عقلي فطري› دون من لم يكن كذلك. 

الثانية: إذا كان وجوب فرض الكفاية يتعلق حقيقة بالقادرين من 
الأمة فإنه قد يتعين إذا لم يوجد من القادرين إلا واحد أو عدد قليل لا 


.)١57-1١١97/١( الموافقات‎ )١( 





عل الفصل الأول: التعريف بالملكة الفقهية والأحكام المتعلقة بها E‏ 
ع لي ی ۳ 


فإذا وُجد من هو متأهل لطلب العلم وتحصيله ملكته» ولم يكن في 
ناحيته وبلده من يصلح لطلب العلم سواه. ووجدت فيه شروط الطلب». 
وهي صحة حواسه» ووفور عقله» وسلامة آلته» كان وجوب الطلب في 
حقه وجوبا عينيا”'". 

الثالثة : أن من يتعلق به وجوب تنمية الملكة فإنما يتعلق به من ذلك 
ما يلائم قدرته التي منحه الله تعالى» فالمتأهلون للتعلم ليسوا سواء فيما 
يجب عليهم طلبه من مراتب العلم» بل کل مطالب بما مكنه الله منه؛ 
ل کیٹ أنه عنما إلَا مآ عقني 04. 

والملكات الفقهية مراتب متفاوتة» والاجتهاد وصف قابل للتجزؤء 
وهذا ما يناسب تفاوت الناس في قدراتهم التي منحهم الله إياها؛ «فحق 
على طلبة العلم بلوغ غاية جهدهم في الاستكثار من علمه. والصبر 
على كل عارض دون طلبه» وإخلاص النية لله في استدراك علمه نصاً 
واستنباطاًء والرغبة إلى الله في العون عليه؛ فإنه لا يُدرك خير إلا 
بعونه» فإنه من أدرك علم أحكام الله في كتابه نصاً واستدلالاً» ووفقه 
الله للقول والعمل بما علم منه فاز بالفضيلة في دينه ودنياه» وانتفت عنه 
الرَّيّبء ونوّرت في قلبه الحكمة. واستوجب في الدين موضع 
ا 


.)١559/( انظر: القواطع في أصول الفقه‎ )١( 

(؟) سورة الطلاق. الاية (۷). 
وانظر : الموافقات .)۱۲۳/١(‏ إحكام الأحكام لابن حزم (۲/ ١١١)ء‏ وما سيأتي تحت 
عنوان (حاجة طالب الفقه إلى الذكاء) ص7١‏ و(حث الطالب على الاستمرار في 
الطلب وإعانته على ذلك) ص°١١.‏ 

(۳) الرسالة ص9١.‏ 


52 الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها پر 

الرابعة: مناط فرض الكفاية غلبة الظن, فإذا غلب على ظن 
المكلف قيام غيره بفرض الكفاية سقط الوجوب عنه»ء وإذا غلب على 
ظنه عدم ذلك ثبت الوجوب في حقه'. 

وتنزيل هذا على مسألة طلب العلم وتنمية ملكة الفقه يشير إلى تأكّد 
وجوبه» وذلك لأآنه لا يخفى قلة العلماء الراسخين الذين تقوم به 
الكفاية» وحاجة المسلمين بل وغير المسلمين إلى مزيد من أهل العلم 
الذين يبلغون رسالات الله تعالى» ومن نظر في حال المسلمين علم 
ذلك؛ فالفرض لا يزال ثابتاً في ذمة القادرين المتأهلين» نسأل الله 
الهداية والإعانة لنا ولإخواننا المسلمين. 

وإن استحضار هذه المسائل المتفق عليها بين العلماء عند النظر في 
حال المسلمين في هذا العصر ليكشف مدى تقصير الأمة في النهوض 
هدا الفرضىة 'وثلله إلى الأماتة الموضوغة على عاق من اة انه خاضا 


-149/١( نهاية السول‎ .)57/١( فواتح الرحموت‎ »)75١77/1( انظر: تيسير التحرير‎ )١( 
شرح الحؤكب ال‎ » ١! المسوية 13 46990 التواعد والتوائد الأضولة عن‎ 16 
(1/1) 
على وجه‎ )۳۷١/١( تنبيه : جاء التعبير عن هذه المسألة في شرح الكوكب المنير‎ 
مخالف فقال: «(ويجب) عينا (على من ظن أن غيره لا يقوم به)ء أي بفرض الكفاية ؛‎ 
لأن الظن مناط التعبد».‎ 
ووجه مخالفته: أنه جعل فرض الكفاية يصير فرض عين على من ظن أن غيره لا يقوم‎ 
بهذا لا يضعة لاق ترك يعن المكلفين للقيام بالوائجيث ل غل اه إلى كر‎ 
بل الجميع سواء في , الخطابء وقد قال تعالى : ولا رر ازرد ود ری وإنما الذي‎ 
قرره الأصوليون: أن مناط التكليف في فرض الكفاية غلبة الظن» قال في المسودة:‎ 
«الفرض في ذلك موقوف على غالب الظنء فإن غلب على ظن الجماعة أن غيرها يقوم‎ 
بذلك سقط عنهاء وإن غلب على ظنها أن غيرها لا يقوم به وجب عليها». فعبّر‎ 
بالوجوب. والمراد به: الوجوب الكفائي. لا العيني.‎ 





عل الفصل الأول: التعريف بالملكة الفقهية والأحكام المتعلقة بها 0 
أو عاماً من أمر العسلهيون: من ولاة الأمور والآباء والأمهات 
والمعلمين والهٌداة» فإن عليهم واجباً جليلاً في تهيئة سبل العلم وهداية 
الناشئة إليها وإعانتهم عليها. 





المسألة الثانية: وجوب الاجتهاد على من تحققت له ملكته : 


من الأحكام المترتبة على ثبوت ملكة الاجتهاد: وجوب الاجتهاد 
وتحريم التقليد. ولتحرير المسألة يقال: إن للمجتهد ههنا حالين : 

الحال الأولى : أن يجتهد بالفعل ويصل إلى حكم» فعندئذ يجب 
عليه العمل بما أداه إليه اجتهاده» ويحرم عليه التقليد. وهذا محل 
اغاق : 

والحال الثانية: أن يكون قادراً على الاجتهاد متأهلا له» ولمّا 
يجتهد في المسألة» فهل يجب عليه الاجتهادء أم له أن يقلد؟ 

ذكر الأصوليون في المسألة أقوالا: 

القول الأول: يجب عليه أن يجتهد. مطلقاء أي مع ضيق الوقت 
وسعته » وما يخصه وما يفتي به غيره. 

قال جماعة من الأصوليين: هذا قول أكثر العلماء"ء وهو مذهب 
)١(‏ انظر: بيان معاني البديع (7/ 478)» فواتح الرحموت (۲/ ۳۹۲)ء شرح تنقيح الفصول 

ص٤٤‏ المستصفى .)٤٥۸/۲(‏ البحر المحيط ١۷/١٠۲۸)ء»‏ روضة الناظر /١(‏ 

4» شرح الكوكب المنير (5/ 019). 


(۲) انظر: بيان معاني البدیع (۲/ ۸٦۹)ء‏ فواتح الرحموت (۲/ ۳۹۳)ء البحر المحيط /١(‏ 
«(Ao‏ والمراجع الآتية. 


2 الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها A‏ 
CI‏ س 
)2000 5 
غ 


واستدلوا: 


١‏ - بالآيات الكريمة الآمرة بالنظر والاجتهاد والرد إلى كتاب الله 
وتدبّره» كقوله تعالى #تَعَبَرُوا يكأؤلي ديصر 2”4. وقوله أف يتَدَبَرُونَ 
لفان 4”", وقول تغالى لوَمَا أحْتَلقَمّ يِه من سىء مَحكمه: ل 000 

2 وام 0-00 


وقوله سبحانه #فإن 05 رع قش قردوة إل أله والسزل. إن كل ویون پال 
وَأَلْيْوْمِ الک چ وقوله سبحانه يعوا ما ا بک من رَبك وا نعو 
ين مُونِود اء فهذه أدلة صريحة في الأمر بالنظر في الدليل وتدبره 
واستنباطه» فهذا فرض واجب على القادر عليه» ولا فرق بين القادر 
على الاجتهاد إذا نظر وانتهى إلى حكم والقادر على الاجتهاد الذي لم 
ينظر بعدء فكلاهما سواء في القدرة التي هي مناط الأمر. 

وإنما جاز التقليد للعامي لأجل حاجته؛ فإنه لا يمكنه أن يصل إلى 


)١(‏ انظر: شرح تنقيح الفصول ص547. 

(۲) انظر: البرهان ص1۳۳۹. البحر المحيط (5/ 580). 

(*) انظر: التمهيد (508/4).: المسودة (۲/ »)۸٦٠‏ روضة الناظر (۸/۳٠٠۱)ء‏ شرح 
الكوكب المنير )٥١١/٤(‏ 

(5) انظر: بيان معاني البديع (۸/۲٦4)ء‏ تيسر التحرير (7578/5)». فواتح الرحموت (۲/ 
(4Y‏ 

(6) سورة الحشرء الآية (؟). 

(0) سورة النساء» الآية (۸۲)» وسورة محمد الآية (514). 

(۷) سورة الشورى» الآية .)٠١(‏ 

(۸) سورة النساءء الآية (09). 

(9) سورة الأعراف الآية (۳). 





.2 الفصل الأول: التعريف بالملكة الفقهية والأحكام المتعلقة بها ير 


1 2 

ا 

معرفة الحكم بالحجة؛ فجوز له التقليد للضرورة» وبقي القادر على 
مقتضى الأصل”"'. 


رھ ره ود 


وقد قال تعالى #فانقواً اله ما سْتّطعةُ 74" والاجتهاد والتظر من 
تقوى الله» وهو مستطاع لمن عنده ملكة الاجتهاد» فكان مأموراً به" 

۲ - التقليد اعتماد على الظن» والأصل فيه أنه ممنوع في الدين» 
وإنما جاءت الرخصة فيه للعامي العاجز عن الاجتهادء فيبقى العالم 
القادر على الاجتهاد على الأصل. 

يقول الغزالي كآهة: الدليل عليه: «أن تقليد من لا تثبت عصمته... 
حكم شرعي لا يثبت إلا بنص أو قياس على منصوصء ولا نص ولا 
منصوص إلا العامي والمجتهدء إذ للمجتهد أن يأخذ بنظر نفسه وإن لم 
يتحقق» وللعامي أن يأخذ بقوله. 

أما المجتهد فإنما يجوز له الحكم بظنه لعجزه عن العلمء فالضرورة 
دعت إليه في كل مسألة ليس فيها دليل قاطع. 

RR 
والظن بنفسه» والمجتهد غير عاجز فلا يكون في معنى العاجز؛ فينبغخي‎ 
أن يطلب الحق بنفسه» فإنه يجوز الخطأً على العالم بوضع الاجتهاد في‎ 


)١(‏ انظر: القواطع في أصول الفقه .)١778/7(‏ المستصفى »)٤٠٠-٤٥۹/۲(‏ روضة 
الناظر (۳/ »)٠١٠١‏ 

(۲) سورة التغاين» الآية .)١5(‏ 

(۳) انظر: شرح تنقيح الفصول ص٤٤٤.‏ 

/۲( انظر: فواتح الرحموت (۳۹۳/۲)» شرح تنقيح الفصول ص٤٤٤ المستصفى‎ )٤( 
.)٠٠٠۹/۳( روضة الناظر‎ )۸ 


3 الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها يم 





غير محله» والمبادرة قبل استتمام الاجتهاد» والغفلة عن دليل قاطع› 
وهو قادر على معرفة جميع ذلك» ليتوصل في بعضها إلى اليقين» وفي 
بعضها إلى الظنء فكيف يبني الأمر على عماية كالعميان وهو بصير 
بنفسه؟)'. 

وقد عورض هذان الدليلان بأدلة القول الثاني : 

القول الثاني : يجوز له التقليد مطلقا. 

وهو إحدى الروايتين عن أبي حنيفة" ٠»‏ وحُكي عن سفيان الثوري 
واحيد واسكاق 7 

واستّدل لهذا القول: 

١‏ - بأن عموم الأدلة الدالة على جواز التقليد يدخل فيها المجتهد 
eS‏ إلى حکم» کقوله تعالی #فستلواً 
هَل ألذِّمْ إن e‏ والمجتهد الذي لم ينظر لا يعلم. 

وقوله تعالى بايا الذي امنا أطيعوا أله وأطيموا الرسود وول ال 


.)۳۹۳/۲( وانظر: فواتح الرحموت‎ .)٤٥۹-٤٥۸/۲( المستصفی‎ )١( 

(۲) انظر: بيان معاني البدیع (۹1۸/۲)» ا فواتح الرحموت (۲/ 
4۳"( 

(۳) انظر: فواتح الرحموت (۲/ ۳۹۳)ء شرح تنقيح الفصول ص۳٤٤٠‏ القواطع في أصول 
الفقه 5-5 التبصرة ص٠٤‏ اللمع ص١١٠ء‏ المحصول /۴١/۲(‏ ١١١)ء‏ 
المسودة (۲/ ١٦۸)ء‏ شرح الكوكب المنير (015/5). 
هذاء وقد أنكر جماعة من محققي الحنابلة نسبة هذا القول إلى الإمام أحمدء فانظر: 
التمهيد 2)5١١-5٠9/5(‏ المسودة (7/ 8557): مجموع الفتاوی (۲۰/ »)۲۲٣‏ شرح 
تنقيح الفصول صة 55. 

(4) سورة النحل» الآية .)٤۳(‏ وسورة الأنبياءء الآية (۷). 


تي 


و الفصل الأول: التعريف بالملكة الفقهية والأحكام المتعلقة بها 1 





و1176 )واليكيدسح النوينين: فكان مامورا بطاعة اولي الان 
٠ : . :‏ 250 ) 
وهم -في هذا الموضع- العلماءء وهذا يستلزم جواز تقليده إياهم 1 
ونوقش: بعدم الدلالة» فمعنى الآيتين: أمر العوام بسؤال العلماء 
وطاعتهم » وفي الآية دلالات عدة على ذلك» منها: 
© قوله تعالى #صَسَْلوَاً». فهو أمرء والأمر للوجوب» ولا يجب 
السؤال على المجتهد اتفاقاً وإنما يجب السؤال على العامى» فدل على 
أا لهد غ حاط هدا“ 
ته ال لان 25 لا مَل 44 فقيها'تكببه إلى غلة الأمير 


بالسؤال» وأنها تحصيل تحصيل العلمء > فالمعنى : سلوا لتعلمواء وإذا كان 
كذلك فالقادر على على العلم بنفسه لا يؤمر بسؤال غيره» والمجتهد لا يؤمر 
بطاعة المبوعيد 2 . 


© وفي الآية قرينة عقلية أيضاًء هي أنه ينبغي أن يمتاز المسؤول عن 
السائلء وأن TE‏ فا عر اا اا فلا يصح عقلا 
أن يؤمر العالم بسؤال العالم» والامتياز لا يتم في هذا الموضع إلا بأن 
يكون السائل عامياً والمسؤول عالماء والعالم لا يخرج عن كونه عالما 
بمجرد كون المسألة غير حاضرة في ذهنه إذا كان متمكنا من معرفتها من 
غير أن يتعلمها من غيره””". 


.)09( سورة النساءء الآية‎ )١( 

(۲) انظر: فواتح الرحموت (7/ 797). القواطع في أصول الفقه (/ :)١777‏ المستصفى 
n‏ روضة الناظر (#/ .)1١١9‏ 

(۳) انظر: فواتح الرحموت (۳۹۳/۲). 

(5:) انظر: فواتح المت 2۹/7 انى (4/ 0 روخ الا 0/۳ {N‏ 


(0) انظر: القواطع في أصول الفقه (۱۲۲۸/۳)» المستصفى (7/ 559)»: روضة الناظر (7/ 
۰( 


0 ش الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها 5 
ثم هذه الأدلة وإن احتملت تجويز ز التقليد لمن هو قادر على 
الاجتهاد فقد جاء من الأدلة البينة ما يمنع ذلك» ويخص جواز التقليد 
بالعاجز عن الاجتهاد والنظر في الأدلة» وهي الأدلة القرآنية التي قدمها 
أصحاب القول الأول. 
۲ - أن المجتهد إذا اجتهد فإنه لا يقدر إلا على الظن, ولا مزية 
لظنه على ظن غيره'"". 
ونوقش: بأن ظنه أصل» وظن غيره بدل» بدليل الاتفاق على أنه إذا 
اجتهد فانتهى إلى حكم لم يجز له تقليد غيره» فإذا لم يجز له العدول 
إلى البدل مع وجود المبدل فكذلك مع القدرة عليه؛ كسائر الأبدال مع 
المبدلات”" . 
- أن الاجتهاد من فروض الكفاية؛ فجاز أن يتكل فيه البعض على 
البعض؛ كالجهاد” ". 
ونوقش: بأن الاجتهاد وإن كان طلبه فرض كفاية» ففعله ومباشرته 
لمن تأهل له فرض عين» فهمن سهل عليه تناول الأدلة وقربت 
مواضعها من فهمه فهو بمنزلة من حضر العدو وقرب موضعه منهء فلا 
يجوز له الاتكال على غيره في الجهادء وأما العامي الذي تغيب عنه 
الأدلة ولا يعرف وجوه الاستدلال فهو بمنزلة من بعدت المسافة بينه 





(۱) انظر: فواتح الرحموت (۲/ ٤۳۹)ء‏ القواطع في أصول الفقه (۳/ ۲۷١۱)ء‏ المستصفى 
(۲/ 9۹). روضة الناظر .)٠٠١°۹/۳(‏ 

(۲) انظر: فواتح الرحموت (۳۹۳/۲)ء شرح تنقيح الفصول ص٤٤٤‏ المستصفى (۲/ 
۸) روضة الناظر .)٠٠٠۹/۳(‏ 


(۳) انظر: القواطع في أصول الفقه (۳/ .)١۱١۲۷‏ 


بك الفصل الأول: التعريف بالملكة الفقهية والأحكام المتعلقة بها دم 
العا کے ر 1 


ا کی 
وبين العدو ولحقته المشقة فى قطعها إليه. ومن كان بهذه الصفة لا 
بدت عليه الحاو 

القول الثالث: له أن يقلد من هو أعلم منه» وليس له أن يقلد من 
هو مثله أو دونه. 

هذا فول د و ال 

ويسعدذل لهايما شبق من دلبل القول السنابق»-فدلالجها على :هذا 
القول أقوى؛ لأن الظاهر أن اجتهاد الأعلم أقرب ا 

ونوقش : “انان ما يق دكره من الأدلة يقتضي وجوب الاجتهادء فإذا 
اجتهد وغلب ظنه صحة قول الأعلم فذاك» وإن غلب على ظنه خلاف 
قول الأعلم فالواجب الأخذ بما غلب على ظنهء بدليل ما سبق» وكون 
المخالف أعلم وصف غير مؤثر؛ بدليل أنه يجوز أخذه بظن نفسه ولا 
يلزمه تقليد الأعلم. فكذلك ينبغي آلا يجوز له تقليده» لا سيما وقد 
ظهر له خطؤه» والخطأً جائز على الأعله. 

القول الرابع : له تقليد الصحابة والتابعين دون من بعدهم . 

وتقليد الصحابة قد يُحمل على أن قولهم حجة» فيكون الأخذ به 


(1) قواطع الأدلة (۳/ .)١١١۹‏ 

(۲) انظر: فواتح الرحموت (۳۹۳/۲)ء شرح تنقيح الفصول ص447» المستصفى (؟/ 
4) شرح لحري المنير (611/5) 

(5) انظر: شرح تنقيح الفصول ص 555. القواطع في أصول الفقه (۳/ .)١١۲۷‏ 

ء)٠١١١/۳( انظر: المستصفى (۲/ ١٦٤)ء روضة الناظر‎ )٤( 

/٤( انظر: فواتح الرحموت (۲/ ۳۹۳)ء المستصفى (۸/۲٥0٤)ء شرح الكوكب المنير‎ )٥( 


.(o1¥ 


الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها ككل . 





أخذا بالحجة وليس تقليداً» فيخرج هذا القول عن النزاع» لكن من 
ألحق التابعين بالصحابة في هذا فيمكن الاستدلال له بما ثبت من فضيلة 
قرن التابعين» وأنهم أعلم في الجملة» وعلى هذا فيُمكن عدّ هذا القول 
فرعا عن القول الثالث. 


القول الخامس : يجوز التقليد عند ضيق الوقت» وهو ما يفوت وقته 
لو اشتغل بالاجتهاد. 


. )2000 : 5 :222 4 
وهو قول ابن سريج”"'“» واختاره أبو المعالي الجويني"» وشيخ 
الإسلام ابن تيمية”". 


لأنه مع ضيق الوقت وخشية الفوات يكون عاجزاً عن الاجتهاد أو 
يلحقه به مشقة شديدة» وهذه هى علة إباحة التقليد للعامى. فالمجتهد 


عند ضيق الوقت كالعامي““. 


دون ما يفتي به ر 


)١(‏ انظر: فواتح الرحموت (۳۹۳/۲)ء شرح تنقيح الفصول ص۴٤٤٠‏ القواطع في أصول 
الفقه (۳/ .)٠١۳١‏ المستصفى (۸/۲٥٤)ء‏ المسودة (۲/ ١١۸)ء‏ شرح الكوكب المنير 
(٥۱۷ /£(‏ 

(؟) انظر: البرهان (۲/ ۱۳۳۹). 

(۳) انظر: مجموع الفتاوی (۲۰/٤٠۲)ء‏ ومال إليه ابن دقيق العيد أيضاً. انظر: البحر 
المحیط /٦(‏ ۲۸۷). 

ء)٠١۳١‎ /۳( انظر: شرح تنقيح الفصول ص٤٤٤٠ القواطع في أصول الفقه‎ )٤( 

(5) انظر: فواتح الرحموت (۳۹۳/۲)ء شرح تنقيح الفصول ص۳٤٤‏ المستصفى (۲/ 
© شرح الكوكب المنير (011/5) 


2 الفصل الأول: التعريف بالملكة الفقهية والأحكام المتعلقة بها هر 
ف I‏ 

لأن التقليد قد تدعو إليه الضرورة فى خاصة نفسهء وأما الفتيا فلا 
رور ف ااا لان له أن تل فلن عة 

ونوفش : بالفرق بين المجتهد الذي ضاق عليه الوقت وبين العامي ؛ 
من جهة أن المجتهد معه آلة الاجتهادء فلم يجز له التقليد كما لو كان 
الواقت وآسعاً ؟ لأنه لو جاز له -التقليد إذا' خاف فوت الوقت لجاز وإن 
لم خف ؛ کالعامی› فالفرض له يتبدل لخوف الفوت وعدم الخوف. 

ونوقش أيضاً بمنع الضرورة؛ لأنه إن كان ذلك الشيء مما يجوز 
تأخيره للعذر فله أن يؤخره لعذر الاشتباه والتوقف. وإن كان لا يجوز 
له التأخير أداه على حسب حاله ثم أعاده بعد أن يجتهد؛ فلا 


1 2000 
صروره . 


وبالنظر في هذه الأقوال وأدلتها يظهر أن الأصل هو وجوب الرجوع 
إلى الدليل والاجتهاد في الاستدلال بهء وأن العجز عن ذلك ولحوق 
المشقة عذر يسقط به هذا الواجب» وهذا ما اقتضى الترخيص للعامي 
في التقليد» وهذا العذر قد يتحقق في شأن المجتهد في مثل حال ضيق 
الوقت» وهذا ما يقتضي رجحان القول الخامس» القائل تچوا التقليد 

وما نوقش به هذا القول لا ينهض. فثبوت آلة الاجتهاد للمجتهد 
تكون في حكم العدم إذا كان لا يتمكن من إعمالها إلا مع ضررء 
كواجد الماء مع الضرر باستعماله» ومنع الضرورة بأنه (إن كان ذلك 





(۲) انظر: القواطع في أصول الفقه (۳/ .)١١۳١-۱۲۳۰‏ 


ام الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها بيثل, 


الل 


آمو 


KK 


الشيء مما يجوز تأخيره للعذر فله أن يؤخره... وإن كان لا يجوز له 
التأخير أداه على حسب حاله ثم أعاده) لا يصح؛ لأن الضرر قد يحصل 
بمجرد ذلك ثم هو إن أمكن في العبادات فقد لا يمكن في غيرها من 
المعاملات والعقود التي تدعو إليها الحاجة أو الضرورة وتترتب عليها 
تبعات. 


الفرع الثالث: ما يعرف به تحقق الملكة الفقهية : 

لما كانت الملكة الفقهية أمراً تتعلق به الأحكام الشرعية بنوعيها 
التكليفي والوضعي› كان من المهم معرفة ما يدرك به تحقق الملكة» لا 
سيما والملكة صفة خفيةء تتزايد شيئاً فشيئاً حتى تتم» وسأحاول كشف 
ذلك في تمهيد ومسألتين : 

التمهيد: في خفاء الملكة وعدم انضباط تحصيلها. 

المسألة الأولى: ما يعرف به المرء تحقق الملكة في نفسه. 

المسألة الثانية : ما يعرف به المرء تحقق الملكة في غيره. 


تمهيد في خفاء الملكة وعدم انضباط تحصيلها 
تكمن مشكلة إناطة الأحكام بالملكة فيما تتصف به الملكة من 
الخفاء» فالملكة حصيلة تعلّم وتجارب وممارسات متعددة» تتتابع 
وتتكرر حتى تثبت في النفس» فتصير صفة راسخة يصعب زوالهاء 
والتحقق من بلوغ المهارة حد الرسوخ هو محل الخفاء والاشتباه. 
ويصف الشاطبي كن هذا الترقي وما يعرض في أثنائه من التردد في 
بلوغ مرتبة الرسوخ. فيقول: «طالب العلم إذا استمر في طلبه مرت عليه 








.عم الفصل الأول: التعريف بالملكة الفقهية والأحكام المتعلقة بها لم 
١ ٠١٠6 ۴ Ete‏ 
ا مسيم 6" 


أحوال ثلاثةء أحدها: أن يتنبه عقله إلى النظر فيما حفظ والبحث عن 
سيا به ا ل ا لکنه مجمل بعد 
وربما ظهر له في , بعض أطراف المسائل جزئيا لا كلياًء وربما لم يظهر 
بعد» فهو ينهي البحث نهايته» ومعلمه عند ذلك يعينه بما يليق به في تلك 
الرتبة» ويرفع عنه أوهاما وإشكالات تعرض له في طريقه» يهديه إلى 
مواقع إزالتها ويطارحه في الجريان على مجراه» مثبتا قدمه» ورافعا 
وحشته» ومؤدبا له» حتى يتسنى له النظر والبحث على الصراط المستقيم. 

فهذا الطالب -حين بقائه هنا ينازع الموارد الشرعية وتنازعه 
ويعارضها وتعارضه طمعا في إدراك أصولها والاتصال بحِكمها 
ومقاصدها ره كلك ك به ا يه الأجواد ن هونا 
فيه؛ لأنه لم يتخلص له مسند الاجتهاد. ولا هو منه على بينة بحيث 
ينشرح صدره بما يجتهد فيه» فاللازم له الكف والتقليد. 

والثاني: أن ينتهي بالنظر إلى تحقيق معنى ما حصل على حسب ما 
أداه إليه البرهان الشرعي» بحيث يحصل له اليقين ولا يعارضه شك» 
بل تصير الشكوك إذا أوردت عليه كالبراهين الدالة على صحة ما في 
يديه» فهو يتعجب من المتشكك في محصوله كما يتعجب من ذي عينين 
لا يرى ضوء النهارء لكنه استمر به الحال إلى أن زل محفوظه عن 
حفظه حكماء وإن كان موجوداً عندهء فلا يبالي ف في القطع على 
المسائلء أَنْصّ عليها أو على خلافها أم لا 

فإذا حصل الطالب على هذه المرتبة فهل يصح منه الاجتهاد في 
الأحكام الشرعية أم لا؟ هذا محل نظر والتباس» ومما يقع فيه 
الخلاف... 






الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها پيل 


وإذا تقرر أن لكل احتمال مأخذاء كانت المسألة بحسب النظر 
الحقيقي فيها باقية الإشكال... 

والثالث: أن يخوض فيما خاض فيه الطرفان» ويتحقق بالمعاني 
الشرعية منرّلة على الخصوصيات الفرعية» بحيث لا يصده التبحر في 
الاستبصار بطرف عن التبحر في الاستبصار بالطرف الآخرء فلا هو 
يجري على عموم واحدٍ منهما دون أن يعرضه على الآخرء ثم يلتفت 
مع ذلك إلى تنزل ما تلخص له على ما يليق في أفعال المكلفين» فهو 
في الحقيقة راجع إلى الرتبة التي ترقى منهاء لكن بعلم المقصود 
الشرعي في كل جزئي فيها عموماً وخصوصاء وهذه الرتبة لا خلاف في 
صحة الاجتهاد من صاحبهاء وحاصله أنه متمكن فيهاء حاكم لهاء غير 
قد تستفزه معانيها الكلية عن الالتفات إلى الخصوصياتء وكل رتبة 
عليها تحت نظره وقهره فهو صاحب التمكين والرسوخ. فهو الذي 
يستحق الانتصاب للاجتهاد والتعرض للاستنباط» وكثيراً ما يختلط أهل 
الرتبة الوسطى بأهل هذه الرتبةء فيقع النزاع في الاستحقاق أو 

2 
٠. عدمه‎ 

ويصف بعض علماء توئنس هذا الترقي نحو الرسوخ بقولهم : «الناس 

الأولى : الطالبون له على وجه التقليد والأخذ عن أربابه... 


.)۱۳۲ -۱۲۷/٤( الموافقات‎ )١( 


بع الفصل الأول: التعريف بالملكة الفقهية والأحكام المتعلقة بها 05 
س 
2 


الثانية: الطالبون له بالبراهين حتى يصير عندهم من جملة مودعات 
العقل» من غير أن يصير صفة للنفس وملكة راسخة فيها. 

الثالثة: الطالبون له بالبراهين مرة بعد أخرى» حتى يصير صفة 
راسخة بمثابة الأمور البديهية» وهذه المرتبة هي المقصودة» وتسمى 
مرتبة الرسوخ» ويحتاج في حصولها إلى زمن لا ينضبط لجميع الأجيال 
ولا لجميع الأفراد من الجيل الواحد وإنما ذلك بحسب التهيؤ 
واستجماع الشرائط وتوفر الأسباب» '. 

وهذان النقلان يؤكدان ما تتصف به الملكة من التزايد الخفي غير 
المنضبط» ومع تأكيد هذا فلا بد من القول: بأن للملكة حقيقة في 
نفسها يمكن الوقوف عليها والتعرّف عليها بأماراتها التي يعرفها أهل 
العلم بهاء وأن الأحكام المتعلقة بالملكة تتعلق بالقدر الأدنى منها''". 


المسألة الأولى : ما يعرف به المرء د تحقق الملكة في نفسه : 
جوابا لهذا السؤال يقول السيوطي كلنه: «العالم يعرف ذلك من 
نفسه» بأن يعلم أنه أتقن الآلة كل الإتقان» ويجد له ملكة وقدرة على 
الاستنباط واستخراج الأحكام الخفية من الأدلة البعيدة»” . 
لکن يرد على هذا : أن الإنسان قد يُغلّب حسن الظن بنفسه؛ فيراها 
أهلا للاجتهاد أو غيره من مراتب العلم ولا يكون كذلك» وقد يرشحه 


)١(‏ نقله الشيخ الطاهر بن عاشور عن جواب لهيئة الإشراف على التعليم في جامع الزيتونة. 
أليس 30 قري 1 
(۲) انظر: ea‏ 





الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها 4م 


هم 
(A‏ 
لتلك المراتب غيره من الناس فيغرّه بنفسه ويتصدى لما ليس أهلا لهء 
وذلك من أسباب ظهور البدع والضلالات» ف«لا آفة أضر على العلوم 
وأهلها من الدخلاء فيها وهم من غير أهلها؛ فإنهم يجهلون ويظنون 
أنهم يعلمون. ويفسدون ويقدّرون أنهم يصلحون)7. 

وهذا ما يُحذِّره الشاطبي يل فيقول: «الاجتهاد الواقع في الشريعة 
ضربان : 

أحدهما: الاجتهاد المعتبر شرعاء وهو الصادر عن أهله الذين 


والثاني: غير المعتبرء وهو الصادر عمن ليس بعارف بما يفتقر 
الاجتهاد إليه؛ لأن حقيقته أنه رأي بمجرد التشهي والأغراض» وخبط 
في عماية» واتباع للهوى» فكل رأي صدر على هذا الوجه فلا مرية في 
عدم اعتباره... فيعرض فيه أن يعتقد في صاحبه أو يَعتقد هو في نفسه أنه 
من أهل الاجتهاد وأن قوله معتد به» وتكون مخالفته تارة في جزئي - 
وهو أخف- وتارة في كلي من كليات الشريعة وأصولها العامة» كانت 
من أصول الاعتقادات أو الأعمال» فتراه آخذا ببعض جزئياتها في هدم 
كلياتها حتى يصير منها إلى ما ظهر له ببادئ رأيه» من غير إحاطة 
بمعانيهاء ولا راجع رجوع الافتقار إليهاء ولا مسلّم لما روي عنه في 
فهمهاء ولا راجع إلى الله ورسوله في أمرها كما قال إن تَرَعمٌ في شَىَءٍ 
دوه إل نئو اسول إن كم منوت ياو ايوم الح ويكون الحامل 


)١(‏ الأخلاق والسير ص*". 
,0( سورة النساء» الآية (69). 


e 


5 الفصل الأول: التعريف بالملكة الفقهية والأحكام المتعلقة بها ر 
Ê‏ 241۹ 


على ذلك: بعض الأهواء الكامنة في النفوس» الحاملة على ترك 
الاهتداء بالدليل الواضح واظراح النصفة والاعتراف بالعجز فيما لم 
يصل إليه علم الناظرء ويعين على هذا: الجهل بمقاصد الشريعة» 
وتوهّم بلوغ درجة الاجتهاد باستعجال نتيجة الطلب, فإن العاقل قلما 
يخاطر بنفسه في اقتحام المهالك مع العلم بأنه مخاطر»”'". 

من أجل ذلك قال الإمام مالك كأنه: ١لا‏ ينبغي للعالم أن يفتي حتى 
يراه الناس أهلا لذلك» ويرى هو نفسه أهلا لذلك»”"©» ونقل عن شيخه 
عبدالرحمن بن هرمز كف مثل ذلك" يقول القرافي : «يريد: تثبت 
أهليته عند العلماءء ويكون هو بيقين مطلعا على ما قاله العلماء في حقه 
من الأهلية؛ لأنه قد يظهر من الإنسان أمر على ضد ما هو عليهء فإذا 
كان مطلعا على ما وصفه الناس حصل اليقين في ذلك»“. 


وقال مالك ايف لإ بغي لرجل أن يرق ف هلا لشى ردن 
يسأل من هو أعلم 0000 


و 


e 


عدا ا ار عليه تالك و ف كه قال ا افج ج هك 
لي سبعون أني أهل لذلك. 


.)۹۸-۹۳ /٤( الموافقات‎ )١( 

(۲) انظر: المدونة »)١7/5(‏ ترتيب المدارك »)١57-1١51١/١(‏ الفروق (۲/٠٠۲)ء‏ الرد 
على من أخلد إلى الأرض ص"۷. 

.)١۷١/٤( المدونة‎ )۳( 

.)۲١٦/۲( الفروق‎ )٤( 

(ه) الفقیه والمتفقه .)۳۲٣/۲(‏ 

)١(‏ انظر: الفقيه والمتفقه (7/ .)۳۲١ ٠٠۲٠‏ الفروق (الموضع السابق). 







01 الملكة الفقهية : حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها 5 
ر کک 
ولذا؛ فالأقرب ما ذهب إليه مالك نه من أهمية الجمع بين 


في الحكم بحصول الملكةء وأنفى للوهم والشبهةء والله أعلم. 
المسألة الثانية: ما يعرف به المرء تحقق الملكة في غيره: 

بالرجوع إلى ما قرره العلماء في صفة معرفة من هو أهل للفتوى 
نجد أن الناس في هذا المقام ضربان: مجتهد وعامي. 

فأما المجتهد فهو القادر على معرفة تحقق الملكة في غيره؛ لكونه 
عارفا بها وبمخايلها وآثارهاء وطريقةٌ المجتهد في معرفة حال غيره هي 
امتحانه ومذاکرته ومطارحته المسائل. 

وأما العامي فهو في نفسه غير عالم بحقيقة الاجتهاد والملكة» فلا 
يصح أن يعتمد في ذلك على نظره وتقديره» ولا بد له من الرجوع إلى 
أهل العلم بذلك”". 

وهنا نجد للعلماء اختلافا فى طرق معرفة العامى بالمجتهدء وهذا 
الاختلاف مما يبيّن مدى ناه هذا الأمر. ا 

ومع وقوع الاختلاف في عدد من هذه الطرق فهو اختلاف في 
تحقيق المناطء والضابط الذي تتفق عليه هذه الأقوال هو: اعتماد قول 
من هو عارف بالاجتهادء إذا كان عدلاً موثوقاً بقوله. 





)١(‏ انظر: الرد على من أخلد إلى الأرض ص١لاء‏ 77. الأحكام السلطانية لأبي يعلى 
ص1۲. 

(۲) انظر: مقاصد الشريعة الإسلامية ص507» أليس الصبح بقريب ص١٥٠‏ الرد على من 
أخلد إلى الأرض ص الاء ۷۲. 


الفصل الأول: التعريف بالملكة الفقهية والأحكام المتعلقة بها 





0 
0 


ويتفرع من هذا الضابط طريقان يتخذها العامي لمعرفة من هو 
متحقق بالملكة. هما: 


فول "اليل لديم 

فإذا أخبر العدلُ بأهلية المفتي قبل قوله» ويشترط في هذا العدل أن 
يكون غنده من العم والبضر ما يمير به . 

وهذه الطريق متفق عليها في الجملة» لكنهم اختلفوا في العدد 
المشترط» فاكتفى بعضهم بقول واتخدة: واعدرا أعفرول انين وأوحب 
أخووة عَيدا تحصاا-ره التوات 7 

؟ - قول من ثبتت عدالته عن نفسه : إنه مفتي. 


وبهذا قالت جمهرة من الأصوليين» منهم: أبو المعالي الجويني” " 
والغزالى“ وابن برهان”© والسيوطي”" والكيا الهراسي””", 


يقول السيوطي كلَنه: «الظاهر قبول قول العالم في الإخبار عن نفسه 


/١( المجموع‎ ء)٠٠١‎ /١١( روضة الطالبين‎ »)87/١( انظر: أدب المفتي والمستفتي‎ )١( 
.)777/1( 26؛» الفتوى فى الشريعة الإسلامية‎ 

(۲) انظر: المستصفى (558/5).: المنخول ص478»: روضة الطالبين /١١(‏ ۳١٠)ء‏ 
المجموع (۱۱۸/۱)ء البحر المحيط (7094/5). الرد على من أخلد إلى الأرض 
ص۷۲. 

(۳) انظر: غياث الأمم ص٤۸٤.‏ 

(5) انظر: المنخول ص۷۸٤.‏ 

(0) انظر: البحر المحيط (5/ 708)» الوصول إلى الأصول (7/ 7554)» الرد على من أخلد 
إلى الأرض ص .7١‏ 

.لا١ انظر: الرد على من أخلد إلى الأرض ص‎ )١( 

(۷) انظر: الرد على من أخلد إلى الأرض ص"ل. 


0 الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها م 
7س سل سلب9 ؛»هجة”ه 
00 


0 0 
يدج ه 


ب 


إنه وصل إلى حد الاجتهادء إذا كان عدلاً؛ قياساً على قولهم: من 
ادعى الصحبة قُبل قوله فى ذلك إذا كان عدلا؛ لأن عدالته تمنعه من أن 
يكذب170) 6 , 

ويقول ابن برهان مؤيداً هذا القول: هذا «أصح المذاهب...؛ لأن 
أقصى الممكن هو تقليده في قوله: إني مجتهد عالم» بعد أن يكون 
عدلاً موثوقاً بدينه» والظاهر من المسلم العدل أنه لا يقدم على الفتوى 
في الدين وهي من محظورات الأمور إلا وهو أهل لهاء. وإن جاز أن 
يحسن الظن في نفسه فيظن أنه مجتهد وليس كذلك» ولكن هذا هو 
الغاية» ولا يتأتى للعامي الخلاص من هذه الورطة إلا أن يصير مجتهداً 
فيصير حينئذ عارفا بالمجتهدين» وإذ ذاك استغنى عن التقليد»”". 

واختلف الأصوليون فى الاستفاضة والشهرةء فحكى النووي ك8 
عن الشافعية: «أنه يجوز ا من استفاضت أهليته”". وقيل: لا 
يكفي الاستفاضة ولا التواتر...؛ TT‏ والشهرة بين العامة لا 
وثوق بهاء فقد يكون أصلها التلبيس» وأما التواتر فلا يفيد العلم إذا لم 


يستدد إلى معلوم خر 


.١ص الرد على من أخلد إلى الأرض‎ )١( 
وفي هذا القياس نظر؛ لأن إخبار العدل عن نفسه بالصحبة إخبار عن شيء محسوس‎ 
ظاهر لا التباس فيه لمن حصل له» بخلاف إخباره عن نفسه بتحقق الملكة والتأهل‎ 
للاجتهادء فهو وصف خفي غير منضبط ؛ ولذا شرط فيه مالك أن يراه غيره أهلاء كما‎ 
سبق.‎ 

(*) الوصول إلى الأصول (؟/ 550-9554). 

(۳) وهو اختيار ابن الصلاح. انظر: أدب المفتي والمستفتي .)۸٦/١(‏ 

(5) روضة الطالبين /١١(‏ 7١٠)ء‏ وانظر: أدب المفتي والمستفتي )1/ «(A1‏ المجموع 
.)١ ١8/12‏ 


.+( الفصل الأول: التعريف بالملكة الفقهية والأحكام المتعلقة بها لخي 
الا ۴ 


والذي يظهر -والله أعلم- أن الاستفاضة والشهرة لا يُطلق القول 
بالاعتداد بها نفيا ولا إثباتاء بل ذلك راجع إلى حال الناس وظهور 
العلم والسنة فيهمء فإذا كان العلم ظاهراً والدولة للسنة فيمكن اعتماد 
الاستفاضة والشهرة؛ لأن الحال تقتضي ألا يتجاهر أهل الجهل والبدع 
بالانتصاب لمنصب الاجتهاد والإفتاء» وإن كان الغالب هو الجهل 
والبدع فلا يمكن الاعتماد على الاستفاضة والشهرة؛ لعدم الثقة بهما؛ 
لأن المعول إنما هو على قول آهل العلم وتزكيتهم» وقولهم إما أن 
يكون بلسان المقال الصريح» أو بلسان الحال» وهو الإقرار للمتصدين 
للإفتاء وعدم الإنكار عليهم» ومع غلبة الجهل لا تكون كلمة أهل العلم 
هي الكلمة الظاهرة المسموعة؛ فلا اعتداد بالاستفاضة بين الجهال. 

وكذلك يقال في (الانتساب إلى العلمء والانتصاب للتدريس 
والإقراء وغير ذلك من مناصب العلماء)ء فقد أطلق ابن الصلاح 
والنووي -رحمهما الله- القول بعدم الاعتماد على مجرد ذلك" 
وظاهرٌ أن هذا محمول على أوقات الفساد وتقصير الولاة في صيانة 
المناصب الدينية. 


- وممن اختار القول الثاني: الكيا الهراسي. والسيوطي. انظر: الرد على من أخلد إلى 
الأرض ص "لا. 
)١(‏ انظر: المجموع »)١١18/١(‏ أدب المفتي والمستفتي .)۸٦/١(‏ 





اكتساب الملكة الفقهية هو الغاية من الكتابة في هذا الموضوعء وما 
سواه من المباحث خادم له ومذلل لسبيله. 

والبحث في (اكتساب الملكة الفقهية) ينبني على أن لهذه الملكة 
جانبين : 

© جانبا جبليا : وهو صحة الذهن وقبوله التهذيب. 

© وجانبا مكتسبا: وهو التعلّم والدربة والتكرار الذي يُقَوّم الرأي 
ويشحذ الفهم ويعدل المعيار. 

فلا تكون الملكة إلا بجبلة وكسب» أما الجبلة فلأن حقيقة الفقه 
الفهم» وهو عمل عقلي» يعتمد معرفة أصول الأحكام والبناء عليهاء 
فلا يجدي التعلُم والممارسة ما لم يكن للمرء قبول واستعداد فطري» 
وأما الكسب فلأن الفقه علم له قواعد لا يهتدي العقل إلى تفاصيلها إلا 
بالتعلم» ولا ترسخ فيه إلا بالتکرار. 

ووسائل اكتساب الملكة الفقهية كثيرة» وبتتبّع ما أرشد إليه العلماء 
من ذلك نجد تلك الوسائل على اتساعها عائدة إلى أمور أربعة يمكن 
تسميتها : أصول اكتساب الملكةء وفيما يلي أعقد لكل واحد من هذه 
الأصول مبحثا؛ لإيضاحه وبيان أثره في اكتساب الملكة والإشارة إلى 


, الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها يف‎ aA 
ج ا ي‎ 


مو 


oF 
3 


ما يتفرع عه من وسائل تنمية اللكة > وأقدم قبل ذلك تمهيدا ٠»‏ فتكون 
خطة هذا الفصل هكذا: 

تمهيد: في أن العلم هبة من الله لا تنال إلا بفضله. 

المبحث الأول: الاستعداد الفطري. 

المبحث الثاني : العناية بالقواعد والكليات. 

الميحت الثالف“المفارفة المباشرة: 

المبحث الرابع : التكرار. 

وق ات ال الل عدو رطا ١‏ لاتطباق مخت الشترط 
عليها: (مايلزم من عدمه العدم» ولا يلزم من وجوده وجود ولا 
عدم)"؛ لأنه لا بد من كل واحد من هذه الأمور لاكتساب الملكةء 
فلا تتم الملكة إلا باجتماع هذه الشروطء فلا تكون ملكة فقهية من غير 
ذهن صحيح معتدل قابل للتفقه» ولا من غير ضبط للقواعد والكليات 
الفقهية» ولا من غير تكرار واستمرار في الطلب ومداومة النظر في 
الفقه» بل لا بد من هذه الأمور جميعها لتحصيل الملكة. 


وحصول واحد منها لا تتم به الملكة» بل لا بد من اجتماعهاء 


)١(‏ الفروق .)١97/١(‏ شرح تنقيح الفصول ص825. 


تمهيد 
في أن العلم هبة من الله لا تنال إلا بفضله 





ا لال الا تفل 0 
كن ين عليه إلا ب 204 والفقه في الدين اصطفاء 
سبحانه» قال تعالی لکلیمه موسى 82 : یموس إِف اتلك ع ۲ الاس 
رسکی یکی فد ما #اكنتك وك يكت ان .وا کات الرسال 
اضطناء من ا تا عفان إرانيا قلما وجل ردغو رك من هنذا 
الاصطفاء. والحرص والدؤوب في الطلب غير كاف في النجاح ما لم 
ب یی و ا و ا 


2 .و e‏ ر )ر ٤‏ 
ميك فلا مرل لم من بغي وهو الْعزيرٌ ك 4 . 
سے رور ارس سر عل 


وقد قال تعالى: طيُتٍ الْحِحَمَدٌ من 404553 2. وقد ءانا لقن 
اک 9 عتا منم أب و با4 8 > كما جاء التعبير 


.)٠٠١( سورة البقرةء الآية‎ )١( 
.)١55( سورة الأعراف الآية‎ )۲( 
.)۲( سورة فاطرء الآية‎ )9( 

(4:) سورة البقرة» الآية (519). 
)٥(‏ سورة لقمانء الأية (؟١).‏ 
)١(‏ سورة السجدة. الآية (55). 


ر الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها إيض. 
1# لل لل ب سج بح بح ججحب حبحب 0 


عن العلماء في غير آية بقول #الِبح أووا أله 4”"'. وقال 
رسول الله کد : «من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين)”"'. وفي هذا 
إعتارة إلى أن العلمَ إيتاءٌ وهبة وتفقيه من الله تعالى» وهذا ما أشار إليه 
مالك كن بقوله «الحكمة والعلم نور يهدي به الله من يشاءء والتسن 


بكثرة المسائل»" وأحمد كث بقوله «إنما العلم مواهب» يؤتيه الله من 


أحب من ا 


وإذا سمينا أصول الملكة الآتي ذكرها شروطاً للملّكة» فإن التوفيق 
الونائن سبع لياه والس ا عل ن افرط وال غ ل لوم سن 
وجوده الوجودء لكن السبب يلزم من وجوده الوجود» كما يلزم من 
عدمه العدم””'. وهذا شأن التوفيق الرباني» فإنه إذا كُتب للعبد وفق 
للعلم النافع ولا بد. ويسر الله الأسباب وبارك فيهاء وكفى الموانع 
والعقبات؛ فتم المراد: #وإيت ردك عر EET‏ 


ومواهب الله تعالى وآلاؤه تنزل في المنازل التي اقتضتها حكمته 


ء)٥٤( سورة النحل» الآية (۲۷)ء سورة الإسراءء الآية (١٠١۱)ء سورة الحجء الآية‎ )١( 
سورة القصص›» الآية (٠۸)ء سورة العنكبوت» الآية (۹٤)ء سورة الروم. الآية (557)؛‎ 
.)١١( سورة المجادلةء الآية‎ »)١5( سورة سبأء الآية (1)ء سورة محمد الآية‎ 

)۲( رواه البخاري في صحيحه» كتاب العلم» باب من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين» برقم 
(۷1)» ومسلم في صحيحه» كتاب الزكاةء برقم »)۱٠۳۷(‏ عن معاوية طنه. 

(۳) جامع بيان العلم وفضله .)٠٠/۲( .)١8/١(‏ والكلمة مروية بألفاظ متقاربة في : 
المحدث الفاصل ص۸٥٠‏ . الإلماع إلى معرفة أصول الرواية وتقييد السماع ص۲۱۷٠‏ 
ترتيب المدارك .)٦١ /١(‏ سير أعلام النبلاء (۸/ .)٠١١‏ 

.)٠٠- ٥۹/۲( الآداب الشرعية‎ )٤( 

.4١ص ۱۷۲)ء شرح تنقيح الفصول‎ /١( انظر: الفروق‎ )٥( 

530( سورة يونس » الآية (۷). 


ع الفصل الثانى: شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها ار 
ور حر كت يي ب كي وس ص IH,‏ 


وعلمه. فالله تعالى ##أعلمُ حَبّتُ عل رتم4 وما اسع سين 
ا الناس وقالوا متستكبريق : 
SID‏ م اہ كيم قا يردا ارد الله عليهم بقوله #أليْس أله بعلم 
ا04 

«وصحة الفهم نور يقذفه الله في قلب العبد» يميز به بين الصحيح 
والفاسد. والحق والباطل. والهدى والضلالء والغى والرشاد» ویمده 
حسن القصدء. وتحري الحق› وتقوى الرب في السر والعلانية» ويقطع 
مادته اتباع الهوى. وإيثار الدنياء وطلب محمدة الخلق»› وترك 

فكون الفقه هبة من الله وفضلا لا يمنع أن يكون لنيله أسباب من 
جهة العبد. فكثيراً ما أوضح القرآن أن الإيمانَ والعمل الصالح والتقوى 
NENE‏ > من ذلك قول الله 
ال وال ما ل َه َمل لم وا4 أي: علما 
تفرقون به بين الحق والباطل”” '. وقوله تعالی #ولما بل شد اسه 
کا وا وَكَدَلِكَ رى اين 4" . 
والهندسية التي يكون الأقرب فيها إلى الإصابة من كان أبرع وأحد 


.)١؟5( سورة الأنعام» الآية‎ )١( 
.)01( سورة الأنعام الآية‎ )۲( 
.)١١١-١١٤/۲( أعلام الموقعين‎ (۳) 
.)59( سورة الأنفال» الآية‎ )٤( 
.)٤١١ /۲( انظر: أضواء البيان‎ )6( 
.)۲۲( سورة يوسفء الآية‎ )1( 


الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها يشم 


اا اک ای شع د ا ت و 


إليه؛ فا لله جل وعلا وصف كتابه الجن بأثة : 

Ng 1 #هدى‎ 

و9وَهُدَّى وى لۆم 4 . 
و#هدى وة مسن . 


#وهد ص و رک e‏ 


€3 >> 


و#هدى وَرَحَةُ لََ مث شم رهم هبو . 
وقال تعالى: َد تت الہ ور رتب يٹ (@ 


ey 


r2‏ ب اخ ور 
یھی به آله م أتَبعَ رِضْوائَمٌ سْبْل السَّلمِ وَيُحْرِجهُم من الظلمَتِ 
2 


ت 


ات الور 3 وة ل ا ي َه ا 
وجاء الجمع بين منطوق هذه انات الكريمة ومفهومها في قوله 


تعالی فل هو لات ١امنوا‏ هکی وشا ولیب لا بُومئرت ف ٤ادانو‏ 
ررم مي و 0 
وض وهو عليّهم ع عی4 
وأخبر سبحانه بأنه تی له س ياء وَبَبْدِىَ إِليَه مَن يث 4 . 
)١(‏ سورة البقرةء الآية (؟). 
)2( سورة النمل» الآية 2-0 وانظر: سورة الأعراف. الآية (؟0). 
(۳) سورة لقمانء الآية (۳). 
)٤(‏ سورة النحل» الآية (89). 
(60) سورة الأعراف» الآية .)٠١٤(‏ 
() سورة المائدةء الآيتان .)١١-٠١(‏ 
(۷) سورة فصلتء الآية (55). 


ك الفصل الثاني : شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها i‏ 
e‏ ةا 

فهذهالآيات الكريمة وغيرها مصرّحة: بأن وحى الله تعالى -وإن 
كان هدى في نفسه- فإن الانتفاع به متوقف على اك الا وصلاحه 
وزكائه واستعداده» وهذا مما ينبه طالب العلم إلى أن الإعداد والتكوين 
الفقهي لا يقتصر على كثرة المسائل ورياضة العقل. ولكنه يبدأ من 
تزكية القلب؛ ليكون محلا صالحا لتنزّل مواهب الله تعالى. 

وإذا علم العبد أن العلم هبة من الله تعالى لا تنال إلا بفضله. وأن 
لنيله أسبابا من جهة العبد. فثمرة هذا العلم: الرغبة إلى الوهاب 
الواسع الرحيم -سبحانه- والاعتماد عليه واتباع الأسباب المقربة من 
فضله» وذلك ر: 

© الإخلاص لله في طلب العلم. 

© التوكل عليه واستعانته. 

© التقوى. 

© العمل بالعلم. 


- الإخلاص له في طلب العلم : 

الأخلاض له تغالى هنو أسامن الدين قال تعالى: دوا اسا 
نذا آله يي 1 أل حتفا قيا الاو ووا آلرگوة وديك وي 
مد4 والله تعالى لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً لهء فقد 
قال سبحانه: «أنا أغنى الشركاء عن الشرك» من عمل عملا أشرك فيه 
معي غيري تركته وشركه»"» وقد استحب جماعة من العلماء أن 


.)0( سورة البينة» الآية‎ )١( 
حديث قدسي › رواه مسلم في صحيحه» كتاب الزهد والرقائق» برقم (2986). من‎ )۲( 
حديث أبي هريرة طلن.‎ 


e‏ الملكة الفقهية : حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها ب 
: ی 


تستفتح كتب العلم بذلك الحديث الجليل «إنما الأعمال بالنيات» وإنما 
لكل امرئ ما نوى”''؛ تذكيراً للطالب بالإخلاص» وأنه ليس له من 
طلبه للعلم إلا ما نواه. 

والإخلاص في طلب العلم هو أن يريد به وجه الله تعالى والدار 
الآخرة. أو يريد بطلبه للعلم ما هو وسيلة إلى ذلك» بأن ينوي : 

© امتثال أمر الله: لأن الله تعالى أمر بالعلم ورغب فيه في مثل قوله 
تعالى #تأغْكرٌ أَنَمُ ا إل إِلَّا أمّهُك. 

© اتباع الشريعة : لأن التزام شريعة الله تعالى لا يمكن إلا بعد العلم بها 

© حفظ شريعة الله: لأن حفظ الشريعة من الاندثار لا يكون إلا 

© حماية الشريعة والدفاع عنها: لأنها لا تُحمى إلا بالعلم الذي 
يكشف الشَبّه ويرد الباطل”". 

وقد نهت آي القرآن على ما لصلاح النية وحسن القصد من الأثر 
الجميل في التوفيق والتيسير للخير» قال الله تعالی : قد ر أله عَنِ 
الُؤيييت إذ کی الجر فل اق و ال ال ع 
E‏ ۳ 


)١(‏ رواه البخاري في صحيحه» كتاب بدء الوحي» باب كيف كان بدء الوحي إلى 
رسول الله میا ٠...‏ برقم »)١(‏ ومسلم في صحیحه› كتاب الإمارة. برقم (/ا90١).‏ من 
E‏ 

(؟) انظر: مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثیمین -۷۳/۲١(‏ ١۷ء‏ 
1۲- 1۳( وانظر: تعليم المتعلم طريق التعلم ص 6. 

(۳) سورة الفتحء الأية (۱۸). 


سن شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها م 
و لا ل 
EI‏ أ کا ممح عفر کک . 
eT‏ 6 منوا کا من آهل و2 اا ا 
ردا إصلحا فق اھ با 4 جل ا تال رول اله 
راتحت الحييت والعلك معين SS‏ والتوفيقٌ قرين ¿ إرادة الخير 
ل التوجه 00 وإنما 
تطلب منه بقدر ما يحصل لها به غايتها الدنيوية» فمتى حصلت من 
العلم ما تنال به غايتها أمسكت عن الطلب؛ فلم تبلغ الملكة 
2022 
والرسوخ 
ولتحقق الإخلاص في طلب العلم علامات» منها: أن يظهر أثر 
العلم في عبادة الطالب وخلقه وزهده في الدنيا ورغبته في الآخرة 
وسلامة قلبه وحبه الخير للمسلمين» قال الحسن: (إِنْ كان الرجل إذا 
طلب العلم لم يلبث أن يرى ذلك في تخشعه وبصره ولسانه ويده 


واه 


والمحذور ف باب النية مزلقان: 
أحدهما : طلب العلم رياءً وسمعة وابتغاءً لأعراض الدنيا. 
والآخر: ترك التعلم خشية الرياء. 

.)7١( سورة الأنفال» الآية‎ )١( 


(؟) سورة النساءء الآية .)١(‏ 


(۳) انظر: التعليم والإرشاد ص2778-777 أليس الصبح بقريب ص١15١.‏ 
)٤(‏ أخلاق العلماء ص١0.‏ 





0 الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها 2 

فليّعلم هنا: أن دواء ضعف الإخلاص لا يكون بترك العمل» بل 
هذا من نصيب الشيطان وغاياته: أن يصرف العبد عن العمل الصالح 
بإخافته الرياء وعدم الإخلاصء. وإنما المشروع الاستمرار في العمل مع 
الأخذ بالدواء المشروعء من الاستعانة بالله» والاستعاذة به. 
واستغفاره» ومجاهدة النفس» ومعالجة أمراض الرياء بمواعظ القران 
الذي هو #وشتا إا نى الشثور. 


وف لك ها أر شد اله الى اوقل له كيف تعقى الشيرك: وهو 
أخفى من دبيب النمل؟- فقال: «قولوا: اللهم إنا نعوذ بك من أن نشرك 
بك قنيكاً تغلمةء ونستغفرك لما لا نعلم»”". 


ولخفاء هذا المزلق أرشد بعض العلماءٍ المعلمَ إلى الرفق في تربية 
التلميذ على الإخلاص» فلا يبالغ في شأن الإخلاص مبالغة قد تدفع 
الطالب إلى ترك الطلب خشية فساد النية» بل يتلطف في ذلك ويتدرج 
فيه ويأتيه من باب الترغيب في بركة الإخلاص وحسن عاقبته؛ ولا 
يمتنع من تعليم الطالب لعدم خلوص نيته؛ فإن حسن النية مرجو له 
ببركة العلم. قال بعض السلف: طلبنا العلم لغير الله فأبى أن يكون إلا 
لله.. ولأن إخلاص النية لو شرط في تعليم المبتدئين فيه مع عسره على 
كثير منهم لأدى ذلك إلى تفويت العلم كثيراً من الناس» لكن الشيخ 
يُحرض المبتدئ على حسن النية بالتدريج قولا وفعلاء ويعلمه بعد أنسه 
به أنه ببركة حسن النية ينال الرتبة العلية من العلم الع 


)١(‏ سورة يونس الآية (/ا0). 

)۲( رواه أحمد في مسنده (5/ 07 5) برقم )١14707(‏ من حديث أبي موسى الأشعري وبين » 
وحسنه الألباني. انظر: صحيح الترغيب والترهيب »)۱١١۱/١(‏ برقم .)۴١(‏ 

(۳) تذكرة السامع والمتكلم ص”85. 


الفصل الثاني: شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها 






چ 

ويشير شيخ الإسلام ابن تيمية إلى تخفيف في شأن النية» وذلك في 
شأن من طلب العلم لما له في نفسه من المحبة والشهوة» لم يطلبه لله 
ولا للرياء والسمعةء فهذا «ليس مذموماء بل قد يثاب بأنواع من 
الثواب» إما بزيادة فيها وفي أمثالهاء فيتنعم بذلك في الدنياء وقد يكون 
من فوائد ذلك وثوابه في الدنيا أن يهديه الله إلى أن يتقرب به إليه» وهو 
معنى قول بعضهم (طلبنا العلم لغير الله فأبى أن يكون إلا لله)» وقول 
الآخر (طلبهم له نية)» يعني نفس طلبه حسن ينفعهم)”"2. 


ب - التوكل على الله واستعانته : 

التوكل على الله : اعتماد القلب عليه في جلب المنافع ودفع 
المضار". وقد أمر الله بذلك فى آيات كثيرة» فقال تعالى #وَعَلٌ أله 
فووا ان تم مۇمييٽ4 ٠‏ «ورڪَل ل يالى لا يوني 
«إِيَّاك نعبد وَإِيّاكَ سيين وقال رسول الله ل : «إذا سألت 
فاسأل الله» وإذا استعنت فاستعن بالله». 
وللاستعانة بالله تعالى والتوكل عليه ثمرات كثيرة بيّنها القرآن» من 


.)7 /5( الأخبار العلمية من الاختيارات الفقهية ص٥4٠ كشاف القناع‎ )١( 

(؟) ينظر في معنى التوكل وما قيل في تعريفه : مدارج السالكين -1١1١/5(‏ 177). 

(۳) سورة المائدةء الأية (۲۳). 

.)٥۸( سورة الفرقانء الآية‎ )٤( 

.)٥( سورة الفاتحةء الآية‎ )٥( 

(5) رواه أحمد في مسنده (۲۹۳/۱) برقم .)۲٨٨۹(‏ والترمذي في سننه» كتاب صفة 
القيامة. باب حديث حنظلة» برقم (58015), من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-» 
وصححه الترمذي. 


الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها 4م 





أنسيها لما نحن بصدده: كفاية الله لمن توكل عليه» قال تعالی : ومن 


بول عل آلو َه تب 

ونقيض التوكل على الله : اعتماد المرء في طلب العلم على قوّته 
وذكائه» أو على الأسباب التي هيّأها الله له» من معلم حاذق» أو تقنية 
ميسّرة» والمتوكل على غير الله موكول إلى ما اعتمد عليه» ف«من تعلق 
شيئاً وُكل إليه»”". 

والموقف الوسط هنا: الأخذ بالأسباب المشروعة لنيل الفقه 
واكتساب الملكة والجد في ذلك» من غير تعلق بها ولا اعتماد عليهاء 
بل بالتعلق بالله تعالى واستعانته وحده. 

ومن الاستعانة بالله: دعاؤه وسؤاله الفقه في الدين والمزيد من 
العلمء وبذلك أمر الله نبيه َه في قوله #وَقُل رَّبَ رَدْفٍ نّا" وقد 
كانت فاتحة النجابة والسعادة لحبر الأمة عبدالله ابن عباس ويا دعوة 
نبوية له بالفقه في الدين“. 


.)١( سورة الطلاق» الآية‎ )١( 

(۲) رواه أحمد في مسنده )۴٠١ /٤(‏ برقم (١۱۸۷۸)ء‏ والترمذي في سننه» كتاب الطب» 
باب ما جاء في كراهية التعليق. يرقم )7١1/7(‏ من حديث عبدالله بن عكيم. قال 
الترمذي: عبدالله بن عكيم لم يسمع من النبي يليه وكان في زمان النبي بيد يقول: 
كتب إلينا رسول الله ا 
قال الشيخ سليمان بن عبدالله كذن: «التعلّق يكون بالقلب ويكون بالفعل. ويكون بهما 
جميعاء أي : من تعلق شيئاً بقلبه» أو تعلقه بقلبه وفعله... وكله الله إلى ذلك الشيء الذي 
تعلقه» تيسير العزيز الحميد ص”157١.‏ 

(؟) سورة طهء الآية .)١١5(‏ 

)٤(‏ فقد روى طبه أن النبي يليل دخل الخلاء» قال: فوضعت له وضوءاء قال: «من وضع 
هذا؟» فأخبرء فقال: «اللهم فقهه في الدين». سبق تخريجه ص58. 


a الفصل الثانى: شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها‎ KR 






ومن الدعاء المأثور: «اللهم انفعني بما علمتني» وعلمني ما 
رزه ينفعني » وارزقني علما تنة تنفعنو e‏ 


وجاء في سيرة شيخ الإسلام ابن تيمية كلل أنه كان يقول: ربما 
طالعتٌ على الآية الواحدة نحو مائة تفسير ثم أسأل الله الفهم وأقول: 
يا معلم آدم وإبراهيم علمني! 


قال: وكنت أذهب إلى المساجد المهجورة ونحوهاء وأمرغ وجهي 
a EE‏ 1 : م2 
في التراب وأسأل الله تعالى وأقول: يا معلم إبراهيم فهمني! : 


ويقول ابن القيّم رحمه الله: «حقيق بالمفتي أن يكثر الدعاء 
بالحديث الصحيح «اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل» فاطر 
السموات والأرض عالمّ الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما 
كانوا فيه يختلفون. اهدني لما اختّلِف فيه من الحق بإذنك» إنك تهدي 
من تشاء إلى صراط منت قال: وكان شيخنا -يعني ابن تيمية- 
کش الدعاء بذلك»“. 


)١(‏ رواه الحاكم في المستدرك كاب الدعاء .)٥٠١ /١(‏ والبيهقي في الدعوات الكبيرء 
باب جامع ما کان يدعو به النبي بيد ویأمر أن یدعی به (۱/ ۳۳۳). والطبراني في كتاب 
الدعاء» باب ما كان النبي َة يدعو به في سائر نهاره (۳/ .)۱٤٥٩‏ برقم (٥١٤۱)ء‏ 
وحسنه ابن حجر والألباني. انظر : بلوغ المرام ص٠۲۳‏ سلسلة الأحاديث الصحيحة 
)٤۳۱/۱/۷(‏ برقم .)۳۱٠١۱(‏ 

(۲) العقود الدرية ص5 5. وانظر: أعلام الموقعين (191//5). 

(۳) رواه مسلم في صحيحه» كتاب صلاة المسافرين» برقم (١۷۷)ء»‏ عن عائشة رضي الله 
عنها. 

(5) أعلام الموقعين .)١917/5(‏ 


لام الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها 4ه , 
ry‏ لفقهية : حقيقتها وشرو بها وثمراتها 2۸ 


37 
ê‏ 
ر ل 1 


ج - التقوى : 


التقوى من أكبر أسباب نيل العلمء قال الله تعالى: ياعا الت 
ءامنواً إن ا أسَّهَ جل َك َا أي : علما تفرقون به بين الحق 
والباطل"» وقال سبحانه: اا اَذ اموا أتَهُوا آله اموا رسود 
بوتکم كفن من رميو وحمل لْڪُم ورا تَنْشُونَ پو » أي: يعطكم 
علما وهدى ونوراً تمشون به في ظلمات الجهل“» وقيل لمالك: هل 
يصلح لهذا الحفظ شيء؟ قال: «إن كان يصلح له شيء فترك 
العامة 


وقد فهم بعض أهل العلم من قوله تعالى إِتم لمان كم و في 
کب کرو 3 ل َس إلا هرو" إشارةٌ إلى أنه لا ينال 
معاني القرآن ويفهمه كما ينبغي إلا القلوب الطاهرة» وأن القلوب 
النجسة ممنوعة من فهمه مصروفة عنه؛ لأنه إذا كانت الصحف التي في 


.)59( سورة الأنفال» الآية‎ )١( 

(؟) انظر: أضواء البيان (7/ 517). 

(*) سورة الحديدء الآية (۲۸). 

)٤(‏ انظر: تيسير الكريم الرحمن ص444. 
تنبيه : يستدل بعضهم على أن التقوى سبب لنيل العلم بقول الله تعالى 9وَأتَّقُوأ أله . 
وهذا معنى صحيح لكن الاستدلال بالآية غير صحيح؛ لأن الآية ليس فيها ربط بين 
التقوى والعلم بأسلوب شرط أو تعليل أو نحوهما مما يفيد ترتب العلم على التقوى» 
والواو عاطفة لجملة على جملةء أو استثنافية» وممن نبه إلى ذلك : ابن تيمية في مجموع 
الفتاوی (۱۸/ ۱۷۷)» وابن القيم في مفتاح دار السعادة /١(‏ ٤٤۲)ء‏ والشاطبي في 
الموافقات .)٠١١/٤(‏ 

.)۱۸٤١( رواه الخطيب في الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع (۲/ ۳۸۷)ء برقم‎ )٥( 

(7) سورة الواقعة» الآیات (۷۹-۷۷). 


الفصل الثانى: شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها 





معان القران ودای ذلك قله تعالئ سارف ًّ ءالى لذبن 


اسر 


کوت ق الا بتر ال وان روا ككل ان لا وتو ا وإ ا 
راصي مام ر 2.2 و ے ک4 (DD‏ 
سبل الرشَدِ لا يتجدوه سيلا . 

فالذنوب والمعاصى سبب حرمان العلم وتعسّر مطلبه ونسيانه » قال 
عبدالله بن مسعود: «إنيى لأحسب الرجل ينسى العلم كان يعلمه بالخطيئة 
O‏ 


د - العمل بالعلم : 

من شكر نعمة العلم: حمد الله عليه. والعمل به للهء وتعليمه. 
والشاكر موعود بالزيادة» قال الله تعالى : ل اهدو ادر هُدَى َنَم 
فهر“ فكلما عمل الإنسان بعلمه زاده الله حفظا وفهما؛ لعموم 
قوله #رادهرهدًى‰. 

وجاء عن أبي حنيفة كن قوله: إنما أدركت العلم بالحمدٍ لله تعالى 
والشكرء فكلما فهمت شيئاً من العلوم ووقفت على فقه وحكمة قلت: 
الحمد لله تعالى؛ فازداد علمي”. 


)١(‏ انظر: مجموع الفتاوی »)۲٤۲/۱۳(‏ أعلام الموقعین (۲/ ۳۹۲)ء القول المفيد على 
کتاب التوحید (۲/ ۳۷). 

(؟) سورة الأعراف» الآية .)١55(‏ 

(۳) رواه الخطيب البغدادي في الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع (۳۸۸/۲)ء برقم 
(1۸0۰). 

.)١١۷( سورة محمد الآية‎ )٤( 


۲٠۰-۱۹ص تعلیم المتعلم‎ )٥( 


e‏ الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها ع, 
E oem‏ 
a 1‏ بي 


اھ ےر ت 
9 
نه 
صا 
کے 


وضياعه؛ قال الله ليما نَقْضِهم يَِنَقَهُمَ لَمَكَهُمْ وَجَمَلْمَا فُلُوبَهُمْ فَسِيَةٌ 


رہ ور 2 ر اص اس 20 2ے 2 :2 ًّ ع 000( 
رفوت الكير عن مَواضو4ء وسوا حظا مما ذکرواً بٍ4 . 


0 


.)١7( سورة المائدة» الآية‎ )١( 
وستعود الإشارة إلى أثر العمل بالعمل في اكتساب الملكة؛ لكونه أحد صور الممارسة‎ 


المباشرة› وذلك في المبحث الثالث من هذا الفصل. 


المبحث الأول 
الاستعداد الفطري 





اكتساب أي ملكة أو مهارة يقتضى وجود قابلية واستعداد 
لاكتسابهاء ولاكتساب ملكة الفقه ثلاثة جوانب من الاستعداد الفطري 
نجدها عند الفقهاء.ء هى: 

© واعتدال الطبع. ليكون صاحبه وسطاً بين الجفاء والغلو. 

© والميل والرغبة الدافعة. 

فالذكاء مع اعتدال الطبع هما القدرة المُمّكُنة من الفعل» والميل 
والرغبة هي الإرادة السائقة إليهء و«القدرة الكاملة مع الإرادة التامة 
تستلزم وجود المراد الور ٠‏ د سبحانه وتعالى› 
اوا لاان مدوب إلى معاد باه تخا من الح وال 


.)٠١١۲/۲( أحكام أهل الذمة‎ )١( 

(۲) عن أنس ونه في قصة غزوة خيبر قال: كنت أخدم رسول الله كلما نزل» فكنت أسمعه 
يكثر أن يقول: «اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن» والعجز والكسل» والبخل 
والجبن» وضلع الدين وغلبة الرجال» رواه البخاري في صحيحه» كتاب الدعوات» 
باب التعوذ من غلبة الرجال» برقم .)1۳١۳(‏ 


ê‏ الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها کہ 
۳٤ 5‏ و 
کا 1 


فالعجز عدم القدرةء والكسل عدم الإرادة» فالعاجز لا يستطيع. 
والكسلان لا يريد" ولنبحث ذلك في مطالب ثلاثة : 

المطلب الأول : الذكاء. 

المطلب الثاني : الطبيعة المعتدلة. 

المطلب الثالث : الرغبة في اكتساب الملكة الفقهية. 


المطلب الأول: الذكاء : 
والكلام فيه في فروع خمسة: 
الفرع الأول : التعريف بالذكاء. 
الفرع الثاني : حاجة طالب الفقه إلى الذكاء. 
الفرع الثالث : أنواع الذكاء. 
الفرع الرابع : القدر المكتسب من الذكاء. 


الفرع الأول: التعريف بالذكاء : 

«الذال والكاف والحرف المعتل أصل واحد مظرد منقاس» يدل 
على جِدّة في الشيء ونفاذ»" يقال : 

دا ار دك حلت اشد لهاو 6ة ار ات 
قال مكف كن واد الي وذكاءة اس اشم برقال 


.)775/5( باختصار یسیر» وانظر: زاد المعاد‎ )۳۰٤/٥( أعلام الموقعين‎ )١( 
.)7 01 (؟) مقاييس اللغة (ذكا) (؟5/‎ 


بعر ال الثانر : شر وط اكتساب الملكة الفقهية وتنميد ۰ مي 
E‏ 
2 کیم“ 
للصبح: ابن کا والذكاء: حدة القلب وسرعة الفطنة» وضده 
البلادة» يقال: وجل ذكن ::وقلت نك ”3 
وفي الاستعمال العلميء. عُرف الذكاء بأنه: سرعة الإدراك وحدة 
.0 0502 
الفهم”". 
وعرف مجمع اللغة العربية في القاهرة الذكاء بأنه: قدرة على 
التحليل والتركيب والتمييز والاختيار وعلى التكيّف إزاء المواقف 
ا 


وأما في علم النفس» وهو الحقل الذي ينتمي إليه البحث في 
موضوع الذكاء» فمع العكائة اة بالد كام تا واا و فا 
ومناقشة سنين طويلة» من رجال التربية وعلم النفس وعلم الاجتماع 
والوراثة» فإنه لا يوجد اتفاق على طبيعة الذكاء» فليس هناك رؤية متفق 
عليها لمفهومه ومعناه؛ فالوضع بالنسبة لتعريف الذكاء ما زال كما كان 
عليه قبل ثمانين عاما تقريبا!'*) 


وقد يرجع هذا الاختلاف فى تعريف الذكاء إلى طبيعة الذكاءء 
الذكاء لس فنا محنوساء كما أنه لا يقاس مباشرة. كما أنه واسع 


/75( الصحاح (ذكا) (57557/5): (ب ل د)‎ »)7"16 /1١( انظر: أساس البلاغة (ذكي)‎ )١( 
.)۲۸۸/۱٤( 48؛» مقاييس اللغة (ذكا) (7//اه). لسان العرب (ذکا)‎ 

(0) المفردات ص .””٠‏ والتوقيف على مهمات التعاريف ص١217‏ وانظر: الكليات 
ص405. 

.)7١5 /١( المعجم الوسيط‎ )۳( 

(5) انظر: سيكولوجية الفروق الفردية فى الذکاء ص٥٥.‏ الذکاء المتعدد ص15١ء‏ الذكاء 
المتعدد في غرفة الصف ص01-78. 


0 الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها 2 

Ip — 2 ۳۹ € 
Ey 4 
® 17 یمک‎ 


المجال» فنشاط العقل وقدراته المتنوعة يصعب ضبطها بتعريف 
جامع”'"'. وقد يرجع هذا الاختلاف إلى تعدد الزوايا والمنطلقات 
ومناهج البحث التي نظر منها الباحثون: 

فقد نهج فريق منهم منهجاً فلسفياً في التعرف على الذكاءء يقوم 
على التأمل العقلي» وذلك بملاحظة الفيلسوف لنفسه أثناء تفكيره» ثم 
ندر لهاد حا الد اة بد ذلك 

ونهج فريق آخر في تعريف الذكاء منهجاً بيلوجياًء بأن حاول تفسير 
الذكاء تفسيرا فسبولوجيا »بالنطر إلى الذكاء.يصفعه نقاطا من أنشطة 
الجهاز العصبي» ففسر الذكاء بالوصلات أو الروابط العصبية التي تصل 
بين خلايا المخ فتؤلف منها شبكة متصلة» وبقدر عدد هذه الروابط 
کنا ان 

وفريق آخر فسر الذكاء تفسيراً اجتماعياًء فقد عرّف الذكاء بالقدرة 
على التكيف والتوافق مع متغيرات المجتمع والبيئة. 

وهناك اتجاهات آخرى» فاتجاه يعرف الذكاء بالقدرة على التعلم 
وآخر يُعرف بالقدرة على التكيّف. وثالتثٌ بالقدرة على التفكير» ورابع 
بأنه القدرة على الأداء الجيد في اختبارات الذكاء!”) 

ولكثرة التعريفات والاتجاهات في هذا المقام» سلك بعض 


() انظر: سيكولوجية الفروق الفردية في الذكاء ص5050. الذكاء المتعدد في غرفة الصف 
ص۲-۳۸٥.‏ التعليم والتعلم وعلم النفس التربوي ص۷۸. 

(۲) انظر: سيكولوجية الفروق الفردية فى الذكاء ص 57-55 . الذكاء المتعدد ص/!١-218‏ 
الذكاء المتعدد في غرفة الصف ص۳۹-۳۸» التعليم والتعلم وعلم النفس التربوي 
ص ۷۸-۷۷. 





ب الفصل الثاني: شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها 





الباحثين في التعريف بالذكاء مسلك الجمع بين التعريفات» فلخص 
الأفكار التي تضمنتها في محاور ستة» هي : 

١‏ - التكيّف: أي أن الذكاء يتضمن قدرة المرء على تعديل سلوكه 
كي يتمكن من إنجاز مهمات جديدة. 

۲ - القدرة على التعلم : فالأذكياء يستطيعون التعلم وبسرعة. 

۳ - الذكاء مرتبط بالثقافة: أي أن الذكاء وصف نسبي» فالسلوك 
الذكي في ثقافةٍ ما قد لا يكون ذكيا في ثقافة أخرى. 

٤‏ - جودة توظيف المعرفة السابقة لتحليل المواقف الجديدة والعمل 
على استيعابها. 

© - التنسيق: فالذكاء يُمكن من التفاعل والربط بين مجموعة متباينة 
من العمليات العقلية المعقدة. 

٦‏ - سعة المجال: فالذكاء واسع المجال» فهو يحضر في مواقف 
ومجالات متعددة» وهذا ما يُعبر عنه ب(أنواع الذكاء)» فليس الذكاء 
مقتصراً على الذكاء المنطقى الرياضيء الذي يظهر أثره غالبا في التفوق 
الدراسي» بل هناك ذكاء اجان و عاطفي وذكاء 0000 
الفرع الثاني : حاجة طالب الفقه إلى الذكاء : 

الفقه عمل عقلي يعتمد الفهم والاستنباط والاستدلال والترجيح› 
وتلك أعمال لا يقتدر عليها -فضلا عن أن تكون ملكات له- إلا ذهن 
ذكي صحيح. 


.1١"ص انظر: الذكاء المتعدد في غرفة الصف‎ )١( 


الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها ميقي 
3 
يقول الشافعي كله : «الطبع أرض» والعلم بذرة» ولا يكون العلم 
إلا بالطلب» فإذا كان الطبع قابلاً زكا ريع العلم» وتفرعت معانيه)"©. 
ويقول أبو هلال العسكري: «الفهم إنما يكون مع اعتدال آلته» فإذا 
عدم الاعتدال لم يكن قبول؛ كالطينة إذا كانت يابسة أو منحلة لم تقبل 
الختم»”"". 
وقال الفراء: «إني لأرحم رجلين : بليداً يطلب» وذكياً لا يطلب "٠)!‏ . 
وقد ف 
رأيت‌العقلعقلين فمطبوعومسموع 
ولا جو .اال ك مط يجين 
كمالاتنفعالشمس وضوءالعينممتنوع 
ولذا صرح الأصوليون بأن من شرط المجتهد أن يكون ذا قريحة*› 
ذكي الفؤاد جيد الملاحظة رصين الفكر صحيح التصرف» أخا فطنة 
وذكاء؛ ليصل بذلك إلى معرفة المسكوت عنه من أمارات المنطوق» 
ويقتدر على استنتاج الأحكام من مآخذها”'". 





(۱) الفقیه والمتفقه (۲/ ۱۸۹). 

(۲) الحث على طلب العلم ص٤.‏ 

(9) الفقيه والمتفقه (۱۸۸/۲)» جامع بيان العلم وفضله .)٠٠۳/١(‏ 

.)٠١ /١( أدب الدنيا والدین ص۲۹ إحياء علوم الدين‎ )٤( 

() القريحة في الأصل: أول ما يستنبط من البثر» ومنه قولهم: لفلان كَريحَةٌ جيّدةٌء يراد 
استنباط العلم بجودة الطبع. انظر: الصحاح .097/١(‏ 

0) انظر: التقریر والتحبیر (۳/ ۲۹۱)ء الفکر السامى ص٠‏ ”/اء الفقيه والمتفقه (۲/ ۳۳۲- 
۴ أدب القاضي للماوردي (/ ۹۲٤)ء‏ المجموع /١(‏ ١۹)ء‏ البحر المحيط (5/ 
84)». شرح الجلال المحلي على جمع الجوامع مع. حاشية العطار »)47١/5(‏ 
المدخل إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل ص۳۷۳. 


الفصل الثاني : شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها 





أُصِع! لن تنال العلم إلا بستة سأنبئك عن تفصيلها ببيان 
ذكاء وشوضق والتشقار وغريةة اولقن اسغاذوطول زا" 


ويشير علماء النفس التربوي إلى مكانة (الذكاء) في اكتساب الملكة 
حين يعدّون (النضج) أحد شروط التعلم» ويُقصد بالنضج: التغيرات 
الداخلية في المتعلم التي ترجع إلى تكوينه الفسيولوجي والعضوي» 
وبخاصة الجهاز العصبيء فالنضج في كافة جوانبه عامل مؤثر في 
التعلم؛ لأنه يحدد إمكانيات المتعلم ومدى ما يستطيع اكتسابه من مهارة 
وخبرة» فالمهارات التي تعتمد على أنماط السلوك الناضجة يسهل 
تعلمها أكثر من غيرهاء بل إن التدريب الذي يتلقاه المتعلم قبل النضج 
فد تخت ارا ضار ةادا سا ج الا حاط 


ولذا يرى الدكتور محمد عثمان شبير أنه «لا بد من اختيار أعلى 
المستويات العقلية والذهنية لدراسة الفقه الإسلامي... ويراعى في 
اختيار هؤلاء الأذكياء أن يكونوا ذوي عزائم قوية ومواهب فطرية تتعلق 
بدراسة الفقه الإسلامي» ولا يكتفى في اختيارهم على شهاداتهم التي 


القدرات والإمكانات والمواهب»". 


.)5١8/0( الوافى بالوفیات (۱۱۸/۱۹). طبقات الشافعية الكبرى‎ )١( 

(۲) انظر: علم النفس التربوي ص 471-570: سيكولوجية المهارات ص81 علم النفس 
التربوي الأسس النظرية والطبيقات العملية ص٠۷‏ التعليم والتعلم وعلم النفس 
التربوي ص77”. تعليم التفكير ومهاراته ص٠58.‏ المرجع في تربية الموهوبين 
ص/١‏ 5. 

(۳) تكوين الملكة الفقهية ص٤٤.‏ 


1 2 الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها بثن, 
و ب ححح ج ص 9 که 


ومع التأكيد على شأن الذكاء وأثره في اكتساب الملكة فلا بد من 
الاحتراز من الشطط في ذلك بتوّهم أن الفقه لا يناله إلا العباقرة 
وأذكياء العالم كابن عباس والشافعي وابن تيمية ونظرائهم» بل الحقٌّ أن 
الفقه رتَبء وكلما علت رتبة المرء في الذكاء والفهم كان مؤهلا لبلوغ 
المراتب العلاء لكن نزول رتبته لا يعني خروجه من دائرة الصلاحية» 
والنظر في مراتب الفقهاء والمفتين من حيث تفاوت رتبهم في الفقه مع 
اجتماعهم في صفة الفقه وحمل الإرث النبوي مقنع بهذا. 

وقد ضرب الله تعالى للقلوب واتساعها لعلم الوحي بتفاوت الأودية 
في احتمالها لما ينزل من الماء فقال تعالى: انر مت اسما ما ماك 
أورية يمَدَرمَا)ء قال ابن القيم َة : «شبّه العلم بالماء النازل من 
السماءء والقلوبّ في سعتها وضيقها بالأودية: فقلب كبير واسع يسع 
علما كثيراً كوادٍ كبير واسع يسع ماءً كثيراً»ء وقلب صغير ضيق يسع علما 
قليلاً كواد صغير ضيق يسع ماء قليلا»”". 

والواقع شاهد بأنه قد نبغ في كثير من الفنون أناس لم يكونوا في 
أعلى درجات الذكاءء بل كانوا وسطاً في الذكاء» لكنهم أعينوا -إلى 
ذكائهم- بالجد والصبر"» فالطالب الصادق قد يسبق من فوقه في 
الذكاء إذا أعين بالصبر والمداومة على الطلب» فاقد يقوى العقل وتقل 
الملكة؛ لعدم الاشتغال وقلة الممارسة» وقد تقوى الملكة مع ضعف 


.)١9( سورة الرعد. الآية‎ )١( 

0( مفتاح دار السعادة /١(‏ ۱۷۸). 

(۳) يقول أديسون (مخترع المصباح الكهربائي): الذكاء والعبقرية /١‏ منه إلهام» و49/ 
عرق وجهد وكفاح. انظر: لمحات عامة في التفكير الإبداعي ص4 ". 


ر الفصل الثانى: شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها امي 
ا ا ق 210 


العقل لشدة الممارسة وطولها»"؛ «فالذكاء العالي -ولكن ليس 
الأغلى» موتا يدرحة صبزة اهن الكايرة) يحفق تنوقا اكير من درج 
الذكاك العليا رو ليل عن المقايرة»” فلأن یهب الله تعالی طالب 
العلم صبراً خيرٌ له من أن يمنحه ذكاء خارقاً لا صبر معه؛ قال ذَِ: «ما 
أعطي أحد عطاء خيراً وأوسع من الصبر»”'! فصابرٌ وسط في الذكاء 
أحرى بالنّجْح من ذكي لا صبر له وما أكثر الأذكياء المحرومين بركة 
ذكائهم. 

وكثيراً ما يظن بعض الطالبين في أنفسهم نقص الذكاء حتى يصرفهم 
ذلك عن الطلب» ولا يكونوا في الحقيقة قاصرين في ذكائهم ولكن 
البلاء 9 من سوءٍ في طريقة التعلم والتعليم» وسيأتي لهذا العائق بسط 
إن شاء 0 


الفرع الثالث: أنواع الذكاء : 
إذا تقرر توقف نيل الملكة الفقهية على وجود الذكاء الفطري الذي 


يكون به المتعلم متأهلا لاكتساب الملكة» فمن المفيد هنا الوقوف عند 
ما إشارت إليه الدراسات النفسية الحديثة من وجود أنواع متعددة من 





.٠۲۲ص القانون في أحكام العلم وأحكام العالم وأحكام المتعلم‎ )١( 

(؟) المرجع في تربية الموهوبين ص١١5.‏ 

(۳) رواه البخاري في صحيحه». كتاب الزكاة» باب الاستعفاف عن المسألة» برقم 
(22859»). ومسلم في صحيحه» كتاب الزكاة» برقم .)٠١81(‏ من حديث ا سعيد 
الخدري طلينه. 

(4) وذلك في الفصل الثالث تحت عنوان (عوائق شائعة في تعلم الفقه وتعليمه). 


الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها ‏ 






مي 
IF‏ 
الذكاء عند البشرغ ثم محاولة الاستفادة من هذه النظرية في مو ضوع 
اكتساب الملكة الفقهية» وسيكون ذلك -إن شاء الله- في مسألتين: 
المسألة الأولى : نظرية تعدد الذكاء. 
المسألة الثانية: الاستفادة من نظرية تعدد الذكاء فى تكوين ملكة 
الفقه. 


المسألة الأولى: نظرية تعدد الذكاء(' : 


كانت النظرة القديمة نحو الذكاء لدى الباحثين في علم النفس 
تنحصر في قياس الذكاء بما لدى المرء من قدرة عقلية رياضية ولغوية» 
لكن ملاحظة المختصين لعدد من الظواهر قادتهم إلى إعادة النظر في 
هذا التصور: فقد فشل عدد من الموهوبين في امتحانات الذكاء ثم 
برزوا بعد ذلك في مجالات كثيرة من الذكاءء كما أن كثيراً من 
الحائزين على درجات عالية في تحصيلهم الدراسي أو في اختبارات 
الذكاء لم يحققوا فيما بعد نجاحا متميزاً في حياتهم العملية» وأوضحت 
البحوث أيضاً: أن الطلبة مختلفون في عقولهمء وأنهم يتعلمون 
ويستذكرون ويفهمون بطرق مختلفة» وأوضحت: الدماغ يتألف من 
مواضع عدة. يختص كل منها بعمليات عقلية مستقلة» وقد يعرض لهذا 


)١(‏ انظر: الذكاءات المتعددة ص5١١-١١1١ء‏ الذكاء المتعدد أنشطة عملية ودروس تطبيقية 
ص17 154-0. الذكاء المتعدد في غرفة الصف النظرية والتطبيق ص98-١١٠»‏ التعليم 
والتعلم وعلم النفس التربوي ص١440-9.‏ علم النفس التربوي الأسس النظرية 
والطبيقات العملية ص9١١-515١2‏ استراتيجيات التدريس في القرن الحادي والعشرين 
ص07 791-7. المرجع في تربية الموهوبين ص”77١.‏ 


عم الفصل الثاني : شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها نام 
الي التصلل اانا شرو ااب ا ا ل 
الموضع تلف أو ضعف فتتأثر وظيفة هذا الموضع دون غيرها من 
وظائف الدماغ: 

وهذا ما دفع (هاوارد جاردنر) في طائفة من علماء النفس إلى توسيع 
مفهوم الذكاء؛ ليشمل القدرات العقلية كافة» وليكون الذكاء مجموعة 
من القدرات المستقل بعضها عن بعض. 

فقد رأى جاردنر أن اختبارات الذكاء الحالية هى اختبارات لغوية 
ومنطقية» وهي لا تغطي جميع الذكاءات الموجودة عند كل فردء وقرر 
الطلبة يتعملون تعلما أفضل إذا كان التعليم ملائما لما يملكونه من 
ذكاء» وهذه الرؤية حوّلت السؤال الشائع: إلى أي حدّ أنت ذكي؟ إلى : 
في أي مجال أنت ذكي؟ 


فقد أبرز جاردنر ثمانية أنواع من الذكاف تارا الات موسا 
للزيادة عليهاء والأنواع الثمانية هي : 

: -الذكاء اللغوى‎ ١ 

وو القورة الغالية وال غي اة الجر ها 
المفردات وصياغة الجمل» كما يتضمن سهولة الاستيعاب الفهم عن 


طريق السماع لقاو فتاكت لاء الوق ريسل كديرا رن 
اللغة» ويتضمن أيضاً قرّة التذكرء فاللغة أداة لحفظ المعلومات 


والتواريخ. 


e‏ الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها ل 


ويظهر هذا الذكاء لدى الكُتاب والمؤلفين والخطباء والشعراء 
والمعلمين والمحامين والممثلين. 

ويمكن لمس هذا النوع من الذكاء في الطالب إذا كان سريع 
الحفظء أو محبا للتحدثء أو له رغبة في الاستماع إلى الأحاديث 
والمواد الصوتية» أو يميل إلى الألعاب اللغوية» أو كان له ثراء فى 
المفردات اللغوية» أو شغف بقراءة القصص. 

۲ - الذكاء المنطقى/ الرياضى : 

وهو القدرة على فهم القضايا والمشكلات ذات الطبيعة المنطقية. 


0 
م 3 


فصاحب هذه الذكاء يُجيد الاستدلال الاستنتاجي والاستقرائي 
والربط العقلي والتصنيف والتعميم واختيار الفرضيات وتفحص 
المشكلات والقضايا بشكل منهجي» والقدرة على التعامل مع الأعداد 
وحل المسائل الحسابية والهندسية ذات التعقيد العالي» وهو قادر على 
التعامل بسلاسة مع سلاسل طويلة من المحاكمات العقلية؛ فالذكاء 
المنطقي يشمل مجمل العمليات العقلية. 

ويتضح هذا النوع من الذكاء لدى علماء الرياضيات والإحصاء 
والمهندسين والمحاسبين والمحامين. 

ويعرف هذا النوع من الذكاء في الطالب في رغبته في معرفة العلاقة 
بين الأسباب والمسببات» والقيام بتصنيف الأشياء المختلفة في فئات 
متجانسة» والقيام بالاستدلال والتجريب» والرغبة في اكتشاف الأخطاء 
فيما يحيط به من أشياءء وتتميز مطالعته بالميل إلى كتب العلوم 
التجريبية والحسابية. 


سے 


0 


2 

۳ - الذكاء الاجتماعي/ التفاعلي : 

وهو البراعة في فهم طبائع الناس ومقاصدهم ومشاعرهم. 

وهو بذلك يجعل صاحبه ناجحا في التعامل مع الناس» قادرا على 
التعاون معهم والتأثير فيهم وإقناعهم وقيادتهم. 

فالذكي ذكاءً اجتماعيا يمتاز بأربع خصائص» هي: القيادة» والقدرة 
على تنمية العلاقات والمحافظة على الأصدقاءء والقدرة على حل 
الصراعات» والمهارة في التحليل الاجتماعي. 

ولذا يرتاح الناس إلى صحبته ويطمئنون إلى مشورته» وهو أيضاً 
يشعر بالراحة في معاملتهم» ولا يخشى مواجهتهم» ويحسن القيام 
بالوساطة بينهم والمفاوضة. 

ويظهر هذا النوع من الذكاء لدى التجار والسياسين والمصلحين 
الاجتماعية: 

ويُعرف هذا النوع من الذكاء في الطالب بكونه حساساً لمشاعر 
الآخرين» يكوّن الصداقات بسرعة» ويسارع إلى التدخل متى شعر 
بوجود مواقف صراع أو سوء تفاهم» كما يميل إلى إنجاز الأنشطة في 
جماعة» ويكون استيعابه أفضل إذا استذكر دروسه مع زملائه» وهو 
أيضاً يستحب أن يحل مشكلاته مع غيره على أن ينفرد بحلهاء كما 
يختار الألعاب التي يشارك فيها غيره» وهو باذل للفائدة للآخرين. 

: الذكاء الذاتي/ الشخصي‎ - ٤ 

وهو فهم الشخص لذاته وحسن سياسته لها وتقديره إياها. 

فالذكي ذكاء ذاتيا دقيق الفهم لمشاعره الداخلية» يشعر بانفعالاته 


7 الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها يضم 
لف ا 


وأهدافه ونواياه» ويضبطها ويتحكم بها بوعي» ويشعر بمواطن قوته 
وضعفه» وهو بذلك ذو ثقة كبيرة بنفسه» ورؤية مستقلة للقضاياء ويمتاز 
بمضاء العزيمة» ووضوح الغاية. 

ومن علامات هذا النوع من الذكاء: ميل الشخص للعمل بمفرده. 
وميله إلى الاستقلال في الآراء والتصورات» وحُب التأمل. 

ويلحظ هذا النوع من الذكاء في الفلاسفة والأطباء النفسيين. 

ه - الذكاء الجسمي/ الحركي : 

وهو البراعة والدقة في الحركات الجسمية. 





فصاحبه بارع في التحكم بحركات جسمه وتوازنه» ذو أداء دقيق 
لهاء وهو أيضاً يعبر عن أفكاره ومشاعره بالحركاته في شكل بديع. 

ويبرز هذا النوع من الذكاء في الرياضيين والحِرّفيين والجرّاحين 
والراقصين وأصحاب خفة اليد ونحوهم. 

ومن مؤشرات التعرف على هذا النوع من الذكاء في الطلاب: الميل 
إلى الحركة والنشاط الجسميء فهم لا يحبون الجلوس طويلاً» ويظهر 
عليهم القلق وكثرة الحركة إذا طال جلوسهم» ويعرفون بإجادة مهارات 
رياضية» ويفضلون الأنشطة العملية التي تتطلب حركة اليدين» ويُحبون 
أن يكونوا في الفضاء لا في أماكن المغلقة. ويحتاجون إلى الحركة 
عندما يفکرون» وقد يستخدمون أيديهم وأرجلهم عند التفكير» 
ويحتاجون إلى لمس الأشياء حتى يتعلمواء ويفضلون اختبار الأشياء 
وتجريبها على الاستماع إلى شرح عنها أو رؤيتهاء ويهوون خوض 
المغامرات الجسمية كتسلق الجبال والأشجار. 


الفصل الثاني: شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها 





5 - الذكاء الموسيقي : 

وهو المهارة في التحكم يتحمات الصبوت وإضدار الأضوات 
الموزونة. 

فصاحبه ذو قدرة على تشخيص النغمات وإدراك إيقاعها الزمني 
والإحساس بالأوزان والمقامات الغنائية» والانفعال بالآثار العاطفية 
لتلك العناصر الموسيقية» والتحكم بنبرات الصوت وملاءمتها للحال. 

ويظهر هذا النوع من الذكاء لدى المغنين والعازفين» وأفضل ما 
يُستعمل فيه هذا النوع الذكاء هو حسن التغني بالقرآن. 

ويمكن التعرف على هذا الصنف من الذكاء في الطالب بإجادة 
الإنشاد والتحكم في نغمات الصوت» وسرعة حفظ الأغاني» والقدرة 
على تقليد الأصوات. 

“ - الذكاء التخيلي/ البصري”" : 

وهو القدرة على تجسيد الصور الذهنية وتحويلها إلى رسوم 
محسوسة» ولذا يوجد هذا الذكاء عند الرسامين والمهندسين المعماريين 
والخطاطين وراسمي الخرائط والنحاتين والبحارة وربان الطائرات. 

فصاحب هذا الذكاء يمتاز بقدرته على تخيل الصور كما لو كانت 
مشاهدة محسوسة» كما أن له شعوراً عالياً بالجهات والمواقع» وقدرة 
على تحويل ذلك التخيل إلى مادة محسوسة» بالرسم أو صنع التمثال. 

ويتجلى هذا النوع من الذكاء عند الأعمى» فهو يستطيع أن يتخيل 


)١(‏ ويُسمى أيضاً: الذكاء الفراغيء والفضائي. 


مي الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها “م 
يي ا يي ا ار ا ا و و 
أ یم o‏ 


اشا ونان يراهاء وهذا ما يؤكد استقلال هذا النوع من الذكاء عن 
حاسة البصر. 

ومن مؤشرات هذا النوع من الذكاء: الاستجابة السريعة للألوان»ء 
والانفعال للمثيرات» والقدرة على تصور الأشياء وإنشاء بنيتها ذهنياء 
والحس الفائق بإدراك الجهات ومعرفة الأماكن والمواقع» وأصحاب 
هذا الذكاء يفضلون قراءة الصور والخرائط على قراءة النصوص 
المكتوبة» ويستغرقون في الخيال أكثر من غيرهم» ويستمتعون بالنشطة 
الفنية. 

۸ - الذکاء الطبيعي/ البيئي : 

وهو القدرة على ملاحظة الكائنات الحية من الحيوان والنبات 
وتمييزها وتصنيفها. 

ولأصحاب هذا الذكاء ميل وارتياح إلى مظاهر الطبيعة» ولهم ذوق 
وإحساس بهاء ومن مؤشرات هذا الذكاء: الاهتمام بالنبات والحيوان 
ورعايتها وتصنيفها في فئات» وحب العيش في الطبيعة والمقارنة بين 
مختلف الكائنات الحية ومطالعة كتب العلوم الطبيعية. 

هذه أنواع الذكاء الثمانية التي ثبت وجودها بمعايير علمية» ويؤكد 
الباحثون أن المجال يتسع لإلحاق أنواع أخرى من الذكاء متى ثبت 
ذلك بالمعايير المعتدّ بهاء ويؤكدون أيضاً: أن لكل فرد من الناس 
نصيباً من كل نوع من هذه الأنواع» لكن الناس يختلفون في أي هذه 
الأنواع أبرز لديهم. وذلك النوع أو الأنواع الأبرز هي ما تكون السمة 
الظاهرة عليهم» وهو ما يؤثر في طريقة تفكيرهم وتعلمهم. 


كر الفصل الثانى: شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها مر 
و ا و 
م م 


المسألة الثانية : الاستفادة من نظرية تعدد الذكاء في تكوين ملكة 
الفقه : 


إن نظرية (تعدد الذكاء) تجعل الحديث عن الذكاء المشترط لتحصيل 
ملكة الفقه أقرب إلى الدقة والتفصيل» ولعل أبرز ما يستفاد من هذه 
النظرية في هذا المقام هو تحديد أنواع الذكاء الملائم لتحصيل ملكة 
الفقه.وبالنظر في أنواع الذكاء المشار إليها آنفاء مع النظر في طبيعة 
المهارات التي تتألف منها الملكة الفقهية نستطيع تصنيف أنواع الذكاء 
اربعة أصناف : 

الصنف الأول: ما هو أساس لجميع الملكات الفقهية» وهو نوعان 
من الذكاء: 

الأول: الذكاء اللفظي اللغوي : 

فإن شطراً كبيراً من المهارات الفقهية هي مهارات مبنية على فهم 
اللغة» فأصل استمداد الأحكام الشرعية هو الكتاب والسنة. وهما 
محفوظان باللسان العربي» فالاستمداد منهما يقتضي براعة في فهم 
الدلالات اللفظية» ثم علم الفقه ذاته مدون أيضا في الكتب» وكثير منه 
متلقى بالشرح والسماع من العلماءء وفهم ذلك هو من نصيب الذكاء 
اللغوي» ويكفي في إبراز مكانة هذا النوع من الذكاء في تعلم العلوم 
قوله تعالی افا وك الام 9 الى عر باقر و عل اسن ما ر 
يم" والذي يُتعلم بالقلم هو العلوم المسطورة في الكتب. 


.)١ -۳( سورة العلق» الآيات‎ )١( 


تم الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها ,4 
E> 210١‏ 
۳ 3 رھ 
ےہ 7 


فمن الملكات الفقهية المعتمدة على الذكاء اللخوي: فهم دلالة 
المطابقة» ودلالة التضمن» وحفظ الأدلة والقواعد والمسائل» والقدرة 
على الرجوع إلى الكتب ومطالعتهاء ومهارة التحليل» ووضع التعريفات 
(الحدود). وصياغة القواعدء والتعبير عن الأقوال ومناقشتهاء وتفسير 
المجمل» وتأويل الظاهرء ومعرفة علل الأحكام بالمسالك اللفظية. 

ومنها أيضاً: تصور الواقعة المراد تنزيل الحكم عليها إذا كان 
تصورها بطريق الوصف بالقول. 

الثاني: الذكاء الرياضي المنطقي : 

سبق أن الذكاء الرياضي المنطقي يشمل عامة الأنشطة العقلية» وهي 
الأنشطة القائمة على الاستدلال ا ولذا فإفختطرا كيرا من 
المهارات الفقهية تتوقف على هذا النوع من الذكاء» فمن ذلك: فهم 
دلالة اللزوم» ومفهوم الموافقة» والجمع بين الأدلة» والترجيح بينهاء 
والاستقراءء وتخريج الأصول من الفروع» وتخريج الفروع على 
الأصول» وتخريج الفروع على الفروع. 

ومنها أيضاً: التنظيم الصحيح للأفكار» والحكم على أسانيد 
الأحاديث» وتخريج علل الأحكام بالمسالك العقلية (المناسبة والشبه 
والسبر والتقسيم والدوران)ء والترجيح بين العلل إذا تعددت» وقياس 
العكس» والقياس الاقترانى» والاستثنائى» والاستصحاب» ومهارات 
الجدل المتضمنة حفظ الأقوال وإبطالها. 





وكذلك: ملكة التكييف» والموازنة بين المصالح والمفاسدء والنظر 
في المآل» وسد الذرائع. 





o الفصل الثاني : شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها‎ e. 
ا م‎ 
يجيج‎ Cal 


فهذان النوعان من الذكاء هما عماد الأعمال الفقهية» وبينهما 
تداخل وتلازم في مواضع عدة؛ ولهذا يختلف الأصوليون في بعض 
الدلالات هل هي عقلية أم لغوية» كدلالة المفهوم''". والإلحاق بالعلة 


المنصوص عليها". 
الصنف الثاني : ما هو أساس لبعض الملكات الفقهية. وهو نوع 
واحد» هو: 


الذكاء الاجتماعي : 

فهو شرط لعدد من الملكات الفقهية المتعلقة بتنزيل الأحكام على 
الوقائع» فملكات التنزيل تستدعي -مع الذكاء اللغوي والمنطقي- ذكاءً 
اجتماعيّاء يكون به الفقيه -ولا سيما المفتي والقاضي- مدركا لمقاصد 
الناس وطرق سياستهم وإصلاحهم وحيل المحتالين منهم ولمح قرائن 
أحوالهم وتعرف مآلات التصرفات التي تقتضيها طبائعهمء فبذلك 
يتمكن من تصور الواقعات على وجههاء وتنزيل الحكم الملائم لها. 

فهذه الأصناف الثلاثة من الذكاء هي ما يظهر توقف الملكة الفقهية 
عليه كلا -وهو النوعان الأولان- أو بعضًا -وهو النوع الثالث-» وبذلك 


)١(‏ فقد «اختلف العلماء في استفادة الحكم من المفهوم مطلقا : هل هو بدلالة العقل من 
جهة التخصيص بالذكرء أم مستفاد من اللفظ؟ على قولين». شرح الكوكب المنير (؟/ 
° ) وتبعا لذلك» اختلفوا في مفهوم الموافقة. فقيل: إن دلالته لفظيةء وقيل: 
قياسية. انظر : شرح الکوکب المنیر (۳/ .)٤۸٤-٤۸۴‏ 
واختلفوا أيضا في دلالة مفهوم المخالفة» فقيل: لغوية» وقيل: عقلية» وقيل: عرفية. 
انظر: شرح الكوكب المنير (7/ 005). 

(۲) فقد اخثلف في العلة المنصوص عليها : هل تقتضي الإلحاق بطريق اللفظ والعموم. أو 
القياس؟ انظر : روضة الناظر (۳/ .)۸۳١‏ 


يي الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها 24 
:1011 ا 


يُمكن عدّه شرطأً للملكة الفقهية» وأما الأنواع الباقية فمنها ما لا يظهر 
له أثر في الملكة» وهو: الذكاء الحركي الجسميء والذكاء الموسيقي. 
ومنها ما له نفع في بعض الأحوال لكن لا يبلغ في الأهمية أن يكون 
شرطا للملكة» وهو: الذكاء الذاتي» والذكاء الطبيعيء والذكاء 
الفضائى. 


وإذا تبينت أنواع الذكاء التي لا بد منها للمهارة في الفقه» فينبني 
على ذلك فوائد أخرى. منها : 
©» حرص المتفقه على تنمية هذه الأنواع من الذكاء؛ لكونها أمس 
الذكاءات بالمهارات الفقهية. 
فبروز هذا النوع من الذكاء لدى المتفقه إنما هو إشارة إلى استعداده 
الفطري لتنمية هذا الذكاء. فينبغى تعاهده بالرعاية والصقل حتى ينمو 
ويشتد » فأثر نمائه ورسوخه سيظهر في جودة الفقه وصحة النظر. وإهماله 
وتعطيله من الرعاية يُفقد تلك الفائدة» ومن انت جا و ان 
الذكاء والعقل يزداد بالممارسة والتجارب» ويضمر بترك ذلك. 
من هذه الأنواع من الذكاء. 
فمن المتقرر لدى العلماء: أن قدراً من الذكاء الفطري شرط للتأهل 
للاختصاص بطلب العلم"» وذكر بعض العلماء: أن المعلم يختبر 
)١(‏ ينظر ما سيأتي قريباً تحت عنوان (الذكاء بين الوراثة والبيئة). 


(۲) انظر: حاجة طالب الفقه إلى الذكاء ص5١١.‏ و(العمل عند نقص الذكاء الفطري) 
ص١٤۱.‏ 


ا الفصل الثانى : شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها 0 
8 ك 


ت 3 ىو 

Ho E 42-7 

i 8 ا‎ 
es 2 3 


استعداد الطالب لطلب العلم إلى ثلاث سنين» فإذا رأى منه ضعف 
الاستعداد أرشده إلى ما يلائمه من مصالح فنك وو کان 
كذلك» فيمكن الاستفادة من اختبارات الذكاء في قياس أنواع الذكاء 
التي يستلزمها الفقه". ففي ذلك تحصيل للمقصود واختصار لوقت 
المعلم والمتعلمء ولا بد في ذلك من التثبت والتحقق من انضباط 
الاختبار وصحته» ويمكن فحص نتائجه بطرق أخرى. 

© مراعاة نوع الذكاء عند اختيار التخصص الدقيق في علم الفقه. 

ومما يمكن أن يقال هنا : 

- إن بروز الذكاء الاجتماعي في المتفقه يدعوه إلى أن يستثمر هذا 
الذكاء بأن يُقبل على الأعمال والأنشطة الفقهية الملائمة لهذا الذكاء. 
فصاحب الذكاء الاجتماعي مؤهل لأن يكون بارعا في الإفتاء؛ لفهمه 
أحوال الناس وطبائعهم» وقدرته على حسن توجيههم وإقناعهم» وإن 
كان لديه قصور في جوانب أخرى. 

وبذلك قد يكون ذو الذكاء الاجتماعي أيضاً مؤهلا لمنصب 
القضاءء ولا سيما إذا انضم إليه صفات شخصية أخرى» مما ستأتي 
الإشارة إليه -إن شاء الله- تحت عنوان (الطبيعة المعتدلة). 

وبذلك أيضاً: يكون الفقيه ذو الذكاء الاجتماعي مؤهلا للإجادة في 
البحث الفقهي في بعض جوانبه المتعلقة بتنزيل الأحكام على الوقائع» 
وإن كان ذا مستوى متوسط في جوانب البحث الفقهي الأخرى. 


)۱( ص۱۷۸ . 
(۲) انظر: تكوين الملكة الفقهية ص٤٤.‏ 


ot‏ الملكة الفقهية : حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها م 
GE 2 10‏ 


چ قي 
اشا للذكي اجتماعيا استعداد جيد للتعليم» فهو صاحب ملكة 
تمكنه من فهم دوافع المتعلمين وطرق توجيههم ونفعهم. 
- وإن بروز الذكاء المنطقي في الفقيه يجعله مؤهلا للإجادة في 
أغلب مجالات البحث الفقهي. لتوقفها على أنواع متعددة من 
الاستدلال والاستنتاج العقلي» وسيكون لصاحب هذا الذكاء من 
الإجادة ثمة ما لا يكون لو أعمل نفسه في غير هذا المجال. 


- وبروز الذكاء اللغوي في الفقيه يُشير إلى استعداده لأنشطة فقهية 
عديدة. منها: الاستدلال المعتمد على الاستنباط من النصوص» 
والتعليم» والتأليف. 

وبمعرفة المرء لجوانب القوة في ذكائه يتنبه لمواضع الضعف فيهء 
وهذا يرشده إلى فعل ما ينبغي تجاه ذلك الضعفء. فيقوده ذلك إلى 
إعمال المشورة» أو زيادة البحث والتحقيق» أو الإمساك عن الإفتاء في 
بعض المسائل أو الموضوعات. 

والمقصود: أن إقبال المرء على ما يجيد فيه ويُحسنه أقرب إلى أن 
تنمو ملكته نموا ملائما لطبيعتهء وذلك أقرب إلى نجاحه» وخير من 
إعماله نفسه فيما لم يُمكن منه» وهذا ما يرشد إليه الشيخ المرعشي 
بقوله «ينبغي للمتعلم أن يشتغل بما يوافق طبعه؛ فإنه يمهر فيه إن شاء 
الله وعلى المعلم أن يرشده لما يراه صالحا لهء لأن كثيراً من 
المتعلمين في بدء أمرهم لا يعلمون ما يصلحون له». 





00 الفصل الثاني : شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها ير 
ال ا ا ا ال ي 


1 100 ل 
ا يي 


تلميذه. 

فلا يتم للمتفقه تنمية الملكات الكامنة فيه إلا بمعرفته بحاله» ونوع 
الذكاء الأغلب عليهء ولا يتم ذلك للمعلم إلا بمعرفة ذلك من حال 
تلميذه» وللوسائل أحكام المقاصد؛ فمما يجود به التعليم : أن يكون 
المعلم على معرفة بأحوال تلاميذه» وأن يُمكن التلاميذ من معرفة ذلك 
من أنفسهم» وبذلك يُمكن أن يتوجه المتفقه إلى المجال الأليق به 
فيكون ذلك أقرب إلى إدراك ملكته» ومما يتحقق به ذلك: أن يكون 
اختبار نوع الذكاء جزءاً من اختبار الترشيح والتأهيل للمناصب الفقهية 
كالإفتاء والقضاء والتعليم والبحث وغيرها. 


الفرع الرابع : القدر المكتسب من الذكاء : 

وفيه مسألتان: 

المسألة الأولى : الذكاء بين الوراثة والبيئة. 

المسألة الثانية: بعض الوسائل التي استعملها الفقهاء في تنمية 
التفكير. 
المسألة الأولى: الذكاء بين الوراثة والبيئة: 

يقرر الأصوليون في تعريفهم للعقل أن منه ما هو غريزة فطرية» ومنه 


ما هو مكتسب من التجربة والتعلم'' »: وقد عُنيت الدراسات المعاصرة 


)١(‏ انظر: القواطع في أصول الفقه .2٠١7/١(‏ إحياء علوم الدين (١/١٠)ء‏ البحر 
المحيط (١/۸۸)ء‏ المسودة (481/7).» الذريعة إلى مكارم الشريعة ص٤٠.‏ 


e 


يم الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها 4 


وجييد نه St‏ 





في علم الأحياء وعلم النفس كثيراً بتحديد مدى تأثير العوامل الوراثية 
(الفطرية) والعوامل البيئية (المكتسبة) في درجة الذكاء لدى الإنسان» 
والموقف الحالي عند كثير من علماء نفس النمو: أن الوراثة (العوامل 
الفطرية)”'' هي صاحبة الأثر الأكبر في هذا الجانب» فالمستوى العقلي 
للونسان يرجع أوّلا إلى العامل الفطري الوراثي, إلا أن ذلك لا يلغي 
اد و الععية (المكديبية) ا لجرا ال 
کال تخرح الذكاء الفطري من دائرة الكمون إلى الظهورء فبمقدار 
جودة الظروف البيئية يرتفع ذكاء الإنسان الظاهر إلى أعلى مستوى تتيحه 
قدرته الفطرية» وبدون ذلك: قد يكون لدى الإنسان ذكاء وراثي كبير 
لكنه يعيش في بيئة غير جيدة» فيكون ذكاؤه الظاهر ضيئلا. 

وفي حال قلة نصيب الإنسان من الذكاء الوراثي فإن العوامل البيئية 
لا يمكن أن تتيح له ذكاء زائداً على قدرته الفطرية. 

وعلى هذا: فقد يتساوى اثنان في صفة الذكاء الورائية لكن تختلف 
ظروفهما البيئية؛ فتظهر هذه الصفة في أحدهما بمستوى مختلف عما 
هي عليه لدى الآخر. 


وخلاصة ذلك: أن الوراثة -بإذن الله- هى التى تحدد الإطار الذي 


)١(‏ المقصود بعامل الوراثة: انتقال الصفات من الآباء والأجداد إلى الأبناء عن طريق 
المورّثات أثناء تكوين البييضة المخصبة. انظر: سيكولوجية الفروق الفردية فى الذكاء 
ص 65. ١‏ 

(۲( يدخل فيها: الحال الصحية والنفسية والغذائية للأم في وقت الحملء التغذية» 
الآمراض» الوضع الاقتصادي والتعليمي» أسلوب التنشئة الأسريةء الوسط الاجتماعي 
العام. انظر: علم نفس المراحل العمرية ص8-6١١.‏ 





ا ا ل ص ي 


يمكن أن تظهر فيه القدرة العقلية ولا تتجاوزهاء والعوامل المكتسبة هي 
التي تحدد الشكل الظاهر لهذه الصفة ضمن هذا الإطار. 

ولعل هذا ما أشار إليه الجويني نه حينما عد (فقه النفس) أحد 
شروط المفتي قائلاً: «هو رأس مال المجتهد» ولا يتأتى كسبهء فإن 
جبل على ذلك فهو المرادء وإلا فلا يتأتى تحصيله بحفظ الكتب»"» 
فهي إشارة منه إلى التأثير الأساسي للاستعداد الفطري (الورائي)». وأن 
(حفظ الكتب) الذي هو عبارة عن (العوامل البيئية) إنما يجدي عند 
وجود استعداد فطري. 

وفي قول النبي َة «الناس معادن»ء خيارهم في الجاهلية خيارهم 
في الإسلام إذا فقهوا“" جمع بين أثر العوامل الوراثية (الناس معادن) 
والعوامل البيئية (إذا فقهوا). وأن باجتماعهما تكون الخيرية. 

وإذا كان تحسين ذكاء الأفراد ورفع مستواهم العقلي عن طريق 
التحكم في العوامل الوراثية أمراً عسير التحقيق إن لم يكن مستحيلاً فإن 
ذلك يمكن أن يتم عن طريق توفير الظروف البيئية والثقافية المناسبة لتنمية 
الذكاء والقدرات العقلية» وفي هذا الاتجاه ينبغي أن تتجه الجهود. 

نعم يمكن بذل السبب في الجانب الوراثي بحسن اختيار الزوجة» 


(1) انظر: علم نفس المراحل العمرية ص 2١١9‏ 2175-1760 التعليم والتعلم وعلم النفس 
التربوي ص۹۷- ۹۹٩‏ سيكولوجية الفروق الفردية في الذكاء ص77-"517» المرجع في 
تربية الموهوبين ص 7/ا-70. 

(0) البرهان ص1775. 

(۳) سبق تخريجه ص07. 


(4) انظر: سيكولوجية الفروق الفردية في الذكاء ص48. 


0 الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها ا 
1 3 
يك 


ل 
581 
فهي الأم التي سيرث الأولاد نصف مورّثاتهم منها”''. فضلاً عن دورها 
الأساسي في تشكيل معالم بيئة نشأتهم. 

وليس المقصود بالبيئة : البيئة الجغرافية أو مكان السكن» بل : البيئة 
النفسية» وهي مجموع المثيرات التي يتعرض لها الفرد مدة حياته. 
ويغبارة اشرق هي جميع العوامل الخارجة عن المورّثات» وال نيدأ 
بعضها في التأثير في الفرد من لحظة الإخصاب. 

فالبيئة لا يبدأ مفعولها بعد الولادة» وإنما من بدء وجود الجنين في 
الرحم. فقد ثبت أهمية البيئة قبل الولادة في تحديد نمو الفرد. 
فأساليب التغذية ونظامها وشروطها تحدث تأثيرات على نمو الجنين 
وحياته فيما بعد. 


ومعنى هذا: أن وجود أخوين فى حجرة واحدة وفى وقت واحد 
ليس بمعناة أنهما يغينا فى :بيعة واحدة تفسباء فلكل نها خيرات 
ماضية تختلف عن خبرات الآخرء وهذه الخبرات تجعله يتأثر بالمثيرات 
وجود فروق هامة. وكذلك وجود أخ أكبر للأخ الأصغر”". 

وإذاً فالعناية من الجانب البيئى لها أوجه كثيرة جداًء منها : 

© الحالة الصحية والنفسية للأم وقت الحمل والولادة والرضاعة ". 

6 البيئة المتنوعة والمثيرة للتفكير › فالحرمان من المثيرات الحسية 


© تقر غل تفن المراجل الخرة دة 

E E A E 

(۳) انظر: علم نفس المراحل العمرية ص9-45١٠»‏ علم نفس النمو ص 2194 الذكاءات 
المتعددة ص۷۷. 


الفصل الثاني : شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها 





طهر 
0 


يؤدي إلى انخفاض مستوى الذكاء» خاصة إذا كان في مرحلة ما قبل 
المدرسة وعند أطفال لهم في الأصل استعدادات عقلية عالية؛ وذلك 
لحاجتهم إلى تلك المثيرات التي تساعدهم على التعليه”". 

©» حسن التربية» ولا سيما في سنوات الطفولة الأولى: فقد أكدت 
البحوث التي استقصت تأثيرات البيئة على تطور ذكاء الطفل أن سنوات 
الروضة مرحلة حاسمة ومهمة في التطور المعرفي» وقد وجدت هذه 
الدراسات أن الدرجات العالية في اختبارات الذكاء كانت مرتبطة ببيئة 
الطفل قبل الدراسة؛ وبينت هذه الدراسات أنها ضرورية للتطور 
الفكري. وأظهرت أن أعلى العلامات اتفقت مع: 

© التواصل العاطفي واللفظي الجيد من قبل الأبوين. 

© تجنب فرض العقوبات والقيود على الطفل. 

© تنظيم البيئة الطبيعية التي يوجد بها الطفل وبناء جدول أنشطة له. 

© العمل على تأمين ظروف مادية مناسبة لجوانب النموء من ألعاب 
ومجسمات وغيرها. 

© إتاحة الفرص المختلفة من مثيرات وحوافز مشجعة لنمو الطفل. 

وفي مقابل ذلك فللحرمان العاطفي وأساليب التنشئة الصارمة أثر في 
تأخر مستوى الذكاء عند الطفل بشكل واضح”"". 

© جودة التغذية: فجودة الغذاء عموماً وفي جميع مراحل العمر 
)١(‏ انظر: الذكاء المتعدد في غرفة الصف النظرية والتطبيق ص77. سيكولوجية الفروق 
الفردية في الذكاء ص45. 


(۲) انظر: علم نفس المراحل العمرية ص7١1.,‏ التعليم والتعلم وعلم النفس التربوي 
ص49.» الذكاء المتعدد في غرفة الصف النظرية والتطبيق ص77. 






اک الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها كه 


ذات أثر جيد على صحة العقل”» ولبعض الأغذية منافع خاصة بعمل 
الدماغ» ومما يذكر في هذا الشأن: أن سوء التغذية للجنين قد يؤدي 
إلى ضعف الدماغ ضعفا لا يمكن تعويضه في المراحل العمرية التالية 
لأنه كان في مرحلة التكوين» وكذلك سوء التغذية في السنوات 
الأولى". وأيضاً لنقص الفيتامينات والمعادن المهمة في الغذاء أثر في 


نقص الذكاءء ولو كانت كمية الطعام كافية”". 


© التعليم المثير للتفكير: فله أثر كبير في إثارة العقل وتنشيط 
الذكاء» ومن ذلك: التعليم بحل المشكلات» فيرى الخبراء أن أفضل 
طريقة لتنمية قدرة الدماغ على التفكير وتوسيع شبكة الارتباطات فيه هي 
تعريض الإنسان لحل المشكلات التي تتحدى تفكيره» لأن هذه الطريقة 
تسهم في تكوين ارتباطات جديدة بين العصبونات» وكلما كانت 
المشكلات متنوعة زادت شبكة الارتباطات الجديدة» أي زادت قوة 
الدماغ على التفكير وحل المشكلات» بخلاف التعليم القائم على تقديم 
المعلومات جاهزة للطالب. لتكون وظيفته مجرد تلقيها وحفظها ثم 
أدائها في الامتحان كما تسلمهاء فلا شك في أثر هذا النوع من التعليم 
في إخمال الذهن وإطفاء جذوة الذكاء”. 


تي 
1 


)١(‏ انظر تفصيلا فى ذلك فى: الذكاءات المتعددة ص۸۲-۷۸. مهارات التفكير وسرعة 
الديية ويعقانب دري زه 0 

(؟) انظر: علم نفس المراحل العمرية ص5١٠.‏ علم نفس النمو ص198١2‏ التعليم والتعلم 
وعلم النفس التربوي ص49. 

(۳) انظر : الذكاءات المتعددة ص۷۸-۷۷. 

(5) انظر: مهارات التفكير وسرعة البديهة وحقائب تدريبية ص٤٤.‏ 
ومما يُذكر هنا: ضرر الجلوس الطويل أمام التلفازء فهو من أسباب خمول التفكير 
واعتياد السلبية. انظر: المرجع السابق ص48. 


4 الفصل الثاني: شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها 





© الحال النفسية الجيدة: للاعتدال النفسي لدى المتعلم أثر كبير في 
جودة التفكيرء فتلقي المتعلم تعاملا جيداً واحتراما وتعاونا بين الطلاب 
وتقديراً من المعلم والأهل. كل ذلك ينشط الدماغ قرو هرادا كاوه 
إيجابية -هي السيروتونين والدوبامين والندورمين- وهي ذات أثر مهدئ 
وضابط للأعصاب ويبعث الراحة والرضا واحترام النفس والحيوية 
والنشاط» بخلاف حال الشعور بالسخط والظلم والقسوة والتهديد 
والإهانة» فإن ذلك يُخل بإنتاج كيماويات الدماغ وذلك يورث يأساً 
وإحباطاً وسلوكاً عدوانياً وإعراضاً عن التعلّه”". 

وهذا ما أشار إليه ابن خلدون كن في مقدمته حين ذكر «أن الشدة 
غلى المتعلمين عضرة بهم 4:.. ومن كان مرباه بالعسف والقهر من 
المتعلمين أو المماليك أو الخدم سطا به القهر وضيق عن النفس في 
انبساطها وذهب بنشاطها ودعاه إلى الكسل وحمل على الكذب والخبث 
وهو التظاهر بغير ما في ضميره خوفا من انبساط الأيدي بالقهر عليه 
وَعلمه المكر والحديعة لذلك وصارت له هذه غادة وخلقا وفسيلاتت 
معاني الإنسانية التي له من حيث الاجتماع والتمرن وهي الحمية 
والمدافعة عن نفسه ومنزله. وصار عيالاً على غيره في ذلك بل وكسلت 
النفس عن اكتساب الفضائل والخلق الجميل فانقبضت عن غايتها ومدى 
إنسانيتها فارتكس وعاد في أسفل السافلين»”'". 

© الحال الاقتصادية والاجتماعية: فهناك ارتباط إيجابي دالٌ بين 


)0( انظر : مهارات التفكير وسرعة البديهة وحقائب تدريبية ص ۰۳۸-۳۷ cEA-V‏ 01. 
)۲( ص٦۹٤‏ . 


الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها 





الذكاء والمستوى الاقتصادي والاجتماعي ومستوى تعليم الأبوين 
ومهّنهو”'". 

© الرياضة البدنية : للرياضة والتمرينات البدنية تثير باعثات عصبية 
تزيد من قدرة الدماغ على تكوين الارتباطات التي تحسن القدرة على 
الاتصال وتقوي الذاكرة طويلة الأمد وتحسن المزاج”". 


المسألة الثانية: بعض الوسائل التي استعملها الفقهاء في تنمية 
التفكير : 

والذي يعنينا في هذا المقام هو الإشارة إلى الوسائل التي اتبعها 
الفقهاء -رحمهم الله- في تعليمهم وأرشدوا إليها؛ من أجل إذكاء عقول 
طلاب الفقه ورياضتهاء ونجد في هذا المقام أربعة أنواع» هي : 

© تجارب الحياة. 

© المحاورة والمناظرة. 

٠‏ تعلم العلوم الحسابية ونحوها. 

© الألغاز الفقهية. 

ولا أعني أن تنمية الذكاء لدى الفقهاء منحصر في هذه الأنواع» بل 
الأنشطة الفقهية كلها تنمي الفهم وتشحذ العقل» لكن هذه أنشطة يظهر 
فيها مقصد تنمية الذكاء مقصداً أصلياً. وفي غيرها يظهر تابعاً. 
(0) انظر: علم نفس المراحل العمرية ص١١٠.‏ التعليم والتعلم وعلم النفس التربوي 


ص48. 
(؟) انظر: مهارات التفكير وسرعة البديهة وحقائب تدريبية ص۸٤.‏ 


i الفصل الثانى: شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها‎ e 
ir ۰ : ب‎ 
3 م‎ 0 


e‏ د 


أ - تجارب الحياة: 


ع 


لا شك في أن التعرض للتجارب مما يزيد العقل ويهذبه”''» وقد 
قال معاوية وَنه: «لا حكيم إلا ذو تجربة»" كما أن الوحدة وقلة 
الخ ولا هة و مها اله ٠‏ وغقه ماحب الييات وال جانا 
عنوانه (باب من البّلّه الذي يعتري من الوحدة وقلة التجارب)". 


وينبه الأصوليون إلى ما للتجربة من أثر في تنمية العقل في بحثهم 
في حقيقة العقل» فقد تعددت الأقوال في حقيقة العقل”*'» واختار 
الغزالي وابن الجوزي وغيرهما: أن هذه الأقوال في تعريف العقل غير 
خا رض بل العقل لطلق علنها عا عن مل الاشتراك "و جد 
هذه الأقوال أن العقل عبارة عن «علوم تستفاد من التجارب بمجاري 
الأحوال؛ فإن من حنكته التجارب وهذبته المذاهب يقال إنه عاقل في 
العادة» ومن لا يتصف بهذه الصفة يقال إنه غبي غمر جاهل؛" ولا 
يخفى ما يتضمنه تعريف العقل بالمعرفة التجريبية من التنويه بأهمية 
التجرية والمحاوية: 


وللتجربة وممارسة الحياة أثر خاص في تنمية ملكة تنزيل الأحكام 


)١(‏ انظر: غياث الأمم ص777. 

(۲) علقه البخاري في صحيحه» كتاب الأدب» باب لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين» 
وينظر: فتح الباري .)017١ /٠١(‏ 

.)0 7/١ 

(5) انظر: القواطع في أصول الفقه 4235٠١ /١(‏ البحر المحيط »)88/١(‏ المسودة (؟/ 
1). التحبير شرح التحرير (۱/ .)۲١۷‏ 

.)۹۸١ /۲( انظر: إحياء علوم الدين (١/١١۳)ء الأذكياء ص١٠. المسودة‎ )٥( 

() إحياء علوم الدين .)7١5/١(‏ وانظر: الأذكياء ص١٠‏ », المسودة (۲/ .)۹۸١‏ 


0 0 الملكة الفقهية : حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها م 5 
ل 0 ب ریک 


سيعود الكلام إليها هناك إن شاء ايله . 


ب - المحاورة: 
5 ۶ 5 اف CD‏ 
المحاورة هي مراجعة الكلام بين اثنين على أي صفة ولأي غرض 2 
فقد تكون المحاورة للمشاورة أو لاستيضاح معنى أو للمباحثة» وقد تكون 
المحاورة مع مخالف فتسمى مجادلة أو مناظرة أو محاجة. 


وللمحاورة أغراض فقهية عدةء منها «تذليل طرق الاجتهاد والقوة 
على استثمار الأحكام من الأدلة واستنباطها منهاء وشحذ الخاطر وتنبيه 
المستمعين على مدارك الأحكام ومآخذها»"» والذي يناسب هنا هو 
ما في المحاورة والمجادلة من إذكاء العقل وتنمية الفكر؛ وذلك لما 
تقتضيه من الاجتهاد في تسديد القول والتأمل في حجة المخالف 
وإعمال الذهن في التحليل والتمييز والتقويم في سرعة بديهة وحسن 
عبارة؛ ولذلك جاء عن عمر بن عبدالعزيز كن قوله «رأيت ملاح“ 


)١(‏ في المبحث الثالث (ملكات تنزيل الأحكام الكلية) من الفصل الثالث (الملكات 
الفقهية). 

(۲) انظر مادة (ح و ر) في: لسان العرب »)5١1/5(‏ القاموس المحيط ص١8".‏ 

() الإحكام للآمدي /٤(‏ ۲۳۲). 
ولتعدد مقاصد المناظرة وفوائدها ستعود الإشارة إليها فى المبحث الثالث من هذا 
الفضل يضفتها ميدكا مخ .مالك مار الفقة 1 

,.)557/١6( الملاحاة: المنازعة والمخاصمة. والمشاتمة. انظر: لسان العرب‎ )٤( 
.)15540١/5( الصحاح‎ 
والمقصود هنا -كما قال يحيى بن مزين (راوي الخبر)-: يريد بالملاحاة هاهنا‎ 
المخاوضة والمراجعة على وجه التعليم والتفهم والمذاكرة والمدارسة.‎ 


ا الفصل الثانى: شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها م 

116 3 E5 

Na‏ ا 

a‏ 2ع )001 ا 3 ءِ 

الرجال تلقيحا لالبابهم» > وقال: «ما رآيت أحدا لاأحى الرجال إلا 
أخذ بجوامع الكلم»”''؛ ووصف ابن حزم كن انتفاعه بمجادلة بعض 
مخالفيه فقال: «لقد انتفعت بمّحْكِ”"أهل الجهل منفعةً عظيمة» وهى 
أنه توقد طبعي ١‏ > واحتدم خاطري» وحمي فكري»ء ونهيج نشاطي»ء فكان 
ذلك سببًا إلى تاليف عظيمة المنفعة» ولولا اسار ساكني» 
واقتداحهم كامني. ما انت للك التاليف». 





ج - تعلم العلوم الحسابية ونحوها: 


بحث الفقهاء -رحمهم الله- حكمّ تعلم العلوم غير الشرعية مما 
يُحتاج إليه في قيام أمر الدنياء كالحساب والهندسة والطب والزراعة» 
وخلاصة بحثهم : أن لهذه العلوم حكم الوسائل» فتجب إذا توقف عليها 
واجب» وتباح إذا كانت وسيلة إلى مباح... إلخ“» ونص بعض الفقهاء 
على أنه يلزم المتفقه معرفة الحساب والمساحة لاحتياجه إليهما في 
ی ا 


(۱) جامع بیان العلم وفضله .)٠١8/5(‏ 

(۲) المرجع السابق» الموضع السابق. 

(9) المَحُك: اللِجاج والمنازعة. انظر: لسان العرب (١٠/٦۸4٤)ء‏ القاموس المحيط 
ص 467. 

(4) الأخلاق والسير ص44. 

(4) انظر: المجموع /١(‏ 22560 مفتاح دار السعادة -777/١(‏ 2)1157 مجموع فتاوى 
ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين (55/ .)٥١ 237 -١7‏ 

() هو فن من فنون الهندسة» وهو استخراج مقدار الأرض المعلومة بنسبة شبر أو ذراع أو 
غيرهماء أو نسبة أرض من أرض إذا قويست بمثل ذلك. المدخل إلى مذهب الإمام 
أحمد بن حنيل ص757. 

(۷) انظر: المدخل إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل ص757- 77377 


ا الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها 4 
3 اا ی ی ج 
a7 .‏ 


لكن لتعلم بعض العلوم غير الشرعية فائدة أخرى» هي تعويد الذهن 
على التفكير الموضوعى المنضبط بالبرهان» وقد أشار إلى ذلك ابن 
عندهم: الابتداءٌ بها؛ لأنها معارف متّضحةء وبراهين منتظمة؛ فينشأ 
عنها في الغالب عقل مضيء درب على الصّواب» وقد يقال: من أخذ 
نفسه بتعليم الحساب أوَّل أمره إنه يغلب عليه الصدق؛ لما فى الحساب 
ن فة الان زمتافشة التفسن : .قضير ذلك خلقا ويععؤة الصدق 
ويلازمه مذهبا“'. وأشار إلى نحو ذلك في علم الهندسة بقوله «اعلم 
أن الهندسة تفيد صاحبها إضاءةً فى عقله واستقامة فى فكره؛ لأنٌ 
براهينها كلها بيّنة الانتظام» جليّة الترتيب» لا يكاد الغلط يدخل 
أقيستها ؛ لترتيبها وانتظامهاء فيبعد الفكر بممارستها عن الخطأء وينشأ 
لصاحبها عقل على ذلك المهْيّع»”". 

ويقول الشوكاني يانه : رلا بأس على من رسخ قدمه في العلوم 
الشرعية أن يأخذ بطرف من فنون هي من أعظم ما يصقل الأفكار ويصفي 
القرائح... كالعلم الرياضي والطبيعي والهندسة والهيئة والطب»”". 

ويلحظ في هذه الإشارة من ابن خلدون والشوكاني وغيرهما أن 
الاشتغال بهذه العلوم لا ينبغي أن يكون غالبا على المتفقه». لما في 
ذلك من الاشتغال عما هو أهمء. لكن ابن رجب كن يصرح بأكثر من 
ذلك فيرى أن يؤخذ من علم الحساب ما يُحتاج منه في قسمة الفرائض 


)١(‏ مقدمة ابن خلدون ص555» ونحوه في: المدخل إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل 
ص۲٣۲‏ 
(۲) مقدمة ابن خلدون ص۸٤٤‏ . 
والمَهْيّم : كمَفْعّد» الطريق الواسع الواضح. القاموس المحيط (الهيعة) ص۷۷۷. 
)۳( أدب الطلب ومنتهى الأرب ص٦۸1.‏ 


لام 
WF‏ 


والوصايا ونحوهاء والزائد على ذلك مما لا ينتفع به إلا مجرد رياضة 
الأذهان وصقالها لا حاجة إليه» ويشغل عما هو أهم 0 


الفصل الثانى: شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها 





د - الألغاز الفقهية: 


الله -بضم اللام وسكون الغين”"-: الكلام المُسَّبّه المُلْبس الذي 
يُعمّى بهء يقال: أَلْمَوّ فى كلامه. إذا e‏ 2اا 


فالألغاز الفقهية هى المسائل الفقهية التي فُصد إخفاء وجه الحكم 
ف ا اهاد ١‏ وتم هاا ع اا فا الماباة 
الان 


والألغاز أسلوب تعليمي سلكه الفقهاء في دروسهم وفي كتبهم» 
حتى عدّها الزركشي الشافعي نوعا من أنواع الفقه”''» والذين ألفوا فيها 
منهم من أفردها بالتأليف» ومنهم من خصّها عمس انكام كانه 
ومنهم من جاء بالألغاز منثورة في مواضعها من أبواب الفقه”". 


)١(‏ انظر: فضل علم السلف على علم الخلف (ضمن مجموع رسائل الحافظ ابن رجب 
الحنبلي» .)١١/۳‏ 

(۲) وفيه لغات أخرء فيقال ا ول ولَعَزء ولت ولا عيرق وأَلْعُوزة. انظر : 
المراجع الآتية. 

() انظر: (لغز) في الصحاح (7/ ٤٩۸)ء‏ القاموس المحيط ص574., المصباح المنير 
ص407. 

(4:) منهج الألغاز وأثره في الفقه الإسلامي ص۸. 

)٥(‏ انظر: المرجع السابقء غمز عيون البصائر »)١١١ /٤(‏ المدخل المفصل إلى مذهب 
الإمام أحمد بن حنبل (۲/ .)4۲٤‏ 

(60) انظر: المنثور (519/1). 

(۷) ذكر الدكتور عبدالحق حميش قائمة بأهم الكتب المؤلفة في هذه الأنواع الثلاثة ؛ فانظر : 
منهج الألغاز وأثره في الفقه الإسلامي ص 550- .5٠0‏ وانظر: المدخل المفصل إلى فقه 
الإمام أحمد بن حنبل (7/ 5 47). 


052 الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها )م 
3 ی چ چ ی ای ن ج و 


مد تار تار ريطاي ما موادي لبد اكير بدا عه من 
تحدٍ يثير العقل ويحفزه على التأمل والتدقيق ؛ ا سمي اللغز اح 
من الحجى وهر العقل وا 


الفرع الخامس: العمل عند نقص الذكاء الفطري 

من أنعم الله تعالى عليه بفؤاد ذكي مستعد لاكتساب ملكة الفقه كان 
من شكر نعمة الله عليه بذل الجهد في التفقه في الدين» وربما يتعين 
ذلك عليه””*. كما ينبغي لوليه ومعلمه إذا آنس منه مخايل النجابة أن 
واد بيده إلى سبيل طلب العلمء ف«مبادئ الملكات إذا لم يُحسن 
استعمالها ذهبت وئيدة الإهمال والغفلة““. ولعل كثيراً من المعلمين 
والناصحين ينالون مثل أجور رجال من أجلاء العلماء؛ لأن توجه 
أولئك العلماء إلى طلب العلم كان بتوجيه من أولئك الناصحين الذين 
اكتشفوا نباهتهم وأيقظوهم وأعانوهم على طلب العلم بوجه من أوجه 
الإعانة» ولولا ما يسر الله لهم من ذلك الإيقاظ فلربما اندثرت فطنهم 
وعاشوا حياة عادية لا امتياز فيها". 


)١(‏ انظر: منهج الألغاز وأثره في الفقه الإسلامي ص4”*-/ا". 

(؟) انظر: القاموس المحيط ص777١‏ (حجا). 

(۳) وذلك إذا لم يكن في ناحيته من يصلح لطلب العلم سواه» ووجدت فيه شروط الطلب» 
وهي صحة حواسه. ووفور عقله» وسلامة آلته. انظر: القواطع في أصول الفقه (۳/ 
4 

.۲٠۲ص اليس الصبح بقريب‎ )٤( 

(5) منهم: الإمام الشافعي. قال: كنت أقرأ كتب الشعر فآتى البوادى فأسمع منهم = 


بعر الفصل الثاني: شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها 
22 ب 1 


ولا يخفى أن اكتشاف التلاميذ الموهوبين ورعايتهم قد أصبح في 
هذا العصر فنا مستقلاء له بحوثه ومؤسساته الخاصة» وتبذل فيه الدول 
جهوداً ونفقات كبيرة؛ لما ترجوه من النفع من هؤلاء الناشئين إذا هيئت 
لهم سبل التعليم والرعاية الحسنة. 

والغرض الآن هو محاولة وصف موقف الفقهاء تجاه الطالب الذي 
لا يكون تام الأهلية لاكتساب ملكة الفقه» وذلك لبطء في فهمه. أو 
وجب و a SS Ss‏ 

الموقف الأول: حث الطالب على الاستمرار في الطلب» وإعانته 
على ذلك والصبر على تفهيمه وتعليمه. 

والموقف الثاني: إرشاد الطالب إلى أن يأخذ من العلم ما يتعين 
عليه مما لا يسعه جهله. ثم الانصراف إلى ما يلائمه من الأعمال 
الصالحة الأخرى». سوى طلب العلم. 

ولكل من هذين الموقفين موضع» والحكمة في اختيار الموقف من 
اك وات المعلم الرباني» وفي المسألتين a‏ 
الموقفين : 


-فقدمت مكة منهاء فخرجت وأنا أتمثل بشعر للبيد وأضرب وحشي قدمي بالسوط. 
فضربني رجل من ورائي من الحَجَبّة فقال: رجل من قريش ثم ابن المطلب رضي من دينه 
ودنياه أن يكون معلما! ما الشعر؟! هل الشعر إذا استحكمت فيه إلا قعدت معلما؟! تفقه 
يعْلك الله. قال : فتفعني الله بكلام ذلك الحجبي؛ فرجعت إلى مكة فكتبت عن ابن عيينة 
ما شاء الله أن أكتب.. طبقات الشافعية الکبرى .)١١١/۲(‏ 

ومنهم : عبدالله بن وهب. صاحب الإمام مالك» قال: كان أول أمري في العبادة قبل 
طلب العلم» فولع بي الشيطان في ذكر عيسى -عليه السلام- وكيف خلقه الله » فشكوت 
ذلك إلى شيخ» فقال لي: اطلب العلم. فكان سبب طلبي. ترتيب المدارك وتقريب 
المسالك (۳/ ۲۴۷). 


لدم الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها ريي 


5 





المسألة الأولى: حث الطالب على الاستمرار فى الطلب وإعانته 
غك ۰ 

المسألة الثانية : إرشاد الطالب إلى أن يأخذ من العلم ما يتعين عليه 
ثم الانصراف إلى ما يلائمه من الأعمال الصالحة الأخرى. 


المسألة الأولى: حث الطالب على الاستمرار في الطلب 
وإعانته على ذلك : 

ويكون ذلك عندما لا يكون نقص الذكاء كبيراً» وقد يجبر ذلك 
النقص أيضاً حداثة في سن الطالب» وصدق في همتهء فهنا ينبغي إعانة 
الطالب واحتساب الأجر في تعليمه والصبر عليه؛ وقد ذكروا من أدب 
المعلم : أن يُفهّم كل واحد بحسب فهمه وحفظه» فيكتفي بالإشارة لمن 
يفهمها فهما محققاء» ويوضح العبارة لغيره» ويكررها لمن لا يحفظها 
إلا بتكرار ٠"‏ وآن يعطي كل طالب من العلم ما يليق بعقله وعلمه""» 
وهذا ما يسميه التربويون المعاصرون: مراعاة الفروق الفردية» وهو 


.)۷١ /١( انظر: المجموع‎ )١( 

(۲) في هذا يقول الغزالي: من وظائف المعلم: «أن يقتصر بالمتعلم على قدر فهمهء فلا 

يلقى إليه ما لا يبلغه عقله فينفره أو يخبط عليه عقله؛ اقتداء فى ذلك بسيد البشر وَلِل... 

فليبث إليه الحقيقة إذا علم أنه يستقل بفهمها... فلا ينبغي أن يفشي العالم كل ما يعلم إلى 

كل أحد. هذا إذا كان يفهمه المتعلم ولم يكن أهلاً للانتفاع به فكيف فيما لا يفهمه؟ !» 
إحياء علوم الدین .)۲٠١-۲۱۲/۱(‏ وانظر: تذكرة السامع والمتكلم ص*٠٠.‏ 

(۳) الفروق الفردية بين المتعلمين: هي التباين والاختلاف بين المتعلمين في نوعية وسرعة 
تعاملهم مع المحتوى التعليمي» وتدل على تلك الفروق الفردية: الدرجات المتفاوتة 
للأفراد في التحصيل الدراسي ومستوى قدراتهم العقلية وميولهم واتجاهاتهم 
وانفعالاتهم الاجتماعية. المدخل للتدريس ص185. 


ع( الفصل الثانى: شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها م 
اي الفصل لاقي : شروط اكتساب الملكة لفقية وتيا !00 


اع 0 
١‏ ?و“ 


مسلك نبوي» فقد عقد البخاري في كتاب العلم من صحيحه: باب من 
خص بالعلم قوما دون قوم كراهية ألا يفهمواء وروى فيه عن أنس بن 
مالك ويه قصة قول النبي كك لمعاذ «ما من عبد يشهد أن لا إله إلا الله 
أن معاذا استأذن النبي ية في تبشير الناس بذلك فقال وكةِ: «لا. إذن 
يتكلوا»" وروى البخاري أيضاً في هذا الموضع قول علي طايه 
ا ان ا وو اون ان کا و 


وهذه المراعاة للفروق بين الطلاب لا تكون ما لم يكن المعلم ذا 
خبرة بطلابه» قريباً منهم» يختبر أفهامهم وعلومهم؛ ليتمكن من إعطاء 
كل ما يليق به وتوجيه كل واحد منهم إلى ما يصلح له. 

والفقه رُتبء القصور عن عَلياها لا يخرج الطالب من جميعهاء 
فالمعلم الناصح يحاول تبليغ تلميذه أرفع ما هو مؤهل له من مراتب 
العلم» فمن لم يكن مستعداً لمرتبة الاستنباط واستخراج القواعد قد 
يكون قادراً -مع بذل الجهد- على مرتبة الاجتهاد في تنزيل الأحكام 
على الوقائع» وهي إحدى مراتب الفقه» ولا غنى بالناس عنهاء كما قد 
يكون قادراً على حفظ العلم وروايته ونقله وإِن لم یکن ذا استنباط منه» 
فيكون بذلك مشاركاً في حفظ الدين ونقله» مبلغا عن النبي بل وكفى 
بها فضيلة» وإلى ذلك يشير الإرشاد النبوي الكريم: «مثل ما بعثني الله 
به من الهدى والعلم» كمثل الغيث الكثير أصاب أرضاء فكان منها نقية 


)02 برقم (4؟11). ورواه مسلم أيضاً في صحيحه ١‏ كتاب الإيمان» برقم (TY)‏ 
(۲) برقم (۱۲۷). 
وانظر: الرسول المعلم ية وأساليبه في التعليم ص۸۱. 


22 الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها بين, 
۷ و E‏ 


قبلت الماءء فأنبتت الكلاأ والعشب الكثيرء وكانت منها أجادب 
أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا وسقوا وزرعواء وأصابت منها 
طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأء فذلك مثل من 
فقّه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به فعلِم وعلّم. ومثل من لم يرفع 
بذلك رأساً ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به قال الخطيب 
البغدادي: «جمع رسول الله هة في هذا الحديث مراتب الفقهاء 
والمتفقهين من غير أن يشذ منها شيء: فالأرض الطيبة هي مَل الفقيه 
الضابط لما روى» الهم للمعاني» المحسن لرد ما اخثلف فيه إلى 
الكتاب والسنةء والأجادب الممسكة للماء التي يستقي منها الناس هي 
مثل الطائفة التي حفظت ما سمعت فقط وضبطته وأمسكته حتى أدته إلى 
غيرها محفوظا غير مغير» دون أن يكون لها فقه تتصرف فيهء ولا فهم 
بالرد المذكور وكيفيته» لكن نفع الله بها في التبليغ»”". 
ومن الشواهد على هذا من سيرة الفقهاء: ما جاء في سيرة الربيع 

بين سليمان المرادي كن أحد الخاصة من أصحاب الشافعي» فقد 
ذكروا أنه لم يكن في المرتبة العليا من الفهم» ولكنه كان شديد العناية 
بطلب العلمء كما كان شيخه الشافعيٍ كن مقدّراً لحرصه معتنيا به 
حتى قال له يوما: يا ربيع لو أمكننى أن أطعمك العلم لأطعمتك! وكرر 
الشافعى عليه مسألة واحدة أربعين مرة فلم يفهم! وقام من المجلس 
حياء فدعاه الشافعي فى خلوة وكرر عليه حتى فهم”". 


1 
ھک 
چ ` 


)١(‏ رواه البخاري في صحيحه» كتاب العلم» باب فضل من علِم وعلّمء برقم (۷۹)ء 
ومسلم في صحيحه. كتاب الفضائل» برقم (۲۲۸۲)ء عن أبي موسى الأشعري طله. 

.)۱۸١ /١( الفقيه والمتفقه‎ )۲( 

(۳) انظر: طبقات الشافعية الکبری (۲/ .)١١٤‏ 


3 الفصل الثاني: شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها‎ e 
ا ا ا‎ 

وقد أثمر هذا الحرص من الربيع وتلك العناية الشافعية: أن كان 
الربيع كانه راوية كتب الشافعي الأوثق المقدم عند اختلاف الرواة عن 
الشافعي» متقدما في ذلك على من هو أفقه منه من أصحاب 
العافت 33 


وقد يكون من النصح للمتعلم أن يصرفه من طلب علم إلى طلب 
علم آخرء يقول بدر الدين الحلبي : «ليس كل نفس تقبل العلمء ولا كل 
نفس تصلح لتعلم علم تصلح لتعلم علم آخرء فربما كان لها من 
الاستعداد في علم ما ليس لها مثله في علم آخرء وعلى المعلم العاقل 
أن يتعهد تلامذته؛ فإن رأى من أحد منهم عدم تهيؤ لتحصيل علم صرفه 
إلى علم آخرء ولا يتركه هملا يصرف نقد عمره فيما لا ينال»”". 

والشاطبي كن بعد أن قرر أن فروض الكفايات إنما تكون فروضا 
في حق القادرين عليها لا على كل فرد من الأمة» وأن الفرض على كل 
واحد من القادرين إنما يكون في حدود قدرته لا فيما يزيد عليهاء قال: 
ائم إن وقف هنالك”" فحسن» وإن طلب الأخذ في غيره أو طلب به 
فعل معه فيه ما فعل فيما قبله» وهكذا إلى أن ينتهي... 

وهكذا الترتيب فيمن ظهر عليه وصف الإقدام والشجاعة وتدبير 
الأمورء فيمال به نحو ذلك» ويعلم آدابه المشتركة» ثم يصار به إلى ما 
هو الأولى فالأولى من صنائع التدبير: كالعرافة» أو النقابةء أو 
الجنديةء أو الهدايةء أو الإمامةء أو غير ذلك مما يليق به» وما ظهر له 
)١(‏ انظر: طبقات الشافعية الکبری .)١١۲-۱۳۱/۲(‏ 


(؟) التعليم والإرشاد ص778. 
(۳) أي على القدر الذي يستطيعه من التعلم. 


0 الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها ونمراتها إو 
ا و 
ی 


فيه نجابة ونهوض. وبذلك يتربى لكل فعل هو فرض كفايةٍ قوم... 
فحيث وقف السائر وعجز عن السير فقد وقف في مرتبةٍ محتاج إليها في 
الجملة. وإن كان به قوة زاد فى السير إلى أن يصل إلى أقصى الغايات 
في المفروضات الكفائية» وفي التي يندر من يصل إليهاء كالاجتهاد في 
الشريعة والإمارة؛ فبذلك تستقيم أحوال الدنيا وأعمال الآخرة. 

فأنت ترى أن الترقي في طلب الكفاية ليس على ترتيب واحدء ولا 
هو على الكافة بإطلاق» ولا على البعض بإطلاق... بل لا يصح أن 
ينظر فيه نظرٌ واحد حتى يه يفصّل بنحو من هذا التة لتفصيل» ويوزع في أهل 
الإسلام بمثل هذا التوزيع”". 


المسألة الثانية: إرشاد الطالب إلى أن يأخذ من العلم ما يتعين 
عليه ثم الانصراف إلى ما يلائمه من الأعمال الصالحة 
الأخرى: 

إذا تعسر على الطالب مطلبه» وظهر عدم استعداده للاختصاص 
بطلب الفقه» فالصواب هنا أن يأخذ من العلم ما يتعين عليه معرفته"› 
ثم يصرف عنايته إلى أفضل ما يقدر عليه من العمل الصالح» ولا يحسن 
الإلحاح على من كان كذلك بطلب الفقه. 


.)١75-١77/١( الموافقات‎ )١( 

(۲) العلم المتعين على الإنسان: هو علم ما يجب عليه القيام به اعتقادا وعملاء وذلك 
يختلف باختلاف الأشخاص والأحوال. انظر: الذخيرة »)١57/١(‏ الموافقات /١(‏ 
٠١‏ الرسالة ص107- 2770 الفقيه والمتفقه »)١748/١(‏ القواطع في أصول الفقه 
:.)48/١(‏ إحياء علوم الدين »)07/١(‏ الرد على من أخلد إلى الأرض ص5 . الإحكام 
شرح أصول الأحكام (؟/ .)١1١19/-116‏ 


a‏ الفصل الثاني : شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها 
ا 

وذلك لأن الله تعالى قسم الأرزاق والقوى بين عبادهء وابتلاهم فيما 
آتاهم» ولم يكلفهم ما لا يطيقونه» فقال تعالى : ولا كلك أنه تنا 
إِلَّا وا4 لا کلف الہ تتا إلا مآ اتنا وهر 
جَعَحكْ عَكِيِكَ الْأرضٍ ورقع بعک قوق بض درجت لباو فى 
ا چ 


يقول الشاطبي -رحمه الله تعالى- مقرراً هذا المعنى: «طلب الكفاية 
يقول العلماء بالأصول: إنه متوجه على الجميع» لكن إذا قام به بعضهم 
سقط عن الباقين» وما قالوه صحيح من جهة كلي الطلب. وأما من جهة 
على البعض» ولا على البعض كيف كان» ولكن على من فيه أهلية 
القيام بذلك الفعل المطلوب» لا على الجميع عموماًء والدليل على 


كا 


وعلى هذا المَهيّع جرى العلماء في تقرير كثير من فروض 
الكفايات» فقد جاء عن مالك أنه سئل عن طلب العلم: أفرض هو؟ 
فقال: أما على كل الناس؛ فلا. يعني به الزائد على الفرض العيني» 
وقال أيضاً: أما من كان فيه موضع للإمامة؛ فالاجتهاد في طلب العلم 
عليه واجب... 


ر 
17o F‏ 
© سد “ 


ولا بد من بيان بعض تفاصيل هذه الجملة ليظهر وجهها وتتبين 
)١(‏ سورة البقرة» الآية (785). 


(۲) سورة الطلاق» الآية (7). 
(۳) سورة الأنعامء الآية .)١156(‏ 


0 0 الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها إي*, 


1 
کک 
وجو 


وذلك أن الله -عز وجل- خلق الخلق غير عالمين بوجوه 
مصالحهم... ثم وضع فيهم العلم بذلك على التدريج والتربية.. فطلب 
الناسَ بالتعلم والتعليم لجميع ما يستجلب به المصالح وكافة ما تدرأ به 
المفاسد؛ إنهاضا لما جبل فيهم من تلك الغرائز الفطرية والمطالب 
الإلهامية؛ لأن ذلك كالأصل للقيام بتفاصيل المصالح.. وفي أثناء 
العناية بذلك يقوى في كل واحد من الخلق ما قُطر عليه وما ألهم له من 
تفاصيل الأحوال والأعمال» فيظهر فيه وعليهء ويبرز فيه على أقرانه 
ممن لم يهيأ تلك التهيئة» فلا يأتي زمان التعقل إلا وقد نجم على 
ظاهره ما قُطر عليه في أوّليته» فترى واحداً قد تهيأ لطلب العلم» وآخر 
لطلب الرياسة» وآخر للتصتع ببعض المهن المحتاج إليهاء وآخر 
للصراع والنطاح» إلى سائر الأمور.. فعند ذلك ينتهض الطلب على كل 
مكلف في نفسه من تلك المطلوبات بما هو ناهض فيه» ويتعين على 
الناظرين فيهم الالتفات إلى تلك الجهات فيراعونهم بحسبها ويراعونها 
إلى أن تخرج في أيديهم على الصراط المستقيم» ويعينونهم على القيام 
بهاء ويحرضونهم على الدوام فيها حتى يبرز كل واحد فيما غلب عليه 
ومال إليه من تلك الخططء ثم يخلى بينهم وبين أهلهاء فيعاملونهم بما 
يليق بهم ليكونوا من أهلهاء إذا صارت لهم كالأوصاف الفطرية» 
والمدركات الضرورية؛ فعند ذلك يحصل الانتفاع» وتظهر نتيجة تلك 


.“٠ةيبرتلا‎ 


.)١77-1١9/1( الموافقات‎ )١( 


0 الفصل الثاني : شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها لمم 
لت ويا 


ف«الذي يتعين لهذا العلم: من جاد حفظه. وحسن إدراكه» وطابت 


١ :‏ 
سجيته وسريرته » ومن ا فلا " 


ويعُدٌ المرعشيئ من التدبير الرديء في التعليم: #سلوك من لم يرزقه 
الله تعالى حدة الذهن مسالك الأذكياء» فكم من طالب لا يقدر إلا على 
تحصيل جليات العقائد والفقه يشتغل بِالنُسَخ المغلقة والفنون الدقيقةء 
فيدع السعي فيما يمكن له تحصيله» ويصرف أيامه في الوثوب إلى ما لا 
تصل إليه يده؛ فيحرم عن جميع المطالب العلمية» ويكون في النهاية 
كأنه بدأ أول مرة! 


وهذا الضلال ناشئ من استنكاف البليد عن ترك السلوك إلى مسالك 
الأذكياء» أو من جهله بمرتبة نفسه... فيجب على العالم المدرس أن 
يمتحن استعداد الطالب» فيرشده إلى ما يساعده استعداده» ويمنعه عما 
لا تصل إليه يده... فلو أن ذلك القاصر اشتغل في أيام تحصيله بما تيسر 
له من العلوم النافعة لحصل له سعادة الدنيا والآخرة)”". 


وفي هذه المراعاة المتّفقّة مع الفطرة من التكامل بين المسلمين وسد 
الحاجات كافة ما لا يكون لو اجتمع الناس كلهم على باب واحد من 
أبواب الخير والدين» ولو كان ذلك البابٌ باب العلم» بل وتنوع 
العبادات في الشريعة وتعدد أبواب الجنة فيه إشارة إلى اعتبار تنوع 
قدرات الناس وميولهم. 
)١(‏ الذخيرة .)١144/١(‏ 


(۲) ترتيب العلوم ص595١.‏ وانظر: الإحكام شرح أصول الأحكام :)11١7/7(‏ كشف 
الظنون عن أسامي الكتب والفنون .)٤۹/١(‏ 


ي الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها 5-8 
تت _-_ا|ح_م يل ا( pp‏ ر 


ومن قواعد الفقه النافعة هنا: أن أفضل الأعمال أمر يختلف 
باختلاف الأشخاص والأحوال» فالعمل وإن كان في نفسه فاضلا - 
كطلب العلم- يكون مفضولا بالنسبة إلى أشخاص وأحوالء فالأفضلية 
المطلقة لا تستلزم الأفضلية المقيدة» يقول ابن تيمية كُذَنهُ: «قد يكون 
الأفضل» أو لكون محبته ورغبته واهتمامه وانتفاعه بالمفضول أكتر 
فيكون أفضل فى حقه لما يقترن به من مزيد عمله وحبه وإرادته 
يشتهيه وإن كان جنس ذلك أفضلء» ومن هذا الباب صار الذكر لبعض 
الناس في بعض الأوقات خيراً من القراءة» والقراءة لبعضهم في بعض 
الأوقات خيراً من الصلاةء وأمثال ذلك لكمال انتفاعه بهء لا لأنه فى 
جنسه أفضل70". 

ويقول: «المفضول تارة يكون أفضل... لبعض الناس؛ لأن انتفاعه 
به أتم» وهذه حال أكثر الناس» قد ينتفعون بالمفضول لمناسبته 
لأحوالهم الناقصة ما لا ينتفعون بالفاضل الذي لا يصلون إلى أن 
يكونوا من أهله»" «فأكثر الخلق يكون المستحب لهم ما ليس هو 
الأفضل مطلقاً؛ إذ أكثرهم لا يقدرون على الأفضل ولا يصبرون عليه 
إذا قدروا عليه وقد لا ينتفعون به » بل قد يتضررون إذا طلبوه» مثل م 
لا يمكنه فهم العلم الدقيق إذا طلب ذلك؛ فإنه قد يفسد عقله ودينه»” ". 


)۱( مجموع الفتاوى (5؟7/ .)١198‏ 
(۲) مجموع الفتاوی (۲۲/ .)۳٤۸‏ 
2 مجموع الفتاوى 2)١١94/١19(‏ وانظر: الموافقات .)0١/5(‏ 


.بعل الفصل الثاني: شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها 
ا 

ولهذا شواهد كثيرة في سنة النبي المعلم المربي صلوات الله وسلامه 
عليه» إذ كان يُسأل كثيراً عن أفضل الأعمالء» وكان جوابه يختلف» 
ولم يكن ذلك اختلاف تناقضء ولكنه لاختلاف أحوال السائلين”''. 
وكان ي يولي كل رجل من أصحابه من العمل ما يصلح له» فمنهم من 
يوليه القضاءء ومنهم من يوليه إمارة الجيش أو إمارة ناحية» ومنهم من 
يحذره من ذلك» ومنهم من يثني عليه بالقراءة» أو بالفقه» أو يدعو له 
بذلك. 

لكن مما يحذر هنا: الاستعجال في الحكم على طالب بعدم 
صلاحيته للتفقه. فقد يتعسر التحصيل على الطالب في أول طلبه ولا 
يكون ذلك لعدم صلاحيته» ولكن لعدم دربته على العلم والحفظ› 
لسوءٍ في طريقة تعلمه أو تعليمه» ولذا حذر بدر الدين الحلبيٰ المعلم 
من الحكم على تلميذه بعدم الصلاحية إلا بعد أن مدة من الاشتغال» 
«فإن رؤي قد علق بفكره شيء مما ألقي إليه وتحفظه وفهمه استدل 
بذلك على قابلية فيه وتهيؤ للتعلم» وإلا علم أنه على الضد من ذلك 
فصرف عن العلم إلى ما يلائم عقله من الا ورأى حاجي 
ان نكر اتان ده تلات م 
الاستعجال. 


وفيما يلى شاهدان من سيرة الفقهاء على هذا التثبت: 


١‏ - حكى الحسن بن زياد عن نفسه»ء قال: كنت أختلف إلى زفر 


م 
4 
أ يبيد 5 


؛ حذراً من 


(1) انظر طرفا من هذه الأحاديث في : الرسول المعلم َيه وأساليبه في التعليم ص47-87. 
(0) التعليم والإرشاد ص١17.‏ 
(۳) کشف الظنون .)٤۹/۱(‏ 


يي الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها إهر, 
ا ک7 
عجو 7 


وإلى أبي يوسف في الفقهء وكان أبو يوسف أوسع صدرا بالتعليم من 
زفرء فكنت أبدأ بزفر فأسأله عن المسألة التي تشكل علي» فيفسرها لي 
فلا أفهمهاء فإذا أعييته قال: ويحك! مالك صناعة؟ مالك ضيعة؟ ما 
أحسبك تفلح أبدا! 

قال: فأخرج من عنده وقد فترت واغتممت» فآتي أبا يوسف 
فيفسرها ليء فإذا لم أفهم قال لي: ارفق. ثم يقول لي: أنت الساعة 
مثلك حين بدأت؟ فأقول له: لاء قد وقفت منها على أشياءء وإن كنت 
لم أستتم ما أريد. فيقول لي: فليس من شيء ينقص إلا يوشك أن يبلغ 
غايته؛ اصبر فإني أرجو أن تبلغ ما تريد”". 

۲ - القفال المروزي» الفقيه الشافعي الكبير" ابتدأ في طلب 
العلم كبيرأًء وكان قبل ذلك يصنع الأقفال» نقل ياقوت الحموي: أن 
الققال الشاشي صنع قفلا ومفتاحا وزنه داق" واحد! فأعجب الناس 
به جا وسار ذكره» وبلغ خبره إلى الققال هذا فصنع قفلا مع مفتاحه 
وزنه سوج“ وأراه الناس فاستحسنوه ولم يشع له ذكر! فقال يوما 
لبعض من يأنس إليه: ألا ترى كل شيء يفتقر إلى الحظ؟! عمل 
الشاشى قفلا وزنه دانق وطنّت به البلاد» وعملت أنا قفلا بمقدار ربعه 


e 


ما ذكرني أحد! فقال له: إنما الذكر بالعلم لا بالأقفال. 


.١9ص حسن التقاضي في سيرة الإمام أبي يوسف القاضي‎ )١( 

(؟) وهو المراد بالقفال فى كتب الفقه الشافعية عند الإطلاق» وإن أريد الآخر قيد 
بالشاشىء أو الكبير. انظر: طبقات الشافعية الكبرى (07/0). 

)۳( الدانق : سدس الدرهم. انظر : القاموس المحيط ص .۸۸٤‏ 

(5) الظسوج» ربع الدانق. انظر: القاموس المحيط ص197١.‏ 


.عار الفصل الثاني: شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها 01 


فرغب في العلم واشتغل به وقد بلغ من عمره أربعين سنة» وجاء 
إلى شيخ من أهل مرو وعرّفه رغبته فيما رغب فيه فلقّنه أول كتاب 
المزني. وهو: «هذا كتاب اختصرته». فرقي إلى سطحه وكرر عليه هذه 
الثلاثة ألفاظ من العشاء إلى أن طلع الفجر» فغلبته عينه فنام» ثم انتبه 
وقد نسيها؛ فضاق صدره وقال: أيش أقول للشيخ؟! 

وخرج من بيته فقالت له امرأة من جيرانه: يا أبا بكر! لقد أسهرتنا 
البارحة في قولك هذا كتاب اختصرته» فتلقنها منها وعاد إلى شيخه 
وأخبره بما كان منه. فقال له: لا يصدّنك هذا عن الاشتغال؛ فإنك 
إذا لازمت الحفظ والاشتغال صار لك عادة. فجدٌ ولازم الاشتغال 
حتى كان منه ما كان». فعاش ثمانين سنة: أربعين جاهلا وأربعين 
عالما20, 


(۱) معجم البلدان .)١١5/6(‏ 

ومما يؤكد خطورة اكتشاف قدرات الطلاب وخفاء تلك القدرات في بعض الحالاات: 
أن كثيراً من مشاهير المخترعين المعاصرين كانت لهم بداية دراسية غير مشجعة» وكان 
نبوغهم العلمي متأخراء منهم : 

© ألبرت إنشتاين: لم يستطع الكلام قبل الرابعة» ولم يستطع القراءة قبل السابعة. وكان 
e‏ توماس أديسون : قال عنه معلمه: إنه بليد وكسول وغير ناجح في تعلمه. 

ومنهم: ويرنر ون براون» ونستون تشرشل» بابلو بيكاسوء لويس باستور وغيرهم كثير 
ممن عجز المسؤولون والمعلمون عن اكتشاف قدراتهم» مما يزيد وعينا وإدراكنا أن 
كشف الطالب المبدع والتعرف عليه ليس أمرا سهلا. انظر: تنمية مهارات التفكير 
ص197. علم النفس التربوي الأسس النظرية والطبيقات العملية ص 797. 


556 الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها 2 
5 اوسا ا سس سس سب KI‏ 
EE‏ لكي 


المطلب الثاني : الطبيعة المعتدلة : 

لا شك في أن الناس مختلفون في طبائعهم: قوة وضعفاء ولينا 
وقسوة» وأناة وعجلة» وجُرأة وجبناء واستقلالا وتبعية» ورزانة 
وخڃفة... ومواقفهم في هذه الصفات متفاوتة بين طرفي الإفراط 
والتفريط» ولطبيعة كل إنسان أثر كبير في سلوكه واختياره وتصرفه. 
والفقيه -وإن كان متّبعا للشرع محكّما له- بشر لا خروج له عن طبيعته 
التي جبل عليهاء فلا بد من أن يكون لها أثر في اختياره ورأيه؛ «فكما 
يحتاج الاجتهاد.. استعداداً عقلياً أساسه الذكاء فإنه يحتاج أيضاً خلفية 
نفسية سوية» ليست ذات استعداد للجنوح إلى الشذوذ والتطرف والغلو 
والإغراب. 

وقد يظن المتصدي للاجتهاد أن هذه النفسية السوية هي فرع من 
خلفية التقوى» وأن عزمة منه تكفي لتكوينهاء ولكن الأمر في الحقيقة 
أبعد» وهناك جوانب خفية من تأثير الأساليب وطرق التلقي والبحث في 
تكوين نفسية المجتهد دون أن يدري أو يفطن لها»"''؛ ولذا كان اعتدال 
الطبع أساساً لبناء الملكة الفقهية المعتدلة؛ وهذا ما سيحاول هذا 
المطلب بيانه في الفروع الثلاثة التالية : 

الفرع الأول: التعريف بالطبيعة» وأثرها في السلوك والتفكير. 

الفرع الثاني : وصف الطبيعة المعتدلة التي ينبغي أن يتصف بها 
الفقيه. 


الفرع الثالث: موقف المتفقّه من الأخلاق الخارجة عن الاعتدال. 


.)17/١( أصول الإفتاء والاجتهاد التطبيقي‎ )١( 


ا الفصل الثاني : شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها ا 
ج ج جح ي 1۸۷ 


5 ب 
الفرع الأول: التعريف بالطبيعة» وأثرها في السلوك والتفكير : 

الطبيعة هي السجية التي جُبل عليها الإنسان. 

فطبيعة الإنسان هي مجموع أخلاقه وصفاته النفسية التي يصدر منها 
في مواقفه وتصوراته وتفكيره في المشكلات العارضة له» ويعبر علماء 
النفس عن ذلك ب(الشخصية).؛ التي تُعرّف بأنها «مجموع الخصال 
والطباع المتنوعة الموجودة في كيان الشخص باستمرار» وهي التي 
تميزه عن غيره» وتنعكس على تفاعله مع البيئة من حوله... سواء في 
فهمه وادراکه» أم في مشاعره وسلوکه وتصرفاته ومظهره الخارجي»". 

وتُعرّف الشخصية أيضاً بأنها: التنظيم الثابت المستمر نسبيا لأخلاق 
الشخص ومزاجه وعقله وجسده. وهذا التنظيم هو الذي يحدد تكيّفه 
الفريد مع 000 

والعوامل المؤثرة في تكوين الشخصية متعددة» من أبرزها: 
الوراثةء والخلقةء والأسرة وأساليب التنشئةء والمؤثرات الثقافية 
والاختماعة :والازفات والعقات اة 


أثر طبيعة الإنسان وشخصيته فى سلوكه وتفكيره: 

تضمن هذان التعريفان للشخصية وغيرهما من التعريفات: أثر طبيعة 
)١(‏ انظر: الصحاح (9/ ؟156١).‏ 
(۲) ما تحت الأقنعة ص١٠.‏ 
(۳) سيكولوجيا الشخصية ص9١.‏ وانظر فيه تعريفات أخرى ص6١-7١.‏ 

والتعريف ذاته في علم نفس الشخصية ص٣۰۲‏ وانظر فيه تعريفات أخرى ص77-717. 
(5) انظر: ما تحت الأقنعة ص15١-77»‏ علم نفس الشخصية ص ۲٥ء .٠١‏ 


الملكة الفقهية : حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها ۹ 


6 


م 
j‏ 


و 


0 
0 و 
2 
يه 


الإنسان وشخصيته في سلوكه وتفكيره» وهو أثر واضح بيّنء وفي 
اختلاف الشيخين في أسرى بدر بيان لأثر الطبيعة في الرأيء حين قال 
انو یک 2 يا د نبي الله! هم بنو العم والعشيرة؛ أرى أن تأخذ منهم فدية 
فتكون لنا قوة على الكفار؛ فعسى الله أن يهديهم للإسلام. وقال عمر: 
أرى أن تمكنا فنضرب أعناقهم» فتمكن عليا من عقيل فيضرب عنقه» 
وتمكنّي من فلان -نسيباً لعمر- فأضرب عنقه؛ فإن هؤلاء أئمة الكفر 
وصناديدهاء ثم نزل الوحي موافقاً لرأي عمر”". 

وفي موقف آخر نجد «أبا بكر رأى التسوية في العطاءء إذ قال: 
الدنيا بلاغ» وإنما عملوا لله عز وجلء. وأجورهم على الله» حيث قال 
عم كفب سارى ن الفاضل والمفضرل؟ ورای غر الفاوت؟ 
ليكون ذلك ترغيباً في طلب الفضائل؛ ولأن أصل الإسلام وإن كان لله 
ويوجب الاستحقاق فكذلك توجب زيادةٌ قدم ومقام في الإسلام زيادة 
في قدر الاستحقاق. 

والمعنى الذي ذكره أبو بكر فهمه عمر وها ولم يفده غلبة الظن» 
وما رآه عمر فهمه أبو بكر ولم يفده غلبة الظن ولا مال قلبه إليه؛ وذلك 
لاختلاف أحوالهماء فمن خلق خلقة أبي بكر في غلبة التأله وتجريد 
النظر في الآخرة غلب على ظنه لا محالة ما ظنه أبو بكر ولم ينقدح في 
نفسه إلا ذلك» ومن خلقه الله خلقة عمر وعلى حالته وسجيته في 
الالتفات إلى السياسة ورعاية مصالح الخلق وضبطهم وتحريك دواعيهم 


000( رواه مسلم في صحيحه »2 كتاب الجهاد والسير»› برقم «(Y1‏ من حديث عمر بن 
الخطاب ونه . 


(۲) انظر الآثار في ذلك في : الخراج لأبي يوسف ص١٤-٥٤.‏ وسنن البيهقي .)٤۸/١(‏ 





بك الفصل الثانى: شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها عي 
خي 2 ا ببح 1/4 
a‏ ا 
للخير فلا بد أن تميل نفسه إلى ما مال إليه عمرء مع إحاطة كل واحد 
منهما بدليل صاحبه. 


> 


ولكن اختلاف الأخلاق والأحوال والممارسات يوجب اختلاف 
الظنون»ء فمن مارس علم الكلام ناسب طبعه أنواعا من الأدلة يتحرك 
بها ظنه لا يناسب ذلك طبع من مارس الفقه» وكذلك من مارس الوعظ 
صار مائلا إلى جنس ذلك الكلام. 


بل يختلف باختلاف الأخلاق» فمن غلب عليه الغضب مالت نفسه 
إلى كل ما فيه شهامة وانتقام» ومن لان طبعه ورق قلبه نفر عن ذلك 
فا اا ا 


وقد قرر الفقهاء أن من صفات الإمام ألا يكون جبانا فيعتدى عليه 
وعلى المسلمين» ولا يكون غضوبا فيسرع في الانتقام ويتجاوز 
الحد”"'. وأن يكون القاضي قويا من غير عنفء لينا من غير ضعف” ", 
وهي إشارة منهم إلى مدى حاجة الفقيه إلى الاعتدال النفسي» وذلك 
يتضمن الاعتراف بأثر الصفات الشخصية في الرأي والتصرف. 


ولقوة الارتباط بين شخصية المرء وسلوكه؛ كان أحد تعريفات 
(الشخصية) أنها: ما يُمكننا من التنبؤ (التوقع) بما سيفعله الشخص 


.)517-517/5( المستصفى‎ )١( 

(۲) انظر: سراج الملوك ص۷٥‏ تسهيل النظر وتعجيل الظفر ص۲۳۹ غياث الأمم 
ص٤٠۲٠‏ التبر المسبوك فى نصيحة الملوك ص1۷. 

(۳) انظر: الذخيرة (١٠/۱۹)ء‏ معالم القربة في طلب الحسبة ص ۹٤٠۲ء‏ تحرير الأحكام في 
تدبير أهل الإسلام ص۸۹ المغني .)١١ /٠٤(‏ 


لوو الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها يمن 


ر 0 
عندما يوضع في موقف معين”» أي أننا بمعرفة شخصية إنسان نستطيع 
أن نتوقع ما هو فاعل في موقن ما. 

ومن الجوانب التي يظهر فيها أثر الشخصية: التفكير» فاكثير من 
الناس فيه ذكاء لا بأس بهء لكن تفكيره فيه خلل في منهاجه أو أسلوبهء 
يؤثر سلبا في آرائه وأفكاره وقراراته» ومن ثم في نجاحه في حیاته» 
وفي المقابل: هناك من الناس من هو متوسط في الذكاء لكنه موفق في 
حسن التفكير» يتوفر في تفكيره الخصائص اللازمة للتفكير النافع» 
فيستطيع بتوفيق الله حل مشكلاته واتخاذ قراراته بشكل مناسب ووقت 
ا 

ويغْتى علماة النفين كثيرا بدراسة أتماط الشخصية وغللها» ويمكن 
الإشارة هنا إلى نماذج من أثر الطبيعة الشخصية على السلوك الفقهي من 
خلال عرض بعض صور اعتلال الشخصية» وربطها بما يمكن أن تؤدي 
إليه من انحراف» فمن صور اعتلال الشخصية : 

الشخصية المرتابة: وهي الميّالة إلى الإفراط في إساءة الظن والشك 
في الآخرين واليقظة والحذر منهم» ومن سمات صاحب هذه 
الشخصية: تغليب سوء الظن» والمبالغة فى الحذر من الناس والشعور 
المفرط بالعداء والتنافس» الل اراو والعناد وصعوبة الاعتراف 
بالخطأً والرجوع عنه» والصرامة في معاملة الآخرين وقلة العفو عن 
أخطائهم ". 


)۱( علم نفس الشخصية ص٣‏ ۲. 
(؟) ماتحت الأقنعة ص175١.‏ 
انظر: ما تحت الأقنعة ص87١180-1.‏ سيكولوجيا الشخصية ص 50. 


I: 


Hk الفصل الثاني : شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها‎ e 

الشخصية الساذجة: وهي المتصفة بالثقة الزائدة في الناس عموماً 
والاطمئنان إليهم وائتمانهم» دون تأمل لمدى أمانتهم واستحقاقهم 
ال وت سا هذه الشكفية أيفنا بالعفلة عا يدون رل هد 
أمور تنفعه في مصالحه وأهدافه» ويميل إلى التبعية لغيره في الرأي. 
وإلى التسامح والعفو حتى مع غير المستحق» وإلى قبول الانتقاد ولو 


كان غير و 


الإفراط في الغلظة: فالمفرط في الغلظة ذو قلب قاس قليل الرحمة 
حت تع عن تدقع هو ا وه اا و 
والضعفاءء بل إنه يستمتع بممارسة القسوة والشدة مع الآخرين» فهو 
يلتذ بتحقير غيره وإهانته والسخرية به والتلاعب بمشاعره» ويميل إلى 
استخدام التهديد في الخصومات» ويشتد في العقوبة بما يفوق الذنب» 
وله ولع بالخصومة والمراءء ولا يتحاشى الكذب إن احتاج إليه 
للانتصار على خصمه”". 


الإفراط في الرحمة: المفرط في الرحمة تغلبه مشاعر الرأفة 
والعطف. وقد تحمله على الرقة في مواطن تقتضي الشدة» ويميل إلى 
استخدام الترغيب دائما حتى حينما لا يجدي إلى الترهيب» ويغلب 
عليه الضعف واللين والتسامح ٠‏ ويتجنب الخصومات والمجادلات”". 


تضخم الضمير: (الضمير) تعبير حديث عن المراقبة الذاتية ويقظة 
)١(‏ انظر: ما تحت الأقنعة ص .١1460‏ 


(۲) انظر: ما تحت الأقنعة ص۲۰۱ 375. 
(۳) انظر: ما تحت الأقنعة ص5 .7١‏ 


0 الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها د 
و 
أ2 وة Ey‏ 


الحس التي تدعو المرء إلى فعل الخير واجتناب المنكر» ويعد الضمير 
متضخما «*بحسب تعبير المختصّين النفسيين- إذا كان فيه إفراط ومبالغة 
في الشعور بالخطأ والإثم والتقصير في أمور لا تدعو إلى ذلك. 
ويصاحب ذلك لوم للنفس وتأنيب لها فوق ما هو مطلوب شرعا وعرفاء 
فصاحب الضمير المتضخم مُمرط في مراعاة المبادئ والأخلاق والنظم 
والتعاليم ولو أدى ذلك إلى حرج بالغ» وهو شديد المحاسبة لنفسه 
ولغيره على الخطأ بدرجة لا تتناسب مع ذلك الخطأء وهو أيضا شديد 
التحري للدقة والصواب في أقواله وأفعاله. وذلك يفوت عليه مصالح 
راجحة دينية ودنيوية» ويغلب جانب الخوف والترهيب على الرجاء 
ET‏ 

الشخصية المستسلمة : يتصف صاحب هذه الشخصية بالضعف تجاه 
رغبات الناس ومطالبهم. فهو يميل إلى الإذعان لهاء ويسلك غالبا 
مسلك المجاملة والمسايرة لتصرفات الناس وإن كان غير مقتنع بهاء 
وهو يضعف عن التعبير عن مشاعره وإبداء رأيه إذا كان مخالفا لاراء 
الناس» ويتواضع تواضعاً زائداً» ويتجنب الخصومات ولو كان في ذلك 
تنازل عن شيء من e‏ 

المبالغة في الحرص والدقة والانضباط: وصاحب هذه الشخصية 
مُفْرِط في طلب الكمال والمثالية في الأمور كلها؛ ولهذا يحب أن يباشر 
القيام بأموره كافة ولا يطمئن إلى التوكيل فيهاء ويميل إلى إخضاع 


.۳۳١ 310-777 انظر: ما تحت الأقنعة‎ )١( 
.5١9ص انظر: ما تحت الأقنعة‎ )0( 


عم الفصل الثانى : شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها لي 
2222 ىآ 


1 فين 
الآخرين لما يراه صوابا من القيم والمعايير» مع صلابة في الرأي وقلة 
مرونة وحدة مع المخالف» ومن صفاته: صعوبة التكيّف مع الأمور 
المستجدة التي لم يعتد عليهاء ولا سيما أنه ميال إلى التزام ما اعتاده 
وألفة».وه وكقير المماءلة لتفسة عن مدق ضوات أفعاله وتصرفاته 
الماضية» فلا يزال يعيد النظر فيها ويقلبها بتشكك واهتمام» وهو ذو 
تحفز شديد وتدقيق عميق عند اتخاذ القرارات» ويقع كثيراً في التذبذب 
بين الآراء مع ضعف في الحزم وكثرة تردد. 

ويتّصف أيضاً بالعجلة في تنفيذ الإلحاحات الذهنية التي تطرأ على 
ذهنه من طموحات وأفكار ونحو ذلك» فيصعب عليه مقاومتها أو 
ااا 

ومن صفاته أيضاً: الاستغراق في التفصيلات» وقد يكون ذلك على 
حساب الأصل» والاحتياط الزائد”", 

التفكير الحذي: وهو المتمثل بقاعدة (كل شيء أو لا شيء)» 
فالأشخاص عنده إما محبوبون (تجتمع فيهم الصفات الحسنة)» أو 
مكروهون مبغضون (تجتمع فيهم الصفات السيئة)» وكذا الأمور 
والأحداث إما أن تكون صوابا كلهاء أو خطأ كلهاء ولا وسط. 

وهذا النمط من التفكير يمر به الطفل في مراحل نموه النفسي ثم 
يتخطاهء فيدرك أن الصفات السلبية قد تجتمع مع الإيجابية في شخص 
واحد» وأن الأمور ليست دائما على طرفي نقيض» وإذا لم يتجاوز 


.۲۷٤-۲۷۲ص انظر: ما تحت الأقنعة‎ )١( 


058 الملكة الفقهية : حقيقنها وشروط اكتسابها وثمراتها بيضء 
۱۹٩‏ 1 ج 


5-5 0 
الشخص هذه المرحلة استمرت معه هذه القاعدة الخاطئة» واستمر 
تأثيرها في فهمه لنفسه ولغيره"”". 

هذه أمثلة من علل الشخصية» ونستطيع أن نربط بين هذه العلل 
وبعض الانحرافات الملحوظة في ساحة الفتوى والاجتهاد من بعض 
غير الراسخين في العلمء كما في هذا الجدول: 


© تغليب جانب الاحتياط والمنع في المسائل 
الاجتهادية المترددة بين التحريم والإباحة. 

© المبالغة في سد الذرائع. 

© ترجيح جاتب درء المفاسد على جلب المصالح 
عند تزاحمهما. 

© الغلظة على المخالف وسوء الظن فيه. 

© العناد والتعصب للرائ: 


© المبالغة والشدة فى تقدير العقوبات التعزيرية. 

© الاغترار بخداع المستفتين. 

© إهمال قاعدة سد الذرائع. لا ترخصا وتفلتاء 
ولكن لغلبة حسن الظن في الناس وعدم توقع 
الماللات السيئة. 

© التقصير في بيان الحق والرد على المنكرات. 

© تغليب جانب الاحتياط والمنع في المسائل 
الاجتهادية المترددة بين التحريم والإباحة. 





.188-١417ص انظر: ما تحت الأقنعة‎ )١( 


المداهنة والتقصير في بيان الحق والسكوت عن 
إنكار المنكر. 
إخضاع الآخرين للرأي. 


الحدة في الخلاف. 

العجلة في تنفيذ الرأي. 

الاستغراق فى التفاصيل. 

الميل إلى أحد الطرفين في الأحكام» وغياب 
الأحكام المتوسطة أو التفصيلية. 





ومن مشاهد تأثير الطبيعة الشخصية المنحرفة في السلوك الديني 
حال الخوارج الأولىء فايمكننا أن نلحظ أيضاً أن مذهب الخوارج 
كان مصبوغا في أصل نشأته بالصبغة البدوية في محاسنها ومساويهاء 
والناظر في صفات الخوارج وطبيعة شخصيتهم يجدهم كثيري الاختلاف 
على الأمراء» كثيري التفرق شيعا وأحزاباء محدودي النظر» ضيقي 
الفكر في نظرهم إلى مخالفيهم؛ وهم مع ذلك شجعان لا يهابون شيئاًء 
صرحاء في أقوالهم وأعمالهم». وأسهل شيء عليهم أن يبيعوا نفوسهم 
لعقيدتهم» ويهزؤون بما يقوله الشيعة من تقية» ويحتقرون من باعوا 
آراء هم وضمائرهم للخلفاء طمعا في المال والجاه». 


(1) أثر الخصائص الشخصية على ظهور الاتجاهات الفكرية ص4-١٠١.‏ 


ل الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها بير 
يي وی 


الفرع الثاني : وصف الطبيعة المعتدلة التي ينبغي أن يتصف بها 
الفقيه : 

لعل (الاعتدال) هو أوجز ما توصف به الشخصية السوية المهيأة 
للصواب في نظرها واجتهادها وبحثهاء وذلك ما يجعلها أحصن وأسلم 
من الجنوح إلى طرف الإفراط أو التفريط» وإلى مكانة صفة (الاعتدال) 
وضبطها لجميع الصفات ينبّه ابن القيم بقوله : 

«حسن الخلق يقوم على أربعة أركان» لا يتصور قيام ساقه إلا 
عليها: الصبرء والعفةء والشجاعةء والعدل... والعدل: يحمله على 
اعتدال أخلاقه» وتوسطه فيها بين طرفي الإفراط والتفريط... 

متكا جميع الأخلاق السافلة وبناؤها على أربعة أركان: الجهل 
والظلم والشهوة والغضب... وملاك هذه الأربعة أصلان: إفراط النفس 
في الضعف» وإفراطها في القوة... 

وکل خلق محمود مکتلف بخلقین ذميمين» وهو وسط بينهما»"". 

وبهذا الاعتدال يكون الفقيه وسطاً بين الأطراف المذمومة. فيكون 
معتدلا فى الاستدلال بين طرف الإفراط فى رعاية الألفاظ والتمسك 
E‏ اجتهاد الرأي والأخذ الان رالا سان والتقصر 
في معرفة النصوص والاستدلال بها. 

ووسطاً في الفتوى بين طرفي التشديد الغالي والترخص الجافي. 

ووسطاً بين المغالاة في التقليد والتعصب للمذهب» وطرف إهدار 
فقه العلماء والجرأة على الاجتهاد بلا تأهّل. 


.)۱۹۳/١( مدارج السالكين (؟/ 2)7597-745 وانظر: إحياء علوم الدین‎ )١( 


ع الفصل الثاني : شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها خم 
ا ت ت ل 1۳ 


س 
والباحنون التفسيون تعترن تحدية صضفات التخصية الي وقد 
اجتهد بعض الباحثين النفسيين المسلمين في وضع أطر عامة للشخصية 
الوب فين من المتطلق التريوى الاسلاهي:: .ومن تلك الأطر هنا 
يلي : 
١‏ - التوازن في إجابة مطالب الجسد والروح» والعبادات 
والماديات» وبين حاجات الدنيا والآخرة. 
۲ - الفطريةء وتعني : انسجام السلوك مع السنن الفطرية التي فطر 
الله الخلق غ 
۳ - الوسطية» وهي خيرية السلوك وفضيلته والتوازن في أدائه بين 
الإفراط والتفريط. 
٤‏ - الاجتماعية» وهي قدرة الشخص على إقامة علاقات إنسانية في 
الوسط الاجتماعي الذي هو فيه. 
ه - الصدق. وذلك بالصدق مع الذات» ومع الناس» وتطابق ظاهر 
الانضا نويا طن 
- الإنتاجية» وهي اتجاه الإنسان إلى الإنتاج وتحمل المسؤولية 
في حدود قدرته". 
واقترح الدكتور فرج طه معياراً للشخصية السوية يشمل عدة أبعادء 
أهمها: 
١‏ - القدرة على الفهم الصائب للنفس وللآخرين. 
)١(‏ انظر: سيكولوجيا الشخصية ص84-١11.‏ 
(۲) انظر: ما تحت الأقنعة ص59. 


امي الملكة الفقهية : حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها ا 
و تمي ل ل ع ل 
ا e‏ 


۲ - الإدراك السليم للواقع ومعرفة عناصره. 


العقلية. 
؛ - والقدرة على ضبط النفس والتحكم في الانفعالات والأهواء 
الشخصية. 


القدرة على الحب والتعاوث والأقار: 

٦‏ - الطموح المناسب للشخصية» والأهداف الواقعية في الحياة. 

- القدرة على العمل المنتج الحاف 

۸ - الجدية والقدرة على تحمل المسؤولية. 

4 - القدرة على تحمل الإحباطات والصدمات. 

٠‏ - هدوء الشخصية واطمئنانها وإحساسها بالراحة النفسية. 

-١‏ تبلق القيم: التخيرة: 

۲ - الاستمتاع بالصحة النفسية '. 
الفرع الثالث: موقف المتفقّه من الأخلاق الخارجة عن 
الاعتدال: 

لما كان الفقه عملا عقليا يستدعي طبيعة سوية مهيأة للنظر السديد 
الراشدء ولما كان الإنسان مجبولا على النقصء» فلا يخلو -مهما بلغ 
في الرشد والحكمة- من انحراف في الخُلّقَ وقصور في الرأي واستجابة 


(0) انظر: ما تحت الأقنعة ص *۷. 


3 . لوو 2 5 أ ع د ع 
a‏ الفصل الثاني : شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها 03 3 

E A O تتح سح‎ A" 
أل چ“‎ 


1 
للهوىء لما كان هذا وذاك» كان من المهم لمبتغي الرسوخ والملكة 
الفقهية أن يقف الموقف الصحيح من جوانب القصور في طبيعته» وهذا 

ما ستبحثه هذه المسائل الخمس : 
المسألة الأولى: الصفات الشخصية بين الثبات وقابلية التغيير. 
المسألة الثانية: الشريعة لا تأمر إلا بالممكن. 
المسألة الثالثة: الموقف من الصفات القابلة للتغيير. 
المسألة الرابعة: الموقف من الصفات الثابتة. 
المسألة الخامسة: إذا وقع الخطأ بعد الاجتهاد فصاحبه مثاب 
وخطؤه مغفور. 


المسألة الأولى: الصففات الشخصية بين الثبات وقابلية التغيير : 

لقد دلت الأدلة المتعددة على أن في الصفات الإنسانية قدراً قابلاً 
للتغيير» متأثّْراً بعوامل الإصلاح والإفساد. وأن فيها إلى ذلك قدراً ثابتاً 
غير قابل للتغيير» عميق الجذور في تكوين النفس» يتعذر تحويله أو 

فأما النوع الأول فالأدلة على وجوده كثيرة چا اها 
النصوص القرآنية والنبوية الحاثة على محاسن الأخلاق ومكارم الشيمء 
فإن ذلك الحث يستلزم قابلية النفس للتهذيب والإصلاح» واستعدادها 
للتغيين؛ إذلو لم تكن كذلك لكان أمرها بحسن الخلق أمراً بما لا 
يستطاعء وذلك مما لا يجيء به الشرع”". 


200-147 /١( الأخلاق الإسلامية وأسسها‎ ,»)7٠١-١99 /0( انظر: إحياء علوم الدين‎ )١( 
.)2)84 


وم الملكة الفقهية: حقيقنها وشروط اكتسابها وثمراتها ,بے , 


و 9 


ومن ذلك: قوله عزوجل وقي را سرا 9 اها رمَا وفوا 
ت من رگا ی ود خاب من دَسَّنْهَا4”''» فهذه الآية الكريمة 
صريحة بأن في النفس استعداداً للفجور وللتقوى. قال سعيد بن جبير: 
اليا ال وال وال ان زد جل ها رها وراه : 

ولكن الإنسان لا يجازى بمجرد ذلك الاستعداد حتى يخرجه إلى 
الوجود بتزكية النفس أو تدسيتها. 

والحس أيضاً من الشواهدء فمن المعلوم لدى الخاص والعامٌ أن 
كثيراً من خلائق الإنسان وصفاته تتغير بأسباب كثيرة» كالتربية والتعليم 
وَالتديّن والمخالطة وغير ذلك. 

بل المشاهدة تدل على أن الحيوان البهيم قابل للتربية وتغيير 
الخلوء كما هو امد ف رجت الجرارج على الضيدة وتدريب 
الفرمن على الاشاد : 

فالأخلاق نوعان: 

© أخلاق فطرية: تظهر في الإنسان منذ بدء حياته وأول نشأته. 

© وأخلاق مكتسبة: 

من البيئة الطبيعية» أو البيئة الاجتماعية» أو من توالي الخبرات 
والتجارب وغير ذلك. ولكن لا بد لاكتساب الأخلاق من وجود 


() سورة الشمسء الآيات (لا- .)٠١‏ 
(5) تفسير القرآن العظيم .)4١7/8(‏ 
(۳) تفسیر أبن جرير (5؟5/ 157). 

(5) انظر: إحياء علوم الدين (6/ .)020١‏ 





ا الفصل الثانى: شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها عتم 2 
لكا سبي 0318 


الاستعداد الفطري لاكتسابهاء وشأن الأخلاق في هذا كشأن المهارات 
الحركية والعضلية» فالعضو الذي لديه استعداد وقابلية فطرية لاكتساب 
مهارة من المهارات يمكن أن يغدو بالتدريب والتعليم مكتسبا لهذه 
المهارة» أما العضو الذي ليس لديه هذا الاستعداد فإن تدريبه وتعليمه 
اى 200 


وهذا هو النوع الآخرء وهو القدر الثابت من الطبيعة غير القابل 
للتغيير» ومن أدلته قول النبي يلي «الناس معادن» خيارهم في الجاهلية 
خيارهم في الإسلام إذا فقهوا»”") 

فتشبيه الناس بالمعادن يتضمن الكشف عما تشتمل عليه أخلاقهم 
وشخصياتهم من سمات ثابتة كثبات صفات المعادن فيهاء ويتضمن 
أيضاً : أن استعداداتهم للارتقاء والتزكية والتهذيب والإصلاح متفاوتة 
E‏ 


وفي حديث أصرح في هذا المعنى يقول ية : «إن الله خلق آدم من 
قبضة قبضها من جميع الأرض» فجاء بنو آدم على قدر الأرض: منهم 
الأحمر والأبيض والأسود وبين ٠‏ ذلك» والسهل والحزن» والخبيث 
وال 


.)١95/١( الأخلاق الإسلامية وأسسها‎ )١( 

(؟) رواه البخاري في صحيحه. كتاب أحاديث الأنبياء. باب قول الله تعالى ظلَقَدَ كان في 
يُوسَفٌ وَإِعْوَيو مانت سابل &» E‏ ب كتاب فضائل 
الصحابةء برقم (70177). عن أبي هريرة نه 

)۳( رواه أحمد في مسنده» برقم ۰)۱۸٥۸۲(‏ ا كتاب السنةء باب في 
القدرء برقم .)٤1۹۳(‏ والترمذي في سننهء أبواب تفسير القرآن» باب ومن سورة 
البقرة» برقم (١١۲۹)ء‏ عن أبي موسى وينه وصححه الترمذي. 


,م الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها بيثم 
مالا E‏ 


ا 
و %7 


وقوله يي «إن الله قسم بينكم أخلاقكم كما قسم بينكم أرزاقكم»'. 

وعلماء النفسن مقرّون بو جود العنصرين (الشات والتغير) فى الصفات 
کل عتضر منیا" ويُشبّه بعضهم الشخصية بما فيها من ثبات وتغير 
بالظريق المتجه إلى الشمال -مثلاً-؛ فهو وإن تعرج يمينا أو شمالا 
وارتفاعا وانخفاضاء أو عرض له ما يجعله يضيق أو ينّسع فإنه يظل هو 
الطريق ذاته» ويظل قاضذا نحو وتيت (”* 

والغزالي لھ بضر ب متلا آخر: وذلك بنواة التمر»ء فنواة التمر 
ليست نخلة ولا تفاحة» لكنها إن رعيت فوّضعت في التراب وسّقيت 
سياه لكنها لو رعِيت كل الرعاية لم يخرج منها تفاحة» 
فذلك مثل حلق المرء: الرعاية والتربية تخرج منه ما هو مستعد وقابل 
له. لكنها لا تجاوز ذلك إلى إخراج صفات لم يخلق فيه الاستعداد 
ا 


المسألة الثانية: الشريعة لا تأمر إلا بالممكن: 
إذا تقرر اشتمال الطبيعة الإنسانية على المادتين : المتغيرة والثابتة» 
فإن خطاب الشرع بتهذيب الأخلاق جار وفق القاعدة الشرعية الكبرى 


)١(‏ رواه أحمد في مسنده. برقم (75177)», والبيهقي في شعب الإيمان» برقم (019): عن 
عبدالله بن مسعود وَهنه»ء وصحح الدارقطني وقفه. انظر: علل الدارقطني (519/0). 

(۲) انظر: سيكولوجيا الشخصية ص7170-5560» علم نفس الشخصية ص 00. 

(۳) انظر: سيكولوجيا الشخصية ص 716. 

.)٠٠١ /١( انظر: إحياء علوم الدين‎ )٤( 








00 الفصل الثانىي: شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها م 
e‏ 14 


كي هھ یسو 


الشاملة لجميع الأوامر الشرعية» وهي التي أوضحها القرآن في قول الله 
تعالى ل يكلف آله شا إل وهاي" . 





فمسؤولية الإنسان تنحصر في نطاق ما يدخل في وسعه وما يستطعيه 
من عمل» أما ما هو خارج عن وسع الإنسان واستطاعته فليس عليه 
مسؤولية نحوه. 

يُضاف إلى ذلك: أن نسبة المسؤولية تتناسب طرداً وعكساً مع مقدار 
الاستطاعة» فالقوي يأتي امتحانه عل نسبة قوّته» وكذلك الضعيف› 
وامتحان الذكي على مقدار ما منحه الله من ذكاء» وامتحان الغبي على 
ا ا 

وعلى هذا الأساس يُفهم الأمر بإصلاح الخلق» وعلى هذا يتوجه 
الأمر إلى المتفقّه بتهذيب نفسه وتقويم خلقهء فما كان من الطباع 
الفطرية قابلا للتعديل ولو في حدود سب جزئية لدخوله تحت سلطان 
إرادة الإنسان وقدرته كان خاضعا للمسؤولية وداخلا في إطارها تجاه 
التكاليف الربانية» وما لم يكن قابلا للتعديل لخروجه عن سلطان إرادة 
الإنسان وقدرته فهو غير داخل في الأمر بتحسين الخلق ٠"‏ ولكن قد 
يتوجه إليه الأمر والنهي من وجه آخر داخل في حدود القدرة 
والاستطاعةء مما سيتبين -إن شاء الله- في المسألة الرابعة. 


.)585( سورة البقرة» الأية‎ )١( 
.)۱۹۰ /۱( انظر: الأخلاق الإسلامية وأسسها‎ )( 
.)۱۹۱/۱( انظر: الأخلاق الإسلامية وأسسها‎ )۳( 


e‏ الملكة الفقهية : حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها لت 
:إا و ل ل س 
9 


< 


المسألة الثالثة: الموقف من الصفات القابلة للتغيير: 
في الطبيعة الإنسانية مجال فسيح قابل للتغيرء وفي هذا المجال 
تجري التزكية والتأديب والتخلّق. 


وخير ما يُقَوّم به المتفقّة وكل مسلم خُلقّه: تزكية النفس بمواعظ 
الوحي من الكتاب والسنة. 


3 


قال تعالى: للقد من اله عَلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بعت فيم رسوا ين اشيم 
يلوا عَلتهِم ايليوء وركيم ويملمهم الكتنب وَالْحِحْمَةَ وإن كنوأ من قبل 
کی َل ین 


و(الحكمة) هي : سنة رسول الله لل قاله: الحسن وقتادة 
ومقاتل بن ٠‏ حيان وأبو EU‏ والشافعي ”'" وغيرهم. 


وقد جمع الله سبحانه وتعالى بين هذه الثلاث في أربعة مواضه”*) 
بين تزكية النفوس» وتعليم الكتاب» وتعليم الحكمة» وبيّن أن مصدرها 
هو الرسول الذي يتلو آيات الله ولا شك أن نتيجة هذه الثلاث هي 


صلاح القلوب والأعمال» وتزكية الأخلاق» واستقامة الباطن والظاهرء 


.)١55( سورة آل عمرانء الآية‎ )١( 

(۲) تفسير القرآن العظيم .)٤٤٥ /١(‏ 

(۳) انظر: الرسالة ص۳۲ ۷۸ء وقال ينه : «سمعت من أرضى من أهل العلم بالقرآن 
يقول: الحكمة سنة رسول الله. وهذا يشبه ما قال والله أعلم؛ لأن القرآن ذُكر وأتبعته 
الحكمة. وذكر الله مَنَهِ على خلقه بتعليمهم الكتاب والحكمة؛ فلم يجز -والله أعلم- أن 
يقال الحكمة هاهنا إلا سنة رسول الله ص8/. 

»)٠١١(و‎ )۱۲۹( وهي : : الموضع المذكور في آل عمران» وفي فى البقرة موضعان» الاَية‎ )٤( 
.)۲( وفي سورة الجمعة» الآية‎ 


ع جم 
4 1 3 


وإصابة العدل» ووضع الأمور في مواضعهاء وفي هذا كل الفلاح 
والهداية والاعتدال. 

وقال تعالى :#ولى کوا رک یکا کر لون الب وا کت 
درسو 0 ودراستهم تقتضي أن يكونوا ربانيين» 
والربانيون -كما قال ابن عباس وأبو رزين وغير واحد-: أي حكماء علماء 
حلماء» وقال الحسن وسعيد بن جبير وقتادة وعطاء الخراساني وعطية 
العوفي والربيع بن أنس : فقهاء» وعن الحسن أيضاً : يعني أهل عبادة وأهل 
تقوىء وقالالضحاك في قوله #يمَا كُسْرَ تُمَيِمُونَ الككب وَيمَا كُسْرْ 
درو : حق على من تعلم القرآن أن يكون فقيها”". 

ومن الملحوظ في تعاليم القرآن وأحكامه: أنها لا تجيء أوامر 
ونواهي مجردة» بل تجيء غالبا مقترنة بالتعريف بصفات الرب -سبحانه- 
امنا اوا إلى ع من الك ف شر عه أو مقترنة بالترغيب 
فى كواب أوالدرهييامن عفاي کون في ها الا امن ترب 
النفوس -مع تنوّع طبائعها وأخلاقها- على حسن الامتثال والاستقامة 
والأمانة ما لا يكون لو جاءت خالية من ذلك الاقتران. 

وربما اقترن بها : التأكيد على وجوب الامتثال وإن خالف طبيعة 
النفس ورأيهاء كقوله تعالى اَي لن جید کل ور نايا جلد ولا 
ادگ ہما رأة في دين اله إن كع تومنو لَه لبور الْآجِْرٍ 4 ". فأكّد الأمر 
بجلد الزاني بالنهي عن أن تحول دونه الرأفة به» وذلك ما قد تميل إليه 
الطباع الرقيقة المجبة للعفو. 


YE 


.)۷۹( سورة آل عمرانء الآية‎ )١( 
.)١١/۲( (؟) تفسير القرآن العظيم‎ 
.)١( سورة النورء الآية‎ )۳( 


ol‏ الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها إي. 
AYE‏ و 
ی e‏ 


وا الطبيعة الشخصية تبدو وتكثر عندما تتسع مساحة اجتهاد 
الرأي» وتقل أو تزول عندما تضيق مساحة الاجتهادء وذلك عند وجود 
النصوص الصريحة؛ وهذا يعني أنه بقدر قرب المرء من الوحي علماً 
واستمداداً يكون أقرب إلى الصواب» وبقدر بعده تزداد حاجته إلى 
اجتهاد الرأي» فيزداد تبعا لذلك تعرّض رأيه للتأئر بصفاته الجبلية؛ 
ولهذا قال مالك كأنه: ما قلت الآثار في قوم إلا كثرت فيهم الأهواء”". 


المسألة الرابعة: الموقف من الصفات الثابتة : 

إذا ثبت أن من الصفات الإنسانية قدراً ثابتاً غير قابل للتعديل» فإن 
الشريعة الإسلامية الحكيمة لا تدعو إلى مغالبته وتحذيه» كيف وهى 

م عو محرو رة 8 

الشريعة الضادرة ممن #الا له قلق والائ 2086 وآمرة وخلقه سبخانة ا 
يتعارضان» ولكن ذلك لا يعنى الاستسلام لأسباب الانحراف والجور. 
بل إن هناك وسائل وطرقاً أرشد إليها الشارع الحكيم تجعل الفقيه 
والمجتهد في مأمن 

فمن ذلك : 

© مجاهدة النفس على الاستقامة وإن خالف ذلك طبيعة النفس 
المنحرفة : 

إذا كانت إزالة الأخلاق السيئة واقتلاعها من النفس أمراً متعذراً. 
فإن من الممكن تجنب الأسباب التى تثير تلك الأخلاق» ومن الممكن 


.)۳۸۳ /۱( الفقيه والمتفقه‎ )١( 
.)64( سورة الأعراف الآية‎ )۲( 











بعر الفصل الثانى : شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها وق 
PTE : r‏ 
a‏ أت ا 


أيضاً مجاهدة النفس على ترك الاستجابة لما تدعو إليه تلك الأخلاق 
وقد روى أبو هريرة نه أن رجلا قال للنبي كلِِْ أوصني. قال: «لا 


4 ا 10 
تغضب»)» فردد مراراء قال: «لا تغخضب» . 


قال العلماء: إن الغضب أمر ضروري لا يزول من الجبلّة؛ فلا يأتي 
النهي عنهء وإنما حقيقة قوله «لا تغضب» الأمر بما هو مقدور للإنسان» 
والنهي عما هو مقدور له. وذلك أمران: 

أحدهما: الأمر بالأخذ بأسباب تهذيب خلق الغضب وتعديلهء 
وذلك بتمرين النفس على الحلم وحسن الخلق وكظم الغيظ والصفح 
والعفوء فمن درّب نفسه على ذلك كان مالكاً لغضبه» فلا يغضب غضبا 
يُخرجه إلى البغي. 

والآخر: النهي عن العمل بمقتضى الغضب إذا حصلء» بأن يجاهد 
نفسه على ترك إنفاذه والعمل بما يأمر به» فبذلك يندفع شر الغضب» 


ا ی ا 


قالوا: وهذه قاعدة في كل ما جاء الأمر به أو النهي عنه وهو غير 
مقدور للمكلف». فإن الخطاب إنما نتوجة حفيقة: إلى :سبيه أو إل أثره 
ونتيجته» أي أن الأمر يتوجه إلى الأخذ بأسباب حصوله إن كان مأموراً 


(1) رواه البخاري فى صحيحه»ء كتاب الأدب» باب الحذر من الغضب» برقم ))51١5(‏ 
عن أبي هريرة طلنه. 

(۲) انظر: فتح الباري .)07١ /٠١(‏ جامع العلوم والحكم /١(‏ ٤٠۳)ء‏ بهجة قلوب الأبرار 
ص۲۰۷ الفروق (777/7). قواعد التفسیر (۲/ .)۷۸۷-۷۸٤‏ 


0 الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها بين 


به» أو تجنب أسباب وقوعه إن كان منهيا عنهء ويتوجه النهي إلى ثمرته 
ونتيجته » کالنھی عن الغضب -الذي لا يمكن الانفكاك عنه- هو نهى 
عن تنفيذ أثره» الذي هو البغي والعدوان ونحو ذلك”". 

ومثل ذلك يقال في قوله تعالی وا تاعذگ بنا رة في وين آ4 
والرأفة في نفس صاحبها صفة لا تزول» ولكن النهي عنها هنا نهي عن 
ثمرتهاء التى هى تعطيل الحد أو النقص منه”". 

وكذا قوله تعالى #ابَتَنَوا كا ين الظلنَ6”؟؟: والظن -ولا سيما لمن 
يغلب عليه سوء الظن- أمر يهجم على النفس بلا اختيار» لكن النهي 
عنه نهي عن الأسباب المهيجة له» ونهي عن إنفاذ آثاره. 

© الاستشارة: 

فهي أدب قرآني» ولا سيما للأمير والقاضي والمفتي””» قال 
الشعبى کله : من سره أن يأخذ بالوثيقة من القضاء فليأخذ بقضاء عمرء 
فإنه: کان ب 

ومن فوائد المشاورة: أن يستشير المرء من يخالفه في الطبيعة. 
فيكون في استشارته تعديل لطبيعته» ومن لطيف صور ذلك ما وقع في 
)١(‏ انظر: الفروق (؟5/7)» قواعد التفسير (۲/ .)۷۸٤‏ 
(؟) سورة النورء الآية (؟). 
(9) انظر: تفسير ابن جريرء الفروق .)۴١/۲(‏ 
)٤(‏ سورة الحجرات الآية .)١١(‏ 


(5) انظر: الفتوى في الشريعة الإسلامية .)١57/١(‏ 
(1) فتح الباري .)۱٤۹/۱۳(‏ 


ج الفصل الثاني : شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها 


1 
ا 


ا 
«كان من كمال أبي بكر وهي أن يولي الشديد ويستعين به ليعتدل أمره» 
ويخلط الشدة باللين» فإن مجرد اللين يفسد» ومجرد الشدة تفسد... 
فكان يستعين باستشارة عمر وباستنابة خالد ونحو ذلك» وهذا من كماله 
الذي صار به خليفة رسول الله ا 


Y0 
8 ين‎ 


وأما عمر َيِه فكان شديداً فی نفسه» فکان من کماله استعانته 
باللين ليعتدل أمره. فكان يستعين بأبي عبيدة بن الجراح› وسعد بن أبي 
وقاص»› وأبي عبيد الثقفي. والنعمان بن مقرن» وسعيد بن عامرء. 
وأمثال هؤلاء». 


وضع النفس في الموضع الذي تصلح له: 

اتصاف المرء بالفقه لا يستلزم صلاحيته لكل منصب ديني» فمن 
الحكمة أن يضع المرء نفسه حيث يصلح. 

وقد كان النبي و يستعمل كل رجل من أصحابه فيما يصلح لهء 
وكان أبو ذر َه أحد الفقهاء من أصحاب النبي كله وكان يفتي في 
زمن أبي بكر وعمر وعثمان”"'. وكان رجلا جريئاً قوياً في بدنه» صُلباً 
فيي الحق» ومع ذلك أوصاه النبي ية قائلاً: «يا أبا ذر! إني أراك 
ضعيفاء وإني أحب لك ما أحب لنفسي؛ لا تأمْرنَ على اثنين» ولا 
تولیی مال ت . 

قال الذهبي كُِ: «هذا محمول على ضعف الرأي؛ فإنه لو ولي مال 
)١(‏ منهاج السنة النبوية 2)١77//5(‏ وانظر: السياسة الشرعية ص١٠.‏ 


(؟) انظر: سير أعلام النبلاء (245/95 لاغ .)٠١‏ 
(۳) رواه مسلم في صحيحه.ء كتاب الإمارة» برقم »)١877(‏ عن أبي ذر طلله. 


5 7 الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها ا 
03 و فح حح ا ج سس ب سس ص بوسر ج د EES‏ 
ی 


يتيم لأنفقه كله في سبيل الخير ولترك اليتيم فقيراً؛ فقد ذكرنا أنه كان لا 
يجيز ادخار النقدين”''» والذي يتأمر على الناس لا بد أن يكون فيه 
مداراة وحلم» وأبو ذر له کانت ف لو 

فنجد هنا أن النبي َة لم يرشد أبا ذر إلى أن يتعاطى ما يزيل هذا 
الضعف» بل أرشده إلى يتقبّل هذه الجبلّة التي جُبل عليهاء 
تحمل الأمانات التي لا يصلح لتحملها. 

© المعرفة بصفات النفس ومواطن القوة والضعف فيها: 

لا يتأتى للإنسان تنمية ما لديه من استعداد للأخلاق الحسنة» 
وتهذيب ما يمكن تهذيبه من أخلاق منحرفة أوتوقي آثار ما هو راسخ 
من تلك الأخحلاقء ولا يتم له أيضاً وضع نفسه في المواضع التي 
يحسن فيها» وتجنب المواقف التي لا يصلح لهاء ذلك کله لا يتم ما 
لم يكن المرء ذا معرفة جيدة بصفاته وخصائص شخصيته ومواطن القوة 
والنبل» ومواطن الضعف والقصور فيها. 

ولذا كان من المهم لكل عاقل ولطالب الرسوخ في الفقه خاصة أن 
يهتم بمعرفة نفسه معرفة دقيقة؛ ليعرف أين يضع نفسهء وليعرف مداخل 
الشيطان عليهء وفي القرآن الكريم البيان الشافي لصفات النفس 
البشرية» وينتفع ا أيضاً باستنصاح الناصحين من ذوي الخبرة 
والمعرفة به» كما يُستفاد أيضاً من الدراسات النفسية الحديثة التي بلغت 
مبلغا متقدما في التعرف على الشخصية وأنماطها ودوافع سلوكها 


.)7/4-56 انظر: سير أعلام النبلاء (؟/‎ )١( 
.076 (؟) سير أعلام النبلاء (؟/‎ 


رك الفصل الثاني : شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها n,‏ 
و ص 


م 4 
ATV ¥ :‏ 
1 س“ 


والمؤئثرات فيهاء وأسست على ذلك اختبارات شخصية تعطى قدراً لا 
بأس به من معرفة الإنسان بأخلاقه ودوافع تصرفاته. 


المسألة الخامسة: إذا وقع الخطأ بعد الاجتهاد فصاحبه مثاب 
وخطؤه مغفور : 

مهما بذل الفقيه جهده في تزكية نفسه والتحرز من الزلل الذي 
تقتضيه طبيعته المجبولة على النقص فسيبقى لطبيعته وسجيّته أثرٌُ في 
اجتهاده واختياره» وقد يقع من جرّاء ذلك في الخطأء لكن هذا الخطأ 
إذا وقع بعد بذل الجهد في التحري والأخذ بأسباب الإصابة فهو خطأ 
مغفورء وصاحبه مع المغفرة مأآجورء وهنا يأتي قول النبي ب «إذا 
حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجرانء وإذا حكم فاجتهد فأخطأ فله 
أجر واحد»'. 


المطلب الثالث : الرغبة في اكتساب الملكة الفقهية : 
وفيه ثلاثة فروع: 
الفرع الأول: أثر وجود الرغبة في اكتساب الملكة الفقهية. 
الفرع الثاني: شروط الرغبة الدافعة إلى اكتساب الملكة الفقهية. 
الفرع الثالث: العمل عند ضعف الرغبة في طلب الفقه. 
)١(‏ رواه البخاري في صحيحهء كتاب الاعتصام بالكتاب والسئةء باب أجر الحاكم إذا 


اجتهد فأصاب أو أخطأء برقم (١١۷۳)ء‏ ومسلم في صحيحهء كتاب الأقضيةء برقم 
(AVI‏ عن عمرو بن العاص واا 


e‏ الملكة الفقهية : حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها .رل 


الفرع الأول: أثر وجود الرغبة في اكتساب الملكة الفقهية : 


لقد خلق الله تعالى الخلق وقسم بينهم أرزاقهم وأخلاقهم وقُواهم. 
وتنوّع رغبات الناس وميولهم نحو العلوم أحد صور هذه القسمة 
الربانية» وفي هذه القسمة من الحكمة تكميل الناس بعضهم بعضاء 
وتعاونهم على تحصيل المطالب التي لا بد لقيام حياتهم منهاء وذلك لا 
يكون لو اتفقت رغباتهم» وإن إقبال المرء على ما يجد نفسه مائلة إليه 
من العلم من خير ما يعينه على إتقانه والصبر على نصّب طريقه» 
ف«النفس إذا اشتهت الشيء كانت أسمح في طلبهء وأنشط لالتماسهء 
وهي عند الشهوة أقبل للمعاني» وإذا كانت كذلك لم تدخر من قواها 
ولم تحبس من مكنونها شيئاًء وآثرت كد النظر على راحة الترك» 
ولذلك قيل: يجب على طالب العلم أن يبدأ منه بالمهم» وأن يختار من 
صنوفه ما هو أنشط لهء وطيعه به أعنى ؛ فإن القبول على قدر النشاطء 
والبلوغ على قدر العناية. 

كما أن إكراه النفس على ما لا ترغب فيه يجمع عليها عنتاً وقلة 
عائدة؛ ف«القلب إذا أكره عمي»”“؛ ولذا راعى الفقهاء جانب الرغبة 
والميل النفسي في التوجه إلى طلب العلم أصلاء وفي اختيار العلم 
الذي يختص به الإنسان منه» قال ابن حزم كن : «من مال بطبعه إلى 
علم ما وإن كان أدنى من غيره فلا يشغلها بسواه؛ فيكون كغارس 
النارجل بالا تكلين وكفارس الوكر ثبالهند: وكل لك ا ا 


e 


(1) الحث على طلب العلم ص07. 
زفة عزاه في كنز العمال إلى ابن مسعود »2 في كتاب الوسوسة» للأذرعي )۳۸/۱(. 
() الأخلاق والسير ص44. 


م( الفصل الثانى: شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها للختو 5 
E‏ 1 0 


“a” 


وعد الشيخ زكريا الأنصاري من شروط التعلم والتعليم: «أن يقصد 
العلم الذي يقبله طبعه؛ إذ ليس كل أحد يصلح لتعلم العلوم» ولا كل 
من يصلح لتعلمها يصلح لجميعهاء بل كل ميسر لما خلق له0”"". 


وهذا ما يقرره علم النفس التربوي» حيث يعد (الدافعية) شرطاً 
أساسياً لتحقيق الهدف من عملية التعل" حالة داخلية في 
الكائن الحي تؤدي إلى استثارة السلوك واستمراره وتنظيمه وتوجيهه 
EET‏ 0 والدوافع نحو التعلم والإتقان متعددة» ويشير 
النفسيون إلى دوافع. منها: دافع الإنجاز (الرغبة في النجاح). ودافع 
الانتساب (القبول الاجتماعي والتقدير). ودافع الإثارة (حاجة الإنسان 
لوجود مثيرات جديدة)“» ودافع المعالجة (ميل الإنسان إلى معالجة 
مشكلات والبحث عن حلها)ء ودافع المنافسة (حب السبق والتقدم على 


الآخرين)» والدافع المعرفي (حب البحث عن المجهول والاستمتاع 
(), 


3 


َه 
سي 
+ راا 
31 


- 


بمعرفة الجديد) 


(1) اللؤلؤ النظيم في روم التعلم والتعليم ص٥٠‏ وانظر: التعليم والإرشاد ص779. كشف 
الظنون عن أسامي الكتب والفنون /١(‏ 58). 

(۲) انظر: علم النفس التربوي لفؤاد أبو حطب وآمال صادق ص۳۳٤٠‏ سيكولوجية 
المهارات ص٥۹‏ علم النفس التربوي الأسس النظرية والطبيقات العملية ص ٠لا‏ 
التعليم والتعلم وعلم النفس التربوي ص۰۳۱۲ تعليم التفكير ومهاراته ص .18١‏ 

(۳) علم النفس التربوي ص477. 
وانظر تعريفات أخرى في : سيكولوجية المهارات ص٥4.‏ التعليم والتعلم وعلم النفس 
التربوي ص۳٠۳‏ ما تحت الأقنعة ص٥٠۲.‏ 

)٤(‏ وهو ما يظهر أثره في سلوك الإنسان إذا حبس في مكان خالي من الأشياء والبشرء 
فيشعر بالضيق وعدم التركيز. 

(5) انظر: علم النفس التربوي ص٦٤-١٤٤.‏ 


ولا الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها وين , 

٠ 3‏ - ت 

0 ل 
وة ® 


لذا نستطيع القول: إن وجود الرغبة الدافعة شرط لتحصيل ملكة 
الفقه. وأنه ينبغى لطالب العلم أن يُقبل على العلم الذي تميل إليه 
نفسه. لأن ذلك أقرب إلى المهارة فيه. 


الفرع الثاني: شروط الرغبة الدافعة إلى اكتساب الملكة 
الفقهية : 

ليس كل رغبة في طلب علم الفقه كافية لأن تكون دافعا إلى بلوغ 
مستوى الملكة في هذا العلمء بل لهذه الرغبة صفات» من الجدير 
بطالب العلم أن يتعهدها من نفسه» وهي : 

© الاعتدال. 

© والاستمرار. 

© والذاتية. 


وذلك ما أطرقه فى المسائل التالية : 


المسألة الأولى: الاعتدال: 

قد يبدو للمرء أن الرغبة في الطلب كلما كانت أقوى كان ذلك 
أقرب إلى البلوغ والتحصيل» ولكن الدراسات النفسية تفيد خلاف 
ذلك! فقد شغل الباحثون سنوات طويلة ببحث العلاقة بين الدوافع 
والتعلم. وكان السؤال هو: هل زيادة الدوافع وقوّتها تؤدي إلى زيادة 
درجات النجاح» وأجريت تجارب عديدة في ذلك وثبت أن التعلم 
يصل إلى أفضل درجاته حين تكون الدوافع متوسطة. 

وأن الدرجات المتطرفة من الدافعية زيادة أو نقصاً تؤدي إلى نوع 





بو( الفصل الثانى: شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها اي 
پا 7 ا إا 


من التدهور والتعطيل في الأداء والتبلد الانفعالي وعدم الاهتمام 
بموضوع التعلم (عند نقص الدافعية)» وتؤدي إلى ضعف جسماني أو 
ليون جا للأزف انعا لةعالقلق عدد'ويادة الداقعية , 

رة اة م ا ات له ال اة م الشف على الرفق 
والاعتدال والقصد. كقول النبي ية : «إن الله رفيق يحب الرفق› 
ويعطي على الرفق مالا يعطي على العنف وما لا يعطي على ما 
سواه“ وقوله ية امن بُحرم الرفق يحرم الخير" ٠"‏ وقوله يي 
«القصد القصد E‏ 

ولحاجة طالب العلم إلى الاعتدال في الرغبة في العلم؛ كرر 
العلماء -مع تحريضهم على الاجتهاد في الطلب- الوصية بالأناة 
والرفق؛ لأن الرغبة إذا أفرطت وقع صاحبها في الاستعجال ولم يصبر 
طول الطريق؛ فانقطع بذلك عن الطلب. 

والاجتهاد في الطلب والرفق لا يتنافيان» بل يجتمعان إذا بذل 
الطالب غاية جهده» فلم يكسل ولم يتوان» دون أن يضر بحق من 
الحقوق اللازمة -كحق النفس وحق الأهل- ودون أن يستعجل الثمار 
قبل أوانهاء فبهذا يستطيع الاستمرار في الطلب وبلوغ الغاية بإذن الله. 


A 


)١(‏ انظر: علم النفس التربوي ص44". 

0 نزراء الساري ی مح كنات اناب ا هره اب عرق الي ارخ 
بسب النبي كل برقم (59790). ورواه مسلم في صحيحه» كتاب البر والصلة 
والأدب» برقم (56995), عن عائشة رضي الله عنها. 

(۳) رواه مسلم في صحيحه» كتاب البر والصلة والأدب» برقم (5097)» عن جرير بن 
عبدالله طف . 

)٤(‏ رواه البخاري في صحيحهء كتاب الرقاق» باب القصد والمداومة على العمل» برقم 
(547)» عن أبي هريرة طلنه. 


م الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها بإ 
ي جز يج 


> وو“ E7‏ 
المسألة الثانية: الاستمرار: 

فالرغبة الدافعة هي الرغبة المستمرة» ونشاط المرء يظل مستمراً 
مادام الدافع باقياًء فإذا تم إشباع الدافع توقف النشاط“؛ ولذا فإن 
مما يديم الدافعية إدراك الإنسان بأنه لا يزال في حاجة إلى المزيد من 
العلم. فبهذا يستمر في الارتقاء علما وتحقيقاًء كما هو مشاهد في سيرة 
السنء بخلاف من ظن أنه بلغ الغاية فما الذي يدفعه إلى الاستمرار؟ 
الرجل عالما ما تعلم» فإذا ترك العلم وظن أنه قد استغنى واكتفى بما 
عنده كان أجهل ما يكون0". 


المسألة الثالثة: الذاتية : 

الدافع الذاتي هو الرغبة الداخلية للإنسان في تحقيق غايةء وهذا 
النوع من الدوافع أحرى بالاستمرار إلى بلوغ الهدف من السلوك 
المدفوع إليه بدافع خارجى -كتحصيل الوجاهة ونيل المال ومنافسة 
الأقران» فالدافع الخارجي قد يزول -بالإشباع» كتحصيل الوجاهة 
مثلاء أو تحوّل مركز الوجاهة إلى معيار آخر سوى معيار العلم 
الشرعي- فيتحول النشاط تبعا لذلك”"؛ ولهذا فإن الإخلاص لله في 
طلب العلم من أبلغ أسباب الاستمرار في طلب العلم وتحصيله. 


.٠۷ص انظر: سيكولوجية المهارات‎ )١( 

42 كلمة سعيد بن جبير في تذكرة السامع والمتكلم ص١5‏ . وكلمة عبدالله بن المبارك في: 
المجالسة وجواهر العلم .)۱۸١/۲(‏ 

(۳) انظر: التعليم والتعلم وعلم النفس التربوي ص١٠".‏ 


خا الفصل الثانى: شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها E‏ 
و ن ج اا ا 


Re ١ 


3 


على أن الدافع قد يبدأ خارجياً ثم يعود دافعا ذاتياء برسوخ قناعة 
الاشياتة بصحة اليلق زاعيه*'»-وهذااها سر هنة جماعة من البيلت 
بقولهم «طلبنا هذا العلم وما لنا فيه كبير نية» ثم رزق الله بعد فيه النية»". 
وقول بعضهم «طلبنا العلم لغير الله فأبى العلم إلا أن يكون لله”"', 
ولهذا يوصي بعض العلماء المعلم ألا يدع تعليم الطالب لعدم خلوص 
الشريعة من العلم والحكمة المزكية للنفوس”". 
الفرع الثالث: العمل عند ضعف الرغبة فى طلب الفقه : 

تبين مما سبق أن ضعف الرغبة في الطلب عائق دون التحصيل» 
وهذا يلقي سؤالا هو: ما موقف المسلم الذي عرف فضل العلم 

ويمكن إجمال الجواب عن هذا في موقفين مرتبين. 

أولهما : ترغيب النفس وتشويقها وإثارة دوافعها. 

والآخر: الموازنة بين مصلحة مراعاة حال النفس وإقبالها ومصلحة 
حمل العلم. 

وشرح ذلك في المسألتين الآتيتين. 
)١(‏ انظر: التعليم والتعلم وعلم النفس التربوي ص۲٠".‏ 


(؟) روي هذا المعنى عن جماعة من السلف. فجاء عن مجاهدء رواه عنه الدارمي في سننه 
e I E ESE ag RN a ES AKO DS‏ 
تاریخ دمشق )11۷/0۹( وحبيب بن أبي ثابت رواه عنه الخطيب في الجامع (۲/ 
۷). وسفيان الثوري رواه عنه الرامهرمزي في المحدث الفاصل .)۱۸۳/١(‏ 

() انظر: المجموع .)777/١(‏ تذكرة السامع والمتكلم ص٦۸.‏ 


عم الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها 4ه , 
a E‏ 


ا کي کہ 
المسألة الأولى: ترغيب النفس وإثارة دوافعها : 

من المهم التنبه إلى أن فقد الرغبة الدافعة إلى طلب العلم ربما لا 
يكون لعدمهاء بل لغياب المثير والمنبّه لهاء فإذا وجد ذلك المثير 
انطلقت الدوافع الكامنة وكان النجاح والتحصيل» فالأصل في الدافع 
أن يكون كامنا غير مشعور به حتى يجد من الشعور ما يُنشطه ويطلقه. 
فالمنبه والمثير -داخلياً كان أو خارجياً- هو ما يحيل الدافع من حالة 
الكمون إلى حالة النشاط”"'. 

ولإثارة الدوافع الكامنة جاء الكتاب والسنة بأنواع من المرغبات في 
الإيمان وعمل الخير والبر عموماء وفي طلب العلم خصوصاء واعتنى 
العلماء -رحمهم الله- بجمع ما ورد في نصوص الوحي من ذلك». 
واعتنوا بالترغيب في العلم بطرق متنوعة» تناسب تعدد الدوافع النفسية 
وتنوعها. 

فمن الدوافع المثيرة للرغبة في طلب العلم : 

© الرغبة في رضا الله تعالى بامتثال أمره بالعلم. 

© الرغبة في نيل ثوابه العاجل والآجل فيه. 

ذوق لذة العلم وحلاوتهء إما بمباشرة هذه اللذةء أو بالنظر في 

حال العلماء والتذاذهم بالعلم. 
© إدراك منافع العلم العاجلة والآجلة» ومعرفة شؤم الجهل وسوء 


عاقىتە. 


© علو الهمة وعزة النفس والأنفة من ذل الجهل. 


() انظر: سيكولوجية المهارات ص45-60. 


بي الفصل الثاني : شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها o‏ 
Tas‏ 0 


المسألة الثانية: الموازنة بين مصلحة مراعاة حال النفس 
وإقبالها ومصلحة حمل العلم: 
محاولة إثارة دوافع النفس وإيقاظ عزيمتها. فهل يقعد عن الطلب» وفى 
ذلك فوات فضيلة العلم العظيمة» أم يمضي في الطلب على كره من 
نفسه؟ 

هذه صورة من صور تزاحم المصالح والمفاسد» والقاعدة العامة في 
ذلك : ترجيح أعظم الطرفين» مصلحة كان أو مفسدة؛ ولهذا يقال : 

ينبغي أن يجتهد المسلم في طلب غاية ما تسمح به نفسه من العلم» 
مع مداومة الأخذ بأسباب النشاط والرغبة في العلم. 

وأما ما وراء ذلك» قله مه اخ موقفين » بحسب الحال: 

الموقف الأول: أن تكون الكفاية قد تحققت بقيام من يكفي 
فرض الكفاية فى المستقبل» فيقال هنا: إن على المرء أن يأخذ من علم 
الفقه ما يتعين عليه علمه» ثم يصرف جهده وقوّته إلى أفضل ما يليق به 
من العلم والعمل الصالح. 

الثاني : ألا تكون الكفاية قد سّدتء فلم يقم بأمر الفقه علما 
وتعليما وإفتاء وطلباً من تسد بهم حاجة المسلمين» فهنا: يجب على 
من كان قادراً أن يبذل نفسه لذلك» ولو لم يجد من نفسه الميل إليه 
والارتياح إلى طلبه. 
وذلك أن طلب الملكة الفقهية -مع قيام من يكفي- حكمه 


5 الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها‎ E 
الاستحباب» وإذا كان مستحبا فإن الشريعة تراعي في المستحبات نشاط‎ 
النفوس» وتنهى عن إكراهها والحمل عليها حين إدبارها؛ لما يؤدي إليه‎ 
ذلك من النفرة واستثقال الطاعة» ومن شواهد ذلك قول النبي كه‎ 
«خذوا من الأعمال ما تطيقون؛ فإن الله لا يمل حتى تملوا».‎ 

أما إذا لم يقم بحمل الفقه من يكفي فإن عبء الواجب لا يزال على 
كواهل القادرين» والواجب يجب القيام به دون نظر إلى ميل النفس 
وشهوتهاء ومفسدة نقص العلم ورفعه بموت حملته أعظم من مفسدة 
معاناة طلبه من غير ارتياح إليهء مع أن دفع هذه المفسدة الصغرى 
ممكن بالاستعانة بالله والصبر وذكر فضل العلم وغير ذلك.” 


)١(‏ رواه البخاري في صحيحه. كتاب الإيمان. ياب أحب الدين إلى الله عز وجل أدومه. 
برقم )4(« ومسلم في صحيحه» كتاب صلاة المسافرين› برقم (). عن 


المسبحث الثاني 





العناية بالقواعد والكليات 


العناية بضبط قواعد العلم وكلياته من أكبر أسس اكتساب الملكة» 
وأعني بالقواعد والكليات: الأحكام الكلية الجامعة لفروع الفقهء 
ويمكن تصنيفها أصنافا أربعة» هي : 

نصوص الوحيء وأصول الفقهء والقواعد والضوابط الفقهيةء 
ومقاصد الشريعة» وسيتناول هذا المبحث -إن شاء الله- أنواع القواعد 
والكليات هذه» وسبل التفقه فيهاء كل صنف في مطلب. 


المطلب الأول: نصوص الوحي: 

نصوص الوحي الشريف من الكتاب والسنة هي أرفع أنواع القواعد 
والكليات الفقهية» وهي أصولٌ كلّهاء وإن وُصفت باعتبار آخر بأنها 
أدلة جزنية» فهي إلى ذلك أصول» بمعنى كونها أدلة تُبنى عليها 
الأحكام. ويعتمد عليها الاجتهاد والرأي والقياس» هذا فضلاً عن كون 
بعضها قواعد وكليات بمعنى اشتمالها على المعاني الجامعة'''. 


)١(‏ وهذا المعنى الثاني هو ما ستأتي الإشارة إليه في المطلب الثالث من هذا المبحث 
(القواعد والضوابط الكلية). 


, 2) الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها‎ a 
5 3 ME 
# ا‎ 


وستكون الإشارة إلى هذا الصنف من القواعد والكليات الفقهية في 
رين 

الفرع الأول: أثر المعرفة بنصوص الوحي في اكتساب الملكة 
الفقهية. 

الفرع الثاني : سبل اكتساب الملكة الفقهية بالتفقه في نصوص 
الوحي. 


الفرع الاول: آأثر المعرفة بنصو ص الوحي في اكتساب الملكة 
الفقهية : 

من المتقرر أن من أشرف ما تتضمنه الملكة الفقهية من المعاني : 

- سعة العلم بأحكام الشريعة» بمعرفة غالب الأحكام التي يحتاج 
الناس إليها في أمور دينهم ودنياهم. 

- ورسوخ ذلك العلم واستقراره والثقة به وسلامته من الريب. 
وكيف لا يكون كذلك وهو الكتاب الذي أنزله الله تبارك وتعالى لخ 
نامثو ويوا لصحت من لظت إِلَ التُورّ2"”4. فهو لرَسْئاة لَمَا فى 
لصُدُورٍ َْدَى وينم بنَْميِي4”". 

وذلك ما سيتضح -إن شاء الله- في المسألتين الآتيتين: 


.)١١( سورة الطلاقء الآية‎ )١( 
سورة يونسء الآية (/ا0).‎ )( 


i,‏ الفصل الثاني : شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها قي 
ا لوال 
an”‏ او 


المسألة الأولى: نصوص الوحي محيطة بجميع ما يحتاج إليه الناس 
من العلم. 


المسألة الثانية: نصوص الوحي محصلة للعلم الراسخ 


المسألة الأولى: نصوص الوحي محيطة بجميع ما يحتاج إليه 
الناس من العلم: 
لقد وصف الله تعالى كتابه العزيز بالبركة في عدة مواضع”''» ومن 
بركته: كثرة ما فيه من العلم والهدى. وهذا ما بيّنه قوله عزوجل : 
ورل عي الكتَبَ يسا لکل ت شىء ودا وة وى ل 
قال ابن مسعود ون : أنزل في هذا القرآن كل علمء وكل شيء قد بين 
لنا في القرآن. ثم تلا هذه الآية”". 


وقال ابن القيم كن : «النصوص محيطة بأحكام الحوادث» ولم 
يُحلئا الله ولا رسوله على رأي ولا قياسء بل قد بيّن الأحكام كلهاء 
والنصوص كافية وافية بها»“ ف«الذكر الآمري محيط بجميع أفعال 
المكلفين أمراً ونهياً وإذناً وعفواً. كما أن الذكر القدري محيط بجميعها 
علما وكتابة وقدراًء فعلمه وكتابه وقدره قد أحصى جميع أفعال عباده 


(1) قال تعالى : ودا كنب رلته مرد سورة الأنعام» الآية (۹۲» ١١٠)ء‏ وقال تعالى : 
#وهدًا ذَكرٌ شارك رن سورة الأنبباءء الآية .)٠١(‏ وقال: كب أله ليك مرك 
ْوَأ تبنيو وَلِتَدَكّْرَ أوْبُوأْ الْأَبْبِع سورة صء. الآية .)١9(‏ 

(۲) سورة النحل. الآية (89). 

(۳) تفسیر الطبري .)74/١5(‏ 

.)4۷ /۳( إعلام الموقعين‎ )٤( 


ل الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها #2 _ 
I E‏ 
a7 3‏ 2 2 7 


الواقعة تحت التكليف وغيرهاء وأمره ونهيه وإباحته وعفوه قد أحاط 
بجميع أفعالهم التكليفية» فلا يخرج فعل من أفعالهم عن أحد 
الحكمين : إما الكوني» وإما الشرعي الأمري» فقد بين الله سبحانه على 
لسان رسوله بكلامه وكلام رسوله جميع ما أمر به وجميع ما نهى عنه 
وجميع ما أحله وجميع ما حرمه وجميع ما عفا عنه» وبهذا يكون دينه 
كتامسلا كبا قال تحالق > «اتزم اتلك لک دک وات ع 
2017# 

ولكن «دلالة النصوص نوعان: حقيقية» وإضافية» فالحقيقية تابعة 
لقصد المتكلم وإرادته» وهذه الدلالة لا تختلف» والإضافية تابعة لفهم 
السامع وإدراكه وجودة فكره وقريحته وصفاء ذهنه ومعرفته بالألفاظ 
ومراتبهاء وهذه الدلالة تختلف اختلافا متباينا بحسب تباين السامعين 
فى ذلك . 

ويصف ابن القيم كأ حال المقصرين في العناية بالنصوص وأثر 
ذلك في فقههم قائلاً: «وأما أصحاب الرأي والقياس فإنهم لما لم 
يعتنوا بالنصوص ولم يعتقدوها وافية بالأحكام ولا شاملة لهاء وغلاتهم 
على أنها لم تف بعشر معشارها: فوسعوا طرق الرأي والقياس» وقالوا 
بقياس الشبه» وعلقوا الأحكام بأوصاف لا يعلم أن الشارع علقها بهاء 
واستنبطوا عللا لا يعلم أن الشارع شرع الأحكام لأجلهاء ثم اضطرهم 
ذلك إلى أن عارضوا بين كثير من النصوص والقياس» ثم اضطربوا 
)١(‏ سورة المائدة» الآية ("). 


)20 أعلام الموقعين (9/ .)9١‏ 
(۳) أعلام الموقعين .)١١١/۳(‏ 





حم الفصل الثاني: شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها 0 
م ل مسبم سس ب ل ل ل ت E‏ 
س ج 


فتارة يقدمون القياس» وتارة يقدمون النص» وتارة يفرقون بين النص 
المشهور وغير المشهورء واضطرهم ذلك أيضاً إلى أن اعتقدوا في كثير 
من الأحكام أنها شرعت على خلاف القياس» فكان خطؤهم من خمسة 
أوجه : 

أحدها : ظنهم قصور النصوص عن بيان جميع الحوادث. 

الثاني : معارضة كثير من النصوص بالرأي والقياس. 

الثالث : اعتقادهم في كثير من أحكام الشريعة أنها على خلاف 
الميزان والقياس» والميزان هو العدل»ء فظنوا أن العدل خلاف ما 
جاءت به من هذه الأحكام. 

الرابع: اعتبارهم عللا وأوصافا لم يعلم اعتبار الشارع لها 
وإلغاؤهم عللا وأوصافا اعتبرها الشارع كما تقدم بيانه. 

0) ا‎ N : 

الخامس : تناقضهم في نفس القياس» ُ 

وإذا كان كتاب الله تعالى جامعا للعلم المحتاج إليهء وكانت سنة 
النبي هة مُبيّنة لذلك الكتاب» كان المهتدي بنور الوحي آخذا للعلم من 
بحره الذي لاأ ينفد؛ فنصوص الكتاب والسنة هى أصول العلم وجوامعه 
وكليّاته. 

وأوجه العموم والكلية في نصوص الوحي متعددة» منها : 

© عموم اللفظ. وهو إفادة المعنى الكثير بألفاظ العموم» وهي 

الألفاظ المستغرقة لجميع أفرادها على وجه الشمول. 


)0( إعلام الموقعين عن رب العالمين )/ 110(. 


الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها ع > 

® عموم العلة» وهو عموم المعنى تبعا لعموم علته» واستثمار هذا 
النوع من العموم هو القياس. 

© تعدية الحكم عند انتفاء الفارق» وهو تعميم الحكم الثابت لعين 
على سائر الأعيان التي ليس بينه وبينها فارق مؤثرء واستثمار هذا 
النوع من العموم هو إعمال مفهوم الموافقة. 

نفي الحكم عما عدا المذكورء وذلك إذا ورد الحكم مقيداً 
بوصف أو شرط أو نحوهماء فيدل ذلك التقييد على انتفاء الحكم 
عند تخلف ذلك القيد. وإعمال هذه الدلالة هو العمل بمفهوم 
المخالفة. 

© دلالة اللفظ على معنى خارج عنه لازم له. وهي دلالة اللزوم. 

© الكلمات الجامعة ذات المعانى الكثيرةء كالبرء والتقوى. 
والمعروف» والعدل» رالإضان: 

© التعريف بصفات الله تعالى» فما فى الكتاب والسنة من التعريف 

ناسا اله انه IT‏ العلم وأجمعه؛ وذلك أن 

الخلق والأمر -وهو التشريع- صادر عن مقتضى تلك الأسماءء 

فالعارف بها يكون فقيهاً في أوامر الله تعالى ونواهيه» في حكمه 

الشرعي والقدري. 


كفم 
AYY f‏ 


المسالة الثانية : نصوص الوحي محصّلة للعلم الراسخ 
وبناء على ذلك أجمعوا على أن المقلد ليس معدوداً من أهل العلم”". 


.)١١/1؟( أعلام الموقعين‎ ».)١١8 انظر: جامع بيان العلم وفضله (؟757/5.‎ )١( 





: م الفصل الثانى: شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها عبر 
س کی ی ی ی ی و ی 


عي م 
وأدلة الشريعة هى الكتاب والسنة». وسائر الأدلة مبنية على هذين 
الأصلين» فبناء الفقه والاجتهاد على نصوص الوحي يُحصّل للمستدل 


ليقي والشفاء» ويكشف عنه الريب» وذلك هو الرسوخ في العلم. 

ونصوص الوحي بهذا الاعتبار أصول كلها بلا استثناء» فكل فرد 
فنها أضل فى تفسة» وإن سم باعتبار هاادليلاً حرشا-» فهئ الأصل 
الذي يبنى عليه كل اجتهاد. والمعيار الذي يوزن به كل رأي. 

ومن المعلوم أن نصوص الوحي في ثبوتها ودلالتها نوعان: نصوص 
قطعية الثبوت والدلالة» ونصوص ظنية فيهما أو فى أحدهماء فما كان 
منها قطعي الثبوت والدلالة فإفادته للعلم بيّنة» وما كان منها ظنيا فهو 
الشريعة: وجوب العمل بالأدلة المفيدة لغلبة الظن كخبر الآحاد 
والظاهر ونحوهماء فهي ظنية من جهة ثبوتها أو دلالتهاء قطعية من جهة 


)1( 


وجوب العمل بها . 

ولاشك في أن لله تعالى حكما بالغة في جعل بعض نصوص الوحي 
تف ضا فر قط ولك تسدن الأقيازة هنا إلن أن طافة من اهل 
الكلام والرأي قد وسّعوا دائرة الظن في نصوص الوحيء وأشرعوا 
أبوابا للاحتمالات والمعارضات الباطلة حتى أصبحت نصوص الكتاب 
والسنة عندهم لا تفيد اليقين'"'» وأدى بهم ذلك إلى نقل مركز الاعتماد 
في الاستدلال إلى العقل والرأي» وقد تولى بعض من أدرك هذه الشبهة 


)١(‏ انظر: مذكرة في أصول الفقهء باب أخبار الأحاد ص177. 
(0) انظر: المحصول ,.)508-78949١/١(‏ الموافقات .)٥١ /۳( 737 /95( .)١7/١(‏ 


اي الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها بوث 
EF‏ تک 
من أهل العلم رها وكشف زيفها؛ فجزاهم الله عن الإسلام وأهله 


والمقصود هنا: أن بناء طالب الفقه علمه على الدليل أصل من 
أصول الرسوخ. وأن العة لتقليد والرسوخ لا يلتقيان» والله أعلم. 


الفرع الثاني : سبل اكتساب الملكة الفقهية بالتفقه في نصوص 
الوحي : 

سيأتي في الفصل الثالث -إن شاء الله- تفصيل لملكة الاستدلال» 
وفيه تحليل للملكات الجزئية المكوّنة لها. وفى ضمن ذلك بيان لسبل 
اكتساب ملكة التفقه بنصوص الوحي. | 

ويضاف إلى ما سيأتي هناك : 

الممارسة» فبممارسة طالب العلم واعتياده النظر في الأدلة والبحث 
عنها والمحاكمة إليها عند الاختلاف» والتماس الهدى فيهاء تكون 
الملكة الراسخةء ويجد فيها من العلم والشفاء ما يزيده تعلقاً بها 
واعتمادا عليهنا: 


يقول الشيخ محمد بن عثيمين كأنة: «لقد جربنا أنه تمر بنا أحيانا 


)١(‏ انظر: نفائس الأصول في شرح المحصول 420١84 -١١1/١/(‏ درء تعارض العقل 
والنقل /١(‏ 194-1964). الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة (؟/ 2)1/40-5775 
توضيح المقاصد وتصحيح القواعد في شرح قصيدة الإمام ابن القيم الموسومة بالكافية 
الشافية في الانتصار للفرقة الناجية 220٠١4-91 /١(‏ القائد إلى تصحيح العقائد 
ص180-177 (وهو ضمن: التنكيل 7/ *777-81), منهج الأشاعرة في العقيدة 
ص 5/!-280 الإعلام بمخالفات الموافقات والاعتصام ص .٠٠١١-٠١١‏ 





.عم الفصل الثانى: شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها م 


7 ب 
المسألة نطلبها فيما عندنا من كتب أهل العلم فلا نجد لها حكماء ثم 






اللفظ بعمومه أو بمفهومه أو بإشارته أو بلازمه أو غير ذلك من أنواع 
الالو 


ومن صور هذه الممارسة: تمرين طالب العلم على الاستدلال منذ 
بدء طلبه» وممن صنع ذلك من الفقهاء: موفق الدين بن قدامة كن في 
عمدة الفقه» ولهذا اختار الشيخ عبدالقادر بن بدران لطالب الفقه على 
المذهب الحنبلى أن يبدأ بدراسة هذا الكتاب «ليأنس الطالب بالحديث 
ويتعوة على الاستدلال به فلا يبقى جامدا)”". 

خان اتتهه لن جين لان من عا ا سلا 
تنهما I E E A a E‏ 
من المعرفة بأقوال الصحابة ومن بعدهم من أهل العلم» وحال من 
أسس علمه على غير أصولهما بل على التقليدء هما الحافظ أبو عمر بن 
عبدالبر» والحافظ ابن رجب» رحمهما الله. 

یقول ابن رجب : 

«فالعلم النافع من هذه العلوم كلها ضبط نصوص الكتاب والسنة» 
وفهم معانيهاء والتقبّد في ذلك بالمأثور عن الصحابة والتابعين وتابعيهم 
في معاني القرآن والحديث. وفيما ورد عنهم في مسائل الحلال والحرام 
والزهد والرقائق والمعارف وغير ذلك» والاجتهاد على تمييز صحيحه من 


(۲) المدخل إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل ص7157. 


3 الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها ع 
ليس a O‏ 


2 
E) 
4 E 


حاولا ثم الاجتهاد على الوقوف على معانيه وتفهمه ثانياء وفي 
ذلك كفاية لمن عقل» وشغل لمن بالعلم النافع عُني واشتغل. 

ومن وقف على هذا وأخلص القصد فيه لوجه الله عزوجل واستعان 
عليه أعانه وهداه ووفقه وسدده وفهّمه وألهمه. وحينئذ يُثمر له هذا 
العلم ثمرته الخاصة به» وهي خشية الله. كما قال الله عزوجل إنَمَا 

ويقول ابن عبدالبر: 

«اعلم يا أخي أن الفروع لا حد لها تنتهي إليه أبدا؛ فلذلك 
تشعبت» فمن رام أن يحيط بآراء الرجال فقد رام ما لا سبيل له ولا 
لخيره إليه؛ لأنه لا يزال يرد عليه ما لم يسمع» ولعله أن ينسى أول ذلك 
بآخره لكشرته» فيحتاج أن يرجع إلى الاستنباط الذي كان يفزع منه 
ويجبن عنه تورعا بزعمه أن غيره كان أدرى بطريق الاستنباط منه فلذلك 
عول على حفظ قوله» ثم إن الأيام تضطره إلى الاستنباط مع جهله 
بالآصول. فجعل الرأي أصلا واستنبط عليه... 

واعلم أنه لم تكن مناظرة بين اثنين أو جماعة من السلف إلا لتفهّم 
وجه الصواب فيصار إليه» ويعرف أصل القول وعلته فيجري عليه أمثلته 
ونظائره» وعلى هذا الناس في كل بلد إلا عندنا كما شاء ربنا» وعند 
من سلك سبيلنا من أهل المغرب» فإنهم لا يقيمون علة ولا يعرفون 
للقول وجهاء وحسب أحدهم أن يقول: رواية لفلان ورواية لفلان» 
ومن خالف عندهم الرواية التي لا يقف على معناها وأصلها وصحة 


.)758( سورة فاطرهء الآية‎ )١( 
.)۲١/۳( (؟) فضل علم السلف على علم الخلف؛. ضمن مجموع رسائل الحافظ ابن رجب‎ 


ار الفصل الثاني: شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها 
e‏ 

وجهها فكآنه قد خالف نص الكتاب وثابت السنة» ويجيزون حمل 
الروايات المتضادة في الحلال والحرام» وذلك خلاف أصل مالك وكم 
لهم من خلاف أصول مذهبه مما لو ذكرناه لطال الكتاب بذكره. 
ولتقصيرهم عن علم أصول مذهبهم صار أحدهم إذا لقي مخالفا ممن 
يقول بقول أبي حنيفة أو الشافعي أو داود بن علي أو غيرهم من الفقهاء 
وخالفه في أصل قوله بقي متحيراًء ولم يكن عنده أكثر من حكاية قول 
صاحبه فقال: هكذا قال فلان». وهكذا روينا... 


عام 
4 4 43 


وأجازوا النظر في اختلاف أهل مصر وغيرهم من أهل المغرب فيما 
خالفوا فيه مالكاً من غير أن يعرفوا وجه قول مالك ولا وجه قول 
مخالفه منهم» ولم يبيحوا النظر في كتب من خالف مالكاً إلى دليل يبينه 
ووجه يقيمه لقوله وقول مالك جهلا منهم وقلة نصح وخوفا من أن يطلع 
الطالب على ما هم فيه من النقص والقصر فيزهد فيهم... 

فعليك يا أخي بحفظ الأصول والعناية بهاء واعلم أن من عُنِيَ 
بحفظ السنن والأحكام المنصوصة في القرآن ونظر في أقاويل الفقهاء 
فجعله عونا له على اجتهاده ومفتاحا لطرائق النظر وتفسيرا لجمل السنن 
المحتملة للمعاني» ولم يقلد أحداً منهم تقليد السنن التي يجب الانقياد 
إليها على كل حال دون نظرء ولم يرّح نفسه مما أخذ العلماء به أنفسهم 
من حفظ السنن وتدبرهاء واقتدى بهم في البحث والتفهم والنظرء 
وشكر لهم سعيهم فيما أفادوه ونبهوا عليه. وحمدهم على صوابهم 
الذي هو أكثر أقوالهم» ولم يبرئهم من الزلل كما لم يبرئوا أنفسهم منه- 
فهذا هو الطالب المتمسك بما عليه السلف الصالح» وهو المصيب 
لحظه والمعاين لرشده والمتبع سنة نبيه ية وهدي صحابته و وعمن 


2 الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها بي 


0 3 AF 
2 7 چ ت‎ 


اتبع بإحسان آثارهم» ومن أعفى نفسه من النظر وأضرب عما ذكرنا 
وعارض السنن برأيه ورام أن يردها إلى مبلغ نظره فهو ضال مضل» 
ومن جهل ذلك كله أيضاً وتقحم في الفتوى بلا علم فهم أشد عمى 
واضل ساد 

واعلم يا أخي أن السئن والقرآن هما أصل الرأي والعيار عليه» 
وليس الرأي بالعيار على السنةء بل السنة عيار عليه» ومن جهل الأصل 
لم يصب الفرع أبدا». 


المطلب الثاني : أصول الفقه : 
وفيه ثلاثة فروع: 
الفرع الأول: التعريف بأصول الفقه. 
الفرع الثاني : أثر العلم بأصول الفقه في اكتساب الملكة الفقهية. 
الفرع الثالث: سبل تنمية الملكة الفقهية بطريق العناية بأصول الفقه. 


الفرع الأول: التعريف بأصول الفقه: 
الأصول جمع أصل. وهو في اللغة ما CRE‏ والفقه 
سق أن في اللغة: المَهُمُء والفِظنة» والعلم ل 


.)۱۷۳-۱۷۱/۲( جامع بیان العلم وفضله‎ )١( 

(۲) انظر: أصول الفقه الحد والموضوع والغاية ص۳۹. 
وقد عُرّف الأصل بتعريفات كثيرة» تلتقى في هذا التعريف المذكورء منها: أن الأصل 
هو أسفل الشيء -وعليه نصت اقلت الاج اللغوية- والأصل أيضاً: الشرف 
والحسب» وما يستند وجود الشيء إليه. وما يتفرع منه غيره. انظر: المرجع السابق. 

۳٦ص‎ )۳( 





و الفصل الثانى: شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها مي 
ا ا يي م ج ج با ې 41 
ea‏ اخ هيج 5 


وأصول الفقه لقباً للعلم المعروف: هو القواعد التي يتوصل بها إلى 
استنباط الأحكام الشرعية من الأدلة”'. 

ف(الأمر للوجوب». و(النهي يفيد التحريم)» و(التحريم يقتضي 
الفساد) قواعد يُتوصل بها إلى وجوب الصلاة في قوله تعالى #وَأَقِيمُوا 
ألصَلَوةً4. وتحريم أكل المال بالباطل في قوله تعالى #ولا تَأكوا 
أمولكم بيتك بالطل 4”". وفساد عقد الربا في قوله تعالى #وأحل اله 
N‏ 
الفرع الثاني: أثر العلم بأصول الفقه في اكتساب الملكة الفقهية : 

أصول الفقه هي أَمَسَ الكليات الفقهية -بعد نصوص الوحي- صله 
بالملكة الفقهية» وأجداها فى إكساب المرء القدرة على الاجتهاد؛ 
وذلك لأن الغرض منها تحصيل ملكة استنباط الأحكام الشرعية من 
أدلتها”*"؛ ولها بذلك مزية على ما سيأتى ذكره من القواعد والضوابط 
الفقهية التي تجمع الأحكام بعد الفراغ من استنباطها واستقرائها؛ ولذا 
كانت كانه أصنول:الققة ترط فى الا چناد ولیس کذلك قواعد 
الفقه وضوابطهء ويمكن إبراز أثر العلم بأصول الفقه في اكتساب ملكة 


.٠١/ص أصول الفقه الحد والموضوع والغاية‎ )١( 

(۲) سورة البقرة الاية .)٤۳(‏ 

(۳) سورة البقرة» الآية (۱۸۸). 

.)71/0( سورة البقرةء الآية‎ )٤( 

.)۷١-۷١ /١( أبجد العلوم‎ )٥( 

(0) انظر : المستصفى (۳۸۸/۲). صفة الفتوى والمفتي والمستفتي ص٤٠‏ شرح الكوكب 
المنير (5/ .)٤٥۹‏ 


© الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها‎ e 
چا‎ 4 
94 کیم‎ 


)1( 


(۳) 


022 


2 


(6) 






أنها من خير ما يعين على الاجتهاد واستنباط الأحكام الشرعية 
من الأدلة؛ لاحتوائها على بيان الأدلة الشرعية» وكيفية الاستفادة 
ا 

بالعلم بأصول الفقه عرف مآخذ الأئمة في أقوالهم» وهذه المعرفة 
تفيد طالب علم الفقه معرفة دليل القول ووجه دلالته» وهي مرتبه 
5 5 : 1 ف زفق 

يرتقي به عن مستوى التقليد؛ فهي خطوة نحو الاجتهاد ''. 

أنها تمكن العارف بها من الترجيح الصحيح بين أقوال الفقهاء في 
مال الد 

بالمعرفة بأصول الفقه يتمكن الفقيه من التخريج على أصول 
الآئمة وفروعهم › فالتخريج أحد الملكات الفقهية» وهو لا يتم 
إلا بالعلم بطرقه» كالقياس والمفهوم واللازم» وهي مباحث 
ا 

أنها تعين المتفقه على معرفة أسرار الشريعة وحكمها ومقاصدهاء 
المعتبرة في الشرع› ومعرفة جكم الشريعة ومقاصدها من أسس 
الل الف 


انظر : صفة الفتوى والمفتي والمستفتي ص٤٠‏ علم أصول الفقه ص٤٠‏ أصول الفقه 


الحد والموضوع والغاية ص۱۲۷٠-1۲۸.‏ الوجيز في أصول الفقه ص7١.‏ 

انظر : أصول الفقه الحد والموضوع والغاية ص١١٠‏ علم أصول الفقه ص١٠‏ الوجيز 
في أصول الفقه ص7١.‏ 

انظر: أصول الفقه الحد والموضوع والغاية ص5 2.17 أصول الفقه الذي لا يسع الفقيه 
جهله ص1۱۸. علم أصول الفقه ص90١.‏ الوجيز في أصول الفقه ص7١.‏ 

انظر: أصول الفقه الحد والموضوع والغاية ص178١.‏ أصول الفقه الذي لا يسع الفقيه 
جهله ص9١.‏ 

انظر: أصول الفقه الذي لا يسع الفقيه جهله ص9١.‏ 





بعل الفصل الثاني: شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها 
افك ا 
© أنها تُعطي العالم بها قدرة على المجادلة السديدةء بما تحويه من 
التعريف بطرق الاستدلال الصحيح› والمجادلة إحدى الملكات 
الفقهية» وهي مشروعة لبيان الحق والدعوة إلى الله. 





الفرع الثالث: سبل تنمية الملكة الفقهية بطريق العناية بأصول 
الفقه : 

لتنمية الملكة الفقهية من هذا الطريق سبل متعددة. يمكن إرجاعها 
إلى سبيلين جامعين : 

© العناية النظرية بأصول الفقه. 

© الممارسة التطبيقية لها. 

والتعريف بذلك في المسألتين الآتيتين: 
المسألة الأولى: المعرفة بأصول الفقه : 


العلم بأصول الفقه أمر لا غنى عنهء فالعلماء متفقون على أنه شرط 
للاجتهاد بمرتبتيه: الاجتهاد المطلق. والاجتهاد المقيد بمذهب. لكن 
يحسن التنبه هنا إلى أمرين : 

أحدهما: تفاوت المسائل المدونة فى أصول الفقه فى ثمرتها 
السملياء ف ا 
في استنباط الأحكام الشرعية» وتطرق البحث أيضا إلى مسائل خلافية 
لا ثمرة لها وإن كانت ضمن موضوع الأصولء وهذا الإدراك ينبّه 
المتفقه إلى أن من الحكمة أن يعطي كل مسألة من العناية ما يكافئ 
ثمرتها ومنفعتها. 


e‏ الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها جرم 
الس a‏ 
ا مع ۹ n‏ 


والأمر الآخر: أن أصول الفقه علم وسيلة لا غاية» ومقتضى ذلك 
ألا يسترسل الطالب في دراسته وتتبع مسائله استرسالا يشغله عن 
غايته. بل يأخذ من هذا العلم أصوله ومهماته بإتقان» ثم يبذل جل 
الوقت والجهد بعد ذلك في العلم المقصود. وهو التفقه في معاني كلام 
الله تعالى وكلام رسوله هة وفيما استنبط منهماء الذي هو الغاية من 
علم أصول الفقهء وبذلك يكون أيضاً أتى على أصول الفقه من جانبه 
التطبيقي» وهذا هو الجانب الثاني : 
المسألة الثانية: الممارسة: 

وأعنى بها جميع صور المزاولة الفقهية التي تضطر المُزاول إلى 
استعمال القواعد الأصولية تطبيقاً عملياً. والتي تُطلعه على تطبيقات 
الأئمة والفقهاء لتلك اللأصول. فهذا جانب لا غنى عنه لتكوين الملكة. 

فالأصول لا ينتفع به إلا مع المعرفة بالفقه وممارسته؛ ولهذا هوا 
الأصولي الذي لا معرفة له بالفقه بالطبيب الذي لا عقار عنده» وبمن 
عنده سلاح ولا يجيد استعماله”''. ولحاجة طالب علم الأصول إلى 
الممارسة رأى بعض العلماء تقديم تعلم الفقه على تعلّم الأصول. 
قالوا: لأن من لم يعتد طرق الفروع والتصرف فيها لا يمكنه الوقوف 
على ما يُبتغي بهذه الأصول من الاستدلال والتصرف”". 


.)5١7/١( انظر: البحر المحيط‎ )١( 

(۲) انظر: العدة فى أصول الفقه .)۷١ /١(‏ صفة الفتوى والمفتى والمستفتى ص6ة٠١ء‏ 
المسودة (4948/1). أصول الفقه لابن مفلح :)١11/1(‏ أصول الفقه الحد والموضوع 
والغاية ص۳۲١‏ . المهذب في أصول الفقه المقارن .)٥۳/١(‏ شرح نظم الورقات في 
أصول الفقه ص6١-15١.‏ 





ب م الفصل الثاني : شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها 2 5 
HY Ee:‏ 
ا و 


وصور الممارسة كثيرة» وسيأتي الحديث عنها -إن شاء الله- في 
المبحث التالي بصفتها شرطاً من شروط اكتساب الملكة. 
المطلب الثالث : القواعد والضوابط الفقهية : 

وفيه ثلااثه فروع : 

الفرع الأول: التعريف بالقواعد والضوابط الفقهية والألقاب 
المقاربة لها. 

الفرع الثاني: أثر العلم بالقواعد والضوابط في اكتساب الملكة 
الفقهية. 

الفرع الثالث: سبل تنمية الملكة الفقهية بطريق العناية بالقواعد 
ا 
الفرع الأول: التعريف بالقواعد والضوابط الفقهية والألقاب 
المقاربة لها : 

وها الان 

المسألة الأولى: التعريف بالقواعد والضوابط الفقهية. 

المسألة الثانية: التعريف بالفروق والأشباه والنظائر والنظرية 
الفقهية. 





لمم الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها بين 
tf‏ 31 8 


7 e 
المسألة الأولى: التعريف بالقواعد والضوابط الفقهية:‎ 


3 8 5 2 )6 د 9 : 
القواعد جمع قاعدة» وهي الاس الذي يبنی عليه > قال تعالی : 
وة رقم اهعم الْقَاِعِدَ يِنّ البَيتِ وَإنسييل4. وقال سبحانه: قد 
نكر اليرت ين هلهم قاف آله بيهم ست القواعي محر عه 
(TDL >. ET‏ 
اَمَف من فوته » . 
والقاعدة الفقهية: قضية فقهية كلية» جزئياتها قضايا كلية» من أكثر 
نا حدق 
من باب © . 
والضوابط جمع ضابطء من الضَّبْطء وهو حفظ الشىء فى قوة 
(o) .‏ 
وإخرم ا 
والضابط في الاصطلاح الفقهي : قضية فقهية كلية» جزئياتها قضايا 
كلية» من باب واخ 





.)۳١١ /۳( انظر مادة (قع د( في : لسان العرب‎ )١( 

(؟) سورة البقرة» الآية (/ا١١).‏ 

() سورة النحلء الآية (55). 

(5) أصل هذا التعريف للدكتور/ عبدالوهاب الباحسين» مضافا إليه قيد (من أكثر من باب). 
انظر : القواعد الفقهية للباحسين ص04. المعايير الجلية له ص٠١4.‏ 
وقوله (جزئياتها قضايا كلية) قيد للاحتراز من الأحكام الفقهية» فإن كل الأحكام 
الجزئية ذات التجريد والعموم هي قضايا كلية» فبهذا تدخل في اسم (القاعدة). انظر: 
المرجعين السابقين. 

(5) انظر: القاموس المحيط (ضبط) ص 57/0. 

(1) في هذا التعريف جمع بين ما سار عليه كثير من العلماء من تخصيص اسم الضابط بما 
كانت جزئياته مختصة بباب واحدء وسيأتي العزو إليهم» وما نبه إليه الدكتور الباحسين 
من وجوب تقييد القاعدة والضابط بقيد (كون جزئياتهما قضايا كلية)» وسبقت الإشارة 
إليه في تعريف القاعدة. = 






وشمول القاعدة أبوايا 


ب 


5 
0 
2 





الفصل الثانى: شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها مي 
o f :‏ 

١‏ ر 
فالفارق بين القاعدة والضابط: اختصاص الضابط بباب واحد» 


600 





(010 


= هذاء وعامة من عرّف بالقاعدة عموماً أو القاعدة الفقهية خصوصا لا يقيّدها بكون 
جزئياتها من أكثر من باب بل يعرفون القاعدة بأنها (قضية كلية -أو أكثرية- تنطبق على 
جميع جزئياتها) ونحو هذه العبارة» وعلى هذا تدخل الضوابط في القواعد وتكون نوعا 
منهاء انظر: الأشباه ا لابن السبكي »)١١/١(‏ التعريفات ص١"29,‏ الكليات 
ص۷۲۸ التلويح للتفتازاني 207١ /١(‏ شرح الكوكب المنير »)٤٤/١(‏ غمز عيون 
البصائر .)0١/١(‏ 

والفرق بين القاعدة والضابط بأن القاعدة لا تختص بباب والضابط يختص بباب 
اصطلاح جرى عليه كثير من مؤلفي كتب القواعد. منهم المقّري (في القواعد /١‏ 
1۲(« وابن ن السبكي (الأشباه والنظائر (1۱/١‏ م (في الأشباه والنظائر في 
النحو ١ -٠١/١‏ وابن نجيم (في الأشباه والنظائر ص 197) والكفوي (في الكليات 
ص۷۲۸)ء وقد اخترت ذلك تمييزاً بين أنواع الكليات الفقهية وإيضاحا لمستويات 
عمومها. 

وإلى هذا التعريف للضابط ثمّ تعريفان» أحدهما : أن الضابط كالقاعدة» ومضى تعريف 
القاعدة. 

والآخر: أن الضابط أعم من القاعدةء ففي غمز عيون البصائر (۲/ )٥‏ أو /٥(‏ ۲): «في 
عبارة بعض المحققين ما نصه: ورسموا الضابطة بأنها أمر كلي ينطبق على جزئياته 
لتعرف أحكامها منهاء قال: وهي أعم من القاعدة» ومن ثم رسموها بأنها صورة كلية 
يتعرف منها أحكام جميع جزثياتها». 

ومع اختيار جماعة من العلماء ء التفريق بين القاعدة والضابط فقد وقع منهم تجوز في 
الاستعمال» بإطلاق اسم القاعدة على ما هو ضابط. انظر: القواعد والضوابط الفقهية 
في المعاملات المالية عند ابن تيمية /١(‏ 9/5). 

انظر: الأشباه والنظائر لابن نجيم ص۱۹۲. القواعد للمقري (۲/۱٠۲)ء‏ الأشباه 
والنظائر للسبكي 2)١١/١(‏ الأشباه والنظائر في النحو للسيوطي 2)١١-٠١ /١(‏ شرح 
الكوكب المنير .)١ /١(‏ 


اس الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها بين 


المسألة الثانية: التعريف بالفروق والأشباه والنظائر والنظرية 
الفقهية : 

بعد التعريف بالقاعدة والضابط تجدر الإشارة إلى ثلاثة من أنواع 
التأليف في الفقه منبثقة عن القواعد والضوابط. هي: 

© الفروق. 

© الأشباه والنظائر. 

© النظريات الفقهية. 

أما الفروق : فهي في اللغة جمع فَرْقء والكلمات المشتقة من هذا 
المصدر تعود معانيها الف التفينة والفصل بين شيئين» والمباعدة» وضد 

(00) 

الجمع '. 

وفي الاصطلاح عرف السيوطي فن الفروق بأنه: الفن الذي يذكر 
فيه الفرق بين النظائر المتحدة تصويراً ومعنى» المختلفة حكما وعلة”". 


: 
6 
ی 


فمن الفروق : 

© إذا زال تغير القلتين طهر الماء» وإذا زال تغير ما دون القلتين لم 
ا 

8 وإذا اشتبهت القبلة على المصلي أجزأه أن يصلي مرة واحدة» 


(1) انظر مادة (ف ر ق) في : تهذیب اللغة (۳/ ۲۱۱)ء لسان العرب (۱۰/ ۲۹۹)ء القاموس 
المحیط ص٦۹۱-‏ 4۱۸ المصباح المنیر ص۳۸۲- ۳۸۳. 

(۲) الأشباه والنظائر ص٤".‏ 

(©) انظر: إيضاح الدلائل في الفرق بين المسائل ص7١.‏ 


ا الفصل الثاني : شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها 2 اي 
س ۷ 


وإذا اشتبهت عليه الثياب لزمه أن يصلى بعدد الثياب النجسة 
ويزيك صادة. 
والفرق بين المسائل المتشابهة يرجع إلى أن كل صورة منها تعود 
إلى قاعدة» فهما مختلفتان في المأخذ وإن تشابهتا في الصورة» أو إلى 
تخلف شرط فى إحدى الصورتين مع اتحاد قاعدتهماء أو وجود مانع» 
وهذا هو وجه انبناء فن الفروق على القواعد والضوابط. 
وأما الأشباه والنظائر : فإن طائفة من كتب القواعد الفقهية قد 
حملت اسم (الأشباه والنظائر)". 
ومدلول (الأشباه) و(النظائر) في اللغة واحدء فشِبه الشيء مثلهء 
ونظيره مثله أيضا”"؛ وأما في الاصطلاح فإنهم يغرقون بين الكلمتين؛ 


الأشباه أقوى مشابهة من النظائرء ف«المشابهة تقتضى الاشتراك 
فى أكثر الوجوه لا كلهاء الا کي وی ار ولو وجها 
واحدا»©». 


وبنظرةٍ في محتوى كتب الأشيناة والنظائر يمكن القول: إن الأشباه 
والنظائر هي الفروع الفقهية المتشابهة» سواء اتفقت في الحكم أو 


)١(‏ انظر: إيضاح الدلائل في الفرق بين المسائل ص۲۹. 

(۲) منها: الأشباه والنظائر لابن الوكيل (١۷1٠)ء‏ ولتاج الدين السبكي (ه)ء ولابن الملقن 
c(oA* £)‏ وللسيوطي »)041١(‏ ولابن نجيم المصري .)4۷١(‏ 

(۳) انظر: لسان العرب (۲۱۹/۰) (ن ظ ر)ء )٥۰۳/۱۳(‏ (ش ب »)١‏ وانظر: الفتاوى 
الحديثية ص ١١5١٠‏ الحاوي للفتاوي (۲/ ۲۷۳). 

)٤(‏ الحاوي للفتاوي (۲۷۳/۲)ء وانظر: الفتاوى الحديثية ص ١٠٤٠ء‏ القواعد الفقهية 
للندوي ص۷۷. القواعد الفقهية للباحسين ص"٠.‏ 


وي الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها إيثر, 
1711 231 نا 
ی لد 


اختلفت؛ فيكون اسم (الأشباه والنظائر) صالحا لكل من (القواعد) 
وهي الفروع المتفقه في الحكم و(الفروق) وهي الفروع المختلفة في 
الحكم مع التشابه في الصورة. 


ولعله من أجل هذه السعة استحب هؤلاء المصنفون أن يترجموا 
لكتبهم ب(الأشباه والنظائر)؛ فقد أتاح لهم ذلك أن يُضمنوا كتبهم أبوابا 
ليست مباشرة الصلة بالقواعدء كالفروق بين المسائل والأبواب» 
والمسائل المستثناة من نظائرها استحساناء فالذي يظهر أن إيراد مثل 
هذه الأبواب هو الذي دفع طائفة من العلماء إلى تسمية كتبهم (الأشباه 
والنظائر)؛ لتشمل المتشابهات التي تجمعها القواعد والضوابط» 
والمتشابهة صورة المختلفة حكما التي تدخل في مصطلح النظائر”". 


وأما النظريات الفقهية فقد عرفت بأنها: تلك الدساتير والمفاهيم 
الكبرى التي يؤلف كل منها على حدة نظاما حقوقيا موضوعيا منبدّاً في 
من شعب الأحكام'”". 


(1) انظر: القواعد الفقهية للندوي ص۷۷. القواعد الفقهية للباحسين ص۷٠.‏ 
وقد عرف الحموي (الأشباه والنظائر) بما تكون به مماثلة للفروق» فقال: «المراد 
بهما: المسائل التي يشيه بعضها بعضا مع اختلاف في الحكم لأمور خفية أدركها 
الفقهاء بدقة أنظارهم» وقد صنفوا لبيانها كتبا كفروق المحبوبي والكرابيسي» غمز عيون 
البصائر (١/۱۸)ء‏ وبهذا تخرج (القواعد) عن مدلول الأشباه والنظائر» وفي مناقشة 
ذلك انظر: القواعد الفقهية للتدوي ص۷۹ .۸١‏ 

(0) القواعد الفقهية للباحسين ص 40. وانظر : القواعد الفقهية للندوي ص۷۷. 

)۳( بهذا عرفها الشيخ د. مصطفى الزرقا تنه في المدخل الفقهي العام (۳۲۹/۱)ء وتبعه 
جماعة على هذا التعريف بلفظه أو بنحوه» منهم: د. سعيد الجليدي في المدخل- 


.ديعل الفصل الثاني: شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها 1 
5 هذ 2 
E 2‏ 


وأنها: مجموعة من القواعد والمسائل التي تنظم موضوعاً خاصاً 
بجميع ما يتعلق به من الخطوط العريضة والمسائل الأصولية المتعلقة 
به» وكل أو بعض المسائل الفرعية. 

ومن الف ات الف ال أل فيا رة الح رة الال 
نظرية الملك» نظرية العقدء. نظرية العقوبة» نظرية الضرورة» الإثبات› 
المصلحة» الضمانء. التعسف فى استعمال الحق» الظروف الطارئة.. 

وبهذا يتضح أن من أبرز الفروق بين النظرية والقاعدة: أن القاعدة 
تتضمن حكما فى لفظهاء والنظرية ليست كذلك. فقاعدة (الضرر يزال) 
مثلاً تتضمن في نفس لفظها حكماء وهو أن إزالة الضرر واجبة» فهي 
جملة مفيدة» ذات مسند ومسند إليه» بخلاف (نظرية العقد) مثلا» 
فليست سوى عنوان لما تحتها من القواعد والأحكام. 

والنظرية بما تقوم عليه من جمع للأحكام المشتركة بين الموضوعات 
التي تتألف منها ثم صوغها في قالب واحد- تعد نوعا من التقعيد وإعادة 
الفروع إلى أصولهاء فنظرية العقد -مثلا- تقوم على جمع الأحكام 
المشتركة بين العقود: أركانهاء وشروطهاء وآثارهاء وانحلالهاء ثم 

=لدراسة الفقه الإسلامي» ص87. و(د. محمد الدسوقي ود. أمينة الجابر) في مقدمة 

في دراسة الفقه الإسلامي» ص55» ولخصه (د. محمد رأفت عثمان/ د. رمضان علي 

الشرنباصي) في النظريات العامة في الفقه الإسلامي» ص٩‏ بقولهما: المفهوم الكلي 

الذي يؤلف نظاما متكاملا متحكّما في كل ما يتصل بموضوعه. 
)١(‏ بهذا عرفها د. عبدالعزيز الخياط في المدخل إلى الفقه الإسلامي» ص١4.‏ 


وانظر بحثاً موسعاً فى التعريف النظرية الفقهية في : الصياغة الفقهية في العصر الحديث 
ص‌۲۲-۵۰۷٥.‏ 


الملكة الفقهية : حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها ا 


تبيين مستثنياتها وما يختص به بعضها عن بعضء ثم تُخرج ذلك في 
حكم كلي ينطبق على العقود جميعاًء لا يختص بعقد البيع ولا بعقد 
النكاح ولا غيرهماء فهي بهذا طريقة في ترتيب المادة الفقهية على 
أساس القواعد» إذ إن تلك الأحكام المشتركة بين العقود -مثلاً- هي في 
حقيقتها قواعد وإن كانت من وجه آخر أسباباً أو شروطاً أو موانع”'". 
لكن النظرية الفقهية مع ذلك ليست قسما جديداً مستقلا من الكليات 
الفقهية» بل هي راجعة إلى بعض أنواعهاء وهي القواعد والضوابط. 

ا ا 
كتابة الفقه الإسلامي» فقد ابتداً التأليف الفقهي بكتابة الفروع 
والمسائلء ثم ارتقى منها إلى القواعدء ثم انتهى إلى النظريةء التي هي 
مجموعة من القواعد يؤلف مجموعها نظاما مستقلا؛ وبهذا كان من أبرز 
الدوافع للتأليف على هذا النمط: تقريب منال الملكة الفقهية؛ لما في 
النظريات من المعونة على إدراك المعاني الجامعة التي كانت منبثة في 
تفاريق الأبواب» وفي ذلك تنمية للنظر العميقء وإدراك للأبعاد 
المختلفة للنوازلء وتمكين للدارس من وضع كل معنى في مكانه من 
شبكة العلاقات الفقهرة". 


)١(‏ تكون تلك الأسباب والشروط والموانع قواعد بشرط كون جزياتها قضايا كلية لا 
جزئيةء وإلا كانت أحكاما لا قواعد. ينظر: المعايير الجلية في التمييز بين الأحكام 
والقواعد والضوابط الفقهية ص9ة"55-7. 

(۲) انظر : الصياغة الفقهية في العصر الحديث ص0888. المدخل الفقهي العام .0770/١(‏ 


و 


ع 


حل الفصل الثاني : شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها 00 
وي 07272222322 


0 


الفرع الثاني: أثر العلم بالقواعد والضوابط في اكتساب الملكة 
الفقهية : 


معرفة القواعد والضوابط أنفع أنواع الفقه''' وأجداها تحصيلاً 


للملكة؛ ذلك أن العلم بالقواعد: 


(1) 
() 
(۳) 
(£) 
(0) 


© به إدراك العلم بيسر وسهولة؛ لأن القواعد جامعة لأشتات 


الفروع؛ فالعناية بها ضبط لهاء وراحة من العناء في حفظ وتتبع 
الجزئيات التي لا تنقضي» وقد قال الشعبي كلت : «العلم أكثر من 
أن يُحصى؛ فخذ من كل شيء أحسنه)""2» وأحسن العلم: أصوله 
الحاوية لفروعه. فاضبط الأمور المنتشرة المتعددة في القوانين 
المتحدة هو أوعى لحفظها وأدعى لضبطها»"» و«من ضبط الفقه 
بقواعده استغنى عن حفظ أكثر الجزئيات لاندراجها في 
الكلياتة واتتحد عددة. ها “تناقفن: عند :غيرة:ؤتثا مس > واحاتن 
الشاسع البعيد وتقارب» وحصل طلبته في أقرب الأزمان»““؛ 
لذا كان «الوجه لكل متصد للإقلال بأعباء الشريعة : أن يجعل 
الإحاطة بالأصول سوقه الآكدء وينصٌ مسائل الفقه عليها ص 
من يحاول بإيرادها تهذيب الأصولء ولا ينزف حمام الذهن في 


انظر : المنثور .)1۹/١(‏ 

جامع بيان العلم وفضله .)1١7/١(‏ 

المنثور فى القواعد /١(‏ 50). 

53/١0 القروق‎ 

الإقلال بأعباء الشريعة: النهوض بها. انظر : القاموس المحیط (قلل) ص۹٤٠٠.‏ 


دم 
غ 117 


الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها بم 
7 
الأضول: 


© وبالعلم بالقواعد والكليات: تصوّر العلم تصوّراً صحيحاًء بانبناء 


الفروع على أصولها واتضاح مآخذهاء «فإن المسائل الفرعية على 
اتساعها وبُعد غاياتها لها أصول معلومة» وأوضاع منظومة» ومن 
لم يعرف أصولها لم يحط بها عل ومن عرف الفروع منبنّة 
عن أصولها فما عرفها حق معرفتهاء «فكل فقه لم يخرج على 
القواعد فليس بشيء٠"»‏ وبصحة التصور أيضاً يُوْمَّن الخطأً في 
نقل الأقوال“ ٠‏ وتُعرف أسباب اختلاف العلماء. 


© وبه أيضاً: الاطراد في الأحكام» والسلامة في التناقض والتخبط 


(۱( 
زفق 
)۳( 
)€( 


(0) 


الناشئ من النظر الجزئي في الفروعء فامن جعل يُخرّجٍ الفروع 
بالمناسبات الجزئية دون القواعد الكلية تناقضت عليه الفروع 
واختلفت» وتزلزلت خواطره فيها واضطربت» وضاقت نفسه 
لذلك وقنطت»؛ «فلا بد أن يكون مع الإنسان أصول كلية يرد 
إليها الجزئيات؛ ليتكلم بعلم وعدل» ثم يعرف الجزئيات كيف 
وقعت» وإلا فيبقى في كذب وجهل في الجزئيات» وجهل وظلم 


البحر المحيط )١١/١(‏ نقلا عن أبي المعالي الجويني. 

تخريج الفروع على الأصول ص5". 

.)٥١ /١( الذخيرة‎ 

يقول ابن تيمية كته : «نقل الفقه إن لم يعرف الناقل مأخذ الفقيه وإلا فقد يقع فيه الغلط 
كثيرا». اقتضاء الصراط المستقيم (۲/ .)١٤١‏ 

.)١١ /١( الفروق‎ 





3-0 الفصل الثاني: شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها ا 
2 2 د 


في الكليات؛ فيتولد منه فساد عظيم"" ولذا يقول 
الشاطبي نه : «كل من تحقق بأصول الشريعة فأدلتها عنده لا 
تكاد تتعارض» كما أن كل من حقق مناط المسائل فلا يكاد يقف 
في متشابه؛ لأن الشريعة لا تعارض فيها ألبتة» فالمتحقق بها 
متحقق بما في نفس الأمر؛ فيلزم أن لا يكون عنده تعارض»"". 
وه اما اا الشويعة ونحكدها ومقامتنها؟ لما فته 
القواعد من التعليل. 


ومعرفة حكم ما يحدث من الفروع؛ لاشتمال القواعد على مناط 
الأحكام. بخلاف الاجتهاد في حفظ الفروع المسطورة بلا علم 
بمآخذهاء فإن صاحب ذلك لا يستطيع معرفة حكم الحادث مما 
ليس مسطورا في الكتب» فيغلط إذا وردت عليه حوادث غير 
منصوص على حكمها في الكتب'". 


ومعرفة أقوال الأئمة المجتهدين» والقدرة على التخريج على 
أصولهم» وفهم أسباب اختلافهم» وفي هذا تيسير للاجتهاد'. 


© ومن كل ما سبق» يكون لدى الفقيه بصيرة وطمأنينة وثبات في 


(۱) 
(۲) 
(r) 


(€) 


منهاج السنة النبوية /٥(‏ ۸۳). 

.)١75 /5( الموافقات‎ 

يصف بدر الدين الحلبي حال هؤلاء بقوله: «إذا استفيت اليوم عشرة من الفقهاء في 
حادثة شرعية ليس من مسائل المتون التي هي من فتاوى الأئمة وتدوينهم أجابك كل 
واحد من العشرة بجواب غير جواب الآخرء وربما ذكر لك كل واحد منهم نصا من 
الكتاب الذي اعتمد عليه» وأفتاك بما رأى فيه». التعليم والإرشاد ص١4.‏ 

انظر: تربية ملكة الاجتهاد من خلال كتاب بداية المجتهد .)٤٤١/١(‏ 


ا الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها بشن 
3 
حکمه» ومن من التزلزل والريب» وهذا هو الرسوخ في العلمء 
المعبّر عنه بالملكة. 
ولعظيم شأن العلم بالقواعد رأى ابن خلدون «أن الحذق في العلم 
والتفنن فيه والاستيلاء عليه إنما هو بحصول ملكة في الإحاطة بمبادئه 
وقواعده. والوقوف على مسائله. واستنباط فروعه من أصوله. وما لم 
تحصل هذه الملكة لم يكن الحذق في ذلك الفن المتناول حاصلا»”'". 


ويقول الشاطبي كلثه: «من شروطهم في العالم بأي علم...: أن 
يكون عارفا بأصوله وما ينبني عليه ذلك العلمء قادراً على التعبير عن 
مقصوده فيه» عارفا بما يلزم عنهء قائما على دفع الشبه الواردة عليه 


ف 






ويعيب ابن رشد فريقاً من طلاب الفقه ظنوا أن الفقه في كثرة الحفظ 
للمسائل» منبهاً إياهم إلى أن الفقه في معرفة الأصول والقواعدء فيقول: 
«بهذه الرتبة يسمى فقيهاء لا بحفظ مسائل الفقه ولو بلغت في العدد 
أقصى ما يمكن أن يحفظه إنسان» كما نجد متفقهة زماننا يظنون أن الأفقه 
هو الذي حفظ مسائل أكثرء وهؤلاء عرض لهم شبيه ما يعرض لمن ظن 
أن الحُمَاف هو الذي عنده غفاف كثيرة» لا الذي يقدر على عملهاء وهو 
بين أن الذي عنده خفاف كثيرة سيأتيه إنسان بقدم لا يجد في خفافه ما 
يصلح لقدمه. فيلجأ إلى صانع الخفاف ضرورة» وهو الذي يصنع لكل 
قدم خفا يوافقه» فهذا هو مثال أكثر المتفقهة في هذا الوقت»”". 
)١(‏ مقدمة ابن خلدون ص98". 


(۲) الموافقات (/ ۷٥)ء‏ وانظر: بدائع السلك في طبائع الملك (۲/ ۳۳۷). 
(۳) بداية المجتهد (7/ .)١1785‏ 


ب الفصل الثانى: شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها 2 
اا > و ا ا ا ا rel‏ 


ع 2 


الفرع الثالث: سبل تنمية الملكة الفقهية بطريق العناية بالقواعد 
والضوابط : 

بعد أن تقررت مكانة القواعد والكليات وأثرها البالغ في تنمية ملكة 
الفقه. كان من المهم الآن إيضاح السبيل إلى العناية بها؛ ليكون المتفقه 
آخذا من الفقه بالأصول والمعاقد الوثقىء لا بالأهداب والحواشي». 
وهنا أشير إلى الطرق الآتية : 


: العناية بنصوص الوحي الجامعة‎ - ١ 


قال عا الله . نتت برا ا E‏ -كما 
o‏ 0 


وجوامع الكلم التي أوتيها الله ية منها ما هو في القرآنء 
كقوله عزوجل #إِنَّ أنه يأمُرُ بالْعَدْلِ لسن وباي ِى 5 وهن عن 
لمحاو وَالسَكرٍ وَالبَنيْ»”". ومنها ما في كلامه يكو فكان ينطق 
بالكلمة الجامعة للأحكام الكثيرة» كقوله يي «من أحدث في أمرنا 


هذا ها ليت عله فهو «ما نهيتكم عنه فاجتنبوه» وما أمرتكم به 


)١(‏ رواه البخاري في صحيحه» كتاب الجهادء باب قول النبي يَلِيْةِ انصرت بالرعب مسيرة 
شهرا»› برقم )۹۷۷( عن أبي هريرة ون . 

(؟) نقل هذا عن الزهري البخاري في صحيحه في إثر حديث .)۷١٠۳(‏ 

(۳) سورة النحلء الآية (40). 

)٤(‏ رواه البخاري في صحيحه» كتاب الصلح» باب إذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح 
مردود» برقم (۲۹۹۷)ء ورواه مسلم في صحيحه» كتاب الأقضية» برقم »)۱۷١۸(‏ عن 
عائشة رضي الله عنها. 


مي الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها يي 
ا 
ي ار 


فائتوا منه ما استطعتم»"» «كل معروف صدقة”''. «لا ضرر ولا 
NE‏ 
ضران" ٠.‏ 
رسول الله كلد فصنف الحافظ أبو بكر ابن السني كتابا سماه: (الإيجاز 
وجوامع الكلم من السنن المأثورة)» وجمع القاضي أبو عبدالله 
القضاعي من ذلك كتابا سماه: (الشهاب في الحكم والآداب)» وأشار 
ا وأملى الحافظ أو عمرو بن الصلاح سا سماه 
(اللأحاديث | لكلية) فيه ستة وعشرون حديثاً» ثم زاد عليها النووي Ns‏ 
5 و ١ La ON‏ 
وأتمها اثنين وأربعين حديثا”” ٠»‏ ثم شرحها ابن رجب كآنه وزاد عليها 
تمام الخمسين› آلف الشيخ عبدالرحمن السعدي صن (جوامع 
الأخبار). اختار فيها تسعة وتسعين دا وشرحها شرحا سماه (بهجة 
قلوب الأبرار). 

فالعناية بالأحكام الكلية الآتية في الآي والأحاديث الصحيحة» 


)۱( رواه البخاري في صحيحه» كتاب الاعتصام» باب الاقتداء بسنن رسول الله ما برقم 
(۲)» ورواه مسلم في صحيحه» كتاب الحج» برقم (1777) عن أبي هريرة ذلنه. 

(۲) رواه البخاري في صحيحه. كتاب الأدب». باب كل معروف صدقة» برقم »)1٠۲١(‏ 
ورواه مسلم في صحيحه. كتاب الزكاة» برقم .»)٠١١(‏ عن جابر طلنه. 

(©) رواه مالك في الموطأ مرسلاء كتاب الأقضية. القضاء في المرفق» برقم (511/1؟). 
وقد روي موصولا من حديث أبي سعيد الخدري وابن عباس وعبادة بن الصامت وأبي 
هريرة وجابر وعائشة وغيرهم» وفي جميعها ضعف. لكن قال النووي وابن رجب: 
طرقه يقوي بعضها بعضا. انظر: جامع العلوم والحكم (؟7017/5-١51).‏ 

.)5ا9-54/١(‎ )5( 

() انظر: جامع العلوم والحكم .)01/١(‏ 


.يعم الفصل الثاني: شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها مي 
ا ا ا 
ا ا 


معناهاء واستنباط دلالاتهاء والاستعانة على ذلك بما حرره العلماء في 
كتبهم» بذلك يحصل المتفقه علماً كلياً جامعاً» مستمداً من مشكاة النبوة 
استمداداً مباشراء وهذا -لا شك معدن لاستمداد الملكة فى الفقه. 

- العناية في دراسة الفقه بتتبع مآخذ الأحكام وقواعدها: 

يمكن أن تكون دراسة الفروع الفقهية طريقاً لضبط الأصول» وذلك 
إذا كانت دراسة بصيرة» ولم تكن مجرد حفظ للفروع» بأن تكون جل 
العناية فى دراسة الأبواب متجهة إلى معرفة أصولها ومعاقدهاء سواء 
أكانت تلك الأصول مصرحاً منطوقاً بهاء أو كانت تعلم بجمع النظائر 
والمقارنة بينها -كما سيأتى-؛ وذلك لما تقدم من أن معرفة الأصول 
تتضمن معرفة الجزئيات المذكورة وغير المذكورة. يقول الجويني نه : 
الوق ا اا ق و ق لبهي سرس لماه 
من معرفة الأصول استهان عليه أن يدرك هذه الفصول»'. 

ويقول الشيخ عبدالرحمن السعدي يله : «ينبغي للمتعلم إذا درس 
باباً أن ينظر إلى أصوله ومسائله المهمة فيبحثها ويحققها ويحفظهاء 
ويعرف مآخذها وما هي مبنية عليه؛ فإنه يحصل على خير عظيم»”". 

وتحصيل القواعد من الفروع هي طريقة الطبقة الأولى من فقهاء 
المذاهب الذين حرروا قواعد مذاهبهم فخرجوا أصول أئمتهم من 
فروعهم. 
)١(‏ نهاية المطلب (8/ 5). 
(؟) المعين على تحصيل آداب العلم وأخلاق المتعلمين ص4". 


. و م الملكة الفقهية : حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها ا 


a 
ج‎ 
ي‎ 


ولم يقتصر استعمال هذا المنهح الفقهي على غرض ضبط أصول 
المذاهب». بل وجد في التاريخ الفقهي منهج تعليمي يعتمد دراسة 
الفروع والتفقه بهاء ومن ذلك ما غرف في بلاد المغرب من التفقه على 
(السماعات)» وهي الكتب الجامعة لفتاوى الإمام مالك وأقواله. 
فمنهج السماعات طريقة تعليمية تعتمد تلك الكتب فيقوم الفقهاء 
بإسماعها للطلبة وشرحها"''. فلما تحويه تلك السماعات من الأجوبة 
والنوازل الكثيرة التي يتلقاها الطالب أقساطاً مفرّقة في حصص دراسية 
كثيرة يتحصل لدى الطالب ملكة في استقراء أصولها والتخريج عليها”". 

فدراسة الفروع هي الطريقة الاستقرائية لتحصيل القواعدء كما أن 
التخريج على القواعد هي الطريقة القياسية» وهما طريقتان تدريسيتان 
مستعملتان منذ القدم. 

ويؤكد تقي الدين السبكي كن أهمية التآزر والتكامل بين الطريقتين 
فيقول: «كم من واحد متمسك بالقواعد قليل الممارسة للفروع ومآخذها 
بزل فی أذنئ المسائل» وكم من آخر مستكثر في الفروع ومتدذاركها قد 
أفرغ جمام ذهنه فيها غفل عن قاعدة كلية فتخبطت عليه تلك المدارك 
وصار حيرانء ومن وققه الله بمزيد من العناية جمع له بين الأمرين» 
فيرى الأمر رأي العين»”". 





)١(‏ انظر: منهاج تدريس الفقه ص47-57. 
() نقله عنه ابنه تاج الدين في الأشباه والنظائر .009/1١(‏ 





, عل الفصل الثانى: شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها E‏ 
س 14 
E 2‏ 


۳ - استفادة القواعد الممهدة التي حررها العلماء: 

حرر العلماء -رحمهم الله تعالى- قواعد كثيرة ثُلفى في كتبهم على 
ثلاثة أوجه: 

أحدها: كتب مفردة للقواعد الفقهية» تسرد فيها القواعد وقد يستدل 
لها وتذكر بعض فروعها وقد يذكر الخلاف فيها'''» فهذه ثمرة مجتناة 
عدون بطالتها الفقه' السناذكها» كبى علاضة عار ها يفول 
الحجوي: «مما يتأكد على المفتي ا استحضار قواعد القرافي» 
ومنهاج الزقاق... وإيضاح المسالك للونشريسي عند المالكية» وقواعد 
عز الدين بن عبدالسلام» والمقّري وعياض وأمثالهاء وأمثال هذه 
الكتب في سائر المذاهب هي التي تحصل ملكة الفتوى» وتوسع فكر 
المفتيء وتقيه مواقع الزلل»”". 

الوجه الثاني : قواعد وضوابط تأتي عرضا في أثناء بحث أو في 
سبيل ترجيح أو استدلال» فيبنغي للطالب اقتناصها وحفظهاء وللشيخ 
عبدالرحمن السعدي كن كتاب (طريق الوصول إلى العلم المأمول 
بمعرفة القواعد والضوابط والأصول)ء جمع فيه أكثر من ألف فائدة 
وقاعدة من كتب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم. 

الوجه الثالث: تعليل المسائل» فالتعليل غالبا ما يكون ضابطاً أو 
اد 


٤۲۲-٤٠٦ انظر مسردا لكتب القواعد الفقهية في : القواعد التأصيلية ص‎ )١( 
.. يقول عن أشباهه: إنه «نخبة عمر وزبدة دهر» ص۰۲۸‎ A فالسيوطي‎ (۲( 
.۷۲٤ص الفكر السامي‎ )۳( 


الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها يي , 


ww 


م 
10 ر 


فلا بد من اغتنام القواعد والضوابط التي حررها العلماء: تقييداً 
وفهماً وحفظاً وتخريجاً عليها. 

: استخراج القواعد والضوابط من المسائل‎ - ٤ 

الوجه السابق يشير إلى الاستفادة من قواعد وضوابط جلية تقع في 
كلام الفقهاء. ليس للطالب أي جهد في إبرازهاء أما هنا فالكلام في 
استخراج قواعد وضوابط وفروق غير مصرح بهاء ولكنها تستخرج 
بالتتبع والجمع والملاحظة؛ وذلك أن «القواعد ليست مستوعّبة في 
أصول الفقه. بل للشريعة قواعد كثيرة جداً عند أئمة الفتوى والفقهاء لا 
توجد في كتب أصول الفقه أصلا»"» وهذا مما يبعث طالب الفقه على 
استخراج القواعد والضوابط» ولا سيما التي لم يُصرح بها في كتب 
القواعد. 

ويبدأ ذلك بجمع النظائرء وهي المسائل المتشابهة في الصورة» 
سواء اتفق حكمها أو اختلف. ثم يُنظر في تعليل المسائل فيكون هو 
الضابط لهاء فإن اتفقت المسائل في الحكم فهو ضابطهاء وإن اختلفت 
اف يو اس ا ا 

مثالٌ لذلك في قاعدة (تدخل أبوابا): 

إذا توقف وجوب العبادة على وجود نفقة أو نحوهاء ولم يكن 
المكلف مالكاً لهاء ولكن بَدَلّها له غيره» فهل يلزمه القبول ويكون 


بذلك واجدا؟ 





(1) انظر: القواعد التأصيلية ص7١4-١57.‏ 
() الفروق (؟506/5). 


.عل الفصل الثاني : شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها . 1 
پخ ت ا إا 
4 اي و 


لهذه القاعدة ورود في مواضع عدة» وقد يختلف حكمها في تلك 
المواضعء وهذا التعدد مع اختلاف الحكم مما يوقع الطالب في 
اللبس» فإذا ما جمع الطالب النظائر من الأبواب وجدها هكذا: 
) في باب التيمم قالوا: يلزمه قبول الماء هبة؛ لأن المنة في ذلك 
E E aa Ye‏ 

وفي شروط الضلاة (ستر العوزة) قالوا: إن أعير سترة لزمه قبولها؛ 
لأنه قادر على ستر عورته بغير ضررء بخلاف الهبة؛ للمنة» ولا يلزمه 
اا 

وفي الحج قالوا: من بُذلت له نفقة الحج لم يكن بذلك مستطيعا 
لما في قبولها من المنة'". 

وكذلك نفقة الجهاد. من بذلت له من غير بيت المال لم يلزمه 
قبولهاء ولم يكن بذلك واجداً للنفقة؛ لما في قبولها من المِنّة"“. 

ورقبة الكفارة كذلك» لو بذلت له بهبة لم يلزمه قبولها””. 

وفي كتاب الأطعمة: ذكر الحنابلة أنه يُباح أكل المحرمات عند 
الضرورة؛ لكن يجب تقديم السؤال» نص عليه أحمد. وقال ابن تيمية: 
لا يجب تقديم السؤال ولا يأثم بعدمه وهو ظاهر المذهب"". 


(۱) انظر: شرح منتهى الإرادات .)181/١1(‏ 

(0) انظر: شرح منتهی الإرادات (۳۰۸/۱). 

(۳) انظر: کشاف القناع .)٤٦۹/۲(‏ 

(5) انظر: نهاية المحتاج (۸ / ٥٤)ء‏ كشاف القناع (۳/ ٤٤)ء‏ شرح المتتهى .)١/۳(‏ 
)٥(‏ انظر: شرح منتهی الإرادات .)٥٤۸/٥(‏ 

(0) انظر: الانصاف (۲۷/ .)۲٤١‏ 


الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها 0 
> كله 


0 


0 
ا 5 


وبعد جمع هذه النظائرء وتتبّع تعليلاتها نستطيع الخروج منها 
بقاعدة. هي: أن البذل إن كان فيه منة لم يجب قبوله وإلا وجب. 

ومثال آخر لضابط (في باب واحد): 

إذا خاطب الرجل امرأته بلفظ من ألفاظ الطلاق» ثم ادعى أنه لم 
یرد ظاهره» فهل يؤاخذ بظاهر لفظه. أم يُقبل منه دعوى خلاف ذلك؟ 

هذه مسألة ذات فروع كثيرة في كتاب الطلاق» فمن فروعها: أن 
يقول أنت طالق واحدةء ثم يقول: أردت ثلاثاً. أو يقول: أنت طالق 
كل الطلاق. ثم يقول: أردت واحدة. أو يقول: حلفت بالطلاق» ثم 
تقول :: كدت أو تلظ بكناية من كنايات الطلاق في حال غضب 
ونحوه ثم يقول: لم أرد الطلاق. أو يقول: أنت طالقء ثم يقول: 
أردك ظاهرا أو" من:وثاق أو يقؤل:: أنت ظالق انك طالق أنت طالق: 
ثم يقول: لم أرد الطلاق ثلاثاً بل أردت التأكيد والإفهام. 

فهذه الفروع وغيرها منها ما تُقبل فيه دعوى الزوج ومنها ما لا 
تقل اوعدا لات سف إشكال ولس و الفا درون هك 
الفروع وأحكامها من غير نص صريح على الضابط لهاء فإذا ما جمع 
الطالب هذه المسائلء ثم صتفها بحسب حكمهاء ثم أبرز ضابط كل 
صنف. اتضح الأمر. 

فعند ذلك سيجد هذه الألفاظ ثلاثة أصناف : 

e‏ صنف لا تقبل فيه دعوى الزوج مطلقا. 

© وصنف تقبل فيه الدعوى ديانة لا حكما. 

© وصنف تقبل في الدعوى ديانة وحكما. 





م الفصل الثانى: شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها E‏ 
عي © 3 ك7 7 ا حت تت ص 11017 
ل 


ثم يجد أن ضابط الصنف الأول الذي تجتمع فيه مسائله: أن الزوج 
ادعى معنى لا يحتمله اللفظ البتة. 

ويجد أن ضابط الصنف الثاني : أن الزوج ادعى معنى ممكتنا 
ويحتمله اللفظ. لكنه خلااف الظاهر. 

ويجد أن ضابط الصنف الثالث: أن الزوج ادعى معنى يحتمله 
اللفظ احتمالا قريبا. 
نوعء بمعرفة الضابط الجامع لها""". 

وفك كان الشيخ عبدالرحمن السعدي إلى هذه الضوابط بقوله: 
«ومن الفروق اللطيفة التي تُتَصيّد ف كلام الأصحاب..»"» ثم 
ذكرها. 

ه - البحث عن أسباب الخلاف: 

المسائل الاجتهادية واسعة الدائرة فى الفقهء وكثيراً ما يعود 
الخلاف فى حقيقته إلى الاختلاف فى قاعدة أصولية أو فقهية» والناظر 
في آحاد المسائل الخلافية قد تغيب عنه تلك الأصول التي هي أسباب 
الخلاف فى الحقيقة وتختفى وراء الأدلة التفصيلية» التى قد تكون أدلة 
محتملة وغير قاطعة» فمتى نفذ بصر الناظر إلى تلك الأصول التي هي 
أسباب الخلاف اتضح الأمرء وشعر باتساق البناء الفقهي وإحكامه. 


2000 وهذه الأقسام تجري أيضاً فى ألفاظ العتق والإيلاء والظهار والقذف. 
(؟) انظر: القواعد والأصول الجامعة ص”7١١.‏ 


ع الملكة الفقهية : حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها ا 
ا ا يي ا لي ال د 
ا ان 


واتسع عنده العذر للعلماء -رحمهم الله- فيما اختلفوا فيه» ولم يستغرق 
في التأمل والموازنة بين الأدلة التفصيلية» بل أولى الأصول جل 
العنانة » :يدنك يكون فقهة ساسكا ٠‏ مشن الغلاي والررانط مقا 
مطردا. 

ولإيضاح ذلك أضرب مثلاً بقاعدة اشتهر فيها الخلاف. وهي قاعدة 
الجيل» فقد صار الفقهاء فيها -إجمالا- فريقين: فريقاً يصححها حكماً. 
فقا لها ويلغيها.ء وجرى الاستدلال والنقاش في أدلة عدة. منها: 
قول اله ان و د ا ا ول 0 وخوت الد 
الجنيب”"» وحديث سعيد بن سعد بن عبادة وي قال: كان بين أبياتنا 
رويجل ضعيف» فخبث بأمة من إمائهمء فذكر ذلك سعد 
لرسول الله يِه فقال: «اضربوه حذه)ء. فقالوا: يا رسول الله! إنه 
أضعف من ذلك. فقال: «خذوا عثكالا فيه مائة شمراخ ثم اضربوه به 
ضربه واحدة»ء ففعلوا”"... 

وبتأمل هذه القاعدة (قاعدة الحيل)» نجد أنها فرع عن قواعد أعرق 
منها» هي : 


.)55( سورة صء الآية‎ )١( 

(؟) الجنيب: نوع جيد من أنواع التمر. النهاية في غريب الحديث (ج ن ب)» ص178. 
والحديث هو ما رواه أبو سعيد وأبو هريرة ويا أن رسول الله وك استعمل رجلا على 
خيبر» فجاءه بتمر جنيب» فقال رسول الله يلي «أكل تمر خيبر هكذا؟» فقال: لا والله 
لا يا رسول الله. إنا لتأخذ الصاع من هذا بالصاعين والثلاثة. فقال رسول الله يليةِ: «لا 
تفعل بع الجمع بالدراهم. ثم ابتع بالدراهم جنيبا». رواه البخاري (۲۲۰۱» ۲۲۰۲) 


.) ١ ١ة49*( ومسلم‎ 


(۳) رواه أحمد (7/0؟١5)‏ وابن ماجه (5/ا759). 


الفصل الثاني : شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها 2 

0 4 
© هل العبرة في صحة التصرف بسلامته في الظاهر. ام يراعى مع 
ذلك قصد العاقد؟ 


e 
IY 
و‎ 

e 


٠‏ قاعدة سد الذرائع» ومدى العمل بها. 


© وهل العقود والتصرفات موضوعة لمصلحة العباد مطلقاء أم لها 
مقاصد خاصة؟ 


© وهل الايمان تحمل على اللفظ أم على النية؟ 

وهذه القواعد مستندة إلى استقراء الأدلة التفصيلية» وبحسب 
الموقف من هذه القواعد يتحدد الموقف من (الحيل). 

ولأهمية معرفة أسباب الخلاف قال جماعة من العلماء: من لم 
يعرف الاختلاف لم يشم أنفه الفقه! ا فلا تعدوه عل ووضح 
الشاطبي وابن السبكي أن معرفة الخلاف التي يكون بها المرء فقيها: 
هي معرفة مآخذ الأقوال وسبب اختلافها لا مجرد حفظ المسائل 
ال 

وقد صرح ابن رشد بأنه قصّد إبراز الأصول والقواعد حين تتبّع 
أسباب الخلاف فقال: «غرضي في هذا الكتاب أن أثبت.. من مسائل 
الأحكام المتفق عليها والمختلف فيها بأدلتها والتنبيه على نكت 
)۱( رويت هذه المقالة عن قتادة وسعيد بن أبي عروية وهشام بن عبيد الله الرازي. انظر: 


جامع بیان العلم وفضله .)٤١/۲(‏ 
(۲) انظر: الموافقات (89/5). طبقات الشافعية الکبری .)١۹/۱(‏ 


الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها 4 


oi‏ س 
الخلاف فيها ما يجري مجرى الأصول والقواعد لما عسى أن يرد على 
المجتهد من المسائل المسكوت عنها في الشرع»”. 

وتُعرف أسباب اختلاف العلماء -رحمهم الله- باستشفاف أدلتهم في 
المسائل التي اختلفوا فيهاء كما يجدر بالمتفقه الاستفادة مما صرح به 
الفقهاء من أسباب الخلاف» وذلك فى كتب الخلاف المذهبية أو 
العاليةء آو في كتب تخريج الفروع على الأصول» أو غيرهاء لكن لا 
بد فى هذه الاستفادة من الاحتياط والتحقق» فربما أحيل الخلاف إلى 
قاعدة وبنى عليها ولم يكن ذلك البناء متحققاء وذلك يدعو الناظر إلى 
التحري والشبت. 

5 - التمرن على رد الفروع إلى الأصول. 

۷ - التمرن على التخريج على القواعد. 
المطلب الرابع : مقاصد الشريعة: 

وفيه أربعة فروع : 

الفرع الأول: التعريف بمقاصد الشريعة. 

الفرع الثاني : آثر العلم بمقاصد الشريعة في اكتساب الملكة الفقهية. 

الفرع الثالث: العلم بمقاصد الشريعة شرط للاجتهاد. 

الفرع الرابع: سبل تنمية الملكة الفقهية بطريق العناية بمقاصد 
الشريعة. 


.)٠١ /١( بداية المجتهد‎ )١( 





, ك الفصل الثاني: شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها عو 






E 

2 

+ /61؟ إن 
2 000 


الفرع الأول: التعريف بمقاصد الشريعة: 


المقاصد جمع مقصّدء ومقصد: 

© فهي بفتح الصاد مصدر م بمعنى: القصد. والقصد: 
إرادة الشيء والتوجه إليه وطلبه وإتيانه”'". 

© وهي بكسر الصاد اسم كات تطلق علق المكان المقضوة”" 
يُقال: بابك مقصدي”*'» فيكون (المقصد) اسم مكانء وهو هنا 
مكان معنوي» كأن المقصد محل أو جهة عالية تريد الشريعة 
إيصال العباد إليها بتشريعاتها الحكيمة. 


والشريعة: الدين والملة المتبعة» مشتقة من الشرع وهو: جعل 


طريق للسيرء وسميت شريعة الماء الذي يرده الناس شريعة لذلك» قال 
الراغب استعيز اي الشسريعة للطريقة الألهية:تشبيها رة الا 
ووجه الشبه : ما في الماء من المنافع وهي الري والتطهير. 


(1( 


(۲) 


(۳) 
(0 
(0) 
(0 


المصدر الميمي : مصدر قياسي يُبدأ بميم زائدة ويساوي المصدر الأصلي في المعنى 
والدلالة على الحدث. 

ومن أمثلته : مطلب» مضيعة» مجلبة» مَعدل... بمعنى : طلب» ضياع» جلب» عدول» 
انظر : النحو الوافی .)۱۸١/۳(‏ 

انظر مادة (ق ص د) في: الصحاح (۲/ ٤۲٥)ء‏ لسان العرب (۴/ .)٠١۷-۴۳۵۴‏ 
والقصد أيضاً : العدل والتوسط» واستقامة الطريق» والاكتناز في الشيء (ناقة قصيد: 
مكتنزة ممتلئة لحما)ء وكسر الشىء (قصد العود: كسره)ء والقهر. 

انظر: المصباح المنير ص١١4»‏ المعجم الوسيط (قصد) ص756. 

انظر : أساس البلاغة (ق ص د) (۲/ .)۸١‏ 

المفردات في غريب القرآن ص .71٠‏ 

التحرير والتنوير (58/78). 


الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها 


fron 


یو 


واصطلاحا عرفت مقاصد الشريعة تعريفات عدة» مدارها على أن 


المقاصد هي : المصالح والجكم التي جاءت أحكام الشريعة لتحقيقها. 





)١(‏ من تعريفات مقاصد الشريعة: 
© تعريف الطاهر بن عاشور -وهو خاص بالمقاصد العامة-: المعاني .والجكم 
الملحوظة للشارع في جميع أحوال التشريع أو معظمهاء بحيث لا تختص ملاحظتها 
بالكون في نوع خاص من أحكام الشريعة. 
© وورد في مقدمة (حجة الله البالغة) لشاه ولي الله الدهلوي ما يمكنه أخذه تعريفا لعلم 
المقاصد» وهو: علم أسرار الدينء الباحث عن جكم الأحكام ولمياتها -أي 
حقيقتها-» وأسرار خواص الأعمال ونکاتها. (۱/ ۲۲). 
© تعريف علال الفاسي : مقاصد الشريعة : الغاية منهاء والأسرار التي وضعها الشارع 
عند كل حكم من أحكامها. مقاصد الشريعة ومكارمها ص /ا. 
© تعريف د. أحمد الريسونى: هى الغايات التى وضعت الشريعة لأجل تحقيقها 
لمصلحة العباد. نظرية المقاصد عند الإمام الشاطبي ص19١.‏ 
© تعريف د. نور الدين الخادمي : هي المعاني الملحوظة في الأحكام الشرعية والمترتبة 
تجتمع ضمن هدف واحدء هو تقرير العبودية لله ومصلحة الإنسان في الدارين. الاجتهاد 
المقاصدي (۱/ .)٥۳-٥۲‏ 
تعريف د. مصطفى بن كرامة الله مخدوم: المصالح التي قصدها الشارع بتشريع 
الأحكام. انظر: قواعد الوسائل ص٤".‏ 
© تعريف د. محمد الجيزاني : المصالح التي جاءت الشريعة لتحقيقها. منهج السلف في 
الجمع بين النصوص والمقاصد وتطبيقاته المعاصرة» ضمن بحوث ندوة نحو منهج 
علمي أصيل لدراسة القضايا الفقهية المعاصرة .)07"4/١(‏ 
وهذه التعريفات وغيرها تدور على أن المقصد مساو للحكمة» والمصلحة. 
فالحكمة -كما يقول الطوفي-: «غاية الحُكم المطلوبة بشرعهء كحفظ الأنفس والأموال 
بشرع القود والقطع» شرح مختصر الروضة .)۳۸١/۴۳(‏ 
والمصلحة -كما يقول الغزالي-: «المحافظة على مقصود الشرعء ومقصود الشرع من 
الخلق خمسة: وهو أن يحفظ عليهم دينهم ونفسهم وعقلهم ونسلهم ومالهم». 
المستصفى .)5١5/١(‏ 
وانظر: علم المقاصد الشرعية /١(‏ 271-78 77). مقاصد الشريعة عند ابن تيمية 
ص 4.55 مقاصد الشريعة عند الإمام العز بن عبدالسلام ص .6١‏ 


ا بعر الفصل الثاني : شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها م 
3 5 104 


وهذا القدر من التعريف يشمل المقاصد بمستوياتها الثلاثة 
الا العامة الاو اة وا ك 


الفرع الثاني : آثر العلم بمقاصد الشريعة في اكتساب الملكة 
الفقهية : 

إن المعرفة بمقصود الشارع الحكيم من شرع الأحكام هو حقيقة 
الفقه» فما الفقه إلا فهم مراد الشارع» وما الاجتهاد بكافة مسالكه 
وضروبه إلا بحث عن مقصود الشارع. 3 ثم الاجتهاد في تطبيقه وتحقيقه ؛ 
فمن فَْهمّ حكمة الشارع كان هو الفقيه e‏ 


والعلم بمقاصد الشريعة يتضمن تمييز المصالح المعتبرة شرعاء 
والمعرفة برتبها وحدودهاء وكيفية تحقيقهاء. والجمع بينها. وصحة 
استمدادها من أصولهاء ثم استعمال تلك المعرفة في الاستدلال 
والتطبيق على الواقع 

ولتفصيل هذه الجملة أشير إلى أثر المعرفة بمقاصد الشارع على 

- زيادة الإيمان ورسوخ اليقين: 

لما كانت (مقاصد الشريعة) هي الحِكّم والمصالح التي شرعت 


)١(‏ المقاصد العامة: هي الحكم والمصالح التي راعتها الشريعة في جميع الأحكام أو 
معظمهاء: والمقاصد الخاصة: هى الخاصة بباب أو أبواب معينة» كالمقاصد الخاصة 
بالعبادات :أو الخاضة بالمعاملات + والمقاطند الجرمة .هي الندكم المتغلقة بتمشالة 
معينة. انظر: علم المقاصد الشرعية (۷۳-۷۲/۱)ء علم مقاصد الشارع (۱۹۳/۱- 
.))١6‏ 

) بيان الدليل ص١0".‏ 





ا الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها م 
vf‏ 5 
اد 1 
الأحكام من أجلها؛ كان العلم بتلك الجكم مما يزيد الإيمان؛ لما فيه 
من الاطلاع على محاسن الشرع وما فيه من الحكمة والرحمة والإحسان 
والعدل. ولا شك أن ذلك يزيد الإيمان والانقياد والفرح بهذا الدين؛ 
فيكون الرسوخ في الفقه والثبات في الفتن والسلامة من الشبهات» 

وذلك من أشرف معانى الملكة الفقهية. 






له 


ولحاجة العباد إلى العلم بحِكم التشريع لتثبيت إيمانهم نجد الكتاب 
العزيز كثيراً ما يقرن الأحكام بحِكمهاء ويشير إلى أسرارها ا 


كقوله تعالى بک الصّكلرة تَنْى عن الفحشاء وکر وزكر 


- 


1 00 ڪر ي وقوله وخ م ين ميم ا هرهم ورک ب 5 
كب يڪم ايام کا کب عل الت ين يڪم للم 
مود وقوله وا مروا الزن نَم گن فة وسا سب4 . 


نم 


ت 


وإن الجهل بحِكم الأمر والنهي وما فيهما من المصالح من أسباب 
الضعف عن القيام بهاء وهذا ما يشير إليه قول الحْضِر لموسى 4# : 
وگه صر عل ما لر مط ي بھے خا ففي الآية لأن السيب الكبيز 
لحصول الصبر إحاطة الإنسان علما وخبرة بذلك الأمر الذي فك بالصبر 


.٠٠١ص انظر: مقاصد الشريعة عند ابن تيمية‎ )١( 
.)56( (؟) سورة العنكبوت. الآية‎ 

(۳) سورة التوبةء الآية .)١٠١7(‏ 

.)۱۸۳( سورة البقرةء الاية‎ )٤( 

(6) سورة الإسراءء الآية .)١۲(‏ 

.)1۸( سورة الكهف. الآية‎ )١( 


2 الفصل الثاني : شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها n‏ 






و لن ف ال 
- صحة الفهم لكلام الشارع : 


من طبيعة الكلام احتماله أوجها من الدلالة تجعل المستمع والمتلقي 
له في حاجة إلى ما يبين الوجه الذي أراده المتكلم» وهذه الطبيعة في 
الكلام -أيّ كلام- تجعل من اللازم على من أراد الفهم والاستنباط من 
كلام الشارع الحكيم أن يكون ذا معرفة بمقاصده وغاياته؛ ليهتدي بذلك 
إلى صحة الفهم لما هو محتمل من كلامه» فيحمله على تلك المقاصد 
والغايات». فمعرفة المقاصد تعين على فهم أقوال الشارع» والجمع 
بينهاء» وتعيين المعنى المراد من المعاني المحتملة في اللغة» وتقييد 
المطلق وتخصيص العام بل وتأويل الظاهر”". 

وههنا نموذجان لأثر العلم بمقصد الشرع على فهم أدلة الكتاب 
والسنة : 

النموذج الأول: 


جاءت أحاديث متعددة في النهي عن المزارعة وكراء الأ 0 


)5غ( تيسير الكريم الرحمن ص٤۸٤‏ . 

(؟) انظر: مقاصد الشريعة الإسلامية ص2147 707. 

)۳( انظرها فى: صحيح مسلم ء كتاب البيوع ‏ الأبواب: باب كراء الأرض» ياب كراء 
الأرض بالطعام» باب كراء الأرض بالذهب والورق. باب في المزارعة والمؤاجرة. 
والمزارعة: دفع الأرض إلى من يزرعها ويعمل عليها والزرع بينهما. انظر: المطلع 
ص6١3.‏ 
وكراء الأرض: إجارتها ليُزرع فيها. انظر : المصباح المنير ص477. 


e‏ الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها م 
2 ا 


4 
کس 


وقد ذهب فريق من العلماء إلى تحريمها مطلقا؛ لما في بعض تلك 
الأحاديث من الإطلاق'. 

ووجّهت طائفة من العلماء ذلك النهي على أحد محملين» أحدهما: 
أنه نهي تنزيه» واستحباب لصاحب الأرض أن يعير أخاه أرضه مجانا» 
والمحمل الآخر: أن النهي خاص بالمزارعة التي فيها جهالة وغرر”"'. 
وبهذين المحملين تجتمع الأحاديث الواردة في المزارعة من قول 
النبي يي وفعله. 

وهذا المحمل الثاني هو ما ذهب إليه الليث بن سعد كانه مبينا ذلك 
بقوله «كان الذي تُهي عن ذلك ما لو نظر فيه ذوو الفهم بالحلال 
والحرام لم يجيزوه لما فيه من المخاطرة" ٠‏ وهذا تصريح من الليث 
اد الفهم لمقاصد الشارع في توجيه الألفاظ والروايات المطلقة وبيان 
مدلولها. 

النموذج الثاني : 

روى البخاري كن عن أبي أمامة هن أنه رأى سِكة”*' وشيئاً من آلة 
الحرث فقال: سمعت رسول الله يِه يقول: «لا يدخل هذا بيت قوم إلا 
أدخل ا الدل:. 





.)۱۹۸/۱۰( انظر: صحیح مسلم بشرح النووي‎ )١( 

(۲) انظر: صحیح مسلم بشرح النووي (۱۹۹-۱۹۸/۱۰). نیل الأوطار (۳/ .)۷۲۰-۷۱٤‏ 

(۳) رواه البخاري في صحيحه» كتاب الحرث والمزارعة» باب كراء الأرض بالذهب 
والقضلة» غلى إثر حديك (۴۶۹). 

(5) السكة: هي الحديدة التي تحرث بها الأرض. انظر: فتح الباري (0/ 0). 

(6) رواه البخاري في صحيحه., كتاب الحرث والمزارعة. باب ما يُحذر من عواقب 
الاشتغال بآلة الزرع أو مجاوزة الحد الذي أمر به برقم .)۲١۲١(‏ 





عم الفصل الثاني : شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها + 5 
وي 11 


فأخذ هذا الحديث منفرداً قد يُفهم كراهة الشارع للعمل في الزرع 
وأنه سبب للذل» لكن البصير بمقصد الشارع المطلع على مجموع سيرته 
وأقواله يُدرك أن الأمر ليس بهذا الإطلاق» وأن المراد به المبالغة في 
الاشتغال بالزرع في لهو وركون إلى الدنياء وترك الواجبات من الجهاد 
في سبيل الله وغيره» وهذا ما ترجم به البخاري كن لهذا الحديث 
فقال: (باب ما يُحذر من عواقب الاشتغال بآلة الزرع أو مجاوزة الحد 
الذي أمر به). فحمّل هذه الوعيد على من اشتغل بالزرع عما فرضه الله 
وجاوز الحد المشروعء بل قدم لهذا الحديث بحديث اخر فيه فضل 
الزرع» هو قول النبي َيه «ما من مسلم يغرس غرساً أو يزرع زرعا 
فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة)7". 

- القياس الصحيح : 

القياس أصل من أصول الأدلة الشرعية» عمل به الصحابة ول 
وبعدهم جمهور العلماء -رحمهم الله-» ومعلومٌ أن عماد القياس على 
العلة» وعماد العلة هو مقاصد الشريعة؛ لأن اكتشاف العلة المستنبطة 
إنما يكون بطريق تخريج المناط. وهو مسلك المناسبة» وهو التعرف 
على الوصف الذي عُلق عليه الحكم بما فيه المصلحة المترتبة عليه. 

فالمصلحة إذا هي أساس معرفة العلة» التي هي أساس القياس» 
لكن من شرط هذه المصلحة أن تكون مصلحة معتبرة في نظر الشارع 
الحكيم» أي أن تكون ضمن مقاصد الشارعء وهنا يأتي أثر العلم 
بالمقاصد في إقامة القياس الصحيح. 


(1) المرجع السابقء باب فضل الزرع والغرس إذا أكل منه» برقم (۲۳۲۰). من حدیث 
أنس ولنه. 


الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها بيش 
3 


وهناك نوع آخر من الاستدلال؛ هو من القياس عند بعض العلماءء 
وهو مفهوم الموافقة”''» وهو ما كان حكم المسكوت عنه موافقاً لحكم 
المنطوق لانتفاء الفارق بينهما". 
ومفهوم الموافقة أيضاً متصل بمقاصد الشارعء لأن الإلحاق فيه 
مبني على انتفاء الفارق المؤثر بين الأصل والفرع» فهو فرع عن تمييز 
الأوصاف المحققة لمقصود الشارع من الأوصاف الطردية. 
ف«الفقه الفهم» وأول مراتب الفقيه أن يفهم أصول الشريعة 
وموضوعهاء فحينئذ يتهيأ له إلحاق فرع بأصل وتشبيه شيء بشيء؛ 
فتصح له الفتوى»0) 
وفي هذا الموضع -أعني القياس- نجد صورتين من الخلل» هما أثر 
للتقصير في رعاية المقاصد الشرعية : 
الأولى: موقف الظاهرية من التعليل والقياس» ويتلخص موقفهم 
ي 
© الاقتصار في تعليل الأحكام على العلل والمقاصد التي صرحت 
بها النصوص» دون ما كان مستنبطا منهاء فقالوا بالعلل التي 
جاءت النصوص صريحة بهاء وبالمقاصد والجكم التي صرحت 
بها النصوص» ومنعوا استنباط مالم تصرح به منهاء ورأوه 


وو رر 2 رو 


قول الله تعالى لا يسل عَمَّا قعل“ وهم بهذا يمنعون 


(۱) انظر: شرح الکوکب المنیر (۳/ .)٤۸٤‏ 
(۲) انظر: شرح الکوکب المنیر .)٤۸۱/۳(‏ 


(5) سورة الأنبياء» الآية (77). ُ 


(1) 


زفق 


جل مي 
e‏ ا 
100 


الاجتهاد فى استنباط العلل والمقاصد» ويغلقون مسالك العلة إلا 


الفصل الثاني : شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها 





© إلزام تلك العلل والمقاصد لمحالها التي وردت فيهاء دون 


تعديتها إلى غيرها مما يماثلهاء وهم بهذا يمنعون القياس”''. 
وهذا مبني عندهم على قاعدة ثالغةق هي : 


© عدم تعليل أفعال الله تعالى» أي إنكار أن يكون الله عزوجل شرع 


الشرائع لحكمة بالغة. منها تحقيق مصالح العباد فى الدارين» 
وإنما شرعها لمشيئة مجردة”''؛ وإذا كانت كذلك فلا يُمكن تعدية 
حكم من موضع منصوص عليه إلى آخر غير منصوص عليه؛ لأن 


> يقول ابن حزم معلقا على هذه الآية: «وإذا لم يحل لنا أن نسأله عن شيء من أحكامه 
تعالى وأفعاله (لم كان هذا) فقد بطلت الأسباب جملة وسقطت العلل البتة إلا ما نص 
الله تعالى عليه أنه فعل أمر كذا لأجل كذا». الإحكام شرح أصول الأحکام (۲/ )٠٠١‏ 
وما بعدها. 

يقول ابن حزم: «لسنا ننكر وجود أسباب لبعض أحكام الشريعة» بل نثبتها ونقول بهاء 
لكنا نقول: إنها لا تكون أسباباً إلا حيث جعلها الله تعالى أسباباء ولا يحل أن يُتعدى 
بها المواضع التي نُص فيها على أنها أسباب لما جعلت أسباباً له». الإحكام شرح أصول 
الأحکام .)٦۰۲/۲(‏ وانظره: (۲/ ۰0۸۳ 2097 موف .)٠٠١‏ 

يقول ابن حزم : «قال أبو سليمان وجميع أصحابه -رضي الله عنهم-: لا يفعل الله شيئاً 
من الأحكام وغيرها لعلة أصلاء بوجه من الوجوه... وهذا هو ديننا الذي ندين الله به 
وندعو عباد الله تعالى إليهء ونقطع على أنه الحق من عند الله تعالى». الإحكام شرح 
أصول الأحکام (۲/ .)٥۸۳‏ 

وفي موضع آخر أوضح أنه يقول بوجود مقاصد للشارع » وهي ما يسميه (الغرض)» لكن 
إرادة الله عزوجل لهذا الغرض إرادة مجردة» فيقول: «وكل ما ذكرنا من غرضه تعالى... 
فكل ذلك أفعال من أفعاله» وأحكام من أحكامه» لا سبب لها أصلاء ولا غرض له فيها 
البتة غير ظهورها وتكوينها فقط ؛ لا يسسَلُ عَمَا يفْحَلُّ4». الإحكام شرح أصول الأحكام 
(؟/707) وانظره (507/7). 


ي الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها يعر, 
اک یھ لضا شردة ا س چ 


r 
التشريع الإلهي راجع إلى مشيئة مجردة» وليس له حكمة معلومة‎ 
معقولة مظردة يُدركها البشر فيّديرون الأحكام عليها".‎ 
ولا تخفى خطورة هذا المسلك على الفقهء لما فيه من تضيق مسلك‎ 
التعرف على مقاصد الشارع وتضييق مسلك العمل بهاء وما يترتب على‎ 
ذلك من اللجوء إلى مسالك في الاستدلال هي أضعف مما فرّوا منه؛‎ 
أعني الو ا حل الا وما نتج عنه من آراء شاذة يقطع‎ 
بخطئهاء إنه مسلك ينكر أن يكون للشريعة قوانين مظردة‎ a العثل والنطرة‎ 
تُعرف أحكامها منهاء «وكما أن من لا يؤمن بقوانين الكون واظرادها‎ 
واستقرارها وكمالها ودقتها لا يمكن أن يتقدم في أي علم من العلوم‎ 
المادية› فكذلك من لا يؤمن بحكمة التشريع الشاملة وبقوانينه المطردة‎ 
وبقواعده المضبوطة؛ لا يمكن أن يتقدم في علوم الشريعة أبدا»"؛‎ 
ولهذا لم يعتد كثير من الفقهاء والأصوليين بخلاف الظاهرية في‎ 
المسائل المبنية على القياس””".‎ 


)١‏ انظر: الإحكام شرح أصول الأحكام. الباب التاسع والثلاثون: في إبطال القول بالعلل 
في جميع أحكام الدين (؟/ 5728-0417)» نظرية المقاصد عند الإمام الشاطبي ص778- 
» ابن حزم حياته وعصره .5١٠0-759٠‏ 

(؟) نظرية المقاصد عند الإمام الشاطبي ص 5905. 

(۳) صرح جماعة من الأصوليين بعدم الاعتداد بخلاف الظاهرية مطلقاء منهم أبو بكر 
الباقلاني وإبو إسحاق الإسفراييني وأبو المعالي والغزالي وأبو بكر الرازي الحنفي 
وغيرهمء ونسبه الإسفراييني والنووي والقرطبي صاحب المفهم إلى الجمهور. 
وقيّد الأبياري وابن الصلاح عدم الاعتداد بهم بالمسائل المبنية على القياس. بخلاف 
المسائل المبنية على ظواهر النصوص فيُعتد بخلافهم فيهاء وهذا التقييد أصح؛ لعدم 
ولعل هذا مراد من أطلق. انظر: البحر المحيط .)٤۷١/٤(‏ 


.25 الفصل الثانى: شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها مي 
f‏ 3 ود ٠‏ 


وأما الصورة الثانية : فهى الإسراف فى استعمال القياس» بالأخذ به 
قبل البحث عن النصوص. أو ردّ النصوص الثابتة من أجلهء أو 
استعمال الفاسد منهء كالقياس على مناسبة لم يتحقق ثبوت تأثيرها 
شرعاء أو كان في اعتبارها تفويت مصلحة أرجح› وهذا ما يقع فيه من 
قصّر من الفقهاء في معرفة الآثار فاحتاج إلى توسعة مجال الرأي» ولا 
يخفى أن هذا شكل آخر من التقصير في معرفة مقاصد الشارع. 

ف«التمييز بين صحيح القياس وفاسده مما يخفى كثير منه على أفاضل 
العلماء فضلاً عمن هو دونهم؛ فإن إدراك الصفات المؤثرة في الأحكام 
على وجههاء ومعرفة الحكم والمعاني التي تضمنتها الشريعة من أشرف 
العلوم» فمنه الجلي الذي يعرفه كثير من الناس ومنه الدقيق الذي لا 
يعرفه إلا خواصهم؛ فلهذا صار قياس كثير من العلماء يرد مخالفا 
للنصوص؛ لخفاء القياس الصحيح عليهم كما يخفى على كثير من 
الناس ما في النصوص من الدلائل الدقيقة التي تدل على الأحكام»؛ 
ولهذا كان «العلم بصحيح القياس وفاسده من أجل العلوم. وإنما يعرف 
ذلك من كان خبيراً بأسرار الشرع ومقاصده وما اشتملت عليه شريعة 
الإسلام من المصالح التق تفوق التعداد» وما تضمنته من مصالح العباد 
فى المعاش والمعاد. وما فيها من الحكمة البالغةء والرحمة السابغة. 
والعدل التام»”". 

وأود فيما يلي إبراز نماذج لأثر العلم بالمقاصد في صحة القياس» 
وهى من اختيارات ابن القيم رحمه الله. 


00( مجموع الفتاوى (١؟/058).‏ 
,0 مجموع الفتاوى (١5؟/‏ 087). 


4 الملكة الفقهية : حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها‎ TA 
ال ل عا نج ا ب ع ا و ج و‎ 6 


لیے ان 
النموذج الأول: هل من شرط التوبة من الغيبة إعلام المغتاب 
واستحلاله؟ 


بحث كه هذه المسألةء وذكر فيها ثلاثة أقوال: قولا باشتراط 
إعلام المغتاب بما قاله فيه» وقولا باشتراط إعلامه بأنه قد نال من 
عرضه ولا يشترط تعیین ما قاله» وقولا بعدم اشتراط إعلامه. 

ثم ذكر أدلتهم» فقال: 

«والذين اشترطوا ذلك احتجوا بأن الذنب حق آدمىء فلا يسقط إلا 
بإحلاله منه وإيرائه. ا 

ثم من لم يصحح البراءة من الحق المجهول شرط إعلامه بعيئه» لا 
سيما إذا كان من عليه الحق عارفا بقدره. فلا بد من إعلام مستحقه به؛ 
لأنه قد لا تسمح نفسه بالإبراء منه إذا عرف قدره. 

واحتجوا بالحديث المذكور وهو قوله «من كان لأخيه عنده مظلمة 
من مال أو عرض فليتحلله اليوم»”' » قالوا: ولأن في هذه الجناية 
حقين: حقاً لله وحقاً للآدمي» فالتوبة منها بتحلل الآدمي لأجل حقه» 
والندم فيما بينه وبين الله؟ لأجل حقه. 

قالوا: ولهذا كانت توبة القاتل لا تتم إلا بتمكين ولي الدم من 
نفسهء إن شاء اقتص» وإن شاء عفا. وكذلك توبة قاطع الطريق. 

والقول الآخر: أنه لا يشترط الإعلام بما نال من عرضه وقذفه 
واغتيابه» بل يكفي توبته بينه وبين الله» وأن يذكر المغتاب والمقذوف 


)0 رواه البخاري في صحيحه» كتاب المظالمء باب من كانت له مظلمة عند الرجل فحللها 
له هل يبين له مظلمته؟ برقم 2*6 عن أبي هريرة طن . 


e‏ الفصل الثاني : شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها ا 
ا ی 


ل 
في مواضع غيبته وقذفه بضد ما ذكره به من الغيبة» فيبدل غيبته بمدحه 
والثناء عليه وذكر محاسنهء وقذفه بذكر عفته وإحصانه› ويستغفر له بقدر 
ما اغتابه» وهذا اختيار شيخنا أبى العباس ابن تيمية قدس الله روحه. 


واحتج أصحاب هذه المقالة بأن إعلامه مفسدة محضة لا تتضمن 
نضلحة ؛ فته لا يديدة إلا اذى 'وحدقاً وغماء وقد كان مستريحا قبل 
سماعه» فإذا سمعه ربما لم يصبر على حمله» وأورثته ضرراً في نفسه أو 
بدنه... وما كان هكذا فإن الشارع لا يبيحه فضلاً عن أن يوجبه ويأمر به. 


قالوا: وربما كان إعلامه به سبباً للعداوة والحرب بينه وبين القائل» 
فلا يصفو له أبداًء ويورثه علمه به عداوة وبغضاء مولدة لشر أكبر من 
شر الغيبة والقذف» وهذا ضد مقصود الشارع من تأليف القلوب 
والتراحم والتعاطف والتحابب. 


قالوا: والفرق بين ذلك وبين الحقوق المالية وجنايات الأبدان من 
وجهين: 


أحدهما: أنه قد ينتفع بها إذا رجعت إليهء فلا يجوز إخفاؤها عنه؛ 
فإنه محض حقه» فيجب عليه أداؤه إليه بخلاف الغيبة والقذف؛ فإنه 
ليس هناك شيء ينفعه يؤديه إليه إلا إضراره وتهييجه فقطء فقياس 
أحدهما على الآخر من أفسد القياس. 


والثاني: أنه إذا أعلمه بها لم تؤذه ولم تهج منه غضبا ولا عداوة» 
بل ربما سره ذلك وفرح بهء بخلاف إعلامه بما مزق به عرضه طول 
عمره ليلا ونهاراً من أنواع القذف والغيبة والهجو. فاعتبار أحدهما 


الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها إن 


ت 


بالآخر اعتبار فاسد. وهذا هو الصحيح في القولين كما رأیت» والله 
أعلم)”'". 

النموذج الثاني : أن النبي ية فرض صدقة الفطر صاعا من تمر أو 
صاعا من شعير أو صاعا من زبيب أو صاعا من أقط". فذهب بعض 
الفقهاء إلى تعيين هذه الأصناف مع القدرة عليهاء ولو لم تكون قوت 
البلد. 

واختار ابن القيم ين أن الواجب صاع من قوت البلدء وأن 
النبي ية إنما سمى هذه الأطعمة لأنها كانت قوت أهل المدينة» وأيد 
اختياره هذا بأن «المقصود سد خلة المساكين يوم العيد ومواساتهم من 
جنس ما يققتاته أهل بلد ۲" 

النموذج الثالث : شرع النبي يك عند رد الشاة المُصرّاة رد صاع من 
تمر معهاء فاختلف القاتلون بذلك. هل يجب رد صاع من تمر مطلقاء 
حتى في بلد ليس التمر طعامهم ولا قوتهم؟ «وهذا قول أكثر الشافعية 
والحنابلة» وجعل هؤلاء التمر في المصراة كالتمر في زكاة التمر لا 
يجزئ سواهء فجعلوه تعبداً» فعينوه اتباعاً للفظ النص». 

ثم اختار إخراج صاع من قوت البلد» وعلل ذلك بأنه «أقرب إلى 
مقصود الشارع ومصلحة المتعاقدين من إيجاب قيمة صاع من التمر في 
)20 


موضعه) 


.)577-1756 /١( مدارج السالكين‎ )١( 

(۲) رواه البخاري في صحيحه» أبواب صدقة الفطرء باب صاع من زبيب» برقم »)۱٥۰۸(‏ 
ومسلم في صحيحهء كتاب الزكاة» برقم (486)» عن أبي سعيد الخدري ذلإنه. 

() أعلام الموقعين (4/ 07"). 

.)"008 /5( أعلام الموقعين‎ )٤( 


7 الفصل الثاني: شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها ا 

فيظهر في هذه الاختيارات السديدة انطلاقه من النظر في مقصود 
الشارع في تنقيحه للمناط» ففي المثال الأول بينما رأى أصحاب 
القولين الأولين مناط التحلل (كونه حق آدمي) ألحق به ابن القيم وصفا 
آخر هو (انتفاع صاحب الحق بعلمه بذلك الحق» وعدم تأذيه به)» ثم 
قرر كه هذا بالفرق بين مظلمة المال ومظلمة العرض» وخطأً قياس 
أحدهما على الآخر. 

وكذلك في المثال الثاني رأى المناط في هذه الأصناف الخمسة 


كونها قوت أهل البلد؛ نظراً إلى أن مقصد شرع زكاة الفطر إغناء 
الفقراء» وذلك يتم بإعطائه من قوت البلده وكذلك في المثال الثالث. 


- معرفة حكم ما لم يرد فيه دليل خاص: 

التجدد سمة من سمات الحياةء فلا يزال يحدث من الواقعات ما لم 
يكن للناس به عهد» ونصوص الشريعة الكاملة نصوص محدودة العدد. 
لكنها محيطة وافية ببيان ما يحتاج إليه الناس من الهدى والعلم. 


ولهذا يستحث الشيخ الطاهر بن عاشور العالِم إلى أن يكون خبيراً 
بمقاصد الشرعء ب«أن يخبر أفانين هذه المصالح في ذاتها وفي 
عوارضهاء وأن يسبر الحدود والغايات التي لاحظتها الشريعة في 
أمثالها وأحوالها.. لتكون له دستوراً يقتدى وإماما يحتذى» إذ ليس له 


)١(‏ لم يبين كلف في هذا الموضع الجواب عن استدلال أصحاب القولين الأولين بالحديث» 
ففيه النص على الاستحلال من مظلمة العرض. ولعل جوابه عنه: أنه يحمله على ما إذا 
كان من اغتيب عالما بالغيبة» فهنا لا محذور من تحلله» بخلاف من لم يعلمء ففيه هذا 
المحذور. 


eet‏ الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها إا 
لفلف 


آھ عوج يه 
مطمع عند عروض كل النوازل بأن يظفر لها بأصل مماثل في الشريعة 
المنصوصة ليقيس عليه» بله نص مقنع يفيء إليه؛ فإذا عنت للأمة حاجة 
وهرع الناس إليه وجدوه ذكي القلب صارم القول»'. 

والمعرفة بأوجه دلالة الشريعة سمة الطبقة العالية من العلماءء وقد 
اصطلح كثير من الأصوليين على تسمية طريق الاجتهاد فيما لم يرد فيه 
دليل خاص ب(الاستصلاح)» والمصلحة المرسلة. 

والاستصلاح إنما يقوم عماده على الدراية الجيدة بمقاصد الشارعء 
وذلك أن للأخذ به شروطا" » هي : 

١‏ - أن يعود على مقاصد الشريعة بالحفظ. 

أو: أن تكون المصلحة ملائمة لتصرفات الشرع في الجملةء ولها 

وهذا الشرط يستلزم شرطاً آخرء هو: ألا تخالف المصلحة دليلاً 
من الكتاب أو السنة أو الإجماع» فتكون مصلحة ملغاة. 

۲ - ألا تعارضها مصلحة مساوية أو راجحة» ولا يلزم من العمل 
بها مفسدة مساوية أو راجحة. 

۳ - أن تكون في مواضع الاجتهاد لا في المواضع التي يتعين فيها 


)١(‏ مقاصد الشريعة الإسلامية ص8/. 

(۲) انظر: أصول الفقه الذي لا يسع الفقيه جهله ص۷٠۲ء‏ معالم أصول الفقه عند آهل 
السئة والجماعة ص755. 

(۳) كأن تكون في المصالح الدنيوية المعقولة المعنىء لا في المصالح الأخروية التي لا 
تعقل معانيها على التفصيل. 


ب بعر الفصل الثانى : شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها سي 
2 1 یو 


فتحقيق هذه الشروط لا يتم إلا بالعلم مالتقاضد الشرعةة» اما 
الشرط الأول: فلأن به التمييز بين المصالح المعتبرة شرعاء والتي تبنى 
عليها الأحكام الشرعية» والمصالح التي يراها الناس مصلحة وليست 
كذلك في علم الشارع الحكيم سبحانه. 

وأما الشرط الثاني فهو عبارة عن العلم بمقادير المصالح والمفاسد. 
وسبل الجمع بينها ووجوه تحقيقها في الواقع. 

وأما الشرط الثالث فالأخذ به إغلاقٌ لباب الابتداع وشرع ما لم 
يأذن به الله» وهو إنفاذ لمقصد عظيمء هو ألا يُعبد الله إلا بما شرعه 
رسوله كَل وهو مدلول شهادة أن محمداً رسول الله. 

فبالعلم بالمقاصد يتمكن الفقيه من إعطاء حكم لما ليس فيه نص 
خاضن» :وعذااهر: الكفيل بدواء السريعة الإسلاية للعضور والأجيال 
التي أتت بعد عصر الشارع» والتي تأتي إلى انقضاء الدنيا. 

- حسن فهم كلام العلماء.ء وتوجيهه أو تقييده إذا اقتضى الحال» 

والاختيار من الأقوال في مسائل الخلاف: 

كما يكون العلم بالمقاصد عونا على صحة فهم كلام الشارع» يكون 
هاديا أيضا إلى صحة فهم كلام الفقهاء. وربما إلى التنبيه على ما يقتضيه 
الحال من تقبيدٍ لإطلاق في كلامهم» ولعل في هذا المثال بيانا لذلك : 

اشترط الشافعية والحنابلة في خطبة الجمعة اشتمالها على الوصية 
بتقوى الله» وذكروا أن أقل ذلك: اتقواالله. وأطيعوا الله» ونحو 
لك 


.)۲۹٦/۱( انظر : الم (37777/5). نهاية المحتا- 37170 ). الاقنا للحجاوى‎ )١( 
. نظر : المجموع 39 بع‎ 






0 الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها 8 

لكن أبا المعالي الجويني يبه تعقب ذلك» فاستبعد صحة الاكتفاء 
بمثل هذا؛ نظراً إلى أنه لا يحقق مقصود الخطبةء فقال: «ومما يدور 
في الخلد": أن الخاطب لو اقتصر على كلم معدود» ليس فيها هر 
واستحثاث على الخير أو زجر عن معصيةء مثل أن يقول: أطيعوا الله 
واجتنبوا معاصيهء فهذا القدر لو فرض الاقتصار عليه فالذي يؤخذ من 
قول الأئمة أنه كافي؛ فإنه ينطلق عليه اسم الوصية بالتقوى والخيرء 
ولكني ما أرى هذا القدرٌ من أبواب المواعظ التي تنبه الغافلين» 
وتستعطف القلوب الابيّة العصيّة إلى مسالك البرّ والتقوى... فالغرض 


( 
فصل مجموع يهر ويقع من السامعين موقعاً»". 


وهذا ما ذهب إليه أا الشيخ عبدالرحمن السعدي ّنه وعلل ذلك 
8 لا يحصل به المقصود””". 


- السداد في تنزيل الأحكام على الوقائع. والنظر في المالات. 

والموازنة بين المصالح والمفاسد عند التزاحم 

الفقه في تنزيل الأحكام على الواقع يستلزم بصيرة في مقاصد 
الشريعة» وذلك أن واقع الحياة يتسم بالتداخل والتعقيدء فقد لا يتحقق 
المطلوب الشرعي إلا مع شيء من المكروه» وقد لا يرتفع المكروه إلا 
بارتفاع شيء من المشروع. كما أن الأمر المشروع أو المباح قل يجر 
إلى ضده من الأمور المكروهة للشارعء وإلى ذلكء. فواقع الحياة 
)١(‏ الخلّد: البال. انظر: الصحاح (559/5). 


(7) نهاية المطلب (047-5417/7). 
(۳) انظر: المختارات الجلية ص1۹. 


.بعل الفصل الثاني: شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها يي 






ا Av‏ 
متجدد متغيرء فما قرره الفقهاء الأولون في حال قد لا يكون صالحا في 
حال أخرى. 


وهنا تبرز حاجة المجتهد إلى الخبرة بمقاصد الشرع ليلاحظها في 
تطبيقه للأحكام الشرعية على الواقع» وبذلك تتسع دائرة نظره» فيبصر 
خصائص الواقعة» ومآلات الفتوى» فيوازن بين المصالح والمفاسدء 
ويسد ذرائع الفساد في اعتدال» ويفتح ذارئع الخيرء ولا يلتزم فتوى أو 
قولا محفوظا عن المتقدمين إذا كان تغير مناطه. وبهذا يوفق ويسدد 
بإذن الله. 

- منع الحيل وإبطالها : 

الحيل صورة من مناقضة مقاصد الشرعء يُظهر فيها المحتال ظاهراً 
صحيحاً للتوصل إلى أمر محرم. 

فالاحتيال إنما ينشاً من عدم الفقه لحكمة الشارع» وقلة الإيمان بأن 
ما جاء به هو الخير عاجلا وأجلاء وإن لم يدركه المكلف؛ ولهذا كان 
«مما يقضي منه العجب أن الذين ينتسبون إلى القياس واستنباط معاني 
الأحكام والفقه من أهل الحيل هم أبعد الناس عن رعاية مقصود 
الشارع وعن معرفة العلل والمعاني وعن الفقه في الدين» فإنك تجدهم 
يقطعون عن الإلحاق بالأصل ما يعلم بالقطع أن معنى الأصل موجود 
فيه» ويهدرون اعتبار تلك المعاني» ثم يربطون الأحكام بمعاني لم 
يومئ إليها شرع ولم يستحسنها عقل»”". 


.)١١5/5( انظر: بيان الدليل ص55. الموافقات‎ )١( 
.)١7١ /5( (؟) الفتاوى الكبرى لابن تيمية‎ 


الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها 2: 





ik 
{1E 


01 
ی ر 


الفرع الثالث: العلم بمقاصد الشريعة شرط للاجتهاد: 


57 
کر 


لما سبق» ولكون إصابة مقصود الشارع هي غاية الاجتهاد ؛ صرح أبو 
إسحاق الشاطبي كآنه بأن العلم بمقاصد الشريعة شرط في المجتهد؛ ذلك 
«أن الشريعة مبنية على اعتبار المصالح» وأن المصالح إنما اعتبرت من 
حيث وضعها الشارع كذلك. لا من حيث إدراك المكلف... فإذا بلغ 
الإنسان مبلغا فهم عن الشارع فيه قصده في كل مسألة من مسائل 
الشريعة» وفي كل باب من أبوابها فقد حصل له وصف هو السبب في 
تنزله منزلة الخليفة للنبي ية في التعليم والفتيا والحكم بما أراه اش»'. 


وما صرح به الشاطبى ذكره أف تقى الدين الك اشا إليه 
إشارةً كثير من الأصوليين ممن تحدث عن صفة الاجتهاد وترتيب 
.)( 
الأدلة” . 


.)05/5( الموافقات‎ )١( 

(۲) قال كّنة: «كمال رتبة الاجتهاد تتوقف على ثلاثة أشياء... 
الثاني : الإحاطة بمعظم قواعد الشريعة حتى يعرف أن الدليل الذي ينظر فيه مخالف لها 
أو موافق. 
الثالث: أن يكون له من الممارسة والتبع لمقاصد الشريعة ما يكسبه قوة يفهم منها مراد 
الشرع من ذلك وما يناسب أن يكون حكما له في ذلك المحل وإن لم يصرح به كما أن 
من عاشر ملكا ومارس أحواله وخبر أموره إذا سئل عن رأيه في القضية الفلانية يغلب 
على ظنه ما يقوله فيها وإن لم يصرح له بهء لكن بمعرفته بأخلاقه وما يناسبها من تلك 
القضية فإذا وصل الشخص إلى هذه الرتبة وحصل على الأشياء الثلاثة فقد حاز رتبة 
الكاملين في الاجتهاد؛ الإبهاج شرح المنهاج .)9-8/١(‏ 

(*) انظر: تعليق الشيخ عبدالله دراز على كلام الشاطبي هذا في : الموافقات -٠٠١ /٤(‏ 
7» وتعليق الشيخ مشهور حسن سلمان عليه :»)47-4١/0(‏ ونظرية المقاصد عند 
الإمام الشاطبي ص07 7-/8"01. 





وهذا التصريح إذ لم يوجد عن عامة من تكلم عن شروط الاجتهاد 
فقد يحتاج إلى شيء من البيان» وذلك: أن مقاصد الشريعة الإسلامية 
تأتي على ثلاث طبقات في العموم: 
© مقاصد عامةء ثبت قصد الشريعة إليها في جميع الأحكام أو 
غالبها. 


© ومقاضد خاصة» 'تخخض يباب من أنوات الدين؛ كمقاضد 
الشريعة في الحج -مثلاً-. 

© ومقاصد جزئية» تختص بمسألة أو حكم من الأحكام. 

فأما المقاصد الجزئية فمعرفتها ليست بشرط للاجتهاد؛ لأنها مسائل 
جزئية من جنس الفروع المستنبطة بالاجتهادء فلا تكون شرطاً سابقاً له 
كالمعرفة بأن مقصد النهي عن ادخار لحوم الأضاحي التوسعة على 
الا 

وأما المقاصد العامة» فهي كمقصد إقامة العبودية لله» وإقامة 
العدل» وتحصيل المصالح وتكميلها وإزالة المفاسد وتقليلهاء وقصد 
الشارع إلى دخول العباد في أحكام الشريعة والتزامهم لها. 

فهذه الدرجة من المقاصد لا يتم الفهم الصحيح للنصوص إلا بالمعرفة 
المفصّلة بها وبحقيقتها وكيفية إقامتها وتطبيقها على الواقع» بخلاف 
المقاصد الجزئية التي يُتصور فهم النصوص من غير علم سابق بها. 

فالعلم بمقاصد الشريعة العامة شرط سابق للاجتهادء لأنها بمثابة 
المعيار العام الذي ثُفهم به النصوص وتُنرّل به على الواقع؛ فهو مقدمة 
للاجتهاد؛ فلا بد أن يكون المجتهد عالما به بالفعل. وأما المقاصد 


02 الملكة الفقهية : حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها 4م 
8 ا ا 4 


التي دونه من المقاصد الخاصة والجزئية فالشرط أن يكون قادراً على 
معرفته متى نظر في الأدلة» فهو من قبيل الفروع التي هي ثمرة 
الاجتهادء أو من قبيل العلوم التي لا يشترط علم المجتهد بهاء وإنما 
يشترط معرفته بمظانها لينظر فيها وقت الاجتهاد. 


وللتقريب أضرب هذا المَثّل: 

قول النبي بي «إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره من الناس فأراد 
أحد أن يجتاز بين يديه فليدفعه» فإن أبى فليقاتله»”"". 

من نظر فى هذا الحديث من غير معرفة بمقاصد الشريعة العامة قد 
يفهم منه: مدافعة المار بين يدي المصلى مهما طالت المدافعة؛ 
لإطلاق اللفظ. 


ومن استصحب المقاصد قيّد المدافعة بألا تُخرجه إلى إفساد الصلاة 
بكثرة الحركة فيها؛ لأن المقصود من دفع المار تكميل الصلاةء 
والتمادي في رد المار فيه من الانشغال عن الصلاة أعظم مما في 
مروره» ومقصود الشارع : تحصيل المصالح؛ وذلك يقتضي احتمال 
أدنى المفسدتين اتقاء لكبراهماء فعُلم أن النبي به إنما أمر برد المار 
حفظا للصلاة عما ينقصهاء فيعلم أنه لم يرد ما يقسدها بالكلية ؛ فيحمل 
لفظ المقاتلة على دفع أبلغ من الدفع الأول» ولا يبلغ الحركة الكثيرة 
المبطلة للصلاة”". 


)۱( رواه البخاري في صحيحه. كتاب الصلاةء باب يرد المصلي من مر بین يديه › برقم 
(6:9) ورواه مسلم في صحيحه. كتاب الصلاةء يرقم (6065). عن أبي سعيد ويه 
(۲) انظر: الشرح الكبير (/ 506). 


e‏ الفصل الثاني: شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها 

فالعلم بهذا المقصد الكلي شرط لصحة فهم هذا الأمر النبويء 
وليس كذلك المقصد الجزئي من الأمر برد المار بين يدي المصلي› 
وهو حفظ الصلاة من النقص» فليس شرطأ لصحة فهم الحديث. 

وعلى هذا؛ فاشتراط العلم بمقاصد الشريعة العامة أمر بيّن؛ لتوقف 
ا او اة اط رورو وغ هذا ايها سكن حمل 
کرت چ لھ بج به عل اه سفن فى شط الع باد الاب 
والسنة» أو العلم بالقواعد الشرعية» أو غيرها من الشروط العامة. 


06 مي 
1۷4 3 
د یسو“ 


الفرع الرابع : سبل تنمية الملكة الفقهية بطريق العناية بمقاصد 
الشريعة : 

للعناية بمقاصد الشارع ثلاثة جوانب: 

أحدهما: جانب المعرفة بمقاصد الشارع. 

والجانب الثاني : تطبيق هذه المعرفة في مقام الفهم والاستدلال. 

والجانب الثالث: تطبيق هذه المعرفة في مقام الفتوى وتنزيل 
الأحكام الشرعية على الواقع. 

وسأحاول الإشارة إلى سبل تنمية الملكة الفقهية في هذه الجوانب 
الثلاثة في الفقرات التالية : 

- سبل تنمية الملكة الفقهية بطريق المعرفة بمقاصد الشريعة : 

يكون الفقيه عارفا بمقاصد الشريعة بمعرفته بأسرار التشريع وجكمه» 
ومعرفة المصالح والمفاسدء ومقاديرها ورتبها. 


ولا قنك أن مصدر هذه المعرفة هو بيان الشارع نفسهء وبيان 


الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها 4*.. 


و 
الشارع إنما هو بكتابه المُبينء وببلاغ رسوله الذي بلغ البلاغ المبين› 
صلوات الله وسلامه عليه» فالعلم بمقاصد الشارع هو بالعلم بما جاء 
عن الله تعالى وعن رسوله ييه ب«أن يكون له من الممارسة والتبع 
لمقاصد الشريعة ما يكسبه قوة يفهم منها مراد الشرع من ذلك وما 
يناسب أن يكون حكما له في ذلك المحل وإن لم يصرح به» كما أن من 
عاشر ملكاً ومارس أحواله وخبر أموره إذا سئل عن رأيه في القضية 
الفلانية يغلب على ظنه ما يقوله فيها وإن لم يصرح له به» لكن بمعرفته 
بأخلاقه وما يناسبها من تلك القضية»'. 


يي 
E‏ 
أل مو 


وتفصيلاً لذلك أذكر النقاط التالية: 
تدبر القرآن: 


فاقد تقرر أنه كلية الشريعة؛ وعمدة الملة» وينبوع الحكمة» واية 
الرسالة» ونور الأبصار والبصائرء وأنه لا طريق إلى الله سواهء ولا 
نجاة بغيره» ولا تمسك بشيء يخالفه» وهذا كله لا يحتاج إلى تقرير 
واستدلال عليه؛ لأنه معلوم من دين الأمةء وإذا كان كذلك لزم ضرورة 
لمن رام الاطلاع على كليات الشريعة وطمع في إدراك مقاصدها 
واللحاق بأهلها أن يتخذه سميره وأنيسه» وأن يجعله جليسه على مر 
الأيام والليالي؛ نظراً وعملاًء لا اقتصاراً على أحدهماء فيوشك أن 
يفوز بالبغية» وأن يظفر بالطلبة» ويجد نفسه من السابقين في الرعيل 
الأولء فإن كان قادراً على ذلك -ولا يقدر عليه إلا من زاول ما يعينه 


(۱) الابهاج شرح المنهاج (۱/ ۹-۸). 


بع الفصل الثانى: شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها يي 
ES‏ 5 & 141 


1 : 
ا‎ ١2 





على ذلك من السنة المبينة للكتاب- وإلا فكلام الآئمة السابقين والسلف 
المتقدمين آخذ بيده في عتمي التو الم ل 

وقد بين الله تعالى في كتابه ما يحتاج إليه العباد بأنواع البيان» 
فينبغي للعبد أن يُعمل في فهمه للقرآن أنواع الاستدلال كلها فينظر إلى 
ما دلت عليه آي القرآن دلالة صريحة مطابقة» وينظر إلى ما تضمنته من 
المعاني والجكم» وإلى ما تستلزمه وتقتضيه» وينظر إلى ما تفيده بطريق 
المفهوم. وإلى ما نبّهت إلى غلته وأومأت إليهء وبهذا يزداد علما 
بمقاصد الشارع الحكيم. 

ومن وجه آخرء فتدبر القرآن تبك البقية 6 لها يتضمنه من آيات 
الايمان وشواهده. وبقدر قوة اليقين يدرك الموقن من جكمة التشريع 


3 مويو 


وحسنه ومصالحه ما لا يدركه غيره» ذال تعالى ومن ا ا 
کا لموم و 27 فحكم الله في نفس أحسن الأحكامء ولکن 
إدراك ذلك الحسن إنما يكون مع صحة القلب وسلامتهء وذلك ما 


يحصله تدبر القرآن أتم التحصيل. 


فالسنة هى المبينة للقرآن والمفسرة لمقاصده» فبالعلم بها تتضح 
مقاصد القرآن وتتقرر› «فالضروريات الخمس كما تأصلت في الكتاب 
تفصلت في السنة”". و«من علم أن الرسول أعلم الخلق بالحق 





.)35١١ /7”( الموافقات‎ )١( 
.)69( سورة المائدة» الآية‎ (۲) 
.)٠١ /٤( الموافقات‎ )۳( 


الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها إن 


ر 
م 5 


وأفصح الخلق في البيان وأنصح الخلق للخلق علم أنه قد اجتمع في 
حقه كمال العلم بالحق وكمال القدرة على بيانه وكمال الإرادة له ومع 
كمال العلم والقدرة والإرادة يجب وجود المطلوب على أكمل وجه» 
فيعلم أن كلامه أبلغ ما يكون وأتم ما يكون وأعظم ما يكون بيانا»”"". 

المعرفة بفقه الصحابة ون : 

فهم الخبراء بسنة النبي كل وأعرف الناس بمقاصده؛ لسلامة 
قلوبهمء وصحة أفهامهم. وتمام علمهم باللسان العربيء ومشاهدتهم 
نزول الوحي وشرع الأحكامء فهم أعلم الناس بباطن الرسول وظاهره. 
وأخبر الناس بمقاصده ومراداته. 






معرفة ما استنبطه العلماء من مقاصد الشريعة: 

فقد اجتهد العلماء -رحمهم الله- في إيضاح مقاصد الشريعة ومصالح 
الأحكامء إما بالكتابة في مقاصد الشريعة أصالة وإفراداً» أو تبعاً 
وضمناً» ومن النافع لطالب العلم الوقوف على ذلك» وقد تولى عدد من 
الباحثين المعاصرين تتبع تاريخ جهود العلماء ومؤلفاتهم فی هذا الباب. 

- سبل تنمية الملكة الفقهية في مقام الفهم والاستدلال على ضوء 

مقاصد الشريعة: 

يكون الفهم والاستدلال مؤسساً على مقاصد الشريعة إذا 
استّحضرت المقاصد في فهم نصوص الكتاب والسنة» وإذا حُققت 
شروط المصلحة الي ب عليها القياس والاستصلاح. 


.)۱۲۹/۱۷( مجموع الفتاوی‎ )١( 


e‏ الفصل الثاني : شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها ا 
e Te EST‏ ا 0 
ولتنمية الملكة في هذا المجال سبل ستأتي في موضعهاء وأشير 
بإيجاز إلى بعض منها : 
العلم بطرق الاستنباط والاستدلال: 


كمعرفة دلالات الألفاظ ومسالك العلة والترجيح بين المعاني» من 


القواعد التي عامتها منتظم في علم أصول الفقه» ثم جاء من خص 
المقاصد بالبحث والتأليف من المتقدمين والمعاصرين فوسّع البحث في 
طرق الكشف عن مقاصد الشارع”' » فالعلم بذلك مُرشد إلى الاستنباط 
الصحيح للمقاصد. 

النظر في فقه العلماء واجتهادهم في ضوء المقاصد: فيقف الناظر 
عليها على تطبيقهم العملي لاتباع المقاصد في الفهم والاستدلالء 


(WD. 5‏ 
فيزداد خحبرة . 


ممارسة الاستنباط والاستدلال: فلا تكفي المعرفة النظرية بطرق 


)١(‏ مما كتب فى ذلك: 
© الموافقات (۲/ ۲۷۸-۲۷۳). 
© مقاصد الشريعة الإسلامية لابن عاشورء طرق إثبات المقاصد الشرعية ص۱۸۹- 
5», وقد اعتنى بطرق إثبات المقاصد القطعية خاصة. 
© طرق الكشف عن مقاصد الشارع» د. نعمان جغيم. 
© مقاصد الشريعة عند ابن تيمية ص١١5-١11,‏ 
© مقاصد الشريعة عند العز بن عبدالسلام ص9لا١-١١١.‏ 
© مقاصد الشريعة وعلاقتها بالأدلة الشرعية ص ١۳١٠ء .٤1۷‏ 
© نظرية المقاصد عند الشاطبي ص59١2.‏ 5960. 
)۲( ينظر ما سيأتي تحت عنوان (النظر في أقوال الفقهاء وكتبهم للتفقه بها لا للتقليد) في 
المبحت الثالت من هذا القضل: 





غم 
144 


5 0 
و 


فالممارسة أصل من أصول اكتساب الملكات”". 

- سبل تنمية الملكة الفقهية في مقام تنزيل الأحكام على الواقع على 

ضوء مقاصد الشريعة : 

يكون تنزيل الأحكام على الوقائع مؤسساً على مقاصد الشريعة إذا 
رُعيت فيه القواعد الشرعية من تحقيق المصالح ودرء المفاسد» ونظر 
فيه إلى المآل» ولتنمية الملكة في هذا الجانب طرق ستأتي بشيء من 
التفصيل» وأشير هنا إلى عناوين بعضها : 

العلم بواقع الحياة وما فيه من المصالح والمضارء وسبل تحقيق 
المصالح والجمع بينهاء وسبل درء المفاسد وتقليلها". 

النظر في فتاوى العلماء وأحكامهم. ففيها النماذج التطبيقية لإعمال 
المقاصد في التنزيل على الواقع”". 

ممارسة الفتوى والقضاء. 


)١(‏ ينظر تمهيد المبحث الثالث من هذا الفصل (الممارسة المباشرة). 

(؟) ينظر ما سيأتى تحت عنوان (التجربة وممارسة الحياة) فى المبحث الثالث من هذا 
الفصل» ١‏ 1 

(۳) ينظر ما سيأتي تحت عنوان (النظر في أقوال الفقهاء وكتبهم للتفقه بها لا للتقليد) في 
المبحث الثالث من هذا الفصل. 

)٤(‏ ينظر ما سيأتي تحت عنوان (مزاولة الفتوى والقضاء) ضمن المبحث الثالث من هذا 
الفصل. 


ES. 


المبحث الثالث 
الممارسة المباشرة 





وفيه تمهيد وعشرة مطالب: 

التمهيد: في التعريف بالممارسة المباشرة وأثرها في جودة التعلم. 
المطلب الأول: العمل بالعلم. 

المطلب الثاني : أخذ العلم عن العلماء الربانيين. 

المطلب الثالث : إعمال الفكر في التفقه. 

المطلب الرابع : المذاكرة والمباحثة. 


المطلب الخامس: النظر في أقوال الفقهاء وكتبهم للتفقه بها لا 


المطلب السادس : تنوّع مصادر العلم. 
المطلب السابع : التعليم. 

المطلب الثامن: البحث والتأليف. 
المطلب التاسع : المناظرة. 


المطلب العاشر : التجربة وممارسة الحياة. 


o‏ الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها ير 
A‏ عي 


التمهيد: في التعريف بالممارسة المباشرة وأثرها في جودة 
التعلم 
الممارسة: هي محاولة الشيء ومزاولته BE‏ 


وأعنى بالممارسة المباشرة -التى هى أحد أصول اكتساب ملكة 
الفقه-: جميع طرق التعلم التي يباشر المتعلم فيها التجربة بنفسهء 
فيو اجه الحقائق › ويحس بهاء ويتبع الخطوات الموصلة إلى النتائج. 


ويقابل (الممارسة المباشرة): التعليم النظري» الذي يتلقى المتعلم 
فيه المسائل مسلمة مقررةء وتكون وظيفته فيها التلقي المحض. 


فالممارسة والذّربة لدى الفقهاء أصل من أصول الرسوخ في الفقه 
واكتساب ملكته» ولذا عدوها شرطاً في المجتهد والمفتي» قال 
الخطيب البغدادي في صفة المفتي الذي يلزم قبول قوله: أن «يكون 
عالما بالأحكام الشرعية» وعلمه بها يشتمل على معرفته بأصولهاء 
وارتياضه”' بفروعها»”"» ويؤكد ذلك بقوله: إذا ذُكر للمستفتي اثنان 
م العلماء يدا لاسن أمنهها والاكتر ريافة و0 


)١(‏ انظر: القاموس المحيط ص07/5. 

(۲) الارتياض من قولهم: راض المُهْرَ رياضا ورياضة» أي: ذلّله. انظر: القاموس المحيط 
ص 555. فالرياضة هى تمرين النفس على أمر حتى تنقاد وتعتاده. 

(9) الفقيه والمتفقه (9/ .#), وانظر: المجموع »)41/١(‏ صفة الفتوى والمفتي 
والمستفتى ص18١.‏ 
NE EN EE a Ss‏ 
والأكثر رياضة ودربة. انظر: المرجع السابق (۲/ ۳۷۹). 

(4) الفقيه والمتفقه (9/5ل"). 


بع الفصل الثانى: شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها فير 

وحنّوا المتعلم على أن يأخذ بنصيبه من الممارسة والمران» قال أبو 
المعالي الجويني : «أهم المطالب في الفقه: التدرِّب في مآخذ الظنون 
فى مجال الأحكام» وهذا هو الذي يسمى فقه النفس» وهو أنفس 
صفات علماء الشريعة»'. 

وقال الزركشي : «ليس يكفي في حصول الملكة على شيء َعَرّفهء 


بل لا بد مع ذلك من الارتياض في مباشرته»” ". 


«انقطاع العمل -أي التمرين- عن التعليم قد محا روح العلوم من 
الأذهان. فصيّر العلم قواعد واصطلاحات لا يُهتم فيها بعمل» ولا 
و 2 
يمرل فا 


ويرشد علقمة بن قيس ّنه تلميذه إبراهيم النخعي إلى أهمية التمرين 
لترسيخ العلم فيقول: «إذا أردت أن تعلم القرائضن فأمت جيرانك701'. 


ولا خفاء فيما يورثه المران والدربة من الرسوخ» فهو يعطي المتفقه 
من التصور الجلي ما لا يكون بالدراسة النظرية» ويطلعه من عوارض 
الموضوع الذي يتعلمه على ما لا يُطَلّع عليه بالدراسة التجريدية 
المنقطعة عن الواقع» وبالتجربة والممارسة يبلو المرء نفسه ومعلوماته. 
ويكتشف من ذلك ما يحتاج إلى مراجعة أو تعديل أو تقويمء بل إن 


.58١0ص غياث الأمم‎ )١( 
.(YYTA/YD البحر المحيط في أصول الفقه‎ (0) 


(۳) اليس الصبح بقريب ص١5١.‏ 
)٤(‏ الفقيه والمتفقه (۲/ .)١١١‏ 






n,‏ الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها أ 
AA‏ 8 
وقوع الخطاً من المتدرب أحد أسباب رسوخ الصواب في نفسهء ف«فولا 
الخطأ ما أشرق نور الصواب6"'“. ولا يزال المتعلم في دربة وتجربة 
إلى أن يُتقن العلم ويتعاطاه بطمأنينة وثقة وتلقائية. 
وهذا أمر لا يختص بعلم الفقه» بل هو مشاهد في كل علم وصنعة» 
ل ل ل لال 
ممارسة فيهاء بل ولا د س ا ر ك اة 
ولعل من المفيد هنا الإشارة إلى التفريق بين (المعرفة) و(المهارة)؛ 
لما في ذلك من إيضاح لأثر الممارسة في التعلّم الجيد» فيذكر الدكتور 
ليهات أب كاد بهم هدار 
© أن المعرفة : تقويم للمعلومات على أساس صحتها أو خطئهاء < ما 
المهارة فالتقويم على أساس درجة أدائها وإتقانها. 
© أن حصول المعرفة لا يستلزم إتقان المهارة» فيُمكن أن يكون 
الإنسان عارفا بخطوات قيادة السيارة أو السباحة لكنه لا يحسن 
أن يقود السيارة بالفعل أو يسبح. 
© أن عامل الزمن أظهر في تحديد درجة إتقان المهارة في ر 
درجة إتقان المعرفة. فتّقدّر درجة إتقان المهارة بقِصّر الزمن 
المؤداة فيه» وبوقوع الأداء في وقته المناسب. 
© أن أداة اكتساب المعرفة هى اللغة (التخاطب والقراءة)» أما 
المهارة فلا تتوقف على اللغةء فيمكن اكتسابها بالمشاهدة 
والتدريب. 


00( من قول عبدالله بن المعتزء رواه الخطيب في الفقيه والمتفقه .(A/Y)‏ 


, ك الفصل الثاني : شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها ا 
پک ا ا ل 4 


A4, 3‏ 
ومع هذا التباين بين المعرفة والمهارة فإن بينهما اتصالا وثيقاء 
فالأداء الماهر يتأسس على المعرفة والمعلومات الصحيحة» فهي جزء 
لا غنى للمهارة عنه» غير أن المعرفة وحدها لا تكفي لإتقان المهارة» 
«ولتو ضيح ذلك نقول: إن مهارة الطباعة على الآلة الكاتبة -تلك التي 
تصنف على أنها مهارة حركية غالبا- تتطلب معرفة الفرد بحروف اللغة. 
وبموقع كل منها في لوحة المفاتيح» وبتركيب الآلة الكاتبة ذاتهاء» غير 
أن معرفة الفرد بالحروف وبموقعها وبتركيب الآلة ليس بكاف وحده 
لقيام الفرد بهذه المهارة» إذ يلزمه التدريب والممارسة حتى يتمكن من 
إجادة الكتابة عليها»”". 


هذه العبانة بالمسارينة القباعرة هن عا تنخ إلنه(النطرية البدائية) 
في حلم النفس التربوي الحايثك».وهي نظرية حظيت بقبول هعنام هن 
أكثر التربويين» وبُني على أساسها كثير من مشاريع تطوير التعليم 
حديثاً"» وتتلخص هذه النظرية في أن التعلم عملية بناء» يتولى 
المتعلم الدور الأكبر فيهاء وليست عملية نقل يقوم بها المعلم بالدرجة 
الأولى. 


فبعد أن كانت نظرة كثير من المعلّمين إلى التعلم أنه عملية انتقال 
إلى المتعلم من الخارج» جاءت النظرية البنائية لتقدم تصوراً آخر 
للتعلم» هو أنه عملية بناء داخل المتعلم فالمتعلم يبني المعرفة أثناء 
محاولته فهم ما يقابله من خبرات» أي أن المتعلم يبني فهمه الخاص 


۵ متكولوجية الدهارات عن اا 
(؟) انظر: النظرية البنائية الاجتماعية وتطبيقاتها التدريسية في المنهج ص .٠١-4‏ 


To‏ الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها هر 
له ۲ 3 EG‏ 


7 
عن العالم من حولهء بدلا من أخذ الفهم عن الآخرين» وعلى ذلك 
فالمعلومات الخام التي يتلقاها المتعلم ليست تعلماء بل التعلم هو ما 
يتم لهذه المعلومات داخل المتعلم» أي عملية بناء المعاني من هذه 
المعلومات» فعملية التعلّم هي عملية التعقّل والتفهم لتلك المعلومات» 
وليس مجرد استقبالها وتخزينها؛ ولذا تضع هذه النظرية المتعلم في 

مركز عملية التعلم. 

وتبعا لقبول الأوساط التربوية لهذه الرؤية في تفسير التعلم؛ تحوّل 
دور المعلم من مصدر رئيس أو وحيد للمعلومة» ومن متحكم في عملية 
التعلم» إلى مُيّسَّر ومنسق لهاء وتحول دور الطالب من مستقبل سلبي 
في كثير من الأحيان إلى متعلم نشط يقوم ببناء المعرفة استناداً إلى 
علوم تط السابقة خيراتو 

وبين الدراسات النفسية أن هذا النوع من التعلم الفعال الذي تتوطأ 
فيه الحواس أرسخ لدى المتعلم وأكثر إعمالا للدماغ”". 

ومن البحوث التجريبية التي تكشف أثر ممارسة العلم على رسوخه 
ودوامه: تجربة قام بها (تايلر) عام 1975م لمعرفة ما استطاع الطلاب 
الاحتفاظ به من معلومات (مقرر علم الأحياء) بعد عام من دراسته» 
وقد كانت نتيجة تلك التجربة هكذا : 






.٠١-٠١ص انظر: النظرية البنائية الاجتماعية وتطبيقاتها التدريسية في المنهج‎ )١( 

(۲) فقد أثبتت الدراسات التى أجريت فى الولايات المتحدة أن التلميذ يمكن أن يتذكر /٠١‏ 
ایا و امنا معت وا میا را و78 هما سمعة واه عا ةو راهنا 
رواه أوقاله» و2940 مما عمله. انظر: المنهج أسسه ومكوناته ص 2١74‏ علم التفس 
التربوي الأسس النظرية والتطبيقات العملية ص5 57. 

(۳) انظر: علم النفس التربوي ص045-6460. 


, بم الفصل الثاني: شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها بم 
سس سس سح سس سح سس صا 


5 ê 7 
2 
هن‎ 









نوع المعلومة 






| 
استدعاء حقائق أخرى 1,1 AR o١‏ 


تسمية أعضاء الحيوان 









وبين في هذه التجربة: أن المعلومات التي يمارسها الطالب ويطبقها 
ف حياته ازدادت رسوخاء وأن المعلومات قليلة التطبيق في الحياة 
أصابها النسيان والتلاشي. 

والمقصود الآن الإشارة إلى سبل التفقه التي نجدها لدى الفقهاءء 
والتى تعتمد مباشرة المتفقه ومزاولته بنفسه تحصيل الفقه» وسيأتي ذلك 
-إن شاء الله- في المطالب التالية. 


العمل بالعلم أ غات لمات ولواقمه ورد كان تممه على 
إخلاص طالب العلمء وقد قال سفيان الثوري كنه: «ما بلغني عن 


N‏ الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها رت 
ب 0 
SL 2 a ۴‏ 5 


رسول الله کا حديث قط إلا عملت به ولو ف وقال امد ابن 
حنبل : ١ما‏ كتبت حديثاً إلا وقد عملت e‏ 


والعمل بالعلم -إلى ذلك- سبب أصيل من أسباب رسوخه في 
النفس» واتضاحه في الذهن»ء وسلامته من آفة النسيانء قال 
الشعبي كأنة : «كنا نستعين على حفظ الحديث بالعمل به" » وقال 
وكيع كن : «إذا أردت أن تحفظ الحديث فاعمل به“ ويقول ابن 
القيم كن : «لزكاة العلم... طريقان» أحدهما: تعليمهء والثاني: العمل 
بهء فإن العمل به أيضاً ينميه ويكثره ويفتح لصاحبه أبوابه وخباياه». 


ورسوخ العلم بالعمل عائد إلى سببين : 
© سبب شرعي : 


وهو ما أشار إليه قول الله تعالى ظوَيَرِدُ أنه أت أُمْتَدَوا 
هد4 وقوله تعالی ہو تاوت رنگ ټین کڪ اريدني 
قله تیال و ا اا ما ظط بے لکا ا کی واا 
ًا . والعمل بالعمل من الاهتداء ومن الشكر؛ فكان مقتضيا 


لمزيد من الهداية والتشبيت» ومن ذلك واو رسو ذلك العلم. 


)01( سير أعلام النيلاء (/ا/ 7857). 

)0( سير أعلام النبلاء (۲۱۳/۱۱). 

(۳) جامع بيان العلم وفضله .)١١/7(‏ 

(4) معرفة أنواع علوم الحديث ص747» وانظر: جامع بيان العلم وفضله (۲/ .)١١١‏ 
() مفتاح دار السعادة .)۱۸٤ /١(‏ 

(؟) سورة مريمء الآية .)۷١(‏ 

(۷) سورة إبراهيمء الآية (۷). 

(4) سورة النساء. الآية (55). 


بع الفصل الثانى: شروط اكتساب الملكة الفقهية وتلميتها مي 
> - ' 217 


7 


وترك العمل بما يجب العمل به ذنب قد يعاقب صاحبه بنسيان العلم 
وروص الشات عله قال تیال : ا رعا اام انه ف 
قال على ولي : «هتف العلم بالعمل» فإن أجابه وإلا ارتحل»” ". 


© وسبب قدري: 


تشترك فيه العلوم جميعاً. وهو «أن العلم يستحضره صاحبه في 
النفس مجملاً غير سالم من غموض أو إبهام» فإذا أبرزه بالعمل للوجود 
ضار فا خاو ضا کو2 ودای الیل کون الط ی مه 
بديهياً رورا 

ومن الشواهد الفقهية على أثر العمل بالعلم في صحة التصور: تقديم 
العلماء لقول المكيّين في مسائل المناسك؛ لمشاهدتهم الحجيج ومعالم 
الحرم» قال سفيان بن عيينة: خذوا المناسك عن أهل مكة”* » وقال ابن 
تيمية : المكّيّون من الفقهاء هم أعلم أهل الأمصار بالمناسك . 

وبعض من لم يحج من العلماء وقع منهم أغلاط في بعض مسائل 
الحج. فابن حزم كله ذكر في صفة حج النبي ية أنه حين سعى بين 


الا او ا وي اع 


.)٥( سورة الصف الآية‎ )١( 

(۲) اقتضاء العلم العمل ص٦"‏ 

(۳) صفوة الآثار والمفاهيم (؟/ .)١797‏ 
وسبقت الإشارة إلى الدراسة التي أوضحت أن المتعلم يتذكر ما نسبته /9٠‏ من 
المعلومات إذا عمل بهاء في مقابل تذكره ل١7/‏ لما سمعه فقط. انظر: ص 15900. 

8 مكح لادان قل 045 

.)٥١١ /۲( انظر: شرح العمدة في بيان مناسك الحج والعمرة‎ )٥( 

.١١7ص انظر: حجة الوداع لابن حزم‎ )١( 


0 الملكة الفقهية : حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها‎ e 
غ4‎ 


E4 
قال ابن القيم : «هذا من أوهامه وغلطه كد فإن أحداً لم يقل هذا‎ 
البتة» وهذا إنما هو فى الطواف‎ yy قط غیره» ولا‎ 

بالبيت» فغلط أبو محمد ونقله إلى الطواف بين الصفا والمروة. 


وأعجب من ذلك استدلاله عليه يما رواه من طريق البخاري عن ابن 
عمر أن النبي يلي طاف حين قدم مكة» واستلم الركن أول شيء» ثم 
خب ثلاثة أطواف» ومشى أربعاء فركع حين قضى طوافه بالبيت» 
وصلى عند المقام ركعتين» ثم سلم فانصرف» فأتى الصفاء فطاف 
بالصفا والمروة سبعة أشواطء وذكر باقي الحديث. قال: ولم نجد عدد 
الرَمَل بين الصفا والمروة منصوصاء ولكنه متفق عليه. هذا لفظه. 

قلت: المتفق عليه السعي في بطن الوادي في الأشواط كلهاء وأما 
الرمل في الثلاثة الأول خاصة فلم يقله» ولا نقله فيما نعلم غيره. وسألت 
شيخنا عنهء فقال: هذا من أغلاطه» وهو لم يحج» رحمه الله تعالى»”"". 


وكذلك القاضي عياض لته » فقد ذكر الروايات في خروج النبي وَل 
من مكة في حجة الوداع» واستشكل ما يوهمه بعضها من تكرّر طواف 
الوداع منه يقد وذكر احتمالا في الجمع بينها: أن النبي كَلِةِ أعاد 
طواف الوداعء وعلل ذلك بالأن منزله كان بالأبطح» وهو بأعلى مكة. 
وخروجه من مكة إنما كان من أسفلها؛ فكأنه لما توجه طالبا للمدينة 
اجتاز بالمسجد ليخرج من أسفل مكة فكرر الطواف ليكون آخر عهده 
بالبیت»"'. 


.)۲۱۳/۲( زاد المعاد‎ )١( 
(TAT) فتح الباري لابن حجر‎ (۲) 


50 الفصل الثاني: شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها 92 

وقد اعتذر له ابن حجر كن بقوله «القاضي في هذا معذور؛ لأنه لم 
يشاهد تلك الأماكن» فظن أن الذي يقصد الخروج إلى المدينة من 
أسفل مكة يتحتم عليه المرور بالمسجد» وليس كذلك كما شاهده من 
عاينه» بل الراحل من منزله بالأبطح يمر مجتازاً من ظاهر مكة إلى 
حيث مقصده من جهة المدينة» ولا يحتاج إلى المرور بالمسجد» ولا 
يدخل إلى البلد أصلا»”"". 


وكذلك ابن سيده اللغوي الأندلسئ ذكر أن الجمار في عرفة!”", 
5 ا : 2 )2 
قال ابن حجر : يعذر لكونه لم يكن فقيهاء ولم يحج”” 


ومن صور (العمل بالعلم) المكسبة للملكة: قيام الشريعة» وظهور 
العمل بهاء وتحكيمهاء بأن تكون كلمة الله تعالى هي العلياء ودينه هو 
الحاكم في الأرض» وسنة نبيه ية هي السنة المعمول بها؛ فتطبيق 
الشريعة في جميع جوانب الحياة يجعل من ممارسة الحياة والتقلب فيها 


)١(‏ المرجع السابقء الموضع السابق. 

(۲) ذكر ذلك السهيلي في الروض الأثُف (5؟/ )٠‏ في سياق ذكر بعض أغلاط ابن سيده 
قائلاٌ : «وقال في الجمار في غير هذا الكتاب -يعني المحكم- هي التي ترس بغراقة! 
وهذه هفوة لا تقال. ا ونقله عنه الذهبي في سير أعلام النبلاء (8/ )١50‏ وابن حجر 
في لسان الميزان .)٥٠١ /٥(‏ 
ل لل ل ١‏ «الجمار: الخصّيات 
التي ترمى بونى». وفيه (7/ 09): «المحصّب موضع رمى الجمار بمَكَة». 
وكذلك في المحكمء ففیه (۲۹۱/۷ ت. فرج) (۷/ ٤۱۷‏ ت. هنداوي) «والجمار 
الحصيات التي بُرمی بها في مکة٤»‏ وفیه (۳/ ۱۲۲ ت. عبدالستار فرج) (۳/ ۱۹١‏ ت. 
عبدالحميد هنداوي): «والمخصَب: مَوضع رمي الجمار بمنى». 
والسهيلي لم يعيّن الكتاب الذي قال فيه ابن سيده ذلك» فالله أعلم. 

(۳) لسان الميزان (ه/ 000). 


يي الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها ,#4 
اا ا ع ا يون 


مدرسة عملية مشاهدة. يتلقى الناشئ منها تصورات صحيحة وواضحة 
لشرائع الإسلام وأحكامه» وهذا ما جعل الإمام مالكاً كله يجعل من 
عمل أهل المدينة مستنداً ومرجعا في الفهم العملي والتطبيقي للسنة. 

وإذا عُزِل شرع الله تعالى عن الحكم» ونْحي عن القيادة» وحُصر في 
أنواع من العبادات الفردية» أصبحت التعاليم الإسلامية تعاليم نظرية 
خيالية» لا وجود لها إلا في الكتب القديمة» فيصعب تصورها فضلا 
عن إتقانها إتقانا عمليا واقعيا”'". 


المطلب الثاني : أخذ العلم عن العلماء الربانيين : 


في تلقي العلم عن العلماء منافع جمة لا يحصّلها في العادة من 
انفرد باقتباس العلم من الكتب». فأخذ العلم عن العلماء: أسرع في 
الفهمء. وأسلم من الوهم والغلط. وبه يتأدب الطالب بأدب العلم 
بصحبة العالم واقتدائه به » ويأخذ عنه من العلم ما لا تؤديه الكتب» 
والاقتصارٌ على الكتب بضد ذلك؛ حتى قال الشافعي : من تفقه من 
بطون الكتب ضيّع الأحكاما"» وقال غيره: «من دخل في العلم وحده 
خرج وحده»» أي من دخل في العلم بلا معلّم خرج منه بلا علمء 
وهذا يكاد يكون محل إجماع من أهل ا 


)١(‏ انظر: منهجية التعامل مع علوم الشريعة في ضوء التحديات المعاصرة» ضمن كتاب 
مؤتمر علوم الشريعة في الجامعات ص١١١‏ دور الدراسات التربوية والاجتماعية في 
تأهيل طلبة أصول الفقه الإسلامى فى الجامعة» ضمن كتاب مؤتمر تدريس الفقه 
الإسلامي قي الجامخات ص71 ` 

(۲) تذكرة السامع والمتكلم في أدب العالم والمتعلم ص١أ٠.‏ 

(۳) الجواهر والدرر .)08/١(‏ 

(4) انظر: حلية طالب العلم ص١".‏ 


ب بع الفصل الثاني : شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها م 
AY Ses‏ 





به: أخذه عن أهله المتحققين به على الكمال والتمام... وإن كان الناس 
قد اختلفوا: هل يمكن حصول العلم دون معلم أم لا؟ فالإمكان مسلّمء 
ولكن الواقع في مجاري العادات أن لا بد من المعلم... وقد قالوا: إن 
العلم كان في صدور الرجالء ثم انتقل إلى الكتب» وصارت مفاتحه 
بأيدي الرجال. 


وهذا الكلام يقضي بأن لا بد في تحصيله من الرجال... وأصل هذا 
في الصحيح: «إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من الناس» ولكن 


م ١‏ 
يقبضه بقبض العلا ي 


وهكذا كان شأن السلف الصالحء فأول ذلك ملازمة الصحابة ون 
لرسول الله ية وأخذهم بأقواله وأفعاله» واعتمادهم على ما يرد منه 
كائنا ما كان. وعلى أي وجه صدرء فهم فهموا مغزى ما أراد به حتى 
علموا وتيقنوا أنه الحق الذي لا يعارّض» والحكمة التي لا ينكسر 
قانونهاء ولا يحوم النقص حول حمى كمالهاء وإنما ذلك بكثرة 
الملازمة» وشدة المثابرة... وصار مثلّ ذلك أصلا لمن بعدهم؛ فالتزم 
التابعون في الصحابة سيرتهم مع النبي يل حتى فقهوا ونالوا ذروة 
الكمال في العلوم الشرعية. 


وحسبك من صحة هذه القاعدة أنك لا تجد عالما اشتهر في الناس 


)۱( رواه البخاري في صحيحه. كتاب العلم» باب كيف يقبض العلم» برقم ,)٠١١(‏ وروأه 
مسلم في صحیحه› كتاب العلم › برقم (۴۲۹۷۳)» عن عبدالله بن عمرو بن العاص ا 


مي الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها بيرم 
ا 
ع“ ا 


الأخذ عنه إلا وله قدوة اشتهر في قرنه بمثل ذلك» وقلما وجدت فرقة 
زائغة ولا أحدٌ مخالف للسنة إلا وهو مفارق لهذا الوصف. وبهذا 
الوجه وقع التشنيع على ابن حزم الظاهري وأنه لم يلازم الأخذ عن 
الشيوخ ولا تأدب بآدابهم» وبضد ذلك كان العلماء الراسخون كالأئمة 
الأربعة وأشباهههو!". 

ويقول ابن خلدون: «الحذق في العلم والتَّنّن فيه والاستيلاء عليه 
إتما هو بحصول ملكة في الإحاطة بمبادئه وقواعده والوقوف على 
انل واتعفاظ فروعه هن احتولة0. والملكات: كلها جسماتية راء 
كانت في البدن أو في الدّماغ من الفكر وغيره كالحساب» 
والجسمانيّات كلها محسوسة؛ فتفتقر إلى التعليم؛ ولهذا كان السند في 
التعليم في كل علم أو صناعة يفتقر إلى مشاهير المعلمين فيها معتبراً 
عند كلّ أهل أفق وجيل)”". 

ويقول الخطيب البغدادي: «لا بد للمتفقه من أستاذ يدرس عليهء 
ويرجع في تفسير ما أشكل إليه» ويتعرف منه طرق الاجتهاد» وما يفرق 
به بين الصحة والفسادة”". 

ويؤكّد أبو حنيفة تنه الوظيفة التوجيهية للمعلم فيقول -وقيل له: في 
المسجد حلقة ينظرون في الفقه- فقال: «لهم رأس؟» قالوا: لاء قال: 


«لا يفقه هؤلاء أبدا»“. 


(۱) الموافقات .)٥۹-٥٦/۱(‏ 
(۲) مقدمة ابن خلدون ص۳۹۹-۳۹۸. وانظر : بداتع السلك في طبائع الملك .)۳۳٣/۲(‏ 
(*) الفقيه والمتفقه (۲/ .)۱١١‏ 
)٤(‏ الفقيه والمتفقه (۲/ .)١١۳‏ 


عي 


44 7: 


ويقول الشوكاني: إنما تثبت الملكة بطول الممارسة وكثرة الملازمة 
لشيوخ الفن”'. 

و(الربانيون) هم الطبقة العليا من العلماء”"”» قال ابن عباس وليه 
في قوله تعالى #كونوأ ربَيَنَ8”": حكماء فقهاءء وقال أبو رزين: 
فقهاء علماءء ا ا هو الفقيه العليم الحكيم» وقال ابن 
الأعرابي: إذا كان الرجل عالما عاملا معلّما قيل له هذا رباني» فان 
خرم عن خصلة منها لم نقل له رباني. 

وأما اشتقاق (الرباني) فقال ابن الأنباري عن النحويين: إنه منسوب 
إلى الرب» وهو الله سبحانهء وإن الألف والنون زيدتا للمبالغة في 
النسب» كما تقول لحياني وجبهاني إذا كان عظيم اللحية والجبهة. 

وقال المبرد: الرباني الذي يَرْبّ العلمَء ويَرْبُ الناس بهء أي: 
يعلمهم ويصلحهم ؛ فهو مشتق من التربية“. 

فقد تضمنت صفة (الربانية) فى الفقيه: كونه معلماء مربياء حكيما 
في تعلیمه» عاملا بعلمه. ۰ 

والذي يعنينا هنا من منافع تلقي العلم عن العلماء الربانيين: ما في 
ذلك من الممارسة المباشرة للفقه» وذلك أن أخذ الفقه عن المعلم 





)١(‏ إرشاد الفحول ص5605. 

(؟) قال مجاهد: الربانيون: الفقهاء العلماء»ء وهم فوق الأحبار. قال ابن جرير: لأن 
الأحبار هم العلماءء والرباني الجامع إلى العلم والفقه البصرّ بالسياسة والتدبيرء 
والقيام بأمور الرعية» وما يصلحهم في دنياهم ودينهم. جامع البيان .)٥١١ ء0٥۲۸ /٥(‏ 

(۳) سورة آل عمرانء» الآية (۷۹). 

(5) انظر: جامع البيان 2)60171١-6175/6(‏ مفتاح دار السعادة (١/۱۷۸ء .)۱۸١‏ 


. 1 الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها بيت., 
A‏ ما اي ا يي لي ا 


ا ا 
الرباني لا ينحصر في الدراسة النظرية للفقه» بل من شأن ذلك المعلم 
أن يعلم تلميذه تعليما حيا تطبيقيا : 
© فهو يُعلّم بقوله وفعله وحالهء فهو أسوة وقُدوة صالحة للمؤتسين» 
وقد جاء في سيرة الإمام أحمد وغيره من العلماء: أنه كان يحضر 
حلقته أناس ليتعلموا منه الهدي والسمت وكان أصحاب 
الأئمة ينقلون عنهم من أفعالهم وسيرهم الحميدة مثل ما ينقلون 
عنهم من الفتاوى والمسائل»ء وكتب السير والتراجم نموذج 
لذلك. 


8 وهو يُدرّب المتفقه على المهارات الفقهية بما يزاوله أمام 
المتعلمين من تصوير المسائل والاستدلال والاستنباط والترجيح › 


فيتلقى الطالب منه كيفية ذلك ويبصر خطوات سيره ووصوله إلى 
i‏ 
النتائج 


© وهو يُعلّم التلاميذ تعليماً نشطاً" ٠‏ يستعمل فيه الطرق التعليمية 


)١(‏ انظر: مناقب الإمام أحمد ص۲۸۸. 

(؟) انظر: مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين (5؟5/ 20758 
إصلاح الفقيه ص186. 

(۳) التعليم النشط : مصطلح تربوي معاصرء يراد به : أساليب التعليم التي تعمل المهارات 
العقلية العليا لدى الطالب» وذلك لا يتم إلا بإشراك المتعلم في العمل وفي التفكير. 
ففي التعلم النشط يشارك الطلبة بأكثر من مجرد الاستماع» ويقل التركيز على نقل 
المعلومات ويزداد على تنمية مهارات الطلبة» ويمارس الطلبة مهارات تفكير علياء 
فالمعلم لا يقتصر دوره على تقديم المعلومات» بل يتعداه لدعم جهود الطالب للتعلم 
والتجاوب معهاء والطالب لا يقتصر دوره على تلقي ما يلقيه المعلم أو نسخه عنه» لكن 
يزاول التفكير وبناء المعاني بشكل نشط. انظر : النظرية البنائية الاجتماعية وتطبيقاتها 
التدريسية في المنهج ص”7. 


کا الفصل الثاني : شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها 3 3 
المثيرة لفكر الطالب والمثقّفة لعقله. كالمناقشة والسؤال 
والمناظرة. وغير ذلك مما سات نماذج مله فی المطالب 
التالية. 


وخير المعلمين هو من اختاره الله تعالى لتبليغ رسالته إلى الخلق 
كافة» صلوات الله وسلامه عليهء وإن الناظر في صفة تعليمه ية ليدرك 
أنها في الذروة العليا من التعليم: بيانا ورسوخا وإقناعاء وقد كان 
للأساليب التعليمية التي تعتمد التطبيق والتدريب والممارسة نصيب وافر 
من تعليمه الكريم يلد وأوّل ذلك وأرفعه: 


© التعليم بالقدوة» فهو ية الأسوة الحسنةء المعلم بفعله وحاله مع 
تعليمه بقوله. 


ومن الأساليب التعلمية النبوية في هذا المقام”": 
© التعليم بالفعل» كما علّم من سأل عن وقت الصلاة”''» ومن 


)١(‏ ينظر: الرسول المعلم ب وأساليبه في التعليم ص7117-57. 

(؟) عن بريدة بن الحصيب ونه عن النبي َة أن رجلا سأله عن وقت الصلاةء فقال له: 
«صل معنا هذين» يعني اليومين» فلما زالت الشمس أمر بلالا فأذن ثم أمره فأقام الظهرء 
ثم أمره فأقام العصر والشمس مرتفعة بيضاء نقية» ثم أمره فأقام المغرب حين غابت 
الشمس» ثم أمره فأقام العشاء حين غاب الشفق. ثم أمره فأقام الفجر حين طلع الفجرء 
فلما أن كان اليوم الثاني أمره فأبرد بالظهر فأبرد بها فأنعم أن يبرد بهاء وصلى العصر 
والشمس مرتفعة أخرها فوق الذي كانء وصلى المغرب قبل أن يغيب الشفق» وصلى 
العشاء بعدما ذهب ثلث الليل؛ وصلى الفجر فأسفر بهاء ثم قال: «أين السائل عن وقت 
الصلاة؟؟ فقال الرجل : أنا يا رسول الله. قال: «وقت صلاتكم بين ما رأيتم» رواه مسلم 
في صحيحه» كتاب المساجد ومواضع الصلاةء برقم (51). 


52 03 
APE 
2 ار‎ 


يجي ف 


(000 


(۲) 


(۳) 


الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها براي 


ال عن صفة الولو 5 ا بين الصلاة ' لوت TE‏ 


6 التعليم الواقعي (الحقيقي)» وهو التعليم الذي يكسب المتعلم 


الخبرات العملية كما هي في واقع الحياة» وليس بصورتها 
النظرية الخيالية المجردة» فكان تعليمه ية في أرقى درجات هذا 
النوع من التعليم» فكان ية يعلم أصحابه التعليم القولي ابتداءً 
ثم يتركهم يمارسون ذلك في حياتهم الخاصة والعامة» ويرجعون 


إليه فيما أشكل عليهم. 


عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده» أن رجلا أتى النبي به فقال: يا رسول الله ! 
كيف الطهور؟ فدعا بماء في إناء فغسل كفيه ثلاثاء ثم غسل وجهه ثلاثاء ثم غسل 
ذراعيه ثلاثاء ثم مسح برأسه فأدخل إصبعيه السباحتين في أذنيه» ومسح بإبهاميه على 
ظاهر أذنيه» وبالسباحتين باطن أذنيهء ثم غسل رجليه ثلاثا ثلاثا»» ثم قال: «هكذا 
الوضوء...» رواه أبو داود في السئن» كتاب الطهارة» باب ا ثلاثا ثلاثاء برقم 
,.)١16(‏ ورواه النسائي في سننه» كتاب الطهارة» باب الاعتداء فى الوضوء» برقم 
»)۱٤٩(‏ ورواه ابن ماجه في سئنه. كتاب الطهارة وسننهاء باب ما جاء في القصد في 
الوضوء وكراهة التعدي فيهء برقم (؟571). 

وصححه ابن حجر (انظر: فتح الباري 0 والنووي (انظر : المجموع )٤۷۹/١‏ 
وابن دقيق العيد (انظر: الإمام 57/7) وغيرهم. 

عن سهل بن سعد وب قال: رأيت رسول الله َة قام على المنبر فكبر وكبر الناس 
وراءه وهو على المنبرء ثم رفع فنزل القهقرى حتى سجد في أصل المنبر» ثم عاد» حتى 
فرغ من آخر صلاته» ثم أقبل على الناس فقال: «يا أيها الناس إني صنعت هذا لتأتموا 
بي 2 ولتعلموا صلاتي»» رواه البخاري في صحيحه» كتاب الصلاة» باب الصلاة ة في 
السطوح والمنبر والخشب». برقم الا ومسلم في صحيحه » كتاب المساجد. برقم 
(:65). 

عن جابر ونه قال: رأيت النبي ية يرمي على راحلته يوم النحر ويقول: «لتأخذوا 
مناسككمء فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه» رواه مسلم في صحيحه. كتاب 
الحج. بركم (9؟17١).‏ 


يعم الفصل الثاني: شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها اي 


“ 
E 

0 
١ 


© انتهاز المناسبات والمواقف التي يكون التعليم عندها أبلغ وأنفذ. 
وتحت هذا أنواع من التعليم» منها: إعطاء الحكم قرب وقت 
الحاجة إليه فيكون ذلك أبلغ في رسوخه» وتارة يُعطى الحكم بعد 
السؤال عنه. وتارة عند موقف مؤثر فيربط بينه وبين مطلب 
تعليمي» وتارة يأتي التعليم تصحيحاً لخطأ واقع أو متوقع... 

8 إصلاحه ية للأمة إصلاحا شاملاًء» وبذلك يكون المجتمع كله 
بيئة صالحة للتعلم السوي» يكتسب الناشئ منه المعارف والسلوك 
عن طريق المعايشة والمعاملةاليومية. فلم يكن دوره 
التعليمي ية مقتصراً على تعليم فئة من خاصة التلاميذ. 

©» ضرب الأمثلة والتشبيهات التي تُصور المعقول في صورة 
الوس ترذاة الإدر لتو وقد E‏ كتب في أمثاله کي . 

© المحاورة والمحاكمة العقلية من أجل الإقناع بالحكم» كما 
فعل ية مع من قال له: ائذن لي في الزنى! فلم يكتف النبي إا 
هنا بما قرره من قبل من بيان حكم الزناء ولم يزجر السائل» بل 
أخذ في إقناعه بإيقافه على ما في الزنا من المفاسد المقتضية 
لاجتنابه طواعية واختياراً قائلاً له: «أتحبه لأمك؟» قال: لا والله 
جعلني الله فداءك. قال: «ولا الناس يحبونه لأمهاتهم». قال: 
«أفتحبه لابنتك؟» قال: لا والله يا رسول الله جعلنى الله فداءك.. 
إلخ الا ا 


)١(‏ من المؤلفات في ذلك: أمثال الحديث. لأبي محمد الحسن بن عبدالرحمن 
الرامهرمزي. 
(؟) رواه أحمد في مسنده» برقم (۰۲۲۲۱۱ ۲۲۲۱۲)ء عن أبي أمامة الباهلي طلن. 


0 
ree 
0 4 


و 


الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها إجر, 


2 
ف 


© السؤال والمحاورة» وفي السؤال من إثارة الفكر ورياضة الذهن 


وإثارة الانتباه والتشويق إلى المعلومة ما ليس في إلقاء الحكم 


ابتداء. 


© التنبيه على علة الحكم» كتعليله إجزاء قضاء الحج عمن مات بأنه 


دين”''. وتعليل تحريم بيع التمر بالرطب بأن الرطب ينقص إذا 
يبس" ٠»‏ وفي هذا النوع من الجواب تعليم السائل إلحاق الشيء 
بنظيره» وفيه مزيد قناعة وطمأنينة» وبذلك يكون العلم راسخا. 
مراعاته -صلوات الله وسلامه عليه- للفروق الفردية» وتعليمه كلا 
ما يلائمه وينفعه» وبالطريقة التى تلائمه. 

تحريكه مي للدوافع الفطرية والعاطفية في التعليم. كالإيمان بألله 
تعالى والإيمان باليوم الآخر وبالقدر خيره وشره» ومحبة الله 
وخوفه ورجائه» وذلك ما يثمر علما راسخا يهذب السلوك 


(1) عن ابن عباس رضي الله عنهما أن امرأة من جهينة جاءت إلى النبي يف فقالت: إن أمي 


(0 


نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت» أفأحج عنها؟ قال : انعم حجي عنها ؛ أرأيت لو 
كان على أمك دين أكنت قاضية؟ اقضوا الله فالله أحق بالوفاء» رواه البخاري في 
صحيحه» كتاب جزاء الصيد» باب باب الحج والنذور عن الميت» والرجل يحج عن 
المرأة. برقم (18617). 

رواه أبو داود في سئنهء كتاب البيوع» باب في الثمر بالتمرء برقم (۹١۳۳)ء‏ والترمذي 
في سننه» كتاب البيوع» باب ما جاء في النهي عن المحاقلة والمزابنةء برقم (١١١٠)ء‏ 
والنسائي في سننه. كتاب البيوع. باب اشتراء التمر بالرطب» برقم »)٤0٤6۹4(‏ وصححه 
الترمذي والحاكم (المستدرك على الصحیحین ۰۸۰/۳ برقم ۲۲۸۹) وابن الملقن 
(البدر المنير .)٤۷۸/١‏ 


0 الفصل الثاني : شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها E‏ 
اب + ا ال ٠١‏ 


ك1 ےو 
والتعليم النبوي وما فيه من الحكمة والرسوخ والكمال بحر لا ساحل 
لهء وما الظن في مُعلم اختاره الله تعالى ليكون رحمة للعالمين» وليبلغ 
أكمل الرسالات الإلهية إلى الناس كلهم؛ فجدير بمن يريد الإجادة في 
التعليم أن يكون عنيًا بدراسة سيرته التعليمية صلوات الله وسلامه عليه. 


المطلب الثالث : إعمال الفكر في التفقّه : 
وفيه ثلاثة فروع: 
الفرع الأول: التفكير ضرورة لتكوين الملكة الفقهية. 
الفرع الثاني : من مسالك تنمية الملكة الفقهية بطريق إعمال التفكير. 
الفرع الثالث : التفقه ببحث المسائل غير الواقعة. 


الفرع الأول: التفكير ضرورة لتكوين الملكة الفقهية : 

الفقه هو الفهم. والفهم ثمرة إعمال الفكر؛ فلا فقه بلا فكر. 

لكن الواقع العلمي المتمثل في تدوين العلم في الكتب قد ينسي 
طالب العلم هذه الحقيقة» فيتحول في تلقيه للعلم من فقيه متفهم لما 
يأخذ» إلى حامل فقهٍ يغلب حفظه تمييرّه وفهمّه». وهذا مما خشيه 
أحمد كن حين كان ينهى عن كتابة أقواله وأجوبته. ويأمر بالاشتغال 
بالنصوص؛ ليتوفر الإقبال بالفهم والتفكر على الأصول التي هي أدلة 
الشريعة» ويزرع في القلوب التمسك بالآثرء وليبقى باب الاجتهاد 
مفتوخا لمن هو أهل 371 


)١(‏ انظ : المدخا إلى مذهب الإمام أحمد بن حن ۳ه المدخز. المفصل إلى فقه 
نظر خل إلى مذهب الإومام بن حنبل ص خل 
الإمام أحمد بن حنبل .)١١١/١(‏ 


الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها إهر, 






Ik 
ا‎ 
r 


والتفكير يدخل العمل الفقهي في كل مجالاته؛ فلا بد من التفكير 
في تصور المسائل» وفي الاستدلال لهاء وفي تنزيل الأحكام على 
- الوقائع» والتفكير -كما هو سبيل المتفقه النابه- هو سبيل المعلم الجيدء 
فما أكثر ما كان رسول الله يُخرج التعليم مخرج السؤال فيستثير فكر 
أصحابه بذلك. 
والفكرة في الفقه من أقرب سبل تحصيل الملكة» والمشتغل بالفقه 
إذا لم يكن (مُفكرا) فهو في أحد موقفين ذميمين : 
© إما أن يكون متلقيا بالتسليم كلّ ما يرد عليه من المسائل؛ لعدم 
شعوره بما فيها من إشكال أو خفاء» وهو بهذا يحبس نفسه في 
أوضع منازل التقليد. 
© أو أن يكون مفزعه دائما سؤالَ الشيخ أو مراجعة الكتب عند كل 
بارقة إشكال» وبهذا يخبو ذهنه؛ لأن قوة التفكير كسائر القوى: 
تنمو بالاستعمال وتندثر بالإهمال. 
وهو -إلى ذلك- عاجز عن التصرف إذا واجهته صور ونوازل غير 
تلك التي حفظ. عاجز عن تقرير قوله والاستدلال والدفاع عنه. 
وإذا كان المتفقه مفكراً متأملاً ناقداًء يتدبر مأخذ الحكم»ء ويعالج 
الإشكال» فهو على سبيل تنتهي به -بتوفيق الله- إلى أحمد غاية: 
الاجتهاد أو الاتباع. 
فطالب الفقه المفكر الباحث يكون (متّبعا) إذا كان أخذه بقول غيره 
مع معرفته دليله وفهمه لمأخذه. يقول إن عبدالبر كن : «التقليد عند 
جماعة العلماء غير الاتباع» لأن الاتباع هو أن تتبع القائل على ما بان 


ربا الفصل الثاني : شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها 0 
د و ص ص ي ي ي 


SE 

04 3 
چ AV‏ 
1 يجيو 


لك من فضل قوله وصحة مذهبهء والتقليد أن تقول بقوله وأنت لا تعرفه 
ولا وجه القول ولا معناه» وتابی من سواه 

وقد يكون مجتهداًء إذا استوفى البحث والنظرء ولا سيما إذا كانت 
المسألة نازلة» والاجتهاد يكون اجتهاداً مطلقاً ويكون في المذهب»ء 
ويتجزأ أيضاًء فقد يجتهد في باب أو مسألة كما هو معلوم. 

ويكون إعمال الفكر في الفقه في مواطن ثلاثة: 

في تلقي نصوص الوحي : 

فشأنه طالب العلم حيالها: التفهّم لهاء ومعرفة حدودهاء بحيث لا 
يُدخل فيها غير المراد»ء ولا يخرج منها شيئا من المرادء والاستنباط 
منها. 

قال الخطيب البغدادي : «ليُعلم أن الإكثار من كتب الحديث وروايته 
لا يصير به الرجل فقيهاء وإنما يتفقه باستنباط معانيه» وإنعام التفكير 
فيه»» ثم روى عن مالك كن قوله لابتي أخته أبي بكر وإسماعيل ابني 
أبي أويس: «أراكما تحبان هذا الشأن وتطلبانه» قالا: نعم. قال: «إن 
أحببتما أن تنتفعا به وينفع الله بكما فأقلا منه وتفقها»". 

قال ابن رجب كأنه: «فقهاء أهل الحديث العاملون به... معظم 
همهم: البحث عن معاني كتاب الله عز وجل» وما يفسره من السنن 
الصحيحة وكلام الصحابة والتابعين لهم بإحسان» وعن سنة 
رسول الله ية ومعرفة صحيحها وسقيمهاء ثم التفقه فيها وتفهمها 


.)۳۷ /۲( جامع بیان العلم وفضله‎ )١( 
.)٠١۹/۲( الفقیه والمتفقه‎ )۲( 


2 4 » الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها‎ N 


د یمو 7 
والوقوف على معانيهاء ثم معرفة كلام الصحابة والتابعين لهم بإحسان 
في أنواع العلوم من التفسير والحديث ومسائل الحلال والحرام وأصول 
السنة والزهد والرقائق وغير ذلك. .. ومن سلك طريقة ة طلب العلم على 
ما ذكرناه تمكن من فهم جواب الحوادث الواقعة غالباء لأن أصولها 
توجد في تلك الأصول المشار إليها»”'". 

وقد قال الله تعالى -في بيانه لحدود الطلاق وأحكامه-: #وتلك حَدُودُ 
أله ييا لوم يَتْكمُونَ4”'“. قال ابن القيم كِدنْه: «ولهذا كان معرفة حدود 
ما أنزل الله على رسوله أصل العلم وقاعدته وآخِيّته" التي يرجع إليهاء 
م ويفهم ا منها». 

© في النظر في كلام الفقهاء واجتهاداتهم : 

تصوّراً لهاء وتحليلاً» وتأصيلاً لهاء وتفريعاً منهاء ونقداً لها في 
ضوء علمه بالأدلة وكيفية الاستفادة منهاء وتعرّفا على مسالكهم في 
الاجتهاد. 

© عند مواجهة المشكلات العلمية» سواء أكان ذلك في أثناء البحث 

والاطلاع؛ أم كانت من النوازل الفقهية الخاصة أو العامة. 

هذه ثلاثة مواطن يلزم المتفقه أن يكون متفكراً فيها 
)١(‏ جامع العلوم والحكم -748/١(‏ 7519). 
(؟) سورة البقرق الآية (770). 
)۳( الآخية (بالمد والتشديد)ء حبل يُدفن طرفاه في الأرض فيكون كالعروة تشد إليه الدابة. 

انظر : الصحاح (أخا) (5/ 77704). 
(54) انظر: المطلب الخامس من هذا الفصل. 


7 
1 
م 
0 
2« 


١) 


ا الفصل الثانى : شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها ع 
اا ا ك 
وتمام ذلك: أن تكون الفكرة في العلم من شأنه» فيكون دائم 
الفكرة في تأمل مسائل العلم. قال الزرنوجي : «ينبغي لطالب العلم أن 
يكون متأمّلا في جميع الأوقات في دقائق العلوم» ويعتاد ذلك؛ فإنما 
يدرك الذقائق نالجام : 

ودوام التفكر في العلم من سمات العلماءء ومن شعر 
الشافعى كانه : 
إذا المشكلات تصدين لي كشفت حقائقهابالنظر 
الع ف ارال ااا هداود ا ا 


وهذا ما حكاه ابن عقيل عن نفسه قائلاً: «إني لا يحل لي أن أضيع 
ساعة من عمري» حتى إذا تعطّل لساني عن مذاكرة ومناظرة وبصري عن 
مطالعةٍ أعملتٌ فكري في حال راحتي وأنا مستطرح» فلا أنهض إلا وقد 
خطر لي ما أسطره»" وكان من ثمرة ذلك : الكتاب الضخم (الفنون) 
الذي سجل فيه ابن عقيل ين ثمرات فكره. 

ومثل ذلك يُلفى في فقه ابن تيمية كن فكثيراً ما يصرح في قاعدة أو 
مسألة بأنها نتيجة تأمل طويل في ذلك الموضوع“. 


.١18ص تعليم المتعلم طريق التعلم‎ )١( 

(؟) طبقات الشافعيين .)7١ /١(‏ 

(9) ذيل طبقات الحنابلة .07375/١(‏ 

(:) من ذلك قوله: 
© «قد تأملت ما شاء الله من المسائل التي يتباين فيها النزاع نفيا وإثباتا حتى تصير مشابهة 
لمسائل الأهواء... كمسائل الطرائق المذكورة في الخلاف بين أبي حنيفة والشافعي وبين 
الأئمة الأربعة وغير هذه المسائل فوجدت كثيراً منها يعود الصواب فيه إلى الوسط» 
مجموع الفتاوى .)١5١/5١(‏ 3 


م الملكة الفقهية : حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها م 
ا 0 2 


الفرع الثانى: من مسالك تنمية الملكة الفقهية بطريق إعمال 
التفكير : 

قوة الفكر في أصلها هبة من الله تعالى» والناس فيها متفاوت 
بحسب ما قسم الله لكل منهم» والذي يعنينا بحثه هنا: هي الوسائل 
التي يمكن أن يأخذ بها المُعلم والمتعلم لتنمية هذه الملكة وإيقاظها من 
حيز القوة إلى الفعل› ونجد في مناهج الفقهاء ووصاياهم وسائل وطرقا 
لتنمية هذه القدرة ستأتى فى مواضعها -إن شاء الله-» وأذكر منها هنا ما 
تتضمنه هذه المسائل الثلاث : 

المسألة الأولى: عدم إمرار الإشكالات بلا حل. 

المسألة الثانية: تأمل المسائل المشكلة ومحاولة حلها قبل سؤال 
العلماء ومراجعة الكتت: 

المسألة الثالثة : التحضير للدرس وشرحه قبل سماع شرح الشيخ. 


نجه 


i 
ا‎ 


6 «تأملت أغلب ما وقع الناس في الحيل فوجدته أحد شيئين : إما ذنوب جُوزوا عليها 
تضييقا في أمورهم ولم يستطيعوا دفعه إلا بالحيل فلم يزدهم الحيل إلا بلاءء وإما مبالغة 
في التشديد لِما اعتبروه من تحريم الشارع فاضطرهم هذا الاعتقاد إلى الاستحلال 
بالحيل» القواعد النورانية ص2188 مجموع الفتاوی (۲۹/ .)٤٥‏ 

© «تأملت المذهب فوجدت الإكراه يختلف باختلاف المكره عليه...» الفتاوى الكبرى 
لابن تيمية (0/ .)59٠‏ 

© «تأملت أنفع الدعاء فإذا هو سؤال العون على مرضاته ثم رأيته في الفاتحة في: (إِيّاكَ 
تعد وإِيَّاكَ فَتَعِينٌ14. نقله عنه في مدارج السالكين .)٠٠١/١(‏ 

«ما غلم بصریح العقل لا يُتصور أن يعارضه الشرع البتة» بل المنقول الصحيح لا 
يعارضه معقول صريح قطء وقد تأملت ذلك في عامة ما تنازع الناس فيه. .. في مسائل 
الأصول الكبار كمسائل التوحيد والصفات. ومسائل القدر والنبوات والمعاد وغير 
ذلك» درء تعارض العقل والنقل .)٠٤١ /١(‏ 





. .3 الفصل الثاني : شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها ا 
a‏ رفال 


المسألة الأولى: عدم إمرار الإشكالات بلا حل 


طالب العلم كثيراً ما تعرض له إشكالات وغوامض» فينبغي إذا 
أشكلت عليه مسألة في صورتها أو في حكمها أو في وجه الاستدلال 
لها أن يقف لذلك ولا يبرحهء وأن يتأمله حتى يتبين له فإنه بهذا يعمل 
فكره» ويزداد علماء وتقِلّ المشكلات لديه» وقد يجد بعد ذلك أن هذه 
المسألة مشكلة حقاً عند العلماءء أو أنهم اختلفوا فيهاء فيكون في هذا 
إيناس له بأن استشكاله كان في محله» وليس لمجرد غموض أو خفاء 


خاص به. 


وإذا كان من عادة الطالب تخطى الإشكالات والتغافل عنها كثرت 
لديه» واندثر ذكاؤه» وقلّت ثقته برأيه. وبقى عالة على غيره» وإذا ما 
بادرها بالبحث زالت» وحل محلها نفوذ في الفهم ومضاء في التصور. 


يقول الزرنوجي: "لا يكتب المتعلم شيئاً لا يفهمه؛ فإنه يورث 
كلالة الطبع ويُذهب الفطنة ويضيع أوقاته» وينبغي أن يجتهد في الفهم 
عن الأستاذ وبالتأمل والتفكر وكثرة التكرار... وإذا تهاون في الفهم ولم 
ي رة او مرن ادكه قلا عه انكلم المي , 


ويصف الشيخ محمد الأمين الشنقيطي كأ بحثه لحل بعض 
الإشكالات التى مرت به فيقول إنه كان أيامّ درسه لفن الأصول يشكل 
عه كرات الشمهون فق اسهد لال العتاعرية يقل :الله عالق وران ف 


معو 


وو اا ا 6 ا اہ که يي لك کا لت 





.. +» الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها‎ 4x 


2 
و 
8 5 2 7 که 


مَنُوبَِ74١'‏ على إباحة جمع الأختين بملك اليمين» ولم يزل يبحث عنه 
حتى حرر الجواب المقنع عن الاستدلال بهما”". 


المسألة الثانية: تأمل المسائل المشكلة ومحاولة حلها قبل 
سؤال العلماء ومراجعة الكتب: 

على طالب الفقه إذا عرض له الإشكال وأراد تجويد قدرته على التصور 
ألا يفزع أوّلا إلى سؤال العالم أو مراجعة الكتب» بل يستعين الله تعالى 
أوَلاء ثم يحاول حل الإشكال بنفسه؛ ويكرر النظر ولا يستعجل» ثم يُثبت 
نتيجة بحثه ونظره ويعرضها على الشيخ» فيقرها إن كانت صواباء أو يبين ما 
فيها من خلل إن كان» فهذا من خير ما يشحذ الذهن ويقوي النظر» وهو 
أيضاً أرسخ للفائدة في الذهن وأبعد عن النسيان. 

«وبعد هذه المرحلة» يستفيد الباحث كثيرًا من مناقشة العلماء 
والمختصينء وتداول الرأي حول القضية؛ وإنما يحسن النقاش المباشر 
في هذه المرحلة؛ لأن الإنسان حين يناقش دون تكوين رأي محدد يستحسن 
أحيانًا فكرة من الأفكار المطروحة ويميل معهاء وحين يقطع في البحث 
مرحلة أخرى يتغير رأيه» فيحتاج إلى المناقشة مرة أخرى» وهكذا. 

كما أن النقاش قبل تكوين رأي يدعو إلى إلغاء شخصية الباحث» 
وذوبانها في شخصيات الآخرين خاصة حين يكونون -من حيث الجملة- 


f 


أوسع منه علمّاء وأوضح بيانا» . 


.)7١ »۲۹( وسورة المعارج»› الآیتان‎ ») .٥( سورة المؤمنون. الآيتان‎ )١( 
(؟) رحلة الحج إلى بيت الله الحرام ص۴۳۸ وانظر: ص76 من الكتاب ذاته.‎ 
.٠٠*ص ضوابط للدراسات الفقهية‎ )۳( 


5 خا( الفصل الثانى: شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها م 
پک ا ا ا ا ٣‏ 


a 
2 


وجاء في ترجمة الفقيه المالكي محمد بن غليون (الوقاد): أنه كان 
فيا شافظاء :ركان القعة والمعاظ» وحودة الفريخة اقلت عليه ين 
الحفظ» وكان إذا ل ل 0 وإذا قيل له: اسمع 
جوا ھا قال خی اعرف ما طهر لی إنما أريد أن أنتفع فيها"'". 


ويقول المرعشي : «قد يُطالع الطالب ما يُرجى انكشافه لكن لا 
ينكشف. فعليه حينئذ أن يتبتل إلى ذكر الله تعالى... ويقول: حسبي الله 
ونعم الوكيل» على الله توكلت» متجها بقلبه إليهء E‏ 
ويقول: رب زدني علماء سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت 
العليم الحكيم» ويدعو بما استطاع» فإن لم ينكشف بعد ذلك يراجع 
إلى الشرح» وإياه أن ينظر إلى الشرح قبل اليأس من معرفة المتن؟ إذ 
من فعل ذلك قلّما تحصل له ملكة المطالعة»”". 


ومن تطبيقات هذا الأسلوب: محاولة تفسير الآية قبل النظر في 
كلام المفسرين» وهذا ما أوصى به الشيخ محمد بن عثيمين كته بعض 
من سأله عن تفسير ينصح بهء فقال: «أرى أن يفسر الآية هو بنفسه 
أولاً... ثم بعد ذلك يراجع ما كتبه العلماء فيها؛ لأن هذا يفيده أن 
يكرك ترا في اسيئر عي اله اي رت ا 
الرسول يي إلى اليوم لان عَرَ سن" 


PS O) 

(۲) ترتیب العلوم ص9١١.‏ 

(۳) انظر: مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثیمین /۲١(‏ ۳۸۲). 
وللشيخ حاتم بن عارف العوني مؤلّف عنوانه (تكوين ملكة التفسير)» وهو خطة عملية 
تحقق -بإذن الله- تكوين ملكة في التفسيرء وفكرة الخطة تقوم على تدريب المستفيد من 
الخطة على استخراج كل معلومة تنفعه في فهم الآية (مما يصح الوصول إليه- 


الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها 24:, 


E 


AEE 


ومن ذلك أيضاً: أن يفكر الطالب في جواب المسائل أو الفتاوى أو 
البحوث قبل أن يقرأ الجواب والأقوالء ثم ينظر في أقوال العلماءء 
فإن وجد رأيه موافقاً حمد الله وقرّى ذلك من عزيمته» فهذا خيرٌ بكثير 
من المبادرة إلى قراءة الجواب. 


المسألة الثالثة: التحضير للدرس وشرحه قبل سماع شرح 
الشيخ : 

الاعتماد في فهم الدرس على شرح الشيخ وتوضيحه يصيب الذهن 
بالكسل والركود» فإذا ما بادر الطالب فشرح الدرس بنفسه قبل أن 
يحضر درس الشيخ» ثم حضر الدرس فاختبر فهمه وصحح ما أخطأ 
فيه» كان ذلك من خير ما يشحذ الفكر ويجوّد التصور. 

ويصف هذه الطريقة أحدٌ من سلكهاء وهو الشيخ عبدالقادر بن 
بدران يدن بقوله: «اهتدينا بفضله تعالى أثناء الطلب إلى قاعدة» وهي 
أننا كنا نأتي إلى المتن أولا فنأخذ منه جملة كافية للدرس» ثم نشتغل 
بحل تلك الجملة من غير نظر إلى شرحها ونزاولها حتى نظن أننا 
فهمناء ثم نقبل على الشرح فنطالعه المطالعة الأولى امتحانا لفهمناء 


=بالاجتهاد) باستنباطه الخاص وإعماله لذهنهء ثم يقوم بتقويم اجتهاده هذا بالرجوع إلى 
كلام أهل العلم. 

فيبدأ بأن يحدد الآيات التي سيتدرب على تفسيرهاء ويتحرى فيها أن تكون أبعد الآيات 
من أن يكون استفاد تفسيرها من أحدء ثم يتدرج في التوصل إلى تفسير الآيات في 
خطوات هي : فهم الآيات بالجهد الذاتي المحض دون الاستعانة بأحد على تفسيرهاء 
ثم السعي إلى التفسير اللغوي الصّرف للآية» ثم تفسير الآية بالمنقول» ثم الرجوع إلى 
كلام أئمة التفسير وترجيحاتهم النهائية لتقويم نتيجة الدراسة. 


قر الفصل الثانى : شروط اکتساب الملكة الفقهية وتنميتها 0 
ا 010 | 
و 0 


فإن وجدنا فيما فهمناء غلطاً صححناهء ثم أقبلنا على تفهُم الشرح على 
نمط ما فعلناه في المتن» ثم إذا ظننا أننا فهمناه راجعنا حاشيته إن كان 
عافد ا اجان ا و ع آنا ف ارش ا 
الكتاب واشتغلنا بتصوير مسائله في ذهنناء فحفظناه حفظ فهم وتصور 
لا حفظ تراكيب وألفاظ» ثم نجتهد على أداء معناه بعبارات من عندنا 
غير ملتزمين تراكيب المؤلف. ثم نذهب إلى الأستاذ للقراءة وهنالك 
نمتحن فكرنا في حل الدرسء وثُْقَوّم ما عساه أن يكون به من اعوجاج. 
ونوفر الهمة على ما يورده الأستاذ مما هو زائد على المتن والشرح»ء 
وكنا نرى أن من قرأ كتاباً واحداً من فن على هذه الطريقة سهُل عليه 
جميع كتب هذا الفن مختصراتها ومطولاتهاء وثبتت قواعده في ذهنه» 
وكان الأمر على ذلك»'. 


الفرع الثالث: التفقّه ببحث المسائل غير الواقعة: 

وأعني بالبحث: إعمال الذهن في حل المشكلات العلمية» سواء 
أكان هذا الإعمال في صورة بحث مؤلف منشورء أو كان في صورة 
محاورة علمية» أو سوال يلقيه المعلم إلى تلاميذه» أو غير ذلك من 
صور التفكير. 

غير أن هذا النوع من التفقه في حاجة إلى شيء من التحرير؛ وذلك 
لأن من الموضوعات التي وقع الخلاف فيها قديما في باب الاجتهاد 
والفتوى والتفقّه: مدى مشروعية البحث والسؤال عن المسائل غير 
الواقعة. 


.778 المدخل إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل ص757-‎ )١( 


الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها ,عر 


2 


فعُرف عن فقهاء العراق ممن يخلب عليه استعمال الرأي : التوسع 
في افتراض المسائل غير الواقعة واجتهاد الرأي في حكمهاء وذلك 
لمقاصد علمية وعملية» كتحرير القواعد» وتمرين الأذهان لضبطهاء 
والاستعداد للبلاء قبل نزوله» وفي مقابل ذلك وُجد من أهل الحديث 
من يُضيّق باب البحث والفكر في النصوص ويقف عند دلالاتها 
الظاهرة؛ اتباعا لظاهر بعض ما ورد في بعض الآيات والأحاديث 
والآثار من النهي عن السؤال» وهذا ما يصفه ابن رجب كته بقوله: 
«انقسم الناس في هذا الباب أقساما : 

فمن أتباع أهل الحديث من سد باب المسائل حتى قل فقهه وعلمه 
بحدود ما أنزل الله على رسوله» وصار حامل فقه غير فقيه. 

ومن فقهاء أهل الرأي من تَوَسّع في توليد المسائل قبل وقوعهاء ما 
يقع في العادة منها وما لا يقع» واشتغلوا بتكلف الجواب عن ذلك 
وكثرة الخصومات فيه والجدال عليه حتى يتولد من ذلك افتراق 
القلوب» ويستقر فيها بسببه الأهواء والشحناء والعداوة والبغضاء» 
ويقترن ذلك كثيراً بنيّة المغالبة وطلب العلو والمباهاة وصرف وجوه 
الناس» وهذا مما ذمه العلماء الربانيون» ودلت السنة على قبحه 
00 

ومن الأخبار الواصفة لما كان بين الفريقين من الاختلاف: ما جاء 


)١(‏ جامع العلوم والحکم .)۲٤۹-۲٤۲۸/۱(‏ وانظر: الاستقامة (١/۸-١٠)ء‏ الفكر السامي 
ص 2595-191١‏ أبو حنيفة ص777-708. مالك. لأبي زهرة» ص٥٤‏ المدخل 
المفصل إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل ص178١»‏ العقل الفقهي معالم وضوابط 


.1١1-١١86ص‎ 


عير الفصل الثانى: شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها 3 2 0 
ا ا E‏ 


في ترجمة أبي حنيفة كانه من أن قتادة دخل الكوفة» ونزل في دار أبي 
بردة» فخرج يوما وقد اجتمع إليه خلق كثيرء فقال قتادة: والله الذي لا 
إله إلا هو ما يسألني اليوم أحد عن الحلال والحرام إلا أجبته! فقام إليه 
أبو حنيفة فقال: يا أبا الخطاب! ما تقول في رجل غاب عن أهله 
أعواماء فظنت امرأته أن زوجها مات» فتزوجت» ثم رجع زوجها 
الأولء ما تقول في صداقها؟ وقال لأصحابه الذين اجتمعوا إليه: لئن 
حدث بحديث ليكذبن» ولئن قال برأي نفسه ليخطئن! فقال قتادة: 
ويحك» أوقعت هذه المسألة؟ قال: لاء قال: فلم تسألني عما لم يقع؟ 
فقال أبو حنيفة: إنا نستعد للبلاء قبل نزوله» فإذا ما وقع عرفنا الدخول 
فيه والخروج منه...!") 

وحيال هذا التفاوت في الموقف من البحث في المسائل غير الواقعة 
يكون من الجدير بنا أن نستبين الموقف الصحيح» ولا سيما ونحن 
بده الاشارة إلى الخ والشكير مسلكا أضييلة من مسالك:اكتساب 
الملكة الفقهية» وفي سبيل ذلك يحسن أن نحرر محل البحث, بتمييز 
أقسام الأسئلة والبحوث وتصنيف الأدلة والآثار الواردة فيها. 

وسأبدأ ذلك بذكر ما ورد من الآي والأحاديث في بيان الأسئلة 
المكروهة» تع ذلك بطرف من آثار الصحابة وم في هذا الباب» 
ثم أحاول تحرير المسألة بتمييز الأنواع المنهي عنها من الأنواع المباحة 
أو التي هي محل اجتهاد بين الفقهاء» مستنيراً بأقوال أهل العلم ممن 
نحت خده السالة: 


(۱) تاريخ بغداد (16/ 8077). 


AE‏ الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها ا 
وک 


أ#عصمة 


ers 


2 
القع 


ا 


فقد قال الله سبحانه وتعالى: تاا الزیت اموا لا فوا عن 
إد تند کم کس . 

وقال رسول الله ية : «إن الله يكره لكم قيل وقال» وكثرة السؤال»”". 

وخطب رسول الله يي فقال: «أيها الناس! قد فرض الله عليكم 
الحج فحجوا»» فقال رجل: أكل عام يا رسول الله؟ فسكت حتى قالها 
ثلاثاًء فقال رسول الله كِ: «لو قلت نعم لوجبت» ولما استطعتم؟» ثم 
قال: «ذروني ما تركتكم. فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم 
واختلافهم على أنبيائهم» فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم» وإذا 
میک عن کی E‏ 

وعن سهل بن سعد الساعدي ونه أن عويمراً العجلاني جاء إلى 
عاصم بن عدي الأنصاري فقال له: يا عاصم! أرأيت رجلا وجد مع 
امرأته رجلاء أيقتله فتقتلونه. أم كيف يفعل؟ سل لي يا عاصم عن ذلك 
رسول الله يلِ. فسأل عاصم عن ذلك رسو الله يلل فكره 
رسول الله كك المسائل وعابها... الحديث. 

وقام يوما وهو يعرف في وجهه الغضب؛ فذكر الساعة وذكر قبلها 


.)٠١١( سورة المائدةء الآية‎ )١( 

م( رواه البخاري في صحيحهء كتاب الزكاة» باب قول الله تعالى لا علوت التاک 
إنصانا 4. برقم c((\EVY)‏ ومسلم في صحیحه» کتاب المساجد» برقم )04۳(« من 
حديث المغيرة بن شعبة طنه. 

(۳) رواه البخاري في صحيحهء كتاب الاعتصامء باب الاقتداء بسئن رسول الله يكثة» برقم 
(۵))). ومسلم في صحيحهء كتاب الحجء. برقم (۱۳۳۷)» من حديث أبي 
هريرة طيينه. 

)٤(‏ رواه البخاري في صحيحهء كتاب التفسيرء باب سورة النورء برقم .)٤۷٤٥(‏ ومسلم 
في صحيحهء كتاب اللعان» برقم .)١547(‏ 


ع لفصا الثانر : شر وط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها لم 
a‏ ا س a:‏ 
1 ع 


أموراً عظاماًء ثم قال: «من أحب أن يسأل عن شيء فليسأل عنه؛ فوالله 
لا تسألوني عن شيء إلا أخبرتكم به ما دمت في مقامي هذا!». قال: 
فأكثر الناس من البكاء حين سمعوا ذلك» وأكثر رسول الله ية إن 
يقول: «سلوني». فقام عبد الله ابن حذافة السهمي فقال: من أبي؟ 
فقال: «أبوك حذافة». فلما أكثر أن يقول: «سلوني» برك عمر بن 
الخطاب على ركبتيه فقال: يا رسول الله! رضينا بالله رباء وبالإسلام 
ديناء وبمحمد نبينا. قال: فسكت رسول الله كه حين قال عمر ذلك”'". 


وعن أبي ثعلبة الخشني ونه عن رسول الله يك قال: «إن الله فرض 
فرائض فلا تضيعوهاء وحد حدوداً فلا تعتدوهاء وحرم أشياء فلا 
تنتهكوهاء وسكت عن أشياء رحمة لكم غير نسيان فلا تبحثوا عنها»”". 

ا ایی ما رایت قرا عا مل ادات مد ک2ا 
سألوه إلا عن ثلاث عشرة مسألة حتى قبض ذل كلهن في القرآن: 
«رتتؤلك ع التجيين 74" طوَيََؤْلكَ عن ات04 بكاوك عن 
لتَبَرٍ أنْسَارِ #”*2. ما كانوا يسألون إلا عما ينفعهم. 


)١(‏ رواه البخاري في صحيحه» كتاب مواقيت الصلاة» باب وقت الظهر عند الزوالء برقم 
»)٥٤٩(‏ ومسلم في صحيحهء. كتاب الفضائل» برقم (589). عن أنس بن 
مالك ونانه. 

(۲) رواه الدارقطني في سننه» كتاب الرضاع» برقم (247947» والطبراني في المعجم الكبير 
(۲۲۱/۲۲)ء برقم »)٥۸4(‏ وحسنه النووي في الأربعين» الحديث الثلاثين» وحسنه 
أيضاً أبو بكر السمعاني. انظر: جامع العلوم والحكم .)٠١١/۲(‏ 

(۳) سورة البقرةء الأية (۲۲۲). 

.)۲۲١( سورة البقرة» الآية‎ )٤( 

.)7؟١17( سورة البقرةء الآية‎ )٥( 

(5) رواه الدارمي في سننه »)0١/١(‏ والطبراني في المعجم الكبير .)٤0٤/١١(‏ برقم 
(۱۲۲۸۸). 


0 الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها بي, 
ÛÛ‏ سس ا مس قي 


وعن معاذة» قالت: سألت عائشة فقلت: ما بال الحائض تقضي 
الصومء ولا تقضي الصلاة؟ فقالت: أحرورية أنت؟ قلت: لست 
بحرورية» ولكني أسأل. قالت: «كان يصيبنا ذلك» فنؤمر بقضاء 
الصومء ولا نؤمر بقضاء الصلاة»”"". 


لم یکن ؛ فإن الله د ا 
وعن ابن عمر قال: لا تسألوا عما لم يكن؛ فإني سمعت عمر يلعن 
من يسأل عما لم يكن”". 


وعد دي ناج E‏ عل رج 7 
فإن قالوا له: لم يقع لم يخبرهم» وإن قالوا: قد وقع أخبرهم“» وجاء 
عن أبي بن كعب وعمار بن ياسر وق مثل هنا وكذلك عن طاوس 
وابن شهاب"") 


وعن معاذ بن جبل ونه أنه قال: أيها الناس لا تعجلوا بالبلاء قبل 


)١(‏ رواه البخاري في صحيحه. كتاب الحيضء بابٌ لا تقضي الحائض الصلاةء برقم 
(۴۳۲۱). ومسلم في صحيحهء كتاب الحيضء» برقم (070. 

(؟) الفقيه والمتفقه (؟/ 2)١17‏ جامع بيان العلم وفضله (7/ .)١5٠‏ 

(۳) الفقيه والمتفقه (۲/ ۷)» جامع بيان العلم وفضله (۲/ .)۱٤۳‏ 

.)١٠٤١/۲( أخلاق العلماء ص٥۷ الفقيه والمتفقه (۲/ ۱۳)ء جامع بيان العلم وفضله‎ )٤( 

(5) انظر: أخلاق العلماء ص١۷‏ الفقيه والمتفقه (۲/ ١٠-١٠)ء‏ جامع بيان العلم وفضله 
«(\4Y /۲)‏ جامع العلوم والحكم .)٤1/۱1(‏ 

(5) انظر: أخلاق العلماء ص/الاء الفقيه والمتفقه (؟/ 016 ۲۲). جامع بيان العلم وفضله 
.)١ 2/0‏ 


شير الفصل الثاني : شروط اكتساب الملكة الفقهية وتئميتها 


مي 

ITY f 
ھر ا‎ e 
نزوله؛ فيذهب بكم ههنا وههنا؛ فإنكم إن لم تعجلوا بالبلاء قبل نزوله‎ 
لم ينفك المسلمون أن يكون فيهم من إذا سئل سدد. أو قال: وَفّق'.‎ 

وفي ضوء هذه الأدلة. والآثار عن الصحابة ا“ سأحاول تحرير 
هذه المسألة» بتمييز أنواع السؤال المكروه أوّلا. 

فمن الأنواع المكروهة: 

© السؤال لمقصد فاسد. 

مثل السؤال إعناتاً للمسؤول ولنطا له» 0 ومما جاء في 
هذا: قول الحسن البصري كألله: إن شرار عباد الله قوم يحبون شرار 
المسائل يُعمون بها عباد الله”". 

وكالسؤال للسمعة والرياء» ومنه ما جاء عن عبدة بن أبى لبابة : 
وددت أن حظي من أهل هذا الزمان أن لا أسألهم عن شيء ولا 
يسألوني» يتكاثرون بالمسائل كما يتكاثر أهل الدراهم بالدراهه”". 

© السؤال عما سكت الشارع عنه مما هو باق على البراءة الأصلية. 

فهو سؤال مذموم؛ «لأن جميع ما يحتاج إليه المسلمون في دينهم لا 
بد أن يبينه الله في كتابه العزيزء ويبلّغ ذلك رسوله كلِ؛ِ فلا حاجة بعد 
هذا لأحد في السؤال؛ فإن الله تعالى أعلم بمصالح عباده منهم» فما 
)١(‏ رواء أبو داود في المراسيل (5617), والآجري في أخلاق العلماء ص/الاء والخطيب 

في الفقيه والمتفقه (؟/77). 
(۲) انظر: أخلاق العلماء ص/الاء الموافقات (1489/5). 


(۳) اخلاق العلماء ص۷۹. الفقیه والمتفقه (۲/ ۲۲)ء جامع بيان العلم وفضله (۲/ ١٤٠)ء‏ 


جامع العلوم والحكم )6۷/۱( 
)€( جامع بیان العلم وفضله (۲/ .)۱٤١‏ 


الملكة الفقهية : حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها 06 
4 4 


كان فيه هدايتهم ونفعهم فإن الله لا بد أن يبينه لهم ابتداء من غير 
سؤال؛ كما قال يي آله كم أن يك 7" وفي هذا جاء قول 
النبي ب إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها... وسكت عن أشياء رحمة 
بكم غير نسيان فلا تبحثوا عنها”"». ومن هذا النوع: سؤال من سأل 
عن الحج: أفي كل عام؟ 

ومن هذا التعليل يُعلم أن كراهة هذا النوع من السؤال خاصة بمن 
هو عالم بما شرعه الله تعالى في موضوع ذلك السؤالء كحال الصحابة 
المقيمين مع النبي ية العالمين بما أمر به وما نهى عنهء فعلمهم 
بسكوت النبي ية عن مر ما يتضمن علمهم بأن الله تعالى قد سكت 
عنه» وأن ما سكت الله عنه فهو عفوء فالسؤال عنه تكلف. بخلاف من 
لا يدري هل شرع الله تعالى في هذا شيء أو لاء فإن السؤال في حقه 
جائزء وهو نوع من التفقه في الدين؟ ولهذا كان الأعراب القادمون إلى 
النبي يَكِ يُسمح لهم من السؤال ما لا يسمح لأهل المدينة؛ لمكان هذا 
الفارق بينهم وبين أهل المدينة 

ومن محاذير هذا النوع من السؤال -وهو خاص بمن كان في زمن 
النبي ي-: أن السؤال عما سكت الله عنه قد يكون سبباً لإيجاب ما لم 
يكن واجباء أو تحريم ما كان مباحاء كما قال َة لمن سأله عن 
الحج: أكل عام يا رسول الله؟ «لو قلت نعم و الخد 


.)١9/5( سورة النساءء الآية‎ )١( 
.)157 /١( (؟) جامع العلوم والحكم‎ 
.758١ص سبق تخريجه‎ )۳( 

.758١ص سيق تخريجه‎ )٤( 


a E 27 


e 


وقوله هة «إن أعظم المسلمين في المسلمين جرما رجل سأل عن شيء 
لم يحرم فحرم من أجل مسالته»". 

© السؤال عما لا نفع فيه" . 

مما لا ثمرة له علمية ولا عمليةء ومنه ما جاء أن عليا ويب قال 
يوما: سلوني عما شئتم. فقال ابن الكوّاء: ما السواد الذي في القمر؟ 
قال: قاتلك الله! ألا سألت عما ينفعك في دنياك وآخرتك؟! ذاك محو 
ا 

ومن هذا أنضاً قول ابن عباس: ما رآية قوما خيراً من أضحات 
محمد يَكِيِ؛ِ ما سألوه إلا عن ثلاث عشرة مسألة...» فهو فى سياق 
اللون عن العؤال يهنا لابه كما بن ذلك فر ا كارا الوق 
إلا عما ينفعهم؟» ولعله لا يريد أنهم لم يسألوه إلا هذه الأسئلة؛ لأنه 
قد ثبت عنهم أسئلة كثيرة غير هذه» ولكنهم ما كانوا يسألون إلا عما 


(4) 


ويمكن أن يُدرج في هذا النوع: السؤال عن المتشابه”» وهو ما 
أخفى الله تعالى علمه مما لا يحتاج إليه العبادء فالسؤال عنه تكلف. 
كالسؤال عن كيفية استواء الله تعالى وكيفية غيره من الصفات. 


)١(‏ رواه البخاري في صحيحه» كتاب الاعتصام» باب ما يكره من كثرة السؤال»ء برقم 
«(YYA4)‏ ومسلم في صحيحهء كتاب الفضائل» برقم (75708). من حديث سعد بن 
أبي وقاص طلنه. 

(۲) انظر: الموافقات (188/5). 

(۳) أخلاق العلماء ص*۸. 

.)175 /7( انظر: أعلام الموقعين‎ )٤( 

(0) انظر: الموافقات (1488/6). 


الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها ,يثن, 


52 $k 9 
irre 


ل ال ا د 
ضررء وفيه جاء قول الله عزوجل «يتامًا الس ءَامَنُوا لا سوا عن أشياآه 
إن د تک سوک 4 . 

ومن ذلك: البحث عما شجر بين الصحابة وإ" فإثارة ذلك 
وبحثه -إذا لم يكن له مقصد صحيح» ولم يكن الداخل فيه على علم- 
فيه مفاسد على القلب والاعتقاد وغير ذلك. 

ويقرب منه : 

© السؤال عما غيره أنفع منه للسائل. 

فيكون مذموما في حق هذا السائل وإن كان حسنا من غيره» كمن 
يسأل عن المسائل الدقيقة مع جهله بما يعنيه علما وعملاء فيكره هذا 
السؤال لما يتضمنه من الاشتغال بالمفضول عن الفاضلء ولما يدل 
عليه من عدم جدّيّة السائل وقلة انتفاعه بالجواب لو أجيب. 

ومما جاء في هذا: أن رجلا ألمّ على الإمام أحمد في تعقيد 
المسائل» فقال أحمد: تسأل عن عبدين رجلين؟! سل عن الصلاة 
والزكاة شيئاً تنتفع به ونحو هذاء ما تقول في صائم احتلم؟ فقال 
الرجل: لا أدري. فقال أبو عبدالله: تترك ما تنتفع به وتسأل عن عبدين 
رجلين؟! ثم حدّث عن روح عن أشعث عن الحسن في صائم احتلم: 
لاشیء علي" . 


.)٠١١( سورة المائدة» الآية‎ )١( 

وانظر: أعلام الموقعين (؟/ 4 170-1)» الموافقات (5/ 186). 
(۲) انظر: الموافقات .)۱۸۹/٤(‏ 
(۳) أخلاق العلماء ص*۸. 


a الفصل الثانى : شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها‎ ( 06 
3 a EN E EE i E j 


وسأله سائل : أتوضأً بماء النُورة؟"" فقال: ا لكا 
انرق وام 3020م E‏ ثم قال له أحمد: ما تقول 
إذا دخلت المسجد؟ فسكت. فقال: ما تقول إذا خرجت من المسجد؟ 
فسكت. فقال: اذهب فتعلم هذا" 

© السؤال الذي يتضمن معارضة السنة الثابتة بالرأي . 

مثل ما أنكرته عائشة TT‏ وكالذي أنكره سعيد بن 
المسيب من سؤال ربيعة عن دية المرأة“ 

© الكلام في الدين بلا مستند من الكتاب والسنة بل بالرأي 

المحض. 

فهذا النوع لا شك في كراهته» وعليه تحمل كثير من الآثار عن 

التابعين في ذم الرأي وكثرة المسائل”' 





)1( الثورة -بضم النون- أخلاط تُستعمل لإزالة الشعر. انظر: المصباح المئير ص019. 

(۲) الباقلاء: الفولء ويجوز فيه تشديد اللام وتخفيفهاء فإذا شددت اللام كان مقصوراء 
وإذا خففت كان ممدودا وقد يقصر. انظر: القاموس المحيط ص41۷ المطلع 
ص۲۷1 المصباح المنير ص08. 

(۳) انظر: الآداب الشرعية (۷۳/۲)ء ونقل أجوبة لأحمد نحو هذا. 

(8) انظر: الموافقات .)١188/5(‏ 

(0) روى مالك فى الموطأ عن ربيعة بن أبى عبد الرحمن أنه قال: سألت سعيد بن 
المسيب: كم في إضبع المرأة؟ فقال: «عشر من الإبل» فقلت : كم في إصبعين؟ قال: 
عشرون من الإبل» فقلت: كم في ثلاث؟ فقال: «ثلاثون من الإبل» فقلت: كم في 
أربع؟ قال: «عشرون من الإبل» فقلت: حين عظم جرحها واشتدت مصيبتها نقص 
عقلها؟! فقال سعيد: «أعراقي أنت؟؟ فقلت: بل عالم متغبت» أو جاهل متعلم. فقال 
سعيد: «هي السنة يا ابن أخي». كتاب العقول. ما جاء في عقل الأصابع. برقم 
(0۰۷). 

(5) انظر: جامع بیان العلم وفضله (۲/ ۱۳۹)ء أعلام الموقعین .)١۱١١/۲(‏ 


a‏ الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها إجر, 
TE‏ 3 .0 
لديا Eya‏ 


قال ابن عبدالبر كثة بعد أن روى جملة من الآثار في ذم الرأي: 
«اختلف العلماء في الرأي المقصود إليه بالذم والعيب في هذه الآثار 
المذكورة في هذا الباب عن النبي ية وعن أصحابه و » وعن التابعين 
لهم بإحسان... 


وقال آخرون -وهم جمهور أهل العلم-: الرأي المذموم في هذه 
الآثار... هو القول في أحكام شرائع الدين بالاستحسان والظنون» 
والاشتغال بحفظ المعضلات والأغلوطاتء ورد الفروع والنوازل 
بعضها على بعض قياساً دون ردها على أصولهاء والنظر في عللها 
واعتبارهاء فاستُّعمل فيها الرأي قبل أن تنزل» وفرّعت وشققت قبل أن 
تقع» وتكلم فيها قبل أن تكون» بالرأي المضارع للظن» قالوا: وفي 
الاشتغال بهذا والاستغراق فيه تعطيل السنن» والبعث على حملها وترك 
الوقوف على ما يلزم الوقوف عليه منها ومن كتاب الله عز وجل 
ومعانيه» واحتجوا على صحة ما ذهبوا إليه من ذلك بأشياء...»'. 


هذه أنواع من الأسئلة والبحوث التي ورد النهي عنهاء وذمها 
وكراهتها أمر ظاهر ولا إشكال فيه؛ لظهور دلالة النصوص عليه» ويبقى 
نوع من الأسئلة في محل النزاع» هو: السؤال عما لم يقع. 

فظاهر بعض الآثار مما سبق إيراده وما فيه معناه: كراهة البحث في 
هذا النوع مطلقاء وهذا ما ذهب إليه جماعة”'“» ولكن المتأمل في هذا 
(1) جامع بیان العلم وفضله (۲/ ۱۳۹). 


(۲) انظر: أحكام القرآن لابن العربي (۲/ ١۲۱)ء‏ جامع العلوم والحكم (۸/۱٤۹-۲٤۲)ء‏ 
الفكر السامي ص١59.‏ 


عم الفصل الثاني: شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها 






ر 
TTY j‏ 





الض ب م٠‏ الأسئلة يجده يتضمن أنواعا مختلفة الأحكام» وهى ثلاثة 


النوع الأول: فاافيه تصن من الكفات أو السنة: أن اأترعن 
الصحابة؛ فلا يكره الكلام فيها وإن لم تكن وقعت؛ لأن ذلك نوع من 
التفقه في النصوص› لور 17 

النوع الثاني : ما ثبتت مشروعيته والتكليف به» ووقوعه غير مستبعد ولا 
نادرء فيسأل السائل أو الباحث عنه قاصدا معرفة حكمه للعمل به إذا وقع. 
أو معرفة حكمه لتبليغه للناس إذا كان طالب علم يعد نفسه لذلك. 


فهذا النوع من المسائل يظهر دخوله في النهي الوارد في بعض 
الآثار السلفية السابقة" ولكن الصحيح -والله أعلم- عدم كراهته؛ 
لوقوعه في عدد من أسئلة الصحابة للنبي ية كقولهم: إنا لاقو العدو 
غداً وليس معنا مدى؛ أفنذبح بالقصب”"» وسؤالهم عن الأمراء الذين 
أخبر عنهم بعده وعن طاعتهم وقتالهم'*'. وسؤال حذيفة ونه عن الفتن 





.)١57 /5( انظر: أعلام الموقعين‎ )١( 
.)١57/5( أعلام الموقعين‎ .)٠١ /۲( (؟) انظر: أحكام القرآن لابن العربي‎ 

2 رواه البخاري في صحيحه» كتاب الشركة. باب قسمة الغنم» برقم «(YEAA)‏ ومسلم 
فت صحيحه » کتاب فضائل الصحابة» برقم )¥0°¥(« عن رافع بن خديج طن 
() عن علقمة بن وائل الحضرمي عن أبيه » قال: سأل سلمة بن يزيد الجعفي 
رسول الله ي فقال: يا نبي الله ! أرأيت إن قامت علينا أمراء يسألونا حقهم ويمنعونا 
حقناء فما تأمرنا؟ فأعرض عنه» ثم سأله» فأعرض عنه» ثم سأله في الثانية أو في 

الثالثة» فجذبه الأشعث بن قيس » فقال رسول الله كتند: «ا | وأطيعواء فإنما علي 
: بن قيس سو ي : «اسمعو 

ما حملواء وعليكم ما حملتم». رواه مسلم فى صحيحه» كتاب الإمارة» برقم 

(١٤۱۸)ء‏ وانظر الأحاديث في صحيح مسلمء كتاب الإمارةء (۲٤۱۸ء .)۱۸٤۳‏ 


3 الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها‎ A 
عمو ی‎ 
وما يصنع فيها”''. وسؤال المقداد «أرأيت إن لقيت رجلا من الكفار‎ 
فقاتلني فضرب إحدى يدي بالسيف فقطعها ثم لاذ مني بشجرة فقال:‎ 
أسلمت لله! أفأقتله يا رسول الله بعد أن قالها؟...»ء وهذا النوع من‎ 
أسئلة الصحابة كثير.‎ 
ولأن الوسيلة لها حكم الغاية» والقيام بالواجب لا يتم إلا بالعلم‎ 
به» وقد لا يُمكن ذلك حين نزول النازلة؛ لمفاجأتها وضيق وقتها؛ فلا‎ 
فالذي يظهر: هو جواز هذا النوع من الأسئلة؛ وهذا ما اختاره ابن‎ 
العربي وابن القيم ونسبه الحجوي للجمهور”"» لكن يقيد ذلك بقيود‎ 
: ثلا ثة‎ 
أن يكون المسؤول عن حكمه متوقع الحصول» فليس بمستبعد‎ © 
ولا نادر.‎ 
حسن القصد من السؤال» بأن يكون القصد منه العلم أو‎ © 
الاستعداد للعمل» فلا يكون من باب الفضول أو التعمق.‎ 
ملاءمة السؤال لحال السائل» بأن تكون المسألة مما يمكن‎ © 





)١(‏ رواه البخاري في صحيحهء كتاب الفتن. باب كيف الأمر إذا لم يكن جماعة؟ برقم 
«(V°A€)‏ ومسلم في صحیحه › كتاب الإمارة» برقم »)۱۸٤۷(‏ عن حذيفة طثلن. 

(؟) رواه البخاري في صحيحهء كتاب المغازي» باب غزوة بدرء برقم ()» ومسلم في 
صحیحه» کتاب الإیمانء برقم ()» من حديث. 

(۳) انظر: أحكام القرآن لابن العربي (۲/ .)۲۱٠١‏ الفقیه والمتفقه (۲/ ۱۰ء ۱۸ ١۳-٠)ء‏ 
أعلام الموقعين (5/ »)١57‏ جامع العلوم والحكم /١(‏ 20757 أبو حنيفة ص2357 
الفكر السامي ص۲۹۲. 


عم الفصل الثاني : شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها 





2 
وقوعها بالنسبة إلى ذلك السائل» أو يكون السائل طالب علم 
يسأل عما ينفعه؛ فلا يكون سؤاله تكلفا وتشاغلا عن العلم 
المهم. 
ولعل ما ورد عن بعض الصحابة من إطلاق النهي عن السؤال 
محمول على خلاف هذه الأحوال» بأن يكون ظهر من حال السائل 
تكلّف أو فضولء والله أعلم. 
النوع الثالث: السؤال عن شيء يبعد وقوعه» ولم يأت فيه نص. 
فهذا النوع لا شك في دخوله في النهي في الآثار الصحابية المشار 
إليها نفا" ويؤخذ من كلامهم ومن أقوال أهل العلم أن علة كراهية 
ذلك هي : 
© أنه لم يكن طريقة الصحابة ؤي في أخذهم للعلم عن 
رسول الله َء ولا في تدارسهم فيما بينهم» ولا من طريقة 
التابعين في التفقّه» وإنما حدث ذلك بعدهم ؛ فهو من البدع.'") 
© أن فيه انشغالا عما هو أولى وأنفع من العلم والعمل» ففي 
الاشتغال بهذا والاستغراق فيه تعطيل السنن» والبعث على 
حملها وترك الوقوف على ما يلزم الوقوف عليه منها ومن كتاب 
الله عز وجل ومعانيه”". قال الأوزاعي تكنه: «إن الله إذا أراد أن 


)١(‏ انظر: الفقيه والمتفقه (17/ 2)79-77 أبو حنيفة ص٠٠۲‏ ضوابط للدراسات الفقهية 
ص ۵-٥٩‏ . 

(۲) انظر: أخلاق العلماء ص۷۹. 

(۳) انظر: أخلاق العلماء ص۷۹ء جامع بيان العلم وفضله 2»)١6/7(‏ القكر السامي 
ص٤۰۲۹‏ أبو حنيفة ص۲٣۲.‏ 


{r 


0000 


الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها 0 
2 


يحرم عبده بركة العلم ألقى على لسانه المغاليط». فلقد رأيناهم 
أقل الناس علما"”' . وإنما ينبغي أن يعتني ببسط الأدلة» وإيضاح 
سبل النظرء وتحصيل مقدمات الاجتهاد. وإعداد الآلة المعينة 
على الاستمداد؛ فإذا عرضت النازلة أتيت من بابها. ونشدت في 
فظانها”"؟. 

أنه لما كان كلاما فيما لا نص فيه كان مدعاة إلى الاختلاف وما 
ينشأ عنه من المراء والجدال» وهما مكروهان في الشرع. 

ولأن الاجتهاد في الجواب عن هذا النوع من الأسئلة فيه قول 
على الشرع بالظن من غير ضرورة داعية؛ فلا مسوغ له" ٠‏ وإذا 
كان كذلك فقد لا يوفق متكلف الجواب عنه للصواب» وهذا ما 
يفهم من كلمة معاذ ابن جبل طلنه. 

ولأنه أقرب إلى الغلط؛ من جهة أنه حكم على الصورة المنقدحة 
في الذهن دون معرفة ما يحف بهاء فمن السداد ترك ذلك 
واجتهاد الناس لما فيه من أمور مستقبلية تؤثر على النتيجة 
الحكمية حسب اختلاف الأزمان وحسب اختلاف الأشخاص 
وحسب اختلاف الأحوال والأماكن وحسب اختلاف الأعراف 
والعوائد وحسب تقدير المصالح العامة والخاصة. 


.)۲٤۷/١( جامع بيان العلم وفضله (۲/ ١٤٠)ء جامع العلوم والحكم‎ )١( 

(؟) أحكام القرآن لابن العربي (؟/ 516). 

(۳) انظر: الآداب الشرعية (7/ 15)» شرح الكوكب المنير (087/5). 

(5) المدخل المفصل إلى فقه الإمام أحمد بن حنبل »23١7/١(‏ وانظر: ضرابط للدراسات 
الفقهية ص 605. 


, بك الفصل الثاني: شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها ام 
e EE‏ 
ج ر و“ 


وما كان في هذا النوع من المنفعة برياضة الذهن فهو متحقق في 
غيره مع السلامة من المحذور”". 
ومن هذا التفصيل في حكم السؤال عما لم يقع يُعلم حكم بحث 
المسائل غير الواقعة» فالبحث الفقهي”" ينبغي أن يتجه إلى النصوص 
فهماً واستنباطاًء وأن يُعنى من المسائل بما كان واقعاً أو متوقع0. 
وأما المسائل بعيدة الوقوع فالذي يظهر أن الأمر في بحثها أوسع 
وأسهل من مسألة السؤال عنهاء ذلك أن أسباب كراهية السؤال عن 
النادر من المسائل مأمونة غالبا إذا كان تناولها لا يجاوز دائرة التفكير 
والتعليم والمطارحة العلمية» مع أن الحاجة التعليمية قد تدعو إليها؛ 
ولذا يمكن أن يقال: إنه لا حرج في بحث المسائل ولو كانت بعيدة 
الوقوع» ما رُعي في ذلك ثلاثة أمور: 
© أن يكون البحث فيها بعد إحكام الأصول والقواعد التي ترد 
الفروع إليها. 
© أن تدعو حاجة التفقه والتعليم إلى بحثها. 
© أن يكون تناولها مقصوراً على أهل الحاجة إليهاء فلا تكون محلا 
للنشر والإذاعة للعامة. 


-0060 ضوابط للدراسات الفقهية ص‎ ١777 انظر: الفكر السامى ص797, أبو حنيفة ص‎ )١( 
.)1778/1( المدخل المفصل إلى فقه الإمام أحمد بن حنبل‎ 5 

(۲) سبق الإيضاح أول هذا الفرع بأن المقصود بالبحث: إعمال الذهن في حل المشكلات 
العلمية» سواء أكان هذا الإعمال في صورة بحث مؤلف منشوره أو كان في صورة 
محاورة علمية» أو سؤال يلقيه المعلم إلى تلاميذه» أو غير ذلك. 

)۳( يحسن الرجوع هنا إلى كتاب (الفقه الارتيادي» نظرات في الفقه المستشرف للمستقبل» 
فقه التوقع)» للدكتور/ هاني الجبيرء وما كتبه الدكتور/ نوار بن الشلي بعنوان (لماذا لا 
ينمو الفقه المستشرف للمستقبل؟) في كتابه (إصلاح الفكر الفقهي) ص95-؟5١٠.‏ 


e‏ الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها إل 
ع او 


e يږو“‎ 


المطلب الرابع : المذاكرة والمباحثة: 





وفيه أربعة فروع : 

الفرع الأول: التعريف بالمذاكرة والمباحثة. 

الفرع الثاني : مكانة المذاكرة والمباحثة وأثرهما في تحصيل الملكة 
الفقهية. 

الفرع الثالث: لمحات من استعمال العلماء أسلوب المذاكرة 
والمباحثة في التعلم والتعليم. 

الفرع الرابع : ازدياد العناية بأساليب المذاكرة والمباحثة في علم 
طرق التدريس الحديث. 


الفرع الأول: التعريف بالمذاكرة والمباحثة 
المذاكرة: اشتراك اثنين فأكثر في استذكار مسائل العلم. 
هو السؤال عن الشىء والاستخبار والتفتيش عنه". 
والمذاكرة تكون للرواية وتكون للدراية أيضأء وقد يجتمعان» 
فمذاكرة الرواية: هي ما يكون بين حفاظ الحديث من استذكار مروياتهم 
)١(‏ المذاكرة: مفاعلة من الذكرء وهو: الحفظ للشيء. القاموس المحيط (الذكر) ص585. 
والمفاعلة تدل غالبا على اشتراك اثنين في الفعلء كالمقاتلة والمخاصمة؛ فمن اللحن 
الشائع استعمال (المذاكرة) في استذكار المرء وحده للشيءء كأن يقال: ذاكر الطالب 
درسهء والصواب: استذكر الطالب درسه -إذا كان وحده- ويقال: ذاكر الطالبٌ زميله. 


(۲) انظر مادة (ب ح ث) في : الصحاح (۱/ ۲۷۳)ء مقاييس اللغة 4027١04 /١(‏ لسان العرب 
.)11١8/0(‏ 


5-8 الفصل الثاني : شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنمينها E,‏ 
0 جح 222 ج 


TY 


من أجل تعاهد حفظها والتنبه إلى عللها وتصحيح ما قد يكون من خطأ 
عند أحدهم فيها واستفادة بعضهم من بعض في تفسير غريب أو زيادة 
ا MWD,‏ 
فى متن أو إسناد ۰ 

وأما مذاكرة الدراية فهى المباحثة فى معاني النصوص ومسائل الفقه 
لتفهمهاء وإبداء الإشكالات للتعاون على حلهاء وبذلك يتحقق للمتفقه 
الممارسة المباشرة للفقه. وهذا النوع من المذاكرة هو المعدود هنا من 
أسباب الملكة الفقهية. 

ويصف الدكتور/ مصطفى صادقي مجلس المذاكرة بأنه يبدأ ناز 
باب من الفقه أو عدة أبواب» ثم يستحضر المتذاكران أو المتذاكرون ما 
يتعلق بها من مسائل فقهية» ويُحاولون استظهار ما يحفظونه من روايات 
وأقوال بشأنهاء مع مناقشة ما يتعلق بذلك من إشكالات معرفية ومواطن 
ااي رادت و اتاو قال ا ا 


الفرع الثاني : مكانة المذاكرة والمباحثة وأثرهما في تحصيل 
الملكة الفقهية : 

المباحثة في العلم من أبلغ أسباب رسوخه» ف«العلم إذا لم يُستعمل 
ولم يُذاكر به كالمسك إذا طال مكثه في الوعاء ذهب ريحهء وكالماء 
الصافي إذا ظال مكفة تشقعة الأوعية والهواء وغيّرته ».وذهبت» بأكثرة أو 
بكلّه وتغير ريحه وطعمه» وكالبئر تحفر فتجري فيها عين. فإن حصل 





)١(‏ انظر: رسوم التحديث في علوم الحديث ص 017١‏ نصائح منهجية لطالب علم السنة 
النبوية ص 790. 
(؟) منهاج تدريس الفقه ص88 » وانظر: نشأة الكليات ص9١1١.‏ 


الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها ۹ 


الع 
,»د 


مب ره 


rek 





Fa. 
له طريق حتى ينتشر صار نهراً وكثر ونفع وعاش به الحيوان» وإن حبس‎ 
وترك قل نفعه وربما غار»ء فكذلك العلم إذا لم يذاكر به ولم يبحث‎ 
عنه» وإذا ذاكرت بالعلم ونشرته صار كالنهر الجاري دائم النفع› غزير‎ 
الماءء إن قل مرة لعارض زاد أخرى»ء وإن تكدر وقتاً لعلة صفا في‎ 
ثان» وتحيا به الأرض والزرع والحيوان».‎ 

والمذاكرة أيضاً باعثة على التعلم الذاتي؛ لأن المتفقه عندما يعجز 
عن ا 2 ستحضار محفوظاته الفة لفقهية أو يتعرض لإشكال ب يستفرغ وسعه في 
إيجاد الجواب وفي القياس على نظائر تلك المسألة» ويكون سالما من 
الحرج من الوقوع في الخطأ أو التمادي في قول شاذ؛ لأنه لا يعدم في 
مجلس المذاكرة من يقرّم اجتهاده ويسدد نظره'". 

ومع هذه الفائدة العلمية المباشرة في المذاكرة» فللمذاكرة فوائد لا 
غنى للفقيه عنهاء منها: اعتياد طلاقة اللسان والفصاحة» والتدرب على 
الأخلاق العلمية» من التواضع والإنصاف ومعرفة الفضل لصاحبه 
والتعاون على الخير وقبول الرأي المخالف””". 

يقول الخطيب: الأستحب أن 0 يوم الجمعة بالمذاكرة 
فيهاء والمناظرة عليها»20'. 
(1) الفقيه والمتفقه (۲/ .)٠١‏ 
(؟) انظر: منهاج تدريس الفقه ص٩۸.‏ 
(۳) الثقافة الإسلامية: طرائق التدريس ص777. 


)2 أي: الفقيه. 
(6) الفقيه والمتفقه (؟/ 77/5). 


,بج الفصل الثاني : شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها الس 
2 سد“ 


ريع 
5 


وقال -بعد أن عد العلوم الدينية والدنيوية التي يحتاج إليها المفتي- : 
«فمن شرط المفتى : النظر فى جميع ما ذكرناه» ولن تدرك ذلك إلا 
بملاقاة الرجال والاجتماع مع أهل النحل والمقالات المختلفة 
ومساءلتهمء وكثرة المذاكرة لهمء وجمع الكتب ودرسها ودوام 
OE‏ 

وقال النووي كن : مذاكرة حاذق في الفن ساعة أنفعٌ من المطالعة 
Es‏ 

ويصرح ابن خلدون بأن المحاورة في العلم من أقرب طرق تحصيل 
الملكة فيقول: «أبسر طرق هذه الملكة : ففق اللسان بالمسحاورة 
والمناظرة في المسائل العلميّة» فهو الذي يقرب شأنها ويحصّل 
مرامها». ثم عاب فئة من طلاب العلم لا يتحاورون ولا يتناظرون 
فقال: «فتجد طالب العلم منهم بعد ذهاب الكثير من أعمارهم في 
ملازمة المجالس العلميّة سكوتاً لا ينطقون ولا يفاوضون» وعنايتهم 
بالحفظ أكثر من الحاجة؛ فلا يحصلون على طائل من ملكة التصرف في 
العلم والتعليم» ثم بعد تحصيل من يرى منهم أنه قد حصّل تجد ملكته 
قاصرة في علمه إن فاوض أو ناظر أو علمء وما أتاهم القصور إلا من 
قبل التعليم وانقطاع سنده» وإلا فحفظهم أبلغ من حفظ سواهم لشدة 
عنایتهم به» وظنهم BS a SEN Oa‏ 

ويبلغ الشيخ زكريا الأنصاري في تأكيد مكانة المذاكرة أن جعلها 





.)7“4 الفقيه والمتفقه (؟/‎ )١( 


(0) شرح صحيح مسلم .)58/١(‏ 
(۳) مقدمة ابن خلدون ص٠٠5.‏ 


الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها بين 


اک 


e 
E 
0 ا‎ 
شرطاً من شروط التعلّم» فيقول: السابع من شروط التعلّم : «أن يُذاكر‎ 
به الأقران والأنظار طلبا للتحقيق لا للمغالبة بل للمعاونة على الإفادة‎ 
والاستفادة'.‎ 

ويقول الشيخ عبدالرحمن السعدي: ينبغي للمعلم أن يمرن الطالب 
على المباحثة وتصوير المسائل» وبيان حكمتها ومآخذهاء ومن أي 
الأصول الشرعية أخذت» فإن معرفة الأصول والضوابط واعتبارها 
بالمسائل والصور من أنفع طرق التعليم» وكذلك ينبغي له أن يوقظ 
فهمه بكثرة البحث والسؤال والجواب”". 

ويقول: ومما يعين على هذا المطلوب”": أن يفتح المعلم 
للمتعلمين باب المناظرة في المسائل والاحتجاج» وأن يكون القصد 
واحداًء وهو اتباع ما رجحته الأدلة» فإنه إذا جعل هذا الأمر نصب 
عينيه وأعينهم تنورت الأفكار وعرفت المآخذ والبراهين» واتبعت 
الحقائة. 

وللمذاكرة آداب بها تكون مثمرة نافعة» هي: اتباع الرفق 
والملاطفة» واجتناب التعصبء. والبعد عن التعالم والدعاوى الكاذبةء 
واختيار زميل المذاكرة من ذوي الفطنة والجد في الطلب“. 


)١(‏ اللؤلؤ النظيم في روم التعلم والتعليم ص"1. 

(؟) المعين على تحصيل آداب العلم وأخلاق المتعلمين ص١”7.‏ بتصرف يسير. 
(۳) يعني : الرجوع إلى الصواب عند تبيّنه» والبعد عن التعصب. 

)٤(‏ المعين على تحصيل آداب العلم وأخلاق المتعلمين ص١٥۰‏ بتصرف يسير. 
(65) انظر: حلية طالب العلم ص59. 


م الفصل الثاني : شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها مي 
م ا ا ۷ 


الفرع الثالث: لمحات من استعمال العلماء أسلوب المذاكرة 
والمباحثة في التعلم والتعليم: 

لِما سبق من الفوائد حث العلماء على المذاكرة وانتهجوها مسلكاء 
فقد قال جماعة من العلماء: كان الرجل من أهل العلم اذا لقي من هو 
فوقه في العلم فهو يوم غنيمته» سأله وتعلم منه» واذا لقي من هو دونه 
في العلم علمه وتواضع له» واذا لقي من هو مثله في العلم ذاكره 


2000 
ودارسه . 


وعن علي بن يوسف الهمذاني المقرئ قال: دخلت على أبي بكر 
الخوارزمي فلزمت السكوت وجعلت أسمع كلامه؛ فقال لي: «تكلم؛ 
فإن أصبت كنت مفيداً» وإن أخطات كنت مستفيداء كالغازي: إن قتل 
کان مدا ون فل کان شهدا 

وكان أبو العباس بن طالب القاضي (المتوفى سنة ١۲۷ه)‏ حريصاً 
على المناظرة» فيجمع في مجلسه المختلفين في الفقه ويغري بينهم 
لتظهر الفائدة وربما يأمرهم بهاء وقيل فيه: لم يكن شيء أحب لابن 
طالب من المذاكرة في العلم ". 

وجاء في ترجمة الفقيه عبدالله بن أحمد الإبياني (المتوفى سنة 
1مم): أنه كان يحب المذاكرة في العلم» ويقول: دعونا من السماع 


)١(‏ رويت هذه الكلمة عن عبدالرحمن بن مهدي. المحدث الفاصل ص 27١5‏ سير أعلام 
النبلاء .)۲٠۳/۹(‏ وعن أبي حازم. انظر : الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع (؟/ 
٥‏ ) وعن الخليل بن أحمد. انظر: معجم الأدباء (۳/ .)١١١١‏ 

(؟) الفقيه والمتفقه (۲/ .)٠١‏ 

(۳) ترتيب المدارك .)٠١۹/٤(‏ 


الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسايها وثمراتها 






ak 
ما‎ 
n 


وألقوا علينا المسائل... وكان ابن اللباد إذا ذاكره يضجر لكثرة معارضته 
ودقة فهمه. 

وأبو حنيفة كه في مقدمة الفقهاء الذين برز في تدريسهم سمة المحاورة 
والمباحثة» روى الحسن ابن زياد قال: كان أصحاب أبي حنيفة يجتمعون 
إليه في ناحية المسجد؛ وكان مسعر بن كدام يقوم يصلي في ناحية أخرى. 
فكان أصحاب أبي حنيفة ما بين سائل له ومناظر» وكانوا يرفعون أصواتهم 
حتى يسكنون لكثرة ما يحتج لهم؛ فكان مسعر يقول: إن رجلا بسكن الله به 
هذه الأصوات لعظيم الشأن في الإسلام”". 

وقال سفيان بن عيينة: مررت بأبي حنيفة في المسجدء وإذا أصحابه 
حوله قد ارتفعت أصواتهمء. فقلت: ألا ها عن رقع الصوت في 
المسجد؟ قال: دعهم؛ فإنهم لا يتفقهون إلا بهذا" . 

وعن محمد بن الحسن قال: كان أبو حنيفة قد حمل إلى بغداد» 
فاجتمع أصحابه فعملوا مسألة أيّدوها بالججاج» وتنوّقوا في تقويمهاء 
وقالوا: نسأل أبا حنيفة أول ما يقدم. 

فلما قدم أبو حنيفة كان أول مسألة سئل عنها تلك المسألة» 
فأجابهم بغير ما عندهم» فصاحوا به من نواحي الحلقة: يا أبا حنيفة 
َلْدَنْكَ الغربة! 

فقال لهم: رفقًا رفقًا ماذا تقولون؟ 

قالوا: ليس هكذا القول. 


)1( انظر: ترتیب المدارك وتقريب المسالك (؟/58). 


(؟) انظر: مناقب الإمام الأعظم ص5". 


42 الفصل الثاني : شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها 





قال: بحجة أم بغير حجة؟ قالوا: بل بحجة. 

قال: هاتواء فناظرهمء فغلبهم بالحجاج حتى ردهم إلى قوله. 
وأذعنوا أن الخطأ منهم. فقال لهم: أعرفتم الآن؟ قالوا: نعم. 

قال: فما تقولون فيمن يزعم أن قولكم هو الصواب» وأن هذا 
القول الخطأ؟ قالوا: لا يكون ذاك قد صح هذا القول. 

فناظرهم حتى ردّهم عن هذا القول! 

فقالوا: يا أبا حنيفة ظلمتناء والصواب كان معنا! 

قال: فما تقولون فيمن يزعم أن هذا القول خطأء والأول خطأء 
والصواب في قول ثالث؟ 

فقالوا: هذا ما لا يكون. 

قال: فاستمعواء واخترع قولا ثالثّاء وناظرهم عليه حتى ردهم إليه. 

فأذعنواء وقالوا: يا أبا حنيفة علمنا. 

قال: الصواب هو القول الأول الذي أجبتكم به؛ لعلة كذا وكذاء 
وهذه المسألة لا تخرج عن هذه الثلاثة الأنحاءء ولكل منها وجه في 
اله ونتف وعدا الضنواى دوي وارفقنوا ها وا 

وقال أسد بن عمرو: كانوا يختلفون عند أبى حنيفة في جواب 
المسألة» فيأتي هذا بجواب» وهذا بجواب» ثم ترفعوتها اه ا 
عنهاء فيا تي الجواب عن كّب. وكانوا يقيمون في المسألة ثلاثة أيام ثم 
يكتبونها في الديوان”". 

وقال إسحاق بن إبراهيم: كان أصحاب أبي حنيفة يخوضون معه في 


)١(‏ تأنيب الخطيب ص۲۷۳. 
(۲) حسر التقاضي ص۱۲ . 





e‏ الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها .2م 
* اي س 


المسألةء فإذا لم يحضر عافية بن يزيد قال أبو حنيفة: لا ترفعوا المسألة 
حتى يحضر عافية» فإذا حضر عافية ووافقهم قال أبو حنيفة: أثبتوهاء 
وإن لم يوافقهم قال أبو حنيفة: لا تثبتوها”". 

ولهذا قال الموفق المكي: وضع أبو حنيفة مذهبه شورى بينه وبين 
أصحابه» لم يستبد بنفسه دونهم؛ اجتهاداً منه في الدين» ومبالغة في 
النصيحة لله ورسوله والمؤمنين» فكان يلقي مسألة مسألةء يقلبهم ويسمع 
ما عندهم» ويقول ما عنده ويناظرهم شهراً أو أكثر من ذلك حتى يستقر 
أحد الأقوال فيهاء ثم يثبتها القاضي أبو يوسف في الأصول”". 

ومن مواضع استعمال الفقهاء -رحمهم الله- للمذاكرة والمباحثة: 
مشاورة القاضي والمفتي لأهل العلم» ومن ذلك ما رواه ابن أبي شيبة 
عن إسماعيل بن أبي خالد قال: رأيت شريحاً يقضي وعنده أبو عمرو 
الشيباني وأشياخ نحوه يجالسونه على القضاءء وروى عن إدريس 
الأودي قال: رأيت محارب بن دثار» وحماداً والحكم» وأحدهما عن 
يمينه والاخر عن يساره. ينظر إلى الحكم مرة» وإلى حماد مرة 
والخصوم بين يديه» وروى عن الأعمش قال: قال لي القاسم: اجلس 
إلي» وهو يقضي بين الناس” ". 


وقال الإمام أحمد ككلنه: لما ولي سعد بن إبراهيم قضاء المدينة كان 
يجلس بین القاسم وسالم ار 


.١؟١ص حسن التقاضى‎ )١( 

(۲) مناقب الإمام الأعظم ص177. 

(۳) مصنف ابن أبي شيبة» كتاب البيوع والأقضية» باب: في القاضي هل يجالسه أحد على 
القضاء؟ .)٤٥۸ /٤(‏ 

.)٠٠١۲ /۷( شرح الزركشي على مختصر الخرقي‎ )٤( 


..ثا. الفصل الثاني : شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها ا 
ال ا ا ا لام 


الفرع الرابع : ازدياد العناية بأساليب المذاكرة والمباحثة فى 
علم طرق التدريس الحديث : 


نجد فى الفكر التربوي الحديث عناية كبيرة بالطرق التدريسية القائمة 
وإبداء كل منهم وجه نظره؛ وذلك لما أظهرته الدراسات النفسية من أن 
العمليات العقلية العليا تنمو من خلال التفاعل الاجتماعي؛ وذلك 
يجعل التشارك في التعلم ارا ويا فيه وف ولذا يجب توفير قدر 
كاف كما ونوعا من التفاعل والحوار بين المعلم والمتعلم. وبين 
المتعلمين › فى مجموعات متعددة الأحجامء بالمعلم وبدونه» فأنشطة 
التعمق في بحث الموضوع» ويتبادلون الرؤى ويتباحثون في معانيها 
وتطبيقائها وتداعياتها. 


ومن الأهداف الأساسية للتدريس: تنمية قدرة المتعلمين على 
اسن وجهات نظرهم والدفاع عنها مع احترام وجهات نظر الآخرين» 
ولتحقيق ذلك فلا بد من أن يتحدث الطلاب ويستمع بعضهم لبعض ”'. 
ولذا“تجد هن أنوز الطرق العتريسية اللجديفة: الوب (التعلم 
التعاونى)» وهو صورة منظمة لأسلوب (المباحثة والمذاكرة)» يُعرّف 
التعلم التعاوني بأنه : عملية تعاون بين الطلبة في مجموعات صغيرة من 


)١‏ انظر: النظرية البنائية الاجتماعية وتطبيقاتها التدريسية في المنهج ص7". 


حلي الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها وهر 
E r‏ 


مستويات تحصيلية متفاوتة» ترتكز على الاعتماد الإيجابي بينهم. 
وتحمل المسؤولية من أجل تحقيق أهداف معينة". 

ويمتاز التعلم التعاوني بكونه تحت إشراف المعلم» فهو يقوم بتأليف 
مجموعات التعلمء متوخيا التنوع في مستويات الطلاب العلمية» ثم 
يقسم المهام بين أفراد كل مجموعةء ويوضح أهداف التعلم 
والإجراءات المتّبعة» ثم يتابع سير المجموعات ويبذل المساعدة لمن 
يحتاجء ثم يختم ذلك بتقويم النتائج لقياس مدى تحقق الأهداف. 
ويقدم التغذية الراجعة”". 


المطلب الخامس: النظر في أقوال الفقهاء وكتبهم للتفقه بها لا 
للتقليد : 

وفيه فرعان : 

الفرع الأول: أثر النظر في أقوال الفقهاء وكتبهم في اكتساب الملكة 
الفقهية. 

الفرع الثاني: شروط الانتفاع بالنظر في أقوال الفقهاء وكتبهم. 


الفرع الأول: أثر النظر في أقوال الفقهاء وكتبهم في اكتساب 
الملكة الفقهية : 

من أفضل ما يُكسِب فلكة الفقه: النظر في كتب الفقهاء لا 
لتقليدهم» ولكن لتعرف طريق الاجتهاد من صنيعهم» فبذلك النظر يقف 


() الثقافة الإسلامية: طرائق التدریس ص‌۲۸۰-۲۷۸. 


ب الفصل الثاني : شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها هم 
لص ا كي ل 
ا شي 4 


2 0 
المتفقه على التطبيقات الصحيحة للقواعد. فيرى كيف يستدل الفقهاءء 
وكيف يجمعون بين الأدلة» وكيف يطبقون الأحكام الكلية على 
الواقعات» وذلك أمر لا تغني عنه المعرفة النظرية لقواعد أصول الفقهء 
وبكثرة مرور تلك المسائل والفروع ترسخ لدى المتفقه ملكات 
الاستدلال والاستنباط والتخريج. 

كما أن رؤية تلك التطبيقات يُقرّب للناظر معرفة الراجح من 
الخلافات الأصولية؛ فالمسائل الخلافية في الأصول قد تبحث بحثاً 
نظرياً منعزلاً عن الفروع الفقهيةء فإذا ما رأى المتفقه فروع ذلك 
الخلاف وثمرته كان ذلك أقرب إلى معرفة القول الصحيح فيه""» إلى 
غير ذلك من المنافع. 

ولذا قال الزركشي كبن : «ليس يكفي في حصول الملكة على شيء 
تعَرّفه» بل لا بد مع ذلك من الارتياض في مباشرته» فلذلك إنما تصير 
للفقيه ملكة الاحتجاج واستنباط المسائل أن يرتاض في أقوال العلماء 
وما أتوا به في كتبهم. وريما أغناه ذلك عن العناء في مسائل كثيرة»”". 

وقيل لابن المبارك ينه : متى يفتي الرجل؟ فقال: إذا كان عالماً 
بالأثرء بصيراً بالرأي”" 


)١(‏ من أمثلة ذلك: ذكر الشيخ محمد الأمين الشنقيطي كته في مذكرة أصول الفقه 
(ص77/6) مسألة (الاستثناء إذا تعقب جملا فهل يعود إلى جميعها أو إلى الأخيرة 
منها)» فذكر القولين كما ذكرهما ابن قدامة في الروضة بلا ترجيح. 
وأما في أضواء البيان (1/ )2٠٠١‏ ودفع إيهام الاضطراب (ص٤۸)‏ فقد اختار قولا ثالكاء 
هو الوقف فلا يقال برجوعه إلى الجميع ولا إلى الأخيرة إلى بدليل» واستدل لذلك 
بايات كثيرة. 

(۲) البحر المحیط (5571/8). 

(۳) جامع بیان العلم وفضله (۲/ .)٤۷‏ 


0 الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها بيك 


7 
E‏ 3 لمع 
ى“ 4 


ولعظيم انتفاع المتفقه بهذا المسلك من مسالك الملكة أرشد الفقهاءً 
إليه كثيراً»ء ومن أجمل تلك الكلمات: كلمة الإمام مالك يبء وقد كان 
ينهى عن كتابة فتاويه» فسئل : ماذا نصنع؟ فقال: «تحفظون وتفهمون 
حتی تستنیر قلوبکم» ثم لا تحتاجون إلى الكتاب» 

وهي كلمة بليغة» بيّن فيها الإمام أن الغرض من النظر في كلام 
الفقهاء هو إنارة القلوب» المعبّر بها عن فهم أسلوب الفقه ومعرفة 
طريق الوصول إلى الأحكام. 

ولفقيه الأندلس الكبير أبو عمر بن عبدالبر كن كلمة يوافق فيها كلام 
مالك كنهة. يقول فيها: «من اقتصر على علم إمام واحد وحَفظ ما کان 
عنده من السئن ووقف على غرضه ومقصده في الفتوى حصل على 
نصيب من العلم وافرء وحظ منه حسن صالحء» فمن قنع بهذا اكتفى. 
والكفاية غير الغنى... ومن طلب الإمامة في الدين» وأحب أن يسلك 
سبيل الذين جاز لهم الفتياء نظر في أقاويل الصحابة والتابعين والأئمة 
في الفقه إن قدر على ذلك... فمن أحب الاقتصار على أقاويل علماء 
الحجاز اكتفى إن شاء الله واهتدى» وإن أحب الإشراف على مذاهب 
الفقهاء متقدمهم ومتأخرهم بالحجاز والعراق وأحب الوقوف على ما 
أخذوا وتركوا من السئن وما اختلفوا في تثبيته وتأويله من الكتاب 
والسنة كان ذلك له مباحاً ووجهاً محموداًء إن فهم وضبط ما علم وسلم 
من التخليط. نال درجة رفيعة ووصل إلى جسيم من العلمء واتسع 
ونبل» إذا فهم ما اطلع» وبهذا يحصل الرسوخ لمن وفقه الله وصبر على 
هذا الشأن واستحلى مرارته واحتمل ضيق المعيشة فيه... 





.)6١/5( الموافقات‎ )١( 


بعر الفصل الثانى: شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها يمي 
للع ا ا ف 


+ 
O 


فعليك يا أخي بحفظ الأصول والعناية بهاء واعلم أن من عُني بحفظ 
السئن والأحكام المنصوصة في القرآن» ونظر في أقاويل الفقهاء فجعله 
عونأ له على اجتهاده. ومفتاحا لطرائق النظرء وتفسيرا لجمل السنن 
المحتملة للمعاني» ولم يقلد أحداً منهم تقليد السنن التي يجب الانقياد 
إليها على كل حال دون نظرء ولم يرح نفسه مما أخذ به العلماء أنفسهم من 
حفظ السئن وتدبرهاء . واقتدى بهم في البحث والتفهم والنظرء وشكر لهم 
سعيهم فيما أفادوه ونبهوا عليه» وحمدهم على صوابهم الذي هو أكثر 
أقوالهم» ولم يبرئهم من الزلل كما لم يبرئوا أنفسهم منه» فهذا هو الطالب 
المتمسك بما عليه السلف الصالح» وهو المصيب لحظه»ء والمعاين 
لرشده» والمتبع لسنة نبيه ية وهدي صحابته وون»'. 


وفي هذا الباب أيضاً يقول ابن القيم ن : «ومن هنا يتبين الفرق بين 
تقليد العالم في كل ما قال وبين الاستعانة بفهمه والاستضاءة بنور علمه» 
فالأول يأخذ قوله من غير نظر فيه ولا طلب لدليله من الكتاب والسنة» بل 
يجعل ذلك كالحبل الذي يلقيه في عنقه يقلده به» ولذلك سمى تقليداًء 
بخلاف من استعان بفهمه واستضاء بنور علمه في الوصول إلى الرسول 
صلوات الله وسلامه عليهء فإنه يجعلهم بمنزلة الدليل إلى الدليل الأول 
فإذا وصل إليه استغنى بدلالته عن الاستدلال بغيره» فمن استدل بالنجم 
على القبلة فإنه إذا شاهدها لم يبق لاستدلاله بالنجم 0 


ويصرح الطاهر بن عاشور بأن الغاية من تدوين العلوم هي تكوين 


.)۱۷۳ -۱۹۹/۲( جامع بیان العلم وفضله‎ )١( 


0 الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها ارم 
١ A‏ 


و 5 
الملكات فيها فيقول: «العلوم ما دونت إلا لترقية الأفكار وصقل مرائي 
العقول. وبمقدار ما يفيده العلم من ذلك ينبغي أن يزاد في اعتباره» فما 
القصد من كل علم إلا إيجاد الملكة التي استخدم لإصلاحهاء ونعني 
بالملكة: أن يصير العمل بتعليمات العلم كسجية للمتعلم لا يحتاج معها 
إلى مشايعة القواعد إياه». 

والأصوليون يذكرون خلافا في معرفة فروع الفقه هل هي شرط 
للمجتهد؟ والمشهور بينهم: أنه ليس بشرط؛ لأن هذه الفروع من 
استنباط المجتهدين ؛ فاجتهادهم متقدم على وجود تلك الفروع» فيمتنع 
أن تكون معرفتها شرطاً للاجتهاد”". لكن الغزالي كه ينبّه إلى أن 
معرفة الفروع وإن لم يكن شرطاً للاجتهاد فهو الوسيلة للتدرب عليه 
فيقول: «كيف يُحتاج إلى تفاريع الفقه وهذه التفاريع يولدها المجتهدون 
ويحكمون فيها بعد حيازة منصب الاجتهاد. فكيف تكون شرطا في 
منصب الاجتهاد وتقدّمُ الاجتهاد عليها شرط؟! نعم» إنما يحصل 
منصب الاجتهاد في زماننا بممارسته» فهو طريق تحصيل الدربة في هذا 
الزمان» ولم يكن الطريق في زمان الصحابة ذلك» ويمكن الآن سلوك 
طريق الضخانة أيضا0". 

ولهذا درّن الفقهاء في مصنفاتهم: الأقوال الضعيفة» والتي رجع 





(۱) اليس الصبح بقريب ص۷١٠.‏ 

(۲) انظر: البحر المحيط (١/١٠٠٠).ء‏ جمع الجوامع مع حاشية البناني (۲/ »)۳۸١‏ صفة 
الفتوى والمفتي والمستفتي ص١٠٠‏ التحبیر شرح التحریر (۸/ ۹٦۳۸)ء‏ شرح الكوكب 
المنير »)٤٦1۷ /٤(‏ إرشاد الفحول ص566. 

(9) المستصفى (۲/ ۳۸۸). 
وانظر: الاجتهاد في الشريعة الإسلامية ص5 0. 


ك الفصل الثاني : شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها لمي 
عنها أصحابهاء وهي ليست مما يُفتى به أو يُعمل به» لكنهم قصدوا - 
فيما قصدوا من ذلك-: بيان مسالك الفقهاء ومآخذهم في النظر؛ تفقيها 
للناظر وتبصيراً له بطرق الاجتهاد. 


يقول الطوفي كذ : «فإن قيل: إذا كان القول القديم المرجوع عنه لا 
يعد من الشريعة بعد الرجوع عنه» فما الفائدة في تدوين الفقهاء للأقوال 
القديمة عن أئمتهم؟ حتى ربما نقل عن أحدهم في المسألة الواحدة القولان 
والثلاثة كثيراً. والأربعة كما في بينة الداخل والخارج عن أحمد» والستة 
كما في مسألة متروك التسمية عنهء ونقل عنه أكثر من ذلك. 


قيل: قد كان القياس أن لا تدون تلك الأقوال. وهو أقرب إلى 
ضبط الشرع؛ إذ ما لا عمل عليه لا حاجة إليه» فتدوينه تعب محض»› 
لكنها دونت لفائدة أخرى. وهي التنبيه على مدارك الأحكام» واختلاف 
القرائح والآراء» وأن تلك الأقوال قد أدى إليها اجتهاد المجتهدين في 
وقت من الأوقات» وذلك مؤثر في تقريب الترقي إلى رتبة الاجتهاد 
المطلق أو المقيدء فإن المتأخر إذا نظر إلى مآخذ المتقدمين نظر فيها 
وقابل بينها فاستخرج منها فوائد. وربما ظهر له من مجموعها ترجيح 
بعضهاء وذلك من المطالب المهمةء فهذه فائدة تدوين الأقوال القديمة 


عن 00 


ويقول الرازي -بعد أن قرر بطلان تقليد الميت-: «فإن قلت: فلم 
صُنفت كتب الفقه مع فناء أربابها؟ قلت: لفائدتين. إحداهما: استفادة 


(۱) شرح مختصر الروضة »)1۲١/۳(‏ ونقله عنه: ابن بدران في: المدخل إلى مذهب 
الإمام أحمد ص۱۹۹. 


اي الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها ومراتها ي 
9 ت / 5 


طريق الاجتهاد من تصرفهم في الحوادث وكيفية بناء بعضها على 
عفن بو الأخرق؟ دوف المشق كلسم الا ده 

ومن مواضع الخلاف الأصولي التي تتضمن إشارة إلى أثر معرفة 
الفروع في تكوين الملكة: اختلافهم في ترتيب تعلّم الفقه وأصوله. 
بأيهما يبدأ الطالب”"”'؟ وقد كان مستند من رأى تقديم تعلم الفقه: أن 
ذلك أقرب إلى تحصيل الملكة والدربة"؛ فمن لم يعتد طرق الفروع 
والتصرف فيها لا يمكنه الوقوف على ما يُبتغى بهذه الأصول من 
الاستدلال والتصرف في وجوه القياس والمواضع التي يُقصد بالكلام 
إليها؛ :ولهذا يوجد أكثر من ينفرد بعلم الكلام دون الفروع مقصّراً في 
هذا الاج ون كان يعر درق هذه الأضنول ولعي . 


الفرع الثاني: شروط الانتفاع بالنظر في أقوال الفقهاء وكتبهم : 
للاطلاع على كتب الفقهاء ونتائج أفكارهم آداب باتباعها -بعد 
توفيق الله تعالى- تكون المطالعة مثمرة مؤدية إلى المرادء أشير إليها 
فبهنا يلى أن المسانا. : 
المسألة الأولى: وجود القاعدة المعرفية. 


المسألة الثانية: جودة الاختيار. 


.)71١/5( المحصول‎ )١( 
»)۹۹۸ /۲( صفة الفتوى والمفتى والمستفتى ص١٠ المسودة‎ .)۷١ /١( انظر : العدة‎ )۲( 
.١177ص شرح الكوكب المنير (١/۷٤)ء أصول الع الجن والموضوع والغاية‎ 

(۳) انظر: صفة الفتوى والمفتى والمستفتى ص©60١.‏ 
(4) العدة ٠ : .07١/1١(‏ 





6 


ب عم الفصل الثانى: شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها ماق 
الل بيغ 4 


س 


المسألة الثالثة : ملاءمة غرض القارئ لمقصد المؤلف. 
المسألة الرابعة : أن تكون القراءة قراءة ارتياض على الاجتهاد. 


المسألة الأولى: وجود القاعدة المعرفية : 


متى أحب المتفقه أن تكون قراءته مثمرة منمية للملكة فعليه أن 
يتحقق من امتلاكه الأسس المعرفية التي تُبنى عليها هذه القراءة؛ فمن 
العناء الذي لا جدوى له: أن يقرأ القارئ أقوالا مختلفة وهو لا يعلم 
أسس الترجيح بينهاء أو يقرأ أقوالا وأدلة ومناقشات في مسألة هو غير 
متصور لها أصلا. 


يقول الشاطبي كث : «الطريق الثاني : مطالعة كتب المصنفين 
ومدوني الدواوين» وهو أيضاً نافع في بابه بشرطين» الأول: أن يحصل 
له من فهم مقاصد ذلك العلم المطلوب ومعرفة اصطلاحات أهله ما يتم 
له به النظر في الكتب» وذلك يحصل بالطريق الأول» ومن مشافهة 
العلماءء أو مما هو راجع إليه» وهو معنى قول من قال «كان العلم في 
صدور الرجال» ثم انتقل إلى الكتب» ومفاتحه بأيدي الرجال»ء 
والكتب وحدها لا تفيد الطالب منها شيئا دون فتح العلماء» وهو 
مشاهد معتاد»". 


ف(القاعدة المعرفية) تشمل : 


)١(‏ أي: من طرق أخذ العلم» والطريق الأولى: مشافهة العلماء. 
(؟) الموافقات .)5١/١(‏ وعنه ابن الأزرق في بدائع السلك ص84". 


i‏ الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها که 
ووا سه 
E) 0‏ 
ھوک %4 


© معرفة اللغة العلمية» وهي المعبر عنها ب(الاصطلاح)ء سواء من ذلك 
ا کان اصطلد عا فقييا عاما 'أوخاصضا يبعت أو كنات معية: 
© إدراك صور المسائل» وهي مما يتم في المرحلة الأولى من التفقه. 
e‏ معرفة الأصول والقواعد التي هي بمثابة المعيار والحَكم لمسائل 
العلم وقضاياه» وأخحص ذلك للقارئ في كتب الفقه: أصول الفقه 
وقواعده. 
© معرفة المبادئ والمقدمات المسكوت عنها في ذلك الكتاب. 
وذلك أن كل كتاب فهو موضوع لطبقة من القراء» يَفترض المؤلف 
فيهم قدراً من المعرفة» فهو يرتقي بهم من ذلك المستوى المعلوم إلى 
المجهول» ويكل تعريفهم بما هو أدنى من ذلك إلى ما هو مفترض من 
معرفتهم به. 
وإلى هذا المعنى ينبه الشيخ محمد بن عثمان الحنبلي كن بقوله: 
كل كتاب يشتمل على مسائل ما دونه وزيادة» فحقق مسائل ما دونه 
لتوفر جهدك على فهم الزيادة. يقول تلميذه الشيخ عبدالقادر بن بدران: 
لما أخذت نصيحته مأخذ القبول لم أحتج في القراءة على الأساتذة في 
العلوم والفنون إلى أكثر من ست سنين”"2. 


المسألة الثانية: جودة الاختيار: 

كتب العلم ليست سواء في إكسابها الملكة؛ فعلى مبتغي الملكة أن 
يختار من كتب الفقه أعلاها وأقومها بتنمية الملكة» وهي ما اتصفت 
بصفتين : التحقيق العلمي» مع العرض التدريبي التفقيهي. 


۲٠٣ص المدخل إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل‎ )١( 


يعم الفصل الثاني: شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها 


© 
فالتحقيق عبارة عن صحة المسائل والدلائلء والمحقق من المؤلفين 
هو من له نظر مستقل» يميز به فيما ينقله بين القوي والضعيف› 
والصحيح والسقيم؛ فلا يكون حاطب ليل مقلداً ناقلاً لكل ما يجدء 
ولا يتم التحقيق أيضاً إلا بالسلامة من التعصب؛ فالتعصب آفة العقل 
الخ وهو يودي إلى العف والتكلت» فرطت الى عق وغلية 
لنصرة هواه لا لمعرفة الحق والتجرد في طلبه. 





ولا بد مع ذلك من عرض تدريبي تفقيهي» يتسم بالعناية 
بالاستدلال» وذكر الأقوال في المسائل الخلافية وأدلتهاء وربط الفروع 
بأصولها؛ لأن ذلك يمرن القارئ على صحة الاستدلالء وعلى التطبيق 
الصحيح لقواعد أصول الفقهء ويدربه أيضاً على الترجيح بين الأقوال 
أو التوسط والجمع بينهاء كما يُكسبه سعة في النظر وقدرة على التمييز 
والتقويم» ويفسح له مجال التأمل والتفقه والاجتهاد. 

وبذلك أيضاً يوضح المؤلف طريقة الوصول إلى الحكم» ووجه 
اتساقه مع قواعد الفقه وكلياته» أو وجه استثنائه إن كان على خلاف 
شيء منهاء وسبب الخلاف إن كانء» فقراءة هذا النوع من الكتب من 
أسرع السبل صقلا للملكة ودُربة على البحث» بخلاف الكتب التي تأتي 
بالأحكام مسلّمة مفروغا منها فإنها قليلة الثمرة ههنا. 

يقول النووي كه : «معرفة مذاهب السلف بأدلتها من أهم ما يحتاج 
إليه؛ لأن اختلافهم رحمة» وبذكر مذاهبهم بأدلتها يعرف المتمكن 
المذاهب على وجههاء والراجح من المرجوحء ويتضح له ولغيره 
المشكلات» وتظهر الفوائد النفيسات. ويتدرب الناظر فيها بالسؤال 


لاقي الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسايها وثمراتها 0 
Yor‏ الا و 


و e‏ 
والجواب» ويتفتح ذهنه» ويتميز عند ذوي البصائر والألباب» ويعرف... 
الدلائل الراجحة من المرجوحة» ويقوم بالجمع بين الأحاديث 
العا ات لمحل ظا هان لورلا ر ع ع 

أفراد من النادر»'. 


ويقول ابن خلدون عن علم الخلافيات: «هو لعمري علم جليل 
الفائدة في معرفة مآخذ الأئمة وأدلتهم» ومران المطالعين له على 
الاستدلال :كه . 

ويقول الشوكاني: "ما أنفع الاطلاع غل المؤلفات البسيطة”" فى 
حكاية مذاهب السلف وأهل المذاهب وحكاية أدلتهم وما دار بين 
المتناظرين منهمء إما تحقيقاً أو فرضاء كمؤلفات ابن المنذر وابن 
قدامة وابن حزم وابن تي تيمية ومن سلك مسالكهم؛ فإن المجتهد يزداد 
بذلك علما إلى علمه» وبصيرة إلى بصيرته» وقوة فى الاستدلال إلى 
قوته. فإن تلك المؤلفات هي مطارح أنظار المحققين» ومطامح أفكار 
المجتهدين... ولا سيما مؤلفات أهل الإنصاف الذين لا يتعصبون 
لمذهب من المذاهب». ولا يقصدون إلا تقرير الحق وتبيين الصواب» 
فإن المجتهد الطالب للحق ينتفع بها ويستعين بأهلهاء فينظر فيما قد 
حرروه من الآدلة وقدّروه من المباحث ويعمل فكره فى ذلك» فيأخذ ما 
يرتضيه» ويزيد عليه ما بلغت إليه قدرته» ووصلت إليه ملكته» غير تارك 


.)77/١( المجموع‎ )١( 

(۲) مقدمة ابن خلدون ص7؟577. 

(۳) البسيطة: أي المبسوطة» التي تذكر الأقوال» خلاف الكتب المختصرة التي تقتصر على 
قول واحد. 








0 الفصل الثاني : شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها مي 
3 2 عمد 


للبحث عن تصحيح ما قد صححوه» وتضعيف ما قد ضعفوه على الوجه 
ال 

وقد سمّى بعض الفقهاء ما وقع عليه اختيارهم من الكتب» فقد قال 
الشيخ عز الدين بن عبدالسلام: «ما رأيت في كتب الإسلام في العلم 
مثل المحلى لابن حزم وكتاب المغني للشيخ موفق الدين»» علق عليه 
الذهبي بقوله «لقد صدق الشيخ غْرَ الدين ! .وثالتهما: النتة الكيس 
للبيهقي» ورابعها: التمهيد لابن عبد البر» فمن حصّل هذه الدواوين 
وكان من أذكياء المفتين وأدمن المطالعة فيها فهو العالم حقا)»”". 
والجامع بين هذه الكتب الأربعة: أنها تعطي منهجية واضحة في 
الال ونين ىا لياط > 

ويقول الشيخ محمد بن الحسن الحجوي: «من الكتب التي تعين 
على الاجتهاد جدا: أحكام ابن العربي في التفسير وآيات الأحكام 
الفقهية من القرآن العظيم. وأحكام الجصاص الحنفي» وتفسير ابن 
جرير الطبري... وكتاب بداية المجتهد لابن رشد الحفيد... وفتح الباري 
على صحيح البخاري فهو من مواد الاجتهاد المعتبرة» وكتاب المنتقى 
للباجي. الذي يرشد إلى طريق الاجتهاد والتعليل والقوادح وغير ذلك». 
وكتاب أعلام الموقعين لابن قيم الجوزية من أحسن ما يدرب على 
الأجتهاد اورضح طرق الرشاد». 


.۸٥ص أدب الطلب ومنتهى الأرب‎ )١( 
.)۱۹۳/۱۸( (؟) سير أعلام النبلاء‎ 
.7”١"ص انظر: منهاج تدريس الفقه‎ )۳( 
.۷"٤ص الفكر السامي‎ )6( 


ع کا 


0 ۳ الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها 
0 0 3 





ويتفرع من هذه المسألة مسألة أخرى» هي : 

فضيلة كتب المتقدمين» ومدى تقديمها على كتب المتأخرين : 

فقد استحب كثير من العلماء لطالب الفقه أن يعتني بكتب 
المتقدمين» وربما أكد بعضهم ذلك بالترغيب عن كتب المتأخرين 
والتصريح بالتزهيد فيهاء كما قال الشاطبي كله حين رأى أن من شرط 
الانتفاع بالكتب: «أن يتحرى كتب المتقدمين من أهل العلم المراد؛ 
فإنهم أقعد به من غيرهم من المتأخرين» وأصل ذلك التجربة والخبر. 

أما التجربة فهو أمر مشاهد في أي علم كان» فالمتأخر لا يبلغ من 
الرسوخ في علم ما يبلغه المتقدم» وحسبك من ذلك أهل كل علم 
عملي أو نظري؛ فأعمال المتقدمين -في إصلاح دنياهم ودينهم- على 
خلاف أعمال المتأخرين» وعلومهم في التحقيق أقعد. فتحقق الصحابة 
بعلوم الشريعة ليس كتحقق التابعين» والتابعون ليسوا كتابعيهم. وهكذا 
إلى الآن.. 

وأما الخبر ففي الحديث: «خير القرون قرني» ثم الذين يلونهم» ثم 
الذي ين يلونهم 9 '» وفي هذا إشارة إلى أن كل قرن مع ما بعده كذلك. 

وروي عن النبي ية «أول دينكم نبوة ورحمة» ثم ملك ورحمةء ثم 
ملك وجبرية» ثم ملك عضوض“" ولا يكون هذا إلا مع قلة الخيرء 
وتكاثر الشر شيئا بعد شيء٠‏ ويندرج ما نحن فيه تحت الإطلاق... 


)۱( رواه البخاري في صحيحهء كتاب الشهادات» باب لا يشهد على شهادة جور إذا أشهد. 
برقم )561١(‏ ومسلم في صحيحه » كتاب فضائل الصحايةء برقم وهاه )ل عن 
عمران بن حصين وَينه. 

2( رواه أحمد في مسنده ا والدارمى فی سنله (۲/ (I16‏ والطيالسي فی 


fo الفصل الثاني: شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها‎ e. 


ومعناه موجود في الصحيح في قوله: «ولكن ينتزعه مع قبض العلماء 
ا 

وقال 84 : «إن الإسلام بدأ غريبّاء وسيعود غريباً كما بدأ؛ فطوبى 
للغرباء»”" 

والأخبار هنا كثيرة» وهى تدل على نقص الدين والدنياء وأعظم 
ذلك العلم؛ فهو إذاً في نقص بلا شك؛ فلذلك صارت كتب المتقدمين 
نوع كان» وخصوصاً علم الشريعة»”". 

ويقول ابن الجوزي يانه : «كانت همم القدماء من العلماء عالية» 
تدل عليها تصانيفهم التي هي زبدة أعمارهم. إلا أن أكثر تصانيفهم 
دثرت؛ لأن همم الطلاب ضعفت فصاروا يطلبون المختصرات ولا 
فدثرت الكتب ولم تنسخ. 


-مسنده برقم (۲۲۸)» وأبو يعلى في مسنده برقم (۸۷۳)ء والبيهقي في السنن (۸/ 
248). عن معاذ وأبي عبيدة رضي الله عنهماء وحسنه الألبانيء انظر: سلسلة 
الأحاديث الصحيحة /١(‏ 75). ومشكاة المصابيح بتحقيق الألباني .)1١478/7(‏ 

»)٠٠١( رواه البخاري في صحيحه. كتاب العلمء باب كيف يقبض العلمء برقم‎ )١( 
ومسلم في صحيحهء كتاب العلم. برقم (151/7)» عن عبدالله بن عمرو بن العاص‎ 
رضي الله عنهما.‎ 

(۲) رواه مسلم في صحيحه؛ كتاب الإيمان؛ برقم (515)؛ عن أبي هريرة وابن عمر رضي 
الله عنهم. 

(۳) الموافقات .)57-56١/١(‏ وانظر: فتاوى الإمام الشاطبي ص ٠١۲-٠۲٠‏ بدائع السلك 
ص 786. 


e‏ الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها ا 
E J FOE‏ 
اليبو نه “e‏ 


فسبيل طالب الكمال في طلب العلم الاطلاع على الكتب التي قد 
تخلفت من المصنفاتء, فليكثر من المطالعة؛ فإنه يرى من علوم القوم 
وعلو هممهم ما يشحذ خاطره» ويحرك عزيمته للجد. وما يخلو كتاب 
من فائدة... 

فالله اللهء وعليكم بملاحظة سير السلف. ومطالعة تصانيفهم 
وخاز 

وقد بث ابن العربي كه شكواه من غلبة الاشتغال بكتب المتأخرين 
عن الكتب المتقدمة فقال : 

«قاصمة : 

ولما نزلت هذه العواصم منازلها... عطفنا عنان القول على مصائب 
نزلت بالعلماء في طريق الفتوى... حتى كثرت البدع. وذهب العلماء... 
حت الت الجال آلا ينظو إلى كول مالك وكبزاء أضبحانه؟' 6 زيقال: قد 
قال في هذه المسألة أهل قرطبة وأهل طلمنكة وأهل طلبيرة وأهل 
طليطلة... وحدثت قاصمة أخرى في تعلم العلم» فصار الصبي عندهم 
إذا عقل فإن سلكوا به أمثل طريقة لهم علموه كتاب الله » فإذا حذقه 
نقلوه إلى الأدب» فإذا نهض فيه حفظوه الموطأء فإذا لقنه نقلوه إلى 
المدونة» ثم ينقلونه إلى وثائق ابن العطار» ثم يختمون له بأحكام بن 


(۱) صيد الخاطر ص7"95. 

(۲) وكان كته قد ذكر من القواصم قبل ذلك: سعي ذوي السلطان في قضر التفقه والتعليم 
والفتيا على مذهب مالك فإذا قدم من المشرق من يحمل العلم ولا يتقيد بمذهب مالك 
لم يُمكن من المناصب العلمية» ثم ذكر هنا أنه آلت الحال إلى أن تحول الاشتغال من 
فقه مالك إلى فقه المتأخرين من أتباع مذهبه. 


ا اله الثاذ كس ط اكتساب الملكة الفقهية تنمیتها ر 
e‏ لفصل في . سرو - و لك 
سهل ۰ فقال: قال فلان الطليطلي» وفلان المجريطي› وابن مغيث... 


ولولا أن طائفة نفرت إلى دار العلم وجاءت بلباب منهء كالأصيلي 
والباجي» فرشت من ماء العلم على هذه القلوب الميتة» وعطرت 
أنفاس الأمة الذفرة» لكان الدين قد ذهب... ولكن تدارك الباري بقدرته 
ضرر هؤلاء بنفع أولئك» وتماسكت الحال قليلا». 

ويقول الحجوي: «غالب العلماء من المائة الثامنة إلى الآن لم 
يحفظ لهم كبير اجتهاد» ولا لهم أقوال تعبير في المذهب أو المذاهب» 
وإنما هم نقالون» اشتغلوا بفتح ما أغلقه ابن الحاجب ثم خليل وابن 
عرفة وأهل القرون الوسطى من المذاهب الفقهية؛ إذ هؤلاء السادة 
قضوا على الفقه» أو على من اشتغل بتواليفهم» وترك كتب الأقدمين 
من الفقهاء بشغل أفكارهم بحل الرموز التي عقدوهاء فجنت الأفكار 
وتخدرت الأنظار بسبب الاختصارء فترك الناس النظر في الكتاب 
والسنة والأصول. وأقبلوا على حل تلك الرموز التي لا غاية لها ولا 
نهاية» فضاعت أيام الفقهاء في الشروحء ثم في التحشيات والمباحث 
اللفظية» وتحمل الفقهاء آصاراً وأثقالاً بسبب إعراضهم عن كتب 
المتقدمين» وإقبالهم على كتب هؤلاءء وأحاطت بعقولنا قيود فوق 
قيود» وآصار فوق آصار» فالقيود الأولى التقيد بالمذاهب وما جعلوا 
لها من القواعد ونسبوا لمؤسسيها من الأصول. الثانية: أطواق التآليف 
المختصرة المعقدة التي لا تفهم إلا بواسطة الشروح». واختصروا في 


)۱( النص الكامل لكتاب العواصم من القواصم ص٤ .۳۹۸-۳٦‏ 


0 الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها وت 
0۸ 3 22 
ا 


الشروح. فأصبحت هي أيضاً محتاجة لشروح وهي الحواشي› وهذا هو 
الإصر الذي لا انفكاك له. والعروة التي لا انفصام لهاء أحاطوا بستان 
الفقه بحيطان شاهقة. ثم بأسلاك شائكة» ووضعوه فوق جبل وعر بعدما 
صيروه غثاء وألقوا العثرات في طريق ارتقائه» والتمتع بأفيائه» حتى 
يظن الظان أن قصدهم الوحيد جعل الفقه حكرة بيد المحتكرين» ليكون 
وقفا على قوم من المعممين. وأن ليس القصد منه العمل بأوامره 
ونواهيه وبذله لكل الناس» وتسهيله على طالبيه» بل القصد قصره على 
قوم مخصوصينء. ليكون حرفة عزيزة» وعينا من عيون الرزق غزيرة» 
وحاشاهم أن يقصدوا شيئاً من هذا لأنه ضلال في الدين» وإنما حصل 
من دون قصد... ولله در عبد العزيز اليحصبى الأخبش حيث قال: هذه 
الأعمار رؤوس أموال يعطيها الله للعباد يتجرون فيهاء فرابح أو خاسرء 
فكيف ينفق الإنسان رأس ماله النفيس في حل مقفل كلام مخلوق مثله. 


ويعرض عن کلام الله ورسوله الذي بعث ا 


وإن الوصية بكتب المتقدمين وتقديمها على كتب المتأخرين وصية 
حق» لكن ينبغي أن تؤخذ بفقه وحسن فهمء ولبيان ذلك يقال: 

إنه لا شك في أن الكتاب لا يكتسب فضيلته من تقدم زمنه» كما لا 
ينقص فضله تأخر زمنه» وإنما الفضل لأوصاف حقيقية توجد فيه» 
وبتأمل كلمات العلماء الحاثة على الكتب المتقدمة نجد أنهم استحبوا 
تلك الكتب: 


)١(‏ الفكر السامى ص0-548٠0لاء‏ وانظر: العقود الياقوتية فى جيد الأسئلة الكويتية 
ص١١٠‏ تكوين الذهنية العلمية ص .۱۸۳-٠١۲‏ 





.عم الفصل الثاني: شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها حي 





6 لأنها أقرب إلى الدليل استنباطاً واستمداداًء وهذا القرب أنفع 
للمتفقه ؟؛ لأنة بنط الدرية على الاس اط والفهم والجمع وغير 
ذلك» بخلاف الكتب المتأخرة التى فشا فيها التقليد وقلت فيها 
العناية بالاستدلال والتحقيق فيه». كما هو معروف في أطوار 
00 

© ولأنها تذكر اختلاف العلماء في المسائل وأدلتهم وما نوقشت 
بهء وهذا يفتح للناظر باب الاجتهاد؛ بمزاولة النظر في الأقوال 
للموازنة بينها وتمحيص أدلتهاء بخلاف الكتب المقتصرة على 

© ولأن الغالب على مؤلفيها الأصالة فى الرأي والاجتهاد والتحرر 
من قيود التقليد. بخلاف مؤلفي الكتب المتأخرة الذين غلب 
عليهم التقليد» وكثر في تأليفهم النقل عن السابقين والاختصار 
200 
من كتبهم . 

© ولسلامة الكتب المتقدمة من التعقيد والغموض الذي فشا فى 
المختصرات المتأخرة» الذي من شأنه أن يصرف عناية القارئ 
عن النظر فى المحتوى العلمى إلى فك العبارات» ويصرف عناية 
الشراح والمحشين إلى البحث في العبارات ونقدها أو توجيهها 

.١٠١8ص انظر: الصياغة الفقهية في العصر الحديث‎ )١( 


(0) انظر: الفكر السامي ص598. 194-598. الانحرافات العقدية والعلمية في القرنين 
الثالث عشر والرابع عشر (۲/ .)۳۷-۳٤‏ 


د الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها 5 

۰ 2 لخ ياه 

ا د 
ا 5 


٠‏ ولأنها تنهج منهج التوسع والتكرار والإطالة التي تفيد حصول 
الملكة التامة» بخلاف منهج الاختصار الغالب على الكتب 
الا 

8 لاتا قرت إلى زع الت رة وقد دلت الآدلة الشتمعية 
والمشاهدة على خيرية القرب من زمن الوحي» وأن البعد عنه 
مظنة حدوث الجهل والبدع» وهذا ما استدل به الشاطبي في 
كللامه المتقول. الفا. 

© ولكونها أكثر بركة -في الجملة- لمزيد الإخلاص لدى مؤلفيها. 

وإذا كان هذا هو مستند تقديم المؤلفات المتقدمة فمن الواضح أن 

وصف تلك الكتب بهذه الصفات في مقابل نفيها أو تقليلها في الكتب 
المتأخرة هو أمر أغلبي وليس حكماً مطلقاً مظرداًء كما أن ما استدل به 
الشاطبي كَل لأفضلية القرون المتقدمة ونفي ذلك عن القرون المتأخرة 
إنما يدل على ثبوت ذلك للجملة» وثبوت الحكم للجملة لا يستلزم 
ثبوته لكل فرد؛ ولهذا كان من المشاهد البيّن: مجيء كثير من المؤلفين 
المتأخرين الذين نسجوا على منوال المتقدمين» وفاق تأليفهم كثيراً من 
تأليف من قبلهم» ويمكن ضرب المثل في هذا بالنووي وابن قدامة وابن 
تيمية وابن القيم وابن رجب وغيرهم -رحمهم الله-. 

ويضاف إلى هذا : ما للتأليف المتأخر من مزاياء هي خدمة لتأليف 

السابقين وبناء عليها وتكميل لهاء. بالاستدلال والتقعيد وحسن الترتيب 


(0') مقدمة ابن خلدون ص6868. الانحرافات العقدية والعلمية فى القرنين الثالث عشر 
والرابع عشر (۲/ .)۳۷-۳٤‏ 





عم الفصل الثاني : شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها ا 
ا N‏ 
وجمع المتفرق» وهي خدمة جليلة للعلم لا يستهان بهاء ولما فيه من 
بحث المسائل النازلة التى تخلو منها الكتب المتقدمة. 

ويلحظ أيضاً: عدم انضباط وصف التقدم والتأخر الذي يناط به 
التفضيل؛ فمن يعتمد صفة التقدم الزمني في اختيار الكتب قد يرفض 
تأليفاً فقهياً معاصراً ويفضل عليه متنا من متون المتأخرين من الحنابلة - 
مثلاً-. وهو حينئذ معارّض بمن يُرغبٍ عن كتب المتأخرين ويختار مثل 
لالجد و نة ذلك أنضاً ارقن تله مج 
يستحب الرجوع إلى مختصر الخرقي مثلاء وهكذا إلى أن ينتهى إلى 
طبقة كتب مسائل الإمام أحمدء ثم لا مزية لتلك الطبقة يوجب الانتهاء 
إليهاء وذلك يؤدي إلى ترك الكتب المصنفة أصلاء وهذا خروج عما 
افترض الاتفاق عليه؛ ولذا قيل : 
قل لمن لايرى المعاصرشيئا ويرىللأوائلالتقديما 
إن ذاك القديم كان حديشثا وسيبقى هذا الحديث قديما"') 

ويوضح ذلك : أن من أرشد من العلماء إلى العناية بكتب المتقدمين 
هم قد صنفوا ا لكتب مع تأخرهم زمناء فلو كان معنى و صيتهم تلك : 
إهدار التصنيف المتأخر وغلق بابه جملة ما صنفوا. 
بمعنى كونه مئنة للتحقيق» لا بمعنى أنها مزية مطلقة» وإنما يناط 
التفضيل المطلق بالصفات المحمودة. ويكون ذلك في كل كتاب 


بيحسبه ) متقدما كان أ متأخراً وبمقدار ما فيه من تلك الصفةق. «فليس 


.)۳۸ /۱( کشف الظنون‎ )١( 


م الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها م 


١ 8 
نیو“‎ 





لقدم العهد يفضل القائل» ولا لحدثان عهد يهتضم المصيب» ولكن 
ب کا ا 
المسألة الثالثة: ملاءمة غرض القارئ لمقصد المؤلف 
أغراض القراءة الفقهية كثيرة» وهي تعود إجمالا إلى نوعين: 
© أغراض معرفية» كبحث مسألة ما بجمع أطرافها وأدلتها والأقوال 
فيهاء وكمراجعة مسألة ما لمجرد معرفة قول عالم معين فيها من 
غير بحث في الترجيح. 
© وأغراض تفقّهية» وهى النظر فى كتب الفقه من أجل شحذ الذهن 
والتمرة على الابتدلال: ۰ 
وفي مقابل هذه الأنواع نجد المصنفات الفقهية أنواعا أيضاًء فمنها 
ما الك للمندسين مقتسرا على: امهنات الساتل >«وسها ها الك لتحزير 
مذهب ما والتعريف بالراجح من أقواله» ومنها ما ألف للاستدلال 
لمذهب معين» ومنها ما ألف لاستيعاب المسائلء ومنها ما ألف لعرض 
الأقوال وأدلتها من غير اقتصار على مذهب» ولا يخفى أن هذا النوع 
الأخير هو أقرب هذه الأنواع إلى مراد طالب تكوين ملكة الفقه» وقد 
صرح جماعة من المؤلفين على هذا النمط بمقصدهم التفقيهي» منهم 
أبو المعالي الجويني كته الذي يقول في نهاية المطلب: «وقد بأن الآن 
وا اکت فن اا الو كناف فى شرم بشي لكان بد أن 
كثيراً ما أجري المسائل على صيغة المباحثة» ثم هي تُفضي إلى مقر 


(1) الكامل في اللغة والأدب :)7١/1(‏ وانظر: تاج العروس /١(‏ 94-97). 


ع الفصل الثاني : شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها RE‏ 
ا ا وب چ ا 
3 س“ 


المذهب آخراًء ويعلم المسترشد طريق الطلب والنظرء وهذا من أشرف 
مقاصد الكتاب؛ فلست أخل به لجهل من لا ا 


ومنهم أبو الوفاء بن عقيل» يقول في خاتمة كتابه (الواضح): «وإنما 
سلكت فيه تفصيل المذاهب» ثم الأدلةء ثم الأسئلة» ثم الأجوبة عنهاء 
ثم الشبهات: “ثم الاجر فلا لط هة الط للم : 


ومنهم أبو عبدالله المازري المالكي» الذي يقول في كتابه الأصولي 
(برهان المحصول): «استدعى الكلام على هذا الفصل”"': ذكر مسائل 
بأعيانها تنازع الفقهاء في تأويل الظواهر فيها؛ فاحتيج إلى التنبيه على 
ما قوي من تأويلهم فيها وما ضعف؛ ليكون ذكر التنبيه في أعيان 
المسائل كالتدريب للفقيه على استعمال ما ذُكر له وما سيذكر من أصول 
الكلام في التأويل. 


مسألة: ذكر أبو المعالي طرق التأويل في مسألة النكاح بغير ولي في 
حديث واحد وتشاغل به دون ما سواهء ورأينا أن نورد ههنا ما يتعلق بهذه 
المسألة من الظواهر وننبه على طرق تأويلها ؛ فإن الغرض بالكلام على مثل 
هذا : تدريب الفقيه على معرفة استخراج معاني الظواهرء وإيضاح مسالك 
التأويل التي يسلك فيهاء وكلما أكثر من ذلك کان آفيد له...»“. 


ويقول ابن رشد في بداية المجتهد: «هذا الكتاب إنما وضعناه ليبلغ 


ONSEN RAE O) 
` (614/0) 0 

(۳) فصل : تأويل الظاهر. 

)€( إيضاح المحصول ص٥۷"‏ . 


م الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها EN‏ 
ا و و 
2 1 4 ا اذ 


به المجتهد في هذه الصناعة رتبة الاجتهاد إذا حصل ما يجب له أن 
يحصل قبله من القدر الكافي له في علم النحو واللغة وصناعة أصول 
الفقه» ويكفي من ذلك ما هو مساو لجرم هذا الكتاب أو أقل» وبهذه 
الرتبة يسمى فقيهاً لا بحفظ مسائل الفقه ولو بلغت في العدد أقصى ما 
يمكن أن يحفظه إنسان»'. 

والمقصود من هذا: أن من اللازم للقارئ أن يكون غرضه من 
القراءة ملائما لمقصود المؤلف؛ لئلا يجنى على نفسه بأن يضيع جهده 
في غير موضعه» وعلى المؤلف» بأن يلزمه ما لم يتلزم» ويحاسبه على 
ما لم يضع تأليفه من أجله”". 

ومن الصور المخالفة في هذا المقام (ملاءمة غرض القارئ لمقصد 
المؤلف): 

- الاعتراض على المثال: 

فالمئال صورة يأتي بها المؤلف قاصداً توضيح القاعدة لا أكثرء غير 
ملتزم رجحان انطباقهاء إذ المقام مقام إيضاح لا ترجيح؛ فالاعتراض 
على المثال مخالفة لغرض التأليف وخروج عن الموضوع إلى غيره. 

- التطويل في دراسة وتدريس ما ألّف للابتداء : 

الدراسة الابتدائية يناسبها الاقتصار على مبادئ العلم وأصوله. 
ومقصودها تمكين المتعلم من الانفراد بقراءة كتب ذلك العلم 
والاستزادة منه» لا إعطاؤه أقصى ما يمكن أن يتحمله من المسائل ؛ 


(1) بداية المجتهد (7/ 17185). 
() انظر: الصياغة الفقهية ص/7١١-/179.‏ 


,5 الفصل الثاني : شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها n‏ 
و 


E‏ ی 
فخروج الدارس أو المدرس أو الشارح بالكتاب المختصر عن وظيفته 
تلك» وشحنه إياه ببيحوث زائدة عن ذلك المقصود مخالفة لمقصود 

ا 


المسألة الرابعة: أن تكون القراءة قراءة ارتياض على الاجتهاد : 

وتدرّب على مآخذ الأحكامء ونظر في كيفية فهم العلماء 
واستدلالهم ومناقشتهم» ودقة عباراتهم» فقا لخر فعا مالك 
النظرء ويستعين بأفهام العلماء على الاجتهادء ويمخص الأقوال 
ويتدرّب بها على الاستنباط» ناظراً في كيفية بناء الحكم وخطوات 
الوصول إليه» ناقداً لما يقرأ نقداً مؤسساً على قاعدة معرفية صحيحة. 

ويقرأ أيضاً: لمعرفة قواعد العلم وأسسهء فكثير من القواعد -كما 
يقول القرافي”"- لا توجد مسطورة مصرحا بها في كتب الفقه 
والأصول» وإنما يتصيدها القارئ الفطن تعدا و ند ها خد ل لات 
التضمن واللزوم والتنبيه وغير ذلك. 

فطالب الملكة الفقهية ليست همته في قراءته أن يعرف النتيجة التي 
انتهى إليها المؤلف أو القول الذي رجّحهء إنما يُهمه: أن يعرف كيف 
انتهى إلى تلك النتيجة» وما الخطوات التي سلكهاء وما القواعد 





)١(‏ انظر: تذكرة العالم والمتعلم ص 24١٠‏ مقدمة ابن خلدون ص١49.,‏ بدائع السلك 
ص۳۹۱ ترتيب العلوم ص۱۹۷ ۲٠۷-۲٠١‏ المدخل إلى مذهب الإمام أحمد بن 
حنبل ص750- 0.7717 التعليم والإرشاد ص۱٦- ۲١ -۲۳۲ ٦۷‏ اليس الصبح 
بقريب ص17١. ۱٥۲‏ . 

.)۲٠١/۲( الفروق‎ )۲( 


الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها ,24 





E 
ATE 


والمقدمات التي بنى عليها قولهء ولا بأس في أن يكون من مقصوده 
معرفة رأي المؤلف على أن يأتي ذلك ثانياً وتابعاء لا مقصوداً أوّل. 

وإنما يكون ذلك إذا كانت القراءة قراءة فهم واستيعاب للمقروءء 
يُعمل فيها القارئ مهارات التحليل والنقد وإرجاع الفروع إلى أصولهاء 
وربط المعرفة الجديدة بالخبرة السابقة» وقد يقتضي ذلك الوقوف عند 
بعض المسائل وبحثهاء أو التعليق عليها أو استشكالهاء وبذلك 
يتجاوب القارئ والكتاب تجاوبا لا ينقضي بانقضاء جلسة القراءة» فقد 
يقتضي الحال بحث مسألة أثارها الكتاب» والتي يرى القارئ أن في 
تناول الكتاب لها قصوراًء أو يجد نفسه بحاجة إلى الاتساع في بحثهاء 
ولا سيما إن كانت تخالف بعض المقررات لديه. 

ومن تمام ذلك: حسن الاختيار من الكتاب» بأن يُسجل القارئ 
ويحفظ ما مر به من فوائد» فيقيدها خشية النسيان» وقد تكون تلك 
الفوائد: ضوابط»ء أو تطبيقات» أو تفسيرات» أو طرائف علمية» أو 
غيرهاء فهذا الاختيار نوع من التجاوب مع الكتاب الذي به يرتقي 
القارئ فقها وفهماء وهو أيضاً عنوان لمستوى صاحب الاختيار ومنزلته 
في العلم 

وهذا أو نحوه ما أرشد إليه مالك بعض تلامذته -وقد نهاه عن كتابه 
أقواله- فسئل: ماذا نصنع؟ فقال: «تحفظون وتفهمون حتى تستنير 
قلوبكم» ثم لا تحتاجون إلى الكتاب»"'. 

ويقول الزركشي ك : «إنما تصير للفقيه ملكة الاحتجاج واستنباط 


.)١١/٤( الموافقات‎ )١( 


٠‏ الفصل الثاني: شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها 





المسائل أن يرتاض في أقوال العلماء وما أتوا به في كتبهم» وربما 
أغناه ذلك عن العناء في مسائل كثيرة» وإنما ينتفع بذلك إذا تمكن من 
معرفة الصحيح من تلك الأقوال من فاسدهاء ومما يعينه على ذلك أن 
تكون له قوة على تحليل ما في الكتاب ورده إلى الحجج» فما وافق 
منها التأليف الصواب فهو صواب» وما خرج عن ذلك فهو فاسد» وما 


أشكل مره ترت ف" 

ولا يتم ما سبق إلا بقدر من المرونة الذهنية» يكون القارئ فيها 
مستعداً لمراجعة بعض أحكامه وتصوراته السابقة» لتصحيحها أو تعديل 
جزء متها فبذلك يقرأ بعقل منفتح صادق فى البحث» فيزداد فقهه 
وتجود فريحته». وما لم يكن ذلك فقراءته قراءة انتقاء يبحث فيها عما 
يقوي رأيه ويُعرض عما يخالفه”". 
المطلب السادس : تنوع مصادر العلم 

وفيه ثلاثة فروع : 

الفرع الأول: أثر تنوع مصادر العلم في اكتساب الملكة الفقهية. 

الفرع الثاني : من أشكال تنوع مصادر العلم عند الفقهاء. 

الفرع الثالث: شروط الاستفادة من تنوع مصادر العلم. 


.)5557 /۸( البحر المحيط‎ )١( 
.00 انظر: القراءة المثمرة ص‎ )۲( 


3 الملكة الفقهية: حقيقنها وشروط اكتسابها وثمراتها‎ f 
الفرع الأول: أثر تنوع مصادر العلم في اكتساب الملكة‎ 
: الفقهية‎ 

لأهمية تنوع مصادر المعرفة قال جماعة من العلماء: من لم يعرف 
الاختلاف لم يشم أنفه الفقه! أو: فلا تعدوه عالم"'2» ووضح الشاطبي 
وابن السبكي أن معرفة الخلاف التي يكون بها المرء فقيها: هي معرفة 
مآخذ الأقوال وسبب اختلافها لا مجرد حفظهاء يقول ابن السبكي : «لا 
يُهرّن الفقيه أمر ما نحكيه من غرائب الوجوه وشواذ الأقوال وعجائب 
الخلاف قائلاً: حسّْبٌ المرء ما عليه الفتيا. فليعلم أن هذا هو المضيع 
للفقيه» أعني الاقتصار على ما عليه الفتياء فإن المرء إذا لم يعرف علم 
الخلاف والمأخذ لا يكون فقيهاً إلى أن يلج الجمل في سم الخياطء 
وإنما يكون رجلاً ناقلاً نقلاً مخبّطأًء حامل فقه إلى غيره لا قدرة له على 
تخريج حادث بموجودهء ولا قياس مستقبل بحاضرء ولا إلحاق شاهد 
بغائب» وما أسرع الخطأ إليه وأكثر تزاحم الغلط عليهء وأبعد الفقه 


لدیه". 





ويقول ابن عبدالبر كن مرغبا في الإشراف على مذاهب العلماء 
والوقوف على ما اختلفوا فيه: «من طلب الإمامة في الدين وأحب أن 
يسلك سبيل الذين جاز لهم الفتيا نظر في أقاويل الصحابة والتابعين 
والأئمة في الفقه إن قدر على ذلك.. فمن أحب الاقتصار على أقاويل 
علماء الحجاز اكتفى إن شاء الله واهتدى» وإن أحب الإشراف على 
)١(‏ رويت هذه المقالة عن قتادة وسعيد بن أبي عروبة وهشام بن عبيد الله الرازي. انظر: 


جامع بيان العلم وفضله (؟557/7). 
(۲) طبقات الشافعية الكبرى »)”١9/1١(‏ وانظر : الموافقات /٤(‏ ۸۹). 


.يعم الفصل الثاني : شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها ا 
البو ا ا لو 


ف کو 
مذاهب الفقهاء متقدميهم ومتأخريهم بالحجاز والعراق وأحب الوقوف 
على ما أخذوا وتركوا من السنن وما اختلفوا في تثبيته وتأويله من 
الكتاب والسنة كان ذلك له مباحاً ووجهاً محموداً. إن فهم وضبط ما 
علم أو“ سلم من التخليط» نال درجة رفيعة ووصل إلى جسيم من 
العلم واتسع ونبل» إذا فهم ما اطلع» وبهذا يحصل الرسوخ لمن فقّهه 


iT 


ويقول الخطيب البغدادي أنه : «فمن شرط المفتي النظر في جميع 
ما ذكرناه» ولن يدرك ذلك إلا بملاقاة الرجال» والاجتماع مع أهل 
اليحل والمقاللات المختلفة. ومساءلتهم وكد ة المذاكرة لهم. وجمع 
الكتب ودرسها ودوام مطالعتها)"". 

ففي تنوع مصادر التعلم من الثمرات المنمية للملكة أنه: 

© يوسع للمتعلم مجال الانتفاع بعلم العلماء: 

وذلك أن في كل كتاب ولكل شيخ وفي كل مذهب مزايا لا تلفى في 
غيره» ففي توسعة نطاق الاطلاع جمعٌ لما تفرق من تلك المحاسن» 
وبذلك يتمكن المتفقه من أن يختار من طرق العلم أقرمهاء وفي ذلك 
نماء للملكة لا يكون للمقتصر على وجه واحد وشيخ واحد» اا 


ف«البشر بأد ون معارفهم وأخلاقهم وما ينتحلون به من المذاهب 
والهه N SESS O aE‏ 


)١(‏ كذا (أو)» ولعلها (و). 
(۲) جامع بیان العلم وفضله .)١19/5(‏ 
(۳) الفقیه والمتفقه .)۳۳٤/۲(‏ 





إلآ أن حصول الملكات عن المباشرة والتلقين أشدّ استحكاما وأقوى 
o Sr 5 5 8‏ )1( 

رسوخا؛ فعلى قدر كثرة الشيوخ يكون حصول الملكات ورسوخها» 1 
ل أنه يُعمل لدى المتفقه ملكات ومهارات عقلية لا تُستثار إلا به. 


وبذلك يقوى فكره ويستد رأيه» كمهارات الفهم والتصورء 
والتحليل» والتمييز بين الرأي والحقيقة» وتمحيص الأدلة» والنقدء 
والدفاع عن القول» وجودة التعبير» واستحضار المعلومات› وحسن 
الاستفادة منها. 
بالغته» وفي هذا يقول ابن حزم: «لقد انتفعت بِمَسُك”" أهل الجهل 
منفعة عظيمة. وهى أنه وقد طبعى . واحتدم خاطري» وحمى فكري» 
وتهيج نشاطيء فكان ذلك سبباً إلى تواليف عظيمة المنفعة» ولولا 
استثارهم ساكني واقتداحهم كامني» ما انبعثت لتلك التواليف»". 

© وهو يُدرب على أنواع من الأخلاق العلمية لا تُمارس إلا عند 

لقا المالت: 

كحسن الاستماع وحسن الفهم. وكخلق الإنصاف والاستجابة 
للحق› وضبط النفس› وترك استصغار المخالف» وطرح الإعجاب 
بالرأي. 

© أنه ينبه المتعلم إلى تعدد الأوجه والاحتمالاات والخيارات: 
)١(‏ مقدمة ابن خلدون ص۹۷٤.‏ 


(۲) المحك: اللجاج والمخاصمة. انظر: الصحاح .)١١٠١۷/٤(‏ 
(۳) الأخلاق والسير ص"1. 


الفصل الثاني : شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها 





وهو ما يُعبّر عنه ب(سعة الأفق)» وذلك باب من الفقهء كما قال أبو 
الدرداء ونه : «لن تفقه كل الفقه حتى ترى للقرآن وجوها كثيرة) 17 
وهذا الإدراك يُحفز المرء إلى بذل الجهد في التحقيق والوصول إلى 
الصوابء ويدعوه إلى التمهل والتثبت في الفتوى؛ كما قال أيوب 
السختياني وسفيان بن عيينة: أجسر الناس على الفتيا أقلهم علما 
باختلاف العلماءء وأمسك الناس عن الفتيا أعلمهم باختلاف 
العلماء"» وهو أيضاً يُكسب الاعتدال في تناول الأقوال والحكم 
عليهاء فيشعر بظنية ما هو ظني» ويرفع عن المرء توهم القطعية حيث لا 
قطع. وينفي عن صاحبه معرة التعصب للقول وسوء الظن بالمخالف”". 

© أنه مدعاة إلى التحقيق العلمي : 

بتمحيص المذاهب والاستدلال لهاء وهذه نتيجة طبّعية لمخالطة 
المخالفين والتعرض لنقدهم» فلا يخفى أن ذلك يكشف للإنسان ما 
لديه وما لدى شيوخه وأهل طائفته من مواطن الضعف فيتداركها 
باللإصلاح» بخلاف العيش في البيئة ذات المذهب الواحد» فهي داعية 
للسكون والرضى بالحال»ء وهذا ما يشير إليه قول أيوب السختياني أيضا 
انك ل ترف خطا لك حي تالس عبر ٠‏ وقول غطاء لا 


)١(‏ جامع بيان العلم وفضله .)٤٥/۲(‏ وفيه أن حماد بن سلمة -الراوي- قال لأيوب 
السختياني: أرأيت قوله (حتى ترى للقرآن وجوها كثيرة)؟ قال: فسكت أيوب يتفكر. 
قلت: أهو أن يرى له وجوها فيهاب الإقدام عليه؟ قال: هذا هو. 

(؟) جامع بيان العلم وفضله (55/7). 

(۳) انظر: أهمية تدريس فقه القضايا المعاصرة» ضمن السجل العلمي لندوة تدريس فقه 
القضايا المعاصرة في الجامعات السعودية .)778/١(‏ 

(5) جامع بيان العلم وفضله .)494/١(‏ 


N‏ الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها ناك وبي 
ينبغي لأحد أن يفتي الناس حتى يكون عالما باختلاف الناس؛ فإنه إن 
لم يكن كذلك رد من العلم ما هو أوثق من الذي فى بده ٠‏ 

وشواهد ذلك في تاريخ الفقه الإسلامي ظاهرة» فقد كان ا 
الفقهاء والمذاهب الأثر الأكبر في تقدم الفقه تأصيلاً وتصحيحا 
وتفريعاًء بل إن تنوع مصدر المعرفة يظهر في تفاوت حال أصحاب 
المذهب الواحدء كما هو شأن المالكيين في بغداد وفي المغرب» فقد 
كان للعراقيين فضل التقدم في الفقه على نظرائهم في المغرب. ولا 
يعزى هذا الفضل إلا لمخالطتهم أرباب المذاهب ومبادلتهم إياهم 
الفاتدة» وما يلجئهم إليه ذلك من الاستدلال والتمحيص والرد على 
المخالف والتمرس على المناظرة» فكان في ذلك من العون على تحرير 
أصول المذهب وأدلته ما لم يتوفر مثله لأهل المغرب”". 

وينقل القاضى عياض كن حادثتين وقعتا للفقيه المالكى المغربى 
الكبير أبي e‏ انه فيهما و عل ا ا الا 
را حاطو الداع ي ك دول 

قال أبو عمران: رحلت إلى بغدادء وكنت قد تفقهت بالمغرب 
والأندلس عند أبى الحسن القابسى وأبى محمد الأصيلى» وكانا عالمين 
بالأصول» ثلا ترت ا الاي أت ات كلامه فى 
الأصول والفقه مع المؤالف والمخالف رک ف وقلت: لا أعلم 
من العلم اا ورجعت ده ادى ٠‏ 


.)577/5( جامع بيان العلم وفضله‎ )١( 

(0) انظر: الإشراف على نكت مسائل الخلاف. مقدمة المحقق: الحبيب بن طاهر ص"7- 
7 

(۳) ترتيب المدارك .)٤۷-٤٦/۷(‏ 


.28 الفصل الثانى: شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها قبي 
AVY 5‏ 


ولما دخل أبو عمران بغداد شاع أن فقيهاً من أهل المغرب مالكياًء 
قدم. فقال الناس: لسنا نراه إلا عند القاضي أبي بكر الباقلاني» وهو إذ 
ذاك شيخ المالكية بالعراق» وإمام الناس. فنهض من أهل بغداد جماعة 
لمجلس القاضي أبي بكر ومعه أصحابه وأبو عمران» فجرت مسائل 
حتى استأنسواء ثم سأله رجل شافعي عن مسألة من الاستحقاق» 
فأجابه أبو عمران بجواب صحيح مجردء فطالبه السائل بالحجة عليه. 
فأطرق الشيخ أبو عمران» فرفع رأسه شاب من أهل بغداد من المالكية. 
فقال للسائل: أصلحك اللهء هذا شيخ من كبار شيوخناء ومن الجفاء 
أن تكلفه المناظرة من أول وهلة»ء ولكن أنا أخدمه في نصرة هذه 
المسألة وأنوب عنه فيهاء الدليل على صحة ما أجاب به الشيخ -حرسه 
الله- كذا وكذاء فاعترضه الشافعي فيه. ثم انفصل المالكي من 
اعتراضه. حتى خلص الدليل. فلما أجمل الكلام على المسألة» قام إليه 


الشافعى» فقبّل رأسه. وقال: 5 سيدي وحبيبى ! انث والله شيخ 
2000 





المذهب حين نصرته 
© أنه معونة على تمييز العلم عما يلابسه في العادة مما ليس منه: 
والتباس ذلك على المتعلم يوقع في أغلاط لا تخفى» يقول ابن 
خلدون: «والاصطلاحات أيضاً في تعليم العلوم مخلّطة على المتعلّم» 
مباشرته لاختلاف الظرق فيها من المعلمين» فلقاء أهل العلوم وتعدّد 
المشايخ يفيده تمييز اللاصطلاحات بما يراه من اختلااف طرقهم فيها 


.)۲٤۸-۲٤۷ /۷( ترتيب المدارك‎ )١( 


N الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها‎ E 
500 2 2 ا لح ل‎ 
E ا‎ 


فيجرّد العلم عنها ويعلم أنْها أنحاء تعليم وطرق توصل وتنهض قواه إلى 
الرسوخ والاستحكام في المكان. وتصحّح معارفه وتميّزها عن 
وا 

وبعد. فتجدر الإشارة هنا إلى أن لتنوع مصادر العلم شرطاً مهما 
لتحصيل فائدته والسلامة من ضرره»ء هو ألا يكون هذا التنوّع في طور 
التأسيس» فالمختار عند العلماء في مرحلة التأسيس العلمي الاقتصار 
على القول الواحد والكتاب الواحد والمعلم الواحد”'؛ وذلك لما 
يؤدي إليه التنوع في هذه المرحلة غالبا من اختلاف الأساليب أو 
اختلاف الترجيح والاختيار المؤدي غالبا إلى الحيرة» فتعدد الشيوخ 
على الطالب في الفن الواحد» أو تعدد الكتب في العلم الواحد» أو 
تعدد المذاهب» كل ذلك مما يتوقع معه التضارب والاختلاف الذي 
يصعب على الطالب في هذه المرحلة فكه وتفسيره وحسن التخلص منه» 
ولكن كيلا يؤدي هذا الاقتصار في هذه المرحلة إلى تربية على الجمود 
والتعصب وضيق الأفق؛ يكون من المهم للمعلم أن يربي تلاميذه بكافة 
الل على طب الى وا لجرو ل <وآن تعلمهم :أن العديمة غير كابنه 
لأفراد البشر مهما بلغوا من العلم» وأن يُفهمهم أن اقتصارهم في هذه 
المرحلة على القول الواحد إنما كان لغرض تعليمي مناسب للمرحلة» 
وأن الواجب على المسلم متى ما استطاع هو طلب الحق بدليله. 


.٤۹۷ص مقدمة ابن خلدون‎ )١( 
انظر: إحياء علوم الدين (١/١۱۹)ء تذكرة السامع والمتكلم ص١17. مقدمة ابن‎ )( 
.)١٠١١ /١( خلدون ص٩۹٤ أبجد العلوم‎ 


.كم الفصل الثاني: شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها 0 
أل يجيد " 


الفرع الثاني: من أشكال تنوع مصادر العلم عند الفقهاء : 

لتنوّع مصادر التعلم في سير الفقهاء أشكالء منها : 

© المطالعة والمشاركة في العلوم النافعة الأخرى. 

فالفقيه من أحوج أصحاب العلوم إلى سعة المشاركة والاطلاع في 
سائر العلوم. فلا يكاد يوجد علم إلا وهو يمد الفقيه بفائدة تعود عليه 
في علمه. يقول الخطيب البغدادي: «العلوم كلها أبازير الفقه» وليس 
دون الفقه علم إلا وصاحبه يحتاج إلى دون ما يحتاج إليه الفقيه» لأن 
الفقيه يحتاج أن يتعلق بطرف من معرفة كل شيء من أمور الدنيا 
والآخرة» وإلى معرفة الجد والهزل» والخلاف والضدء والنفع والضرء 
وأمور الناس الجارية بينهم» والعادات المعروفة منهم». 

ويقول ابن الجوزي: «ينبغي للفقيه ألا يكون أجنبيًا عن باقي 
العلوم» فإنه لا يكون فقيهًاء بل يأخذ من كل علم بحظ» ثم يتوفر على 
الفقه. فإنه عز الدنيا والآخرة». 

وبحت القرافي الفقهاء على المشاركة في العلوم النافعة فيقول: «كم 
يخفى على الفقهاء والحكام الحق في كثير من المسائل بسبب الجهل 
بالحساب والطب والهندسة؛ فينبغي لذوي الهمم العليّة أن لا يتركوا 
الاطلاع على العلوم ما أمكنهم ذلك. 
فلم أرفي عيوب الناس عيبا كنقص القادرين على التمام»”" 


.)۳۳۳ الفقيه والمتفقه (؟/‎ )١( 
. ۱٥۰ص صيد الخاطر‎ (۲) 
.)٥٠١١ /٥( الذخيرة‎ )۳( 


م الملكة الفقهية : حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها 0 
1 الا ل ل ا حت ا حر ع بع يي يو ب ی ی 
kr 2‏ ك 00 


ولا يخلو علم من فائدة تعود على الفقيه في فقهه ورأيه وعقله» ومن 
ذلك ما أشار إليه خالد بن يحيى ابن برمك قائلاً لابنه: «يا بني! خذ من 
كل علم بحظ؛ فإنك إن لم تفعل جهلت» وإن جهلت شيئاً من العلم 
عاديته لما جهلت. وعزيز عليّ أن تعادي شيئاً من العلم»”"". 

ويقول ابن حزم كأله مقرراً ترابط العلوم: «من اقتصر على علم 
واحد لم يطالع غيره أوشك أن يكون ضحكة» وكان ما خفي عليه من 
علمه الذي اقتصر عليه أكثر مما أدرك منه؛ لتعلق العلوم بعضها 
ببعض...“» ثم شرح هذا الترابط بما يطول نقله”". ثم عاب فريقاً 
من طلبة العلم الشرعي ينتقصون العلوم الأخرى فقال: «وجدنا قوماً من 
أهل طلب العلم -أعني الديانة- يُزورن بسائر العلوم» وهذا نقص عظيم 
شديد لا ينتفع به صاحبه في قسمة الفرائض والمواريث» وأن يعرف من 
المطالع ما يعرف به أوقات الصلوات ودخول شهر رمضان شهر الصوم 
ووقت الحج. وإن لم يعرف مضار المأكل والمشرب أوشك أن يتناول 
ما يؤذيه ويضر به» وذلك محرمء وقد أمر رسول الله ييو بالتداوي 
فاتباع أمره فرض؛ فتعلم الطب فرض على الكفاية» ومضيعه مضيع 
فرض» والقرآن عربي فلا سبيل إلى أن يعلمه من لم يعلم العربية...»“. 

ويقول الشوكاني كته : «العلم بكل فن خير من الجهل به بكثيرء ولا 
سيما من رشح نفسه للطبقة العلية والمنزلة الرفيعة» ودع عنك ما تسمعه 


.)٠١١ /۱( جامع بیان العلم وفضله‎ )١( 

(۲) مراتب العلوم (ضمن رسائل ابن حزم الأندلسي /٤‏ ۷۷). 
(۳) المرجع السابق /٤(‏ ۸۳-۸۱ء 49-87). 

.)۸۷ /٤( المرجع السابق‎ )٤( 


,بو الفصل الثانى: شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها 0 
م ‏ ل ا د 
ر علي 


من التشنيعات فإنها كما قدمنا لك شعبة من التقليد» وأنت بعد العلم 
بأي علم من العلوم حاكم عليه بما لديك من العلم غير محكوم عليك. 
واختر لنفسك ما يحلوء وليس يُخشى إلا على من كان غير ثابت القدم 
في علوم الكتاب والسنة» فإنه ربما يتزلزل وتحول ثقته. فإذا قدمت 
العلم بما قدمنا لك من العلوم الشرعية فاشتغل بما شئت... 

وإني لأعجب من رجل يدعي الإنصاف والمحبة للعلم ويجري على 
لسانه الطعن في علم من العلوم لا يدري به ولا يعرفه ولا يعرف 
موضوعه ولا غايته ولا فائدته ولا يتصوره بوجه من الوجوه... 

ولقد وجدنا لكثير من العلوم التي ليست من علم الشرع نفعا عظيما 
وفائدة جليلة في دفع المبطلين والمتعصبين وأهل الرأي البحت ومن لا 
اشنتغال له بالدليل» فإنه إذا اشتغل من يشتغل منهم بفن من الفنون 
كالمشتغلين بعلم المنطق جعلوا كلامهم ومذكراتهم في قواعد فنهم. 
ويعتقدون -لعدم اشتغالهم بغيره- أن من لا يجاريهم في مباحثه ليس من 
أهل العلم ولا هو معدود منهم وإن كان بالمحل العالي من علوم 
الشرع»ء فحينئذ لا يبالون بمقاله ويوردون عليه ما لا يدري ما هو 
ويسخرون منهء فيكون في ذلك من المهانة على علماء الشريعة ما لا 
يقادر قدرهء وأما إذا كان العالم المتشرع المتصدر للهداية إلى المسالك 
الشرعية والمناهج الإنصافية عالما بذلك فإنه يجري معهم في فنهم 
فيكبر في عيونهم ثم يعطف عليهم فيبن لهم بطلان ما يعتقدونه بمسلك 
من المسالك التي يعرفونها فإن ذلك لا يصعب على مثله» ثم بعد ذلك 
يوضح لهم أدلة الشرع فيقبلون منه أحسن قبول ويقتدون به أتم قدوة» 
وأما العالم الذي لا يعرف ما يقولون فغاية ما يجري بينه وبينهم خصام 


عم الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها رتم 
ل ست ی ي و 
00-0 


وسباب ومشاتمة: هو يرميهم بالاشتغال بالعلوم الكفرية ولا يدري ما 
هي تلك العلوم» وهم يرمونه بالبلادة وعدم الفهم والجهل بعلم العقل 
ولا يدرون ما لديه من علم ال 


وحاجة الفقيه إلى العلوم غير الشرعية متفاوتة بحسب ثمرتهاء 
والحكم الجامع لذلك: أن لها حكم الوسائل» وحكم الوسائل أن لها 
حكم المقاصد”"» فقد يكون تعلمها واجباء وذلك إذا توقّف عليها أمر 
واجب» وقد يستحب تعلمها ولا يجب» وذلك إذا احتيج إليها في 
معرفة الحكم الشرعي أو تطبيقه» ولم يتوقف ذلك على معرفة الفقيه 
بهاء بأن أمكن أن يجري التشاور فيها بين الفقهاء وأصحاب الخبرة» 
فهنا لم يتحقق شرط وجوب تعلمهاء ولكن تعلمها أكمل وأبلغ في 
تحقيق المقصود. فتستحب لكونها وسيلة إلى المقصود» ولا تجب؛ 
لعدم توقف الواجب عليه" . 


العلوم التي تروّح عن النفس ولها منفعة» كمنفعة رياضة الذهن في 
العلوم الرياضية والهندسية“. ومنفعة اكتساب البلاغة والفصاحة بالنظر 
فى الأدب والشعر. 


(1) أدب الطلب للشوكانى» ص۸1 وانظر : الفكر السامى ص7١7.‏ 

(1) انظر: المجموع (١/٥1)ء‏ مفتاح دار السعادة (۲۲۲/۱- ۲۲۹)ء مجموع فتاوى 
ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين (55/ .)٥١ 0317-١7‏ 

(©) انظر: قواعد الوسائل ص7717-777. سد الذرائع في الشريعة الإسلامية ص8”7. 

() انظر: مجموع الفتاوی (۱۳۹/۹). أدب الطلب ومنتهى الأرب ص۸1. 


e‏ الفصل الثاني : شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها يي 
ا 1٠‏ ارئب ارا ا 1 
و 


a 

تعدد الشيوخ : 

بتعدد الشيوخ يستفيد التلميذ من كل معلم أفضل ما عنده فتزداد 
ملكات التلميذ تعدداً ورسوخاً. «والسبب في ذلك أن البشر يأخذون 
معارفهم وأخلاقهم وما ينتحلون به من المذاهب والفضائل تارة علما 
وتعليما وإلقاءء وتارة محاكاة وتلقينا بالمباشرة» إلا أن حصول 
الملكات عن المباشرة والتلقين أشد استحكاما وأقوى رسوخاء فعلى 
قدر كثرة الشيوخ يكون حصول الملكات ورسوخها)”". 

وبتعدد الشيوخ أيضاً يتنبه التلميذ لخطأ معلمه فيجتنب الوقوع فيه 
وهذا ما توضحه كلمة أيوب السختياني المذكورة آنفا" «ومن لم 
يسمع إلا من عالم واحد أوشك ألا يحصل على طائل» وکان کمن 
يشرب من بئر واحدة ولعله اختار الملح الكدر وقد ترك العذب)”". 


ويذكر ابن عقيل به شيوخه في الفقه» وما استفاد من كل منهم 
فيقول: شيخي في الفقه: القاضي ال الخ عقلا ورهدا 
وورعاً. قرأت عليه سنة سبع وأربعين» ولم أخل بمجالسه وخلوته التي 
تتسع لحضوري» والمشي معه ماشيا وفي ركابه إلى آن توفي» وحظيت 
من قربه بما لم يحظ به أحد من أصحابه مع حداثة سني. 


والشيخ أَبُّو إسحاق الشيرازيء إمام الدنيا وزاهِدُهاء وفارسٌ 
المناظرة:وواشخدها. كان يلمت المتاظرة: وانتفعث بمصتفاثه. 
)١(‏ مقدمة ابن خلدون ص۹۷٤‏ › وانظر: بدائع السلك ص 7960 


)۲( ص۳۲۸۔. 
(۳) مراتب العلوم (ضمن رسائل ابن حزم الأندلسي /٤‏ ۷۷). 


ا الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها ,ير 


وأبُو نصر بن الصباغ. 

واو غد ا الدامغانى» حضرت مجالس درسه ونظره. 

وقاضي القضاة الشامي. انتفعت به غاية النفع. 

وأبُو الفضل الهمذاني. 

وأكبرهم سنا وأكثرهم فضلا: أَبُو الطيب الطبري. حظيتٌ برؤيته» 
ومشيت في ركابه. وكانت صحبتي له حين انقطاعه عن التدريس 
E E EAS‏ 

ومن مشايخي : أبُو محمد التميمي» كان حسنة العالم» وماشطة 
بغداد... 

وأقبل علي أَبُو منصور بن يوسف. فحظيتٌ منه بأكبر حظوة» وقدمني 
على الفتاوى مع حضور من هو أسن مني». وأجلسني في حلقة البرامكة 
وتحملي» فقمثٌ من الحلقة أتتبع حلق العلماء لتلقط الفوائد''". 

© الرحلة في طلب العلم. 

وهي سمة أخرى للفقهاء في عامة العصور الإسلامية» يراها الناظر 
في تراجمهم بيّنة متكررة”"'. كما يجدها معدودة في آداب طلب العلمء 
(۱) ذيل طبقات الحنابلة (19/1- 01). 
)۲( انظر : الرحلة في طلب الحديث ص1۲۷- ١155‏ صفحات من صبر العلماء على شدائد 

العلم والتحصيل ص ١٠٠١-۳۳‏ الإعداد التربوي والمهني للفقيه عند المسلمين والمنزلة 


الاجتماعية للفقهاء فى القرون الخمسة من الهجرة» مجلة كلية التربية ببنهاء عدد أكتوبر 
8 ۰م ص .۲۳۷-۲۲٦٣‏ 


5 9 الفصل الثاني : شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها n‏ 
ال برك دو 1 
قال عبدالله بن الإمام أحمد: سألت أبي عمن طلب العلم ترى له أن 
يلزم رجلا عنده علم فيكتب عنه» قوق أن يرحل إلى المواضع التي 
فيها العلم فيسمع منهم؟ قال: يرحل» يكتب عن الكوفيين والبصريين 
وأهل المدينة ومكة» يشام الناس يسمع منهه”'". 

وقوله (يُسِامٌ الناس): أي يقاربهم وينظر ما عند" . 

وبهذه الرحلة تتنوع مصادر العلم لدى طالبه» فيلتقى بالشيوخ على 
تنوع مذاهبهم وطرقهم العلمية. ويكتسب من كل منهم أحسن ما يستفيد 
منهء كما تكسيه الرحلة أخلاقاً وخبرات وتجارب حياتية متنوعةء الفقيه 
في حاجة إليهاء ومع هذاء ففي الرحلة زيادة رسوخ العلمء فبالعناء في 
تحصيل العلم يزداد الرسوخ. 

© المعرفة بالأقوال الفاسدة والضعيفة. 

يقول الأوزاعي كن : «تعلم ما لا يؤخذ به كما تتعلم ما يؤخذ 
, 

فإذا تمكن طالب العلم من معرفة الحق بدليله كانت معرفته بالآراء 
والمذاهب الضعيفة أو الفاسدة زيادة في العلمء وقوة في إبطال الباطل 
وبيان فساده» ولكن هذا الاطلاع على الأقوال الفاسدة والضعيفة وما 
قد تتضمنه من الشبه والضلال إنما يكون إذا وجد سببه وشرطه» فسببه : 
وجود المصلحة المترتبة عليه» مثل الحاجة إلى إبطال الباطل وكشف 
)١(‏ الرحلة في طلب الحديث ص۸۸. 


2( القاموس المحيط ص۱۱۲۷. 
)۳( جامع بيان العلم وفضله .)975/1١(‏ 


52 ش الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها 2 
شبهه للمغتر به» وشرطه: هو تحصيل العلم الراسخ الذي يميز به المرء 
بين الحق والباطل فلا تروج عليه الشبه”". 

© النظر في اختلاف العلماء. 

© ملاقاة المخالفين للاستفادة منهم ومناظرتهم. 

فهذان شكلا من أشكال تنوع مصادر العلم الذي تزداد به ممارسة 
المتفقه» وفي ضمن ما سبق من الحديث عن (النظر في أقوال الفقهاء 
للتفقه بها) و(أثر تنوع مصادر العلم في اكتساب الملكة الفقهية)”" 
إشارة إلى أثر النظر في الخلاف في تكوين الملكة. 

ولحاجة المتفقه إلى معرفة الآراء المخالفة عد الشافعي كآنه ذلك 
شرطأً في الاجتهادء فعدّ من شروط المجتهد: ألا «يمتنع من الاستماع 
ممن خالفه. لأنه قد يتنبه بالاستماع لترك الغفلة» ويزداد به تثبيتا فيما 
اعتقده من الصواب, وعليه في ذلك بلوغ غاية جهده. والإنصاف من 
نفسه» حتى يعرف من أين قال ما يقول. وترك ما يتركء ولا يكون بما 
قال أعنى منه بما خالفه» حتى يعرف فضل ما يصير إليه على ما 
يترك». 


المطلب السابع : التعليم : 
تعليم العلم من أسباب اكتساب ملكة الفقه؛ ولذا أرشد العلماء إليه 


(۲) ص٣٤۳‏ . 
() ص۸٦۳‏ 
(4) الرسالة ص١011-01.‏ 








.عم الفصل الثاني: شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها 


كثيراً» فقال الخليل ابن أحمد كه : «إن لم تعلم الناس ثوابا فعلمهم 
لتدرس بتعليمهم علمك»'. 

وكان الفقيه أبو إسحاق بن فتوح الغرناطي (المتوفى سنة 0851) 
يقول: لو استغنيتٌ عن الوظائف لتركتهاء إلا وظيفة التدريس؛ لما فيها 
من الانتفاع بمذاكرة الطلبة”'". 

وكان الشيخ عبدالرحمن السعدي يمتن لسائله› ويعرب عن انتفاعه 
بما يرد إليه من أسئلة فيقول: «ونحن ممنونون في كل ما يقع لكم من 
إشكالات؛ لأنها قد تصير سبباً لبحث أمور لم تخطر على البال 
ومراجعة محالهاء وهذا من طرق العلم؛ فلا تحرمونا ذلك»06”", 


أو الإفتاء» منها: تعليم الجاهل» والدعوة إلى سبيل الله» والأمر 
بالمعروف والنهي عن المنكرء والمجادلة بالتي هي أحسن» فكل بذل 
للعلم ونشر له فلباذله النصيب الأول من الانتفاع» وذلك عائد إلى 


٠ سببين‎ 


سبب شرعي: هو أن تعليم العلم شكر لنعمة اللهء وإحسان إلى 
عباده» والله تعالى يحب الشاكرين والمحسنين ویزیدهم ويجزيهم › قال 
تعالى: ل9وَسَيِجَرِى أّهُ التََحِرِيَ4”*'. وقال: وله يب 


.)٩١ /١( جامع بيان العلم وفضله‎ )١( 
.)416 /7( روضة الأعلام بمنزلة العربية من علوم الإسلام‎ )۲( 
المعين على تحصيل آداب العلم وأخلاق المتعلمين ص ه".‎ )۳( 
.)١55( سورة آل عمرانء الآية‎ )٤( 


E‏ الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها 
N:‏ 








O 


€ وقال عن موسی ##: وا بلع امك َينَهُ كا وينما 
وکدلك ری لْسحينيت 2*4" 

وسبب حسي: وهو ما تقتضيه طبيعة موقف التعليم من إلجاء المعلم 
إلى تحرير المسائل وتحقيقها والوقوف على مشكلاتها وإدراك تفاصيلها 
وازدياد التبصر فيهاء فكم من مسألة يرى الور أنه قد أخاظ يها دا 
فإذا ما واجهها في صورة استفتاء أدرك من أغوارها وما يلابسها ما لم 
يكن في حسبانه» ودفعه ذلك إلى التعمق في البحث» وكذلك الشأن في 
التدريس» فأسئلة المتعلمين قد تنبه المعلم إلى مواضع الضعف في 
علمه فيرأبها بالمراجعة والتصحيح» كما قال الخليل بن أحمد: «لا 
تجزع من تقريع السؤال؛ فإنه ينبهك إلى علم ما لم تعلم»"" وذلك 
مما يرتقي بالملكة ويورث الرسوخ» ولا سيما عند الأخذ بالقول 
بوجوب تجديد الاجتهاد عند تكرر النازلة. 

وقد قال علي ذَنه: «العلم يزكو على الإنفاق. والمال تنقصه 
النفقة»» قال ابن القيم كَنهُ: «العالم كلما بذل علمه للناس وانفق منه 
تفجرت ينابيعه فازداد كثرة وقوة وظهوراً» فيكتسب بتعليمه حفظ ما 
علمهء ويحصل له به علم ما لم يكن عنده» وربما تكون المسألة في 
نفسه غير مكشوفة ولا خارجة من حيز الإشكال فإذا تكلم بها وعلمها 
اتضحت له وأضاءت وانفتح له منها علوم أخرء وأيضاً فإن الجزاء من 


.)١5( سورة آل عمرانء الآية‎ )١( 

(؟) سورة القصصء الآية »)١5(‏ وكذلك قال تعالى عن يوسف #كذ: ##ولَمَا بلَمّ أَسْدَّهم 
َايسَهُ حكما وعِلمًا وكدلك حى الْسْحِنِينَ4. سورة يوسفء الآية (۲۲). 

(۳) جامع بیان العلم وفضله (۱/ .)٩۰‏ 


بع( الفصل الثاني: شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها ار 
جنس العمل» فكما علّم الخلق من جهالتهم جزاه الله بأن علمه من 
جهالته» كما في صحيح مسلم من حديث عياض بن حمار عن النبي كَل 
أنه قال في حديث طويل: «وإن الله قال لي: أنفق أنفق د 
وهذا يتناول نفقة العلم ا و ت و 





ومع ما لمقام التعليم بصوره المتنوعة من أثر حميد في الرسوخ في 
العلمء فإن لسلوكه شرطين نبه إليهما الفقهاءء أحدهما: 


© التأهّل للتعليم. 


وذلك لأن التصدر للتعليم قبل التأهل له تعرّض للتقوّل على الله 
وعلى شرعه. د زجر الله تعالى عنها بقوله 


وگ 2ص 2ر .> مم 


لفل ما حرم ري الفویش e‏ 
شرا بال م ر رل 20 ساط واه ا ع لَه م که 70 ولخطورة 


4 


الأمر حذر العلماء ء كثيراً من التصدر قبل أوانه أ قال أبو حنيفة كأنه: 
امن طلب الرياسة في غير حينه لم يزل في ذل ما بقي»» وقيل: لا 
يجترئ على الكلام إلا فائق أو مائق'''» و: من تصدر قبل أوانه فقد 
تصدى الو 


.)5416( برقم‎ )١( 

)۲( مفتاح دار السعادة .)۱۸٤ /١(‏ 

(۳) سورة الأعراف. الآية (7"). 

.١؟9ص انظر: تذكرة السامع والمتكلم ص۰۸۲ التعالم‎ )٤( 
تذكرة السامع والمتكلم ص۸۲.‎ )0( 

(5) جامع بيان العلم وفضله .)١9//١(‏ 

(۷) حلية طالب العلم ص۷۹. 





أي 
E‏ 






خم الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها 
TATE‏ 

لكن تجدر الإشارة إلى أن لكل رتبة من رتب التعليم والإفادة قدراً 
يناسبها من التأهل؛ فلا بد من التنبّه لهذا كيلاً يضع طالب العلم لنفسه 
جب قبله عن إفادة غيره حذراً من التصدر قبل أوانه 
فيحرم خيراً كثيراًء فمقام الإفتاء لا بد فيه من العلم الذي هو معرفة 
الحق بدليله. ومع ذلك فيجوز للمقلد أن يفتي عند عدم المجتهد» فيفتي 
بما هو حافظ ضابط له من أقوال العلماء المجتهدين. وتكون فتواه 
محمولة على أنها نقل ورواية لفتوى ذلك المجتهد”''. وأمام طالب 
العلم أنواع من الإفادة والتعليم لا تعرّض فيها للإفتاء بما لا يعلمء 
مثل : مذاكرة الزميل» ودلالته وإفادته وتفهيمه» وأن يعلم غيره ما هو 
عالم به من أحكام الشرع. ومن ذلك (إعادة الدرس). وهى طريقة 
تعليمية استعملها السابقون» فكان الشيخ يعين أنبل طلابه وأجودهم 
فيعيد الدرس على زملائه بعد قيام الشيخ من الحلقة”". وقد جاء في 
سيرة كثير من العلماء أنهم كانوا في سني طلبهم معيدين للدروس»› 
وكان أيضاً من الطلاب الفضلاء من يقوم بإعادة الدرس لزملائه وإن لم 
يعيّن معيداً» وهي شكل من أشكال طريقة التدريس التي تعرف حديثاً 
باسم (التعليم بالأقران)””". 

والشرط الآخر للانتفاع بالتعليم : 

© الاستمرار في التعلّم. 


أمدأ بعيدا یح 





.)44/5( »)85/5( انظر: أعلام الموقعين‎ )١( 

(0) انظر: معيد النعم ومبيد النقم ص8١٠»‏ تحفة المحتاج للهيتمي مع حاشية الشرواني 
والعبادي (5/ .)594١‏ نشأة الكليات ص/ا١237‏ 515. 

*) انظر: طرق التدريس في القرن الواحد والعشرين ص659. 






ٍ 0 الفصل الثاني : شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها 0 





بأن يُعد المعلم العدة لدرسه بالتحضير والمراجعة» فلا يكتفي بما 
يستحضره من معلوماته السابقة» ويستجيب لما قد يواجه به من 
المشكلات فلا يُمرها بلا بحث» بل يأخذ نفسه بمراجعتهاء وأن يكون 
ذا مرونة ذهنية وقابلية للتغييرء بأن يوطن نفسه على اتباع الصواب متى 
بان له» وقد مرّ قريباً قول الخليل "لا تجزع من تقريع السؤال؛ فإنه 
ينبهك إلى علم ما لم تعلم»"» وقيل أيضاً: «لا يزال الرجل عالما ما 
تعلم. فإذا ترك التعلم ورأى أنه قد استغنى واكتفى بما عنده فهو أجهل 
ا 

ثم يكون تعليمه تعليما متفاعلاء يتاح فيه للطلاب الحوار 
والمراجعة؛ فإن المعلم حينئذ أول منتفع بذلك الحوارء وكذلك كانت 
«طريقة أبي حنيفة في درسه» تشبه أن تكون دراسة له لا إلقاءً للدروس 
على التلاميذ» فالمسألة من المسائل تعرض لهء فيلقيها على تلاميذه 
ويتجادل معهم في حكمهاء وكل يدلي برأيه» وقد ينتصفون منه في 
المقاييس كما رُوي عن الإمام محمدء ويعارضونه في اجتهاده» وقد 
يتصايحون حتى يعلو ضجيجهم. كما نقلنا فيما مضى عن مسعر بن 
كدام"" وبعد أن يقلبوا النظر من كل نواحيه يدلي هو بالرأي الذي 
تنتجه هذه الدراسة ويكون صفوهاء فيقر الجميع به ويرضونه» والدراسة 
على هذا النحو هي تثقيف للمعلم والمتعلم معاء وفائدتها للمعلم لا 
تقل عن فائدتها للتلميذ» وإن استمرار أبي حنيفة على ذلك النحو من 


(؟) تذكرة السامع والمتكلم في أدب العالم والمتعلم ص١5.‏ 
(۳) ص۳۳۷. 


A‏ الملكة الفقهية ' حقيقتها وشروط اكتشنانها وثمراته وى 


سے 5 


الدرس جعله طالبا للعلم إلى أن مات؛ فكان علمه في نمو متواصل› 
وفکره في تقدم مستمر»'. 
المطلب الثامن: البحث والتأليف: 
وفيه ثلاثة فروع: 
الفرع الأول : التعريف بالبحث والتأليف. 
الفرع الثاني : أثر البحث والتأليف في اكتساب الملكة الفقهية. 
الفرع الثالث : مما تلزم مراعاته من أراد البحث والتأليف. 


الفرع الأول: التعريف بالبحث والتأليف : 

البحث في اللغة: الجتوال عن الشيء والاستخبار والتفتيش عنهء 
وهو أيضاً: طلب الشيء في الترابء قال الله تعالى #فبعت الله عرب 
يبحت فى رض 4 . 

وهو في استعمال الفقهاء والأصوليين لا يخرج عن هذا المعنى» 
فهو يطلق على الجهد الذي يُبذل للوصول إلى مطلوب علمي”". 


)١(‏ أبو حنيفة حياته وعصرهء آراؤه وفقهه ص۸۷. 

(۲) سورة المائدةء الآية .)١١(‏ 
وانظر مادة (ب ح ث) في : الصحاح (١/۲۷۳)ء‏ مقاييس اللغة (١/٤٠۲)ء‏ لسان 
العرب (۲/ .)١١٤‏ 

(۳) وقد يخصّون اسم البحث بنوع خاص منهء وهو إقامة الدليل على المخالف في مقام 
المناظرةء ويعرّف البحث على هذا المعنى بأنه «إثبات النسبة الإيجابية أو السلبية من 
المعلل بالدلائلء وطلب إثباتها من السائلء إظهارا للحق ونفيا للباطل». الكليات 
ص١٤۲٠‏ وانظر: التعريفات ص۲٤‏ معجم مقاليد العلوم في الحدود ا 
ص۷1ء جامع العلوم في اصطلاحات الفنون .)٠١١/١(‏ 


0 الفصل الثاني : شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها‎ e. 
AA p> 
7یو“‎ 3 


ف 


التعريفات المعاصرة الجارية على هذا :المعتى تعريق البحث بأنه: 
دراسة مبنية على تقص وتتبع لموضوع معين وفق منهج خاص لتحقيق 


١ : 
١ 2 هدذف‎ 


2 


وأما التأليف فهو في اللغة: ضم الشيء إلى الشيءء ووصله به"› 
فهو يدل على معنى (الجمع) وزيادة؛ إذ هو جمع بين أشياء على وجه 
من الالتئام والتوافق بينها”". 

وأما في الاصطلاح فلم تأخذ لفظة التأليف بُعداً اصطلاحياً ممتازاً 
عن المعنى اللغوي» فقد عرّف الجرجاني التأليف بأنه: «جعل الأشياء 

e 8‏ * و )€( 
الكثيرة بحيث يطلق عليها اسم الواحد» . 


= وفى هذا المجال جاءت مؤلفات فى (آداب البحث)» ويراد بها -أعنى آداب البحث- : 
أا عط ي ينها ان كه لاط وف راا اة ل الخ قي 
البحث» وإلزاما للخصمء وإفحامه». التعريفات ص١٠ء‏ التوقيف على مهمات 
التعاريف ص”47. جامع العلوم في اصطلاحات الفنون .)١5/١(‏ 
ومنهم من يجعل (البحث) اسم للمناظرة ذاتهاء انظر: جامع العلوم في اصطلاحات 
الفنون .)١157/١(‏ معجم المصطلحات والألفاظ الفقهية ص7"08. 
وقد يعلق الشراح أو غيرهم على كلام بقولهم (فيه بحث)» قال الكفوي: معناه أعم من 
أن يكون في هذا المقام تحقيق أو فسادء فيحمل على المناسب للمحل. انظر : الكليات 
ص۲۸۷. 

)١(‏ البحث العلمي للربيعة (١/۲۳)ء‏ وينظر: منهج البحث الأدبي ص٠۲‏ لمحات في 
المكتبة والبحث والمصادر ص44. أصول البحث العلمى ومناهجه ص۲۲ أصول 
اة الت وقواعد الي ف ٠ ٠‏ كاه لحف العلمى صباغة جديدة صن :18. 

(۲) انظر مادة (أ ل ف) في : مقابيس اللغة .)١١١/١(‏ المصباح المنير ص» لسان العرب 
.)٠١ /9(‏ 

(۳) انظر: الفروق اللغوية ص55١.‏ 

(4) التعريفات ص »00٠‏ التوقيف على مهمات التعاريف ص414. 





2 الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها‎ i 
2 ألا‎ ٠١ 


وقد وضع الدكتور كمال عرفات نبهان للتأليف تعريفا مستقراً من 
الاستعمال العربي القديم ومن الاصطلاح المعلوماتي والأدبي 
الحديث» فقال: «هو وضع أ عمل عقلي علمي أو أدبي أو فني في 
صورة قابلة للفهم أو التذوق والإحساس» وفي شكل مسجل يمكن 
استرجاعه.... وهو عمل تركيبي تتعاون في إتمامه عناصر لا تحصى› 
من: الثقافة والتحصيل والاتصال والتأمل والإحساس والخيال والتحليل 
والنقد والرأي والبرهنة والتعديل والتطوير والتركيب والانتقال من 
المسائل الجزئية إلى التنظير أو النظرة الشاملة. وكذلك الانتقال من 
النظرة الشاملة إلى المسائل الجزئية)”"". 

ومن خلال هذا التعريف بالبحث والتأليف يتبين أن بينهما عموماً 
وخصوصاً وجهياً. فيجتمع اسم البحث والتأليف في الدراسة المنهجية 
المتقصية للموضوع إذا كانت مكتوبة» وينفرد اسم البحث بما خلا عن 
الكتابة» كما ينفرد اسم التأليف بما خلا عن الاستقصاء أو المنهجية. 


الفرع الثاني : أثر البحث والتأليف في اكتساب الملكة الفقهية: 
البحث والتأليف من أفضل الوسائل إكسابا للملكة» ففيه يجتمع من 
أنواع الممارسة الفقهية ما لا يجتمع فيه غيره من وسائل تنمية الملكة: 
فالبحث في مبدئه ناشئ عن استشكال» والاستشكال -وهو الشعور 
بمواضع الخلل أو الغموض التي تحتاج إلى تحرير- أحد مظاهر ملكة 
الفهم والتصورء والبحث يستلزم أيضاً تصور موضوع البحث وتحريره» 


)١(‏ عبقرية التأليف العربي ص"5. 





E‏ الفصل الثاني : شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها ا 
Ee‏ + 4۹1 
ا کد 


والتصورٌ الصحيح والدقيق إحدى الملكات» ثم تتبّع الباحث أطراف 
المسألة يكسبه ملكة وخبرة في الرجوع إلى الكتب معرفةٌ بها وبترتيبها 
وبمواضع المسائل فيهاء وهي ملكة أخرىء. ووقوف الباحث على 
الآراء المختلفة يوسع نظره» وهذا يدفعه -كما سبق- إلى مزيد من 
الاجتهاد في التحري والابتعاد عن المجازفة» والاعتدال في الحكم بين 
الآراء المخالفة» كما يبصره بمسالك العلماء وطرقهم في الاجتهاد. 

وبعد اجتماع مادة البحث يكون على الباحث دراستها والاستنباط 
منهاء وفي هذا ممارسة لمهارات فقهية كثيرة» منها الاستقراء والتحليل 
والاستدلال بطرقه المتعددة والجمع بين الأدلة أو الترجيح بينهاء كما 
يمارس التخريج على الأصول أو الفروع» وقد ينضاف إلى ذلك تحقيق 
المناط عند تطبيق حكم كلي على واقعة معينة» وفي ذلك متدرّب على 
الاجتهاد «وأهم المطالب في الفقه التدرب في مآخذ الظنون في مجال 
الأحكام» وهذا هو الذي يسمى فقه النفس» وهو أنفس صفات علماء 
ال 

وهو -إلى ما سبق- يُكسب أخلاقاً وآداباً علمية لا غنى عنهاء مثل 
اعتياد الأناة والتثبت» والإنصاف والبعد عن التعصب. واتباع الدليل» 
والدقة والبعد عن المجازفة في القول. 

لهذا ولغيره كان البحث والتأليف سبيلاً قويماً نحو اكتساب ملكة 
الق :ولوذا تحت الحلناء عل + سلوكه روصقل الملكة العلمية يه : 


.48١ غياث الأمم ص‎ )١( 
.77-7١ص التعريف بآداب التأليف‎ »5١ انظر: تذكرة السامع والمتكلم ص‎ )۲( 


a‏ الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها زي 
ا ی 2 
i‏ ب كيت 


A 





فالخطيب البغدادي يقول: «إنه يقوي النفس» ويثبت الحفظ»› ويذكي 
القلب» ويشحذ الطبع. ويبسط اللسانء» ويُجيد البيان» ويكشف 
المشنية» ويوضخ المليين»!". 

ومما قيل أيضاً: استعمال القلم أجدر أن يحض الذهن على 
تصحيح الكتاب من استعمال اللسان في تصحيح الكلام”". 

ويقول ابن هبيرة كته : «يحصل العلم بثلاثة أشياء : 

أحدها : العمل به» فإن من كلف نفسه التكلم بالعربية دعاه ذلك إلى 
حفظ النحو» ومن سأل عن المشكلات ليعمل فيها بمقتضى الشرع تعلّم. 

والثاني: التعليم» فإنه إذا علّم الناس كان أدعى إلى تعليمه. 

الثالث: التصنيف» فإنه يُخرجه إلى البحث» ولا يتمكن من 
التصنيف من لم يدرك غور ذلك العلم الذي صنف فيه»”". 

ويقول السبكي له : 

«اعلم أن كمال رتبة الاجتهاد تتوقف على ثلاثة أشياء: 

أحدها: التأليف في العلوم التي يتهذب بها الذهنء كالعربية 
وأصول الفقه وما يُحتاج إليه من العلوم العقلية في صيانة الذهن عن 
الخطأء بحيث تصير هذه العلوم ملكة الشخص»“. 

ويقول النووي كن : «ينبغي أن يعتني بالتصنيف إذا تأهل لهء فبه 
)١(‏ الجامع للأخلاق الراوي وآداب السامع (۲/ .)٤١١‏ 
(0) التعريف بآداب التأليف ص"7. 


(9) ذيل طبقات الحنابلة .)٠١١/۲(‏ 
0( الإبهاج في شرح المنهاج (A7۱)‏ 


e‏ الفصل الثاني : شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها 


دن 
يظلع على حقائق العلم ودقائقه ويثبت معه؛ لأنه يضطره إلى كثرة 
التفتيش والمطالعة والتحقيق والمراجعة والاطلاع على مختِلف كلام 
الأئمة ومتفقه» وواضحه من مشكله» وصحيحه من ضعيفه... وبه يتصف 
ال و 

والنووي لث ذاته ممن ظهر في سيرته استعمال التأليف...» يقول 
TE ES‏ «لما تأهل للنظر والتحصيل رأى من المسارعة إلى 
الخيرات أن جعل ما يحصله ويقف عليه تصنيفاًء ينتفع به الناظر فيه 
فجعل تصنيفه تحصيلاًء ل ا 
التصانيف ما تيسرء فإنه كأ دخل دمشق للاشتغال وهو ابن ثمانية عشرة 
ا ومات ولم يستكمل ستاً وأربعين»” .0 


ويحكي حاجي خليفة : أن الجمع والتصنيف للاستفادة الخاصة مقصد 


5 E i 
e 
34 

و 


معتبر من مقاصد التأليف فيقول: «ومنهم من جمع وصنف للاستفادة لا 
للإفادة. فلا حجر عليه بل يُرغب إليه إذا تأهل » فإن العلماء قالوا: يمبعى 
للطالب أن يشتغل بالتخريج والتصنيف فيما ف 


الفرع الثالث: مما تلزم مراعاته من أراد البحث والتأليف : 

فى أثناء حث الفقهاء على التأليف بصفته منمياً للملكة نجد إشارة 
إلى أمور تنبغى مراعاتها لمن أراد التأليف. ويمكن إبرازها في العناوين 
الآتية؛ 
)١(‏ المجموع .)07١/١(‏ 


(۲) المهمات في شرح الروضة والرافعي .)49/١(‏ 
(۳) کشف الظنون (۳۸/۱). 


وک الملكة الفقهية : حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها ا 


e‏ أن يختار من أنواع التأليف ما هو أجدى في إكساب الملكة. 

© احتواء التأليف على فائدة جديدة. 

وسنتناول ذلك في هذه المسائل : 
المسألة الأولى: الأهلية للتأليف: 

يقول النووي كله : «ينبغي أن يعتني بالتصنيف إذا تأهل له... 
وليحذر كل الحذر أن يشرع في تصنيف لم يتأهل له؛ فإن ذلك يضره في 


VV, 
١ دينه وعلمه وعرضه»‎ 


والحذر من التصنيف قبل التأهل مردّه إلى أن فيه تعرضا للقول على 
الله تعالى وعلى دينه بغير علم» وينشأ عن ذلك إضلال الناس وإنشاء 
البدع. 

والأهلية المشترطة للتأليف تختلف باختلاف الغاية من التأليف» 
ومعرفة ذلك تُعلم مما يبحثه الأصوليون في مراتب المجتهدين» فعلى 
سبيل المثال: إذا كانت غاية البحث تحرير حكم مسألةٍ ما تخريجا على 
مذهب معين فالأهلية فيه هي علم الباحث بذلك المذهب: بأصوله 
وأقوال أصحابهء وإن لم يكن ذا بصر بأقوال العلماء الآخرين» وإذا 
كان مقصود البحث الوصول إلى القول الراجح في مسألة خلافية فلا بد 
للباحث من أن يكون عالما بمظان أطراف المسألة ليتمكن من جمع 
مادتهاء وأن يكون عالما بما يُحتاج إليه للنظر في الأدلة من علم اللغة 


.)١١ /۳( المجموع (١/١۷)ء وانظر: تذكرة السامع والمتكلم ص۳٦ المنثور‎ )١( 


5-7 الفصل الثاني : شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها e‏ 
وأصول الفقهء وإذا كان غرض البحث معرفة حكم نازلة من النوازل فلا 
بد للتأهل لبحثها مع ما سبق من العلم بواقع النازلة. 

ومع التأكيد على ما سبق تجدر الإشارة إلى تخفيفين يتعلقان 
باشتراط الأهلية للتأليف» ومراعاتهما لازمة من أجل اعتدال النظر في 
هذا الباب: 

أحندهمًا: أن اشتراط الأهلية إتما هو فيمنا يراد نشره من التأليف: 
فأما تأليف طالب العلم وبحثه لاستفادته الخاصة فلا يشترط فيه ذلك» 
وقد مر أن البحث والتأليف للاستفادة الخاصة من المقاصد الصحيحة 
ومن أفضل سبل تنمية الملكات العلمية» فلا بأس على طالب العلم بل 
ينبغي له أن يبحث» وأن يعرض بحثه على من هو أعلم منه؛ لينتفع 
بتوجيه وتصويبه» وإذا أحب بعد ذلك أن ينشر تأليفه فينبغي أن يكون 
ذلك بعد استشارة عالم؛ للتحقق من صلاحية بحثه للنشر: من جهة 
صحة محتواه» ومن جهة اشتماله على المادة العلمية المضافة التي 
يستحق بها النشر. 

والتخفيف الثاني: أن هذه الأهلية لا يلزم منها تحقق العلم 
بالموضوع المراد التأليف فيه بالفعل» بل يكفي فيها العلم بالقوة» بأن 
يكون الباحث قادراً على البحث عالما بمواضع الأدلة ليتمكن من 
الرجوع إليهاء ذا ملكة يستطيع بها النظر الصحيح. 

وإنما يُنبّه إلى هذا لدفع «تصور منتشر وشائع› وهو أن التأليف 
والتصنيف لا يكون إلا بعد الانتهاء من طلب العلم» وانقضاء مرحلة 
التحصيل» وهذا کور تو في اراز على حال العلمية 


يي الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها م 
۹1 عن 
أ و ت ا 


وال 207 ولا شك أن خير الأمور الوسطء فكما يذم التهور 
والجسارة في غير محلهاء فكذلك لا تحمد المبالغة في ازدراء النفس 


المسالة الثانية: أن يختار من أنواع التأليف ما هو أجدى في 
إكساب الملكة : 


للتصنيف مقاصد عدة» هي ابتكار معدوم. وتتميم ناقص» وشرح 
مغلق› واختصار مطول. وجمع متفرق» وترتيب مختلط.». وتصحيح 
ا وهذه المقاصد متفاوتة فى صقلها ملكة صاحبها» فعلى الباحث 
باختلف قدرة الطالب ومرحلة الطلب». فمن كان فى بدء طلبه فلا ضيق عليه 
في أن يبحث بحثاً على سبيل الجمع للمتفرق أو الاختصار والترتيب» لكن 
من تقدم في الطلب لا يحسن منه الاقتصار على تلك الدرجات الأولى في 
البحث؛ لأنه بذلك يُبقي نفسه بعيداً عن القدرة على التصرف في العلم. 
وعن القدرة على تنزيل الأحكام على الواقع ومعالجة مشكلات الحياة 
المتجددة المتغيرة التي هي المقصود من تعلم الفقه”". 

وفي هذا ينقل الخطيب البغدادي عن بعض شيوخه قوله «من أراد 


0 اا ا 

(۲) انظر: المجموع المذهب »)307/1١(‏ أزهار الرياض في أخبار عیاض (۳/٤۳)ء‏ كشف 
الظنون .)۳۸/١(‏ 

5 :انظ مقال:«(العلوع الشرخية "بين النماوسة والندارسة)) العقل الفقهي صر دكويق 
الذهنية العلمية ص٥٠".‏ 


ب الفصل الثاني: شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها ري 
لا ال 
كن ا 


الفائدة فليكسر قلم النسخ» وليأخذ قلم التخريج»”'» وهي كلمة قيمة» 
فيها تنبيه على تفاوت أنواع التأليف في إكسابها الملكة» وقد علق 
البقاعي على هذه الكلمة قائلاً: «لأن الناسخ لا يتأمل في الغالب ما 
يكتبه» وإن تأمّل لم يُمعِنَء بخلاف المخرّجء فإنه يحتاج أن يتأمل حق 
التأمل»”". 


المسألة الثالثة: احتواء التأليف على فائدة جديدة: 

يقول ابن العربي كله: «لا ينبغي لحصيف يتصدى إلى تصنيف أن 
يعدل عن غرضين: إما أن يخترع معنى» أو أن يبتدع وضعا ومبنى» وما 
سوى هذين فهو تسويد الورق والتحلي بحلية السرق»”". 

ويقول ابن عرفة المالكي نه معلقاً على قول النبي كل «أو علم 
ينتفع به“ : «إنما تدخل التواليف في ذلك إذا اشتملت على فائدة 


زائدةء وإلا فذلك تخسير للكاغد»”. 


ويقول النووي: «ينبغي أن يكون اعتناؤه من التصنيف بما لم يسبق 
إليه أكثرء والمراد بهذا: ألا يكون هناك مصنف يغني عن مصنفه في 
جميع أساليبه؛ فإن أغنى عن بعضها فليُصنف من جسه ما يزيد زيادات 
يُحتفل بهاء مع ضم ما فاته من الأساليب»”'. 
)١(‏ الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع (؟/578). 
(۲) النکت الوفية (۲/ .)۳۹٤‏ 
(۳) المنثور في القواعد (۱/ ۷۲)ء التعریف بآداب التأليف ص۲۸. 


)¢3 رواه مسلم في صحيحه » كتاب ألوصية» برقم (1551), عن أبي هريرة طا 
() آزهار الرياض في آخبار عیاض (۳/ ۳۳). 


.071/١( المجموع‎ )5( 





يي الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها 2 
E U‏ 


وهذا الاشتراط فى حق من يريد نشر تأليفهء أما من يبحث للتفقّه 
والاستفادة الشخصية فمن البيّن أنه لا يشترط فى بحثه ذلك. 


المطلب التاسع : المناظرة : 
وفيه ثلاثة فروع: 
الفرع الأول : التعريف بالمناظرة. 
الفرع الثاني : أثر المناظرة في اكتساب الملكة الفقهية. 
الفرع الثالث : من آداب المناظرة. 


الفرع الأول: التعريف بالمناظرة: 
المناظرة فى اللغة: اشتراك اثنين فى النظر فى أمر ماء قال فى العين : 
«المناظرة أن تناظر أخاك فى أمرء إذا نظرتما فيه معاً كيف تأتيانه» 2 
فاشتقاق المناظرة على هذا الاستعمال من النظر بالبصيرة. 
ويطلق التناظر في اللغة أيضاً على تقابل شيئين» يقال: نظر إليك 
الجبل» أي قابلك› وذورنا تتناظر › أي فال 
والمناظرة في الاصطلاح: النظر بالبصيرة من الجانبين في النسبة 
بين الشيئين إظهارًا للصواب”. 
»)١6/8( )١(‏ وانظر: أساس البلاغة (۲/ ۲۸۳). لسان العرب (777/5)» تاج العروس 
(7564/15). (ن ظ ر). 
(؟) انظر: التعريفات ص١7.‏ 
(۳) انظر: أساس البلاغة (۲۸۳/۲): الصحاح (۲/ .)۸١‏ لسان العرب (١/١٠؟ء‏ 


.))١114 
.7”١ ١ص التعريفات ص۲۳۱ الكليات ص۹٤۰۸ التوقيف على مهمات التعاريف‎ )٤( 


عم الفصل الثاني: شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها 





فهي في الاصطلاح أخص منها في اللغة؛ إذ هي في الاصطلاح 
تختص بالمناظرة بين اثنين مختلفين» وأما في اللغة فتطلق على اشتراك 
اثنين في النظر في الأمر سواء أكان على سبيل الاختلاف» ويسمى: 
المجادلة". والمراوضة"» والمماراة"» أو لم يكن اختلاف» وقد 
تبتمى عندكل: الساحة”*' + والمواضعة”7. 


والمقصود فى هذا المطلب: المناظرة بمعناها الاصطلاح ° 


الفرع الثاني : أثر المناظرة في اكتساب الملكة الفقهية : 
مقصود المناظرة وفائدتها الأولى: هو بيان الحق والوصول إلى 
الصواب» ولها مقاصد وفوائد أخرء في مقدمتها : «تذليل طرق الاجتهاد 
والقوة على استثمار الأحكام من الأدلة واستنباطها منهاء وشحذ الخاطر 
وتنبيه المستمعين على مدارك الأحكام ومآخذها»"» فالمناظر يقوم بتقرير 
)١(‏ انظر: لسان العرب )٠٠١/١١(‏ (جدل)ء والمجادلة: مقابلة الحجة بالحجة» 
والمناظرة والمخاصمة. انظر : النهاية في غريب الحديث ص١٤٠‏ لسان العرب /١١(‏ 


.٠*اص المصباح المنير (نظر)‎ ),٠٥ 
والمراوضة: المداراة. انظر: القاموس المحيط‎ ء)۲٠۹‎ /٠( انظر: لسان العرب (نظر)‎ )۲( 


(روض) ص٤٤1‏ . 
(۳) المماراة: المجادلة على سبيل الشك والريبة. انظر: النهاية في غريب الحديث 
ص۷٦۸.‏ 


(5) انظر: تاج العروس /١5(‏ 505) (نظر). 

() انظر: لسان العرب )٤١۱/۸(‏ (نظر)ء المحكم والمحیط الأعظم (۲۹۷/۲)ء 
والمواضعة: أن أطلعك على رأبي وتطلعني على رأيك. انظر: القاموس المحيط 
(وضع) ص "لالا. 

() الذي يختص بتناظر المختلفين» أما محاورة الموافق قتدخل في (المذاكرة والمباحثة)» 
وقد سبقت في المطلب الرابع من هذا المبحث. 1 

(۷) الإحکام للآمدي /٤(‏ ۲۳۲). 





نقمي الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها ع 
٠‏ 4 
القول والاستدلال له ودفع الشبه عنه» ويستمع إلى قول صاحبه فيلتزم قبول 
ما فيه من صواب» وإبطال ما فيه من خطأ بالدليل» وفي ضمن ذلك إعمال 
لقوى الذهن» وتمرّن على فنونٍ من الفقه» من سرعة التصور والاستحضار 
والانتقال من الدليل إلى المدلول وتحليل كلام الخصم وتمييز خطئه من 
صوابه وترتيب النتائج على المقدمات» كما أن فيها تعرضا للنقد وكشفا 
لمواضع الخطأ أو القصور لدى الإنسان» وفبه أيضاً لمن آذ ادت 
المناظرة- تدريب النفس على أخلاق العلم» من الإنصاف وسرعة قبول 
الحق واحتمال القول المخالف وحسن الظن بقائله إذا كان مبنيا على 
استدلال صحيح» مع ما فيها من فوائد الأخرى: كطلاقة اللسان والجرأة 
على القول. وغير ذلك مما سبقت الإشارة إليها عند الحديث عن (المذاكرة 
والمباحثة)' و(تنوع مصادر العلم)" ٠‏ وهي فوائد لا تختص بالمتناظرين 
بل ينتفع بها المستمعون أيضاً. 

ولهذا رأى ابن خلدون المناظرة في العلم أيسر طرق تحصيل الملكة 
فقال: «أيسر طرق هذه الملكة: فتق اللّسان بالمحاورة والمناظرة في 
المسائل العلميّة» فهو الذي يقرب شأنها ويحصّل مرامها». ثم عاب من 
اقتصر من طلبة العلم على الحفظ والمطالعة وأقل من المناظرة فقال: 
«تجد طالب العلم منهم بعد ذهاب الكثير من أعمارهم في ملازمة 
المجالس العلمية سكوتا لا ينطقون ولا يفاوضون» وعنايتهم بالحفظ 
أكثر من الحاجة؛ فلا يحصلون على طائل من ملكة التصرف في العلم 
والتعليم؛ ثم بعد تحصيل من يرى منهم أنه قد حصّل تجد ملكته قاصرة 
(۱) ص۳۳۲. 
(۲) ص۳1۸. 


8 الفصل الثاني: شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها 1 
a‏ 
في علمه إن فاوض أو ناظر أو علّمء وما أتاهم القصور إلا من قبل 
التعليم وانقطاع سنده» وإلا فحفظهم أبلغ من حفظ سواهم لشدة 
عنايتهم به» وظنهم أنه المقصود من الملكة العلمية» وليس كذلك» 
ومما يشهد بذلك في المغرب أن المدة المعينة لسكنى طلبة العلم 
بالمدارس عندهم ست عشرة سنة وهي بتونس خمس سنين» وهذه المدة 
بالمدارس على المتعارف هي أقل ما يتأتى فيها لطالب العلم حصول 
مبتغاه من الملكة العلمية أو اليأس من تحصيلهاء فطال أمدها في 
المغرب لهذه المدة لأجل عسرها من قلة الجودة في التعليم خاصة› لا 
ما تو لل 


ولحاجة طالب العلم إلى المناظرة استحب الخطيب البغدادي كن 
للفقيه «أن يخص يوم الجمعة بالمذاكرة لأصحابه في المسجد الجامع» 
وإلقاء المسائل عليهم» ويأمرهم بالكلام فيهاء والمناظرة عليها»”". 
وروى عن بعض الحكماء قوله «العلم ميت إحياؤه الطلب» فإذا حيّ 
بالطلب فهو ضعيف قوّته الدرس. فإذا قوي بالدرس فهو محتجب 
إظهاره بالمناظرة» فإذا ظهر بالمناظرة فهو عقيم نتاجه العمل»". 


ويقول الزرنوجى : «فائدة المطارحة والمناظرة أقوى من فائدة مجرد 
التكرار؛ لأن فيه تكراراً وزيادة» وقيل: مطارحة ساعة خير من تكرار 


COD 
. سهر‎ 


.5٠٠ص مقدمة ابن خلدون‎ )١( 
.)۲۷٤ /۲( الفقیه والمتفقه‎ )۲( 
.)۸/۲( الفقيه والمتفقه‎ )۳( 


(€) تعليم | لمتعلم ص۱۸. 


الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها وض 






ويرى الشيخ عبدالرحمن السعدي في المناظرة متدرّبا على التحلي 
بالإنصاف والرجوع إلى الصواب عند تبيّنه» والبعد عن التعصب فيقول: 
«ومما يعين على هذا المطلوب: أن يفتح المعلم للمتعلمين باب 
المناظرة في المسائل والاحتجاج» وأن يكون القصد واحداًء وهو اتباع 
ما رجحته الأدلةء فإنه إذا جعل هذا الأمر نصب عينيه وأعينهم تنورت 
الأفكار وغرفت المآخذ والبراعين + واتعت الحقائق". 


الفرع القالث: هن آداب المناظرة: 


المناظرة لا تكون مثمرة إلا إذا اتبعت آدابهاء وعلى رأس هذه 
الآداب: حسن القصدء بأن يكون مقصود كل واحد من المتناظرين 
الوصول إلى الحق وبيانه» ويوطن نفسه على قبوله إذا تبين» وضد 
ذللفة أنتفب بالمتاظة تضرة فول حفا كاك أو باط 

ويصف الآجري كَدنهُ مناظرة من يطلب الحق أنه «إذا أراد أن يستنبط 
علم ما أشكل عليه قصد إلى عالم ممن يعلم أنه يريد بعلمه الله» ممن 
يرتضى علمه وفهمه وعقله» فذاكره مذاكرة من يطلب الفائدة» وأعلمه 
أن مناظرتي إياك مناظرة من يطلب الحق» وليست مناظرة مغالب» ثم 
ألزم نفسه الإنصاف له في مناظرتهء وذلك آنه واجب عليه أن يحب 
صواب مناظره» ویکره خطأه» كما يحب ذلك لنفسه» ویکره له ما یکره 
لنفسه» ويعلمه أيضاً: إن كان مرادك في مناظرتي أن أخطئ الحق 
وتكون أنت المصيب» ويكون أنا مرادي أن تخطئ الحق وأكون أنا 


)١(‏ المعين على تحصيل آداب العلم وأخلاق المتعلمين ص١٥۰‏ بتصرف يسير. 


بع الفصل الثاني : شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها NY‏ 
3 شُِ ٠‏ 3 


و 





المصيب فإن هذا حرام علينا فعله؛ لأن هذا خُلّق لا يرضاه الله مناء 
وواجب علينا أن نتوب من هذا. فإن قال: فكيف نتناظر؟ قيل له: 
متاضخة؛"فإن قال: كيف المناضصخة؟ أقول له: لما كانت مشألة فيما 
بيننا أقول أنا: إنها حلال وتقول أنت: إنها حرام» فحكمنا جميعاً أن 
نتكلم فيها كلام من يطلب السلامة. مرادي أن ينكشف لي على لسانك 
الحق فأصير إلى قولك» أو ينكشف لك على لساني الحق فتصير إلى 
قولي مما يوافق الكتاب والسنة والإجماع» فإن كان هذا مرادنا رجوت 
أن تمد غو اني عد الحا فط ود في للفو اتو تون لان 
N‏ 

وه قاض الحستة أرقي :تصنت بالتاطرة غرها تعليسا: 
كانتحضار المعلونات ومراولة تطبيق القواعد قول اين هبيزة كله : 
«هذا الجدل الذي يقع بين المذاهب فإنه أوفق ما يُحمل الأمر فيه بأن 
مُخرج الإعادة والدرس؛ ليكون الفقيه معيداً محفوظه ودارساً ما 
ا 


ويقول ابن عقيل كث4 : على المتناظرين أن يجعلا «قصدهما أحد 
أمرين» ويجتهدا في اجتناب الثالث» فأعلى الثلاثة من المقاصد: نصرة 
الحق ببيان الحجة ودحض الباطل بإبطال الشبهةء لتكون كلمة الله هي 
العلياء والثاني: الإدمان للتقوي على الاجتهاد من مراتب الدين 


)١(‏ أخلاق العلماء ص 257-5١‏ وينظر: جامع بيان العلم (7/7 22١77‏ إحياء علوم الدين 
(1/ 60-6۲(« تلييس إبليس ص١١5١١»‏ مجموع الفتاوی /۲٤(‏ ) المعين على 
تحصيل آداب العلم وأخلاق المتعلمين ص١0.‏ 

(؟) نقله عنه في المسودة (408/5). 


02 الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها کہ 
المحمودة» فالأولى كالجهاد. والثانية كالمناضلة التي يقصد بها التقوّي 
على الجهاد. ونعوذ بالله من الثالئة» وهى المغالبة وبيان الفراهة على 
0 1 

وهذا الأدب -حسن القصد- هو أساس آداب المناظرة» ولعل سائر 
الآداب لا تخرج عن كونها خادمة له ومن لوازمه. 

فتحقيقاً لهذا الأدب؛ يجب أن يكون للمناظرة غرض صحيح 
مشروعء كإنكار الباطل» واستنقاذ الضالء والتقوّي على الاجتهاد. 
وذلك لأن المناظرة مظنة للخصومة التي تُغيّر قلوب الأخوان وتوقع 
الفرفة والوحشة بع الأتس + وهذه مفسدة لا تحتمل إلآ.إذا استلزمت 
مصلحة راجحة, فإذا خلت المناظرة عن المصلحة الراجحة كانت 
تيدتها أعلبة ».وكا الخاتضن: فنها مارا مدموا“ 

وتا لهذا الأدب أيضاً ينبغي أن تكون المناظرة «بالإنصاف 
والتأني والتأمل؛ ويحترز عن الشغب والغضب؛ فإن المناظرة والمذاكرة 
مشاورة» والمشاورة إنما تكون لاستخراج الصواب» وذلك إنما يحصل 
بالتأمل والتأني» ٠‏ وتحقيقاً لحسن القصد أيضاً استحب بعضهم أن 
تكون المناظرة في خلوة؛ لأن في حضور الجمع ما يحرك دواعي الرياء 
والحرص على الغلبة بالحق أو بالباطل”. 

ومن الآداب: سلوك الطريق الموصلة إلى غاية المناظرةء وذلك 


.)018/١( الواضح‎ )١( 
.)719/5( (؟) انظر: شرح الكوكب المنير‎ 
: ليم المتعلع. ضري‎ ©( 


.)15/1( انظر: إحياء علوم الدين‎ )٤( 


a a aT 


ان 


وج ه 


5 


يستلزم تحديد موضوع المناظرة والتزامه وعدم الخروج عنه» والأخد يما 
يصح من الأسئلة والأجوبة وترك ما لا يصحء والانتهاء عن المناظرة 
حيث يجب الانتهاء» وتأدب المناظر بالأدب الحسن قائلاً و 
وهذه القواعد والآداب هى ما نُظم في (علم آداب المناظرة)"» زات 
)١(‏ ويسمى: آداب البحث. وهو: علم باحث عن أحوال المتخاصمين ليكون ترتيب 
البحث بينهما على وجه الصواب حتى يظهر الحق بينهما. أبجد العلوم .)074/١(‏ 
وانظره (۱/ .)۲٠۵‏ مفتاح السعادة .)۲۸١ /١(‏ كشف الظنون .)۳۸/١(‏ ترتيب العلوم 
ص١5 .١‏ 
و ا وهو: علم باحث عن الطرق التي يُقتدر بها على إبرام أي 
وضع أريد ونقض أي وضع كان. . مفتاح السعادة (۲۸۱/۱)ء أبجد العلوم /١(‏ ١٠)ء‏ 
وانظر: كشف الظنون ,.)08٠/١(‏ قالوا: وله استمداد من علم المناظرةء المشهور 
بآداب البحث. انظر : المراجع السابقة. 
والفرق بينهما -كما يقول المرعشي-: أن «علم المناظرة علم يقتدر به على معرفة 
الصواب» فغرض المناظرة إظهار الصواب» وعلم الجدل كما عرفه الشارح المسعود: 
علم يُقتدر به على حفظ أي وضع كان»ء وهدم أي وضع كان. انتهى. أقول: يريد من 
(أي): التعميم للحق والباطل... فقواعد الجدل حيل ومغالطات لا ينبغي أن يقابل بها 
إلا الخصم المتعنت» ترتيب العلوم ص57١.‏ 
والتفريق بين علم (آداب البحث والمناظرة) و(الجدل) بما ذكره الي هر ا ع 
أيضاً من تعريفات طاش كبري زاده وحاجي خليفة وصديق حسن خان للعِلّمين كما سبق 
العزو عنهم. لكن من أهل العلم من يسوي بينهما ويجعلهما اسمين لعِلْم واحدء كما هو 
ظاهر تعريف ابن خلدون لعلم الجدل حيث قال: «وأما الجدال -وهو معرفة آداب 
المناظرة التي تجري بين أهل المذاهب الفقهية وغيرهم...» مقدمة ابن خلدون ص۲۲٤٠‏ 
وكذلك تعريف الجرجانى لآداب البحث حيث قال: «آداب البحث: صناعة نظرية 
يستفيد منها الانسان كيفية المناظرة وشرائطها صيانة له عن الخبط في البحث» وإلزاما 
للخصم وإفحامه. كذا في قطب الكيلاني» التعريفات ص١٠.‏ 
وسبق أن من فرّق بين العلمين ذكر أن علم الجدل له استمداد من علم المناظرة» وزيادة 
على هذا قال طاش كبري زاده وصديق حسن : «لا يبعد أن يقال: إن علم الجدل هو علم 
المناظرة لأن المآل واحد؛ إلا أن الجدل أخص منه. ويؤيده كلام ابن خلدون». ثم- 


هم الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها يمر 
س کے ا ا ا قي 
4 رک 
دي 2 


فيه تاليف مفردة”'“» وأخذ الفقهاء قواعده فاستعملوها فى الفقهء فبينوا 
كيف يُعترض الاستدلال بالأدلة الشرعية وكيف يُدفع الاعتراض"› 


-نقلا كلام ابن خلدون بتمامه» وعدم التفرقة بين اسم (الجدل) و(المناظرة) هو ما تؤيده 
أيضاً عناوين الكتب التي ألفها الفقهاء في قوانين المناظرة» فقد أسموها باسم (الجدل) 
كما سيأتي قريبا؛ فالذي يظهر أن التفرقة اصطلاح متأخرء والله أعلم. 

)١(‏ في آداب البحث والمناظرة مؤلفات كثيرة» انظر: مفتاح السعادة 2078٠0 /١(‏ أبجد 
العلوم .)۲٠١ /١(‏ ترتيب العلوم ص١4١.‏ ومن المؤلفات المطبوعة: 
© علم البحث والمناظرة» لطاش كبري زادهء المتوفى سنة ۹1۸ه» تحقيق أبي 
عبدالرحمن بن عقيل» مطبعة الجبلاوي» مصرء /ا179١ه.‏ 
8 الولديةء لمحمد المرعشي الساجقلي. المتوفى سنة ١6١١هء.‏ ومعها شرح 
لمحمد بن حسين (ملا عمر زاده). المطبعة الجمالية بمصر. 
© شرح الولدية» لعبدالوهاب الآمدي. طبع عام 1718ه. 
© الرشيدية في علم المناظرة. لعبدالرشيد الجونفوريء المطبع المصطفائي- الهند. عام 
١‏ ھ. 
كمال المحاضرة في آداب البحث والمناظرة» لعبدالوهاب الفتني» المطبعة الخيرية 
بجمالية مصرء 5١١7اه.‏ 
© علم آداب البحث والمناظرة» لمصطفى صبريء المطبعة الجمالية بمصرء ٠"7١ه.‏ 
© رسالة في آداب البحث» لأحمد مكيء وعليها تعليق لمؤلفهاء جمعية التأليف والنشر 
الأزهرية 1767ه ۰ 
© رسالة الآداب. لمحمد محيى الدين عبدالحميد» مطبعة دار السعادة. 8/ا7١ه.‏ 
© آداب البحث والمناظرة» ال ميد الأمين الشنقيطي. 
© ضوابط المعرفة وأصول الاستدلال والمناظرة» عبدالرحمن الميدانيء دار القلم. 

(۲) ومن الكتب المطبوعة فيه: 
# المنهاج في ترتيب الحجاج» لأبي الوليد الباجي. 
© المعونة في الجدل. لأبي إسحاق الشيرازي. 
الد لان ل2 ` 
8 عَلّم الجذل في عِلْم الجدلء للطوفي. 
© الإيضاح لقوانين الاصطلاح» ليوسف ابن الجوزي. 


م الفصل الثانى : شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها ا 
الا ا ست 11 


وأخذت طائفة من الأصوليين ما يصلح من تلك القواعد للاعتراض على 
العلة خاصة فأنشؤوا منها باباً في القياس هو (قوادح العلة)؛ فلا بد 
اظ نالدرا ذلك 


ا 
ا 


6 ت لاط فصا ووا كانت عل سديدا وظريقا 
مشروعاً لبيان الحق والتمكن من العلم والرسوخ فيه" وإذا خلت من 
هذه الآداب كانت منكرة مكروهة» وعليها يحمل ما جاء من في كراهية 
الجدال والمراء”"؛ قال ابن عبدالبر كأثه: «نهى السلف -رحمهم الله- 
عن الجدال في الله جل ثناؤه في صفاته وأسمائهء وأما الفقه فأجمعوا 


على الجدال فيه والتناظر؛ لأنه علم يُحتاج فيه إلى رد الفروع على 
الأصول. للحاجة إلى ذلك» وليس الاعتقادات كذلك»“ ‏ «وأما الفقه 
فلا يوصل إليه ولا ينال أبداً دون تناظر فيه وتفهّم له». 


)١(‏ يقول المرعشي : «هذا الفن (يعني علم المناظرة) يقارب ما ذكره الأصوليون في باب 
القياس» لكنه ليس بعينه» إذ هذا الفن ينطبق على الدليل المنطقى» وما ذكره الأصوليون 
منطبق على القياس الفقهي» مع أن بينهما تخالا في بعض الاصطلاحات» ترتيب العلوم 
ص۱٤٠‏ . 

(؟) ينظر في تقرير مشروعية المناظرة في العلم. وتوجيه ما جاء في ذم الجدل: أخلا 
العلماء ص9”. الفقيه والمتفقه .)٠١ /7 -507/١(‏ جامع بیان العلم وفضله (۲/ -۹٩‏ 
4 الإحكام شرح أصول الأحكام لابن حزم (۲۸-۱۹/۱)ء الموافقات /٤(‏ 
24)»). شرح الكوكب المنير (5/ 0529 

2 ينظر في ذم الجدال: الإبانة (؟/ *07235-547)., الفقيه والمتفقه /١(‏ 0605-007), جامع 
بيان العلم وفضله (۲/ 44-۹۲)ء الاعتصام (0۸/۲٤-۹٦٤)ء‏ فضل علم السلف على 
علم الخلف (ضمن: مجموع رسائل الحافظ ابن رجب الحنبلي) ۳/ .٠٠-٠۹‏ 

.)٩۲/۲( جامع بیان العلم وفضله‎ )٤( 

() جامع بیان العلم وفضله (۲/ .)٩۹۸‏ 





E‏ الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها إجر, 
1 چ 


المطلب العاشر : التحربة وممارسة الحياة: 
وفيه فرعان : 
الفرع الأول: أثر التجربة وممارسة الحياة في تنمية الملكة الفقهية. 


الفرع الثانى : بعض مسالك التجربة وممارسة الحياة المستعملة لدى 
افيا 


الفرع الأول: أثر التجربة وممارسة الحياة في تنمية الملكة 
الفقهية : 

مباشرة المرء للحياة وتقلبّه في أحوالها وتجاربها مما يكسبه الخبرة 
والحكمة» وقد قيل : «لا حكيم إلا ذو تجربة»" وهو مما يفيد الفقيه 
ملكة تنزيل الأحكام على الوقائع» فبتجربة المرء لشؤون الحياة 
وملابستها يدرك حاجات الناس وضروراتهم» ويفهم مقاصدهم في 
ألفاظهم وتصرفاتهم» ويتفطن لمكرهم» ويعرف البدائل والمخارج 
المباحة عن المحرمات» بل ويكون أقدر على مخاطبتهم وإقناعهم 
وإفهامهم. 

وإكباب المتفقه على الفقه النظري والبحث التجريدي وانقطاعه عن 
معايشة الحياة يحرمه القدرة على حسن تنزيل الأحكام على الوقائع. 
قيل لعمر ونه : فلان لا يعرف الشر! قال: «ذلك أجدر أن يقع 


)١(‏ علقه البخاري مجزوماً به عن معاوية ونه » في باب (لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين)ء 
في كتاب الأدب من صحيحه. 





, ع الفصل الثاني : شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها عي 
ی 

ف وقال الآمام 00 كانه : اللا ينبغى للرجل أن ينصب نفسه 
للفتيا حتى يكون فيه خمس خصال» وذكر منها: معرفة اا 


قال ابن القيم: «هذا أصل عظيم يحتاج إليه المفتي والحاكم» فإن 
لم يكن فقيهاً فيه فقيهاً في الأمر والنهي ثم يطبق أحدهما على الآخر 
وإلا كان ما يفسد أكثر مما يصلح. فإنه إذا لم يكن فقيهاً في الأمرء له 
معرفة بالناس تصور له الظالم بصورة المظلوم وعكسه. والمحق بصورة 
المبطل وعكسه» وراج عليه المكر والخداع والاحتيال» وتصور له 
الزنديق في صورة الصديق» والكاذب في صورة الصادق» ولبس كل 
مبطل ثوب زور تحتها الإثم والكذب والفجور» وهو لجهله بالناس 
وأحوالهم وعوائدهم وعرفياتهم لا يميز هذا من هذاء بل ينبغي له أن 
يكون فقيهاً في معرفة مكر الناس وخداعهم واحتيالهم وعوائدهم 
وعرفياتهم» فإن الفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان والعوائد والأحوال. 
وذلك كله من دين الله كما تقدم ا 


ومن أجل ذلك رأى ابن خلدون كن أن العلماء المقتصرين على 
البحوث النظرية «أبعد عن السياسة ومذاهيهاء والسّبب في ذلك أنهم 
معتادون النظر الفكري والغوص على المعاني وانتزاعها من 


حم 
52-0 
ars‏ 





- 
5 
0 2 
ان 
جو“ 


.)۷١ /١( البيان والتبيين‎ )١( 

(؟) إبطال الحيل ص4 ”2 العدة (6/ 1599). 
وتمام الخمس : أن تكون له نية» فإن لم يكن له نية لم يكن عليه نور ولا على كلامه نور 
الثانية: أن يكون له علم وحلم ووقار وسكينةء الثالثة : أن يكون قويا على ما هو فيه 
وعلى معرفتهء الرابعة : الكفاية وإلا مضغه الناس» الخامسة: معرفة الناس. 

() أعلام الموقعين .)٠٠١/١(‏ 


الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها 4 


ت 


e 
{0 
العموم.. ويطبّقون من بعد ذلك الكلّى على الخارجيّات» وأيضاً يقيسون‎ 
الأمور على أشباهها وأمثالها بما اعتادوه من القياس الفقهئن. فلا تزال‎ 
أحكامهم وأنظارهم كلها في الذهن ولا تصير إلى المطابقة إلا بعد‎ 
الفراغ من البحث والنّظر.. فهم متعوّدون في سائر أنظارهم الأمورٌ‎ 
الذهنيّة والأنظار الفكريّة لا يعرفون سواهاء والسّياسة يحتاج صاحبها‎ 
إلى مراعاة ما في الخارج وما يلحقها من الأحوال ويتبعها فإنّها خفيّة‎ 
ولعلَ أن يكون فيها ما يمنع من إلحاقها بشبه أو مثال وينافي الكلىّ‎ 
الذي يحاول تطبيقه عليها.. فتكون العلماء لأجل ما تعوّدوه من تعميم‎ 
الأحكام وقياس الأمور بعضها على بعض إذا نظروا في السّياسة افرغوا‎ 
ذلك في قالب أنظارهم ونوع استدلالاتهم فيقعون فى الغلط كثيرا»'.‎ 

ويعدّ الغزالي كته اكتساب التجارب من أنفع فوائد مخالطة الناس 
التى لا تحصل بالعزلة. فالتجارب «تستفاد من المخالطة للخلق 
ومجاري أحوالهم» والعقل الغريزي ليس كافيا في تفهم مصالح الدين 
والدنياء وإنما تفيدها التجربة والممارسة» ولا خير في عزلة من لم 
تحنكه التجارب» فالصبى إذا اعتزل بقى غمراً جاهلاً»”'' » فالالتجربة 
تطلع على دقائق يستغرب سماعها مع أنه يعظم نفعها»"» وقد قيل : 
«التقلب في الأمصارء والتوسط في المجامعء. والتصرف في 
الصناعات» واستماع فنون القول» مما يزيد الإنسان بصيرة وحكمة 
وتجربة ويقظة ومعرفة وعلما». 


. ۳۹٥ص مقدمة ابن خلدون ص۹۷٤۰ وانظر: بدائع السلك‎ )١( 
("۱1۷/4 إحياء علوم الدين‎ )۲( 
.)۱۸۸/١( إحياء علوم الدين‎ (۳) 
.)7”0 الإمتاع والمؤانسة (؟/‎ )5( 


eR‏ الفصل الثاني : شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها 
r‏ 
وقد عقد الجاحظ في البيان والتبيين باباً (من البَلّه الذي يعتري من 
الوحدة وقلة التعرض للتجارب)؛ E‏ 


ومن مواضع إشارة الأصوليين إلى أثر التجربة وممارسة الحياة في 
تكوين الملكة: تعريفهم للعقل» وبحثهم في قبوله للتفاوت زيادة 
ونقصاء وقد وقع الخلاف في ذلك" فاختلفوا في تعريف العقلء 
وفي تفاوت العقول. وذهب فريق منهم إلى الجمع بين تلك الأقوال بأن 
اسم (العقل) يطلق بالاشتراك على جميع تلك المعاني» فمنها ما لا 
يقبل التفاوت -كإطلاق العقل على بعض العلوم الضرورية- ومنها ما 
يتفاوت الناس فيه قطعاء كالعقل المكتسب من ال «فإن من 
حنكته التجارب وهذبته المذاهب يقال إنه عاقل في العادة» ومن لا 
يتصف بهذه الصفة يقال: إنه غبي غمر جاهل»“ وفي هذا إشارة إلى 
ازدياد العقل بزيادة تجاربه وممارساته. 


م 
ل 
ت 


وبالتجربة وممارسة الحياة يزداد العقل انفتاحاء و«الانفتاح عامل 
لقضية ما يتوقف فى كثير من الأحيان على المقارنة والموازنة بينها وبين 


.(YV/) (0) 

(؟) انظر: القواطع في أصول الفقه .)٠٠١-٠٠٠١/١(‏ البحر المحيط (١/٤۸۸-۸)ء‏ 
المسودة (۲/ 4۸۳-۹۷۷)ء التحبیر شرح التحرير (۱/ .)۲٣۹-۲۰٣۷‏ 

(۳) ذهب إلى هذا : الغزالي -انظر: إحياء علوم الدين -)7370-17/١(‏ والماوردي -انظر: 
أدب الدنيا والدين ص5١-‏ وعبدالحليم بن تيمية -انظر : المسودة (۲/ -)۹۸١‏ وابنه أبو 
العباس -انظر: مجموع الفتاوى (4/ ۲۸۷)- والطوفي» انظر: شرح مختصر الروضة 
(؟/١5١).‏ 

)2 إحياء علوم الدين .)5157/١(‏ 


اي الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها 24م 

متسب يي ا بن 

0 ل 
a‏ 4 


غيرها ليُتخذ بشأنها القرار المناسب» وإن كثيراً من الناس يُكونون 
لأنفسهم عالماً خاصاً يظنون أنه العالّم كله» وينضجون في عالمهم ذاك 
الكثير من المعايير الخاصة المتولدة من بيئة نفسية وفكرية ذات نمط 
واحدء وهذا الصنف من الناس يقع ضحية للتحيز والتعميم والتسرع في 
الأحكام وعدم القدرة على رؤية متوازنة» وتكون قدرتهم على التكيف 
في العادة محدودة؛ مما يجعل حياتهم عبارة عن صراع مستمر مع ما 


لدى الفقهاء : 
وفيه خمس مسائل : 
المسألة الأولى: مخالطة الناس ومعاملتهم ومعايشة أحوال الحياة. 
المسألة الثانية : مزاولة الفتوى والقضاء. 
المسألة الثالثة : مشاهدة التطبيقات الفقهية الصحيحة لتنزيل الأحكام 
على الوقائع. 
المسألة الرابعة: المعرفة بالتاريخ. 


المسألة الخامسة: الاطلاع على العلوم الاجتماعية والنفسية. 


.۲۷٥ص فصول في التفكير الموضوعي‎ )١( 


| ديعل الفصل الثاني: شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها 0 


1 كاي 
المسألة الأولى: مخالطة الناس ومعاملتهم ومعايشة أحوال 
الحياة : 

لا يتم للفقيه العلم بواقع الحياة وطبيعتها إلا بقذر من المخالطة 
والجعايشة» تمكته مق إذزَاك حاجات الناس وفهم مقاصدهم ومعرفة 
واقعهم ومعرفة طرق التأثير والتغيير في حياتهم العامة والخاصة» بل 
تمكنه قبل ذلك من تطبيق عِلْمه في الحياة» وبهذا التطبيق تكون الخبرة 
الحقيقية» فبه يدرك مشكلات التطبيق ويمارس حلها ويختبر معلوماته 
ويختار آراءه على ميدان الواقع 

يقول ابن عابدين: رجع أبو حنيفة عن القول بأن الصدقة أفضل من 

حج التطوع لما حح وعرف ق 

وهذا ما تفيده النظرية البنائية في علم النفس التربوي» إذ تقرر أن 
المتعلمين يجب ألا يعطوا مشكلات مبسطة وسهلةء أو تمارين مهارية 
أساسية. بل بدلا من ذلك يجب أن يتعاملوا مع حالات مركبة 
ومشكلات غير واضحة وغير منظّمة» فالعالم خارج المدرسة نادراً ما 
يكون فيه مشكلات مبسطة أو أمور تسير خطوة خطوة بشكل مبسط 
ومنتظم» فعلى المدارس أن تتأكد من أن كل طالب يتعرض لخبرة حل 
المشكلات المركبة» ويجب أن تكون هذه المشكلات مُضَمّنة في 
مواقف وأنشطة واقعية وحقيقية مشابهة للمواقف التي سيواجهها 
المتعلمون عندما يريدون تطبيق ما تعلموه من مشكلات العالم 
ال 


(۲) انظر: النظرية البنائية الاجتماعية وتطبيقاتها التدريسية في المنهج ص7". 


3 الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها‎ Oj 


r a 
ا‎ 
S7 أ یمو‎ 


وتأسيسا على ذلك يرتّت:بعضن الباخثين التربويين البيئة التعليمية - 





بحسب واقعيتها- ست مراتب : 
© خبرات المعايشة: وهي التي يعيش الطالب فيها الواقع الحقيقي» 
کن كلل لے وا فى السوق. 
الانغماس: و للواقع إلى مكان التعليم» كأن يُفتح 
سوق داخل المدرسة» ويمارس الطلاب فيه البيع والشراء. 
© المعطيات الحقيقية: كأن يحضر بائع من السوق فقي | لآلة 
الحايية وبعض أدوات البيع ليقوم الطلبة بدراسة ومعايشة هذه 
الخبرة. 
© الخبرات التمثيلية: وهي الخبرات التي تمثل الخبرات الحقيقية» 
كأن نحضر نموذجاً بلاستيكياً للطائرة» أو لفاكهة ما. 
© الخبرات الثانوية: وهي تصوير الأشياء بالصور والأفلام. 
© الخبرات الرمزية: وهي استخدام اللغة في إيصال الخبرة”'". 
ومع ما سبق فإن التعليم بالممارسة والمعايشة يُسهل التعلّم للطلاب 
جميعا؛ فيلاحظ المهتمّون أن لا وجود للفروق بين الطلاب في 
الخبرات الحقيقية (وهي خبرات المعايشة) أما الخبرات الرمزية (وهي 
خبرات الكتب واللغة) فالفروق التحصيلية بين الطلاب كبيرة؛ ذلك لأن 
هذه الخبرات تمثيلية لا ترتبط بكثير من من الحواس"" 
ولمخالطة الناس ومعاملتهم صور في سيرة الفقهاء. منها: 


.41١-44ص‎ 2 ا الحادي‎ e a (00 





بعل الفصل الثاني : شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها en,‏ 





© مباشرة حياة الناس اليوميةء بملابسة ما يزاوله الناس من 
المعامللات والتصرفات. 

ومعايشة أحوالهم وسؤالهم عنهاء وقد جاء في سيرة محمد بن 
الحسن كن أنه كان يذهب إلى الصبّاغين فيسألهم عن معاملاتهم وكيف 
يديرونها بينهم". ومن الدراسات المعاصرة في هذا الباب”": مِهّن 
الفقهاء فى صدر الإسلام وأثرها على الفقه والفقهاء. للدكتور/ 
محمد بن عبدالله التميم. 

© الدخول في مواقع التأثير في حياة الناس. 

فبدخول الفقيه في تلك المواقع يزداد علمه ويعمق ويُختبر ويقوَّم 
فانخراط الفقيه في مجاري الحياة كالقضاءء والسياسةء والاقتصادء 
والإعلام» والإفتاءء والتربية» وعلاج المنكرات العامة» وخوض 
معارك الجهاد. والنهوض بأعباء الدعوة إلى الله» كل ذلك يجعل الفقيه 
يمارس ويباشر ويعاين العلاقة بين الفقه والواقع» ويحتك بالمجتمع 
والناس؛ فيذوق الفقه ذوقاء ويراه عيانا”". 

ومن الدراسات المعاصرة في هذا : 

- أثر الفقهاء في الحياة العامة في العصر العباسي» للدكتور خالد 
الحمداني. 


)١(‏ انظر: نشر العرف في بناء بعض الأحكام على العرف (ضمن مجموعة رسائل ابن 
عابدين ۲/ 1۳°( 

(۲) انظر: فقه تاریخ الفقه ص460. 

(۳) انظر: مقال (العلوم الشرعية بين المدارسة والممارسة). 

)٤(‏ انظر: فقه تاريخ الفقه ص40. 


1 الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها )م 
0 0 $ 
SS 4 3‏ 


- الأثر السياسي والدور الإصلاحي للعلماء في عصر سلاطين 
المماليك» لسماح باحويرث. 

- الفقهاء والسلطة وصناعة الحياة» للدكتور رعد البرهاوي. 

© السفر. 

فلمن يجمد مكانه بلا حراك فى قطره يظل محدود الأفقء قاصر 
النظرء وفي سياحة المتفقّه توسيع للأفق قلما يحصل مثله بسبب آخرء 
فإن له بكل مرة يُنصت فيها إلى أفاضل الناس يشرحون له واقع وتاريخ 
بلادهم نظراً جديداً وزيادة علم لا يجده مسطوراً على ورق» ويجد من 
اختلاف الظروف وأسبابها ومكوناتها ما يحمله على اعتقاد النسبية في 
معالجة الأمورء ويريه وجوها من المصالح لم يكن يحفل بها من قبل» 
فتنضبط حماسته» وتقرب تطرفاتهء وتميل إل التخصيص تعميماته» 
ليغدو على سمت من المنطقية ترتقى بعقلانيته الأولى درجة أرفع» 
ويعود يرى من الأشباه ما يؤكد قناعاته» ومن الفروق ما ينوّع تحليلاته ؛ 
فإن حياة الناس كل الناس مختبرات حية متحركة» يجرب فيها الفقيه 
الکو نات 


المسألة الثانية: مزاولة الفتوى والقضاء: 


لمزاولة الفتوى والقضاء أبلغ الأثر في الرسوخ في الفقهء وذلك أن 
تنزيل الحكم الشرعي يتألف من عنصرين : معرفة بالحكم الشرعي» 


.)٠١٤/١( أصول الإفتاء والاجتهاد التطبيقى فى نظريات فقه الدعوة الإسلامية‎ )١( 





ا الفصل الثانی : شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها RS‏ 
لا ااا ا د ل۷ 


ومعرفة بالواقع الذي يُنرّل عليه" وموقف المفتي والقاضي أبلغ 
المواقف في التعرف على كلا العنصرين» وذلك لما يشترط شرعا فيمن 
يتولى هذين المنصبين من تمام العلم وبذل غاية الجهد في العلم بهما؛ 
ولهذا كان لرأي الفقيه الممارس للفتوى والقضاء مزية على رآي الفقيه 
غير الممارس» فالحنفية يقدمون في مذهبهم قول أبي يوسف على قول 
أبي حنيفة في المسائل المتصلة بالقضاء؛ لأن أبا يوسف كان قاضياء 
فخبرته بالقضاء وأحكامه خبرة عملية واقعية7". 

بل إن ما تكسبه الخبرة القضائية والفتوية لا ينحصر في المجال 
التطبيقي» بل يمتد إلى زيادة العلم بالنصوص ذاتها وسعة دلا لاتها. . فهذا 
ابن تيمية كن يقول: «النصوص دالة على عامة الفروع الواقعة» كما يعرفه 
من يتحرى ذلك ويقصد الإفتاء بموجَب الكتاب والسنة ودلالتها»» ثم يعزز 
هذا الرأي بقوله «وهذا يعرفه من يتأمل» كمن يفتى في اليوم بماتة فتيا أو 
مائتين أو ثلاثمائة وأكثر أو أقل» وأنا قد جربت ذلك76". 

بل قد يكون للممارسة أثر في النظر إلى الروايات والحكم عليها 
بالقوة أو الضعف. وهذا ما يشير إليه ابن القيم في سياق تقويته لرواية 
عمر بن شعيب عن أبيه عن جده إذ يقول: «لا يُعرف من أئمة الفتوى 
إلا من احتاج إليها واحتج بهاء وإنما طعن فيها من لم يتحمل أعباء 
الفقه والفتوى» كأبي حاتم البستي وابن حزم وغيرهما»“. 


.)٠١١ /۲( انظر: أعلام الموقعين‎ )١( 

(؟) انظر: شرح عقود رسم المفتي ص۲۹ نشر العرف (ضمن مجموعة رسائل ابن عابدين 
۲/ ۰). المذهب الحنفی مراحله وطبقاته .)۲١۲/۱(‏ 

٠ .)1۳/١( الاستقامة‎ )۳( 

.)١184 أعلام الموقعين (؟/‎ )٤( 


N‏ الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها چ 
ويمكن أن نشير هنا إلى نوعين من أنواع ممارسة القضاء والإفتاء: 
المتحقق بشروطه العلمية والمهارية. 
والآخر: القضاء والإفتاء تحت إشراف المعلم. : 


فهذا نوع من التدريب والتمرين» وهومن التعليم النبوي المأثور» فقد 
كان النبي يفوض بعض أصحابه بالقضاء أو الفتوى بحضرته, كما أذن لأبي 
بكر في تعبير الرؤيا”'' » وكان يرسل الدعاة والقضاة والمعلمين والأمراء. 
وكانوا -بمقتضى الحال- يباشرون القضاء والفتيا""". 


ومن هذا مارواه أحمد والدارقطني عن عمرو بن العاص قال: جاء 
رسول الله يل خصمان يختصمانء فقال لعمرو: اقض بينهما يا 
فقال: أنت أولى بذلك مني يا رسول الله. قال: «وإن كان». قال: فإذا 
قضيت بينهما فما لي؟ قال: (إن أنت قضيت بينهما فأصبت القضاء فلك 
(r‏ 


عشّر حسنات: وإن: أنت اجتهدت:وأخطات فلك حسنة)” 


(OD, 0 ۶‏ 
وأخرجا أيضا عن عقبة بن عامر وينه مثله . 


)١(‏ رواه البخاري في صحيحهء كتاب التعبير» باب لمن لم ير الرؤيا لأول عابر إذا لم 
يصب »2 0 0# 1 ومسلم في صحيحه »2 كتاب الرؤياء برقم 2759 عن ابن 

(؟) انظر: ا ا الفكر السامي ص١١٠.‏ 

(۳) رواه أحمد في مسنده» برقم (١۱۷۸۲)ء‏ والدارقطني في سننه» كتاب الأقضية 
والأحكام وغير ذلك )°/ ۳71(« برقم «(tt0V)‏ وسنده ضعيف. انظر: مسئد الإمام 
أحمد بن حنبل (008/59. 

(5) رواه أحمد في مسندهء برقم .)١94870(‏ والدارقطني في سننهء كتاب الأقضية- 


0 الفصل الثانى: شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها e,‏ 
اس بيخ 1418 
e‏ یو 


وروی ابن ماجه والدارقطني أن داراً كانت بين أخوين» فحظرا في 
وسطها جظارا ثم هلكا وترك کل واحد منهما عقباء فادعی کل واحد 
منهما أن الحظار له من دون صاحبه» فاختصم عَقباهما إلى النبي يي 
فأرسل حذيفة بن اليمان فقضى بينهماء فقضى بالجظار لمن وجد معاقد 
القمط تليه”"» ثم رجع فأخبر النبي بي فقال النبي يلِ: «أصبت»”". 


وعن ضمرة بن سعيد المازني عن الحجاج بن عمرو بن غزية» أنه 
كان جالسا عند زيد بخ ثابت فجاءة ابن قهد زجل من أهل اليمن ::'فقال 
O E‏ لل المين SE NS‏ 
منهن» وليس كلهن يعجبني أن تحمل مني؛ أفأعزل؟ فقال زيد بن 
ثابت: أفته يا حجاج. قال فقلت: يغفر الله لك! إنما نجلس عندك 
لنتعلم منك. قال: أفته. قال فقلت: هو حرثك إن شئت سقيته. وإن 


شئت أعطشته. قال: وكنت أسمع ذلك من توح فقا وود يو 


-والأحكام وغير ذلك :»)75١/0(‏ برقم (4404)» وسنده ضعيف أيضا. انظر: مسند 
الإمام أحمد بن حنبل (۲۹/ .)٠۹‏ التعليق المغني على الدارقطني (بحاشية السئن 0/ 
۳1( 

.7١5ص الجظار: الحائط. انظر: النهاية فى غريب الحديث‎ )١( 

(۲) القُمُط: جمع يماط وهو الشريط الذي يُشْد به سور القصب» ويكون من ليف أو 
خوص أو نحوهما. انظر: النهاية فى غريب الحديث ص ١‏ /ال. 

05 روا این ماه في سنت كناب الأحكام + باب الزتجلين 'يدعيان: في خض برقم 
.)۲۳٤۳(‏ ورواه الدارقطني في سننهء كتاب الأقضية والأحكام وغير ذلك باب في 
قتل المرأة إذا ارتدت» برقم (1055) (504/6)» عن نمران بن جارية عن أبيه. وهو 
حديث ضعيف» انظر: ستن الدارقطني» الموضع السابق» سنن ابن ماجهء الموضع 
السابق. 

(5) رواه مالك في الموطأء كتاب الطلاق» ما جاء في العزل» برقم .)١١٤٤(‏ 


4 2 الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها ر 
وفي جامع بيان العلم وفضله: «باب فتوى الصغير بين يدي الكبير 
بادنه ۲ وکر فيه آثارا. 
وسيأتى طرف من تنويه الفقهاء بمكانة القضاء والإفتاء فى اكتساب 
الملكة عند الحديث عن ملكة تنزيل الأحكام على الوقائع إن شاء اش . 


المسألة الثالئة: مشاهدة التطبيقات الفقهية الصحيحة لتنزيل 
الأحكام على الوقائع : 

فمما يكمل تأهيل الفقيه: تحصيل الخبرة والتجربة في تنزيل 
الأحكام على الوقائع» ويكون ذلك بالتتلمذ على الفتوى واكتساب 
الخبرة فيها ممن سبقوه في هذا المجال» ممن حنكتهم السن وصقلت 
مرآة عقولهم التجربة» والاطلاع على فتاواهم» والتأمل في مآخذهاء 
وصفة تنزيل الحكم على الوقائم ٠‏ وأشير هنا إلى أسلوبين في ذلك : 

الأول : حضور مجالس الفتوى والقضاء. 

فيحضرها المتفقه حضور متعلم ليرى خطوات سير المفتي أو القاضي 
في تنزيل الحكم» فالتعرف على الأحكام الموضوعية لكل فن لا يغني عن 
اكتساب الخبرة والتجربة بتلقيه من أربابه الذين حنكتهم السنين“ . 

يقول أبو الأصبغ عيسى بن سهل في مقدمة كتابه (الإعلام بنوازل 
الأحكام): «لولا حضوري مجلس الشورى مع الحكام ما دريت ما 
.)1۲۰١/( )١(‏ 
(۳) في المبحث الثالث من الفصل الثالث. 


(۳) انظر: الفتوى في الشريعة الإسلامية .)٠١١/١(‏ 
(5) انظر: الفتوى في الشريعة الإسلامية /١(‏ ۱۸۷). 


. + الفصل الثانى: شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها ل 
ل ا اا ا ا ١‏ ۲ 2 
أ امار المج الط ال 7 

وقال بعض الحنفية: لو أن رجلا حفظ جميع كتب أصحابنا لا بد 
ا Of‏ )۲( 
أن يتتلمذ للفتوى حتى يهتدي إليها . 

الثاني : القراءة فى كتب الفتاوى والأحكام. 

بأن يُكثر الفقيه من مطالعة كتب النوازل والأحكام؛ ليعرف منها 
كيفية تطبيق الأحكام الكلية على القضايا الجزئية؛ لأن المفتي والقاضي 
أخص من الفقيه» فالفقيه كالعالم بكبرى القياس» والمفتي والقاضي كل 
منهما عالم بها وعارف بصغراهء وهذا أشق؛ فعلى الفقيه الاطلاع على 
فتاوى من كان قبله» ودراستها وتبين صفة بنائها وأسبابها وما انتهت 
إليه””'؛ فقد كان الفقهاء يعدّون من أدب القاضي المتأكد: أن يطلع 
على أحكام من كان قبله ليستضيء بها”*'» وقد قيل: ١لا‏ يكون فقيهًا 
فی الحادث من لم يكن عالمًا الا وقال عمر بن 
عبدالعزيز ّنه : لا يصلح القاضي إلا أن تكون فيه خصالء فذكر منها: 
أن يكون عالما بما كان قبله من القضاء. 


.)۲/( )( 

(۲) نشر العرف في بناء الأحكام على العرف (ضمن مجموعة رسائل ابن عابدین ۲/ .)١١۹‏ 

(۳) انظر: الفكر السامى ص٤۷۲٠‏ الفتوى فى الشريعة الإسلامية .)۱۸۸/١(‏ صناعة 
الفتوى YT‏ ص۲۲. 

.)۱۸۸/١( انظر: الفتوى فى الشريعة الإسلامية‎ )٤( 

)2 جامع بیان العلم .)٤۷/۲(‏ 

() رواه عبدالرزاق في مصنفه برقم .)۱٥۲۸١(‏ ورواه وكيع في أخبار القضاة /١(‏ لالا), 


والبيهقي في السنن الكبرى .)١٠١ /٠١(‏ 


ا الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها تبي 
ج ي ايه 


Ey ی‎ 


المسألة الرابعة: المعرفة بالتاريخ : 


ما أحوج الفقيه إلى المعرفة بالتاريخ القديم والحديث» وما أكثر 
انتفاعه بمعرفته» فإن كان المرء يزداد خبرة وتجربة بمعايشته لشؤون 
الحياة في عصره ومصره الخاص فإنه بمطالعته لكتب التاريخ يرى 
تجارب قرون وأجيال» فيضم أعماراً إلى عمره» فيظلع على سِيّر الأفراد 
والدول والأمم» فيرى نهوض الدول وسقوطهاء ويرى تجارب 
المصلحين والدعاة والمجاهدين» ويرى أسباب النجاح والفشل في 
كل » كما يجد من الفوائد الفقهية والواقعات ما لا يوجد في كتب الفقه 
والنوازل» ومن كل ما سبق يزداد الفقيه معرفة بطبيعة الحياة وطبيعة 
البشرء ومعرفةً بسئن الله الكونية التي لا تبديل لهاء ويزداد إدراكه 
لارتباط النتائج بالمقدمات» وهذا يُهذب ملكات عقلية وفقهية متعددةء 
ويزيد قدرته على فهم الواقع واستشراف المستقبل والربط بين الأحداث 
AT‏ 

وقد يجد في التاريخ من التجارب والوقائع ما يبين صحة رأي 
وفساد رأي آخرء ومن أمثلة المسائل الفقهية التي استدل فيها بعض 
الفقهاء استدلالاً ا 


- المنع من الخروج على أثمة الجور: 


قال ابن حجر كله في ترجمة الحسن بن صالح بن حي : «کان یری 
الخروج بالسيف على أئمة الجورء وهذا مذهب للسلف قديمء لكن 


.)۷۳-۷۲ /٤ مراتب العلوم (ضمن: رسائل ابن حزم الأندلسي‎ )١( 


e,‏ الفصل الثانى : شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها نامي 
2 - 7 4 


5 8 
2 ہچ“ 





م 
ی 


استقر الأمر على ترك ذلك؛ لمّا رأوه أفضى إلى أشد منه» ففى وقعة 
الحرة ووقعة ابن الأشعث وغيرهما عظة لمن تدبر»”'. 


وقال ابن تيمية كن : «قل من خرج على إمام ذي سلطان إلا كان ما 
تولد على فعله من الشر أعظم مما تولد من الخيرء كالذين خرجوا على 
يزيد بالمدينة» وكابن الأشعث الذي خرج على عبد الملك بالعراق» 
وكابن المهلب الذي خرج على ابنه بخراسان» وكأبي مسلم صاحب 
الدعوة الذي خرج عليهم بخراسان أيضاً. وكالذين خرجوا على 
المتصون بالمدينة والبضرة» وأمعال هؤلاء:.:6*" إلى آخر كلام وله 
وهو كلام قيم ينبغي الوقوف عليه وأترك نقل بقيته اختصاراًء وفيه 
شاهد لانتفاع الفقيه بدروس التاريخ في تأكيد الحقائق الفقهية. 


فقد بحث بعض الفقهاء: لو كسفت الشمس صباح يوم العيد فماذا 
يقدم؟ صلاة الكسوف أم العيد. وأنكر فريق منهم إمكان وقوع ذلك 
أصلا”"» والمقصود من هذا: أن من جوز وقوع ذلك استدل له 
[قعد لآلا ارخا هوو رغه فق أن القن عست ليلة السنادسن عشر 
من جمادى الآخرة سنة أربع وخمسين وستمائة» وكسفت الشمس من 
غده“» وكان ذلك في الشهر الذي ظهرت فيه النار الشهيرة بالحجاز. 


(۱) تهذیب التهذیب (۳۹۹/۱). 

(؟) منهاج السنة النبوية (011-851//5). 

() انظر: الإنصاف (مع المقنع والشرح الكبير ©/501). 
() انظر: الإنصاف (مع المقنع والشرح الكبير .)٤١۷/١‏ 


ES‏ الملكة الفقهية : حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها و 
E i‏ يك 


هذا فضا عن حاجة الفقيه إلى المعرفة بالتاريخ لفهم الواقع الذي 
تبت فيه المدونات الفقهيةء ففهم ذلك الواقع مهم لصحة تصور وتفسير 
بعض المسائل والاجتهادات التي صدرت فيه» بل هو مهم قبل ذلك 
لمعرفة أحوال الناس وأعرافهم زمن التشريع» وذلك بمعرفة أحوال 
العرب وقت البعثة ومعرفة أسباب النزول؛ ومن هنا عُني المعاصرون 
بإفراد تاريخ الفقه بالتأليف"". 


المسألة الخامسة: الاطلاع على العلوم الاجتماعية والنفسية: 

فالدراسات النفسية ضرورية لمعرفة الطبيعة الإنسانية من حيث 
المكونات العامة والدوافع وتنوع الشخصيات واختلاف طرائق التفكير 
بين الناس» ولتلك المعرفة أثر كبير على الفقيه في جودة تعامله مع 
الناس وفهم دوافعهم وحسن تعليمهم وإقناعهم وسياستهو”". 

والدراسات الاجتماعية تُطلعه على السئن التي تحكم اجتماع 
الإنسان مع الإنسان» وما يحكم الظواهر الاجتماعية في نشأتها 
وتطورهاء ومعرفتها تجنب الفقيه ألوانا كثيرة من الاعتساف الذي يمكن 
أن يقع فيه في تعامله مع تلك الظواهرء وتجعل تصوراته وتقديراته 
أقرب إلى الواقع” ". 

وبالجملة» ف«العلوم كلها أبازير الفقه. وليس دون الفقه علم إلا 
وصاحبه يحتاج إلى دون ما يحتاج إليه الفقيه؛ لأن الفقيه يحتاج أن 


() انظر: فقه تاريخ الفقه ص١١١-‏ لا9١.‏ 
(۲) انظر: فصول في التفكير الموضوعي ص774. 
(۳) انظر: فصول في التفكير الموضوعي ص 77190. 





. د الفصل الثانى: شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها a‏ 
E 5‏ 
يتعلق بطرف من معرفة كل شيء من أمور الدنيا والآخرة» وإلى معرفة 
الجد والهزل. والخلاف والضد. والنفع والضرء وأمور الناس الجارية 
ذكرناه. ولن يدرك ذلك إلا بملاقاة الرجال» والاجتماع من أهل النحل 
والمقالاات المختلفة ومساءلتهم وكثرة المذاكرة لهمء. وجمع الكتب 
)00 
ودرسها ودوام مطالعتها» ١‏ 


(۱) الفقیه والمتفقه (۳۳۳/۲-١٤۳۳)ء‏ وانظر: توصيات مؤتمر علوم الشريعة في الجامعات 
في: كتاب مؤتمر علوم الشريعة في الجامعات ص١١٠١.‏ 





ES. 


المبحث الرابع 
التكرار 





وفيه تمهيد وسبعة مطالب : 

التمهيد: في التعريف بالتكرار وأثره في اكتساب الملكة. 
المطلب الأول: الانقطاع إلى طلب العلم والتفرغ له. 
المطلب الثاني: الحفظ. 

المطلب الثالث: الاستذكار. 

المطلب الرابع: الاختصاص. 

المطلب الخامس: التعليم. 

المطلب السادس: الاستمرار في طلب العلم. 

المطلب السابع : تقدم السن. 


تمهيد: فى التعريف بالتكرار وأثره فى اكتساب الملكة: 
التكرار: اليرداد والإعادة". 
فتكرار العلم وترداد النظر فيه أصل لا بد منه لتحصيل الملكة في ذلك 


)21 انظر : القاموس المحيط ص1۹٤۰‏ المصباح المنير ص۳۲٤‏ . 


ا الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها ,,ث.., 
E4‏ : 3 < 


0 


العلم» وذلك أمر لا خلاف فيه بين العلماء» فطالب العلم يبتدئ طلبه وهو 
سريعة الدثور وغير موثقة بالبراهين ولا مصذقة بالممارسة والتجربة» فإذا 
ما استمر في الطلب وكرر التعلم كرة بعد أخرى حصل له من الرسوخ في 
كل مرة ما لم يكن من قبل». فحصل له مزيد من اتضاح التصوّر وزوال 
الإشكالاات. وعرف من الآدلة ما يزيده طمأنينة وثقة» وتبين له من سقوط 
الشبه المعارضة ما يقوي ثباته. وشهد تشابه العلم واطراده وتصديق بعضه 
em‏ ا من أخطائه ا ت من إصابته » وبكل 
ف ادرو ا 

وعبارات العلماء بل سيرتهم العلمية كلها ناطقة بأن الرسوخ ثمرةٌ 


يقول الغزالي كانه : « yS‏ 
أن يتعاطى أفعال الفقهاء. وهو التكرار للفقه» حتى تنعطف منه على 
قلبه صفة الفقه فيصير فقيه النفس»'. 

ويقول فخر الدين الرازي: «قد ثبت في العلوم الحكمية أن كثرة 
الأفعال سبب لحدوث الملكات الراسخة... فكل من واظب على صناعة 
من الصنائع وحرفة من الحرف مدة مديدة صارت تلك الحرفة والصناعة 
ملكة راسخة قوية وكلما كانت المواظبة عليها أكثر كانت الملكة أقوى 


ا : )200 
و 


(۱) إحياء علوم الدین .)۲٠۳ /١(‏ 
(؟) مفاتيح الغيب (155/1). 





٠:‏ الفصل الثانى: شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها 
CI‏ : 


00 

ويقول ابن خلدون كانه: «اعلم أن تلقين العلوم للمتعلمين إنما يكون 
مفيداً إذا كان على التدريج شيئاً فشيئاً وقليلاً قليلآء يلقى عليه أولا مسائل 
من كل باب من الفن هي أصول ذلك الباب» ويقرب له في شرحها على 
سبيل الإجمال» ويراعى في ذلك قوة عقله واستعداده لقبول ما يرد عليه 
حتى ينتهي إلى آخر الفن» وعند ذلك يحصل له ملكة في ذلك العلم, إلا 
أنها جزئية وضعيفة» وغايتها أنها هيأته لفهم الفن وتحصيل مسائله؛ ثم 
يرجع به إلى الفن ثانية فيرفعه في التلقين عن تلك الرتبة إلى أعلى منهاء 
ويستوفي الشرح والبيان» ويخرج عن الإجمالء ويذكر له ما هنالك من 
الخلاف ووجهه. إلى أن ينتهي إلى آخر الفن فتجود ملكته» ثم يرجع به وقد 
شدا فلا يترك عويصاً ولا مهما ولا مغلقا إلا وضحهوفتحلهمقفله. 
فيخلص من الفن وقد استولى على ملكته» هذا وجه التعليم المفيد» وهو 
كما رأيت إنما يحصل في ثلاث تكرارات» وقد يحصل للبعض في أقل من 
دك اا دق وود غ 

ويقول ابن القيم أنه : «كثرة المزاولاات تعطى الملكات» فتبقى 
للنفس هيئة راسخة وملكة ثابتة»". 

ويقول البقاعي: «الإنسان إذا أخذ في طلب علم من العلوم يكون 
عنه كالأجنبي» فلا يكون له فيه ملكة إلا بعد ممارسة كثيرة»”". 

والمختصون بعلم النفس التربوي يؤكدون مكانة التكرار وأثره في 
النبوغ العلمي واستثمار الموهبة» يقول أحد الباحثين في مشروع تطوير 
)١(‏ مقدمة ابن خلدون ص540. وانظر: بدائع السلك ص90". 


(؟) مفتاح دار السعادة (۳۹۲/۱). 
(۳) النكت الوفية بما في شرح الألفية (۲/ .)٤٠١‏ 


o‏ الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها پل 
١‏ 3 بقن ب 
ا %1 


أبحاث النبوغ والموهبة -وهو مشروع يقوم على دراسة مجموعة من 
الأفراد الذين حققوا مستوى من الإنجاز المتميز في عدد من الحقول 
الأكاديمية والفنية والرياضية-: «لقد أكّد مشروع تطوير أبحاث النبوغ ما 
توقعه العديد من العلماء وبعض الباحثين الذين أظهروا من خلال حدث 
صغير -مثل لعبة الشطرنج- أن تطوير القدرات المتميزة يحتاج إلى وقت 
طويل» وقد وجدنا -على سبيل المثال- أن عازفي البيانو المعروفين 
عالميا قد أمضوا قرابة سبعة عشر عاما في العزف بدءاً بالدرس الأول 
وانتهاء بشهرتهم العالمية» وقد انتقل أسرعهم في المجموعة من عازف 
مبتدئ إلى مبدع في اثني عشر عاماء أما بالنسبة إلى السباحة فقد 
استغرق الأمر خمسة عشر عاما بين البداية التي كانت للتسلية وحتى 
الحصول على مركز ما في الألعاب الأولمبية»”". 


وهذا E‏ انتهت إليه أبحاث أخرى أظهرت «أن الموهبة 
الكامنة يجب أن ت تتشبث بحقلها الذي تختاره لعدة ساعات في اليوم 
a‏ 
حقيقة ملموسة» وقد تبين أن الذين أصبحوا من المشاهير... رغم 
قدراتهم العقلية المتواضعة نسبيا كانوا يمتلكون هذه الخاصية على نحو 
واضح» كما أن أولئك الأشخاص... الذين أخفقوا في الارتقاء إلى 
مستوى التوقعات غالباً ما افتقروا إلى هذا المطلب». 


فالاستمرار في التعلم وتكراره بصور متنوعة أصل أصيل من أسس 
)١(‏ تطوير النبوغ: الوقت والمهمة والسياق (ضمن: المرجع في تربية الموهوبين ص584). 


() متى تصبح الموهبة عبقرية ومتى لا تصبح كذلك؟ (ضمن: المرجع في تربية الموهوبين 
ص١٠١5).‏ 


50 الفصل الثاني: شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها 30 
اكتساب الملكة فيه» ويتفرع عنه عدد من مسالك التعلّم» والمقصود في 
هذا المبحث بيانها وإبراز أثرها في اكتساب الملكة وكيفية سلوكها 
واستثمارهاء مسترشدين في ذلك بأقوال الفقهاء -رحمهم الله- وسِيّرهم. 
وذلك في المطالب الآتية. 


المطلب الأول: الانقطاع إلى طلب العلم والتفرغ له: 


لا بد لطالب العلم متى ما أراد الرسوخ فيه من جمع الوقت له 

والتفرغ لطلبه؛ لأن العلم واسع يحتاج في تعلمه إلى زمن متسع؛ ثم 
تكراره ومعاودته تحتاج إلى أزمنة أخرىء ولأن «تفريق ق المجالس 
وتقطيع ما بينها... ذريعة إلى النسيان وانقطاع مسائل الفن بعضها من 
بعض ؛ فيعسر حصول الملكة بتفريقهاء وإذا كانت أوائل العلم وأواخره 
خاضيرة عند الفكرة غانة للسياك كانت الملكة أسر عضولا اح 
ارتباطاً وأقرب صبغة؛ لأن الملكات إنما تحصل بتتابع الفعل وتكراره. 
وإذا تنوسي الفعل تنوسيت الملكة الناشئة عنه»”'". 


ولذا جاء عن العلماء أقوال كثيرة فى وصية طالب العلم بحفظ 
الوقت وبذله في العلم" قال أبو يوسف القاضي كله : «العلم شيء لا 
يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك وأنت إذا أعطيته كلك من إعطاك 

: : )۳( * . . ج ٤‏ پک ا 
البعض على غرر» » وقيل: «الفكرة المتوزعة على أمور متفرقة 
)1( مقدمة ابن خلدون ص .55١‏ 


(0) ينظر في ذلك: قيمة الزمن عند العلماءء للشيخ عبدالفتاح أبو غدة رحمه اللّه. 
() الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع (5/ 507). 


059002 الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها ‏ 2+.. 
OE 3‏ 


كجدول تفرق ماؤه» فنشفت الأرض بعضهء واختطف الهواء بعضهء فلا 
يبقى منه ما يجتمع ويبلغ المزدرع»') 

ونجد في التاريخ العلمي الإسلامي نظام (المدارس) نموذجاً تطبيقياً 
لمبدأ (الانقطاع إلى طلب العلم والتفرغ له)» فقد كان بناء المدارس 
والوقف عليها مجالاً فسيحاً من مجالات الأوقاف» يحرص عليها 
الأمراء والأثرياء» وكان في المدرسة سكن داخلي يقيم فيه الطلاب؛ 
إعانة لهم على ملازمة الطلب والتفرغ له. وكان لسكنى المدارس آداب 
وشروط يلزمها الطالب لتحقيق المقصد الذي أنشئت من أجله”". 


وإذا أردنا أن يكون القول في التفرغ لطلب العلم على وجه أقرب 
إلى التفصيل المبني على رعاية العدل بين الحقوق والمصالح وطبيعة 
الحياة» فلنا أن نفصل القول ناظرين الك نوع الشواغل العارضة» وهنا 
يمكن أن يقال: 

إن الشواغل المزاحمة لطلب العلم تعود إلى نوعين: فضائل 


أخروية. وحاجات دنيوية. 





فأما الفضائل الأخروية. وهى الأعمال الصالحة من واجبات 
ومستحبات» ومن عبادات قاصرة ومتعدية» فالأصل هو استباقها جميعاً 
والعمل بها واغتنامها؛ عملا بقول الله على اسبقا الْحَيرثت 204 , 
وقوله تعالى #وسارعوا لک مقرو من رڪم ع > عَْضَها السَّمَوتٌ 
)١(‏ إحياء علوم الدين .)185/1١(‏ 


(؟) انظر: تذكرة السامع والمتكلم ص707-769ء نشأة الكليات ص7١٠.‏ 
(۳) سورة البقرةء الآية .)١54(‏ 


بع ٠‏ الفصل الثانى: شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنمبتها ا 
ت صما ا ا 1 


زوب 


ولكش ادق O‏ تماق 8 كالما اليو اما ا تيهما 
وَأسْجْدُوا وَاضدُوا ريك وأفصكوا الي لاڪ يحت 4”"'. وما في 
معناها من الآي والأحاديثء, وما أجدر طالب العلم بأن يكون سابقاً 
إلى الخيرات؛ فالله تعالى يقول: ##ولكن كوا رب يما aE‏ 
أذككب ويا کس رسود ويقول اذ ڪرو آله كَنَا عَلَمَكُم ما ل 
رسد r‏ ر 

تَكُونوأ 2 ES‏ واد ذحكروة كي هدنك #' ان ومع حسن ا 
وترتيب الوقت يتمكن من الجمع بين الفضائل» يقول الحسن 
البصري طن : «اطلب العلم طلبا لا يُضر بالعبادة» واطلب العبادة طلبا 
لا يُضر بالعلم”"". بل إن أخذ طالب العلم بنصيب من العبادات هو 
عون له على مطلبه؛ فقد قال الله تعالى: #وَاسْتَعِيئوا بالصَرٍ والصكزً94" , 
قال الشعبي والحسن ب بن صالح د رحمهما الله- : كنا نستعين على طلب 

(A) 


وفي حال التزاحم بين طلب العلم وغيره من الأعمال الصالحة» 
وذلك بأن يدور الأمر في وقت معين بين صرفه في العلم أو في عمل 
صالح آخر: فيٌقدم منهما ما يكون واجبا على ما لیس بواجب» ویقدم 


.)1737( سورة آل عمرانء الآية‎ )١( 

(5) سورة الحجء الآية (لالا). 

(۳) سورةآل عمرانء الآية (9/8). 

.)779( سورة البقرة» الآية‎ )٤( 

.)194( سورة البقرة» الآية‎ )٥( 

(7) جامع بيان العلم وفضله .)١175/1١(‏ 

(۷) سورة البقرةء الأية (50. .)١867‏ 

(۸) الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع (۳۸۸/۲)ء جامع بيان العلم وفضله .)١١/۲(‏ 


هم 
tre fF‏ 


الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها كيم 
ا 


فمن ذلك ما إذا أراد طالب العلم الرحلة لطلب العلم ولم يسمح 


بذلك الوالدان: فإن كانت الرحلة لطلب علم متعين لا يوجد إلا 
بالرحلة فلا إذن للوالدين» وإلا فبرُهما هو المقدم؛ لتعيّنه”". 


فإذا كان كلا العملين نفلا غير واجب فالعلم هو المقدم؛ لعموم 


نفعه"". إلا أن يكون للعمل الآخر فضيلة تفوت فقد يُقدم على العلمء 


(1) 


(۲) 


انظر : المغني (۳٠/٠۲)ء‏ المقنع والشرح الكبير والإنصاف (١٠/٤٤)ء‏ كشاف القناع 


(/ 00)؛ شرح منتهى الإرادات (۳/١٠)ء‏ الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع 
.)۳٤۲/۲(‏ وقارن بما في مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح 
العثيمين (5؟09/7). 

للعلماء -رحمهم الله- أقوال في أفضل النوافل» فالمشهور من مذهب أبي حنيفة ومالك : 
أن طلب العلم أفضلهاء وعند الشافعي: أفضل النوافل الصلاة» ومذهب أحمد: 
أفضلها الجهاد. 

انظر : الفواكه الدواني (۲/ .)٠١‏ حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني (۲/ 
۷) المجموع شرح المهذب (۳/ ٤٤۳)ء‏ نهاية المحتاج (۲/ ۷١)ء‏ الإنصاف (4/ 
٠٠‏ الأخبار العلمية ص41 الموسوعة الفقهية .)٠١١ /١١۲(‏ 

ويتعلق بهذا التفضيل تنبيهات : 

أحدها : أن هذا الخلاف مختص بما هو نفل من هذه العبادات» فأما ما يُفعل على سبيل 
فرض الكفاية فهو أفضل منهاء وبهذا أجاب النووي من اعترض على تفضيلهم لنافلة 
الصلاة على طلب العلم قائلاً : إن هذا الإيراد غلط ؛ لأن الاشتغال بالعلم فرض كفاية 
لا تطوع. وكلامنا هنا في التطوع. انظر: المجموع (”/ 740). 

الثاني : أن هذه المفاضلة إنما هي بالنظر في ذات العبادة» وهذا أحد جوانب التفضيل» 
فأما إذا أراد المتعبد أن يختار لنفسه أفضل هذه العبادات فينبغي أن ينظر -مع فضل 
العبادة في نفسها- إلى جوانب التفضيل الأخرى» فينظر فيما هو الأصلح لهء وينظر فيما 
هو الأفضل بالنسبة إلى الوقت والحال الذي هو فيه» فمن الناس من يكون الإكثار من= 


2 
E 


0 


,عم الفصل الثاني : شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها 


عم 
1 
عيبي + 


كحضور الأزمنة والأمكنة الفاضلة» كتقديم تلاوة القرآن في رمضان"'''. 
وتقديم الاعتكاف والقيام في الليالي التي يتحرى فيها ليلة القدر» ونحو 


ذلك. 


ومن أمثلة تقديم نافلة العلم على نافلة العبادة في سيرة العلماء عند 


التزاحم: ما جاء عن الإمام أحمد عند اجتماعه بأبي زرعة الرازي 


(00 


=الصلاة أصلح له؛ لانتفاعه بها في إيمانه» وعدم استطاعته لغيرها من الأعمال 
كالجهاد وطلب العلم. ومنهم من الجهادٌُ أفضل له؛ لخبرته فيه وشجاعته مع نقص 
استعداده لطلب العلم... وكذلك من الأوقات والأحوال ما يكون العمل المفضول فيها 
هو الفاضل؛ لشدة الحاجة إليه» أو زيادة الإيمان بفعله في ذلك الوقت. انظر: مدارج 
السالكين -۸۸/١(‏ ۸4)ء الأخبار العلمية ص45.» الشرح الممتع (5/4). 

الثالث : المفاضلة بين مثل هذه العبادات يجب أن يؤخذ على وجه العدلء بأن يُعلم أن 
جميعها عبادات لا يتم الأمر ولا يقوم الدين إلا بها جميعاء فلا يؤدي تفضيل بعضها إلى 
انتقاص المفضول وإهماله» وإنما ثمرة التفضيل أن يكون أحد معايير تقديم ذلك العمل 
على غيره عند التزاحم. 

هذا ما يفهم من أخبار العلماء في كثرة تلاوتهم للقرآن في رمضان» وقد نقل ابن رجب 
في لطائف المعارف ص۳۱۸ طرفا منهاء ونقل عن ابن عبدالحكم قوله: كان مالك إذا 
دخل رمضان نفر من قراءة الحديث ومجالسة أهل العلم وأقبل على تلاوة القرآن من 
المصحف. 

والمذهب أيضاً عند الحنابلة: عدم استحباب إقراء القرآن وتدريس العلم وكتابة 
الحديث للمعتكف ؛ لأن النبي يلد كان يعتكف فلم ينقل عنه الاشتغال بغير العبادات 
المختصة به. انظر: المقنع والشرح الكبير (90/ 57). 

وقال ابن القيم كانه : «أفضل العبادة: العمل على مرضاة الرب في كل وقت بما هو 
مقتضى ذلك الوقت ووظيفته» فأفضل العبادات... في أيام عشر ذي الحجة الإكثار من 
التعبد.ء لاسيما التكبير والتهليل والتحميد. فهو أفضل من الجهاد غير المتعين» 
والأفضل في العشر الأخير من رمضان لزوم المسجد فيه والخلوة والاعتكاف دون 
التصدي لمخالطة الناس والاشتغال بهم» حتى إنه أفضل من الإقبال على تعليمهم 
العلمء وإقرائهم القرآن. عند كثير من العلماء» مدارج السالكين .)۸٩ -۸۸/١(‏ 


e‏ الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها 2ه 
1 ممح عد ر 


ينوه 1 


د 


0 


4 


رحمهما الله فقد روى عبدالله بن أحمد قال: لما قدم أبو زرعة نزل 
عند أبي» فكان كثير المذاكرة له» فسمعت أبي يومًا يقول: ما صليتٌ 
غير الفرض؛ استأثرتٌ بمذاكرة أبي زرعة على نوافلي”'". 

وأما الحاجات الدنيوية فيمكن ترتيبها بحسب الحاجة إليها ثلاثة 
أنواع, وذلك على وجه التقريب: ضروريات». وحاجيات» وكماليات. 

فأما الضروريات -وهي ما لا تستقيم الحياة مع فقده» كتحصيل 
القوت والنفقة الواجبة على من تجب نفقته- فلا إشكال في تقديم طلبها 
على التفرغ لطلب العلم” "“. 

وأما الحاجيات - وهي ما يُحتاج إليها لرفع حرج ومشقة. مثل: 
النكاح» وطلب ما يزيد على الضروري من المعيشة- فالحكم فيه يختلف 
باختلاف حال طالب العلم وباختلاف ما في تلك الحاجة من المصلحة. 

فقد يُختار لطالب العلم أن يؤخر النكاح تفرغا للعلم؛ لكون النكاح 
مستحبا وطلب العلم فرض كفاية» وذلك إذا كان له من قوة الرغبة في 
الطلب والصبر عن النكاح ما يكون به تأخير النكاح أنفع له وقد يُختار 
له النكاح مع الاستمرار في الطلب إذا كانت له رغبة قوية في النكاح. 
فيكون النكاح في هذه الحال أعون له وأجمع لفكره وأهدأً لباله» وقد 
يؤمر بالنكاح وجوبا إذا خشي على نفسه الحرام ". 


.)۱۷ /۳۸( تاريخ بغداد (۳۳/۱۲)» تاریخ دمشق‎ )١( 

(۲) انظر طرفا من أقوال السلف في ذلك في : الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع /١(‏ 
١60-١51‏ ). 

(۳) انظر: الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع /١(‏ ١٠٠)ء‏ المجموع »)۸۳/١(‏ صيد 
الخاطر ص٤١1‏ الأخبار العلمية من الاختيارات الفقهية ص۲۹1٠‏ تذكرة السامع 
والمتكلم ص۷١۱‏ العلماء العزاب ص/-71. 


. !. الفصل الثاني : شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها ال 
په س 


1 لا‎ ٍِ ِ I 2 


وكذلك طلب المال مما هو زائد على حد الضروريات» فالأصل أن 
التخلي عنه تفرغا للعلم أفضل» وكان من سيرة كثير من السلف في 
طلبهم للعلم الصبر على الفقر والقناعة بالقليل"» فمن كان على حال 
من الصبر والقناعة وغنى النفس ولا يتعلق به عيال فقد يكون ذلك 
أفضل لهء ومن لم يبلغ تلك الدرجة من الصبرء أو خاف أن لا يدوم 
صبره في المستقبل ولا سيما عندما يكون له عيال فقد يكون الأفضل له 
أن يجعل شبعاً من وقته للاكسيات» وهذا مما لحظه ابن الجوزى كله 
في تأمله لحال بعض طلبة العلم فقال: «تأملت أكثر أهل الدين 
والعلم... فوجدت العلم شغلهم عن المكاسب في بداياتهمء فلما 
احتاجوا إلى قوام نفوسهم ذلوا وهم أحق بالعزء وقد كانوا قديمًا 
يكفيهم بيت المال وصلات الإخوان» فلما عدمت في هذا الأوان لم 
يقدر متدين على شيء إلا ببذل شيء من دينه» وليته قدرء فربما تلف 
الدين ولم يحصل له شيء؛ فالواجب على العاقل أن يحفظ ما معهء 
وأن يجتهد في الكسب ليربح مداراة ظالم أو مداهنة جاهل». 


وأما الكماليات -وهي ما لا يلحق بفواته حرج» ولكنه من قبيل 
الاستمتاع بالمباح من متع الحياة» كالخروج إلى البساتين والفرج». 
وزيارة الأصدقاء. والاستئناس بالزوجة والولد- فما أخذ من هذا القبيل 
بقدر إجمام النفس وقضاء حق من له حق فهو أمر محمود» ويثاب عليه 
مع النية الحسنة» وقد يكون في مرتبة الحاجيات؛ لأن النفس تسأم من 
دوام الجد» وما زاد على ذلك فهو عائق عن العلم. 


.١١6ص تذكرة السامع والمتكلم في أدب العالم والمتعلم‎ »)87/١( انظر: المجموع‎ )١( 
.7١-١9ص صيد الخاطر‎ )۲( 


E‏ الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها إه, 
| |( ا س اک 
r 3‏ لو +4 


هذا تفصيل تقريبي لموقف طالب العلم من الشواغل العائقة عن 
الطلب» وهو مبني على قول النبي ية «احرص على ما ينفعك»"'» 
وقوله ية امن حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه»"» وعلى القاعدة 
الشرعية في اجتماع المصالح»› وهي أن الأصل اغتنام المصالح 
وتحصيلها جميعاً. وعند التزاحم يقدم أعظمها وأنفعها؛ وبملاحظة 
ذلك يكون -بتوفيق الله- حسن الفهم والاتباع لما يجيء من سير السلف 
والعلماء -رحمهم الله- في الجد في الطلب» وما يروى عنهم من كلمات 
في الحث على حفظ الوقت واستيعابه في الطلب مما قد يكون في ظاهر 
بعضها إشكالء مثل ما رُوِي عن بعضهم من قوله «لا ينال هذا العلم إلا 
من عطل دكانه وخرب بستانه وهجر إخوانه ومات أقرب أهله إليه فلم 
يشهد جنازته»” ". فمثل هذه الكلمة إنما يراد من روايتها مطلق ما فيها 
من الحث على التفرغ للعلمء. لا خصوص ما فيها من مدى ذلك 
التفرغ» فطالب العلم يستفيد ذلك المعنى المراد» مراعيا الفوارق بين 
الأزمان والأشخاص. 


(۱) رواه مسلم في صحيحه » كتاب القدرء برقم (555714), عن أي هريرة ونه . 

(؟) رواه الترمذي فى سننه. كتاب الزهد. باب حديث من حسن إسلام المرء تركه ما لا 
يعنيه ا برقم 17 وابن ماجه فى سننه» كتاب الفتن» باب کف اللسان فى الفتنة» 
برقم (1791757) عن أبي هريرة نه مرفوعاء وحسنه النووي. 
قال ابن رجب: أكثر الأئمة على أن المحفوظ هو رواية هذا الحديث عن علي بن 

() الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع (507/5)» تذكرة السامع والمتكلم بأدب 


العالم والمتعلم ص60١1١.‏ 


ا تت يا تت 111 7 
7 1 4 00 


المطلب الثانى: الحفظ : 
وفيه فرعان: 
الفرع الأول: لمحة في عناية العلماء بالحفظ ومكانته من الملكة. 


الفرع الثاني: تقليل بعض الاتجاهات التربوية من شأن الحفظ 


الفرع الأول: لمحة في عناية العلماء بالحفظ ومكانته من 
الملكة : 

الحفظ مسلك تعليمي أصيل لدى علماء المسلمين» فقد جاء عن 
النبي َي الأمر بحفظ القرآن وتعاهد حفظه' والأمر بحفظ السنة 
وأدائها كما هي" ثم اتبع المسلمون هذا المسلك. فعُنوا أتم العناية 
بحفظ القرآن الكريم» وحفظ سنة رسول الله بي ثم بحفظ ما استنبط 
منهما من العلمء أو كان معينا على فهمهما من لسان العرب» وجاءت 
سِيّر العلماء -رحمهم اللّه- ووصاياهم لطلاب العلم مؤكدة مكانة الحفظ 
وأثره في إتقان العلم وضرورة طالب العلم إليه» وكتب التراجم وأدب 
طلب العلم ملأى بذلك. 


)١(‏ كما في قوله ميا «تعاهدوا هذا القرآن؛ فوالذي نفس محمد بيده لهو أشد تفلتا من الإبل 
في عقلها» رواه البخاري )٥٠۳۳(‏ ومسلم )۷۹١(‏ عن أبي موسى الأشعري ونه 
ونحوه عن ابن عمرء رواه البخاري )٥٩۳۱(‏ ومسلم .)۷۸٩۹(‏ 

(۲) كما في قوله َة «نَضر الله امرءا سمع مقالتي فوعاهاء فأذّاها كما سمعهاء فرْبّ مبلّغ 
أوعى من سامع. ورْبٌ حامل فقهِ وليس بفقيه» ورّبّ حامل فقهٍ إلى من هو أفقه منه» رواه 
الترمذي )۲۹٥۹(‏ وابن ماجه (۲۳۰) عن عبدالله بن مسعود وه » وصححه الترمذي› 
وفي الباب عن زيد بن ثابت عند الترمذي وابن ماجه» وعن جبير بن مطعم عند أحمد 
وابن ماجه. 


ارما 1 الملكة الفقهية : حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها ا 
4 15 0 ا ل EET‏ حو كه 


والحفظ من أكبر الأسباب المعينة على رسوخ الفقه وصيرورته ملكة 
قارّة» وذلك أن العلم المحفوظ في الصدر هو المادة التي ينطلق منها 
الفقيه في استنباطه واستدلاله. وإذا كانت علوم الشريعة مستمدة من 
الوحي فبقدر حضور ألفاظ الوحي ومعانيه في قلب الفقيه تكون قدرته 
غلن الاسعيداة متها والاباط من مها 

وأيضاء فبقدر حضور أدلة الوحي -وهي الأدلة المتّفقة التي يصدق 
بعضها بعضا- يزداد اليقين بما تدل عليه» وزيادة اليقين هي الرسوخ 
المعبر عنه بالملكة. 

والحفظ بعد ذلك يمسك الفقه من التفلت؛ فإن فقها وفهما لا قرار 
له في القلب لهو فقه لا قيمة له ولا انتفاع به؛ فعملية التعلّم لدى 
الإنسان لا تتم بدون قوة حافظة» تُمسك عليه ما تعلم. وتمگنه من 
البناء والتأسيس عليهء فالصلة بين (التعلّم) و(الحفظ) وثيقة جداًء 
فالتعلم هو مرحلة الاكتساب الأوّل للمعلومات. و(الذاكرة والحفظ) 
مرحلة تخزين المعلومات واستدعائها التي تكون بعد ذلك يقول 
الأعمش كَل : «احفظوا ما جمعتم؛ فإن الذي يجمع ولا يحفظ كالرجل 
کان السا عل ران ياعد لق فتعتها وراء ظهره!"قمكن راه 
یشبع؟!». 


وانطلاقاً من عنايتهم بالحفظ فقد فصّل العلماء -رحمهم الله- القول 


(1) انظر: علم النفس التربوي الأسس النظرية والتطبيقات العملية ص777. 
(۲) الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع (۲/ .)۳۷١‏ 





الفصل الثانى : شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها و 
ا ید و 


في بيان طريقة الحفظ وما يعين عليه وما ينبغي أن يحفظ وأفضل سني 
الحفظ وأفضل أوقاته وغير ذلك» وذلك يعرف بالرجوع إلى الكتب 
الكثيرة المؤلفة في أدب طلب العلم» وعند تعسّر الحفظ وصعوبته يرشد 
بعض العلماء إلى كثرة التكرار والمطالعة التي يكون المرء بها مستظهراً 
لما يدرسه وإن لم يبلغ درجة الحفظ المتقه”'"2, كما أن من اللازم النظر 
في حال الطالب وسنه واستعداده عند اختيار ما يوجّه إلى حفظه» فمن 
كان سريع الحفظ حديث السن فارغا اختير له من المحفوظات ما لا 
يختار لمن كان متقدم السن أو ضعيف الحافظة أو كثير الشغل. ۰ 

وتماما لوصيتهم بالحفظ والاهتمام به أرشد العلماء إلى الاعتدال 
في شأن الحفظ وجعله في منزلته اللائقة به من وسائل طلب العلم. 
وذلك بالتنبيه على أن الحفظ ليس هو العلم. وأن الحافظ ليس هو 
العالم. ولكن الحفظ وسيلة لرسوخ العلم وصيانته من آفة النسيانء 
ومرحلة من مراحل الطلب» وإنما حقيقة العلم: الفهم والفقه؛ فعلى 
طالب العلم أن يولي جل عنايته وجهده لفقه النصوص وتدبرها ودرسها. 

يقول ابن عبدالبر ك: «الذي عليه جماعة فقهاء المسلمين 
وعلمائهم ذم الإكثار دون تفقه ولا تدبر»”". 


)١(‏ انظر: بهجة قلوب الأبرار ص٥٠‏ نصانح منهجية لطالب علم السنة النبوية ص8". 
(۲) جامع بيان العلم وفضله .)١55/17(‏ 
وينظر في هذا المعنى: الرسالة (ف/51١)‏ ص١501.‏ تقويم الأدلة ص454» بداية 
المجتهد (”/ .)١585‏ الفقيه والمتفقه (7/ .)١04‏ صيد الخاطر ص۳۸۷ مقدمة ابن 
خلدون ص٠١٠4.‏ كشف الظنون .)٤٤/۱(‏ أبجد العلوم (۱/ ۲۳۹). 


0 الملكة الفقهية : حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها ا 
ل سي ا يه 
55 ا 


الفرع الثاني : تقليل بعض الاتجاهات التربوية من شأن الحفظ 
ومناقشة ذلك التوجه: 
لا يخفى ما لقيه أسلوب الحفظ في العصر الحديث من الانتقاص 
والتقليلء حيث يراه فريق من التربويين عمليةً عقليةً أَوَلِيةَء لا تُجاوز 
كونها مجرد تذكّر لا يرقى إلى المهارات العقلية العليا التي يكون بها 
المرء قادراً على النقد والإبداع؛ ولذا يأتي الحفظ عندهم مرادفا 
ومقترنا بعبارات منفرة» كالحشو والتلقين» وقد ترتب على هذه النظرة 
إلى الحفظ آثار عملية في الواقع التعليمي» أبرزها تقليل إعمال هذا 
المسلك التعليمي واستثماره في التعليم العام والجامعي»؛ أو اشتراط أن 
يكون مسبوقاً بالفهم» مع ما يترتب على هذا الشرط من حرمان الصغار 
من استغلال قدرتهم على الحفظ؛ ولذا لا بد من الوقوف هنا لمناقشة 
هذا التصور عن وظيفة الحفظ في التعليم الإسلامي» وذلك في النقاط 
التالية : 
© أن إسقاط الحفظ والتزهيد فيه استناداً إلى أهمية الفهم هي موازنة 
غير صحيحة» تعتمد على افتراض التنافي والتضاد بين الحفظ 
والفهم. ثم تعمد إلى تغليب الفهم على الحفظء. وهذا افتراض 
غير صحيح أصلاء إذ إن الحفظ والفهم مسلكان متآزران 
متكاملان غير متضادين» ومعلوم أن الجمع بين المصالح مقدم 
دائما على ترجيح بعضها مع إسقاط بعضها مادام الجمع ممكناء 
وهذا هو الواقع في شأن الحفظ والفهم. وإذا وقع الخلل في 
ذلك -بأن كانت العناية بالحفظ مُخلة بالفهم في بعض المدارس 
أو في بعض التطبيقات المعيّنة- فهذا انحراف يعالج في موضعه 


+ 


,بت الفصل الثانى: شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها م 
2 جو ت 


ary 


2 


4 


ولا يعمم حكمه على مسلك علمي أصيل كمسلك الحفظء 
والواقع أن الحال العامة لدى علماء المسلمين هي تقديم الفهم 
وجعله هو حقيقة الفقه من غير إخلال بالحفظ. 


القول بأن أسلوب الحفظ يُضعف القدرات العقلية العليا لدى 
الطالب دعوى غير صحيحة يكذبها الواقع» فالنظر في سيرة جميع 
علماء المسلمين الأفذاذ المتفق على تقدّمهم ونبوغهم في علوم 
الشريعة واللغة وغيرها يبيّن ما كان عليه أولئك العلماء من الحفظ 
الواسع» فهو سمة من سمات التعليم الإسلامي على مرّ العصورء 
وقد أخرج علماء كباراً في مختلف الفنون. 


من المتقرر في العلوم الأخرى غير الشرعية أن هناك حاجة -بقدر 
ما- إلى الحفظ» وهي حاجة لا يغني عنها الفهم ولا يسد 
مسدّهاء ولذا تُحفظ القوانين الفيزيائية والكيميائية والرياضية 
وغيرهاء وعلوم الشريعة تشارك سائر العلوم في ذلك. وتمتاز 
عنها بخصائص تجعل للحفظ فيها مزيّة زائدة على الحفظ فيما 
سواهما من العلوم» وهي : 


أن أصل علوم الإسلام هو الكتاب والسنة» وهي نصوص قطعية 
الثبوت والدلالة؛ فهي جديرة بالحفظ لذلك» وما لم يكن منها 
قطعيا في ثبوته أو دلالته فهو قطعي في وجوب العمل به ثم 


)١(‏ للاتفاق على وجوب العمل بالأدلة الظنية» كخبر الآحاد والظاهر. انظر: الاستقامة 


.)07-01/١(‏ مذكرة في أصول الفقه: باب أخبار الأحاد ص ١177‏ شرح الكوكب 
المنير (۲/ .)۳١١‏ أصول الفقه الحد والموضوع والغاية ص الا حاشية .)١(‏ 


00 الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط شيف © 

إن أصل ذلك: القرآن» وهو متعبد بلفظه» وذلك يقتضي مزيد 

عنانة 'تحفظة. 

© أن الفكر الإسلامي ليس نتاجاً عقلياً محضاً. بل هو نتاج عقلي 
يدور حول محور ثابت» هو نصوص الوحي المتمثلة في الكتاب 
والسنة» فهما: المصدر الذي منه الاستمدادء والحجة التي عليها 
اعدا ردك اندر ال ان کون اضفار ها ق ا من 
ذهن الفقيه» وخير وسيلة لذلك هي الحفظ. 

© أن القول بلا علم مذموم في كل العلوم؛ وهو في علم الشريعة 
أشد ذمّا؛ لأنه نسبةٌ إلى الله تعالى» وفي الحفظ وقاية من ذلك: 
فإنه إن كان حفظا لنصوص الكتاب والسنة فهذا واضحء وإن كان 
حفظا للمسائل المستنبطة منهما مما يختلف فيه العلماء”'؟ فحفظ 
الطالب الذي لم يبلغ درجة الاستدلال والاجتهاد لذلك هو نوع 
من التقليد السائغ» وهو مقبول شرعا ما دام المرء غير قادر على 
الاستقلال في الأخذ من الدليل» وهو خير وأسلم من القول بلا 
علمء أو خلوّ الذهن من الحكم. 

© أن العناية بالحفظ وفتحه باباً من أبواب التعلم هو أسلوب من 
أساليب (التدريس وفق الذكاءات المتعددة» ومراعاة الفروق 
الفردية)» وهذا ما تدعو إليه التربية الحديثةء فمن المقرر في علم 
التربية الحديث: أن الطلاب يملكون أتواعا متنوعة ومختلفة من 
الذكاء. وأنه لا بد من إتاحة فرصة التعلم لكل نوع من هذه 


)١(‏ كحفظ المتون الفقهية. 


3 الفصل الثانى: شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها‎ a 
z چ‎ 


و 


e 


8 t0 ۴ 


الذكاءات» وأن حصر الطلاب في أسلوب تعليمي واحد يلائم 
نوعا واحداً من أنواع الذكاء خلل في التعليم وهضم لحق فئة أو 
فئات من الطلاب» والواقع أيضاً: أن من العقول عقولا أوتيت 
براعة وسرعة في الحفظ» ولم تؤت نصيباً وافراً من الفهم» فهذا 
النوع من الذكاء يناسبه أن يُشرع له باب الحفظء وأن يهيأ له من 
سبل العلم ما يليق به» وهذا من الحكمة في التعليم التي سبق 
إليها المعلم الأول صلوات الله وسلامه عليه في قوله «نَضر الله 
امرءاً سمع مقالتي فوعاهاء فأدّاها كما سمعهاء فرّبٌ مبلّغ أوعى 
من سامع؛ ورب حامل فقهٍ وليس بفقيه؛ ورب حامل فق إلى من 
هو أفقه منه""" » فهذا تصريح منه ية بأن من الناس من أوتي 
القدرة على حمل العلم وحفظه وأدائه لغيره» ولم يؤت سعة في 
الفهم والاستنباط والفقه. ومن هذا المعنى أيضاً قوله ية «مثل ما 
بعثني الله به من الهدى والعلم» كمثل الغيث الكثير أصاب 
أرضاء فكان منها نقية قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثيرء 
وكانت منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا 
وسقوا وزرعواء وأصابت منها طائفة أخرى إنما هي قيعان لا 
تمسك ماء ولا تنبت كلأء فذلك مثل من فمّه في دين الله» ونفعه 
ما بعثني الله به فعلم وعلم. ومثل من لم يرفع بذلك رأساًء ولم 
يقبل هدى الله الذي أرسلت به"''» ففي هذا الحديث ضرب 


(۲( رواه البخاري في صحيدححه ٠١‏ كتاب العلمء باب فضل من علم وعلّمء برقم (¥4). 


ومسلم في صحيحه. تاب الفضائل» برقم (۲۲۸۲)ء عن أبي موسى الأشعري طلإنه. 


{EÊ 


عحه 


الملكة الفقهية : حقيقتها وشروط اکتسابها وثمراتها 3 


النبي بي ثلاثة أمثال» أوّلها: لمن جمع بين حفظ العلم وفهمه. 
فهو كالأرض التي قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثيرء 
والمثل الثاني : مثل من حفظ العلم وأدّاه كما سمعه من غير فقه 
فيه» فهو كالأرض التي أمسكت الماء فشرب الناس منها 
وزرعواء والمثل الثالث: لمن أعرض عن هدى الله الذي جاء 
به نبيه يك والشاهد من هذا الحديث: أن من أصناف الناس 
في تلقّي العلم صنفا أعطي القدرة على حفظ العلم دون مزيد 
فهم وفقه» فهذا الصنف لا مبرر لغلق باب العلم في وجهه. 
بإهدار الحفظ وإنكار فائدته» وفي التاريخ الإسلامي قام 
الحفاظ بمهمة جليلة في حفظ المتون ونقدها وتأديتها إلينا جيلا 
بعد جيل» ومع التسليم والاتفاق على تقدّم مكانة العلماء 
الفقهاء على مكانة الرواة الحفظة فإن العلاقة بين الطائفتين 
علاقة تعاون وتكامل. 

من الشائع في التاريخ التربوي الإسلامي استثمار سني الطفولة 
في الحفظ. ولا سيما حفظ القرآنء خلافا لما تذهب إليه بعض 
الاتجاهات التربوية الحديثة من تقليل أمر الحفظ الذي لا يسبقه 
الفهم. وهو اتجاه يفوّت على الإنسان -كما سبق- استثمار موهبة 
الحفظ في ذلك السن المتقدم الخالي من الأشغال والصوارف». 
والواقع أن طبيعة الحفظ هذه لدى الأطفال -وهي ما يوصف 
بالحفظ الآلي الذي يتم دون تأثر بالمعنى- يمكن اغتنامها مكسبا 
تعليميا ولا سيما في حفظ القرآن» وذلك أن الأطفال أقدر على 
الحفظ الحرفي من الكبار الذين يتأثرون بالمعنى ولذلك يقعون 


.يعم الفصل الثاني: شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها 


n, 
i ع‎ 
كثيراً في إبدال الكلمات المتقاربة في المعنى بعضها ببعض"'»‎ 
وهذا المخزون المحفوظ في الطفولة يمكن فهمه واستثماره بعد‎ 
ذلك فبعد أن يتقدم المتعلم في السن شيئاً ويكون مستعداً‎ 
لمستويات أعلى من التفكير يكون قد أحرز في صغره محفوظا من‎ 
العلمء فيتوفر جهده لاستثماره والتفقه فيه» وهذا ما سجله الشيخ‎ 
الطاهر , بن عاشور في وصفه تار يخ التعليم الإسلامي ف في المغرب‎ 
بقوله: «رأوا أن حافظة الصغير قوية الوعي لما يودع ا وأن‎ 
فهم الكبير يحول تدريجاً بينه وبين الاستكثار من الحفظء فرأوا‎ 
أن يزودوا حوافظ الصغار بالقرآن وألفاظ متون العلم بدون‎ 
إفهام» ثم يكرون على ذلك بالتدريس والإفهام» وقد أشار إلى‎ 
هذا المقصد أبو علي بن سينا في أرجوزته المنطقية..»“‎ 
مع عنايتهم بالحفظء فقد نبه العلماء -رحمهم الله- كثيراً إلى إيلاء‎ © 
الفهم والتفقه العناية الكبرى» وأوضحوا أن طالب العلم لا يكون‎ 
فقيهاً عالما بالحفظ وحده» والمشاهد في سيرتهم أن الحفظ‎ 
عندهم مرحلة من مراحل الطلب» فقد كانوا يذمون من يستمر في‎ 
الازدياد من الحفظ فلا يجمع إليه الوعي والدرس لما حفظ‎ 
وجمعء وقد سبقت إشارة إلى هذا.‎ 


)١(‏ انظر: علم نفس المراحل العمرية ص٠١٠‏ علم النفس التربوي الأسس النظرية 
والتطبيقات العملية ص774. 


(۲) آليس الصبح بقريب ص*٠.‏ 


E‏ الملكة الفقهية : حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها ,شر 
EEA E‏ 3 ع وا 
ا r‏ 0 


المطلب الثالث : الاستذكار: 
وفيه فرعان: 
الفرع الأول: مكانة استذكار العلم وأثره في رسوخه. 
الفرع الثاني: من أساليب استذكار العلم لدى الفقهاء. 


الفرع الأول: مكانة استذكار العلم وأثره في رسوخه: 

لقد مر بنا فى المبحث الثالث (مبحث الممارسة المباشرة) مطلب 
في أثر (المباحثة والمذاكرة) ق اكتساب الملكة" ويأتي هذا المطلب 
في مكانة (الاستذكار). 

فالمطلب السابق يبحث ما في المذاكرة من فائدة عائدة إلى إثارة 
المعاني واستنباطها والتفقّه في النصوص وفهمهما والمناظرة في ذلك 
والتدرب على النظر والاجتهاد. 

وأما هذا المطلب فالمقصود الأول منه هو إبراز ما في المذاكرة من 
تعاهد المحفوظ من العلم وصيانته من النسيان» وكلا المطلبين مهم في 
اكتساب الملكة. ومسلك سار عليه الفقهاء رحمهم الله. 

فاستذكار العلم أحد أسباب رسوخه.ء فبه حفظ الفقه من التفلت 
والنسيان» فالنسيان عارض طبّعي ينتج عن الإهمال وعدم الممارسة. 
فيتلاشى العلم ويضمحل" وقد قال ية «إنما مثل صاحب القرآن» كمثل 
صاحب الإبل المعقلة : إن عاهد عليها أمسكها وإن أطلقها ذهبت»” ". 
)١(‏ ص۳۲. 


(0) انظر: علم النفس التربوي الأسس النظرية والتطبيقات العملية ص 770 
2 رواه البخاري في صحيحه. كتاب فضائل القرآن» باب استذكار القرآن وتعاهده. برقم- 





, بع الفصل الثانى: شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها يي 
ا 
e‏ ن ر 


يقول ابن عبدالبر كه : «في هذا الحديث دليل على أن من لم 
يتعاهد علمه ذهب عنه أي من كان ؛ لأن علمهم كان ذلك الوقت 
القرآن لا غيرء وإذا كان القرآن الميسر للذكر يذهب إن لم يتعاهد فما 
ظنك بغيره من العلوم المعهودة؟! وخير العلوم ما ضبط أصله واستذكر 
فرعه وقاد إل الله تعالى ودل على ما TEE‏ 

ولما فى الاستذكار من فائدة بالغة حث العلماء عليه كثيراً» فجاء 
عن على ويه قوله: «تزاوروا وتذاكروا الحديث؛ فإنكم إن لم تفعلوا 
يدرس علمكم»””. وقال عبدالله بن مسعود: تذاكروا الحديث فإن حياته 
الجذا كر وعن علقمة N‏ وقال عبد الرحمن بن اس ليلى: 
إحياء الحديث مذاكرته فذاكروه. فقال عبد الله بن شداد: يرحمك الله ! 
كم من حديث أحييته فى صدري قد كان انت وقال محمد بن 
شهاب الزهري: إنما يُذهب العلم النسيان وترك المذاكرة" وقال ابن 
الجوزي: التكرار أصل عظيم» فكم ممن ترك الاستذكار بعد التحفظ 
A eas 1 : 7‏ 

-1 00 ومسلم في صحيحه» كتاب صلاة المسافرين › برقم «(Y۸A4)‏ عن 

عبدالله بن عمر رضي الله عنهما. 
)١(‏ كذاء ولعلها: أيّ علم كان. 
(؟) التمهيد .)١1#/١5(‏ 
(۳) جامع بیان العلم وفضله (۱۰۱/۱)ء شرف أصحاب الحديث ص97. 
)٤(‏ شرف أصحاب الحديث ص٤٠.‏ 
)0( شرف أصحاب الحديث ص۹۷ 
(1) جامع بيان العلم وفضله .)٠١٠/١(‏ الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع (۲/ .)٠٠١‏ 
(۷) الفقیه والمتفقه (۲/ .)۲٠١‏ 
(۸) صيد الخاطر ص157١.‏ 


ي الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها 4., 
ج 
اہ کا و 


وكما حنّوا -رحمهم الله- على استذكار العلم ومذاكرته رأينا ذلك أيضاً 
سمة بيّنة في سيرتهم العملية» فأخبارهم في المذاكرة كثيرة» وهي تصف ما 
كانوا عليه من العناية البالغة والملازمة الدائمة لهاء حتى إنهم كثيراً ما 
يقدمونها على نوافل العبادات» وقد تمتد مجالس المذاكرة أكثر الليل؛ وما 
تلك العناية إلا لما وجدوا في المذاكرة من المنفعة واللذة؛ فحسنٌ أن يقف 
طالب العلم على تلك الأخبار متعلّما ومقتديا بهدي سلفه الصالح. 


الفرع الثاني : من أساليب استذكار العلم لدى الفقهاء : 

للفقهاء -رحمهم الله- أساليب متنوعة في استذكار العلمء وإذا كان 
هذا المطلب معقوداً لبيان أثر الاستذكار في رسوخ العلم ومكانته عند 
الفقهاء؛ فمن تمام الفائدة الإشارة إلى ما تيسر من صور الاستذكار التي 
استعملها الفقهاء -رحمهم الله-؛ ليأخذ بها طالب العلم. 

وطرق الاستذكار عندهم كثيرة» وهي تعود إلى نوعين : 

© مذاكرة الفقيه وطالب العلم غيره العلم. 

© استذكار الفقيه العلم منفرداً. 

فأما المذاكرة -وهي اشتراك اثنين أو أكثر من طلبة العلم في تذاكر 
معلوماتهم السابقة- فهي أفضل النوعين وأكثرهما فائدة؛ لما تحويه من 
المنافع التي لا يجدها من يستذكر العلم منفرداً. وهي منافع تعود إلى 
مزيد ترسيخ العلم بالتحدث به وإلى ما فيها من المحاورة والمباحثة 
التي تنمي ملكات فقهية عدة سبقت الإشارة إليها. 


ال و 


, ع الفصل الثاني: شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها 0 


: عه 


o 


وللمذاكرة صور» منها : 

- إعادة الطلاب للدرس : 

فبعد أن يقوم طلبة العلم م خلقة الدرس يلعقؤن لبسكدذكروا هنا 
استفادوه من ذلك الدرس؛ ويبادرون إلى تلك المذاكرة خشية النسيان» 
فيذكرون ما استفادوه في ذلك الدرس من مسائل» ويتعاونون في شرحها 
وتصويرهاء ويفيد بعضهم بعضا بإيضاح ما أشكل منها 

عن أنس وه قال: كنا نكون عند النبي يي فنسمع منه الحديث» 
اا اک فا سا حن فط 

وقال عطاء بن أبي رباح #: كنا نكون عند جابر بن عبد الله 
ندا غاا شر جا م عنده تذاكرنا حدر 

ويذكر النووي كه من أدب العالم: أنه إذا فرغ من إلقاء الدرس أمر 
طلابه بإعادته ليرسخ حفظهم له. فإن أشكل عليهم منه شئ ما عاودوا 
الشيخ في ايضاحه ". 

ويقول ابن جماعة كَأنهُ: «ينبغي أن يتذاكر مواظبو مجلس الشيخ ما 
وقع فيه من الفوائد والضوابط والقواعد وغير ذلك» وأن يعيدوا كلام 
الشيخ فيما بينهم؛ فإن في المذاكرة نفعا عظيماء وينبغي المذاكرة في 
ذلك عند القيام من مجلسه قبل تفرق أذهانهم وتشتت تشتت خواطرهم وشذوذ 
E‏ عن أفهامهب»“. 


.0757/١( الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع‎ )١( 

(۲) الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع .)٠١ /١(‏ 

.)۸۱/١( المجموع‎ )۳( 

(5) تذكرة السامع والمتكلم ص۱۹۹ء وانظر: الجامع في أخلاق الراوي وآداب السامع 
(؟/57). الفقيه والمتفقه (7717/7). 





4, الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها‎ E 
3 ا‎ 

- مذاكرة الأقران: 

بأن يُطارح طالب العلم أصحابه مسائل العلم» فيختارون باباً أو 
مسألة من الفقه» ثم يذكر كل منهم ما يعرفه فيها: من ضوابطها 
وفروعها وصورها وأحكامها والأدلة فيها والأقوال وغير ذلك من 
الفوائد» وهذه المطارحة تفتح أبوابا من النظر والتفكير العلمى 
والمحاورة والرجوع إلى الكتب وإفادة الأصحاب والااستفادة منهم» 
فضلاً عما فيها من استذكار المعلومات السابقة» وهذا النوع من 
الاستذكار كثير جداً في سيرة العلماء رحمهم الله. 

فقد جاء عن جماعة من العلماء قولهم: كان الرجل من أهل العلم 
اذا لقي من هو فوقه في العلم فهو يوم غنيمته. سأله وتعلم منهء واذا 
لقي من هو دونه في العلم علمه وتواضع له» واذا لقي من هو مثله في 
العلم ذاكره ودارسه. 

وعن أبي بكر بن أبي موسى : أن أياهم» أتى عمر بعد العشاء 
الآخرة»ء فقال: «ما جاء بك يا أبا موسى الساعة؟» قال: نتذاكر الفقهء 
قال: فجلسنا ليلا طويلاً نتذاكرء قال أبو موسى: الصلاة! فقال عمر: 
«إنا فى صلاة»» قال: فتذاكرا حتى كان قريباً من الفجر”"'. 

وقال فضيل بن غزوان: كنا نجلس أنا وابن شبرمة والحارث العكلي 
(1) رويت هذه الكلمة عن عبدالرحمن بن مهدي. المحدث الفاصل ص٦٠۲٠‏ سير أعلام 


النبلاء 2*0 وعن أبي حازم. انظر : الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع )۲/ 


)٥‏ وعن الخليل بن أحمد. انظر: جامع بيان العلم وفضله (۱/ ۱۳۴۳). معجم 
الأدياء (7/ .)١17755‏ 
() الفقيه والمتفقه (؟//ا١7).‏ 


بعر الفصل الثانى : شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها يشمي 
بو ل i (oY E‏ 


والمغيرة والقعقاع بن يزيد بالليل نتذاكر الفقه» فربما لم نقم حتى نسمع 
التداء لصلاة الفج ". 

- سؤال المعلم طلابه فيما تعلموه من قبل وامتحانهم فيه : 

فمن أدب العالم -كما يقول ابن جماعة-: «أن يطالب الطلبة في 
بعض الأوقات بإعادة المحفوظات› ويمتحن ضبطهم لما قدم لهم من 
القواعد المهمة والمسائل الغريبة» ويختبرهم بمسائل تُبنى على أصل 
قرره أو دليل ذكره. فمن رآه مصيباً في الجواب ولم يخف عليه شدة 
الإعجاب شكره وأثنى عليه بين أصحابه؛ ليبعثه وإياهم على الاجتهاد 
في طلب الازديادء ومن رآه مقصرا ولم يخف نفوره عتفه على قصوره» 
وحرّضه على علو الهمة ونيل المنزلة في طلب العلمء لا سيما إن كان 
قو ا لعف اطا والشكن البباطا وید و کے الال 
إعادته؛ ليفهمه الطالب فهما راسخا»" ولا شك أن سلوك المعلم 
هذه الطريقة يعين تلاميذه على أن يكونوا دائمى الرعاية والاستذكار لما 
تعلموه. 

- تحديث الناس بالعلم : 

من كبير عناية العلماء باستذكار العلم وعظيم ما وجدوا من منفعته : 
أن أحدهم كان إذا لم يجد من طلبة العلم من يذاكره تحدث بذلك العلم 
إلى أي إنسان أمكن تحديثه به ولو لم يكن من طلبة العلم أو من يفهم 
وينتفع بذلك العلم» وإنما يريدون بذلك تثبيت العلم. 


+ 


000 الفقيه والمتفقه 258/7١‏ تهذيب التهذيب (6/ ١0١‏ 6). 
)۲( تذكرة السامع والمتكلم في أدب العالم والمتعلم ص8 6. 





الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها ج 
8 
قال إبراهيم: من سره أن يحفظ الحديث فليحدث به» ولو أن 


يحدث به من لا يشتهيه؛ فإنه إذا فعل ذلك كان كالكتاب فى صدره7" 2 





مر 
01 2 
ل 


وعن إسماعيل بن رجاء قال: كنا نجمع الصبيان فنحدثهم""» وجاء عن 
الزهري ته أنه كان ربما أوقظ جاريته فحدثها بما سمع من الحديث! 
فتقول: ما لي وما لهذا الحديث؟! فيقول: قد علمت أنك لا تنتفعين 
بهء ولكني سمعته الآن فأردت أن أستذكره. وكان أيضاً ربما جمع 
ال ۱ اع (ND‏ 

وأما النوع الثاني من نوعي الاستذكارء فهو استذكار الفقيه وطالب 
العلم لمعلوماته منفرداً. 

فطالب العلم لا يتأتى له مذاكرة الأصحاب في كل وقتء وهو لا 
يستغني عن استذكار العلم؛ فلا بد له من أن يستذكر منفرداًء ولهذا 
الاستذكار صور اشا منها : 

- إعادة الدرس: 
في ذلك الدرسء. بأن يعرض في ذهنه مسائل الدرس مصوّراً لها 
مستحضرا الحكم والدليل» ولا بأس في رفع الصوت في ذلك» بل هو 
قل ایو اشاق یرای 85# کیت ا عد کل در مان 


31 .- 
اثبت 


)0 الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع (7/ 400): جامع بيان العلم وفضله .)٠١١/١(‏ 

(؟) جامع بيان العلم وفضله .)٠١١/١(‏ 

(۳) الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع (؟/505). 

(54) انظر: الجامع لأخلاق الراوي (405-79494/7). تذكرة السامع والمتكلم ص١١7-‏ 
۲ مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين (2)515/77 
المجموع .)88/١(‏ 





عا الفصل الثاني : شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها م 
i e‏ . 


4 t00 

2 ا 

رو وا كان فى السثيالة سك كس سهد ةه حت القصييدة كلينا 
من ا 


- تعاهد العلم : 

وبهذه الطريقة الموصوفة آنفا يتعاهد طالب العلم ما تعلمه أياً كان 
بعبارة أخرى فضل تثبيت له وتأكيد. 
الفقه»› وقد نقل الإإسنوي عن د بعض الشيوخ قوله بخ اس فى 
للإفتاء والتدريس أن يكون عهده بباب من أبواب الفقه أكثر من عام”". 

- استذكار المحفوظات: 

سبق في المطلب السابق: أن للحفظ مكانة عالية في رسوخ العلم 
وإمساكه أن يتفلت» وأن من شأن العلماء: حفظ أصول العلم» من أدلة 
الكتاب والسنة. وحفظ ما يخدمها ويعين عليهاء ولا بقاء لهذه 
المحفوظات إلا بالاستذكارء فهي كالغرس الذي لا يحيا إلا بتعاهده 
بالسقى» وسقيه هو الاستذكار والمراجعة؛ ولهذا كان من أدب طالب 
العلم: مداومة تكرار ونان 7 ويحكي الحجوي عن الفقهاء 

O 

المالكيين قولهم : : على المفتي أن يقرأ مختصر خليل كل سنة 


.)٤۳/١( المجموع‎ )۱( 

(؟) المهمات في شرح الروضة والرافعي .)48/١(‏ 

() انظر: المجموع »)88/١(‏ تذكرة السامع والمتكلم ص٤٠.‏ 
)٤(‏ الفكر السامي ص٤۷۲.‏ 


يي الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها إت 
00 2 2 


آم ت يك 
ا افا ا ا ن ا 
فطالب العلم يقيّد في أثناء حضوره للدروس ومطالعته للكتب ما يمر 


به من الفوائد. وهذا التقييد نوع من الحفظ› ولكن لا بد مع ذلك من 
معاودة النظر فى كتبه لاستذكار ما قيّده من الفوائد. 

- أن تكون خواطر المرء وأفكاره في العلم: 
التفكيرء وهو -كما شبهه ابن القيم- كالرحى الدائرة: إن ألقي فيها حب 
نافع طحنته» وإن ألقي فيها الحصى والتراب طحنته”". 

فمن سعادة الإنسان أن تكون أفكاره فيما ينفعه في معاشه ومعاده» 
ومن أفضل ذلك: أن تكون فكرته في العلم النافع» في استذكار 
والدروس» قال سفيان: اجعلوا الحديث حديث أنفسكم وفكر قلوبكم 
CTD E a‏ 
تفظو : 

- استحضار الحكم ودليله عند كل عمل يقوم به: 

ففي هذا الاستحضار -مع حضور معنى التعبد وامتثال الأمر- 
استذكار العلم و 
)1( انظر: المجموع .)49/١(‏ 
(؟) انظر: الفوائد ص١5١.‏ 


() الجامع لأخلاق الرواي وآداب السامع .)٤٠١/۲(‏ 
2 مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح ١‏ لعثيمين .)١759/755(‏ 











بع الفصل الثانى: شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها خم 
لع كي شر س س ب 


المطلب الرابع : الاختصاص: 

سعة العلم وكثرته مع محدودية قدرة الإنسان تجعل من البعيد في 
العادة أن يكون المرء عالماً متقناً لعدد من العلوم» يكون ذا ملكة فيها 
قائطا لوليا غازنا تفروغها قاهرا على التحقف والإضياقة ها وقد 
عبّر علماؤنا -رحمهم الله- عن هذا المعنى بعبارات عدة» يقول 
الزهري كدن: «لا تكابر العلم؛ فإن العلم أودية فأيها أخذت فيه قطع 
بك»" ويقول الشافعي نه لرجل : تريد أن تكتب الحديث وأن تكون 
فقيها؟! هيهات!”'"'» وقال بعضهم: "من أراد أن يعلم كل شيء فينبغي 
لأهله أن يداووه! فإن ذلك إنما تصوّر له لشيء اعتراه»” '"» ويقرر ابن 
خلدون استبعاد تحصيل الملكة في علمين» وأن من سبقت إليه الملكة في 
علم أو صناعةٍ ما فإنه لا يجيد بعدها ملكة أخرىء «وهذا بيّن يشهد له 
الوجودء فقل أن تجد صاحب صناعة يُحكمها ثم يحكم من بعدها أخرى 
ويكون فيهما معا على رتبة واحدة من الإجادة» حتى إن أهل العلم الذين 
ملكتهم فكرية فهم بهذه المثابة» ومن حصل منهم على ملكة علم من 
العلوم وأجادها في الغاية فقل أن يجيد ملكة علم آخر على نسبته بل يكون 
مقصراً TE‏ هذا فضلاً عن تعدد الطرق واللاصطلاحات والمؤلفات 
وتنوعها في المذهب الواحد في العلم الواحد. 


(۱) جامع بيان العلم وفضله .)٠٠١٤/١(‏ 

(۲) آداب الشافعي ومناقبه لابن أبي حاتم ص790١.‏ 

(۳) الحث على طلب العلم ص*٠۷.‏ 

)٤(‏ مقدمة ابن خلدون ص٠۳۷‏ وانظر: الآداب الشرعية (۲/ ١٠٠)ء‏ التعليم والإرشاد 
ص .۲٣٤-۲٤۲‏ 

- وذلك ما أشار إليه ابن خلدون كته في قوله: «اعلم أنه مما أضر بالناس في تحصيل‎ )٠( 


الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها | 





ويزداد هذا المطلب صعوبة وبُعداً مع ما نعيشه في هذا العصر من 
تطوّر حضاري وعلمي سريع» وما فيه من اتساع المكتشفات العلمية 
وكثرة النوازل وسرعة التغيرات. 

ووجاه هذه الحقيقة المتمثلة في توقف اكتساب الملكة على 
(التركيز) و(التخصص) في علم ماء وقصور الإنسان عن الإحاطة بعلوم 
متعددة» وجدنا في التراث الفقهي أشكالا من الاختصاص العلمي الذي 
سلكه الفقهاء أو قرروه طلبا لتحصيل الملكة؛ ويمكن إبراز ذلك في 
العناوين التالية : 


© الاختصاص بعلم الفقه من بين العلوم. 

© الاختصاص بباب أو فنّ من فئون الفقه. 

© إدامة النظر في كتاب أو كتب من كتب الفقه العالية. 
وسنتناول كل واحد من هذه العناوين في فرع إن شاء الله. 


-العلم والوقوف على غاياته كثرة التآليف واختلاف الاصطلاحات في التعاليم وتعدد 
طرقها ثم مطالبة المتعلم والتلميذ باستحضار ذلك. وحينئذ يسلم له منصب التحصيل 
فيحتاج المتعلم إلى حفظها كلها أو أكثرها ومراعاة طرقها. ولا يفي عمره بما كتب في 
صناعة واحدة إذا تجرد لها فيقع القصور ولا بد دون رتبة التحصيل. ويمثل ذلك من شأن 
الفقه في المذهب المالكي بالكتب المدونة مثلاً وما كتب عليها من الشروحات الفقهية 
مثل كتاب ابن يونس واللخمي وابن بشير والتنبيهات والمقدمات والبيان والتحصيل على 
العتبية وكذلك كتاب ابن الحاجب وما كتب عليه. ثم إنه يحتاج إلى تمييز الطريقة 
القيروانية من القرطبية والبغدادية والمصرية وطرق المتأخرين عنهم والإحاطة بذلك كله 
وحينئذ يسلم له منصب الفتيا وهي كلها متكررة والمعنى واحد. والمتعلم مطالب 
باستحضار جميعها وتمييز ما بينهاء والعمر ينقضى فى واحد منها». مقدمة ابن خلدون 
ص488» وانظر : بدائع السلك ص۳۸۷» وكشف الظنون .)٤٤/١(‏ 


1 الفصل الثانى : شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها et‏ 
1 £0۹ 1 
ی کی 


الفرع الاول: الاختصاص بعلم الفقه من بين العلوم : 
وفيه مسألتان: 
الهتألة الأول جا لالب الفقه إلى الاختصاض بهد 
المسألة الثانية: ما يلزم المختص بعلم الفقه من العلوم الأخرى. 


المسألة الأولى: حاجة طالب الفقه إلى الاختصاص به: 

لطلاب العلم قديما وحديثاً مسلكان في غايتهم من الطلب: 
أن يحيط المرء بكل علم فمن الممكن أن يشارك في علوم عدة بدرجةٍ 
فانفق المشاركة .وكل سكي صاب هذا ايلك + مهيا" ويمكن 
التمثيل لهذا المسلك بقول ابن عباس ونهء ومن بعده الشعبي كآنه : 
«العلم أكثر من أن يحاط به؛ فخذوا من كل علم اخ 

والمسلك الآخر: أن يُقبل الطالب على علم واحدء يعطيه كل 
عنايته أو جلّها؛ ليكون متقنا لذلك العلمء قادرا على التصحيح 
والإضافة فيه. 
الاختصاص: القدرة على الإتقان والإضافة والتصحيح في العلم 
المختص به» وبه تُكتسب الملّكة في ذلك العلم. بخلاف الثقافة 


)١(‏ التفنن: اسم مشتق من (الفن)ء وهو واحد الفنونء وهي الأنواع» فالمتفنن : هو الجامع 
لأنواع من العلم أو غيرها. انظر : الصحاح .)۲١۱۷۷ /١(‏ 
(۲) جامع بیان العلم وفضله .)1١5/1١(‏ 


a‏ الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها ت 
الح 0 

الواسعة فهي لا تتيح لصاحبها البراعة في علم معين» وإنما تعطيه 
اطلاعا شاملا ومعرفة ا غير متعمقة» لكنها تتيح لصاحبها مجالات 
قد لا يتمكن منها المختص» منها -بالنسبة إلى طالب العلم الشرعي-: 
القدرة على المشاركة الاجتماعية بالدعوة إلى الله وبيان محاسن الإسلام 
والتدريس ونحو ذلك. وعن هذه الموازنة يعبر الخليل بن أحمد كنم 
بقوله: «إذا أردت أن تكون عالما فاقصد لمن من العلمء وإذا أردت أن 
تكون أديباً فخذ من كل شيء أحسنه”''» ويقول أبو عبيد القاسم بن 
سلام كانه كانه : «ما ناظرني رجل قط وكان مفننا في العلوم إلا غلبته» ولا 
ناظرني رجل ذو فن واحد إلا غلبني في علمه ذلك" وقال 
الأصمعي : «ما أعياني إلا المنفرى". 


وفي دراسةٍ لسيرة مئة وعشرين شخصاً من النابغين في مجالات 
متنوعة لمعرفة الظروف التي أعانتهم على النبوغ» انتهت الدراسة إلى 
إبراز ثلاثة عوامل أساسيةء أحدها: (الواجب. أو المهمة)» ويعني 
الباحثون بذلك: التركيز على حقل علمي أو مهاري محدد» «فالتعرض 
الكبير لمحتوى الحقل المحدد يُعد مكونا أساسياً في تطوير الكفاية 
البشرية وتنميتهاء ويؤدي التعرض الكبير للمعرفة المحددة في حقل 
معين إلى نتائج مهمة تقود إلى تطوير التلقائية التي تساعد بدورها -كما 
يُعتقد- على تفسير قدرات الخبراء» . 


)1( جامع بيان العلم وفضله (۱/ .)٠۳١‏ 

(۲) جامع بیان العلم وفضله (۱/ .)۱۳١‏ 

(۳) صناعة الكتاب ص١١١.‏ 

.)۲۸٤ص تطوير النبوغ: الوقت والمهمة والسياق (ضمن : المرجع في تربية الموهوبین‎ )٤( 


,بع الفصل الثاني : شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها r‏ 
ل ا ا سس سس )بيببيي I‏ 
ا اا 


وإذا كان كذلك فاللائق بطالب الملكة الفقهية هو الاختصاص بعلم 
الفقه وتوفير عنايته عليه ليخرج من ذلك بعلم راسخ وملكة قوية» مع 
الاجتهاد في أخذ المهم من كل علم؛ فإن ذلك ينفعه في العلم الذي 
اختص فيه. 

يقول ابن الجوزي كأن: «اعلم أنه لو اتسع العمر لم أمنع من 
الإيغال في كل علم إلى منتهاه» غير أن العمر قصيرء والعلم كثير... 
فمن كان ذا همة ونصح نفسه تشاغل بالمهم من كل علم» وجعل جل 
شغله الفقه ؛ فهو أعظم العلوم وأهمها»”'. 

ويقول أبو العباس المبرد ّنه ينبغي لمن يحب العلم أن يفتنَّ في 
كل ما يقدر عليه من العلومء إلا أنه يكون منفردا غالبا عليه منها علم 
يقصده بعينه ويبالغ فیه»". 

ويقول ابن حزم: «من طلب الاحتواء على كل علم أوشك أن ينقطع 
وينحسر ولا يحصل على شيءء وكان كالمحضر إلى غير غاية؛ إذ 
العمر يقصر عن ذلك وليأخذ من كل علم بنصيب» ومقدار ذلك: 
معرفته بأعراض ذلك العلم فقط. ثم يأخذ مما به ضرورة إلى ما لا بد 
له منه كما وصفناء ثم يعتمد العلم الذي يسبق فيه بطبعه وبقلبه وبحيلته 
فيستكثر منه ما أمكنه70", 

وفي هذا جمع بين حسنتي ذينك المسلكين: مسلك الاختصاص 
ومسلك التفنن» فيكون المرء مختصًا في علم ماء ومثقفا مشاركا في 
غيره من العلوم. ۰ 
)١(‏ صيد الخاطر ص۸۷". 


(۲) صناعة الكتّاب ص١١١.‏ 
(۳) مراتب العلوم (ضمن: رسائل ابن حزم الأندلسي /٤‏ ۷۸-۷۷). 


الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها زر 


IR, 
SY ع‎ 


هذا من حيث التفضيل المطلق» أما التفضيل النسبى العائد إلى كل 
شخص بعينه فيختلف باختلاف الأشخاص والأحوال» فلكل إنسان 
قدرته وميوله. ولكل زمان ومكان حاجته» فمن التوفيق أن يضع 
الإنسان نفسه حيث تصلحء ويُعملها فيما خُلقت لهء والأمة بحاجة إلى 
هذا وهذاء وإنما اللازم لكل إنسان أن يعرف نفسه وما هيئت له» ثم 
يجتهد فى طلب أعلى ما تناله قدرته. 

وهذا الأمر يُنبّه إلى أهمية أن يكون لطالب العلم هدف واضح يسعى 
إليه في طلبه للعلم؛ فلا يكفي أن يقصد طلب العلم فحسب» بل ينبغي 
أن يعرف إلى أي رتبة من العلم يسعى؟ ولأي مقام يُعد نفسه: فعدة 
الداعية والخطيب ليست كعدة العالم» وعّدة عالم العامة ليست كعدة 
عالم الخاصة. فلا بد لطالب العلم من وضوح الهدف. مبنيا على معرفة 
بقدرة النفس واستعدادهاء وعلى الصراحة والصدق والطموح الواقعي. 

(00) ٍ : 0 : ETE 

مع الاستعانة برأي من هو خبير بالشخص من معلم وأب ونحوهما"'''. 


5 م 
7 


المسألة الثانية: ما يلزم المختص بعلم الفقه من العلوم 
الأخرى: 

من آفة الاختصاص بعلم ما: أن ينقطع المختص فيه عما سواه من 
العلوم. فيقصر فيها فف ا ادك الذي اختص فيه؛ لذا كان 
لازما عند التنويه بشأن الاختصاص بعلم الفقه بحث ما يلزم المختص 
فيه من العلوم الأخرى. 


)١(‏ انظر: السبل المرضية لطلب العلوم الشرعية ص70-78. 





بع الفصل الثانيى: شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنمية لي 
و الل ا رو ل or‏ 

والعلم اللازم له ثلاثة أنواع : 

النوع الأول: العلوم الشرعية المتعيّن علمها"'". 

فمن المعلوم أن من علوم الدين ما يجب على المكلف علمه وجويا 
واعتقاده. 


وهذا العلم المتعين: منه ما يشترك في وجوب علمه المكلفون» 
كأصول الإيمان» والفرائض العامة كالصلوات الخمس وصيام رمضان» 
ومنها ما يختص وجوبه بمن قام به سببه» كما يجب على المشتغل 
بالتجارة معرفة البيوع المحرمة» وما يجب على من كان له زوج معرفة 
حقوق الزوج وأحكام معاشرتهاء ونحو ذلك. 

النوع الثاني: العلوم التي يتوقف عليها معرفة الفقه"'". 

لا يخفى ما بين العلوم الشرعية من الترابط» وأنها أحمة واحدةء لا 
يستقل بعضها عن بعض» ولا تصح معرفة العالم بجزء منها منقطعا عن 
سائر أجزائهاء ومثل ذلك يقال في علوم اللسان العربي الذي به يفهم 
الوحي من الكتاب والسنة» وتفهم به مصنفات العلماء. 

فالفقيه لا يتمكن من الاستدلال ما لم يكن قادراً على الوقوف على 
الأدلة من الكتاب والسنةء قادرا على معرفة محكمها ومنسوخاء 
وصحيح الأحازية وضعيفهاء ولا سكن من ذلك أيضا إلا بعلم 
باللسان العربي يفهم به الغريب» ويميز بين الحقيقة والمجازء ويدرك 


.75١ص انظر: نصائح منهجية لطالب علم السنة النبوية‎ )١( 
انظر: نصائح منهجية لطالب علم السنة النبوية ص؟5.‎ )۲( 





e‏ الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها )ع 
Î EE‏ ا 
ا 5 


ذلك. 


والعلوم التي يتوقف عليها معرفة الفقه هي إجمالا: علوم الشريعة 
وعلوم اللغة» ولكن تفصيل ذلك يختلف باختلاف درجة الاجتهاد التي 
يقصد إليها الفقيه» ومعرفة ذلك تُعلم مما ذكره الأصوليون في الشروط 
العلمية للمجتهد. وفي مراتب المفتين. 

فمن كان يطمح إلى الاجتهاد المطلق فقد ذكروا أنه يجب عليه أن 
يكون عالما بالأدلة السمعية من الكتاب والسنةء وأن يكون عالما 
بالمنسوخ منهاء وبصحيح الحديث وضعيفه» ولو بالتقليد لأهل العلم 
بالحديث» وأن يكون عالما بما أجمع عليه كيلا يخرج عن الإجماع» 
عارف بأسباب النزول» ولا يجب في ذلك كله أن يكون حافظا 
مستحضراً له دائماء بل المشترط أن يكون قادراً على الوقوف عليه عند 
الحاجةء وأن يعلم من النحو واللغة ما يتوقف عليه فهم الكلام»ء بأن 
يكون قادراً على الميز بين النص والظاهرء والمجمل والمبين» 
والحقيقة والمجازء والأمر والنهي» ومفهوم المخالفة ونحو ذلك» 
عارفا بأصول الفقه“. 

وأما من كان يريد الاجتهاد فى مذهب ما فيختلف ما يجب عليه 
علمه باختلاف درجة انادف رك الف وكثير من الأصوليين 
رتبوا ذلك أربع مراتب”" : 


.)5717-589/5( انظر: شرح الكوكب المنير‎ )١( 
انظر: أدب المفتي والمستفتي (ضمن فتاوى ومسائل ابن الصلاح) ص١5- /ا"ا-‎ )۲( 


e 


ا 


1 


ا الفصل الثانى : شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها aE,‏ 
x‏ . 


4 5 
3 000 


یړ 


© المرتبة الأولى: أن يكون متصفا بصفات المجتهد المستقل» غير 


مقلد لإمامه» لكن نُسب إليه لسلوكه طريقه في الاجتهاد» وقيامه 
بنصرة مذهبه والدعوة إليه وتقريره» فصاحب هذه المرتبة ممن 
يعتدٌ بقوله في الإجماع والخلاف. 

الجرقية الكاتية:-أنركون مسديندا سد مه ما لذ اور 
أصوله وقواعده» لكنه مستقل بتقرير أدلة المذهب» ومن شرطه 
أن يكون عالما بالفقه» خبيراً بأصولهء عارفاً بأدلة الأحكام 
تفصيلاً» بصيراً بالقياس» تام الارتياض بالتخريج والاستنباط. 
ومع هذا لا يخلو من شوب تقليد» وهذه صفة أصحاب الوجوه 
والطرق في المذاهب. 

المرتبة الثالثة : أن لا يبلغ رتبة أئمة المذاهب أصحاب الوجوه 
والطرق غير أنه فقيه النفس. حافظ لمذهب إمامه» عارف بأدلته» 
قائم بتقريرهاء يصوّر ويجرّد ويمهد ويقرر ويوازن ويرجح 
ويقيس» لكنه قصر عن درجة أولئك؛ إما لكونه لم يبلغ في حفظ 
المذهب مبلغهمء وإما لكونه لم يرتض في التخريج والاستنباط 
كارتياضهم» وإما لكونه غير متبحر في علم أصول الفقه. وإما 
لكونه مقصراً في غير ذلك من العلوم التي هي أدوات الاجتهاد 
الحاصل لأصحاب الوجوه والطرق. 


-والنووي في المجموع (١/41)ء‏ والسيوطي في الرد على من أخلد إلى الأرض 


ص۳۹- ٤١‏ وابن حمدان الحنبلي في صفة الفتوى والمفتي والمستفتي ص5١-‏ 23717 
وأبو العباس وقمنة قن العسودة ص لات وابن القيم في أعلام الموقعين (5/ -١70‏ 
۷,) وابن النجار في شرح الكوكب المنير -٤۸۷/٤(‏ ١١٤)ء‏ وابن بدارن في 
المدخل إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل ص190١-‏ /191. 


3 الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها 4م, 
2 7 ر کا 


© المرتبة الرابعة: أن يقوم بحفظ المذهب وفهمهء غير أن عنده 
ضعفا في تقرير أدلته وتحرير أقيسته» فهذا يُعتمد نقله وفتواه فيما 
يحكيه عن مذهبه» وأما ما لا يجده منقولا في المذهب فإن كان 
مما يُقطع فيه بانتفاء الفارق فله الإلحاق فيه»» وكذا ما كان 
مندرجاً تحت ضابط مُمَهّد في المذهب» وما لم يكن كذلك فعليه 
الإمساك عن الفتيا به» ثم هذا الفقيه لا يكون إلا فقيه النفس» 
لأن تصوير المسائل على وجهها ثم نقل أحكامها بعد استتمام 
تصويرها لا يقوم به إلا فقيه النفس. ويكفي في حفظ المذهب أن 
يكون مستحضراً لمعظمهء قادراً على مطالعة بقيته. هذه خلاصة 
ما ذكره ابن الصلاح وغيره. 
وبمعرفة صفات أصحاب هذه المراتب يتبين أن صاحب المرتبة 
الأولى والثانية يجب عليهما من الشروط العلمية مثل ما يجب على 
المجتهد المستقل. وأما صاحب المرتبة الثالثة فلم يشترطوا له إلا 
معرفته بأدلة إمامه خاصة» ومعرفتها تستلزم معرفة ما لا تفهم تلك الأدلة 
إلا به» من علم اللغة والأصول وعلم الحديث» وأما صاحب المرتبة 
الرابعة: فظاهر هذه الصفة أنه لا تشترط له معرفة زائدة على معرفة 
فروع الفقه في ذلك المذهب. 
والبحث هنا هو في القدر الأدنى الذي لا يصح النظر في الفقه 
بدونه» وأما ما ينبغي أن يكون عليه الفقيه فلا شك أنه فوق ذلك». 
فمهما ازداد الفقيه علما فهو أرسخ له. وعلى سبيل المثال: ذكروا أنه 
لا يلزم للاجتهاد حفظ القرآن. وإنما اللازم أن يكون قادراً على 
الوقوف إلى الآية عند الحاجة إلى الاجتهاد. ولا يخفى أن سيرة 


رك الفصل الثاني : شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها 0 


العلماء العملية ليست على هذاء وأن عادتهم جرت ببدء طالب العلم 
بالقرآن تجويداً وحفظاًء فلا يشرع في غيره من العلم إلا بعد إتقانه”'', 
ولكن التحرير النظري يقتضي بيان الحد الأدنىء كما يقولون فيما يجزئ 
من ستر العورة في الصلاة» ومن الإطعام في الكفارة» والنفقة على 
الزوجة» وإن كانت المروءة تقضي بالزيادة على ذلك. 

وأختم هذه المسألة بالتنبيه على أن هذه المراتب للفقهاء والمفتين 
وإن امتاز بعضها عن بعض نظريا فإنها فى الواة قع -أي في أعيان 
اا ا ا ا ا ی ر أن الفقيه الواحد 
يكون مجتهداً في أبواب أو مسائل اجتهاداً مطلقاً. ويكون مجتهداً في 
باب آخر اجتهاداً مقيداً بأصول المذهب» وفي موضع ثالث يكون 
مقلداًء وهكذا؛ وبناء على هذا: يشترط له من العلم في كل ما موضع 
ما يلبق باجتهاده ذلك. 

على أن التقيد بهذه المراتب الأربع قد يتضمن الإقرار بما تشتمل 
عليه من التقليد والتقيّد بنصوص الإمام والأصحاب مع قدرة بعض 
أصحاب هذه المراتب على الرجوع إلى النصوص» ولا سيما الفقيه 
صاحب المرتبة الثانيةء الذي وصف بمعرفته للأدلة مفصلة. وهذا 
يخالف ما تقرر من أن الواجب هو اتباع أمر الله تعالى وأمر رسوله َي 
ل وأن التقليد رخصة مقيدة بحال العجز 
عن معرفة الدليل ؛ لذا ينبغى أن يستفاد من مثل هذه المراتب بحملها 
ايها Ee‏ أي أن الواجب عليه متى 


.)١557/5( انظر: جامع بيان العلم وفضله‎ )١( 


الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها ت 
Ed‏ 


A UE 
كان قادراً: أن يرجع إلى التعوري أن وعند عدم القدرة على ذلك‎ 
ينزل إلى ما يستطيع بلوغه من العمل بالدليل» فيأخذ من أقوال الإمام‎ 
أو الأصحاب ما يراه أقرى. اويأ غيل بقول الإمام مع معرفة دليله‎ 
ومستنده» وأما التزام مذهب فقيه معين مع القدرة على معرفة الحق‎ 
بدليله فذلك ترك للواجب بلا مسوغ.‎ 

النوع الثالث: العلوم التي يتوقف عليها تنزيل أحكام الفقه على 
الواقعات. 

الفقيه الذي يزاول تطبيق الأحكام الكلية على الوقائع يحتاج مع ما 
حاجة القاضي والمفتي خاصة إلى معرفة حال الواقع ليستطيع تحقيق 
المناط فيه» وذلك كالعلم بأعراف الناس في ألفاظهم المتعلقة بالأيمان 
والإقرار والشهادة والقذف ونحو ذلك» وكالمعرفة بحقائق النوازل 
المالية والطبية فى هذا العصر› وكمعرفة ما يلزم من الحساب لقسمة 
التركات والوصايا ونحوها. 

ويختلف ما يلزم الفقيه معرفته من هذه العلوم» والقدر اللازم من 
كل علمء باختلاف المسائل التي يفتي فيهاء وباختلاف الأحوال» فيلزم 
الفارض من معرفة الحساب ما لا يلزم المفتي في العبادات» وهكذاء 
ولا يجب أن يكون الفقيه عالما بهذه العلوم» بل يكفي أن يرجع إلى 
قول آهل الخبرة» فيبني قوله على خبرتهم» ومحل بحث هذا هو موضع 

يعين على صحة الفهمء كما تقدم ص ۳۰۳. 


ع الفصل الثانى: شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها بي 
ا اد و د ص ي 


2 م 
الحديث عن (ملكات تنزيل الأحكام على الوقائع)”"' إن شاء الله فإذا 
لم يكن الفقيه عالما بما يلزم لتنزيل الحكم على الواقعة فليس له أن 
يجزم فيها بحكم» ولكن قد يسوغ له أن يفتي بحكم كلي عامء أو يذكر 
الاحتمالات الممكنة وحكم كل احتمال". 

هذه إشارة إلى ما يلزم الفقيه معرفته من العلوم الأخرىء وأما ما 
يستحب فلا حد لهء فلكل علم فائدة وثمرة» وقد مرت إشارة إلى أثر 
سعة اطلاع الفقيه ومعرفته بالعلوم النافعة على سداد رأيه واستواء 
ا 


الفرع الثاني : الاختصاص بباب أو فنّ من فنون الفقه: 

وفيه مسألتان: 

المسألة الأولى : جواز الاختصاص بعلم باب أو فن من الفقه ودعاء 
الحاجة إلى ذلك. 

المسألة الثانية: ما يلزم المختص بباب أو فن من الفقه من المعرفة 
بالأبواب والعلوم الأخرى. 
المسألة الأولى: جواز الاختصاص بعلم باب أو فن من الفقه 
ودعاء الحاجة إلى ذلك : 

نجد هذا النوع من الاختصاص الفقهي في بحث الأصوليين - 


)١(‏ المبحث الثالث من الفصل الثالث. 


(؟) انظر: المجموع .223١7/١(‏ أعلام الموقعين .)4١/5(‏ 
(۳) صهلا”. 


3 7 الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها بشن, 
للد 5 a EOS ODES ESLA‏ 57 
رجو لي 


رحمهم الله- مسألة تجزؤ الاجتهاد. وقد اختار الأكثر منهم جوازه”'"'. 
فيكون الفقيه مجتهداً في باب أو أبواب ولو لم يكن مجتهداً في غيرها 
من أبواب الفقه. 


وقد استند من منع تجزؤ الاجتهاد إلى أن أبواب الشرع وأحكامه يتعلق 
بعضها ببعض ١»‏ فالجهل ببعضها مظنة التقصير فى الباب الذي عرفه”". 

وأيضاً: فإن الاجتهاد ملكة» يقتدر بها صاحبها على استخراج 
الأحكام الشرعية من أدلتهاء فإذا ثبتت هذه الملكة كان صاحبها قادراً 
على الاجتهاد في جميع المسائل» وإن تبين فقدها في بعض المواضع 
fn ® 8‏ )۳( 
تبين عدم ثبوتها أ 

وعند التأمل يتبين أن هذين الاعتراضين لا يبطلان القول بجواز 
تجزؤ الاجتهادء ولكنهما يقتضيان تحرير القول فيه» فيقال : 

لا شك في أن الاجتهاد في باب أو مسألة لا بد له من الوقوف على 
أدلتها ومآخذهاء سواء منها ما كان مذكوراً فى مظنته وبابه وما كان 
مذكوراً في غيره» وهذا أمر لا يخالف فيه من قال بالتجزؤ» وعلى 
هذا: فلا بد للمجتهد في باب من أن يكون له من الاطلاع والدراية 


)١(‏ انظر : المستصفى (۲/ ۳۸۹). نهاية الوصول في دراية الآصول (۸/ ۳۸۳۲)» مجموع 
الفتاوى .)7١54 /5١(‏ أعلام الموقعين ۱۲۹/۷٠-١۱۳)ء‏ الاجتهاد في الإسلام 
ص٤١١‏ تجزؤ الاجتهاد عند الأصوليين (ضمن : مجلة المجمع الفقهي الإسلامي» 
العدد الخامس عشرء ص"57). 

(؟) انظر : المراجع السابقة» ومسلم الثبوت (5307/7). إرشاد الفحول ص6١55,‏ الاجتهاد 
في الشريعة الإسلامية للقرضاوي ص7؟5. 

(۳) انظر: حاشية الإزميري على مرآة الأصول (؟5378/7). إرشاد الفحول ص 255١‏ 





.22 الفصل الثاني: شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها ل 
2 227722222222222 1 ي ۾ 
2 بع 000 


بسائر الأبواب ما يحصّل به غلبة الظن المعتبرة بالإحاطة بأطراف 
العيالة 

وكذلك القول بأن الاجتهاد يعتمد على الملكة» والملكة لا تقبل 
التجزؤ: يجاب عنه بالتسليم» فالاجتهاد في باب أو مسألة لا بد 
لصاحبه من أن يكون قد ثبتت له ملكة الاستدلال. 

فإن قيل : فأين التخفيف إذن؟ وما الفرق بين المجتهد في الفقه عامة 
والمجتهد في باب منه؟ قيل : معنى صحة تجزؤ الاجتهاد: أنه يُقبل من 
الفقيه مزاولة الاجتهاد في باب دون غيره» فليس من شرط صحة اجتهاده في 
باب أن يكون قد زاول الاجتهاد في كل باب؛ وصار له فقه واختيار في كل 
مسألة» وأما أن يكون قد ثبتت له القدرة على الاجتهاد فهذا أمر لا بد منه» 
ولا يتصور الخلاف في اعتباره» فلا يصح الاجتهاد في مسألة واحدة إلا 
بعد أن يكون للمجتهد قدرة على استثمار الأدلة (وهو ما ينتظمه علم 
الأصول وعلم اللغة)ء ويكون له ملكة بممارسة ذلك» فهذه شروط وصفات 
اتترا ولا بد لا خاد مھا ولو گان خا بات او سال 

فحقيقة المجتهد في باب من الفقه: أنه مجتهد فيه بالفعل وفي غيره 
بالقوة. 

هذا ما يقتضيه الجمع بين الدليلين» وبه يعود الخلاف لفظياء وتتفق 
الكلمة على صحة الاجتهاد الجزئي» ويتبين أن تجزؤ الاجتهاد أمر لا 
ينفك منه فقيه مهما بلغ. فلا يخلو فقيه من قدر من التقليد أو 
التوقف» وبهذا أيضاً يندفع ما حذره مانعو التجزئة» والحمد لله. 


.)٠١١ /١( انظر: المستصفى (۳۸۹/۲)ء أعلام الموقعين‎ )١( 


خم الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها بين 
E VY‏ 


وفي هذا العصر الذي تشعبت فيه العلوم”'' واتجه أصحابها إلى 
التخصص الدقيق وتتابعت فيه المنجزات والمكتشفات العلمية في سرعة 
بالغة» وتواصلت الشعوب والأممء ونشأ عن ذلك العطور ؤذلك 
التواصل آثار اجتماعية وثقافية وسياسية لا حصر لهاء وكل ذلك يقتضي 
بيان الأحكام الشرعية بياناً مؤسساً على علم بالشرع وعلم بالواقع؛ 
وليس في مستطاع الفقيه الفرد مجاراة تلك المتغيرات بسرعتها 
وتفصيلاتهاء فهنا نجد في تجزؤ الاجتهاد مخرجاً يتمكن به الفقيه من 
بذل وسعه في فرع من تلك الفروع» ليكون محيطاً به -الإحاطة الممكنة- 
من ناحيتيه: الشرعية والواقعية» فيكون قادراً على الاجتهاد فيه”". 


ا 


د 


المسألة الثانية: ما يلزم المختص بباب أو فن من الفقه من 
المعرفة بالأبواب والعلوم الأخرى: 

تقريبا لصورة المجتهد في باب معين يمكن أن نستعين بما سبقت 
الإشارة إليه قريباً من مراتب المفتين” '" فنقول: إنه في الباب الذي 
يجتهد فيه يجب أن يكون بصفة أصحاب المرتبة الأولى أو الثانية» وفي 
غيره من أبواب الفقه يُقبل أن يكون فى المرتبة الثالثة أو الرابعة. 
الفقه يعود إلى خمسة أصناف: 


)١(‏ يذكر الدكتور عبدالكريم بكار: أن فروع العلوم الطبيعية كانت في أمريكا قبل نصف قرن 
نحوا من ثلاثين فرعاء وهي الآن تزيد على ألف فرع! انظر: القراءة المثمرة ص 80. 

(۲) انظر: تجديد الفقه الإسلامي» جمال الدين عطية ص ؟15. 

.٤ ٦٥ ص‎ (۳) 





ل لي ي 


الصنف الأول: المادة الفقهية في الباب الذي يريد الاختصاص 
بالاجتهاد فيه. 

ويكون ذلك العلم بها بالوقوف على ما جاء في ذلك الباب من أدلة 
الأحكام من الكتاب والسنة والإجماع» وأما أقوال الفقهاء فيه فليست 
معرفتها شرطأً للاجتهاد كما قرر جمهور الأصوليين؛ لأن تلك الفروع 
من استنباط المجتهدين بعد بلوغهم رتبة الاجتهاد فلا يتوقف الاجتهاد 
عليهاء لكن لا شك في أن معرفتها من خير ما يعين المجتهد على صحة 
الفهم» وأنها تختصر له الجهد وتذلل له سبل النظر وتمكنه من التخريج 
والتكييف. 

وليس المراد ب(الوقوف على ما جاء في ذلك الباب من أدلة 
الأحكامء ومن أقوال الفقهاء) الوقوف على كل ما كتب في ذلك 
الباب؛ فإنه غير منتهو» ولكن: الوقوف على الكتب التي تعارف العلماء 
على أن مجموعها محيط بأدلة الباب وفقهه. 

الصنف الثاني : المعرفة الواقعية في الباب الذي يريد الاختصاص 
بالاجتهاد فيه. ا 

وذلك بأن يعرف الفقيه صفة الواقع الذي يريد الاجتهاد فيه. 
وسيأتي تفصيل لما يُطلب من هذا العلم في المبحث الثالث من الفصل 
الثالث -إن شاء الله- حيث الكلام عن ملكة تنزيل الأحكام على الوقائع. 

الصنف الثالث : المعرفة بسائر أبواب الفقه. 

مما سوى الباب المراد الاجتهاد فيه» واللازم من ذلك أمران: 


أحدهما: أن يعرف تلك الأبواب معرفة يعلم بها ما يتوقف عليه 


الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها ا 


N 
8 i 
الاجتهاد في ذلك الباب الذي اختص بهء كأن يعرف المختص بباب‎ 
القضاء والشهادات -مثلاً- ما يحصل به الفسق وتسقط العدالة من‎ 
الأقوال والأفعال في جميع الأبواب» ويعرف المختص بأحكام الإجارة‎ 
ذلك.‎ 

والشاني: أن يكون عارفا بجميع مسائل الفقه» ولو على وجه 
التقليد» فهذا وإن لم يكن شرطاً يتوقف عليه الاجتهاد في ذلك الباب 
فإنه يقبح بمن يتصدى للاجتهاد أن يكون خاليا من معرفة غيره من 
الإ وات 

والخامس : المعرفة بسائر العلوم غير الشرعية. 

ويقال في هذين الصنفين ما قيل فيهما في حق المختص بعلم الفقه 
أو يتوقف عليه الاجتهاد فى ذلك الباب المعين» واستحباب الازدياد 
من علم الشريعة ومن سائر العلوم النافعة. 
الفرع الثالث: إدامة النظر في كتاب أو كتب من كتب الفقه 
العالية: 

نلحظ في سيرة بعض الفقهاء إيلاءهم عناية خاصة لكتاب أو كتب 
محدودة العدد. فيدرسونها دراسة دقيقة.ء ويكررون تلك الدراسة. 


ويمكن جعل ذلك نوعا من أنواع (التركيز) و(التخصص) في الفقه. 


ا الفصل الثاني : شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها دمي 
a‏ بٍ777_؟_؟_؟؟__ت))ب؟بي)؟ببجحححجججبييححججححجججحجحححح لإ 


a 2 


يقول المزني -التلميذ الأنجب للشافعي-: أنا أنظر فى كتاب الرسالة 
منذ خمسين سنة» ما أعلم أنى نظرت فيه مرة إلا وأنا أستفيد شيئاً لم 
أكن عرفته”''. 

ويحكي ابن سريج سدة ملازمته لمختصر المزني ودوام نظره فيه » 
وما يجتنيه منه من صقال الذهن والعلوم المتنوعة فيقول: 
ججموع لأصناف العلوم بأسرها فأخلق به ألايفارقه كم ° 


7 


ويقول الأبهري المالكي: قرأت مختصر ابن عبدالحكم خمسمئة 
مرة» وال سا خف وع مرة» والموطأ ميا وأريعوق مرة» 
قات المسوط الود 


والزريراني الحنبلي يذكر أنه طالع (المغني) ثلاثاً وعشرين مرة» وله 
عليه تعليقات وحواشي“. 


ويذكر الشيخ محمد بن عثيمين كل عن بعض مشايخه: أن الشيخ 
عبد الله بن عبد الرحمن أبابطين -رحمه الله وهو من أكبر مشائخ نجد» 
مفتى الديار النجدية- كان مكمًا على الروض المربع› لا يطالع إلا إياه 


.)77/١( طبقات الشافعية الكبرى للسبكي (؟/ 48 المجموع‎ )١( 
.)١١ /۳( طبقات الشافعية الكبرى للسبکی‎ )۲( 

(9) ترتيب المدارك .)١1857/5(‏ 

(5) ذيل طبقات الحنابلة /٥(‏ ۲). 


يي الملكة الفقهبة : حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها ,2 
ES, GA‏ 
وميه يه 


ويكرره. كلما انتهى منه كررهء لكن يأخذه بالمفهوم والمنطوق 
اشا اا 

هذه نماذج لما عليه العلماء من إدمان النظر وتكراره في كتب العلم 
العالية» ويلحظ في هذه الكتب التي اختارها أولئك العلماء ملاءتها بما 
يشحذ الملكة» وذلك بما تحويه هذه الكتب من أدلة وأقوال ومناقشة 
زهان تلماه كا أن نهنا تيحوه مر المتافر الكثيرة ا 
متكرراً على الاستنباط والقياس وغير ذلك من الملكات الفقهية» مع ما 
يستفيده الناظر فيها من استذكار المعلومات». فهي كتب للمران على 
صواب النظر وصحة الفكر الفقهي قبل كونها جوامع لمسائل الفقهء 
ويصف الدكتور عبدالكريم بكار هذا النوع من الكتب بقوله: «هناك عدد 
من الكتب... يشعر قارئه أنه لم يستنفد كل ما فيه مهما استخدم من 
مهارات القراءة» وأنه يستحق عودة ثانية» ولكن إذا عاد إليه المرء مرة 
ثانية لم يجد فيه ما كان يؤمله منه» والسبب أن فهم القارئ قد ارتقى 
بسبب قراءة ذلك الكتاب ويسبب قراءة غيره... 

هذا النوع من الكتب يحتاج إلى حسن اختيار أولاء وإلى اهتمام 
بالغ من القارئ بهء بالإضافة إلى استخدام مهارات عالية في قراءته» 
والرجوع إلى بعض الشروح والمراجع... 

هذا النوع من الكتب نادر جداً... وهو نوع لا ينضب محتواهء 
وكلما عدت اإلبة شعرت أنه بتك كانه تم عة كتف ف 
أشياء جديدة كلما عدت إليه... وهذا النوع من الكتب هو الذي يتطلب 


.)١791١ /75( انظر: مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين‎ )١( 


,بعل الفصل الثاني : شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها ي 





من الإنسان أن يُقرأ على نحو مستمر حتى يؤهل نفسه للارتقاء إلى 
مستواه» واستکناه محتواه وذخائره» ومهما استخدم القارئ من أشكال 
المقاربة له وحاول اجتراحه فإنه يسشعر أنه ما زال بحاجة إلى المزيده 
حول هذه الكتب أقيمت عشرات الدراسات والشروح والحواشي». 


ومن العوائق دون توجيه العناية إلى مثل هذه الكتب الفاضلة: كثرة 
المؤلفات في العلوم» ولا سيما في هذا العصر الذي سهلت فيه الطباعة 
والنشرء ومع ما في ذلك من الفائدة الكبيرة فإنه ينبغي الحذر مما تؤدي 
إليه تلك الوفرة في التأليف والنشر من ضعف التركيز والتأصيل وتشتت 
الجهد بين المؤلفات والانصراف عن الأفضل منها إلى المفضول؛ لذا 
كان واجبا على طالب العلم أن يكون حسن التعامل مع هذه الظاهرة 
العلمية» ومن ذلك -وهو ما يعنينا في هذا الفرع-: ألا ينسى نصيبه من 
التركيز على عيون كتب العلم وينابيعهاء وإلى هذا العائق ينبه ابن 
خلدون بقوله: «اعلم أنه مما أضر بالناس في تحصيل العلم والوقوف 
على غاياته كثرة التآليف واختلاف الاصطلاحات في التعاليم وتعدد 
طرقها ثم مطالبة المتعلم والتلميذ باستحضار ذلك» وحينئذ يسلم له 
منصب التحصيلء فيحتاج المتعلم إلى حفظها كلها أو أكثرها ومراعاة 
طرقهاء ولا يفي عمره بما كتب في صناعة واحدة إذا تجرد لهاء فيقع 
القصور ولا بد دون رتبة التحصيل...)”". 
)١(‏ القراءة المثمرة ص "١-5١‏ بتصرف يسير. 


(۲) مقدمة ابن خلدون ص4868. وانظر: بدائع السلك ص۳۸۷ التعليم والإرشاد 
ص65١7-‏ 7048 كشف الظنون /١(‏ 55). 


0 الملكة الفقهية : حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها کہ 
لل يلصي من 


المطلب الخامس : التعليم : 

لقد سبقت الإشارة إلى (التعليم) مسلكاً من مسالك الممارسة 
المباشرة للفقه”''؛ لما يقتضيه الموقف التعليمي من مزيد المراجعة 
والبحث والتحقيق» وما ينتج عن التعليم والتعرض لأسئلة الطلبة من 
ازدياد استيعاب المعلم لما يُعلمه تصورا له واطلاعا على جوانبه 
ومشكلاته وشعوراً بمواضع الضعف والخلل في معارفه» وكل ذلك 
يزيده عمقاً في فقهه وإحكاماً لما يُعلمه. 

والتعليم إلى ذلك صورة من صور تكرار العلم واستذكاره الذي به 
يُحفظ العلم من آفة النسيان والتفلت». فإذا كان الفقيه مزاولا للتعليم 
حفظ علمه وازداد فيه رسوخا. 

قال عبدالله بن الحسن: «وجدت أحضر العلم منفعة ما وعيته بقلبي 
ولكته بلساني6”". 

وقيل: ما صِين العلم بمثل العمل به وبذله لأهله. وقالوا: النار لا 
ينقصها ما أخذ منهاء ولكن ينقصها ألا تجد حطباء وكذلك العلم لا 
تقض الا قات دولك شد الان ل ب مه 

وكان يقال: علم علمك من يجهل» وتعلم ممن يعلمء فإنك إذا 
دليف لاك E U E a‏ 


وفي ترك التعليم ذهاب العلم واضمحلاله. قال مكحول كانه : 


)١(‏ ص۳۸۲. 

(۲) الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع (۳۷۳/۲). 
(۳) جامع بیان العلم وفضله .)۱۲٤/۱(‏ 

.)٠١۳/١( جامع بيان العلم وفضله‎ )٤( 


بع الفصل الثاني: شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها نا 





قدمت دمشق وما أنا بشيء من العلم أعلم مني بكذا -لباب ذكره من 
أبواب العلم- فأمسك أهلها عن مسألتي حتى ذهب!. 

وقال عروة بن الزبير: «والله ما يسألني الناس عن شيء؛ حتى لقد 
ت 

ولهذا يكون انقطاع العالم عن التعليم أمراً محزناًء قال عطاء بن 
السائب: كان سعيد بن جبير بفارس» وكان يتحزن» يقول: ليس أحد 
يسألني عن شيء!(“ 

ولذا أسرع سفيان الثوري في الخروج من بلد لا يُتاح له فيها 
التعليمء قال رواد بن الجراح: قدم سفيان الثوري عسقلان» فمكث 
ثلاثاً لا يسأله إنسان عن شيء. فقال: اكتر لي أخرج من هذا البلد؛ 
هذا بلد يموت فيه العله!(“ 


إذا كان الرسوخ ثمرة مزاولات متكررة فلا بد أن يكون للاستمرار 
في طلب العلم شأن في الرسوخ ونيل الملكة» وقد قال سعيد بن جبير 
وعبدالله بن المبارك -رحمهما الله-: لا يزال الرجل عالما ما تعلم» فإذا 
ترك العلم وظن أنه قد استغنى واكتفى بما عنده كان أجهل ما يكون*. 


.)۸٩ /۱( جامع بیان العلم وفضله‎ )١( 

(؟) جامع بیان العلم وفضله (۱/ ۱۱۷). 

(۳) الطبقات الکبری (۹/۲٥۲)ء‏ سیر أعلام النبلاء .)۴۲٤ /٤(‏ 

.)٤٠١ /۲( الجامع لأخلاق الرواي وآداب السامع‎ )٤( 

(0) كلمة سعيد بن جبير في تذكرة السامع والمتكلم ص »5١‏ وكلمة عبدالله بن المبارك في : 
المجالسة وجواهر العلم 85/0 .)١1‏ 


لت الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها 


E‏ كم چ 
I E‏ 


ا 
SN OL FIA‏ 
باستزادته من العلم مع ما أعطاه من العلم والنبوة. 

وللاستمرار في طلب العلم صور في سير العلماءء منها : 

6 طول صحبة العلماء: 

EOI ER aE OS Ek 
إلا أجبت عنه! فسألوني عن أشياء لم يكن عندي فيها جواب؛ فجعلت على‎ 
71 نفسي ألا أفارقاً حمّاداً حتى يموت» فف تماق عشر نل‎ 

رال مالك کان الرجل مخف إلى الرجل تلان سه عك مه : 

وقال عبدالله بن وهب: خرجت أنا وابن القاسم بضع عشرة سنة إلى 
مالك فة أسال آنا مالكا» وة اله ابن القاس ٠‏ 

© الصبر والاستمرار في تعلم الأبواب الغامضة وبحث المسائل 

المشكلة إلى أن تتضح : 

كما قال الإمام أحمد كَدنهُ: كنت في كتاب الحيض تسع سنين حتى 

فهمته والقرافي كانه ذكر أنه بقي ثماني سنين يبحث عن الفرق بين 


قاعدة الشهادة والرواية بحت وجده ٠‏ 


.)١١5( سورة طهء الآية‎ )١( 

(۲) تاریخ بغداد (۱۲/ ۳۳۳). 

(۳) سير أعلام النبلاء .)٠١۸/۸(‏ 

.)٠١١ /۹( سير أعلام النبلاء‎ )٤( 

(0) انظر: طبقات الحنابلة (7/ 774). 

(5) الفروق (١//ا58-5).‏ ونحو ذلك: للأمين الشنقيطي كدَنهُ. انظر: رحلة الحج إلى بيت 
الله الحرام ص8". 





a‏ الفصل الثاني : شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها 


ا 

© الدوام على طلب العلم إلى الوفاة. 

© والاستمرار في تعليم العلم وبذله. 

ومما يعين على الثبات على طلب العلم والمداومة عليه: 

© صلاح النية وخلوصها: 

فهو خير دافع إلى الاستمرار في طلب العلمء فطالب العلم مريداً 
بذلك وجه الله لا يزال يتجدد عنده الدافع إلى الطلب؛ لما يعلم من 
فضل العلم وقرب وسيلته إلى الله تعالى» بخلاف من كان طلبه لحاجة 
دنيوية فذلك قد ينقطع عن الطلب متى ما أدرك بغيته من الدنياء كما هو 
مشاهد في حال بعض من نال ما كان يطلبه من الشهادات (الأكاديمية)» 

© التقوى: 

فتقوى الله تعالى خير سبب ينال به فضل الله وتحفظ به نعمه. كما 
أن المعصية أعظم أسباب زوال النعم. ومن أجل النعم: الهداية لطلب 
العلم. 

© التخلق بالصبر والأناة» والسلامة من العجلة واليأس: 

قال ية: «ما أف أحد عطاء و ولا أوسع من شعي ان 
فليس طالب العلم إلى شيء أحوج منه إلى الصبر» وإذا فقد الطالب 


r~ 
> 
ص‎ 


5 
7 
. 


(1) رواه البخاري في صحيحهء كتاب الزكاةء باب الاستعفاف عن المسألةء برقم 
(59١1)ء‏ ومسلم في صحیحه» كتاب الزكاة» برقم ١‏ عن أبي سعد 





الملكة الفقهية : حقيقتها وشروط اکتسابها وثمراتها لعي 
5 ' 


خلق الصبر استعجل الثمرة» ولم يصبر على طول الطريق» فأدركه 
اليأس» وحكم على نفسه بالعجزء فترك الطلب. 

© وجود الكفاية والقناعة بها: 

فإذا كان لطالب العلم ما يكفيه من القوت وقنع به استطاع أن يبذل 
وقته في الطلب وأن يستمر فيه. 

© الاعتدال في الطلب: 

بأن يبذل غاية جهده في الطلب» لکن على وجه لا يدخل عليه منه 
ضرر في بدنه أو معيشته أو غير ذلك» ولا يحمل على نفسه ما لا 
تطيق» ولا يخل بالواجبات والحقوق الأخرى»ء كحق الوالدين وحق 
الزوج والولد» مع إجمام نفسه عند سآمتهاء وإعطائها بعض ما تشتهيه 
من المباحات لتقوى على الطلب ويتجدد نشاطهاء فهذا الاعتدال من 
خير ما يعين على الدوامء فقد قال ية : «عليكم من العمل ما تطيقون؛ 
فوالله لا يمل الله حتى تملوا»» وقال ية : «الدين يسرء ولن يشاد 
الدينٌ إلا غلبه؛ فسددوا وقاربوا وأبشرواء واستعينوا بالغدوة والروحة 
وشيء من الدلجةء والقضد القضد تلهرا ‏ . 

© تأخير البروز والتصدر إلى حين التأهل : 

فهذا التأخير يفسح المجال لطالب العلم لاستكمال إعداد العدة 


)١(‏ رواه البخاري في صحيحهء كتاب الإيمان» باب أحب الدين إلى الله أدومه» برقم 
«(ET)‏ ورواه مسلم في صحيحه» كتاب صلاة المسافرين» برقم »)۷۸١(‏ عن عائشة 
رضي الله عنها. 

(۲) رواه البخاري في صحیحه» كتاب الإيمان» باب الدين يسر» برقم (۳۹)» وفي كتاب 
الرقاق» باب القصد والمداومة على العمل» برقم (۳٦٤1)ء‏ عن أبي هريرة طن 


الفصل الثاني: شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها 





وإجادة دراسة العلم في أناة واعتدال» بخلاف حال المتصدر للمناصب 
العلمية قبل التأهل لهاء فاستعجاله ذلك يحرمه -مع ما فيه من التعرض 
للقول على الله تعالى بغير علم- من استتام إعداد نفسه وتكميلهاء 
ويجعله يستنكف من سؤال أهل العلم والتتلمذ عليهم والرجوع عن 
الخطأء وبذلك يحرم نفسه استمرار الرقي في درجات العله”'". 


المطلب السابع: تقدم السن : 


يعد تقدم العالم في السن مزية من المزايا المرجحة لذلك العالم على 
غيره» وهي تتضمن دلالة على مزید رسوخه في العلم› فالسن عند الفقهاء 
أحد معايير التفضيل بين العلماء عند أخذ العلم منهم واستفتائهم. 

جاء عن عن عبدالله بن مسعود نه قوله: «لن يزال الناس بخير ما 
أخذوا العلم عن أكابرهم» فإذا أتاهم من قبل أصاغرهم هلكوا»”". 
وجاء عه أيضاً قله «الشبات شعبة من الجتون9. 


وفي وصف النبي ية الخوارج بحداثة السن في سياق الذم”“ إشارة 


.7 انظر: السبل المرضية لطلب العلوم الشرعية ص47‎ )١( 

(۲) رواه الخطيب البغدادي في الفقيه والمتفقه .)٠٠١/۲(‏ وابن عبدالبر في جامع بيان 
العلم وفضله .)١169-١68/١(‏ 

(۳) رواه ابن أبي شيبة في مصنفه» کتاب الزهد» کلام عبدالله بن مسعود» برقم (۲٥٥٤۳)ء‏ 
.)١5١/0(‏ 

)٤(‏ في قوله ية «يأتي في آخر الزمان قوم حدثاء الأسنانء سفهاء الأحلام» يقولون من خير 
قول البريةء يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرميةء لا يجاوز إيمانهم 
حناجرهمء نأينما لقيتموهم فاقتلوهم» فإن قتلهم أجر لمن قتلهم يوم القيامة» رواه 
البخاري في صحيحه» كتاب المناقب» باب علامات النبوة في الإسلام» برقم 
»)51١(‏ ورواه مسلم في صحيحه» كتاب الزكاةء برقم (755 22٠١‏ عن علي طيه. 


0 الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها يم, 
ل يبي يي م م 


سا 59 
إلى أن علوَ السن منقبة وفضيلة» قال القاضى عياض : «فيه أن التؤدة 
والتثبت وقوة البصيرة مع الشيخ وكمال الشرة» لقوة العقل وصحة 
التجارب وسُكون غلبةٌ الدم المثير لكثرة الحركة» وترك التوفر». 


اثنان أو أكثر بدأ بالأسن والأكثر منهم E TEE‏ 


ارق #الاناى) أن طالب العم لا سيقي أن تى فا 
حتى يكتهل ويكمل سنه ويقوى نظره» ويبرع في حفظ الرأي ورواية 
الحديث وتبصره» ويميز طبقات رجاله» ويحكم عقد الوثائق» ويعرف 
عللهاء ويطالع الاختلاف ويعرف مذاهب العلماء» والتفسير» ومعاني 
القرآن. فحينئذ يستحق أن يسمى فقيهاًء وإلا فاسم الطلب أليق به" . 


وقد قام بعض الباحثين النفسيين بإجراء مسح لمعرفة السن الذي 
يكثر فيه الإبداع» فحدّد عدداً كبيراً من الأعمال التي يحكم عليه 
المختصون بأنها أعمال إبداعية (اختراع جهازء إيجاد معادلة رياضية» 
وضع نظرية مهمة» قصيدة بارعة..)» ثم بحث عن أسنان أصحاب هذا 
الإبداعات عندما صدرت منهم وقد ظهر من نتيجة ذلك المسح: أن 
معظم الأعمال الإبداعية في العلوم المادية كانت بين سن العشرين 


/١( إكمال المعلم بفوائد مسلم (7/ 7578). وانظر: حاشية السندي على سنن ابن ماجه‎ )١( 
(YY 

(۲) الفقیه والمتفقه (۲/ ۳۷۹). 

(۳) ترتيب المدارك وتقريب المسالك .)٠١١/١(‏ 


مغر الفصل الثانى: شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها ر 
TS‏ 


< 
4 


والثلاثين من العمرء ومعظم الإعمال الإبداعية في مجال العلوم 
الأتوناية كاتف تو نين و 

وإنما كان تقدم السن أحد معايير التفضيل» لما يتضمنه من كثرة 
التجارب العلمية والحياتية وتكررهاء وذلك أمر يزداد به العقل اكتمالا 
ويزداد به العلم رسوخا واستواءً» فإذا كان المرء سالكاً جادة الفقه فلا 
شك أنه سيزداد مع السن رسوخا وتمكناء ومردّ هذا الرسوخ إلى تكرر 
التجارب العلمية وتراكم الخبرة الناشئة عن دوام المزاولة وكثرة النظر 
وممارسة تحقيق المناطات على الواقعات. 

يقول ابن قتيبة يانه : مبينا وجه كلام ابن مسعود السابق (لن يزال 
الناس بخير ما أخذوا العلم عن أكايزهي:): لايريد: لا يزال الناس 
بخير ما كان علماؤهم المشايخ» ولم يكن علماؤهم الأحداث؛ لأن 
الشيخ قد زالت عنه ميعة الشباب وحدته وعجلته وسفهه» واستصحب 
التجربة والخبرة؛ فلا يدخل عليه في علمه الشبهة» ولا يغلب عليه 
الهوى ولا يميل به الطمع. ولا يستزله الشيطان استزلال الحدث» ومع 
السن الوقار والجلالة والهيبة» والحدث قد تدخل عليه هذا الأمور التي 
أمنت على الشيخ فإذا دخلت عليه وأفتى هلك وأهلك»”". 


ويقول الماوردي: العقل ينمو بكثرة الاستعمال. كالذي يحصل 


.5٠١ص انظر: علم نفس المراحل العمرية‎ )١( 

(9) الفقيه والمتفقه (151/79). 
وقد قُسَر أخذ العلم عن الأصاغر أيضاً: بأنه أخذ العلم عن أهل البدع وترك أقوال 
الصحابة وء وفسّر الأصاغر أيضاً بالجهال وإن كانوا كبارا في السن. انظر: جامع 
بیان العلم وفضله .)٠١۹-۱٥۸/۱(‏ الفقيه والمتفقه (۲/ .)٠١١‏ الاعتصام (۳/ .)٠٠١‏ 


ام الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها م 
ا لج 


لذوي الأسنان من الحنكة وصحة الروية بكثرة التجارب وممارسة 
الأمور؛ ولذلك حمدت العرب آراء الشيوخ» وقالوا: عليكم بآراء 
الشيوخ فإنهم إن فقدوا ذكاء الطبع فقد مرّت على عيونهم وجوه العبرء 
وتصذت لأسماعهم آثار الغِيّر. وقيل في منثور الجكم : من طال عمره 
نقصت قوة بدنه وزادت قوة عقله. وقيل: لا تدع الأيام جاهلا إلا أدبته. 
وقال بعض الحكماء: كفى بالتجارب تأديباء وبتقلّب الأيام عِظة. وقال 
بعض الأدباء: كفى مخبراً عما بقي ما مضى» وكفى عِبَراً لأولي 
SS‏ 


وقال بعض الشعراء: 
ألم تر أنالعقل زين لأهله 2 ولكنْ تمامُ العقل طول التجارب 
وقال آخر: 


إذا طال عمر المرء في غير آفة أفادت لهالأيّام في كَرَّها عقلا'") 


ويقول علماء النفس : إن الذكاء يتوقف عن الزيادة بعد سن الثامنة 
عشرة تقريباء وإن الفرق بين عقول الشباب وعقول الكبار لا يعود إلى 
ازدياد في نمو الذكاءء ولكن إلى ازدياد الخبرة» فلو وجهت أسئلة 
للذكاء لا تعتمد على الخبرة لمجموعتين إحداهما من الكبار والأخرى 
من الصغار فإننا لن نجد بينهما فرقاً يُذكر”". 

وتشير أحد البحوث الميدانية إلى ملحظ دقيق في هذا الموضوع. إذ 
يذكر الباحثون في (مشروع تطوير أبحاث النبوغ) أن أحد العوامل 


)١(‏ أدب الدنيا والدين ص١١‏ (بتصرف). 
(۲) انظر: علم نفس المراحل العمرية ص17 877-875. 


...م الفصل الثاني: شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها سمي 
رربت يريع ج اي د لي 4 
a‏ وة 


الأساسية في صقل الموهبة وتحويلها إلى نبوغ هو (طول الوقت 
المبذول في تنمية وممارسة تلك الموهبة)» لكنهم يشيرون إلى أن طول 
الوقت لا يقاس بكمية المعرفة والمهارة المتلقاة في ذلك الوقت الطويل 
تحب ولا اتل الكت اعات ر عامل (طول 
الوقت المبذول في تنمية المهارة) كان في جوهره عبارة عن «تحوّلات 
تطوّرية ونوعية» فقد تحول الأفراد» وتحوّلت المادة التعليمية» وتحوّلت 
كذلك الطريقة التي كان الأفراد يتعاملون بها مع المعلمين والمحتوى. 
كما تبنى الطلاب تدريجيا وجهات نظر مختلفة عما كانوا عليه في 
الماضي وعن خبراتهم السابقة» فضلاً عن كيفية تناغم مجال التعلم مع 
حیاتهم»'. 

فمزية (السن) تعود إلى كونها مظنة لمزيد من العلم والرسوخ 
المحصّل من التجارب. وليست مزية مطلقاء وإذا كان مرد تلك الفضيلة 
إلى ازدياد التجارب واجتماع الخبرة فإن تقدم السن إنما يكون مفيداً 
بمقدار عمارة المرء لعمره بالعلم والخبرة النافعة» وإذا خلا عن ذلك 
فإن تقدم السن قد يكون مظنة لنسيان العلم واندثار الملكة» فذو السن 
إنما يُقدم على من دونه عند التساوي في العلمء وأما إذا تقدم اللأحدثٌ 
سنا في العلم فكثيراً ما يكون هو المقدم» وقد قيل : 
وإن كبيرالقوم لاعلم عنده صغير إذا التمّتَعليه المحافل”" 


(۲) انظر: كشاف القناع .)757/١5(‏ وانظر: ما تحت الأقنعة ص١01".‏ 
(۳) جامع بیان العلم وفضله .)٠١۹/۱(‏ 


07 الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها )+ . 
ی 7 


وقد «كان القراء أصحاب مجلس عمر ومشاورته كهولا كانوا أو 
شبانا»”'"» ومما يبين ذلك -أعني: كون تقدم السن مظنة الفضل 
والرسوخ وليس فضلاً في نفسه-: ما جاء في السنة من بيان الأحق 
بالإمامة في الصلاةء في قوله كَل ايؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله. فإن 
كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة» فإن كانوا في السنة سواء 
فأقدمهم هجرة» فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سنان”". ففي 
تقديم القراءة والعلم والهجرة على السن ما يشير إلى أن السن مظنة 
فضل» فتقدم عليه حقيقة الفضل إذا علمت. 

والذي يستفاد من هذه الإشارة -أعني: أثر السن في رسوخ 
الملكة-: أن يحرص طالب العلم على الأخذ من ذوي الأسنان من 
أهل العلم في تعلّمه واستفتائه. ولا سيما فيما يعود إلى الخبرة 
وملابسة الحياة» كما يستفيد طالب العلم الشاب من هذا: التثبت فيما 
ينتهي إليه من رأي» فلا يسرع في إمضائه ولا سيما إذا تعلق بأمور 
المسلمين العامة. 


)غ0( رواه البخاري في صحيحه »2 كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة؛ باب الأقتداء بسكن 
رسول أللّه اة ۰ برقم 070 من قول ابن عباس رضي الله عنهما. 
(۲) رواه مسلم في صحيحهء كتاب المساجدء برقم (1۷۳)» عن أبي مسعود 





يأتيى هذا الفصل بياناً لجانب من جوانب الملكة الفقهية» وهو 
الثمرات والآثار الناشئة عن اكتسابها والاتصاف بهاء وفي هذا نوع من 
التعريف بالملكة»ء بإبراز بعض ثمراتها وآثارها في واقع التطبيق الفقهي. 
وفيه أيضاً ترغيب لطالب العلم في اكتساب الملكة الفقهية بطريق إبراز 
محاسنها وثمراتها الجميلة المرعبة فيها. 


وليس المقام هنا مقام استيعاب وإحاطة؛ فالحصر متعسر » ولكن 
- إصابة الحق ولا سيما فى المسائل الخفية 

أكبر ثمرات الملكة: القدرة على معرفة الصواب,. والتمييز بين الحق 
والباطل ولا سيما عند الخفاء والاشتباه» وهذا مما ينبنى على أن الحق 
الصحيح عند جماهير العلماء*"» ومع أن الله تعالى قضى بفضله 
وإحسانه أن لكل مجتهد نصيباً من الأجر فإن لإصابة الحق فضلاً 


)١(‏ انظر: فواتح الرحموت (۲/١۳۸)ء‏ الإحكام في أصول الأحكام (٤/١١۲۲)ء‏ روضة 
الناظر (۳/ .)۹۷٥‏ 


مي الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها ع 


يختص به المجتهد المصيب» ويتمثل هذا الفضل في شرف الوصول إلى 
مراد الله تعالى» وتحصيل المصالح العاجلة والآجلة المترتبة على 
ذلك» ونيل الأجرين الموعودين في قوله يَكةِ (إذا حكم الحاكم فاجتهد 
ثم أصاب فله أجران» وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر»'. 

والواضح الجلي من العلم قد لا يختص بمعرفته العلماءء فيشترك 
في العلم به كثير من الناس» ولكن تظهر مزية العالم وفضيلته 
باختصاصه بالعلم والإصابة في المسائل الخفية التي تكون مشتبهة عند 
الجهر ر الا كر هن الان ورا س عل جف العلا 

وقد اختص الله تعالى الراسخين في العلم بمعرفة تأويل المتشابه. 
فقال تعالی : وما يمم اوی إلا اه واخ ف نينر 4 وهذا على 
تفسير التأويل بمعرفة المراد من اللفظ”". وقد قال ابن عباس وي : أنا 
ممن يعلم تأويله“. 

وكل ما جاء في الثناء على أهل الفقه والحكمة فهو ثناء على من 
أوتي ملكة الفقه. لأن الملكة هي حقيقة الفقه كما سبق”*2. والحكمة 
هي ثمرة ذلك» كقوله ل امن يرد الله به خيراً يفقهه في الدين"''. 


)١(‏ رواه البخاري في صحيحه» كتاب الاعتصام بالكتاب والسنةء باب أجر الحاكم إذا 
اجتهد فأصاب أو أخطأ. برقم (١١۷۳)ء‏ ومسلم في صحيحه» كتاب الأقضيةء برقم 
)۱۷۱١(‏ عن عمرو بن العاص #5:.. 

(۲) سورة آل عمرانء الآية (۷). 

(۳) انظر: تفسير القرآن العظيم .)١١-١١/۲(‏ 

.)5١١ /5( رواه ابن جریر فی تفسیره‎ )٤( 

)0( صاه. 1 

(7) رواه البخاري في صحيحه. كتاب العلم» باب من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين» برقم 
.)/١(‏ ومسلم في صحيحه. كتاب الزكاةء برقم .)٠١١77(‏ عن معاوية مقن 





يل الفصل الثالث: من ثمرات الملكة الفقهية يي 
HEY ine‏ 


وقوله َي «لا حسد إلا في اثنتین : رجل آتاه الله مالا فسلط على هلکته 
في الحق» ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها»'. 

وقبل أن نغادر هذه الثمرة من ثمرات الملكة الفقهية (إصابة الحق 
راسا الائ الح ١‏ يذهف العزل ان۲ اهاد نى 
الو ا ی و ا ن وو ای 
الإصابة فيها من كان أوسع علماً وأحدّ ذكاءً وأمضى فهماً. كما هو 
الشأن في العلوم العقلية والتجريبية» بل الإصابة في مسائل الدين هداية 
من الله» يمنحها من علم منه صدق القصدء والإنابة إليه» قال تعالى 
«أنَّهُ ى له من ياء وََبْدِى إِلبّهِ مّن يُنِث4”". وقال تعالى: #قَدَ 
ةكم يرت أله نوُرٌ وَكِتَبٌ ميت 62 بهي به آله س اَي 
رِضْوَكمٌ سبل السّلم 2 4 ولا غنى بالعبد -مهما أوتي من 
الذكاء والعلم- عن هداية الله تعالى طرفة عين؛ ولذا كان فرضا على 
المصلى فى كل ركغة من صلاته أن يسأل ريه الهداية قائلاً «أهينا 
ا وكان من دعاء النبي كل «اللهم رب جبرائيل 
وميكائيل وإسرافيلء فاطر السماوات والأرضء عالم الغيب والشهادة. 
أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون. اهدني لما اختلف فيه 
من الحق بإذنك» إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم»”"'. 


)١(‏ رواه البخاري في صحيحه» كتاب العلمء باب الاغتباط في العلم والحكمةء برقم 
(YT)‏ ومسلم في صحيحه» كتاب صلاة المسافرين › برقم () عن عبدالله بن 

(؟) سورة الشورىء الآية .)١7(‏ 

(9) سورة المائدةء الآيتان (١٠٠ء .)١١‏ 

.)5( سورة الفاتحةء الآية‎ )٤( 

(0) رواه مسلم في صحيحهء كتاب صلاة المسافرين» برقم »)۷۷١(‏ عن عائشة رضي الله 
عنها. 


الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها 1م 





وفي مقابل هذه الأسباب من إسباب الإصابة» ثُمَّ موانع قد تحجب 
العبد عن الصواب ولو كان ذكيا ذا ملكة. ومما أشار إليه القرآن من 
موانع الاهتداء: الظلمء > قال تعالی : وله لا يَبَدِى الْقَومَ الطَيِمِينَ 74" 
والفسق» قال تعالى وله لا يى اقم ألقَيِيك4. والكبر والإصرار 
على المخالفة والتعامي عن الحق مع ظهوره»ء قال تعالى: #سَأصَرِفُ عَنْ 
“بق لیت سكيوت ف الْرّضٍ بعر لحن ون برو ڪل اتر لا بوتا 
ها وَإن يَرََأ سيل ألرشَدٍ لا يَِخذوه سييك4 ٠"‏ وخلو القلب من الرغبة 
الصادقة في معرفة الحق والعمل بهء قال تعالى ولو عَلم أله شيم حَيْا 


Goll 4 


سمو فد م 27-1 . رق .ا ير 200 
اس ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضوت) . 


ا 0 من أن يحرم 
الاهتداء والصواب لأمر علمه الله تعالى من قلبه وحالهء كما أن فيها 


ا إل أن اكرون راا العلمي لا يقتص على التتمئة العقلبة 
والمعرفية» بل يجب أن يؤسس على إخلاص لله؛ وتسليم لأمره وأمر 
رسوله ا › وأن يتعاهد ذلك بالأخذ بأسباب زيادة الإيمان» وأن يحذر 


)١(‏ سورة البقرة» الآية (۲0۸)ء وسورة التوبةء الآيتان .٠۱۹(‏ ۹٠1)ء‏ وسورة الصف الآية 
(۷)» وسورة الجمعةء الآية (۷). كما وردت هذه الآية بلفظ إن أله لا يَهَدى ألْقَوْمٌ 
ييي في أربعة مواضع أخرى من القرآن! وفي هذا التكرار من الدلالة والتأكيد على 
ما يجلبه الظلم من حرمان الهداية ما لا يخفى. 

(۲) سورة المائدة» الآية »)١١4(‏ وسورة التوبةء الآيئان (75» 2»)8١‏ وسورة الصف. الآية 
(0)» كما وردت هذه الآية بلفظ «إِنَّ أَنَّهَ لا يدِى أَلعَومْ الْمَسِقِنَ» في سورة الصفء. 
الآية ()۰ وفي هذا التكرر من الدلالة ما فى الآية السابقة. 

(۳) سورة الأعراف. الآية ١ .)١55(‏ 

(5) سورة الأنفال. الآية (77). 


.بع الفصل الثالث: من ثمرات الملكة الفقهية م 
ب م 111 
4 ا 3 عمد 2 


طالب العلم من أن يستغرق في الجانب العقلي من العلم استغراقاً 
يفوّت عليه تعزيز الجوانب الإيمانية» قال الحسن البصري كأنه: «اطلب 
العلم طلبا لا يُضر بالعبادة» واطلب العبادة طلبا لا يُضر بالعلم»”'". 


- الرسوخ 

الرسوخ في اللغة: الثبوت" والراسخون في العلم: «الذين 
تمكّنوا في علم الكتاب ومعرفة محامله وقام عندهم من الأدلة ما 
أرشدهم إلى مراد الله تعالى» بحيث لا تروج عليهم الشبه... يقال: 
رسخت القدم ترسخ رسوخا إذا ثبتت عند المشي ولم تتزلزل» واستعير 
الرسوخ لكمال العقل والعلم بحيث لا تضلله الشبهء ولا تتطرقه 
الأخطاء غالبا... فالراسخون في العلم: الثابتون فيه العارفون بدقائقهء 
فهم يحسنون مواقع التأويل ويعلمونه»” ". 

وقال ابن جرير كن : الراسخون في العلم : العلماء الذين قد أتقنوا 
علمهم ووَعَوّه» فحفظوه حفظا لا يدخلهم في معرفتهم وعلمهم بما 
I aE‏ 

وقال الراغب: الرَّاسِحٌ في العلم: المتحقّق بهء الذي لا يعرضه 


ء (o).‏ 
سبهه ۰ 


.)۱۳٣/۱( مصنف ابن أبي شيبة (۷/ ۷ ) جامع بيان العلم وفضله‎ )١( 

(۲) انظر مادة (ر س خ) في : مقاييس اللغة (۲/ ١۳۹)ء‏ الصحاح (١/١١٤)ء‏ لسان العرب 
.(A/)‏ 

(8)- الحرين والتنؤين :)۷۹6/١(‏ 

.)۲۲۳/٥( جامع البیان‎ )٤( 

)٥(‏ المفردات في غریب القرآن (رسخ) ص51908. 


5 الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها .بهل 
رک 


فالرسوخ في العلم هو التمكن والثبات فيه» وذلك ناشيء عن 
الوقوف على أدلته وبراهينه التي يقوى بها العلم ويزول الشك. ويزداد 
الرسوخ بتعدد الأدلة وتصديق بعضها بعضاء والرسوخ ناشيء أيضاً عن 
معرفة أسرار الشريعة وحكمهاء وإدراك اتساق أحكامها وتوافقهاء وبه 
تزول الشْبّه والشكوكء «بل : تصير الشكوك إذا أوردت عليه كالبراهين 
الدالة على صحة ما فى يديه. فهو يتعجب من المتشكك في محصوله 
E‏ ضوء النهار»”. 


اختص الله تعالى الراسخين ذ ني الملم بالذكر والتنويه في قوله تعالى 
#وَالسِحوْنَ في الملر يَعُوُونَ ٤امنَا‏ ب کن فو ول الي 


. رمم 


7 .امه و اعرف بض . 2 4 - و مه 2 
لکن السو ني لير يتم يئوت يُؤْمِوتَ با انر يك وما آل ين 


لن“ . 
ويظهر شرف الرسوخ في علم الفقه خصوصاً بمعرفة آثاره وعلاماته» 
فمنها : 


- الثبات على الحق» والسلامة من التزلزل أمام الشبهات والمعارضات 


وهذا بخلاف من لا رسوخ له في العلم» فهو كما قال علي وليه : 
ااينقدح الشك في قلبه بأول عارض من شبهة0”* » قال ابن القيم كله : 


.)١719//5( الموافقات‎ )١( 
.)۷( سورة آل عمرانء الآية‎ )۲( 
.)١١١( سورة النساءء الآية‎ )۳( 
.)۱۸١ /١( الفقيه والمتفقه‎ )٤( 


. بل الفصل الثالث: من ثمرات الملكة الفقهية لم 
اا _ لل 


,8 
7 © عدو“ 


«هذا لضعف علمه وقلة بصيرته» إذا وردت على قلبه أدنى شبهة قدحت 
فيه الشك والريب» بخلاف الراسخ في العلمء لو وردت عليه من الشبه 
بعدد أمواج البحر ما أزالت يقينه ولا قدحت فيه شكا؛ لأنه قد رسخ في 
العلم فلا تستفزه الشبهات» بل إذا وردت عليه ردها حرس العلم 
وجيشه مغلولة مغلوبةء والشبهة وارد يرد على القلب يحول بينه وبين 
انكشاف الحق له» فمتى باشر القلب حقيقة العلم لم تؤثر تلك الشبهة 
فيه بل يقوى علمه ويقينه بردها ومعرفة بطلانهاء ومتى لم يباشر حقيقة 
العلم بالحق قلبه قدحت فيه الشك بأول وهلة»'. 


ومن ذلك: أن الراسخ يرد المتشابه من العلم إلى المحكم» فيعود 
المتشابه محكماء ويعود الجميع متفقاء وغير الراسخ يكون ورود 
المتشابه عليه سبب فتنة وشك. 

وبهذا الثبات يكون الراسخ في العلم -بإذن الله- هاديا إلى الحق» 
كاشفا للشبه عن الناس» مبصّراً لهم بالحقائق. وهذه هي وظيفة العلماء 
الذين هم للناس كالنجوم يهتدى بهم في ظلمات الجهل. 

وكما أن الرسوخ في العلم عصمة أمام الشبهات» فهو أيضاً من خير 
العون على الصبر على البلاء والثبات عند فتنة الضراء» وقد قال الخضر 
لموسی : وف صر عل ما ر حط بو ح4 ففي هذه الآية «أن السبب 
الكبهر ليعصولةالهير إغاطة الإننبان غلها وبر ذلك الأموالدى امد 
بالصبر عليه» وإلا فالذي لا يدريه أو لا يدري غايته ولا نتيجته ولا فائدته 


.07١١ /١( مفتاح دار السعادة‎ )١( 
.)58( (؟) سورة الكهف. الآية‎ 


الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها )هم 






. ير 
0 1 


رص سم صم 


وثمرته ليس عنده سبب الصبر ؛ لقوله: ل وکف صر عل ما لر حط يو خر 
فجعل الموجب لعدم صبره» عدم إحاطته خُبْراً بالأمر»”"". 


- الاظراد والسلامة من التناقض 

فالفقيه إذا اتسع نظره في أدلة الشريعة وقواعدها أدرك ما بينها من 
الاتصال والاتساق» ولحظ الروابط الخفية بين الأحكام التي قد تُرى 
في بادي الرأي متباعدة ومختلفة» فيشهد عودها إلى ينبوع واحد ومقصد 
واحد» وبتكراره للنظر يزداد إدراكه عمقاء ويتجاوز الظواهر ليبصر 
الحقائق؛ فتصدر أقواله متفقة مطردة من مشكاة واحدة. 

يقول الشاطبي لله : «كل من تحقق بأصول الشريعة فأدلتها عنده لا 
تكاد تتعارض» كما أن كل من حقق مناط المسائل فلا يكاد يقف في 
متشابه؛ لأن الشريعة لا تعارض فيها ألبتة» فالمتحقق بها متحقق بما فى 
نفس الأمر؛ فيلزم أن لا يكون عنده تعارض»”". 

وبهذا الاطراد والنظر الشامل فى الشريعة يتحقق للفقيه الاعتدال في 
الحكمء وقَدّرٌ الأمور قدرها بميزان الشرعء فلا يكون نظره في جانب 
تضييعا لمراد آخرهء ولا يشغله النظر فى الجزئيات عن حفظ الكليات 
ولا العكس» بل يكون قائما برعاية المصالح كلها متوسطاً بين طرفي 
الإفراط والتفريط”". 
() تيسير الكريم الرحمن ص057. 


(۲) الموافقات .)١۷٤/٤(‏ 
(۳) انظر: الموافقات .)١١١/٤(‏ 


.25 الفصل الثالث: من ثمرات الملكة الفقهية 
e‏ 


ومن صفة الفقيه صاحب هذه السمة: كثرة تعليله بالقواعد الفقهية» 


ا 
F‏ 144 


وإيراده للنظائر لها من شتى الأبواب. 


ولا باس :يضرت مثل للأطراة من فقه ابن ية وابن القيم -رحمهما 
الله-» وهو أنهما قررا أن الطلاق ثلاثاً بكلمة واحدة طلقة واحدة» وأن 
ذلك هو مقتضى عرف الشرع واللغة. قال ابن القيم كه : «وما كان مرة 
بعد مرة لم يملك المكلف إيقاع مراته كلها جملة واحدة» كاللعان» فإنه 
لو قال: (أشهد بالله أربع شهادات إني لمن الصادقين) كان مرة واحدةء 
ولو حلف في القسامة وقال: (أقسم بالله خمسين يمينا أن هذا قاتله) 
كان ذلك يمينا واحدة» ولو قال المقر بالزنا: (أنا أقر أربع مرات أني 
زنيت) كان مرة واحدة» فمن يعتبر الأربع لا يجعل ذلك إلا إقراراً 
واحداًء وقال النبي يَكلِةِ: «من قال في يومه سبحان الله وبحمده مائة مرة 
حطت عنه خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر» فلو قال: «سبحان الله 
وبحمده مائة مرة» لم يحصل له هذا الثواب حتى يقولها مرة بعد مرة» 
وكذلك قوله: «من سبح الله دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين» مداتا 
وثلاثين» وكبره ثلاثا وثلاثين» الحديث. لا يكون عاملا به حتى يقول 
ذلك مرة بعد مرة ولا يجمع الكل بلفظ واحدء وكذلك قوله: «من قال 
ف ترك لزنه إلؤ. لاوجب E‏ ا غ 
كل شيء قدير مائة مرة كانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى 
يمسى» لا يحصل هذا إلا بقولها مرة بعد مرة» وهكذا قوله #يتأيّها 
الت ا اكتف و منک نين ذا كلكا كله ينك كلد 
مرّنْ4”''. وهكذا قوله في الحديث: «الاستئذان ثلاث مرات» فإن أذن 


.)08( سورة النورء الآية‎ )١( 


2 الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها د 


لك وإلا فارجع». لو قال الرجل ثلاث مرات هكذا كانت مرة واحدة 
حتى يستأذن مرة بعد مرة... فهذا المعقول من اللغة والعرف في 
الأحاديثِ المذكورق وهذه النصوصٌ المذكورةٌ وقولّه تعالى طالطلَنُ 
َا“ كلها من باب واحد ومشكاة واحدة» والأحاديث المذكورة 
تفسر المراد من قوله #الطَلَقٌ عَرَّنَانَ#. كما أن حديث اللعان تفسير لقوله 

لقوله تعالى فهر أَحرِهِرٌ 5 دن با 4 2 

ففي هذا التقرير من ابن القيم كانه يظهر الرسوخ متمثلا في إدراك 
هذا العالم لما بين الأدلة من الاتفاق واستحضاره للنظائر المؤكدة 
لصحة الاستقراء وتقعيده لذلك بلا فرق بين المتماثلات. 

ثم يزداد هذا الرسوخ ظهوراً عندما يُورّد على الشيخين دليل قد يُرى 
ظاهره مخالفا لما قرراهء وذلك هو قول النبي كيِ: «سبحان الله 
EEE‏ لفقي مهد ل كيدا على بونذ فول امدق 
أنت طالق ثلاثاً. 


5 


فيجيب ابن تيمية كآنه جوابا يدفع هذه الشبهة ويحفظ اطراد الأدلة 
فيقول: «قول النبى يَلِِ... سبحان الله عدد خلقه... معناه أنه سبحانه 
يستحق التسبيح بعدد ذلك» كقوله يه : «رينا ولك الحمد» ملء 
السموات وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد)» 


.)779( سورة البقرةء الآية‎ )١( 

(۲) سورة النورء الآية (5). 

() أعلام الموقعين (5/ 027814-87 وانظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (17/ 
1-؟۱). 

(5) رواه مسلم في صحيحهء كتاب الذكر والدعاء» برقم (١۲۷۲)ء‏ عن جويرية بنت 
الحارث رضي الله عنها. 


معي الفصل الثالث: من ثمرات الملكة الفقهية عل 


8 

2: سس سجس ص سس سس ص حص تس ا سسس وق‎ j 

2 8 ر‎ 
a ١ 


اراد فش ا دو دل الا ار ركان وهف 
سبح تسبيحا بقدر ر تار 

العبد. وفعله محصورء وتارة يكون لما يستحقه الرب› فذاك الذي 

لم يكن قد سبح إلا مرة واحدة» ولما شرع النبي كَلةِ أن يُسبّح دبر كل 

وو وی و وک ا و 
ثين ثين» ويكب ثين 

قال: (سبحان الله والحمد لله والله أكبر عدد خلقه) لم يكن قد سبح إلا 


ما 


- طمأنينة الفقيه لصحة ما انتهى إليه اجتهاده 


بأن يطمئن لصحة المسلك الذي اتبعه في اجتهاده وإن لم يقطع 
بصواب قوله» وهذه الطمأنينة تعطى المجتهد غلبة الظن بصحة القول» 
وغلبة الظن هذه هى مناط جواز التعبد لله بنتيجة الاجتهاد والإفتاء بها. 


وهذه الطمأنينة إلى صحة الاجتهاد قد تقوى لدى الفقيه حتى تكون 
لديه علما يقينيا بصحة قوله. وقد يظهر أثر هذا الجزم والثقة في كلام 
الفقيه بإقسامه على الجواب» ولابن أبي يعلى -رحمهما الله- جزء في 
المسائل التي حلف عليها الإمام أحمد» أو باستعداده لمباهلة من 
يخالفه» كما جاء عن ابن عباس ويا في مسألة العول”". 


وقد نبّه ابن تيمية ينه إلى أن اتصاف المسألة بكونها قطعية أو ظنية 
)١(‏ إقامة الدليل على إيطال التحليل (۳/ 44)ء مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 


(۳۳/١١)ء‏ وانظر: المنار المنيف في الصحيح والضعيف ص۷١.‏ 
)۲( رواه البيهقي في سنئه (5/ *ه؟). 


2 الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها 6 
از ۹و چ قن :4 


کم ی 
هي صفة نسبية» أي أنها تكون قطعية بالنسبة إلى ناظر ماء لما أدرك من 
أدلتها ولا يلزم أن تكون لغيره كذلك”'. ۰ 

وينتج عن هذه الطمأنينة والثقة أيضاً: جُرأة الفقيه بالقول بما تبين له 
من الحق وإن خالفه غيره» «فلا يبالي في القطع على المسائل أثْصض 
عليها أو على خلافها»"» وإن كان المخالف هم الجمهور من 
العلماءء ومعلومة المسائل التي خالف فيها ابن تيمية كته المذاهب 
الأربعة"» وبهذه الطمأنينة أيضاً يقول الفقيه أيضاً في مسائل لم يسبق 
لغيره فيها قول» وفي هذا يقول أبو المعالي الجويني كانه عن نفسه: 
الست أخاف إثبات حكم لم يدونه الفقهاء ولم يتعرض له العلماء؛ فإن 
معظم مضمون هذا الكتاب لا يلفى مدونا في كتاب» ولا مضمنا 


لات 


ويقول الذهبي في ترجمة شيخ الإسلام ابن تيمية كأنه: «أطلق 
عبارات أحجم عنها الأولون والآخرونء وهابوا وجسر هوء حتى قام 
عليه خلق من علماء مصر والشام قياما لا مزيد عليه وبدعوه وناظروه 
وکابروه» وهو ثابت لا یداهن ولا يُحابي» بل يقول الحق المر الذي 
أداه إليه اجتهاده وحدّة ذهنه وسعة دائرته في السنن والأقوال». 


.)۳۸٤-۳۸۳ /۱۰( انظر: مجموع الفتاوى‎ )١( 

(؟) الموافقات .)١78/58(‏ 

)۳( انظر: العقود الدرية ص۳۲۲٠‏ تيسير الفقه الجامع للاختيارات الفقهية لشيخ الإسلام 
ابن تیمیة (۲۱-۱۹/۱). 

)٤(‏ غیاث الأمم ص٤۰۳۸‏ ف۳۷۸. 

(5) نقله عنه ابن عبدالهادي في العقود الدرية ص7١١.‏ 


,بع الفصل الثالث: من ثمرات الملكة الفقهية ا 
ا E‏ 
2 دی 


- هيبة الفتوى والتثيّت فيها 

التثبت في الفتوى -خلافا لما قد يبدو للرأي- أثر من آثار الرسوخ 
كل سؤال بجواب فاصل من علامات قلة العلم» فصاحب العلم الواسع 
يُدرك من جوانب الموضوع المختلفة وأدلته المتقابلة ومقتضياته 
المتضادة وما ينشأ عن ذلك من تعدد الأقوال ما يحمله على مزيد من 
التأمل والتدقيق » ويدفعه في كثير من الأحيان إلى أن يُخرج القول الذي 
: : 2 )1( 
یختاره في وجه من التحفظ وعدم الجزم'' » محاولا إنزاله المنزلة 
الأليق به بين مراتب القطع والظنء بل ربما صار إلى التوقف فى 
المسالة والتصريح بعدم العلم. 

قال سحنون بن سعيد يل : «أجرأً الناس على الفتيا أقلهم علماء 
يكون عند الرجل الباب الواحد من العلم يظن أن الحق كله فيه»! 
وقال: «إنى لأحفظ مسائل» منها ما فيه ثمانية أقوال من ثمانية أئمة من 
العلماء! فكيف ينبغي أن أعجل بالجواب حتى أتخيرء فلم ألام على 

(۲) 

حبس الجواب» . 
- التأمّل للقيام بفريضة الاجتهاد 

فرض على المسلمين أن يكون منهم طائفة قادرة على الاجتهادء 
تقوم ببيان حكم الله تعالى وإنفاذه؛ فإنه «لا بد من حدوث وقائع لا 


العبارات القاطعة مثل (يحرمء يباح » يجب)» واستعمالهم مثل (أرجوء أكره» لعله..). 
(؟) جامع بیان العلم وفضله (۲/ »)٠١١‏ أعلام الموقعين (؟55/7). 


حي الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها إعر, 
2 چ 


فإما أن يُترك الناس فيها مع أهوائهم. أو ينظر فيها بغير اجتهاد شرعي 
وهو أيضاً اتباع للهوى. وذلك كله فسادء فلا يكون بد من التوقف لا 
إلى غاية» وهو معنى تعطيل التكليف لزوماء وهو مؤد إلى تكليف ما لا 
يطاق؛ فإذاً لا بد من الاجتهاد في كل زمان؛ لأن الوقائع المفروضة لا 
تختص بزمان دون زمان"''؛ فالما لم يكن بُدَ من تعرّف حكم الله في 
الوقائع» وتعرّفٌ ذلك بالنظر غير واجب على التعيين» فلا بد أن يكون 
وجود المجتهد من فروض الكفايات» ولا بد أن يكون في كل قطر ما 
تقوم به الكفايات»". 


وإذا كان الاجتهاد فرضا كفائيا على المسلمين فمن شرط التأهل 
له: كون القائم به ذا ملكة راسخة وفقه نفس» وبهذا صرح كثير من 
الأصوليين”"'؛ وذلك ليتمكن من استثمار الأدلة على وجه صحيح 
موافق لمقاصد الشرع» في يسر وتمكن وثقة منه بصحة نظره واستدلاله. 


.)٥١ /٤( الموافقات‎ )١( 

(۲) البحر المحيط (1/7٠۲)ء‏ وينظر في تقرير كون الاجتهاد فرضا في كل عصر: الرد على 
من أخلد إلى الأرض س 62 کر یرال ساد ی اتل إلى مذهب الإمام 
أحمد بن حنبل ص۸٦"۳.‏ 

(*) انظر: صفة المفتي والمستفتي (ضمن: فتاوى ابن الصلاح ١/١۴۳۷-۲)ء‏ المجموع /١(‏ 
423٠٠١ -5‏ غياث الأمم ص »48١0‏ الرد على من أخلد إلى الأرض ص79- .4١‏ تقرير 
الاستناد ص 4ة4. صفة الفتوی والمفتی والمستفتی ص6١. 021١8‏ 2757 277 المسودة 
م ي ال 4011/10 قير وال ملي رر :الال ين 
الهمام ۴٤۹/6‏ شرح الكوكب المتير (415/4:-4314):البخر المخيط (184/5): 
نهاية السول في شرح منهاج الأصول /٤(‏ ۲۷٥)ء‏ إرشاد الفحول ص ا٨٦‏ الفتاوى 
الفقهية الكبرى (5/ :.)١97‏ الفكر السامي ص79لا. ١4لاء‏ جمع الجوامع مع حاشية 
العطار (۲/١١٤)ء‏ المدخل إلى مذهب الإمام أحمد ص58”. 





5 الفصل الثالث : من ثمرات الملكة الفقهية ا 


n 
a e 2 


ونتيجة ذلك: أن تحصيل ملكة الاجتهاد فرض كفاية على 
المسلمين”''. وأن من ثمرة تحصيل الملكة: التأهل للقيام بفريضة 
الاجتهاد. والتأهل للقيام بما يُشترط له الاجتهاد من الواجبات التي لا 
بد منها لقيام أمر الدين» كالفتيا والقضاء والإمامة العظمى وغيرها”". 


- التصور المحيط والشامل للمسألة المبحوثة 

من ثمرات الملكة: إبصار الفقيه المسألة من جميع جوانبهاء 
فيشاهد ما يمكن وقوعه تحتها من أحوال واحتمالات» وقد يظهر هذا 
في تفصيله وتقسيمه في مسائل يراها غيره غير منقسمة ولا متعددةء 
وبهذا الإدراك التفصيلي يشعر الفقيه بكافة الصور المندرجة تحت 
المسائل المجملة؛ ويعطي كل صورة ما يليق بهاء ويلحظ ما قد ينتاب 
بعض الصور من إشكالات» وبهذا يتمكن المفتي من الجواب الصحيح 
المطابق للواقعة المسؤول عنهاء ومن غير هذا الإدراك الشامل قد ترد 
«عليه المسألة مجملة تحتها عدة أنواع فيذهب وهمه إلى واحد منها 
ويذهل عن المسؤول عنه منها؛ فيجيب بغير الصواب»". 

ومن الأخبار المستحسنة الموضحة لهذه الثمرة: ما جاء في سيرة 
أبي حنيفة كأنه مع تلميذه أبي يوسف. وهو أن أبا يوسف مرض مرضا 
شديدا؛ فعاده أبو حنيفة مراراء فصار إليه آخر مرة فرآه ثقيلا؛ فاسترجع 
تونقال: لقد كنت أؤيلك بعدى للمسليين : ون صب الان بك 


)١(‏ انظر: تكوين الملكة الفقهية ص77. 

(؟) بث السيوطي ية الولايات الشرعية التي يشترط للقيام بها الاجتهاد, تُنظر في: الرد 
على من أخلد إلى الأرض ص5١-55.‏ 

(۳) أعلام الموقعين (41/7). 


الملكة الفقهية : حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها م 


دم 
0° 3 
3 9 

: . وم 4 


فأخبر بقول أبي حنيفة فيه؛ فارتفعت نفسه» وانصرفت وجوه الناس 
كلامك فيه» فدعا رجلا كان له عنده قدر فقال: سر إلى مجلس يعقوب 
فقل له: ما تقول في رجل دفع إلى قصار ثوبا ليقصره بدرهم فسار إليه 
بعد أيام في طلب الثوب فقال له القصار: ما لك عندي شىء وأنكره. 
ثم إن رب الثوب رجع إليه فدفع إليه الثوب مقصوراًء أله أجرة؟ فإن 
قال: له أجرة. فقل: أخطأت! وإن قال: لا أجرة له: فقل أخطأت! 

فسار إليه فسأله» فقال أبو يوسف: له الاجرة. فقال له: أخطأت! 
فنظر ساعة ثم قال: لا أجرة له. فقال له: أخطأت! 

فقام أبو يوسف من ساعته فأتى أبا حنيفة» فقال له: ما جاء بك إلا 
مسألة القصار! قال: أجل. فقال: سبحان الله! من قعد يفتي الناس 
وعقد مجلساً يتكلم في دين الله وهذا قدره لا يحسن أن يجيب في 
مسألة من الإجارات! فقال: يا أبا حنيفة علمنى. 

فقال: إن كان قصره بعدما غصبه فلا أجرة له؛ لأنه إنما قصره 
لنفسهء وإن كان قصره قبل أن يغصبه فله الأجرة؛ لأنه قصره لصاحبه. 

ثم قال: من ظن أنه يستغني عن التعلّم فليبك على نفسه”'". 
- يُسر الوصول إلى الأحكام 

لا يختص صاحب الملكة الفقهية بالوصول إلى الحكم»ء فهذا أمر 


.)۷۹-۷۸ /۲( أخبار أبى حنيفة وأصحابه ص8 ؟.ء الفقيه والمتفقه‎ )١( 


.22 الفصل الثالث: من ثمرات الملكة الفقهية ر 
e‏ سسب ببق 00V‏ #1 
N‏ 5 8 5 


قد يشاركه فيه من كان عارفا بأدوات البحث الفقهي وإن لم يكن ذا 
ملكة» لكن صاحب الملكة يختص بكون ذلك الوصول يأتي في يُسر 
وقلة عناء» وذلك أثر للدربة الناشئة عن كثرة الممارسة» فالملكة عقا" 
مزيد «تعين الشخص على سرعة البديهة في فهم الموضوع وإعطاء 
الحكم الخاص a‏ 

والفقيه يحتاج إلى سرعةٍ في الوصول إلى الحكم الشرعي ولا سيما 
في مقام الإفتاءء يقول أبو المعالي الجويني أنه موجزاً القول في صفة 
المفتي: «القول الوجيز في ذلك: أن المفتي هو المتمكن من درك 
أحكام الوقائع على يسر من غير معاناة تعلم”"؛ ولذا رأئ تعض 
الأصوليين من شرط المفتي أن يكون حافظا لمسائل الفقه -وإن لم يكن 
هذا شرطاً في المجتهد- لأن حال المفتي يقتضي أن يكون على صفة 
يسهل معها إدراك أحكام الوقائع على القرب خم عون قر وهذا 
لا يخصل إلا بحفظ أبواب الفقه ومسائله". 

وسرعة الوصول إلى الحكم هي ثمرة ملكة تصور جيدء ولا شك أن 
لجودة الفكر وتوقّد الذكاء أثر كبير في ذلك» ومما يروي عن الأئمة فى 
هذا: ما جا ممق أت شقن يرنه انه قي لد ااا ا 
قاضيا بالكوفة- جلد امرأة مجنونة قالت لرجل: يا ابن اا حدين 
بالمسجد وهي قائمة. فقال أبو حنيفة بداهةً: أخطأ من ستة أوجه !°“ 


)١(‏ تكوين الملكة الفقهية. 

(0) غياث الأمم ص١48.‏ 

(9) وهذا ما صححه ابن الصلاح. انظر: صفة المفتي والمستفتي (ضمن فتاوى ابن الصلاح 
.(Y/‏ 

(5) انظر: أحكام القرآن (57/5). 


j‏ الملكة الفقهية : حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها .إعر, 
الوق ا ي 
عه os‏ 


قال ابن العربى: هذا الذي قاله أبو حنيفة بالبديهة لا يدركه أحد 


بالروية إلا العلماء» ثم شرح هذه الأوجه'". 


وعن علي ضيينه أنه سئل عن رجل مات وترك أبوين وابنتين وأمرأة؟ 
فقال: لاضبار ثمنها تسيخ] 770 .وكير ف"الفقهاء هذه المسألة بالمتيرية 
لأن عليا سئل عنها وهو على المنبر فقال ذلك ومضى في خطبته” ". 
- الانفكاك من سلطان اللفظ 

للألفاظ سلطان آسر لضعفاء المتفقهين. الواقفين عند ظاهر اللفظ 
غير متجاوزيه إلى حقيقة المعنى» ولهذا الأسْر صورء منها: الاغترار 
بظاهر عبارات المستفتين والوقوع في شراكهم بإخراج الفتوى على 
الوجه الذي يريدونه مع الغفلة عن حقيقة الصورة المستفتى عنها. 

يقول ابن القيم كآنه : «المفتي ترد إليه المسائل في قوالب متنوعة 
جداًء فإن لم يتفطن لحقيقة السؤال وإلا هلك وأهلك: 

فتارة تورد عليه المسألتان صورتهما واحدة وحكمهما مختلف»ء 
فصورة الصحيح والجائز صورة الباطل والمحرم» ويختلفان بالحقيقة. 
فيذهل بالصورة عن الحقيقة» فيجمع بين ما فرق الله ورسوله بينه. 

وتارة تورد عليه المسألتان صورتهما مختلفة وحقيقتهما واحدة 
وحكمهما واحدء فيذهل ات الصورة عن تساويهما في الحقيقة. 
فيفرق بين ما جمع الله لو وأكثر الناس -كما يقول ابن القيم- 
)١(‏ انظر: أحكام القرآن (47/4). 

(۲) مصنف ابن أبي شيبة :)١08/57(‏ سنن الدارقطني (0/ .)17١‏ 


(۳) انظر: المغني (۳۹/۹). 
(5) أعلام الموقعين (45/5). 


2 الفصل الثالث: من ثمرات الملكة الفقهية اوور" 
ا 0ه 4ك 





يقبلون الشيء بلفظ» ویردونه بعینه بلفظ آخر»'» ف«نظرهم قاصر على 
الصور لا يتجاوزونها إلى الحقائق» فهم محبوسون في سجن الألفاظ. 


1 E 
مقيدون بقيود العبارات»‎ 


ويذكر ابن القيم كن مثالا لهذا فيقول: 

«وأذكر لك من هذا مثالا وقع في زمانناء وهو أن السلطان أمر أن 
يلزم أهل الذمة بتغيير عمائمهمء وأن تكون خلاف ألوان عمائم 
المسلمين» فقامت لذلك قيامتهم. وعظم عليهم› وكان في ذلك من 
المصالحء وإعزاز الإسلام وإذلال الكفرة ما قرت به عيون المسلمين» 
فألقى الشيطان على ألسنة أوليائه وإخوانه أن صوروا فتيا يتوصلون بها 
إلى إزالة هذا الغِيار”". وهي: ما تقول السادة العلماء في قوم من أهل 
لهم بذلك ضرر عظيم في الطرقات والفلوات وتجرأ عليهم بسببه 
السفهاء والرعاع وآذوهم غاية الأذى» فطمع بذلك في إهانتهم» 
والتعدي عليهم» فهل يسوغ للإمام ردهم إلى زيهم الأول» وإعادتهم 
إلى ما كانوا عليه مع حصول التميز بعلامة يعرفون بها؟ وهل في ذلك 

فأجابهم من منع التوفيق وصد عن الطريق بجواز ذلك؛ وأن للإمام 
إعادتهم إلى ما كانوا عليه. 


)01( الداء والدواء ص5 .١16‏ 

(۲) اعلام الموقعین (457/5- 48). 

(۳) الغيار: هو لبس أهل الذمة ثوبا يخالف لونه بقية ثيابهم ليُعرفوا به. انظر: كشاف القناع 
6١/0‏ ؟). 


امي الملكة الفقهية : حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها 0 
1 ع 
م دن 

قال شيخنا: فجاءتنى الفتوى» فقلت: لا تجوز إعادتهم» ويجب 
إبقاؤهم على الزي الذي يتميزون به عن المسلمين» فذهبوا ثم غيروا 
الفتوى» ثم جاءوا بها في قالب آخرء فقلت: لا تجوز إعادتهم. فذهبوا 
ثم أتوا بها في قالب آخرء فقلت: هي المسألة المعينة» وإن خرجت في 
عدة قوالب. ثم ذهب إلى السلطان وتكلم عنده بكلام عجب منه 
الحاضرون» فأطبق القوم على إبقائهم. ولله الحمد. 

ونظائر هذه الحادثة أكثر من أن تحصى ؛ فقد ألقى الشيطان على ألسنة 
أوليائه أن صوّروا فتوى فيما يحدث ليلة النصف في الجامع» وأخرجوها 






في قالب حسن ؛ حتى استخفوا عقل بعض المفتين» فأفتاهم بجوازه. 

وسبحان الله! كم توصل بهذه الطرق إلى إبطال حق وإثبات باطل» 
وأكثر الناس إنما هم أهل ظواهر في الكلام واللباس والأفعال» وأهل 
النقد منهم الذين يعبرون من الظاهر إلى حقيقته وباطنه لا يبلغون عشر 
معشار غيرهم ولا قريباً من ذلك» فالله المستعان»'. 

ومن صور الاستئسار للألفاظ : حمل كلام العلماء والمؤلفين على 
معنى باطل ؛ اتباعا لظاهر اللفظ› مع أن التجوّز أمر وارد في الكلام» 
فربما يتجوّز العالم في جواب أو تقرير اتكالا على فهم السامع وإدراكه 
للقواعد. فيقع قليل الفقه في الغلط تمسكاً بظاهر اللفظ. 

يقول ابن حجر الهيتمي كن : «التجوز البعيد يقع في كلام الأئمة 
كثيراً اتكالا على فهم الناظرين في كتبهم»”". 


)١(‏ أعلام الموقعين» الموضع السابق. 
(۲) الفتاوى الفقهية الكبرى .)۱۸/١(‏ 





عل الفصل الثالث: من ثمرات الملكة الفقهية 





ويقول رداً على من نسب إلى سراج الدين البلقيني قولا غلطاً في 
إحدى المسائل: «إذا اتضح لك ما ذُكر من أنه يتعين حمل كلام البلقيني 
على ما مر علمتَ خطأ من تمسك بإطلاقه البطلان» وزعم أنه لا فرق 
بين أن يريدا ذلك أو لا ولا بين أن يظرد عرفهما ذلك أو لاء ولكن 
موجب ذلك : الوقوف مع ظواهر العبارات وعدم الملكة التي يقتدر بها 
الفقيه على تقييد المطلقات وتبيين المجملاات وتزييف الهفوات». أسال 
الله أن يجعلنا أجمعين ممن رزق تلك الملكة» وصحبه إخلاص ينجو به 
من كل هلكة)”". 
- الاستشكال”) 

الاستشكال هو الشعور يما يحمله الكلام من خلل» أو تناقض» أو 
مخالفة للقواعد» أو استلزامه لوازم باطلة. 

والاستشكال ثمرة ناتجة عن تصور صادق» ووجود قاعدة معرفية 
سابقة يستحضرها الفقيه فى مطالعته وبحثه» وهو يدفع إلى التحقيق» 
و«معرفة الإشكال علم في نفسهء وفتح من الله تعالى»7". 

يقول ابن عقيل نه : «عندي أن من أكبر فضائل المجتهد: أن يتردد 
في الحكم عند تردد الحجة والشبهة فيه... ومن لا تعترضه شبهة لا 
(1) الفتاوى الفقهية الكبرى .)٠١١/۲(‏ 
(۲) الإشكال في اللغة: التباس الأمر. انظر: المصباح المنير ص٤٠۴.‏ والسين والتاء في 

قولهم (استشكل القول) للنسبة والصفة. أي: نسبه إلى الإشكال ووصفه به» كما يقال : 

استحسن السلعة واستقبح الفعل. أي وصف السلعة بالحسن ونسبها إليه ووصف الفعل 


بالقبح. انظر: النحو الوافي (7/5 2157 154). 
(۳) الفروق (۱/ .)۲۸٥‏ 


E‏ الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها بيشي 


تصفو له حجة» وكل قلب لا يقرعه التردد فإنما يظهر فيه التقليد 
والجمود على ما يقال له ويسمع من غیره'. 

ويقول الرازي: «من كان أغوص نظراً وأدق فكراً وأكثر إحاطة 
بالأصول والفروع وأتم وقوفاً على شرائط الأدلة كانت الإشكالات عنده 
أكثرء أما المُصر على الوجه الواحد طول عمره في المباحث الظنية 
بحيث لا يتردد فيه فذاك لا يكون إلا من جمود الطبع وقلة الفطنة 
وكلال القريحة وعدم الوقوف على شرائط الأدلة والاعتراضات»”". 

ومن استشكلات العلماء: ما ذكره الشيخ محمد الأمين 
الشنقيطي ينه جوابا لسؤال عن الناسخ لآية الوصية للوالدين والأقربين. 

فقال: «كان هذا مشكلا علي في زمن درسي فن أصول الفقه إشكالا 
قوياء ووجه إشكاله: أنه لم يدّع أحد فيما وقفت عليه ناسخا لهذه الآية 
الكريمة غير ثلاثة أمور : 

أحدها: أنها منسوخة بحديث «لا وصية لوارث». 

الثاني: أنها منسوخة بآيات الميراث. 

الثالث: أنها منسوخة بالإجماع. 

ووجه الإشكال: أن هذه الأمور الثلاثة لا يصح النسخ بواحد منها 
حسب ما قرره علماء الأصول... 


والذي يظهر أن حل هذا الإشكال يتعين فيه وجه واحد» ثم 0 


.)٤۹ /۱( ذيل طبقات الحنابلة‎ )١( 
.)046-995/0( (؟) المحصول‎ 
.۷۸-۷٦ص رحلة الحج إلى بيت الله الحرام‎ )۳( 





حل الفصل الثالث: من ثمرات الملكة الفقهية 
a‏ 

ومن صور الاستشكال: التنبه لما يقع في بعض النقول من أوهام» 
فذو الملكة يستشكل الغلط إذا مر عليه فلا يروج عليه ولو كان منسوبا 
أو منقولا عن عالم معتدَ به وهذا الااستشكال يدفعه إلى مزيد تثبت 
وتتبع» وقد يقع على ما يؤيد شكه. وقد لا يصل إلى ذلك فيتوقف› 
وقد يجزم بخطأ النقل وإن لم يقف على مستند صريح لذلك؛ فذو 
الملكة لا تستزله الأوهام المنقولة» بل هو محقق مصحح متعقب”". 


ا 
3 353 
+ 0۳ 

3 ی 


- القدرة على التأصيل وإصدار 00 الكلية 


ورت 2 ل 2 77 ' وقوله #إيتأيُها أدبت َامَنُوأْ لا تأكلوا 
مور انحط ب + رسو ممه 
اوک .کم ال إل آل ككرت ع عن راض کي 
[النساء : ۲۹]: «لم يبق في الشريعة بعد هاتين الآيتين بيان يُفتقر إليه 
في الباب» ونع وا ا إلا أنه صح 
ستة وخمسون معنى نهى عنها» فعذها ثم قال: «ولا تخرج عن ثلا 
أقسام : وهي الريا 00 والغرر. وير جع الغرر بالتحقيق إلى الباطل ؛ 
فيكون قسمين على الآيتين»20). 

فإعطاء الأحكام الكلية الجامعة نوع شريف من العلمء وهو ثمرة 
للإحاطة والاستيعاب» والتصور المفصّل والفهم الصحيح › والاستقراء 
)١(‏ انظر أمثلة من ذلك لأبي المعالي الجويني في: نهاية المطلب (المقدمة/ 708). 
(؟) سورة البقرةء الآية (1/6ا7). 


() سورة النساءء الآية (589). 
(4) أحكام القرآن .)777/١(‏ 


4 الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها‎ Ny 
7 یو‎ 


التام بحسب الإمكان» ومثله كمثل من هو مشرف على مدينة ينظر إليها 
من عَل ويراها جميعاء ٠‏ فهو يصفها كلّها وصفاً متّفقا محيطاً بهاء 
بخلاف من هو قائم في سكة من سككها أو عرصة من ساحاتها؛ فهو لا 
يرى إلا موضعه الذي هو فيه؛ فإن حاول وصف ما وراءه مما لا يراه 
اختلف وصفه. 

وبمثل هذه الأحكام الكلية يدنو العلم من الطالبين» وتتآلف 
المسائل المتباعدة في الظاهر عند ظهور اتحاد ماخذهاء ويظهر اتساق 
أحكام الشريعة واتفاقهاء وتتبين عللها وحكمها ومقاصدها. 
- تمييز مراتب العلم 

تتفاوت رتب علوم الشريعة من آوجه عدة» فهي تتفاوت من جهة 
قوة ثبوتهاء فمنها ما هو في أعلى مراتب القطع. ومنها ما هو في أول 
مراتب الظن. وما بين ذلك» وتتفاوت من جهة شمولها وكلّيتهاء ففيها 
الأضول الكثر الحاوية لا لا تحفن مو القواعة:والمماتل:اوفيها 
الفروع والجزئيات والأحكام الخاصة» كما تتفاوت من جهة ضروريتها 
وأصالتهاء ففيها العٌُقّد والمتين من العلمء وفيها ما هو من المُلح 
والطرائف والحواشي'. 

ومن الفقه: إدراك هذا التفاوت بين مسائل الشريعة» وبهذا التمييز 
يتمكن المتفقه من إقامة العدل في علمهء بأن يعطي كلا ما يستحقه 
ويليق به» وينزل كل مسألة منزلتهاء ويُعبّر عن كل معنى بما يساويه من 
القول» وبهذا أيضاً يعامل المخالف بعدلء فالبدع والمنكرات والأقوال 


.)00-57 /١( انظر: الموافقات‎ )١( 


0 الفصل الثالث: من ثمرات الملكة الفقهية E‏ 
r‏ ص 3 3 
0 ی 


المخالفة للسنة متفاوتة في نكارتها ومخالفتها للدليل ٠"‏ وكل ذلك من 
الحكمة التي هي وضع كل شيء موضعه» ومن يؤت الحكمة فقد أوتي 
خيرا كثيرا. 

ومن هذا: التمييز بين مراتب الأدلة في القوة» فالأدلة الشرعية 
كغيرها من الأدلة متفاوتة في القوة» فليست على درجة واحدة في قوة 
ثبوتها ولا في قوة دلالتهاء فمن الفقه في الاستدلال مراعاة هذا 
التفاوت والشعور به. 

ولعل أبرز ثمرات هذه المراعاة: تحقيق الاعتدال في نصرة القول 
المختار» وفي الاستدلال عليه» وفي الحكم على القول المخالف 
ودليله» وهذه المراعاة تثمر -فيما تُثمر-: تقديم الأقوى من الأدلة عند 
التعارض» وهي أيضاً آية من آيات ورع العالم وتحرزه في نسبة اجتهاده 
إلى الشرعء وفيها أيضاً برهان على إدراكه للاحتمالات المعارضة 
لاستدلاله. 


وللعلماء -رحمهم ألله- دقة فى التعبير عن درجة فوة الدلالة. 
وعبارات تدل على ورع في الاستدلال» كقولهم: يتوجه» ویحتمل › 
ونشبيه أن IS‏ وفيه دلالة على... 


- التناول الصحيح لمسائل الخلاف 


ا 
فيمكنه من 


(۱) انظر: الاعتصام (7/ 07"). 


ل الملكة الفقهية : حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها 4 
ss‏ 
ا رک 


© تحرير محل النزاع وإدراك موضعه بدِقة» بتمييز القدر المتفق عليه 
من المختلف فيه. 
e‏ ومعرفة سببه الحقيقي» هل يعود إلى خلاف في أصل أو قاعدة» 
أم للاختلاف في ثبوت دليل معين؟ 
© وفهم درجته: أهو خلاف في المناط ذاته» أم في تحقيقه في 
الواقع» وهل هو خلاف حقيقي أم لفظي فقط تنوعت فيه 
العبارات» وهل القولان أو الأقوال متواردة على محل واحدء 
وهل هي دائرة بين صواب وخطأ أم بين راجح ومرجوح. 
وبهذا الإدراك يتمكن الباحث من النظر الصائب في الخلاف» ويعبّر 
عن الأقوال المختلفة بعبارة صادقة عادلة» ويسلم من حشد الأدلة على 
أمر لا يخالف فيه الخصم في حقيقة الأمرء ويتمكن من إعطاء المسألة 
الخلافية ما تستحقه من البحث والوقت. 
- إدراك اتساق الشريعة واظراد أحكامها وبراءتها من التناقض 
والاختلاف 
الشريعة الإسلامية منزلة من لدن حكيم خبير» #وَلْوْ كان مِنّ عِندِ عبر 
لَه دوا فيه حًا را4 فمن خصائصها: أن أحكامها متفقة 
متماثلة» لا تناقض فيها ولا اختلاف» وصاحب الملكة الفقهية يدرك 


من اطراد أحكام الشريعة ما لا يدركه غيره» فيشهد عودها إلى مصدر 
واحد هو العدلء كما أن أخبارها عائدة معاداً واحداً إلى الصدق» ثم 


.)85( سورة النساءء الآية‎ )١( 


,بع الفصل الثالث: من ثمرات الملكة الفقهية ر 
بوي 01١!‏ 
ا 5 3 


يشهد موافقة الخلق للأمرء ومطابقة الشرع للفطرة السليمة والعقل 
الصحيح والتجربة والحس» وذلك مما يزيد الإيمان ويرسخ اليقين. 

ومن ثمرات هذا الإدراك في مقام الفقه: ما قرره ابن تيمية وابن 
القيم -عليهما الرحمة- من أنه ليس في الشريعة ما يخالف القياس» 
أو قول الصحابة وربما كان حكما مجمعا عليه: إنه خلاف القياس» 
فبيّنا ذلك بيانا مجملا ومفصلا”''2: وأوضحا أنه «حيث علمنا أن النص 
حاء بخلاف القياس علمنا قطعا أنه قياس فاسد» ممع ان صيورة القن 
امتازت عن تلك الصور التي يُظن أنها مثلها بوصف أوجب تخصيص 
الشارع لها بذلك الحكمء فليس في الشريعة ما يخالف قياساً صحيحاً. 
لكن فيها ما يخالف القياس الفاسدء وإن كان من الناس من لا يعلم 
فا 

ومن ثمرات ذلك أيضاً: إدراك اتفاق النقل والعقل» وأنه ليس فى 
المعقول الصريح ما يخالف المنقول الصريح 
الحديث› وتأويل مشكل الحديث.» ودفع إيهام الاضطراب ق اف 
الكتاب» وكل هذا ثمرة ملكة راسخة في فهم أصول الشريعة وفروعها. 
- استفادة الدلالات المتعددة من الدليل الواحد 

كتاب الله تعالى كتاب مبارك كما وصفه الله تعالى بذلك» ومن 


(۱( انظر: مجموع الفتاوى )7° «((OA4-0°*£‏ أعلام الموقعين (9/ كاده ؟4). 
)۲( مجموع الفتاوی .)٥٠١١/۲١(‏ 


oN‏ الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها ب 
00 ر 


بركته: كثرة علومه وغزارة فوائده» وكذلك سنة النبي اة ۰ فهي وحي 
من الله تعالى» وهي قول من أوتي جوامع الكلم» صلوات الله وسلامه 
عليه» ومن كان أفقه وأنفذ فهما كان أعلم بأسرار الوحي وأقدر على 
استنباط كنوز علومه. 

وبحسب ما يفتح الله لعبده من العلم يستنبط من علوم الوحي 
وأسرارهء قال تعالى : أن يى لمل ماه فاك أوية بمَدَرمَ4 فاشبّه 
الله الوحي الذي أنزله لحياة القلوب والأسماع والأبصار بالماء الذي 
أنزله لحياة الأرض بالنبات» وشبه القلوب بالأودية» فقلب كبير يسع 
علما عظيما كوادٍ كبير يسع ماء كثيرا» وقلب صغير إنما يسع بحسبه. 
كوادٍ صغير» فسالت أودية بقدرهاء واحتملت قلوب من الهدى والعلم 


قو 


فمن ثمرات الملكة: كثرة الاستنباطء بأن يستخرج العالم من الدليل 
الواحد الأحكام والعلوم الكثيرة. 

وممن غرف منهم سعة الاستنباط : الإمام الشافعي كله قال 
محمد بن عبدالله بن عبدالحكم : ليس الفقيه من يجمع أقاويل الناس ثم 
يختار منهاء إنما الفقيه الذي يستنبط أصلا من كتاب الله تعالى أو من 
سنة رسوله ية لم يُسبق إليه» ثم يُشَّعَبِ من ذلك الأصل مائة شعبة. قيل 
له: فمن الذي هو كذلك؟ قال: الشافعي". 


ومنهم الإمام البخاري ياه » وصنيعه فى صحيحه ظاهر فى ذلك» 


.)١/( سورة الرعدء الآية‎ )١( 


(؟) التفسير القيم ص 4". 
(۳) مناقب الإمام الشافعي ص٤1.‏ 





يع الفصل الثالث: من ثمرات الملكة الفقهية 





فهو يكرر الحديث الواحد في تراجم متعددة» وفي كل ترجمة فائدة 
وحكم» فقد روى قصة بريرة مع عائشة في مكاتبتها في أكثر من عشرين 
موضعا» وروى قصة شراء النبي ييه من جابر جمله في أكثر من عشرين 
موضعا أيضاًء وروى حديث عائشة ويا أن النبي ية اشترى من يهودي 
طعاما ورهنه درعه... في أكثر من عشرة مواضع» وكذلك حديث ابن 
عمر 9إن مق الشجر شجرة لا قط ورقها. 


وللفقيه الشافعي أبي العباس ابن القاص كن جزء مفرد في فوائد 
حديث «يا أبا عمير! ما فعل النغير؟»» قال فيه: إن بعض الناس عاب 
على أهل الحديث أنهم يروون أشياء لا فائدة فيهاء ومثّل ذلك بحديث 
أبي عمير هذاء قال: وما درى أن في هذا الحديث من وجوه الفقه 
وفنون الأدب والفائدة ستين وجها. ثم ساقها مبسوطة”". 


ونقل الكتّاني عن جماعة من العلماء أنهم استنبطوا من الحديث 
أكثر من ذلك» حتى بلغ بعضهم أربعمائة قافن 

ومن هذا الباب -أعنى سعة الاستنباط-: ما يجى عن بعض العلماء 
من قولهم عن حديث: إنه ربع الدين أو نصفه أو ثلثه» ونحو ذلك» أو 
قولهم: إن أصول الأحكام ترجع إلى أربعة أحاديث“ وإن أحاديث 


(1) انظر: الرسول المعلم يه ص١١٠.‏ 

(۲) ذكر ذلك ابن حجر في فتح الباري .)٥۸٤/٠١(‏ وزاد على ما ذكره ابن القاص. 

(۳) انظر: التراتيب الإدارية (۹۸/۲). 

)٤(‏ كحديث «إنما الأعمال بالنيات»» وحديث «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو 
رد»» وحديث إن الحلال بين وإن الحرام بين...٠٠‏ وحديث من حسن إسلام المرء 
تركه ما لا يعنيه». انظر: الأشباه والنظائر للسيوطي ص٠5.‏ 


اي الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها يترم 
e 2 o۲ 0‏ 


الأحكام تفدر بكذا وكذا ف لااد فهذا القول منهم صادر عن 


شعور بمدى ما يتضمنه ذلك الحديث من العلم وعن إدراك لمحوريته 
وسعة دلالته. 


A E E 


استفادة دلالاات لم يُسق الحديث من أجلهاء وهو المسمى عند 
الحنفية بالظاه © 


يقول الزركشي : «على فقيه النفس ذي الملكة الصحيحة تتبع ألفاظ 
الوحيين -الكتاب والسنة- واستخراج المعاني منهماء ومن جعل ذلك 
دأبه وجدها مملوءة». وورد البحر الذي لا ينزف. وكلما ظفر باية طلب 
ما هو أعلى منهاء واستمد من الوهاب» ومن فقه الفقه قولهم في 
حديث ميمونة اهلا أخذتم إهابها فدبغتموه فانتفعتم به»: إن فيه احتياطاً 
للمالء وإنه مهما أمكن أن لا يضيع فلا ينبغي أن يضيعء والفقيه 
أعلى» يأخذ من هذا ما هو أعلى منهء وهو أن الجالس على الحاجة أو 
المستريح على القارعة تحت ظل شجرة إذا باحث نفسه قال لها: هلا 
حصلت ثوابا وعملا صالحا؟ فإذا قال له الوسواس: أنت على الخلاء؛ 
وما عساك تحصل من الطاعة وأنت بمكان تنزه عنه ذكر الله؟ يقول: 
إنما متغعدا ذكز الل بالالسة» فهلا استحضرت ذكر المنعم بدفع هذا 
الأذى عناء وتهيؤ القوة الدافعة. حتى لا يخلو تحصيل الطاعة من 
)١(‏ انظر: البحر المحيط .)٠٠١/١(‏ 


(۲) الظاهر في اصطلاح الحنفية: ما ظهر معناه ولم يُسق الكلام من أجله. انظر: فواتح 
الرحموت (مع المستصفى .)1١9/*‏ 





ع الفصل الثالث: من ثمرات الملكة الفقهية ب 
و ي ion‏ 


المحال القذرة» كما أن الشارع لم يغفل عن فتح تحصيل المال من 
المقذرات والميتات بمعالجة الدباغ. 

وكذلك قوله اد : «لا تنكح المرأة على عمتها وخالتهاء فإنكم إذا 
فعلتم ذلك قطعتم أرحامهن» فيتعدى استنباطه إلى تحريم كل ما يوقع 
بعضهم في مناصب بعض ووظيفته من غير موجب شرعي» وقس على 
ذلك وأمثاله تغنم بتحصيل الفوائد وتثمير الأ 0 
- إدراك الأوجه والاحتمالات التي يحتملها الدليل 


يقول أبو الدرداء طبه : «لن تفقه كل الفقه حتى ترى للقرآن وجوها 
ا 

فمن سعة الفقه أن يكون الناظر في الأدلة محيطاً بما تحتمله من 
الدلالات» غير مقتصر نظره وإدراكه على الدلالة التي يعتقدهاء وهذا 
الإدراك الواسع يحفز المرء إلى بذل الجهد في التحقيق والوصول إلى 
الصواب» ويدعوه إلى التمهل والتثبت فى الفتوى؛ ولذا قال حماد بن 
سلمة لأيوب السختياني SS gE A‏ ارانت 
قوله (حتى ترى للقرآن وجوها كثيرة)؟ قال: فسكت أيوب يتفكر. فقال 
حماد: أهو أن يرى له وجوها فيهاب الإقدام عليه؟ قال: هذا هو"". 


ومن ثمرات هذا الإدراك: أنه شرط لصحة الاستدلال» فمن لم 
)١(‏ البحر المحيط (5/ 577). 


(۲) جامع بيان العلم وفضله (؟/ 40)» الفقيه والمتفقه (۱/ .)٠۹١‏ 


a‏ الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها 2ه.. 
1017--اس ب بج حب حب و8 
5 2 03 ُ يك 


يحط بما في الدليل من الاحتمال لا عبرة باستدلاله؛ لأن تركه لما تركه 
صحة (السبر والتقسيم) كون التقسيم حاصراً لجميع ما يحتمل كونه 
علة؛ لأنه لو اقتصر على بعضها ثم أبطل هذا البعض لم يكن استدلاله 
كافيا ؛ لجواز أن تكون العلة غير ما أيطله. 

وهذه السعة فى إدراك محتَمّلات الدليل هى مما يعين الفقيه على أن 
يكون عادلا فى علمه. فيعدل فى حكمه على الأقوال والقائلين» وينزل 
الأقوال منزلتها من مراتب القطع والظن» ويعتني بالنظر في حجج 
المخالف كعنايته بالنظر في حجج الموافق» فلا يكون بما قال أعنى 
منه بما خالفه. حتى يعرف فضل ما يصير إليه على ما يترك»'. 

ولا شك أن هذه السمة إنما تتأتى لمن كان ذا سعة فى الفكر وتوقد 
في القريحة› وخبرة برحابة دلالة اللغة» وتجرد من ا لمعتقدات السابقة 
عند النظر في الدليل؛ كيلا يكون اعتقاده مؤثراً فى استدلاله. 


وإدراك الاحتمالات التي يحتملها الدليل يبرز عند العلماء في مقام 
تفسير القرآن وشرح الحديث» حيث يذكرون الدلالات التي يحتملها 
اللفظ. وإن لم تكن راجحة عندهم» ويذكرون من ذهب إليها من 
العلماءء وما لها من المؤيدات» معطين كل احتمال حقه من القوة» 
وتذكووت أبقياً ما يرد على استنباطاتهم من المعارضات والإشكالات. 
مع الحكم للراجح من تلك الاحتمالات بالرجحان بالدليل. 


)1( الرسالة ص١١ه.‏ 


.26 الفصل الثالث: من ثمرات الملكة الفقهية مي 
ل م ا يي ب ببللبت ڪڪ و 
e‏ 0 . 


الاستنباط: استخراج الشيء الباطن"» فالاستنباط من الكتاب 
والسنة استخراح الدلالات الخفية منهاء فهو قدر زائد على مجرد فهم 
(TD. .‏ 
ظاهر اللفظ”". 

ولذا عرف بعض العلماء الفقه بالاستنباط فقال: إنه استنباط حكم 
المشكل من الواضح”". واستدل لذلك بقصة زياد بن لبيد الأنصاري وهن 
حين سمع النبي ية ذكر شيئاً فقال : «ذاك عند أوان ذهاب العلم»ء فقال 
ریاد نا وسول الله! وكيف يذهب العلم» ونحن نقرأ القرآن» ونقرئه 
أبناءنا» ويقرئه أبناؤنا أبناءهم إلى يوم القيامة؟ قال: «ثكلتك أمك زياد! إن 
كنت لأراك من أفقه رجل بالمدينةء أوليس هذه اليهود والنصارى يقرؤون 
الوراة و الال الو ن ك ان 

قال: فدل قوله (إن كنت أعدك من فقهاء المدينة) على آنه لما لم 
يستنبط علم ما أشكل عليه من ذهاب العلم مع بقاء الكتاب مما شاهده 
من زوال العلم عن اليهود والنصارى مع بقاء التوراة والإنجيل عندهم 
خرج عن الفقه» فهذا يدل على أن الفقه هو استنباط حكم المشكل من 
الواضح””. 


)١(‏ انظر: الصحاح »)١١77/(‏ القاموس المحيط ص584. 

(۲) انظر: أعلام الموقعین (۲/ ۳۹۷)» تفسير ابن جرير (۷/ ١٠٠٠)ء‏ الجامع لأحكام القرآن 
7۷4/0( 

(۳) القواطع في أصول الفقه .)٩١/١(‏ 

(5) رواه ابن ماجه في سننهء كتاب الفتن. باب ذهاب القرآن والعلمء برقم »)٤٠٤۸(‏ عن 
زياد بن لبيد حينه. 

(0) انظر: القواطع في أصول الفقه (السابق). 


ا الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها کہ 
O‏ 8 






ومن نماذجه: أخذ الشافعي كله تحريم التحديث عن النبي ية بما 
لا يُعلم صدقه ولا کذبه من قوله َي «حدّثوا عنى ولا تكذبوا علي» 
وحدّثوا عن بني إسرائيل ولا حرج" مع أن ظاهر الحديث ليس فيه 


۶ 


هذا الاستنباط بقوله: «قد أحاط العلمٌ أن النبي لا يأمر أحداً بحالٍ أبدا 
أن يكذب على بني إسرائيل ولا على غيرهم» فإذ أباح الحديتٌ عن بني 
إسرائيل فليس أن يقبلوا الكذب على بني إسرائيل أباح» وإنما أباح 
قبول ذلك عمن حدث به ممن يجهل صدقه وكذبه؛ ولم يبحه أيضاً عن 
من يعرف كذبه؛ لأنه يروى عنه أنه امن حدث بحديث وهو يراه كذبا 


( 


فهو أحد الكاذبين)7” » ومن حدث عن كذاب لم يبرأ من الكذب؛ لأنه 


يرى الكذاب فى حديئه كاذبا... وإِذْ فرق رسول الله بين الحديث عنه 


والحديث عن بني إسرائيل فقال: «حدثوا عني ولا تكذبوا علي» فالعلم 
-إن شاء الله- يحيط أن الكذب الذي نهاهم عنه هو الكذب الخفي» 


وذلك الحديث عمن لا يعرف صا 


)١(‏ رواه أحمد في مسنده» برقم :.)١16*5(‏ عن أبي سعيد الخدري طقينه. 

(۲) رواه ابن ماجه في سننه. كتاب السنة» باب من حدث عن رسول الله َو حديثا وهو 
يرى أنه کذب» برقم (۳۸و °( عن علي طن وبرقم و عن سمرة بن 
جندب ونه وبرقم )٤١(‏ عن المغيرة بن شعبة طن 
ورواه الترمذي في سنئنهء كتاب العلم» باب ما جاء فيمن روى حديثا وهو یری أنه 
كذبء برقم (7117) عن المغيرة بن شعبة» وصححه. 
ورواه أحمد في مسنده» برقم (١٠٤1۱۸۲ء‏ ١١١۱۸)ء‏ عن المغيرة بن شعبة ووه » وبرقم 
015 ۲۰۲۲۱ ۲۰۲۲۲) عن سمرة بن جندب . 

(۳) الرسالة ص۳۹۸- .٠٠١‏ 


HR 





, بع الفصل الثالث: من ثمرات الملكة الفقهية E‏ 
5 5 0 دك ملظل رم ےم 
وفي قول الله تعالی #ولو ردوه إلى الرَسُولٍ وَإِلّحى ولي 1 مهم لعلمة 
لَدِنَ ينطوم مِنبةٌ4”' ما يُفهم أن أهل الاستنباط طبقة من أولي 


الأمرء وأولو الأمر -كما قال المفسرون- هم كبراء المسلمين من 
العلماء والأمراء وأهل العقل والرأي والفقه”"'. فرجوع الضمير 
#منهم4 إلى أولي الأمر"" يُفيد أن المستنبطين هم بعض أولي الأمر 
والله أعلمء وهذه منقبة عالية لأهل الاستنباط. 


ومن أنواع الاستنباط : دلالة الإشارة» ويُمثل له بفهم ابن عباس 
وعمر ويا من سورة # لدا ا ر ا ا الإشعا بقرب أجل 


ومههنا: الاسشتدلال السركت من دليلين :ورهن أمقلعة اللطيفة 
الاستدلال على أن أفضل هذه الأمة أبو بكر الصديق #5نه بقول الله 
تعالى لوَسَيْبَئَيَا الأنق *”*' مع قوله #إنَّ أَكَرَمرٌ عِندَ أله أنفدكم #. 


- إقامة الأدلة المتعددة للمدلول الواحد 


وهذا من شواهد التمكن من . الاستدلال» وبهذه القدرة يكون للفقيه 
من الرسوخ في العلم وبلوغ درجة اليقين لتعدد شواهد الحق وبراهينه» 


.)487( سورة النساءء الآية‎ )١( 

(6) انظر: تفسير الطبري (1/ 505).» التحرير والتنوير (8/ .)١5٠‏ 

(۳) انظر: تفسير الطبري (ا/ 5068). 

(5) رواه البخاري في صحيحه» كتاب المناقب» باب علامات النبوة في الإسلام» برقم 
(۳۲۷) عن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما. 

٠ .)١9( سورة الليلء الآية‎ )٥( 

(0) سورة الحجرات. الآية .)١7(‏ انظر : مفاتيح الغيب (71/ 184). 


الملكة الفقهية : حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها ا 





وبهذا أيضاً يدرك اتفاق أدلة الشرع وتعاضدها وتصديق بعضها بعضاء 
ومطابقتها لدلالة العقل والفطرة والحسء وهذا أيضاً من أسباب زيادة 
الريمان ورسوخ اليقين» كما يتمكن الفقيه بهذه القدرة من إقناع كل 
مخالف بما يناسبه ويُذعن له من الأدلة. 

ومن الأئمة الذين ظهر في تقريرهم التوسع في الاستدلال: شيخ 
الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-» فقد كان مجتهداً اجتهاداً طاق 
الأربعةء ولعل هذا -مع أهمية المسائل التي استدل لها- ما دعاه إلى 
الاستقصاء فى الاستدلال». كمسألة الحلف بالطلاق» فقد استدل على 
كونه من الأيمان المكقرة بزهاء أربعين دلبله230, وقال في تقريره لأصل 
سد الذرائع: «أما شواهد هذه القاعدة فأكثر من أن تحصرهء فنذكر منها 
ما حضر' ثم ذكر ثلاثين شاهدا”"» إلى غير ذلك. 

وعلى هذا النهج سار تلميذه ابن القيم كنه» فاستدل على أصل سد 
الذرائع بتسعة وتسعين دليلا" » واستدل على الاحتجاج بأقوال 
الصحابة -رضي الله عنهم- بستة وأربعين دليلا“» وعلى أن خبر الواحد 
يفيد العلم بواحد وعشرين دليلا» وعلى غش أهل الذمة للمسلمين 
وخيانتهم بمثل ذلك . 
)١(‏ انظر: أعلام الموقعين .)٠٥٤١ /٥(‏ 
(0) انظر: الفتاوى الكبرى (7/ 768-765). 
(۳) انظر: أعلام الموقعين (05/ 50-6). 
)٤(‏ انظر: أعلام الموقعين (0"0/5-007/6. 


(0) انظر: مختصر الصواعق المرسلة ص٠66-‏ 08ه. 
(5) انظر: أحكام أهل الذمة -5945/1١(‏ 598). 


.28 الفصل الثالث: من ثمرات الملكة الفقهية 0 


ومن هذا القبيل أيضاً -أعنى إقامة الأدلة المتعددة للمدلول الواحد- : 
ذكر النظائرء بأن يُتبع الفقية القول المختارٌ لديه بذكر نظائره من المسائل 
المنصوص على حكمها أو المجمع عليها أو التي يقر بها المخالف؛ ليبين 
اطراد قوله وملاءمته للقواعد. 

ا ا افدر غا 9 ل وھ ا تفا و قو اه 
الرسوخ في العلم والاطراد فيه والسلامة من التناقض والاختلاف. 

فتأتي عن أهل العلم أقوال غير مصرّح بأدلتها ومآخذهاء فهنا يكون 
من ظواهر الفقه: القدرة على التأصيل لتلك الأقوال بالاستدلال لها 
وردّها إلى الأصول العامة أو الأصول المعروفة عن ذلك العالم» وقد 
يكون العالم قد استدل لقوله فيتمكن من يأتي بعده من تعزيز استدلاله 
بأدلة وأصول أخرى. 

ووجه الفقه في هذا العمل: أن فيه قدرة على ربط الفروع بأصولهاء 
كما أن فيه إدراكاً لما تحتمله الأدلة من تأييد القول المستدّل لهء وذلك 
إذا كان المستدّل له مخالفا. 

من ذلك ما جاء فى الرسالة للشافعى يته قال: 

«وذهب من قال: (الأقراء الحِيّض) -فيما نرى والله أعلم- إلى أن 
قال: إن المواقيت أقل الأسماءء لأنها أوقات والأوقات أقل مما 
بينهاء كما حدود الشىء أقل مما بينهاء والحَيّْض أقل من الطهرء فهو 
في اللغة أولى للعدة أن يكون وقتاًء كما يكون الهلال وقتاً فاصلاً بين 
الشهرين. 


الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها و 


نه بي 
0741 1 
ایس 





ولعله ذهب إلى أن النبي أمر في سبي أوطاس أن يستبرين قبل أن 
يوطين بحيضة» فذهب إلى أن العدة استبراء» وأن الاستبراء حيض»› 
وأنه فرق بين استبراء الأمة والحرة» وأن الحرة تستبرأ بثلاث حيض 
كوامل» تخرج منها إلى الطهر كما تستبرأ الأمة بحيضة كاملة» تخرج 
منها إلى الطهر»”"". 

ويقول تاج الدين السبكي كن : «وقعت على ثلاثة أدلة تدل على أن 
الكف فعل لم أر أحداً عثر عليها...» فذكرها. 

لكن يتأكد التنبه هنا إلى أن الاستدلال لأقوال الأئمة بما لم يستدلوا به 
عمل اجتهادي ؛ فلا يحسن الجزم به وهذا ما نلحظه في استدلال الشافعي 
لمخالفيه في المثال السابق» ويُنبه ابن رجب كن إلى وقوع بعض 
الأصحاب في الخطأ عند استدلالهم لأقوال الإمام أحمدء فيذكر أن في 
علم أحمد وفقهه عمقاً واستنباطاً دقيقاً حتى إن بعض أتباعه لما لم يبلغوا 
فهم بعض تعليلاته ومآخذه جعلوا يعللون لأقواله بتعليلات ضعيفة لم تكن 
هي مستنده في قوله وإنما أخذوها من غيره”" » ولعل في هذا التنبيه من ابن 
رجب تفسيرٌ لبعض ما تحويه كتب الفقه من أدلة ضعيفة. 
- تنوّع الاستدلال. واستثمار أنواع الأدلة كلها 

كانت المزية السابقة وجها من التوسّع في الاستدلال من جهة 
العددء وأما هذه المزية فهي توسّع في الاستدلال من جهة النوع» فمن 
)١(‏ ص59 ه- 55ه. 


(۲) طبقات الشافعية الكبرى .)٠٠١/١(‏ 


(۳) انظر: الرد على من اتبع غير المذاهب الأربعة (ضمن مجموع رسائل ابن رجب ؟/ 
0( 


, بع الفصل الثالث: من ثمرات الملكة الفقهية ي 
< 0۹ 1 
1 0 


مهارة الفقيه في الاستدلال أن يقيم الشواهد على القول الحق من أنواع 
الأدلة كلهاء عقليها ونقليهاء وأن يستثمر الدليل من أوجهه كافة» 
منطوقه ومفهومه ولازمه وعموم تعليله. 
وبهذا التنوع يكون المستدل أقرب إلى إصابة الحق» وأحرى بألا 
يفوته الحكم الشرعي» وأتم استخراجا لكنوز العلم من ألفاظ الوحي. 
وبذلك أيضاً يكون أقدر على إقناع كل مخالف بما يلائمه من الأدلةء 
ولا سيما إذا أعمل أدلة المعقول فى بيان الحق لمن لا يؤمن بالأدلة 
ومن الخلل فى الاستدلال: الاقتصار على بعض أدلة الحق دون 
على ما لديه من الأدلة اعتماداً يُحمّلها به فوق ما تحمل”". 
التعليل والقياس» وعدوا ذلك من «تقصيرهم في فهم النصوص» فكم 
من حكم دل عليه النص ولم يفهموا دلالته. لحصرهم الدلالة في مجرد 
ظاهر اللفظ دون إيمائه وتنبيهه وإشارته وعرفه عند المخاطبين... 
فقصّروا في فهم كتاب اللهء كما قصروا في اعتبار ميزانه الذي هو 
القياس› ثم حملوا الاستصحاب فوق ما يستحق». وجزموا بموجبه لعدم 
علمهم بالناقل»". 
)١(‏ فمن طريقة القرآن في الاستدلال: الاحتجاج على المكذبين بالبراهين العقلية والحسية 
التي يستوي في عقلها المؤمن والكافر. 


(۲) انظر: أعلام الموقعین (۳/ ۹۸ء .)١١5‏ 
(۳) الفکر السامي ص47" بتصرف يسيرء وانظر : أعلام الموقعین (۳/ ۹۸- 494). 


م 
r‏ 
a:‏ 


0 


الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها 2م 


تت 

ولأجل هذا القصور الظاهري في الاستدلال: صرح كثير من 
العلماء بأن لا اعتداد بخلاف الظاهرية» وقيّد بعضهم ذلك بالمسائل 
التي دليلها القياس”''. ولعله مراد من أطلق. 

وهذا العيب لا يختص بالظاهرية» بل هو لاحق لكل من قصّر 
بإهدار نوع من أنواع الأدلة؛ ولذا صرح ابن أبي هريرة الشافعي بطرد 
هذا القول في منكر أخبار الآحاد ومنكر الظواهر والعموم”". 

ومن هذا الباب من التقصير: ما يشيع في هذا العصر من بعض 
المقصّرين من تضعيف بعض أقوال الفقهاء بحجة أن لا دليل عليهاء 
ولعل هذا المضعًف إنما أتي من قصور في مفهوم الدليل لديهء فإن 
الفقهاء -رحمهم الله- قد يستحبون الشيء أو يكرهونه أو يقولون بجوازه 
أو تحريمه لا بدليل نقلي خاص على ذلك» بل اعتماداً منهم على 
المعاني التي علم من الشرع رعايتهاء وهذه المعاني قد يصرحون 
بذكرها والتعليل بها وقد لا يصرحونء فيظن ذلك من لا يعلم قولا 
منهم بلا دليل. 
- النظر في متن الحديث عند الحكم عليه بالصحة أو الضعف 

للعلماء نظر في متن الحديث عند الحكم عليه بالصحة أو الضعف› 
وهذا الوجه من النقد الحديثي العائد إلى المتن جانب من ملكة الفقهء 
فهو -كما يقول ابن القيم- «إنما يعلم ذلك من تضلع في معرفة السنن 
الصحيحة واختلطت بلحمه ودمه وصار له فيها ملكة وصار له اختصاص 


(1) انظر: البحر المحيط .)٤۷۳ -٤۷١/٤(‏ 
(۲) انظر: البحر المحيط .)٤۷۳/٤(‏ 





ع الفصل الثالث: من ثمرات الملكة الفقهية ا 
شديد بمعرفة السنن والآثار ومعرفة سيرة رسول الله يهو وهديه فيما يأمر 
به وينهى عنه ويخبر عنه ويدعو إليه ويحبه ويكرهه ويشرعه للأمة. 
بحيث كأنه مخالط للرسول ية كواحد من أصحابه» فمثل هذا يعرف 
من أحوال الرسول ية وهدیه وکلامه وما يجوز أن يخبر به وما لا 
يجوز ما لا يعرفه غيره» وهذا شأن کل متّبع مع متبوعه» فإن للأخص به 
الحريص على تتبع أقواله وأفعاله من العلم بها والتمييز بين ما يصح أن 
ينسب إليه وما لا يصح ما ليس لمن لا يكون كذلك» وهذا شأن 
المقلدين مع أئمتهم » يعرفون أقوالهم ونصوصهم ومذاهبه»'. 

ولا شك أن هذا المسلك من النقد مسلك تحطرء فون التوسع فيه 
بلا علم ولج المسمّون بالعقلانيين إلى رد أحاديث النبي يل بدعوى 
مخالفتها للعقلء كما ولج المسمّون بالقرآنيين إلى إنكار أحاديث 
مخ تعر مضا و 
عدة”"» لكن تعدّي هذه الطوائف لا يقتضي إنكار هذا الباب جملة؛ 
فقد كان للأئمة من الصحابة فمن بعدهم نظر إلى المتن في إعلال 
الأحاديث» لكن إنما يقبل هذا ممن هو معروف بصحة الاعتقاد وسعة 


العلم با لأدلة". 


.۲١ص المنار المنيف‎ )١( 

(؟) بل إن الخلل الداخل من هذا الباب -أعني تضعيف الأحاديث وترك العمل بها لمخالفة 
الأصول- لم يقتصر على فرق المبتدعة الغالية في أمر العقل. بل وقع شيء من ذلك من 
بعض الفقهاء برد وتضعيف بعض السنن الصحيحة لمخالفتها -في نظرهم- للقياس أو 
للأصول. ولابن تيمية وابن القيم نقاش مفصل في هذه المسألة» ينظر في: مجموع 
الفتاوى .)0854-6٠5 /7١(‏ أعلام الموقعين (7/ .)570-1١504‏ 

(۳) من المؤلفات في هذا: المنار المنيف في الصحيح والضعيف لابن القيم» والإجابة- 


or‏ الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها ر 
0 2 م 


أن 
لابج نذا 





ومن أمثلة ذلك : 

ما رواه عبدالله بن الإمام أحمد قال: حدثني أبي: قال: حدثنا 
محمد بن جعفر قال حدثنا شعبة عن أبي التَبّاحَ كال سهت ا ررغ 
يحدث عن أبي هريرة عن النبي كله أنه قال: «يُهلك أمتي هذا الحي من 
را الوا فا تا مر تا يا سول ا قال لو أن الغاس 
اعتزلوه ۲ . 

قال عبد الله : قال لي أبي في مرضه الذي مات فيه: اضرب على 
هذا الحديث؛ فإنه خلاف الأحاديث عن النبي يَلِيِْ. يعني قوله: اسمعوا 


)۲( 
وأطيهوا واصيووا”. 


- الإيمان بالمتشابه ورده إلى المحكم 
من العلامات الشريفة لرسوخ المرء في مقام الاستدلال: الإيمان 
بالمتشابه من الأدلة ورده الف المحكم منهاء وذلك ما أوضحه صريح 


القرآن فی قول الله تعالی «هو الَذِىَ أَزَلَ عك التب مه ءات ممت هَن 
-لإيراد ما استدركته عائشة على الصحابة للزركشى» ومقاييس نقد متون السنة لمسفر 
الدميني» ونقد المتن بين صناعة المحدثين ومطاعن المستشرقين لنجم عبدالرحمن 
خلف. ونقد المتن الحديثي وأثره في الحكم على الرواه لخالد الدريس» وجهود 
المحدثين في نقد متن الحديث النبوي لمحمد طاهر الجوابي. 

.)۷۹۹۲( مسند أحمد‎ )١( 

(۲) مسند أحمد (۱/ ۲۷- ۲۸)ء قال الشيخ أحمد شاكر : كلمة أحمد في الأمر بالضرب عليه 
ثابتة» لكن إثبات عبدالله لهذا الحديث فى المسند هو من أمانة عبد الله وشدة تحريه» فإن 
الإسناد صحيح لا مطعن عليه» وكونه في ظاهره مخالفاً للأمر بالسمع والطاعة ليس علة 
لهء وما هو بالأمر بمخالفتهم والخروج عليهم» فلا ينافي السمع والطاعة. انظر: مسند 
الإمام أحمد ت. أحمد شاكر .۲۸/١(‏ حاشية). 


ا الفصل الثالث: من ثمرات الملكة الفقهية وجي 





7 6 ژر رر 


لْفسَنَةَ وأبياة تَلوِلِهء وما يَمْكَمْ تأويلة: ! وَأَلسِحُونَ في الملر يعُولُونَ ءَامَنَا بو- 
أ ين عند 24 

فقد بيّن الله تعالى أن في كتابه آيات محكمات وأخر متشابهات». 
وللعلماء في المحكمات والمتشابهات عبارات تدور على كون 
المحكمات هي الآيات الواضحة المعنى التي لا خفاء فيهاء وأن 
المتشابهات هي الآيات خفية المعنى» أو المحتملة لأكثر من معنى» أو 
التي يُتوهم منها ما لا يليق بالله تعالى وبكتابه"» ولله سبحانه الحكمة 
في کون بعض آيات كتابه متشابهاء فلو كان كله محكما لفاتت حكمة 
الابتلاء به؛ لظهور معناه وعدم المجال لتحريفه. 

ثم بين تعالى أن الراسخين في العلم يعلمون أن كلا النوعين جاء 
من الله. وإذا كان كله من الله الحتٍ فهو حق لا يختلف ولا يتناقض» 
ولذا يردون ما جاء متشابها إلى المحكم فيفسرونه به ويحددون المعنى 
المراد من بين تلك المعاني المحتملة فيعود الجميع محكما. 

وتظهر فضيلة هذه السمة من سمات الراسخين في العلم في أوقات 
الفتن» حين يثير دعاة الضلالة الفتن والشبهات بظواهر أدلة لا يفقهها ما 
لا بصيرة له فيغترون بهاء فهنالك يعلم أهل الفقه والرسوخ ببصيرتهم 
وتمييزهم وكشفهم» وبذلك يتحقق لهم ولمن اهتدى بهم الاستقامة 
والسلامة من البدع والانحراف. 


.)7( سورة آل عمرانء الآية‎ )١( 
انظر: أصول في التفسير ص45 » قواعد التفسير (؟/550-589).‎ )۲( 


ن 


الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها كم 
ori‏ - چ 


س 


- حسن الفهم للخلاف 


4 
7 2 


8 


قد ينقل العلماء في التفسير أو شرح الحديث أقوالا في آية أو 
حديث» فهنا يكون للملكة أثر في حسن فهم ذلك الخلاف ومعرفة نوعه 
ودرجته وتحرير محل النزاع فيه » فبفهم الناظر للدليل الذي تدور حوله 
الأقوال يتأتى له فهم الأقوال ذاتهاء بخلاف حال من ينقل الأقوال بلا 
الخلاف اللفظى روايته الخلاف الحقيقى. 

قال ابن عطية ينه في تفسير قوله تعالى لايل والحرو 0 
«اختلف الناس ذ في المحروم اختلافا هو عندي تخليط من المتأخرين 
إذ المعنى واحدء. وإنما عبر علماء السلف في ذلك العبارات على جهة 
المثلات فجعلها المتأخرون أقوالا)”". 

ومن الأمثلة الموضحة لذلك: 

قال محمد بن تضر كه اسيعكت إسحاق قول في قوله وول الا 
0 قد يمكن أن يكون تفسير الآية على أولي العلم» وعلى أمراء 
السرايا؛ لأن الآية الواحدة يفسرها العلماء على أوجه وليس ذلك 
با ختلاف. 

وقد قال سفيان بن عيينة: ليس في تفسير القرآن اختلاف إذا صح 
القول فى ذلك. 
)۱( سورة الذاريات» الآية (۹). 


(؟) المحرر الوجيز (58/8). 
(۳) سورة النساءء الآية (08). 





طقلم 
foro‏ 


وقال: أيكون شيء أظهر خلافا في الظاهر من الخُنّس؟ قال 
عبدالله بن مسعود: هي بقر الوحش» وقال علي : هي النجوم. 

قال سفيان: وكلاهما واحد! لأن النجوم تخنس بالنهار وتظهر 
بالليلء والوحشية إذا رأت إنسيا خنست في الغيطان وغيرهاء وإذا لم 
تر إنسياً ظهرت؛ فكل حُنّس. 





بعل الفصل الثالث: من ثمرات الملكة الفقهية 


الماعون -يعني أن بعضهم قال: الزكاة» وقال بعضهم: عارية المتاع-. 
قال: وقال عكرمة: الماعون أعلاه الزكاة» وعارية المتاع منه. 
قال إسحاق: وجهل قوم هذه المعاني؛ فإذا لم توافق الكلمةٌ الكلمةً 

قالوا: هذا اختلاف»'. 
فترى في هذه المُثْل أن صحة فهم هؤلاء العلماء لحقيقة الأقوال 

المروية في هذه الآيات ناشئ من صحة فهمهم لتلك الكلمات القرآنية 

ابتداء» وذلك بمعرفة عمومهاء فذلك ما هيّأهم لحسن فهم الأقوال 

التفسين بالمقال. 

- حسن الفقه لآثار السلف 
السلف الصالح هم صحابة النبي يَهة والتابعون وتابعوهم”» ولسيرة 

السلف -رحمهم الله- مكانة عالية عند أهل الإسلام؛ لكونهم خير قرون 


)١(‏ السئة ص/. 
(۲) انظر: شرح العقيدة الواسطية ص°٠٠.‏ 


مي الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها بين 
4 جك 
ا Si‏ 


هذه الآمة المحمدية الخيّرة» ولقربهم من عصر النبوة وفي ذلك من المزية 
في صحة الفهم وحسن القصد ما يجعل أقوالهم أقرب إلى الصواب»› 
ولإمكان ضبط إجماعهم ؛ ولذا كان حُسن الفقه لأقوال السلف -رحمهم 
لله- أمراً لا غنى عنه للمتبع للسنة» وكان ذلك أيضاً من مخايل الفقه 
وظواهره» وهو يثمر: صحة الاتباع والتأسي» والجهل بذلك يوقع في 
الانحراف والغلوء وقد يؤدي إلى التنفير عن السنة باسم السنة. 

فمن الثمرات الجليلة لرسوخ ملكة الاستدلال: حسن الفهم للآثار 
الواردة عن السلف الصالح من الصحابة والتابعين ومن بعدهم» وهذا 
الفهم القويم يُستمد من الفقه في أدلة الكتاب والسنة» ومن البصيرة 
بمقاصد الشريعة وكلياتها والمعرفة بقواعد الاستدلال. 

ومن أمثلة هذا: 

أنه جاء عن السلف -رحمهم الله- آثار في ترك مجادلة المبتدعة 
وترك السماع منهم» وعدم إجابة أسئلتهم”". 

فالأخذ الحرفي لهذه الآثار قد يؤدي إلى القول بمدلولها في كل 
حال وفي كل زمانء ولو كان مخالفا للزمان والحال الذي قيلت فيه. 

وأما التناول الفقيه لهذه الآثار فيكون بإرجاع المسألة إلى أصلها من 
كتاب الله تعالى وسنة نبيه يِه فنجد في كتاب الله تعالى آيات ناطقة 
بمجادلة المبطلين والضالين" ونجد فيه أيضاً حكاية ما وقع من رسل 
(۱) من ذلك ما رواه ابن بطه كن في الإبانة (۲/ .)٥۳۲-٤۸۳‏ 


(۲) کقوله تعالى اذم إل سيل رَيَكَ يلَفِكمَةِ وَالْوْعِظةَ لَلْسَنَةٌ لهم الى هى أحسني 
وقوله تعالی وا يلوا َل التب إلا يالى هى أَحْسَنُ4. 





, م الفصل الثالث: من ثمرات الملكة الفقهية لمي 
a‏ جود سب ني سكب رب ع يوي و77 ل 
24 یس ت 


الله في مجادلة أقوامهم. ثم نجد أن ما جاء عن بعض السلف من ترك 
مجادلة المبتدعة أفعالا لا عموم لهاء وإنما وقعت في حوادث معينة فلا 
ينقل حكمها إلى غير تلك الأحوال» وإذاً لا تتحقق معارضتها لما جاء 
في الكتاب العزيزء ولو تحقق ذلك لم يكن بها اعتداد بجانب صريح 
أدلة الكتاب. 

ثم نجد ما جاء عنهم من ترك المجادلة كان في حالٍ السنةٌ فيه 
ظاهرة وأعلامها منشورة؛ فكان الترك والإعراض أجدى في إماتة 
البدعة» وأما ما بعد من الأزمان فقد فشت البدع افر تا فى كني من 
النفوس» وصار لأهلها علوم يقررونها بهاء واعتقد أهلها أنها محض 
الدين والسنة. 

وبهذا يحمل ما جاء عن بعض السلف في هذا على أنه سياسة 
شرعية منهم» صالحة لمثل تلك الحال التي قيلت فيه» وليست حكما 
عاما في کل حال. 

ومن صور حسن الفهم لآثار السلف: 

القدرة على توجيه القول المستغرب المنقول عن عالم معين» 
وكشف الإشكال وإزالة النكارة عنه ورذه إلى الوجه المعروف اللائق 
بحاله وعلمه» فذلك أمارة فقه في النقلء ومعرفة بأقدار العلماءء 
ودراية بطبيعة اللغة وما فيها من سعة» وإدراك لآفات النقل وما يتطرق 
إلى الرواة من الغلط وسوء الفهم أو التقصير بترك نقل القرائن المفسرة. 

ومن أمثلة هذا النوع من الفقه : 


© أنه جاء عن عبدالله بن عباس وها فى الرجل يحلف, قال: له أن 


الملكة الفقهية : حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها اح 


5 
يستثني ولو إلى سنة. وكان يقول: #واذكر رَبك إا يت في 
ذلك50) 
a oS E‏ أي إذا 
نسي أن يقول في حلفه أو كلامه (إن شاء الله) وذكر ولو بعد سنة فالسنة 
أن يقول ذلك؛ ليكون آتيا بسنة الاستثناء» لا أن ذلك رافع لحنث 
اليمين ومسقط للكفارة. قال ابن كثير: هذا هو الصحيحء وهو الأليق 
بحمل كلام ابن عباس عليه“ . 
حك ل ل ل و 
رت لك اوا ر م ان ن4 : إنها لانن ]ان التساء لي 
أدبارهن» وفي رواية عنه: أا رک ن ِ4 قال: : في 
الد 030 
r‏ 


1 ۸1 ١ 


مو 


فعزا بعض الناس إلى ابن عمر إباحة إتيان النساء في أدبارهن”". 


لكن لما جاءت الأدلة المتعددة على تحريم هذا الفعل» وجاء عن 


.)55( سورة الكهف. الآية‎ )١( 

(۲) انظر: تفسير ابن جرير /١0(‏ 5370). 

() انظر: الشرح الكبير على المقنع (717/ 225941 وقد نسب القول إلى ابن عباس بصيغة 
تمريض. 

)٤(‏ انظر: تفسیر ابن جرير »)7717/١5(‏ القواعد والفوائد الأصولية ص 2707-101١‏ أعلام 
الموقعين (5/ 589). تفسير القرآن العظيم (٥/۹٤۱)ء‏ أضواء البیان .)١٤۸/۲(‏ 

(0) سورة البقرة» الآية (777). 

() تفسير الطبري (۳/ .)۷٥۳-۷٥١۱‏ 

(۷) انظر: تفسير القرآن العظيم .)307/١(‏ 


25 الفصل الثالث: من ثمرات الملكة الفقهية ببدم 


0 
عن‎ e 


ابن عمر ذاته روايات مبيّنة لهذه الرواية المحتملة»› وموافقة لقول غيره 
من الصحابة والفقهاء المصرّحة بالتحريم؛ بين جماعة من أهل العلم 
وجه هذه الرواية المحتملة. وحملوها على إتيان النساء من الدبر فى 
® 200 
القبل . 
وقد نقل ابن كثير كن بعض الروايات المبيّنة لقول ابن عمرء ثم 
قال: «وهذا إسناد صحيح › ونص صريح منه بتحريم ذلك ؛ فكل ما ورد 
عنه مما يحتمل ويحتمل فهو مردود إلى هذا المحكم:”". 
© روي عن سعيد بن المسيب أنه قال في الاستنجاء بالماء: إنما 
يفعل ذلك النساء”". وهذه الكلمة تتضمن كراهية الاستنجاء 
بالماء للرجالء مع ثبوت السنة بذلك عن النبي كل“ . 
ولما كانت السنة ثابتة بذلك لم يكن لأحد قول في مقابلتهاء ولكن 
ذلك لا يوجب الجزم بتجهيل فقيه المدينة الجليل سعيد بن المسيب كأنة 
وتخطئته ؛ ولهذا حمل ابن دقيق العيد كآنه هذه الكلمة محملا فيه أدب 
وحسن ظن فقال: «لعل سعيداً كد فهم من أحد غلوًا في هذا الباب 
بحيث يمنع الاستنجاء بالحجارة؛ فقصد في مقابلته أن يذكر هذا اللفظ 
لإزالة ذلك الغلوء وبالغ بإيراده إياه على هذه الصيغة»“. 


.)٠٠۴-٠٥۹۲ /۱( انظر: تفسیر القرآن العظیم‎ )١( 

(۲) تفسير القرآن العظيم (١/٠٠٠)ء‏ وانظره .)٥۹٦/١(‏ 

(۳) نقله ابن دقيق العيد في إحكام الأحكام .)09/١(‏ 

.)1١6( رواه البخاري في صحيحهء كتاب الوضوءء باب الاستنجاء بالماء» برقم‎ )٤( 
ورواه مسلم في صحيحه» كتاب الطهارة» برقم (١۲۷)ء عن أنس بن مالك ونه‎ 

.)٥۹/۱( إحکام الأحکام‎ )٥( 


7 الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها إرجر, 
اوقا و 
St “a‏ 


- الاستغناء بدلالة النصوص عن اجتهاد الرأي 


يرتّب العلماء -رحمهم الله- نظرهم في الأدلة بادئين بأعلاهاء وذلك 
بطلب الحكم من كتاب الله تعالى ومن سنة نبيه يك ومما أجمع عليه 
المسلمونء فإن لم يجدوا اجتهدوا في استنباط الحكم بطريق القياس 
على هذه الأصول أو البناء على المصالح المعهود من الشارع رعايتها 
أو بغير ذلك من طرق اجتهاد الرأي''"» وهذا ما أقر عليه النبي 4 
معاذا إذ بعثه إلى اليمن وسأله كيف يصنع إن عرض له قضاء؟ فقال 
معاذ: أقضي بما في كتاب الله. قال: «فإن لم يكن في كتاب اله؟» 
قال: فبسنة رسول الله كي قال : «فإن لم يكن في سنة رسول الله عَتَبِيْةِ؟ ) 
قال: أجتهد رأبي لا آلو. فضرب رسول الله كَلِةِ صدره ثم قال: «الحمد 


لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله 76 ". 


ومن ظواهر الملكة: الاستغناء بدلالة النصوص عن اجتهاد الرأي؛ 
فإذا اتسع علم الفقيه بأدلة الشريعة وكانت له ملكة فى الاستنباط منها 
كان أوسع علما بإحاطة النصوص بالحوادث» وأقدر على انتزاع 
الأحكام منهاء قل أن تعوز النصوص من يكون يرا بها وبدلالتها 
على الأحكام»”". وبذلك يكون المستدل أوثق في استدلاله» ويستغني 


-۲۲۹/۷ المنخول ص571-555. البحر المحيط‎ ۲٠۰ -۲٤۹ص انظر: اللمع‎ )١( 
.)٦٠٥-٦٠٠ /٤( شرح الكوكب المنير‎ .)۰ 

(۲) رواه أحمد فى مسنده (۵/ ۲۳۰. .)۲٤۲ ۲۳٢‏ وأبو داود في سننه» كتاب الأقضية» 
باب اجتهاد الرأي في القضاءء برقم (۹۲١۳)ء‏ والترمذي في سننهء أبواب الأحكام» 
باب ما جاء في القاضي كيف يقضي» برقم (۱۳۲۷). 

(۳) مجموع الفتاوی (۱۲۹/۲۸). 


o 


بع الفصل الثالث: من ثمرات الملكة الفقهية kn‏ 
ال من ثمر لفقهية 0 
عن ككيرامن الانعدلال بالرائ +كالقياتن والتتضلحة المرسلة 
والاستحسان- التي هي أكثر عرضة للخللء» وقد قال الإمام أحمد 
لبعض أصحابه: ما تصنع بالرأى والقياس وفي الحديث ما يغنيك 


.0( 
عنه . 


وقد أنكر ابن تيمية وابن القيم -رحمهما الله- قول القائلين: إن 
النصوص لا تحيط بأحكام الحوادث» وربما قال بعضهم: بعشر 
معشارها» وبينا إن هذا القول منهم لقصور في فهمهم لمعاني النصوص 
العامة وأن ظنهم ذلك وقلة عنايتهم بالنصوص أحوجهم إلى توسعة 
طرق الرأي والقياس» حتى اعتمدوا على أقيسة وعلل ضعيفة» يقول 
ابن القيم: «إن دلالة النصوص نوعان: حقيقية وإضافية» فالحقيقية تابعة 
لقصد المتكلم وإرادته» وهذه الدلالة لا تختلف. والإضافية تابعة لفهم 
السامع وإدراكه» وجودة فكره وقريحته» وصفاء ذهنه» ومعرفته بالألفاظ 
ومراتبها. وهذه الدلالة تختلف اختلافا متباينا بحسب تباين السامعين 
فى ذلك» وقد كان أبو هريرة وعبد الله بن عمر أحفظ الصحابة للحديث 
وأكثرهم رواية له وكان الصديق وعمر وعلي وابن مسعود وزيد بن 
الله بن عمرء وقد أنكر النبي ية على عمر فهمه إتيان البيت الحرام عام 
الحديبية من إطلاق قوله: «إنك ستأتيه وتطوف به»» فإنه لا دلالة فى 


۰ .)۷١٠١ /۲( المسودة‎ )١( 
بل قال لأحمد بن الحسن الترمذي -وسأله: أكتب كتب الشافعي؟ فقال: ما أقل ما‎ 
.08/١( يحتاج صاحب حديث إليها! نقله ابن أبي يعلى في الطبقات‎ 

(۲) انظر: مجموع الفتاوى -18٠ /١9(‏ 2)786 اعلام الموقعین (۹۱/۳- /ا7١).‏ 


oti‏ الملكة الفقهية : حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها خخ 


هذا اللفظ على تعيين العام الذي يأتونه فيه» وأنكر على عدي بن حاتم 
فهمه الخيط الأبيض والخيط الأسود نفس العقالين» وأنكر على من فهم 
من قوله «لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة خردلة من كبرا 
شمول لفظه لحسن الثوب وحسن النعل» وأخبرهم أنه «بطر الحق 
وغمط الناس»ء وأنكر على من فهم من قوله «من أحب لقاء الله أحب 
الله لقاءه» ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه» أنه كراهة الموت» وأخبرهم 
أن هذا للكافر إذا احتضر وبشر بالعذاب فإنه حينئذ يكره لقاء الله» والله 
يكره لقاءه» وأن المؤمن إذا احتضر وبشر بكرامة الله أحب لقاء الله 
وأحب الله لقاءه» وأنكر على عائشة إذ فهمت من قوله تعالى #صَوْفَ 
و 


ةم ًا سا ماز ت لقوله م : امن نوقش الحساب عُذب»» 


وبين لها يي اليسير هو العرض» أي حساب العرض لا حساب 
المناقشة...00". 


50 


- الوصول بالاجتهاد إلى ما يوافق النص 

قد تعرض المسألة للمجتهد فلا يكون عنده فيها نص من الكتاب أو 
السنة فيجتهد فيها رأيه» ثم يعثر بعد ذلك على النص فيجد اجتهاده 
موافقاً له فيكون ذلك من شواهد فقهه ورسوخهء ذلك أن وصوله 
بالاجتهاد إلى ما يوافق النضن دال على انطباع نظره بطابع الدليل 


ومعرفته بمقاصد الشرع وما يليق بها ودرايته بما تحكم به الشريعة في 
مثله. 


.)8( سورة الانشقاق الأية‎ )1١( 
.)١717 -1١1١5/7( (؟) أعلام الموقعين‎ 





ع الفصل الثالث: من ثمرات الملكة الفقهية 





ومن أعلى هذا النوع: ما كان من عمر نه من موافقات 56 
كما رأى في أسارى بدر أن تضرب أعناقهم فنزل القرآن بموافقته”"'2 
ورأى أن تحجب نساء النبي يَكِ فنزل القرآن بموافقته أيضاء ورأى أن 
يتخذ من مقام إبراهيم مصلى فنزل القرآن بموافقته» وقال لنساء 
النبي ية لما اجتمعن في الغيرة عليه عى ره إن طَلْفَكُنَّ أن ببيلء روج 
نا يكن ممت مُؤْمقِ4”" فنزل القرآن بموافقته”". ولما توفي عبد 
الله بن yS‏ 0 
رسول الله إنه منافق! فصلى عليه رسول الله يك فأنزل الله عليه: #ولا 
صل عل أَحل مِنْهُم مَاتَبدا ولا نهم عل فيرو 240#. 

ومن هذا أيضاً: حكم سعد بن معاذ ويه لما حكّمه النبي يَلهِ في 
بني قريظة فحكم بأن.تقتل مقاتلتهم وتسبى ذرياتهم وتغنم أموالهم. فقال 
النبي بيا : «لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبع سماوات)0". 


وقد عقد ابن القيم يدنه في أعلام الموقعين فصلا (في بيان شمول النصوص للأحكامء 
والاكتفاء بها عن الرأي والقياس). وضرب لذلك أمثلة كثيرة» -١15/(‏ 2)157 
وینظر : مجموع الفتاوی (۱۹/ ۲۸۱- 1840). 

)١(‏ رواه مسلم في صحيحهء كتاب الجهادء برقم »)۱۷١۳(‏ عن عمر طللنه 

(۲) سورة التحريم» الاية (0). 

9) رواه البخاري في صحيحه› كتاب الصلاة» باب ما جاء في القبلة» برقم ».)5٠5(‏ ورواه 
مسلم في صحيحه. كتاب الطللاق» برقم (19)) وفي كتاب فضائل الصحابة» برقم 
(49*؟) عن عمر ؤلله. 

(54) سورة التوبةء الآية (85). 
والحديث رواه البخاري في صحيحه؛ كتاب الجنائزء باب الكفن في القميص الذي 
كنت أو لا يكف 8 (0179).» ورواه مسلم في صحيحهء كتاب المنافقين 
وأحكامهمء برقم (Y€)‏ عن ابن عمر رضي الله عنهما. 

(4) رواه البخاري في صحيحه. كتاب الجهاد؛ باب إذا نزل العدو على حكم رجل» برقم= 


م 
Off‏ 3 
أيه 

ang 


الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها 4ه 





ومن هذا: حكم ابن مسعود في المفوضة قال: أقول فيها برأبي. 
فإن يكن صوابا فمن الله وإن يكن خطأ فمني ومن الشيطانء والله 
ورسوله بريء مه › أرى أن لها مهر نسائها لا وکس ولا شطط › ولها 
الميراث» وعليها العدة. فقام ناس من أشجع فقالوا: نشهد أن 
رسول الله كل قضى في امرأة منا يقال لها بروع بنت واشق مثل ما 


- القول بالاستحسان 
يذكر الأصوليون للاستحسان ثلاثة تعريفات”": 
أحدها : أنه ما يستحسنه المجتهد بعقله. 
والتعريف الثاني: أنه دليل ينقدح في نفس المجتهد يعجز عن التعبير 


عنة. 
والثالث: أنه العدول بالمسألة عن نظائرها لدليل خاص. 


أما التعريف الأول فهو تعريف يُنسب إلى بعض الحنفية» لكن لم 


-570 2070 ورواه مسلم في صحيحهء كتاب الجهادء برقم 0)١9174(‏ عن أبي سعيد 
الخدري یه . 

)000 رواه أحمد برقم .)5٠9469(‏ ورواه أبو داود في سئنه» كتاب التكاح . باب فيمن تزوج 
ولم سم لھا صداقا حتى مات» برقم »)35١1١15(‏ والترمذي في سننه» كتاب النكاح» 
باب ما جاء في الرجل يتزوج المرأة فيموت عنها قبل أن يفرض لهاء برقم (١٤٠۲)ء‏ 
والنسائي في سننهء كتاب الطلاق» باب عدة المتوفى عنها زوجها قبل أن يدخل بهاء 
برقم (50054). وابن ماجه في سئئنه» كتاب التكاح» باب الرجل يتزوج ولا يفرض لها 

(۲) انظر: المستصفى .)415-5094/١(‏ شرح تنقيح الفصول ص١550»‏ روضة الناظر (؟/ 
,.)075-١‏ الاستحسان حقيقته أنواعه حجيته تطبيقاته المعاصرة للباحسين ص١١-‏ 
5 


.بهو( الفصل الثالث: من ثمرات الملكة الفقهية 0 
وک ر ا ا س 8 
تت 03 0 


يثبت عن قائل معروف» فقد نفاه جماعة من الحنفية وغيرهه”'. ولا 
شك أن الاستحسان بهذا المعنى مذهب باطل؛ لأن مبنى الشرع على 
اتباع حكم الله تعالى» وإنما يعرف ذلك بالأدلة التي نصبها الشارع 
معرّفة به» وأما العقل فيُستدل به حيث كان تابعا لحكم الشرع لا 
مستقله”"). 

وأما المعنيان الآخران للاستحسان فهما من ظواهر الملكة الفقهية. 

فأحدهما: أن الاستحسان دليل ينقدح في نفس المجتهد يعجز عن 
التعبير عنه. فالاستحسان بهذا المعنى وجه من الدربة في الفقه 
والانصباغ بهء إذ تلوح الأحكام للمجتهد سابقة على أدلتها وبدون 
أدلتهاء ولم يكن ذلك إلا بكثرة النظر في الأدلة وكثرة ممارسة 
الاستدلال بها والاستنباط منهاء وهذه حالة واقعة للأئمة.ء يقول 
يونس بن عبدالأعلى : قال لي الشافعي في مسألة: إني لأجد فرقانها في 
قلبي وما أقدر أن أعبر عنه بلساني!" 

ويعبّر الطوفي كله عن حقيقة تلك الحال وواقعيتها فيقول: «من 
المعلوم بالوجدان أن النفوس يصير لها فيما تُعانيه من العلوم والحرف 
ملكات قارة فيهاء تدرك بها الأحكام العارضة في تلك العلوم 
والحرف. ولو كلفت الإفصاح عن حقيقة تلك المعارف بالقول لتعذر 
عليهاء وقد أقر بذلك جماعة من العلماءء منهم ابن الخشاب في 


/٤( انظر: أصول السرخسي (۱۹۹-۱۹۸/۲)ء أصول البزدوي مع كشف الأسرار‎ )١( 
.)۷۸/٤( تيسير التحرير‎ ,)۳ 

(۲) انظر: الاعتصام .)١١/۳(‏ 

(۳) آداب الشافعي ومناقبه لابن أبي حاتم ص٤۸.‏ 


o‏ الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها ري 


ي ان 
جواب المسائل الإسكندرانيات» ويسمي ذلك أهل الصناعات وغيرهم: 
دربة» وأهل التصوف: ذوقاء وأهل الفلسفة ونحوهم: ملكة. 

ومثال ذلك الدلالون في الأسواق قد صار لهم دربة بمعرفة قيم 
الأشياء لكثرة دورانها على أيديهم ومعاناتهم حتى صاروا أهل خبرة 
يرجع إليهم شرعا في قيم الأشياء» فيركب أحدهم الفرس فيسوقه» أو 
يراه رؤية مجردة أو يأخذ الثوب أو غيره من الأعيان على حسب ما هو 
دلال فيه فيقول: هذا يساوي كذاء أو قيمته كذاء فلا يخطئ بحبة زيادة 
ولا نقصاء مع أنا لو قلنا له: لم قلت: إن قيمته كذا؟ لما أفصح 
بحجة» بل يقول: هكذا أعرف. 

فعلى هذا لا يبعد أن يحصل لبعض المجتهدين دربة وملكة في 
استخراج الأحكام لكثرة نظره فيهاء حتى تلوح له الأحكام سابقة على 
أدلتها وبدونهاء أو تلوح له أحكام الأدلة في مرآة الذوق والملكة على 
وجه تقصر عنها العبارة كما يلوح الوجه في المرآة» ولو سئل أكثر 
الناس عن كيفية ظهوره لما أدركه. بل قد عجز عن ذلك كثير من 
الخواص» فإذا اتفق ذلك للمجتهد وحصل له به علم أو ظن جاز العمل 
به» وإنما امتنع من هذا كثير من الناس من جهة أن هذا يصير حكما في 
الشرع بما يشبه الإلهام. وأحكام الشرع إنما بنيت على ظواهر الأدلةء 


١ ‫ِ 3 ١ 
فتدور معها وجوداً وعدمًا!'".‎ 


.)191 -۱۹۲/۳( شرح مختصر الروضة‎ )١( 
وهذه الحال أيضاً معروفة عن أهل العلم بالحديث» فينظر أحدهم في السند أو المتن‎ 
فيحكم بنكارته» من غير أن يعتمد في ذلك على سبب ظاهر. انظر: الاقتراح في بیان‎ 
الاصطلاح ص٥٠۲ معرفة علوم الحديث (١/١۳١١)ء الجامع لأخلاق الراوي وآداب=‎ 


, ب الفصل الثالث: من ثمرات الملكة الفقهية 






وراي اكور قري الا مين ذا القرل اللطرفي كاملا الاي 
يبدو -والله أعلم- أن هذا التعريف قد أسيء فهمه» وكيل له من النقد ما 
لا ينبغي. فالذي يتمرس في الفقه ويحيط علما بنصوص الشارع 
ومقاصده تصبح عنده ملكة يستطيع بها معرفة ما هو موافق للشرع وما 
هو مخالف. ويطلق علماء القانون اليوم مصطلح (روح القانون). 
فيردون أموراً بدعوى مخالفة روح القانون» ويأخذون أموراً بدعوى 
اتفاقها مع روح القانون. ولم يُقَل لهم إن هذا هوس»”". 


والذي معدا شر ار الاستحسان هو أنه -بهذا المعنى- أحد آثار 
الملكة الفقهية وعلامتهاء وأما الاعتماد في بناء الأحكام الشرعية على 
مجرد هذا النوع من الاستحسان فهذا أمر آخرء فقد أنكره من أنكره 
لعدم العلم بحقيقة هذا الدليل المعجوز عن التعبير عنه» فقد يكون دليلاً 
صدا وقد يكوق وها اسا كما ان قر ل الا شان واا الم 
قد يفتح باباً لاستحسان المبتدعة لبدعهم؛ ولذا فلا نزاع في جواز 


التمسك به إذا تحقق المجتهد من كونه دليلاً شرعياً وإن عجز عن التعبير 
)۲( 
عنه ٠‏ 


=السامع (۲/ ۳۸۲)ء جامع العلوم والحكم (۲/ »)3٠١7/ -٠٠١‏ النكت على مقدمة ابن 
الصلاح للزرکشي (۲/ »)۲٣٤‏ المقنع في علوم الحدیث (۲۳۹/۱)» فتح المغيث (۳/ 
۹4). نزهة النظر ص58. الملكة النقدية عند المحدثين وكيفية بنائهاء للدكتور/ 
عبدالجبار سعيدء في مجلة الزرقاء للعلوم والدراسات؛, المجلد الثامنء العدد الأول 
ص"١-١4.‏ 

.١8ص الاستحسان حقيقته أنواعه حجيته تطبيقاته المعاصرة‎ )١( 

(؟) انظر: الإحكام في أصول الأحكام للآمدي »)۱۹۲/٤(‏ شرح مختصر الروضة (۳/ 
4۲{ 


a‏ الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها ا 
م 2 

وأما المعنى الآخر للاستحسان» وهو أنه العدول بالمسألة عن حكم 
نظائرها لوجه أقوى. فهذا معنى متفق عليه؛ لأنه يعود إلى العمل بأقوى 
الدليلين» وإن جاء فيه خلاف فهو خلاف في التسمية والعبارة. 

ومعنى هذا النوع من الاستحسان: أن توجد قاعدة شرعية عامة» 
ويكون في إجراء هذه القاعدة على بعض أفرادها مفسدة ماء كحرج 
على العبادء أو تخلف للمقصد الشرعى؛ فيستثئى المجتهد هذه الأفراد 
من تلك القاعدة العامة» فهذا ا ال اانا 

فهذا المعنى من الاستحسان وجه من أوجه الفقه والرسوخ. لما فيه 
من الجمع بين مقتضيات الأدلة بتنزيل كل منها في محله اللائق» 
وترجيح كل واحد منها حيث يكون أرجحء وفيه أيضاً رعاية لمقاصد 
الشرع ونظر في المآلات وسلامة من الحرفية والجمود في اتباع الأدلة؛ 
«فإن من استحسن لم يرجع إلى مجرد ذوقه وتشهيهء وإنما رجع إلى ما 
علم من قصد الشارع في الجملة... كالمسائل التي يقتضي القياس فيها 
أمراً إلا أن ذلك الأمر يؤدي إلى فوت مصلحة من جهة أخرى أو جلب 
مفسدة كذلك»'. 

ونجد في تصرفات الفقهاء وعباراتهم صوراً كثيرة للاستحسان» 
منها: الرخص كافة. ومنها: تبعَّض الأحكام» وذلك بتخلف بعض 
آثار الأسباب الشرعية دون بعض؛ لتخلف شروط تلك الآثار أو وجود 
موانع لها دون غيرها ". 


.)١١5/5( الموافقات‎ )١( 

(؟) فالرخصة في الاصطلاح هي الحكم الثابت على خلاف دليل شرعي لمعارض راجح. 
انظر: شرح الكوكب المنير .)478/١(‏ 

() كما إذا أتى برجل وامرأتين يشهدان على سرقةٍء فيثبت المال دون القطع؛ لاكتمال- 


.ل الفصل الثالث: من ثمرات الملكة الفقهية غم 
a‏ كاد 

ومن صور الاستحسان: إعمال قواعد الحاجة والضرورة وسد 
الذرائع وتزاحم المصالح والمفاسد. فهذه القواعد عوارض تعرض 
للحكم الأصلي في بعض أفراده فتنقلها إلى حكم آخر. 

ومنها أيضاً: الفتيا بالقول المرجوح عند الحاجة أو الضرورة 
بشرطهء وما يسميه المالكية بما جرى عليه العمل. 

فالاستحسان إذاً دقة في العمل بالدليل وضبط لمداه واحتراز به عن 
تجاوز غايته» وهو أيضاً رهافة في الحس وشفافية في الذوق المنطبع بطابع 
أدلة الشرع ومقاصده؛ ولذا عرفه ابن رشد بأنه : طرحٌ لقياس”'' يؤدي إلى 
غلو في الحكم ومبالغة فيه فيعدل عنه في بعض المواضع ٠"‏ ويقول 
محمد بن الحسن : كان أبو حنيفة يقيس ما استقام له القياس» فإذا قبح 
القياس استحسن» وجاء عن مالك تة قوله : الاستحسان تسعة أعشار 
العله”*'. وقال أصبغ : المُغْرِق في القياس يكاد يفارق السنة”". 

وهذه المنزلة الرفيعة للاستحسان في الفقه تشير أيضاً إلى خطورة 
هذا المسلك ودقته» فهو يتضمن تقييد دليل ثابت بترجيح يعتمد إعمال 


-نصاب المال دون نصاب القطع. وفي الإقرار: إذا ترتب على الإقرار تعد على حق 
ثابت لغيره فيل إقراره على نفسه دون غيره. وفي الرهن: إذا أقر الراهن بأن الرهن ملك 
لغيره وأنكر المرتهن فيقبل إقرار الراهن على نفسه ولا يقبل على المرتهن. 

(1) يراد بالقياس -في باب الاستحسان-: القاعدة المطردةء والحكم الأصلي العام 
وليس: القياس الاصطلاحي الذي هو إلحاق فرع بأصل في الحكم. 

(۲) البيان والتحصیل .)٠١١/٤(‏ 

(۳) أصول الفقه لأبى زهرة ص٥٤۲.‏ 

.)١118/4( الموافقات‎ )4( 

.)١١8/5( الموافقات‎ )0( 





المعاني والموازنة بين المصالح والمفافتة ونت نزن لهد ده د 
تصعب العبارة عنه. وهذا لا شك- مسلك خفى» وهو مثار اختلااف 


- قلب الدليل على المستدل 


قلب الدليل : هو أن يثبت المعترض نقيض حكم المستدل بعين 
لفقل وله ححة عليه لآ له > وهذا الاغتزاضن كما قول أبو 


الطيب الطبري- من ألطف ما يجري بين المتناظرين". 


ويقرر ابن تيمية كانه إمكان قلب الدليل على المُبطل متى ما أعطي 
الدليل حقه فيقول: «جميع ما يحتج به المبطل من الأدلة الشرعية 
والعقلية إنما تذل غلى الحقء لا تدل على قول المبطل» وهذا ظاهر 
يعرفه كل أحد» فإن الدليل الصحيح لا يدل إلا على حق لا على 
باطل» يبقى الكلام في أعيان الأدلة وبيان انتفاء دلالتها على الباطل 
ودلالتها على الحق هو تفصيل هذا الإجمالء والمقصود هنا شيء آخرء 
وهو أن نفس الدليل الذي يحتج به المبطل هو بعينه إذا أعطى حقه 
وتميز ما فيه من حق وباطل وبين ما يدل عليه تبين أنه يدل على فساد 
قول المبطل المحتج به في نفس ما احتج به عليه» وهذا عجيب! قد 
تأملته فيما شاء الله من الأدلة السمعية فوجدته كذلك»» ثم ضرب أمثلة 
للك من الا شلالات الل وال 
)١(‏ انظر: شرح الكوكب المنير .)۳۳۱/٤(‏ مذكرة في أصول الفقه ص909". 


(۲) شرح اللمع (۲/ 4۱۷). 
(۳) مجموع الفتاوی (١/۲۸۸)ء‏ وانظر: أعلام الموقعين .)١١٤/٥(‏ 


,بع الفصل الثالث: من ثمرات الملكة الفقهية 
ج 


م 
00 
وجاء عن أبى حنيفة كلف قوله: إذا أتتك معضلة فاجعل جوابها 

ولا يخفى أن هذه القدرة علامة بينة على الملكة والرسوخ» إذ 


يتمكن المناظر لا من رد القول الباطل فحسب. بل من ردّه بدليل 
المستدل به نفسه. 


)١(‏ كتاب الصناعتين ص ٠050‏ وانظر أمثلة من القلب في: قلب الأدلة على الطوائف المضلة 
١-5841 /1١(‏ 19). 





أبرز النتائج والتوصيات 


أ - أبرز نتائج البحث : 

١‏ - الملكة الفقهية هي: القدرة الراسخة في النفس التي يتمكن 
صاحبها من معرفة الأحكام الشرعية وتنزيلها على الوقائع. 

وقد عبّر الفقهاء المتقدمون -رحمهم الله- عن مدلول (الملكة 
الفقهية) بعبارات عدة» منها: الفقه» وفقه الطبع» وفقه النفس»› 
والرسوخ» أما (الملكة) فهي مصدر مَلَّكَ يَمْلِكْء أي ا ری التي 
ارا ف الاستبداد به» وإطلاقها على (الصفة الراسخة في النفس) 
اصطلاح حادث» استعمله أوّلا أصحاب العلوم العقليةء ثم نفذ إلى 
العلوم الشرعية ماراً من علم المنطقء فشاع في كلام المتأخرين» 
واستعملوه في كتبهم وشروحهم. 

غير أن حداثة هذا الاصطلاح لا تقدح فيه ولا تعيبه. بل هو 
مصطلح مقبول سائغ ؛ لبراءته من منافاة شيء من مقررات الكتاب 
والسنةء وموافقته لسَئن اللغة» ومطابقته للواقع. 

۲ - البحث في (الملكة الفقهية) بحث أصولي من جهة موضوعه؛ 


الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها يري 


و 
o‏ ا 
0 3 
لأنه بحث في شرط من شروط الاجتهاد» والاجتهاد مبحث أصولي› 
وهو من جهة مادته التي يُستقرأ منها متعدد المصادرء فهو يُستمد من 
أصول الفقه وقواعده أحكامّه وشروطه. ويستمد من علم الفقه 
والأصول وكتب التفسير وشروح الحديث وسير العلماء وتراجمهم 
أحكاما وتطبيقات تكشف مجالات الملكة وسبل اكتسابها وثمراتها 
وتفصيل الملكات وتحليلها إلى ملكات جزئية» ويستمد من علم النفس 
ما يتعلق بالجانب النفسي منهء كالشروط الفطرية لاكتساب الملكة. 

” - الملكة الفقهية صفة متجزئة ذات رتب» فلكل طبقة من طبقات 
الفقهاء ملكات تلائم درجتها في الفقهء فأعلى طبقات الملكة ملكة 
صاحب الاجتهاد المطلق المستقل» الذي من شأنه الاستدلال المطلق 
الذي لا يتقيد فيه بأصول غيره» وأدنى درجاتها ملكة فقيه الفتوى» 
القادر على نقل فروع المذهب نقلاً صحيحاً والتخريج عليها حينما 
يكون الإلحاق جلياً» وبين المنزلتين مراتب.. 

وتجزؤ الملكة تجزؤ رأسي وأفقي أيضاًء فالتجزؤ الرأسي نحو ما 
أشرت إليه من الفرق بين ملكات المجتهد المطلق وملكات المجتهد 
المقيدء والتجزؤ الأفقي مثل أن يكون للفقيه ملكة في الاستنباط من 
النصوص ولا يكون له ملكة تامة في التطبيق على الوقائع» أو العكس» 
أو يكون له ملكة في الاستدلال بأنواع من الأدلة دون بعضء مثل ما قد 
يكون الظاهري من صحة الاستدلال بالظاهر والاستصحاب ونحوهما 
دون إجادة القياس وتخريج المناط. 


: يتعلق بالملكة الفقهية أحكام شرعية» وضعية وتكليفية» منها‎ - ٤ 


, بع( الخاتمة م 
- 


م أ اب ج 
E‏ 7 3 
“are” 1‏ 


كون الملكة سبباً لوجوب الاجتهاد على من ثبتت له ملكته» وكونها 
شرطا لصحة جميع التصرفات الفقهية» ووجوب اكتساب الملكة الفقهية 
وجوبا كفائيا على المسلمين. 

ه - كون الملكة الفقهية شرطاً لصحة الاجتهاد وقبول الفتوى يستلزم 
لبف انين تعر كبن وعدن ها العرظ N N‏ 
ويعرفه منه المستفتي» ولخفاء هذا الوصف وما يتسم به من التدرج غير 
المنضبط كان الراجح أنه لا بد للحكم بتحقق الملكة في شخص معين 
من سلوك مسلكين» أحدهما: أن يرى في نفسه الأهلية ويأنس منها 
رسوخا وملكة في الصفات المشترطة في الفقيه» والمسلك الثاني: أن 
يشهد له بذلك من هو أعلم منه ممن ثبتت إمامته وعلمه. 

: اكتساب ملكة الفقه يتوقف على شروط أربعة» هي‎ - ١ 

© الاستعداد الفطري. 

© العناية بقواعد الفقه وكلياته. 

© الممارسة المباشرة. 

© التكرار. 

فالشرط الأول شرط جبلي» والثلاثة التالية شروط مكتسبة. 

۷ - لاستعداد الفطري لاكتساب الملكة الفقهية يتضمن أموراً ثلاثةء 
هي : 

© الذكاء» فطالب علم الفقه بحاجة بالغة إلى عقل ذكي؛ ليكون به 

صحيح الفهم سريع الإدراك» جيد التمييزء ومع تأكيد هذه 
الحاجة إلى الذكاء فلا بد من الاعتدال في شأنها ؛ فلا يبالغ في 





foo‏ الملكة الفقهية : حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها أن 
ذلك مبالغة توهم أن الفقه لا يناله إلا أفراد من العباقرة وأذكياء 
العالمء بل الحق أن الفقه رُنّب» وكلما علت رتبة المرء في 
الذكاء والفهم كان مؤهلا لبلوغ المراتب العلاء لكن نزول رتبته 
لا يعنى خروجه من دائرة الأهلية. 


© الطبيعة المعتدلة» فلطبيعة الإنسان أثر كبير في سلوكه واختياره 
وتصرفهء والفقيه -وإن كان متّبعا للشرع محكّما له- بشر لا خروج 
له عن طبيعته التي جُبل عليهاء وبقدر قرب أخلاق المرء من 
الاعتدال بين طرفي الإفراط والتفريط يكون أقرب إلى السدادء 
ويكون قربه هذا عونا ربانياء إذ فطره الله تعالى على حسن الخلق 
واستوائه» وحيث يبعد خلقه الفطري عن الاعتدال في بعض 
جوانبه فإن له موقفا شرعيا يعتمد على حقيقة كونية» هي أن 
الخلق الإنساني يحوي قدراً قابلاً للتغيير يتأثر بعوامل الإصلاح 
والإفسادء ويحوي -إلى ذلك- قدراً ثابتاً غير قابل للتغييرء وإذا 
كان كذلك فقاعدة الشريعة العامة هي أنه لا يُكَنِكُ آله فسا إل 
وها ؛ وعلى هذا الأساس فما كان من الأخلاق منحرفا 
فإن المسلم عموماً والفقيه خصوصاً مطالب بأن يتقي الله فيه ما 
استطاع» فتارة يكون ذلك بمجاهدة النفس على اكتساب الخلق 
الحميد» أو على كف النفس عما يدعو إليه الخلق الذميم وإن 
كان الخلق نفسه باقياء وبالتزام الشورى وترك الاستبداد بالرأي» 
وبأن يضع الإنسان نفسه الموضع الذي يصلح لهء ولا يتم ذلك 


.)۲۸١( سورة البقرةء الآية‎ )١( 


يهم الخاتمة ب 
ي ينا 


كله إلا بمعرفة المرء بصفات نفسه ومواطن القوة والضعف منهء 
© الرغبة فى اكتساب الملكة الفقهية. فالرغبة والميل النفسى هي 
۸ - العناية a‏ الفقه وكلياته أصل بن امو اكتساب الملكة 
تجمعه الأصول من أشتات الفروع»› وبها يصح تصوره للعلم وتتضح له 
ماخدذه ويتكقف له ها بين أفراد مسائله من النسفة وبه بطر د فى 
أحكامه ويسلم من التناقض والتخبط الناشئ عن النظر الجزئي في 
الفروع» وبذلك أيضاً تظهر أسرار الشريعة وحكمهاء ويستطيع الفقيه 
معرفة حكم ما يحدث من المسائل لمعرفته بأصول الأحكام ومناطاتهاء 
وبكل ذلك يكون الفقيه على بصيرة وطمأنينة وثبات» وهذا هو الرسوخ 
في العلم» المعبّرٌ عنه بالملكة. 

والقواعد والكليات الفقهية متنوعة» وأوجه العناية بها متعددة. 

٩‏ - الممارسة المباشرة شرط لاكتساب الملكة الفقهية» وأعنى بها: 
جميع طرق التعلم التي يباشر المتعلم فيها التجربة بنفسه. فيواجه 
الحقائق» ويحس بهاء ويتبع الخطوات الموصلة إلى النتائج. ويقابل 
(الممارسة المباشرة): التعليم النظري» الذي يتلقى المتعلم فيه المسائل 
و وتكون ا 2 أعلى 
تعليمه تعليماً حياً واقعياً مباشراً للواقع الذي يراد العمل فيه» ولم يكن 


5 الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها و 
تعليما نظريا منقطعا عن الحياة» ثم وجدنا الفقهاء -رحمهم الله- 
يُرشدون إلى هذا النمط من التعليم ويسلكونه منهجا في تعليمهم. 
فوجدنا من طرقهم التعليمية: العمل بالعلم» والتعليم بالقدوة الحسنةء 
وأخذ العلم عن العلماء العاملين» وتمرين الطلاب على تطبيق القواعد. 
وإلقاء المسائل عليهم امتحاناء والمذاكرة والمباحثة» والمناظرة» كما 
كانوا يرشدون الطلاب إلى البحث» وتعليم العلمء ويدعونهم إلى 
إعمال الفكر في تفقههمء كما أرشدوا الطالب إلى تنويع مصادره في 
تلقي العلم لما في هذا التنوّع من إثارة ملكات فقهية لا تنمو في البيئة 
الواحدة» كما وجدنا من طرقهم التعليمية: تجربة شؤون الحياة 
وملابستها» افبتجربة المرء لشؤون الحياة وملابستها يدرك حاجات 
الناس وضروراتهم» ويفهم مقاصدهم في ألفاظهم وتصرفاتهم» ويتفطن 
لمكرهم» ويعرف البدائل والمخارج المباحة عن المحرمات» بل 
ويكون أقدر على مخاطبتهم وإقناعهم وإفهامهم». 

٠‏ - التكرار أحد شروط اكتساب الملكةء فلا ترسخ الملكات إلا 
بكثرة المزاولات» ويظهر (شرط التكرار) في سيرة الفقهاء الذين نالوا 
ملكة الفقه في صور عدة.ء أبرزها: الانقطاع إلى طلب العلم والتفرغ له 
والاستمرار فيه»ء والعناية بالحفظ بصفته وسيلة لترسيخ المعارف 
الصحيحةء والعناية باستذكار العلم وتعاهده. والاختصاص بباب من 
أبواب العلم وبذل الجهد فيهء وتعليم العلم» وعلوٌ السن. 

١‏ - ما تقدم من هذه الأسس الأربعة هي شروط لتحصيل الملكة. 
والشرط لا يلزم من وجوده الوجود. فلا تكون الملكة إلا بتوفيق وهبةٍ 
من الله تعالى» ولهذا التوفيق أسباب» وال أَعلم حَيْتُ تحمل 


بع الخاتمة rR‏ 


م 


ي 02 ركهم 


رتم4 وقد أوضح القرآن أن أسباب نيل العلم والهدى هي: 
الإيمان» والعمل الصالح» والتقوى» وصلاح النية» والتوكل على الله 
والإحسانء والعمل بالعلم» وهذا مما يُنبِّهِ طالب العلم إلى أن الإعداد 
والتكوين الفقهي لا يقتصر على كثرة المسائل ورياضة العقل» ولكنه 
يبدأ من تزكية القلب؛ ليكون محلا صالحا لتنزّل مواهب الله تعالى» 
فالفقه في الدين ليس عملا ذهنيا محضاء كالعمليات الحسابية 
والهندسية التي يكون الأقرب فيها إلى الإصابة من كان أبرع وأحدٌ 
ذكاء» ولكنه منحة من الله تعالى يمنحها الصادقين والمخلصين والمنيبين 
إليه. 

۲ - الملكة الفقهية عبارة عن جمع كبير من المهارات التي يتصف 
بها الفقيه ويستعملها في اجتهاده؛ ولهذا كان مما يتم به التعريف 
بالملكة: تحليلها إلى ملكات جزئية تتألف الملكة من مجموعهاء 
فبالتفصيل يتضح المقصود ويتبين سبيل نيله لطالبيه. 

۳ - من أوجه التعريف بالملكة الفقهية: التعريف بها بإبراز 
آثارها وثمراتهاء وللملكة الفقهية ثمرات منها: إصابة الحق ولا سيما 
في المسائل الخفية» والثبات على الحق» والسلامة من التزلزل أمام 
الشبهات والمعارضاتء. والاظراد والسلامة من التناقض» ويسر 
الوصول إلى الحكم الشرعي» والاستغناء بدلالة النصوص عن اجتهاد 
الرأي» والوصول بالاجتهاد إلى ما يوافق النصء والقول 
با لاستحسان. 


.)١١١( سورة الأنعامء الآية‎ )١( 






N‏ الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها 


ب - التوصيات : 

© انطلاقاً مما ظهر في هذا البحث من شروط لا بد منها لاكتساب 
الملكة الفقهية"''؛ أدعو المختصين بالتعليم الفقهي أفراداً 
ومؤسسات إلى العناية بهذه الأسس في تعليم الفقه وعلومه» 
واتخاذ ما يستلزمه ذلك من وسائل وأسباب» وبهذا يكون التعليم 
الفقهي أقرب شبها بالتعليم النبوي» وأدنى إلى الشمول 
والاكتمال في بناء شخصية طالب العلم. 

© لكون (الاستعداد الفطري) أساساً من أسس اكتساب ملكة الفقهء 
نبّه إلى مكانته علماؤنا قديماً وأقر ذلك المختصون التربويون 
حديثا؛ أدعو إلى مراعاة هذا الشرط في قبول الطلاب المتقدمين 
إلى الأقسام الفقهية في الجامعات؛ من أجل الارتقاء بمستوى 
التعليم» ولئلا تكون الأقسام الشرعية ملاذا للضعفة من الطلبة 
ومن لم يخض بالقبول في غيرها من الكليات» ولا سيما أننا 
ماعن تع تحعلصي ولس عن تعلنم فرائض الدين التي 
يشترك في وجوب تعلمها الكافة. 

© من أسس اكتساب الملكة: أن يكون لدى طالب علم الفقه قدر 
كاف من الاطلاع على العلوم غير الشرعية مما له تأثير في صحة 
تصوره وفهمه للواقع ولسبل التغيير وغير ذلك؛ لذا أدعو إلى 
تمهيد هذا السبيل لطلاب علم الفقه» ومن السبل المقترحة 


)١(‏ وهي: الاستعداد الفطري» العناية بالقواعد والكلياتء والممارسة المباشرةء 
والتكرار. مع تزكية النفس وصلاح القلب. 


0 ( الخاتمة خم 
وو اا 


ب ٩‏ س 


لذلك: انتقاء كتب من كل تخصص علمي» يختارها فئة من آهل 
ذلك التخصصء. ويجري تجديدها بصفة دورية لمتابعة ما جذ في 
ذلك التخصص. 

© مقام التعليم غيرٌ مقام العلم. فالإجادة في التعليم وإكساب 
الطلاب ملكة الفقه لا تتوقف على ما لدى المعلم من علم 
فحسب» وإنما تفتقر إلى جودة في التعليم ؛ لذا أحض المعتنين 
بتعليم الفقه على الاستمرار في ترقية مهارتهم التعليمية ليكونوا 
أقرب إلى توريث الطلاب ملكة الفقه. 

© إن من المهمات المبادرة إلى مراجعة شاملة للأساليب المستعملة 
الآن في تدريس الفقه وعلومه. واختبار مدى إثمارها وتنميتها 
للملكة الفقهية في نفوس الطلاب» ثم بذل الجهد في تصحيح ما 
يلزم تصحيحه منهاء مع الاستفادة مما يزخر به التاريخ الفقهي 
الإسلامي من أساليب تعليمية عالية» وما انتهت إليه البحوث 
التربوية والنفسية المعاصرة» وأن يكون ذلك على أسس علمية». 
وبرؤية شاملة» وصياغة ذلك في مناهج تعليمية مكتملة» 
الأفكار والرؤى في خطط عملية قابلة للتنفيذ. 

والحمة ارات الغالمية: 


مراجع البحث 





الإبانة عن شريعة الفرقة الناجية ومجانبة الفرق المذمومة» تأليف: عبيد 
الله بن محمد ابن بَصّة العكبري» المتوفى سنة ۳۸۷ه» تحقيق: رضا بن 
تعسان معطى ١‏ دار الراية للنشر والتوزيع› ط۲ ١١٤١ھ‏ 

أبجد العلوم» تأليف: صذيق بن حسن القنوجيء. المتوفى سنة /701١هْء‏ 
أعده للطبع : عبدالجبار زکار» من منشورات وزارة الثقافة والإرشاد 
القومي. دمشق › ام. 

إبطال الحيل» تأليف : عبيد الله بن محمد ابن بَطّة العكبري» المتوفى سنة 
«AAV‏ تحميق : زهير الشاويش› المكتب الإسلامى. ط۲ *”#١5١ه.‏ 
ابن حزم حياته وعصره آراؤه وفقهه. تأليقت: محمد أبو زهرة» المتوفى 
سنة 795١ه»ء‏ دار الفكر العربى. 

الإبهاج في شرح المنهاج» تأليف: علي بن عبدالكافي السبكي» المتوفى 
سنئة 5هلاه. وابنه عبدالوهاب» المتوفى سنة ١۷۷ه›‏ تحقيق: شعبان 
محمد إسماعيل» مكتبة الكليات الأزهرية. ط اء ١١٠٤٠ه.‏ 

أثر التقنية الحديثة في الخلاف الفقهي., تأليف: هشام بن عبدالملك آل 
الشيخ› مكتبة الرشد» طا 597 ة١اه.‏ 


رالشخان نة عل ليوز الاتجافات الفكرية تصن تمو جا 


e,‏ الملكة الفقهية : حقيقتها وشروط اكتسابيها وثمراتها عم 


ي < 
خمد قوشتي عبدالرحيم. مركز العاضيل للدراسات والبحوث› 
٥‏ اه. 


أثر تزويد طلبة الجامعة بالأهداف السلوكية على تحصيلهم الدراسي في 
مادة المناهج فراسة شي تجرمنة + تاليف« عب المحمن ين :عبدالعزية أنا 
نمي» معاصرء مركز البحوث التربوية بكلية التربية بجامعة الملك سعود. 
طا 5١5١اه.‏ 

الاجتهاد المقاصدي حجيته ضوابطه مجالاته» تأليف: نور الدين مختار 
الخادمى. معاصرء كتاب الأمة. العدد 2.56 ط۱ 9١5١ه.‏ 

الاجتهاد في الإسلام: أصوله أحكامه آفاته. تأليف: نادية شريف 
العمري»› معاصرة» مؤسسة الرسالة» ط۳ ه٠١٠:ة5١اه.‏ 

الاجتهاد في الشريعة الإسلامية» تأليف: يوسف القرضاوي» معاصرهء دار 
القلمء الكويت» ط١»‏ ۷ھ 

إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام» تالف محمد بن علي القشيري» 
المعروف بابن دقيق العيد. المتوفى سنة: 7٠لاهه‏ أملاه على إسماعيل بن 
محمد بن الأثيرء أشرف على طبعه: محمد منير أغا الدمشقي» دار 
الكتاب العربى- بيروت. 

الأحكام السلطانية» تألنك: محمد بن الحسين» أبى يعلى الفراءء 
المتوفى سنة ۸ ه» صححه وعلق عليه : محمد حامد الفقى» دار الكتب 
العلمية.» ط”. ١575١ه.‏ 

سنة ٤۳‏ ۵ه تحقيق : محمد عبد القادر عطاء دار الكتب العلمية» ط۳ 
€ هھ 


ع مراجع البحث م 
ا حا ا جم أ م حي ا و 
ا ومو هه 


المتوفى سنة ١هلاه.‏ تحقيق: يوسف بن أحمد البكري» وشاكر بن توفيق 
العاروري» دار المعالي» الإصدار الثاني» 47/8١ه.‏ 

الإحكام شرح أصول الأحكامء تأليف: علي بن أحمد بن سعيد بن حزم» 
المتوفى سنة: 407ه»ء توزيع الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية 
والإفتاء» دون بيانات. 

الإإاحكام في أصول الأحكام» تأليف: علي بن محمد الآمدي» تصحيح 
وتعليق : عبدالرزاق عفيفي» دار الصميعي ودار ابن حزم» ط۱ 555١ه.‏ 
إحياء علوم الدين» تأليف: محمد بن محمد الغزالي» أبو حامد» المتوفى 
سنة 6١6هء.‏ دار المنهاج. طا 5795١اه.‏ 

الأخبار العلمية من الاختيارات الفقهية لشيخ الإسلام ابن تيمية» تأليف : 
علي بن محمد البعلي› المتوفى سنة ۳٠۸ھ‏ تحقيق : أحمد بن محمد 
الخليلء دار العاصمةء طا ۸١١٤١ه.‏ 

الأخلاق الإسلامية وأسسهاء تأليف: عبدالرحمن بن حسن الميدانى» 
المتوفى سنة 5370١هء‏ دار القلمء طم ١57١ه.‏ ۰ 
أخلاق العلماءء تأليف: الحسين بن عبدالله الآجري» المتوفى سنة: 
١ه.‏ دار الكتب العلمية» ١١٤٠١ه.‏ 

الأخلاق والسير فى مداواة النفوس» تأليف: على بن أحمد بن سعيد بن 
حزم» المتوفى 5-7 هھ تحقيق: طارق بن عبذالو اد بن على: دار 
ابن الجوزي» ط۱ 575١ه.‏ 

آداب البحث والمناظرة» تاليف : محمد الأمين الشنقيطى» المتوفى سنة 
۳ه تحقيق : سعود العريفي» ضمن آثار الشيخ العلامة محمد الأمين 
الشنقيطي» من مطبوعات مجمع الفقه الإسلامي» دار عالم الفوائدء ط١اء‏ 
٣‏ ھه. 


آداب الشافعي ومناقبه»› اف عبد الرحمن بن محمد بن إدريس»› ابن 


e‏ الملكة الفقهية: حقيقنها وشروط اكتسابها وثمراتها إجر, 
ا 
يج ل 


أبي حاتم» المتوفى سنة ۳۲۷ه» تحقيق: عبد الغني عبد الخالق» مكتبة 
الخانجي» القاهرة» ط۲» ١١١٤١ه.‏ 

الآداب الشرعية» تأليف : محمد بن مفلح» المتوفى سنة ۳١۷ه‏ تحقيق : 
شعيب الأرنؤوط وعمر القيام» مؤسسة الرسالةء ط۲ 517١ه.‏ 

أدب الدنيا والدين» تأليف: على بن محمد بن حبيب الماوردي» المتوفى 
سَكة 7 83 4ه قى ناسين بن عمل الب الي دار ابن کثیر» طه» 
8 له 

أدب الطلب ومنتهى الأرب» تأليف : محمد بن علي الشوكاني» المتوفى 
سنة: ١١١ه.‏ اعتنى به: محمد بن رياض الأحمدء المكتبة العصرية» 
طا 5586ة١اه.‏ 

أدب القاضى› الف على بن محمد بن حبيب الماوردي» المتوفى 
بسني ةا تحفيق : بح کل السرحان» مطبعة الإرشاد- بغدادء 
۱ھهھهھ. ٠‏ 

أدب المفتي والمستفتي» (ضمن فتاوى ومسائل ابن الصلاح)» تأليف : 
عثمان بن عبدالرحمن بن عثمان (ابن الصلاح)» المتوفى سنة: ۳٤ه»‏ 
تحقيق : عبدالمعطي أمين قلعجي » دار المعرفة. 

الأذكياءء تأليف: عبدالرحمن بن على بن الجوزي» المتوفى سنة: 
ههه مكتبة الغزالي. ا 

إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول. تأليف: محمد بن علي 
الشوكاني» المتوفى سنة ٠0؟7١هء‏ تحقيق: مصطفى سعيد الخن ومحيي 
الدين ل مستو» دار الكلم الطيب. ط١‏ ۲۷١٤١ه.‏ 

إرشاد النقاد إلى تيسير الاجتهاد. تأليف: محمد بن إسماعيل الصنعاني» 
المتوفى سنة 47١١هء‏ تحقيق: صلاح الدين مقبول أحمد, الدار السلفية- 
الكويت» طا 8٠5١ه.‏ 


© أزهار الرياض في أخبار عياضء تأليف: أحمد بن محمد المقري 


التلمسانى» المتوفى سنة ١ه‏ تحقيق : مصطفى السقا وإبراهيم 
الأبياري وعبدالحفيظ شلبيء مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر 
بالقاهرة. ١75١ه.‏ 

ساس البلاغة» ثالف: محمود بن عمر بن أحمد الزمخشري» المتوفى 
سنة: ۵۳۸ه» تحقيق: محمد باسل عيون السود دار الكتب العلمية» 
ط۱ا ۱۹٤۱ه.‏ 

الاستحسان حقيقته أنواعه حجيته تطبيقاته المعاصرة» تأليف: يعقوب بن 
عبدالوهاب الباحسين» مكتبة الرشد» ط١ا.‏ 578١ه.‏ 

الاستدلال عند الأصوليين» تأليف: أسعد الكفراوي› معاصرء. دار 
السلام بمصرء طن ۲۳٤۱ه.‏ 

الأشباه والنظائرء تأليف: زين الدين بن إبراهيم بن نجيم» المتوفى سنة 
۰ تحقيق: محمد مطيع الحافظ . دار الفكرء ط ا١ء‏ ١١٤٠ه.‏ 
الإشراف على نكت مسائل الخلاف» تأليف: عبدالوهاب بن علي 
البغدادي المالكى» المتوفى سنة 577هء تحقيق: الحبيب بن طاهرء دار 
ابن حزم طا ١٠5١اه.‏ 

إصلاح الفقيه » تاليف : هيشم بن فهد الرومي› معاصر» مركز نماء للبحوث 
والدراسات.» طك ۲۰۱۳. 

إصلاح الفكر الفقهي رؤية معاصرةء تأليف: نوار بن الشلي» معاصرء 
دار السلامء طا ۳۲٤۱هھ.‏ ۰ 

أصول الإفتاء والاجتهاد التطبيقي في نظريات فقه الدعوة الإسلاميةء 
تأليف: محمد أحمد الراشد» دار النشر للجامعات ودار اليقين للنشر 
والتوزيع › ط١‏ ۲۳ ه. 


01 


ع الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها بي. 
7 


ا 


34 “ae 2 


أصول السرخسى» ل محمد بن أحمد السرخسي» المتوفى سنة 
۳ه دار المعرفة. 

معاصر› دار التدمرية› ط۲ ۲۷٤۱ھ‏ 

أصول الفقه» الحد والموضوع والغاية» تأليف: يعقوب بن عبدالوهاب 
الياحسين» (معاصر). مكتبة الرشد» طا لمل١5١.‏ 

أصول الفقهء تأليف: محمد أبو زهرة» المتوفى سنة 795١ه»‏ دار الفكر 
العربى › 

اكلام تحميق : فهد السدحان» مكتبة العبيكان» طا ١٠5١اه.‏ 

أصول في التفسيرء تأليف: محمد بن صالح العثيمين» المتوفى سنة 
ااه طبع بإشراف مؤسسة الشيخ محمد بن صالح العثيمين » دار ابن 
الجوزي› طا 577١ه.‏ 

أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن» تأليف: محمد الأمين بن محمد 
الإسلامي. بإشراف: بكر بن عبدالله أبو زيدء دار عالم الفوائد» ط١.‏ 
5 ھ. 

(ابن القيم)» المتوفى سنة ١هلاهء.‏ تحقيق: مشهور بن حسن آل سلمان» 
دار ابن الجوزي. ط۰۱ ۲۳٤۱ه.‏ 

الإعلام بمخالفات الموافقات والاعتصامء تأليف: ناصر بن حمد الفهد. 
معاصر› مكتبة الرشد» ۹ كاه 


الإعلام بنوازل الأحكام (ديوان الأحكام الكبرى)» تاليف : عيسى بن 


ع مراجم البحث امي 
ان مر : 
E>‏ - ارما 


aN: 


سهل الجيانى› المتوفى سنة ٤۸٦‏ هه تحقيق : يحيى مراد» دار الحديث» 
8 ھ. 

© الأعلام» ا خير الدين بن محمد بن محمد الزركلى» المتوفى سنة : 
۹ه دار العلم للملايين» ط٥۱‏ ۲م 





© إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان» تأليف: محمد بن أبي بكر بن أيوب 
دار طيبة» 2١‏ 5755١اه.‏ 

8 الاقتراح في بيان الاصطلاح» تأليف: محمد بن علي القشيري» المعروف 
بابن دقيق العيد» المتوفى سنة: 7 ٠لاهء‏ دار الكتب العلمية. 

© اقتضاء العلم العلمء تأليف: أحمد بن علي بن ثابت» الخطيب 
البغدادي» المتوفى سنة 8477هء تحقيق: محمد ناصر الدين الألباني» 
المكتب الإسلامى» ط٥‏ 5٠١٠5١ه.‏ 

© الإقناع لطالب الانتفاع. تأليف: موسى بن أحمد الحجاوي» المتوفى سنة 
له تحميق : عبدالله التركي بالتعاون مع مركز البحوث والدراسات 
العربية والإسلامية بدار هجرء دار عالم الكتباء ط۳ 5777١اه.‏ 

© إكمال المعلم بفوائد مسلمء تالف عياض بن موسى اليحصبي » المتوفى 
سنة ٤٤١ه»‏ تحقيق: يحيى إسماعيل. دار الوفاء للطباعة والنشر 
والتوزيع› طاء. 94١5١ه.‏ 

© الإلماع إلى معرفة أصول الرواية وتقييد السماع» تأليف: عياض بن 
موسى اليحصبى › المتوفى سنة ٤ھ‏ تحقیق : أحمد صمر» مكتبة دار 
التراث بمصر والمكتبة العتيقة بتونس. 89/١١ه.‏ 


اليس الصبح بقريب التعليم العربى والإسلامى» دراسة تاريخية وآراء 
إصلا حية › ا ل محمد الطاهر ابن عاشور» المتوفى سنة: ۳۹۲۳١ه.‏ 


24 الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها‎ ES 
که‎ ۷ ۴ 
ot ہے اک‎ 

© 


الأم» تأليف: محمد بن إدريس الشافعيء المتوفى سنة: 5١٠هه.‏ دار 
المعرفة.» ١٠١5١ه.‏ 

الإمتاع والمؤانسة» تأليف: علي بن محمد بن العباس» أبي حيان 
التوحيدي» المتوفى سنة ٠٤٠٠١‏ تقريباء تحقيق: أحمد أمين وأحمد الزين» 
المكتبة العصرية- بيروت. 

الانحرافات العقدية والعلمية في القرنين الثالث عشر والرابع عشر 
الهجريين» تأليف: علي بن بخيت الزهراني» معاصرء دار طيبة ودار آل 
SOR EE‏ ا 

الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف تأليف: علي بن سليمان 
المرداوي» المتوفى سنة ١۸۸ه.‏ (مطبوع مع المقنع والشرح الكبير)» 
تحقيق : عبدالله بن عبدالمحسن التركيء» دار عالم الكتب. 475١ه.‏ 
إيضاح الدلائل في الفرق بين المسائل» تأليف: عبدالرحيم بن عبدالله 
الزريرانى» المتوفى سنة: ١5لاه.‏ تحقيق: محمد حسن محمد حسن 
ماعل »دان لكي مويل الت 

إيضاح المحصول من برهان الأصول, تأليف: محمد بن علي المازري» 
المتوفى سنة ١۳٠ه»‏ تحقيق : عمار الطالبي» دار الغرب الإسلامي. 
الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث لابن كثيرء تأليف: أحمد 
محمد شاكر» المتوفى سنة ۳۷۷١ه»‏ عني به: بديع السيد اللحام»ء دار 
السلام ودار الفیحاءء ط”. ١١٤١ه.‏ 

البحث العلمي: حقيقته ومصادره ومادته ومنهجه وكتابته وطباعته 
ومناقشته» تأليف : عبدالعزيز الربيعة» معاصر»ء ط۳ 5785١ه.‏ 

البحر المحيط فى أصول الفقهء تأليف: محمد بن بهادر الزركشى»› 
المتوفئ سنة: ٤۷۹هى‏ تحرير : عبدالقادر العانى» مراجعة: عمر الأشقرء 
وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت» طا ۱۳٤۱ھ‏ 


ل مراجع البحث NE‏ 
ااال ا ل 

4 9 r 

e‏ گے ی 


© بحوث ندوة (نحو منهج علمي أصيل لدراسة القضايا الفقهية المعاصرة)» 
التي أقامها مركز التميز البحثي في فقه القضايا المعاصرةء بجامعة الإمام 

© بداية المجتهد ونهاية المقتصد» EE‏ مد ت امد بن رد 
المتوفى سنة 6ه تحفيق: ماحد الحموي. دار ابن حزم» طا 
٤٦‏ ھه. 


© بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع» تأليف: أبو بكر بن مسعود الكاساني» 
المتوفى سنة ۵۸۷ه› دار الكتب العلمية. اك 5٠١5١اه‏ 

لل البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبيرء 
تأليف: عمر بن علي الأنصاري (ابن الملقن)» المتوفى سنة ٤‏ ٠۸ه»‏ 
تحقيق: مصطفى أبو الغيط عبدالحي وعبدالله بن سليمان وياسر ابن 
كمال» دار الهجرة للنشر والتوزيع› طا 5756١اه‏ 

© البرهان فى أصول الفقه. تأليف: عبدالملك بن عبدالله الجوينى» المتوفى 
سنة ۷۸٤ه»‏ تحقيق : عبدالعظيم الديب» ط۱» ۱۳۹۹ه. 


© بلوغ المرام من أدلة الأحكام» تأليف: أحمد بن على بن حجرء المتوفى 
سنة: 8607هء تحقيق: سين ون امه الزهيريء دار الضياء للنشر 
والتوزيع. ط۲» 94١51١اه‏ 


© بيان الدليل على بطلان التحليل» تأليف: أحمد بن عبدالحليم بن تيمية» 
المتوفى سنة 18الاه. تحقيق: فيحان المطيريء. مكتبة لينة للنشر 
والتوزيعء ط؟. 5١141ه.‏ 

© بيان معاني البديع» تأليف: محمود بن عبدالرحمن الأصفهاني» المتوفى 
سنة 4م تحميق : صبغة الله غلام قطب الدين› رسالة دكتوراه فى 
جامعة أم القرى. عام ١٠5١ه.‏ 


ا الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها 42 
mo‏ ت 


أ جد ها ل 

© البيان والتبيين» تأليف: عمرو بن بحر الجاحظء المتوفى سنة 060اهء 
دار الكتب العلمية» ط١.‏ 9١5١ه.‏ 

© تاج العروس من جواهر القاموس› ا محمد بن محمد الحسيني 
الربيدي٬‏ المتوفى سنة ماه تحقيق مصطفى حجازي» إصدار وزارة 
الإعلام في الكويت» ۳ اه 

© تاريخ الإسلام. تأليف: محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي» المتوفى سنة 
4ه. تحقيق: بشار عواد معروفء. دار الغرب الإسلامي. طا 
5717 اه 
المتوفى سنة ٦۳‏ ٤ه»‏ تحقيق : بشار عواد معروف» دار الغرب الإسلامي. 
طا ۲۲٤۱هھ.‏ 

تأنيب الخطيب على ما ساقه فى ترجمة أبى حنيفة من الأكاذيب. تأليف : 
محمد زاهد الكوثري» المتوفى سنة ١۷١۳١ه»‏ تعليق: أحمد خيري» 
١‏ هھ. 

© التبر المسبوك في نصيحة الملوك: تأليف: محمد بن محمد الغزالي» 
المتوفى سنة: 80٠86ه2‏ تحقيق: جمد :شين الدين. دار الكتب العلمية»› 
طكف ۹١٤١ه.‏ 

© تبصرة الحكام في أصول الأقضية ومناهج الأحكام» تأليف: إبراهيم بن 
محمد بن فرحون» المتوفى سنة ۹ه بعناية : جمال مرعشلي › دار 
الكتب العلمية.» ط١.‏ 5١5١ه.‏ 

© التبصرة في أصول الفقهء تأليف: إبراهيم بن علي بن يوسف. أبي 
اسحاق الشيرازي› المتوفى سنة ٦‏ ۷٤ه»‏ تحقيق : محمد حسن هيتوء دار 
الفكرء طا ”7٠5١اه.‏ 





تجديد الفقه الإسلامي» تأليف: جمال الدين عطية ووهبة الزحيلي» 
معاصران.ء دار الفكر ودار الفكر المعاصرء ط١.‏ ١٠5١هه‏ 


تجزؤ الاجتهاد عند الأصوليين» تأليف: مختار بابا آدو» بحث منشور في 
مجلة المجمع الفقهي الإسلامي» العدد الخامس عشر. 

التحبير شرح التحريرء تأليف: علي بن سليمان المرداوي» المتوفى سنة: 

6ه. تحقيق : عبدالرحمن بن عبدالله الجبرين» مكتبة الرشد. 

تحرير الأحكام في تدبير أهل الإسلام» تأليف: محمد بن إبراهيم بن 
جماعةء المتوفى سنة “الالاه. تحقيق: فؤاد عبدالمنعم أحمدء دار 
الثقافةء» ط"ثا. 8٠5١هه.‏ 

التحرير في أصول الفقهء تأليف: محمد بن عبدالواحد السيواسي (كمال 
الدين ب بن الهمام)ء المتوفى سنة ١١٠۸ه»‏ مطبعة مصطفى البابي الحلبي» 

ه١‎ 

التحرير والتنويرء تأليف: محمد الطاهر بن محمد بن عاشورء المتوفى 
سنة ۳۹۳١ه.‏ الدار التونسية للنشر» ٤۱۹۸م.‏ 

تخريج أحاديث إحياء علوم الدين» تأليف: محمود بن محمد الحدادء 
معاصرء دار العاصمة للنشرء ط١‏ 8٠5١ه.‏ 

تخريج الفروع على الأصولء تأليف: محمود بن أحمد الزنجاني» 
المتوفى سنة 5607ه؛. تحقيق: محمد أديب صالح» مؤسسة الرسالة» 
ط٤‏ ”7٠5١اه.‏ 

تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي. تأليف: عبد الرحمن بن أبي 
بكر» جلال الدين السيوطي» المتوفى سنة ١١۹ه»‏ توزيع الرئاسة العامة 
لإدارات البحوث العلمية والإفتاء بالرياضء دون بيانات. 

التدريب والتدريس الإبداعى» تأليف: طارق بن محمد السويدان» 
معاصرء شركة الإبداع الفكري للنشر والتوزیم» ط۳ 1574ه. 


هلام 
ا 
A Ê‏ 


2 
a 





8 تدريس مهارات التفكيرء تأليف: جودت أحمد سعادة» معاصر» دار 

الشروق للنشر والتوزيعم» طا .٠٠٠۳‏ 

© التدمرية (تحقيق الإثبات للأسماء والصفات وحقيقة الجمع بين القدر 

والشرع)» تأليف أحمد بن عبدالحليم بن تيمية» المتوفى سنة ۷۲۸ه» 

تحقيق : محمد بن عودة السعوي» مكتبة العبيكان.» ط٤»‏ ۷١٤١ه.‏ 

© تذكرة السامع والمتكلم في أدب العالم والمتعلمء تأليف: محمد بن 

إبراهيم بن جماعة.» المتوفى سنة ”لاه تحقيق: محمد هاشم الندوي» 

رمادي للنشرء ط؟. 5١151ه.‏ 

© تربية ملكة الاجتهاد من خلال كتاب بداية المجتهد وكفاية المقتصد لابن 
رشد الحفيدء تأليف: محمد أوشريف بولوزء معاصرء دار كنوز أشبيلياء 
طا ۳۳٤۱ھ‏ 

8 ترتيب العلوم» تأليف: محمد بن أبي بكر المرعشي (ساجقلي زاده)ء 
المتوفى سنة 506١١هء‏ تحقيق: محمد بن إسماعيل السيد أحمد. دار 
البشائر الإسلامية» ط اء 8٠5١ه.‏ 

© ترتيب المدارك وتقريب المسالك. تأليف: عياض بن موسى اليحصبي» 
المتوفى سنة: ٤٤٠ه»‏ تحقيق: عبدالقادر الصحراوي» مطبعة فضالة- 
المغرف: 

© تسهيل النظر وتعجيل الظفرء تأليف: علي بن محمد بن حبيب الماوردي» 
المتوفى سنة: ١٥٤ه»‏ تحقيق : مخیی هلال السرحان وحسن الساعاتي» 
دار النهضة العربية. ۰ 

6 التصنيف التحصيلي» مقال لإبراهيم بن عمر السكران» في موقع صيد 
الفوائد. 

© التعالم» تأليف: بكر بن عبدالله أبو زيدء المتوفى سنة 579١هء‏ دار 
العاصمة؛ء الطبعة الرابعة» 4١5١ه.‏ 


عر مراجع البحث همه م 
ا :1 0۷0 ل 


و“ 






© التعريف باداب التأليف» تالف عبد الرحمن بن أبي بكرء جلال الدين 
السيوطي › المتوفى سنة ١١9ه.‏ تحقيق: مرزوق علي إبراهيم» مكتبة 
التراث الإسلامى. 

التعريفات» تأليف: علي بن محمد الشريف الجرجاني» المتوفى سنة 
٩ه‏ ضبطه وصححه جماعة من العلماءء بإشراف الناشر: دار الكتب 


العلميةء ط١‏ ١١٠٤٠ه.‏ 

تعليم التفكير ومهاراتهء تأليف: سعيد عبدالعزيزء دار الثقافة للنشر 
والتوزیع» طا ۳۰٤٠ه.‏ 

تعليم المتعلم طريق التعلم» تأليف: برهان الدين الزرنوجي» المتوفى سنة 
١ه‏ المكتبة والمطبعة المحمودية بمصرء بلا تاريخ. 

التعليم والإرشادء تأليف: محمد (بدر الدين) بن مصطفى الحلبي». 
المتوفى سنة: 7”57١اهء‏ مطبعة السعادةء» طا 7"75١اه.‏ 

التعليم والتعلم وعلم النفس التربوي» تأليف: وليد رفيق العياصرة؛ دار 
أسامة للنشر والتوزيع» ط١اء‏ ١١١5م.‏ 

تفسير الطبري (جامع البيان عن آي القرآن)» تأليف: محمد بن جرير 
الطبري» المتوفى سنة ١٠ه»‏ تحقيق: عبدالله التركي» دار عالم الكتب» 
طا 575١اه.‏ 

تفسير النصوص في الفقه الإسلامي» تأليف: محمد أديب صالح»› 
معاصرء المكتب الإسلامي. ط4. 51١هه‏ 

تفعيل فقه النوازل في المناهج التعليمية» تأليف: محمد بن حسين 
الجيزاني؛ معاصرء دار ابن الجوزي. طا 475١ه.‏ 

التقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث» تأليف : 
يحيى بن شرف النووي» المتوفى سنة ١۷٣ه»‏ تحقيق : محمد عثمان 
الخشت» دار الكتاب العربي» طا ١١٤١ه.‏ 


ا الملكة الفقهية : حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها ا 
ا ا وو ا ا وري 
es 4 0‏ 
ت جه 


© تقرير الاستناد في تفسير الاجتهادء تأليف: عبد الرحمن بن أبي بكرء 
جلال الدين السيوطى› المتوفى سنة ۱ه تحمقيق : فوؤّاد عبد المنعم 
أ حمد» دار الدعوة. الإإسكندرية» طا ”٠:5١اه.‏ 


© التقرير والتحبير على تحرير الكمال بن الهمام» تأليف: محمد بن محمد 
الحنفي (ابن أمير الحاج)ء المتوفى سنة: ۸۷۹ه. دار الكتب العلمية› 
ط۲ ۳١٤اه.‏ ۰ 

© تكوين الذهنية العلمية. دراسة نقدية لمسالك التلقى في العلوم الشرعية» 
EI‏ محمد بن حسين الأنصاري»› معاصر› الميمان للنشر والتوزيع› 
طا ٣٣٤١ھ‏ 

© تكوين الملكة الفقهية» تأليك:؛: محمد عثمان شبير » دار النفائس› ط١‏ 
۸ھ 

© تكوين ملكة التفسير» تأليف: حاتم بن عارف العوني» معاصر» بحث 
منشور في مجلة معهد الإمام الشاطبي للدراسات القرآنية» العدد الثالث 
(جمادى الآخرة- (IEA‏ 

© التمهيد في أصول الفقهء تأليف: محفوظ بن أحمد الكلوذاني» أبو 
الخطاب» المتوفى سنة 0٠0هء‏ تحقيق: مفيد بن محمد أبو عمشة» مركز 
البحث العلمى وإحياء التراث الإسلامى بجامعة أم القرى» طا 
٤١٦‏ ١ه.‏ 

© التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد» تأليف: يوسف بن عبد 
الله بن محمد بن عبد البرء المتوفى سنة ٦٣‏ ٤ه‏ تحقيق: مصطفى بن 
تمل العلوي ومحمد عبد الكبير البكري» وزارة عموم الأوقاف والشؤون 
الإسلامية بالمغرب. /ا34١اه.‏ 


© التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل» تأليف: عبدالرحمن بن 


ا مرا اللبحث 
ماج ال ا iow‏ 


يحيى المعلمي» المتوفى سنة ١۸١١ه»‏ تحقيق : 000000 
الألباني» مكتبة المعارف» ط٣‏ 5٠5١ه.‏ 

تنمية مهارات التفكيرء تأليف: إحسان آدم الطيب أحمد» وعبدالرحيم 
دفع السيد عبدالله محمد معاصران» مكتبة الرشدء طا ۸١١٤٠ه.‏ 
تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق» تأليف: أحمد بن محمد بن يعقوب 
مسكويه» المتوفى سنة: ١١٤ه.‏ مكتبة الثقافة الدينية» ط١.‏ 

تهذيب التهذيب. تأليف : أحمد بن علي بن حجر» المتوفى سنة 807هء 
تحقيق : إبراهيم الزيبق وعادل مرشد» مؤسسة الرسالة» ط١‏ ١55١اه.‏ 
تهذيب الكمال فى اة ال جال تالف جوشف بن غد الر خن 
المزي› ال ۲ه تحقيق: بشار عواد معروف» مؤسسة 
الرسالة. طا ١٠٠٤٠ه.‏ 

تهذيب اللغة» تأليف: محمد بن أحمد الأزهريء المتوفى سنة 71/١‏ م 
تحقيق : علي حسن هلالي» الدار المصرية للتأليف والترجمة. 

توصيف الأقضية فى الشريعة الإسلامية» تأليف: عبدالله بن محمد بن 
خنین» معاصر» بلا ناشرء ط۱ 17١اه.‏ 

توضيح المقاصد وتصحيح القواعد في شرح قصيدة الإمام ابن القيم 
الموسومة بالكافية الشافية فى الانتصار للفرقة الناجية» تأليف: أحمد بن 
اراھ بن عيسى: ال سنة ۳۲۹١هء‏ المكتب الإسلامي» ط۳ 
55اه 

التوقيف على مهمات التعريف» تأليف: عبد الرؤوف بن على المناوي» 
لري 2 ا ن د ون اة ار غا الب 
مصرء طا ١٠5١اه.‏ 

تيسير التحرير» تأليف: محمد أمين بن محمود البخاري المعروف بأمير 
بادشاةة المتوقق سنة 44۹۷ داز الفكر. 


الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها 2 


0 

ا« 

تت 
3 


اک 
۴ 
fi‏ 0۷۸ 3 
یم 


ف 


© تيسير العزيز الحميد شرح كتاب التوحيدء تأليف: سليمان بن عبدالله بن 
محمد» المتوفى سنة “١١هء‏ مكتبة التراث الإسلاميء طا 1515ه. 

تيسير الفقه الجامع للاختيارات الفقهية لشيخ الإسلام ابن تيمية» تأليف: 
أحمد موافي» دار ابن الجوزي» ط”. 5177١ه.‏ 

تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان» تأليف: عبدالرحمن بن 
ناصر السعدي» المتوفى سنة: ١۳۷١ه.‏ تحقيق : عبدالرحمن بن معلا 
اللويحق» دار السلام للنشر والتوزیع» ط۲ 5177١ه.‏ 

تيسير مصطلح الحديث» تأليف: محمود الطحان» معاصر»ء مكتبة 
المعارف للنشر والتوزیع» ط۹ 7١4١ه.‏ 

الثقافة الإسلامية: طرائق التدريس» تأليف: محمد عمر الشامي» 
معاصرء جمعية المحافظة على القرآن الكريم- الأردن» ١١٤٠ه.‏ 

جامع العلوم والحكم. تأليف: عبدالرحمن بن أحمد بن الحسن (ابن 
رجب)» المتوفى سنة: ١۷۹ه»‏ تحقيق: شعيب الأرنؤوط وإبراهيم 
باجس» مؤسسة الرسالة. طلاء /511١ه.‏ 

جامع بيان العلم وفضله وما ينبغي في روایته وحمله» تأليف: يوسف بن 
عبدالله بن عبدالبر» المتوفى سنة ۳٦٤ه»‏ وقف على طبعه وتصحيحه 
وتقييد حواشيه للمرة الأولى إدارة الطباعة المنيرية» 794١ه»‏ يطلب من 
دار الكتب العلمية. 

الجامع لأحكام القرآن والمبين لما تضمنه من السنة وآي الفرقان» تأليف: 
محمد بن أحمد القرطبى» المتوفى سنة ١/ا“هء‏ تحقيق: عبدالله بن 
غد لالز ون الرسالةء عا 4917 اهن 

الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع» تأليف: أحمد بن علي الخطيب 
البغدادي. المتوفى سنة ٤ه‏ تحقيق: محمد عجاج الخطيب. دار 
الرسالة» ط۳ ١١١٤٠ه.‏ 


( مراجع البحث ل 

عر جع . 0 

+ بي سس 1 0 أ 
ر 0-00 


© الجامع لمسائل أصول الفقهء تأليف: عبدالكريم بن علي النملة» معاصرء 
مكتبة الرشد.ء طه. 550١ه.‏ 

© الجدل (صناعة الجدل على طريقة الفقهاء)ء تأليف: على بن عقيل» 
الاق 4 اوي حي غ الفموى هة ال ط۱» 
۸ هھهھ. ٠ ٠‏ 

© جمهرة اللغةء تأليف: محمد بن الحسن بن دريد» المتوفى سنة ١7"اهء‏ 
تحقيق : رمزي بعلبکي » دار العلم للملایین» طا ۱۹۸۷م. 

© حاشية العدوي على شرح كفاية الطالب الرباني» تأليف: علي بن 
أحمد بن مكرم الصعيدي العدوي, المتوفى سنة 89١١ه»ء‏ تحقيق: 
يوسف الشيخ محمد البقاعي» دار الفكرء 4١5١ه.‏ 

© حاشية العطار على شرح المحلي لجمع الجوامع» جمع الجوامع تأليف : 
عبدالوهاب بن علي السبكي» المتوفى سنة: ١۷۷ه»‏ والحاشية تأليف : 
چ ا ان ی و ر ا ا 

6 الحاوي الكبير (شرح مختصر المزني)» تأليف: علي بن محمد 
الماوردي» المتوفى سنة ١٥٤ه.‏ تحقيق على معوض وعادل عبد 
الموحوة واو E‏ ا ا ال 0 

© الحث على طلب العلم والاجتهاد في جمعهء تأليف: الحسن بن 
غبدالله بن سهل (أبو هلال العسكري). المتوفى بعد سنة: ١٠٤ه»‏ 
تحقيق : عبدالمجيد دياب دار الفضيلة» بلا تاريخ. 

8 حجة الله البالغةء تأليف: شاه ولي الله بن عبدالرحيم الدهلوي» المتوفى 
سنة ١۷١١ه»‏ تحقيق : السيد سابق» دار الجيل» ط١ا.‏ ١١٤١ه.‏ 

۵ حجة الوداعء تأليف: علي بن أحمد بن حزم المتوفى سنة 107هء 
تحقيق : أبي صهيب الكرمي» بيت الأفكار الدولية للنشر والتوزيع» ط اء 
4م. 


00 الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها 4ه , 
0 2 3-7 * 
يل الك 
e‏ 


الخضير› معاصرء. مكتبة دار المنهاج. ط ۳ء ١۲٤۱ھ‏ 

حسن التقاضي في سيرة الإمام أبي يوسف القاضي رضي الله تعالى عنه 
وصفحة من طبقات الفقهاءء تأليف: محمد زاهد الكوثري» المتوفى 
سنة: ۱۳۷۱ھ دار الأنوار» 754١ه.‏ 

حلية طالب العلمء تأليف: بكر بن عبدالله أبو زيدء المتوفى سنة: 
8 لهى. دار العاصمة. طه. 60١5١اه.‏ 

خلاصة الكلام في تخريج أحاديث بلوغ المرام» تأليف: خالد بن ضيف 
الله الشلاحى» (معاصر). مكتية الرشد» طا .١1573760‏ 

الداء والدواءء تأليف: محمد بن أبي بكر بن أيوب (ابن القيم) المتوفى 
سنة ١هلاهء‏ تحقيق: على بن حسن بن على الحلبى» دار ابن الجوزي» 
طه. ؟577١اه.‏ 

درء تعارض العقل والنقل» تأليف: أحمد بن عبدالحليم بن تيمية» 
المتوفى سنة ۸ه تحميق : محمد رشاد سالمء إدارة الثقافة والنشر 
بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية» ١‏ ١ه‏ 

درر الحكام شرح مجلة الأحكام» تأليف: علي حيدر» المتوفى سنة 
07٠هء‏ تعريف المحامي فهمي الحسيني» دار عالم الكتباء 571١اه.‏ 
دستور العلماء/ جامع العلوم في اصطلاحات الفنونء» تأليف: عبد 
النبي بن عبد الرسول الأحمد نكري» عرب عباراته الفارسية : حسن هاني 
فحصء دار الكتب العلمية.» ط١.‏ ١575١ه.‏ 

الدعاءء تأليف: سليمان بن أحمد الطبرانى. المتوفى سنة: ٠6"اهء‏ 
تحقيق : محمد سعيد البخاري» دار البشائر الإسلامية» طا لا٠ة#١اه.‏ 


الدعوات الكبيرء تأليف: أحمد بن الحسين البيهقي» المتوفى سنة: 


E 
افد لود‎ 


“a > 


1 


4ه . تحقيق: بدر بن عبدالله البدر» مؤسسة غراس للنشر والتوزيع» 
ط١»‏ ۹م 

© دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب تأليف: محمد الأمين 
ال ال راف کو ین عدا انو رید 
ضمن آثار الشيخ العلامة محمد الأمين الشنقيطي» من مطبوعات مجمع 
الفقه الإسلامى. دار عالم الفوائد» طا 55:١اهم.‏ 

© دليل المعلم لتنمية مهارات التفكير» وزارة التربية والتعليم في السعودية» 
التطوير التربوي الطبعة الثانية. 5748١ه.‏ 

© الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب» تأليف: إبراهيم بن 
علي بن فرحون» المتوفى سنة 44لاه. تحقيق: محمد الأحمدي أبو 
النور. دار التراث للطبع والنشر. 

8 الذخيرةء تأليف: أحمد بن إدريس القرافي» المتوفى سنة: 84هء 
تحقيق : محمد حجي» وسعيد أعراب ومحمد بو خبزة» دار الغرب 

© الذريعة إلى مكارم الشريعةء تأليف : الحسين بن محمد بن المفضل 
(الراغب الأصبهاني)ء المتوفى سنة: 7٠0هء‏ تحقيق: أبو اليزيد أبو زيد 
العجمى »› دار السلام» طا ۸ه 

© ذيل طبقات الحنابلة» تأليف : عبد الرحمن بن أحمد بن رجب المتوفى 
سنة 96لاهى تحقيق : عبدالر حمن بن سليمان العثيمين » مكتبة العبيكان» 
ط۱ 1555١ه.‏ 

© رحلة الحج إلى بيت الله الحرام» تألنك: محمد الأمين بن محمد المختار 
الشنقيطى › المتوفى سنة ۱۳۹۲۳ه من مطبوعات مجع الفقه الإسلامى. 
مطبوع ضمن (آثار الشيخ العلامة محمد الأمين الشنقيطي)» بإشراف 
الشيخ بكر بن عبدالله أبو زيد. دار عالم الفوائد.» ط١.‏ 577١ه.‏ 


a.‏ 1 الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها يا 
8 س و و ي ي جي و وري ج ي ي 
ل يميج 5 1 2 


© الرحلة فى طلب الحديث› تألنف: أحمد بن على بن ثابت (الخطيب 
البغدادي)ء المتوفى سنة ٦۳‏ ٤ه‏ تحقيق: نور الدين عترء دار الكتب 
العلمية» ط۱ ١۱۳۹ھ‏ 

© رد المحتار على الدر المختار (حاشية ابن عابدين)» تأليف: محمد 
أمين بن عابدين» المتوفى سنة 07؟7١هء‏ تحقيق: عادل عبدالموجود 
وعلى محمد معوضء دار عالم الکتب» ۲١۳٤٠ه.‏ 

الرد على من اتبع غير المذاهب الأربعة» تأليف: عبدالرحمن بن 
أحمد بن رجبء المتوفى سنة ١۷۹ه»‏ ضمن مجموع رسائل الحافظ ابن 
رجب» تحقیق : طلعت بن فؤاد الحلواني» الفاروق الحديثة للطباعة 
والنشر» طا 575١ه.‏ 

الرد على من أخلد إلى الأرض وجهل أن الاجتهاد في كل عصر فرض» 
تأليف: عبد الرحمن بن أبي بكرء جلال الدين السيوطي» المتوفى سنة 
١ه.‏ مكتبة الثقافة الدينية. 

الرسالة التبوكية» تأليف: محمد بن أبي بكر بن أيوب (ابن القيم)ء 
المتوفى سنة ١ه‏ تحقيق: محمد عزير شمس » ضمن مجموع الرسائل 
للإمام أبي عبدالله محمد بن أبي بكر بن أيوب ابن قيم الجوزية» من 
مطبوعات مجمع الفقه الإسلامي. دار عالم الفوائد» طا 556١ه.‏ 
الرسالة. تأليف: محمد بن إدريس الشافعى» المتوفى سنة: 5 ١7اهء‏ 
رسائل فلسفية» تأليف: محمد بن زكريا الرازي» المتوفى سنة: لاه 
تحقيق ونشر : دار الآفاق الجديدة. طه. 7٠5١ه.‏ 

رسوم التحديث في علوم الحديث, تأليف: إبراهيم بن عمر الجعبري»؛ 
المتوفى سنة ۷۳۲ه» تحقيق : إبراهيم بن شريف الميلى› دار ابن حزمء 
طاء ١57١ه.‏ 


تأليف : محمد بن أبي بكر بن أيوب» ابن قيم الجوزيةء المتوفى 
سنة ١دلاهء‏ دار الكتب العلمية. 

الروض الأنف في شرح السيرة النبوية لابن هشامء تأليف: عبد 
الرحمن بن عبد الله السهيلي؛. المتوفى سنة ١08هء‏ تحقيق: عمر عبد 
السلام السلامي» دار إحياء التراث العربي» طا ١١٤۱ھ‏ 

الروض المربع شرح زاد المستقنع مختصر المقنع» تأليف: منصور بن 
يونس البهوتي» المتوفى سنة ١١٠٠ه»‏ تحقيق : قسم التحقيق بدار اليسر 
للبحوث العلمية والدراسات دار اليسرء طا ٤١٤١ه.‏ 

روضة الطالبين وعمدة المفتين» تأليف: يحيى بن شرف النوويء المتوفى 
سنة 1لا5هء تحقيق: زهير الشاويش. المكتب الإسلامي» ط۳ 
7ه 

روضة الناظر وجنة المناظر فى أصول الفقهء تأليف: عبدالله بن أحمد بن 
نذائة» التولى وكات کی ی ا م ا .دان ا 
طك ۱۹٤۱ه.‏ 

رياض النفوس في طبقات علماء القيروان وأفريقية وزهادهم ونساكهم 
وسير من أخبارهم وفضائلهم وأوصافهم» تأليف: عبدالله بن محمد 
المالكى» المتوفى سنة: 1/5ا4هء تحقيق: بشير البكوشء. دار الغرب 
الإسلامي. ط؟. 5١15ه.‏ 

سبل السلام الموصلة إلى بلوغ المرام» تأليف: محمد بن إسماعيل 
الصنعانى» المتوفى سنة 487١١هء‏ تحقيق: طارق بن عوض الله بن 
محمد» ار العاصمة للنشر والتوزيعء ط١.‏ 577١ه.‏ 

السجل العلمى لندوة تدريس فقه القضايا المعاصرة في الجامعات 
السعودية» إصدار: مركز التميز البحثي في فقه القضايا المعاصرة» في 
جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية» ۳ه 


ا الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها ,4 
١ A‏ 


ر“ 

© سراج الملوك» تأليف: محمد بن محمد بن الوليد الفهري الطرطوشي › 
المتوفى سنة: ١07ه»ء‏ مطبعة بولاق» ۲۸۹١ه.‏ 

© سلسلة الأحاديث الصحيحة. تأليف: محمد ناصر الدين الألباني» 
المتوفى سنة: ١١٠٤٠ه.‏ مكتبة المعارف» ط١اء‏ 577١ه.‏ 

© سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيء في الأمةء تأليف : 
محمد ناصر الدين الألبانى». المتوفى سنة ١57١هء‏ مكتبة المعارف للنشر 
والتوزيع › ط۲» ۰ه 

© السنة» تأليف: محمد بن نصر المروزيء المتوفى سنة 195اهء تحقيق: 
سالم بن أحمد السلفي. مؤسسة الكتب الثقافية» ط١ا.‏ 08٠5١ه.‏ 

© سئن ابن ماجه» تأليف: محمد بن يزيد الربعي القزويني» المتوفى سنة 
۳ه دار السلام» ط۳ ۱١٤١ه.‏ 

© سنن أبي داود» تأليف: سليمان بن الأشعث الأزدي السجستاني› 
المتوفى سنة #لالاهء دار السلامء ط۴ ١57١ه.‏ 

6 سنن الترمذي» تأليف : محمد بن عيسى بن سورة الترمذي» المتوفى سنة 
۹ه دار السلام» ط۳ ١55١ه.‏ 

© سنن الدارقطني» تأليف: علي بن عمر الدارقطني» المتوفى سنة ۳۸۵ه› 
أشرف غل ق عبدالله التركي» مؤسسة الرسالةء» ط١اء‏ 575١ه.‏ 

© السنن لابن ماجهء تأليف: محمد بن يزيد بن ماجه القزويني» المتوفى 
سنة “الالاهاء تحقيق: شعيب الأرنؤوط وعادل مرشد. ومحمد كامل قره 
بللي» وعبداللطيف حرز الله» مؤسسة الرسالة» طا ١547١اه.‏ 

© سير أعلام النبلاء» تأليف: محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي» المتوفى 
سنة: 58لاه» تحقيق: مجموعة من المحققين بإشراف الشيخ شعيب 
الأرنؤوط؛ دار الرسالة.ء ط”. .١5٠8‏ 

© سيكولوجيا الشخصية., تأليف: ثائر أحمد غباري وخالد محمد أبو 


بع( مراجع البحث E‏ 
شعيرة» معاصران» مكتبة المجتمع العربي للنشر والتوزيع. طا 
۱ اه 


© سيكولوجية المهارات» تأليف: السيد محمد أبو هاشم» معاصرهء مكتبة 
زهراء الشرق› طا م 

© شذرات الذهب فى أخبار من ذهب» تأليف: عبد الحى بن أحمد بن 
العمادء المتوفى سئة 88١١اههء‏ تحقيق: محمود الأرناؤوط› خرج 
أحاديثه : عبد القادر الأرناؤوط» دار ابن كثير» ط ا١ء‏ ١١٠٤٠ه.‏ 


۵ شرح الزركشي على مختصر الخرقي» تأليف: محمد بن عبدالله الزركشي 
الحنيلى. المتوفى سنة ۷۷۲ه» تحقيق : عبدالله بن عبدالر حمن الجبرين › 
دار أولى النهى. ط؟. 5١5١ه.‏ 

ب شرح العقيدة الواسطية» ال محمد بن صالح العثيمين » المتوفى سنة 
١0ههء‏ إخراج: فهد بن ناصر السليمان» دار الثريا للنشر والتوزيع» 
طاء 519١ه.‏ 

© شرح العمدة في بيان مناسك الحج والعمرة» تآليف: أحمد بن 


عبدالحليم بن تيمية. المتوفى سنة ۷۲۸ه» تحقيق : صالح بن محمد 
الحسن» مكتبة العبیکان» طا 517١ه.‏ 


© الشرح الكبير على المقنع» تأليف: عبدالرحمن بن محمد بن قدامة» 
المتوفى سنة 187ه» (مطبوع مع المقنع والإنصاف)» تحقيق: عبدالله بن 
عبدالمحسن التركي» دار عالم الكتب. 54177١ه.‏ 

© شرح الكوكب المنيرء تأليف: محمد بن أحمد الفتوحيء, المعروف بابن 
النجار» المتوفى سنة: ۹۷۲ه تحقيق : محمد الزحيلي ونزیه حماد» 
مكتبة العبيكان.» ط ۲ء ۸١١٤١ه.‏ 


© شرح اللمع» تأليف: إبراهيم بن علي بن يوسف. أبي اسحاق الشيرازي» 





3 الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها‎ oN 
س ج ج ج سد و‎ 
2 ا‎ 


المتوفى سنة كلاقم تحقيق : عبدالمجيد تركي » دار الغرب الإسلامي. 
ط اء ۸١٤۱ه.‏ 

شرح المقدمة المنطقية في الروضة المقدسية» تأليف: علي بن سعد 
الضويحى › معاصرء دار ابن الجوزي› ط۱ ١3ة١اه.‏ 

الشرح الممتع على زاد المستقنع» تأليف: محمد بن صالح العثيمين» 
المتوفى سنة 577١هء‏ طبع بإشراف مؤسسة الشيخ محمد بن صالح 
العثيمين الخيرية» دار ابن الجوزي» ط۱ 575١اه.‏ 

أحمد بن إدريس القرافى» المتوفى سنة: 54814هء تحقيق: طه عبدالرؤوف 
سعدء دار الفكرء ط ۰۱ء ۳۹۳١ه.‏ 

شرح صحيح مسلمء تأليف: يحيى بن شرف النووي» المتوفى سنة 
٦ه‏ دار الكتب العلمية. 

شرح مختصر الروضة» تأليف: سليمان بن عبدالقوي الطوفي» المتوفى 
سنة "الاه. تحقيق: عبدالله بن عبدالمحسن التركي» مؤسسة الرسالة. 
ط۲ 9١5١اهم‏ 

شرح مختصر المنتهى الأصولي» المختصر لعثمان بن الحاجب المالكي» 
المتوفى سنة 1٤١‏ » والشرح لعبدالرحمن الريجي عضد الدين» المتوفى 
سنة "هملاهء وعليه حاشية لسعد الدين التفتازاني والشريف الجرجاني› 
تحقيق : محمد حسن محمد حسن إسماعيل» دار الكتب العلمية» ط١»›‏ 
اه 


شرح مراقي السعود (نثر الورود)» تأليف: محمد الأمين الشنقيطي» 
المتوفى سنة ۳۹۳٠ه»‏ تحقيق : علي العمران» ضمن مجموعة (آثار الشيخ 
العلامة محمد الأمين الشنقيطي)» من منشورات مجمع الفقه الإسلامي» 
دار عالم الفوائد» ط اء ١١٤١ه.‏ 


.بعل مراجع ال 


FR . 


2 غ 
a4 3 E‏ 


شرح دة فى أطبول العفسير لابن تبسية» تالنفت: ساعد الطبارن: 
معاصر› دار ابن الجوزي» ط۲ 578١اه.‏ 


شرح منتهى الإرادات» (المنتهى) لمحمد بن شبك الفتوحى› المعروف 
المتوفى سنة ١١٠٠ه»‏ تحقيق: عبدالله بن عبدالمحسن التركى» مؤسسة 
الرسالة» ط١‏ ”5757١ه.‏ 

شرح منظومة عفود رسم المفتى» تلعف محمد أمين بن عابدين» 
المتوفى سنة اه طبعة لاهور. طك 595١اه.‏ 

شرح نخبة الفكرء تأليف: علي بن سلطان محمد القاري» المتوفى سنة 
٤ه‏ تحقيق : محمد نزار تميم وهيثم نزار تمیم ۰ دار الأرقم» لبنان. 

شرح نظم الورقات في أصول الفقهء تأليف: محمد بن صالح العثيمين› 
المتوفى سنة ١57١هء‏ دار ابن الجوزي. 

شرف أصحاب الحديثء» تأليف: أحمد بن على بن ثابت الخطيب 
البغدادي› المتوفى سنة ٦۳‏ ٤ه‏ تحمقيق : محمد سعيد خطيب أوغلى. دار 
إحياء السنة النبوية- أنقرة. 


شفاء الغليل في بيان الشبه والمُخيل ومسالك التعليل» تأليف: محمد بن 
محمد أبو حامد الغزالى» المتوفى سنة 0٠١‏ تحقيق: حمد الكبيسي» 
تشر رئاسة دَيَوَان الأرداك فى العراق» مطبعة الإرشاد ببغداد» سنة 
۰ ھهھ. ۰ 

الصحاح» تأليف: إسماعيل بن حماد الجوهري» المتوفى سنة ۳۹۳ه» 
تحقيق : أحمد عبدالغفور عطارء دار العلم للملايين» ط٤»‏ ١١٤٠ه.‏ 


صحيح البخاري» تأليف: محمد بن إسماعيل بن إبراهيم البخاري» 
المتوفى سنة ٥٦‏ ۲ه دار السلام» الرياض› ط۲ 9١5١ه.‏ 


م الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها بيثن.. 
ا ا ل ا 
ت جه نه 3 


© صحيح الترغيب والترهيب». الف محمد ناصر الدين الألبانى» المتوفى 
سنة: ١57١هء‏ مكتبة المعارف»ء طاء ١57١ه.‏ 

© صحيح مسلمء تأليف: مسلم بن الحجاج بن مسلمء المتوفى سنة 
١ھ‏ تحقيق : محمد فؤاد عبدالباقى» دار إحياء الكتب العربية. 

© صفة الفتوى والمفتي والمستفتي» تأليف: أحمد بن حمدان بن شبيب 
الحراني الحنبلي» المتوفى سنة: ه» خرج أحاديثه وعلق عليه: محمد 
ناصر الدین الألبانیء المکتب الإسلامی» طا ٠78اه.‏ 

© صفحات من صبر العلماء على شدائد العلم والتحصيل» تأليف: 
عبدالفتاح أبو غدة» المتوفى سنة ۷١٤٠ه»‏ اعتنى بإخراجه: سلمان بن 
عبدالفتاح أبو غدة» مكتب المطبوعات الإسلامية ودار البشائر الإسلامية» 
طءك "اه 

© صفوة الآثار والمفاهيم. تأليف: عبدالرحمن بن محمد الدوسري› 
المتوفى سنة ۹ هھ دار المغني للنشر والتوزيع› طا ١۲٤۱هھ.‏ 

6 صناعة الكتّاب» تأليف: أحمد بن محمد النخاس (أبو جعفر)ء المتوفى 
سنة ۳۳۸ه» تحقيق: بدر أحمد ضيف» دار العلوم العربية. ط١ء‏ 
٤١‏ هھ. 

© صناعة المستقبل: العقل والتفكير والتخطيط الاستراتيجي» تأليف : 
والتطویر» طا .۲٠١۸‏ 

© الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلةء تأليف: محمد بن أبي بكر بن 
أيوب (ابن القيم)» المتوفى سنة ١هلاهء‏ تحقيق: علي الدخيل الله دار 
العاصمة.ء ط١اء.‏ 08١5١ه.‏ 


© الصياغة الفقهية في العصر الحديث دراسة تأصيلية» تأليف: هيثم بن فهد 


الف ضع لاسي 520 
الرومي» معاصرء من مطبوعات الجمعية الفقهية السعودية» دار التدمرية. 
طا 17#اه 

© ضوابط المعرفة وأصول الاستدلال والمناظرة» تأليف: عبدالرحمن بن 
حسن الميداني» المتوفى سنة 578١هء‏ دار القلمء ط١٠.‏ ٠57١ه.‏ 

© ضوابط فهم كلام أهل العلم» تأليف: حاتم بن عارف العوني؛ معاصر. 
ضمن كتاب (إضاءات بحثية في علوم السنة النبوية وبعض المسائل 
الشرعية)» دار الصميعي للنشر والتوزيع › طا 5758١اه.‏ 

© ضوابط قبول المصطلحات العقدية والفكرية عند أهل السنة والجماعة» 
تأليف: سعود بن سعد العتيبي» رسالة دكتوراه مقدمة إلى قسم العقيدة 
والأديان بكلية الدعوة وأصول الدين بجامعة أم القرىء 57/4١اه.‏ 

© طبقات الشافعية الكبرى» تأليف: عبدالوهاب بن على بن عبدالكافي 
السبكى» المتوفى سنة: ١۷۷ه»‏ تحقيق: محمود ا الشاي 
عبد التاع :فق محمد الخلوه دار إحياء الكتب العربية. 

© طبقات الشافعيين» تأليف: إسماعيل بن عمر بن كثير» المتوفى سنة 
٤ه‏ تحقيق : أحمد عمر هاشم ومحمد زينهم محمد عزب» مكتبة 
الثقافة الدينية» ١١١٤١ه.‏ 

© طرائق تدريس العلوم مفاهيم وتطبيقات عملية» تأليف: عبدالله بن خميس 
أمبو سعيدي وسليمان بن محمد البلوشيء دار المسيرة للنشر والتوزيع 
والطباعة» ط١اء.‏ 579١ه.‏ 

© طرق التدريس في القرن الواحد والعشرين» تأليف: عبداللطيف بن 
حسين بن فرج › معاصرء دار المسيرة للنشر والتوزيع والطباعة. ط؟. 
۰ 

© الطريقة المرضية في الإجراءات الشرعية على مذهب المالكية» تأليف : 
محمد العزيز جعيطء المتوفى سنة 784١ه»ء‏ مكتبة الاستقامة بتونس. 


الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها 24. 


.ر 
7 


of 


# العدة في أصول الفقهء تأليف: محمد بن الحسين الفراءء المتوفى سنة 
۸هء تحقيق: أحمد بن على المباركى» مؤسسة الرسالة» ط ۲ء 
ه. ۰ 

8# عقد الجيد في أحكام الاجتهاد والتقليد» تأليف: أحمد بن عبدالرحيم 
الفاروقي الدهلوي» المتوفى سنة ١۷١١ه»‏ تحقيق: محمد بن علي 
الحلبي الأثري» دار الفتح» الشارقةء ط اء ١٠١١٤١ه.‏ 

© العقود الدرية من مناقب شيخ الإسلام ابن تيمية» تأليف: محمد بن 
أحمد بن عبدالهادي» المتوفى سنة 55لاهء تحقيق: محمد حامد الفقىء 
مكتبة المؤيد؛ بلا تاريخ. ا 

© العقود الياقوتية في جيد الأسئلة الكويتية؛ تأليف: عبدالقادر بن بدران» 
المتوفى سنة 1757١ه.‏ تحقيق: عبدالستار أبو غدة» مكتبة السدّاوي للنشر 
والتوزيعء» ط١ا.‏ 5٠5١ه.‏ 

© العلل الواردة في الأحاديث النبوية» تأليف: علي بن عمر الدارقطني» 
المتوفى سنة ١۳۸ه.‏ تحقيق : محفوظ الح ر الله السلفي» دار 
طيبة» طا١»‏ ١١٤١ه.‏ 

© علم أصول الفقهء تأليف: عبدالوهاب خلاف. المتوفى سنة ١۳۷١ه»‏ 
دار القلم» ط۸. 

© علم المقاصد الشرعيةء تأليف: نور الدين الخادمي» معاصرء مكتبة 
العبيكان. طا ١57١ه.‏ 

© علم النفس التربوي الأسس التربوية والتطبيقات العلمية» تأليف: سليمان 
عبدالواحد يوسف إبراهيم» معاصرهء إيتراك للطباعة والنشر والتوزيع. 
طا ١٠١1م.‏ 

© علم النفس التربوي» تأليف: فؤادأبو حطب وآمال صادق» مكتبة 
الأنجلو المصريةء ط۸ ٤٠٠۲م.‏ 


8 فو 
ندا فراع ال i‏ 
ب gg‏ سج ص اي 
ye‏ د 


© علم نفس الشخصيةء تأليف : محمد جاسم العبيدي» معاصرء دار الثقافة 
للنشر والتوزيع» ط١اء‏ 577١1ه.‏ 

© علم نفس المراحل العمرية» تأليف: عمر بن عبدالرحمن المفدى› 
معاصرء ط۳ /571١ه.‏ 

© العلماء العزاب الذين آثروا العلم على الزواج» تأليف : عبدالفتاح أبو 
غذة» السعورفيى سعة ١‏ ان مكتك المطيوغات الإشلاهية : 1 
اه 

© العلوم الشرعية بين الممارسة والمدارسة» مقال للذكتور/ أحمد 
التو م مور علق لحرت 

© عون المعبود شرح سنن أبي داودء تأليف: محمد شمس الحق العظيم 
آبادي» المتوفی سنة ۳۲۹١ه»‏ تحقيق: عبدالرحمن محمد عثمان» 
المكتبة السلفية بالمدينة النبوية» ط7. 788١ه.‏ 

© العَيّنء تأليف: الخليل بن أحمد الفراهيدي» المتوفى سنة ١۷١ه»‏ 
تحقيق : مهدي المخزومي وإبراهيم السامرائي» دار ومكتبة الهلال. 

© عيون الأنباء في طبقات الأطباءء تأليف: أحمد بن القاسمء ابن أبي 
أصيبعة. المتوفى سنة 574ه» تحقيق: نزار رضاء دار مكتبة الحياةء 
بيرووت. 

© غاية المرام في علم الكلام» تأليف: علي بن محمد الآمدي». تحقيق: 
أحمد فريد المزيدي» دار الكتب العلمية» ط١اء‏ 555١ه.‏ 

© غاية الوصول في شرح لب الأصولء تأليف: زكريا بن محمد الأنصاري» 
المتوفى سنة ١۹۲ه.‏ دار الكتب العربية الكبرى. 

8 غمز عيون البصائر شرح كتاب الأشباه والنظائرء تأليف : أحمد بن محمد 
الحموي» المتوفى سنة ۹۸٠٠ه»‏ دار الكتب العلمية» ط١‏ ١١٤٠ه.‏ 

© غياث الأمم في التياث الظلم (الغيائي)» تأليف: عبدالملك بن عبدالله بن 


الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها ,4م , 


م حجن 
کک 


e 

0 5 
يوسف (أبي المعالي الجويني)» المتوفى سنة 41/8ه» تحقيق: عبدالعظيم 
الديب» دار المنهاج» الطبعة الثالثة للكتاب والأولى للناشرء 477 ١اه.‏ 

© فتاوى الإمام الشاطبي» تأليف: إبراهيم بن موسى اللخمي الشاطبي» 
المتوفى سئة: ٠4لاهء‏ تحقيق: محمد أبو الأجفان.» ط”. 1505١ه.‏ 

© الفتاوى الحديثية» تأليف: أحمد بن محمد حجر الهيتمي» المتوفى سنة: 
5/اوه. دار الفكر. 

© فتاوى السبكيء تأليف: علي بن عبد الكافي السبكي» المتوفى سنة 
5 ه. دار المعارف. ۰ ٠‏ 

© الفتاوى الفقهية الكبرى» تأليف: أحمد بن محمد بن علي بن حجر 
الهيتمي» المتوفى سنة ٤۹۷ه»‏ جمعها: تلميذه الشيخ عبد القادر بن 
أحمد بن علي الفاكهي المكي» المكتبة الإسلامية. 

© فتح الباري شرح صحيح البخاري» تأليف: أحمد بن علي بن حجرء 
المتوفى سنة ١١۸ه»‏ تحقيق: الشيخ عبد العزيز بن باز والشيخ محب 
الدين الخطيب» ط السلفية الثانية. 

© فتح المغيث بشرح ألفية الحديث للعراقي» تأليف: محمد بن عبد الرحمن 
السخاوي» المتوفى سنة: ۲٠۹ه»‏ تحقيق : علي حسين علي» مكتبة السنة 
. مصرء طا ٤١٤١ھ‏ 

© الفتوى في الشريعة الإسلامية» تأليف: عبدالله بن محمد بن خنين» 
معاصرء يه العبيكان. طاء 5798١ه.‏ 

© الفروعء تأليف: محمد بن مفلح. المتوفى سنة ”لاه. تحقيق: 
عبدالله بن عبدالمحسن التركى». مؤسسة الرسالة ودار المؤيد. طاء 
اه ٠‏ 

© الفروق. تأليف: أحمد بن إدريس القرافى» المتوفى سنة: 45اه»ء 
و ير جين اقام ر اسا 29 اند 


( مرا البحث لي 
1 عر ج * 2 3 
ا ا u‏ 
ا فة 


© فصول في التفكير الموضوعي, تأليف: عبدالكريم بكارء معاصرء دار 
القلمء ط۳ ١57١ه.‏ 

© فضل علم السلف على علم الخلف. ضمن مجموع رسائل الحافظ ابن 
رجب» الجزء الثالث» تالت عذال جهن بن عمد بن رحن المتوفى 
سنة ١۷۹ه.‏ تحقيق : طلعت بن فؤاد الحلوانى» الفاروق الحديثة للطباعة 
والنشر› طا 1555١ه.‏ 

© فقه النوازل دراسة تأصيلية تطبيقية» تأليف: محمد بن حسين الجيزاني» 
معاصرء دار ابن الجوزي» ط”. ٠57١اه.‏ 

© الفقيه والمتفقه. تأليف: أحمد بن على بن ثابت (الخطيب البغدادي) 
المتوفى سنة: 5457ه». تحقيق: عادل بن يوسف العزازيء. دار ابن 
الجوزي»› ط اء ۷١٤١ه.‏ 

© الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامى. ا محمد بن الحسن 
الحجوي. المتوفى سنة كلاه المكتبة العصرية» طا ۲۷٤۱ه.‏ 
تأليف : عبدالعلى محمد الأنصاري» المتوفى سنة 777١هء‏ دار صادرء 
مصورة من طبعة المطبعة الأميرية ببولاق. ط١اء.‏ ۲۲١١ه.‏ 

© الفواكه الدوانى على رسالة ابن أبى زيد القيروانى» تأليف: أحمد بن 
غانم النفراوي. المتوفى سنة 75١١هء‏ دار الفكرء 6١5١ه.‏ 

© الفوائد. تأليف: محمد بن أبي بكر بن أيوب (ابن القيم)» المتوفى سنة 
6١‏ اهمف تحقيق: محمد عثمان الخشت» دار الكتاب العربي. ط٥»‏ 
+6 ١ه‏ 

© القاموس المحيط. تأليف: محمد بن يعقوب الفيروزآبادي» المتوفى سنة 
/411هه تحقيق: مكتب تحقيق التراث فى مؤسسة الرسالة بإشراف محمد 


وجح 


ق ا ت د و 
0 5 


o‏ الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها حر 


2 
1 
Sd 


القانون في أحكام العلم وأحكام العالم وأحكام المتعلمء تأليف: 
الحسن بن مسعود اليوسى» المتوفى سنة: ”7 ١٠١١اهي‏ تحقيق : حميد 
حمانی» مطبعة شالة الرباط› ط۱ ۱۹۹۸هھ. 

القاتؤث فى الط تالف الحسين بن على بذ سينا الوكين تة 
۸ه وضع حواشيه : محمد أمين الضناوي» دار الكتب العلميةء طا 
۰ هھ. 

القائد إلى تصحيح العقائد» تالف عبدالرحمن بن يحيى المعلمى. 
ال هركن :۳۸ هلعل مخهك فاص الدي ن لالا التكتب 
الإسلامى» ط۳ 8٠١:5١ه.‏ 

قلب الأدلة على الطوائف المضلة فى توحيد الربوبية والأسماء والصفات» 
تأليف: تميم بن عبدالعزيز القاضي» معاصره مكتبة الرشد» ط”اء 
٥0‏ اه. 

القواطع في أصول الفقه. ال منصور بن محمد السمعاني» المتوفى 
سنة : 8ه تحميق : صالح سهيل علي حمودة» دار الفاروق› ط١»‏ 
۲ اه 

قواعد الأصول ومعاقد الفصولء. تأليف: عبدالمؤمن بن عبدالحق 
البغدادي› المتوفى سنة 4ه تحميق : على الحكمى. نشر مركز إحياء 
التراث الإسلامى بجامعة أم القرى. ط۱ ۹١۲٤۱ه.‏ 

القواعد التأصيلية دليل المتفقين إلى ضبط المعارف الفقهية» تأليف: 
أحمد بن مسفر العتيبى» معاصر» دار ابن حزم» طا ٤۲۳‏ اھ. 

قواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث» تأليف: محمد جمال الدين 
القاسمى» المتوفى سنة ١۳۳١ه»‏ تحقيق: محمد بهجة البيطار» ط۲› 
اه 


و مراح اللحث على 
ا ی ی کے و ا 040 2 
e>‏ چ 


8 قواعد التفسير جمعا ودراسةء تأليف : خالد بن عثمان السبت» معاصرء 
دار ابن عمان» ط۱ 57575١ه.‏ 

القواعد الحسان لتفسير القرآن» تأليف : عبدالرحمن بن ناصر السعدي» 
المتوفى سنة ١‏ ۱۳۷ه مكتبة الرشد» ط۲ ١ه‏ 

© القواعد الفقهية مفهومها نشأتها تطورها دراسة مؤلفاتها أدلتها مهماتها 
تطبيقاتهاء تأليف: علي الندوي» معاصرء دار القلمء ط4. 518١ه.‏ 

© القواعد الفقهية: المبادئ- المقومات- المصادر- الدليلية- التطور. دراسة 
نظرية تحليلية تأصيلية تاريخية» تأليف: يعقوب بن عبدالوهاب الباحسين» 
معاصر› مكتبة الرشد للنشر والتوزيع› وشركة الرياض للنشر والتوزيع. 
طا ۸ه 

© قواعد الوسائل فى الشريعة الإسلامية» تأليف: مصطفى بن كرامة الله 
مخدوم» معاصر » دار املا طا ١55١ه.‏ 

© القواعد والأصول الجامعة والفروق والتقاسيم البديعة النافعة» تأليف: 
عبدالر حمن بن ناصر السعدي› المتوفى سنة 7/5 اه تحميق : خالد بن 
على المشيقح › دار ابن الجوزي› طم 577١اه.‏ 

© القواعد والفوائد الأصولية» تأليف: علي بن محمد البعلي» المتوفى سنة 
۳ه تحقيق : محمد حامد الفقى» دار الكتب العلمية» ط١ء‏ 7٠5١ه.‏ 

© القول المفيد على كتاب التوحيد» تأليف: محمد بن صالح العثيمين › 
المتوفى سنة ١57١هء‏ دار ابن الجوزي» ط ۲ء ۲۳٤١ه.‏ 

© الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستة» تأليف: محمد بن 
أحمد بن عثمان الذهبي. المتوفى سنة /5لاهاء تحقيق: محمد عوامة 
وأحمد محمد نمر الخطيب» دار القبلة للثقافة الإسلامية ومؤسسة علوم 
القرآن. طكء 517١ه.‏ 

© الكافية في الجدل. تأليف: عبدالملك بن عبدالله الجويني» المتوفى سنة 


غم الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها 4 . 


لاد 
a4 3‏ هه 


8ه 

كتاب مؤتمر علوم الشريعة في الجامعات, المنعقد في شهر ربيع الأول 
من عام 6١5١اهى‏ تحرير: فتحي حسن ملكاوي ومحمد عبدالكريم أبو 
الإسلامية.» ط1ك. 6١5١ه.‏ 

كتابة البحث العلمي صياغة جديدة» تأليف: عبدالوهاب بن إبراهيم أبو 
سليمان» معاصر› دار الشروق للنشر والتوزيع والطباعة بجدة» ط۳ 
۸ اه 

كشاف اصطلاحات الفنون والعلومء تأليف: محمد بن علي التهانوي» 
تحميق : علي دحروج› ترجمة: عبدالله الخالدي› مكتبة لبنان» طا 
7م 

كشاف القناع عن متن الإقناع» تأليف: منصور بن يونس الحجاوي. 
المتوفى سنة ٠ه‏ عناية : محمد ياسين درویش ۰ دار إحياء التراث 
العربى› طا ١٠5١اه.‏ 

كشف الأسرار شرح أصول البزدوي» تأليف: عبد العزيز بن أحمد 
البخاري» المتوفى سنة ١۷۳ھ‏ دار الكتاب الإسلامى. 

كشف الظنون عن أسامى الكتب والفنون» تأليف : مصطفى بن عبدالله» 
الشهير بحاجي خليفة. ويكاتب جلبي» تحقيق: محمد شرف الدين 
بالتقاياء ورفعت بيلكه الكليسى ٠‏ دار إحياء التراث العربى. 

كشف المشكل من حديث الصحيحين » تأليف: عبدالرحمن بن الجوزي» 
المتوفى سنة ۵۹۷ه» تحمقيق : على البواب» دار الوطن. 

الكليات» تأليف: أيوت بن.موسى الكفوي» المتوفى سئة 98١اهة‏ 


تحقيق : عدنان درويش ومحمد المصري» مؤسسة ew‏ ط۲» 
۹ ھ. 

© كنز العمال» تأليف: علي بن حسام الدين (المتقي الهندي)» المتوفى 
سنة: ١۹۷ه»‏ تحقيق : بكري حيانى وصفوة السقاء مؤسسة الرسالة» 
ط۵ ١٠١5١ه.‏ ۰ 

6 كيف تنمى ملكتك الفقهيةء تأليف: أحمد ولد محمد ذي النورين» مركز 
ارتا رالد رامات افا ا اف ا اه 

كيف يستفيد طالب العلم من كتب السنة» محاضرة صوتية للشيخ عبدالكريم 

الخضيرء معاصرء وهي على الرابط : hıtp://www.khudhcir.com/audio/1639‏ 

© لسان العرب» تأليف: محمد بن مكرم بن منظورء المتوفى سنة ١١الاهى‏ 
دار صادر» ط۳ 5١51١ه.‏ 

© لسان الميزان» تأليف: أحمد بن على بن حجر» المتوفى سنة 4867هء 
تحقيق : عبد الفتاح أبو غدة» دار البشائر الإسلاميةء طا ١57١اه.‏ 

© لطائف المعارف فيما لمواسم العام من الوظائف» تأليف: عبدالرحمن بن 
أحمد بن رجب. المتوفى سئة 6هلاه؛ تحقيق: ياسين محمد السواس› 
دار ابن كثيرء ط". 515١ه.‏ 

© لمحات عامة في التفكير الإبداعي». تأليف : عبدالإله بن إبراهيم الحيزان» 
معاصرء سلسلة كتاب المنتدى». سلسلة تصدر عن المنتدى الإسلامي. 
العدد (لا). طا ۲۳٤١ه.‏ 

© اللمع في أصول الفقه. تأليف: إبراهيم بن علي بن يوسف» أبي اسحاق 
الشيرازي» المتوفى سنة ١۷٤ه.‏ دار الكتب العلميةء ط7. 5175١ه.‏ 

© اللؤلؤ النظيم في روم التعلم والتعليم» تأليف: زكريا الأنصاري»ء 
المتوفى: 97ه. تحقيق : : أحمد عمر المحمصاني» مكتبة الموسوعات» 
8ه 


4 الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها 2 . 
ج RE‏ 


ءا 3 
© ما تحت الأقنعة اعرف شخصيتك وشخصيات من تعرف» تأليف: 
محمد بن عبدالله الصغيرء معاصرء ط5اء. 477١اهء‏ توزيع مؤسسة 
الجريسي للنشر والتوزيع. 

المجالسة وجواهر العلم. تأليف: أحمد بن مروان الدينوري؛ المتوفى 
سنة “اثالاهاء تحقيق: مشهور بن حسن آل سلمان. جمعية التربية 
الإسلامية ودار ابن حزم. طك. 9١51١اه‏ 

مجمع الأمثال» تأليف: أحمد بن محمد الميداني» المتوفى سنة 14١0هء‏ 
تحقيق : محمد محيي الدين عبدالحميد» مطبعة السنة المحمدية. 


مجموع الفتاوى. 6 أحمد بن عبدالحليم ابن تيمية » المتوفى سئة : 
الكتب» ۲ ھ. 

مجموع الفوائد واقتناص الأوابدء تأليف : عبدالرحمن بن ناصر السعدي» 
المتوفى سنة كاه دار ابن الجوزي› ٤‏ ھ. 

مجموع رسائل الحافظ ابن رجب الحنبلي» تأليف: عبدالرحمن بن 
أحمد بن الحسن (ابن رجب)» المتوفى سنة: 60ه9لاه. تحميق : طلعت بن 
المجموع شرح المهذب» تأليف: يحيى بن شرف النووي» المتوفى سنة 
1ھ تحقیق : محمد بن نجيب المطيعي» دار إحياء التراث العربي» 
طا 555١اه‏ 


مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين › المتوفى 
سنة ١١٤١ه»‏ جمع وترتيب: فهد بن ناصر السليمان. دار الثريا للنشر. 
بإشراف مؤسسة الشيخ محمد بن صالح العثيمين الخيرية» ط۱» ۹١٤١ه.‏ 
الجحدت الفاصل:بيق الراوى«والؤاغن ."تاليف الحم وين عبد 


لح ة Rk‏ 
كم مراجع الب E‏ 
E‏ 
3 لويد 


الرحمن بن خلاد الرامهرمزي. المتوفى سنة ١6"اهء‏ تحقيق: محمد 
عجاج الخطيب› دار الفكر› ط۳ ٤١٤ھ‏ 

المحصول في علم أصول الفقه» تالف محمد بن عمر الرازي» المتوفى 
سنه 1٠٦‏ هھ» تحقيق : طه جابر العلوانى› مؤسسة الرسالة. 

المحكم والمحيط الأعظمء الت على بن إسماعيل بن سيذه» المتوفى 
سنة 0۸٤ه»‏ تحقيق: عبدالحميد هنداوي» دار الكتب العلمية» طا 
۱ هھ. 

المحكم والمحيط الأعظم. تأليف: على بن إسماعيل بن سيده. المتوفى 
سنة /50ه2 تحقيق: عبدالستار أحمد فراج وآخرين» معهد المخطوطات 
عاك لدو ل 

المختارات الجلية من المسائل الفقهيةء تأليف: عبدالرحمن بن ناصر 
السعدي» المتوفى سنة ١۳۷١ه»‏ تحقيق: ماهر بن عبدالعزيز الشبل» دار 
المنهاج. طا ”57”7١اه.‏ 

المخصص › تأليف : علي بن إسماعيل بن سيده» المتوفى سنة: 0۸٤ه»‏ 
تحقيق : خليل إبراهيم جفال» دار إحياء التراث العربى ٠‏ ط۱ ۱۷٤۱ه.‏ 
أبي بكر بن أيوب (ابن قيم الجوزية)» المتوفى سنة: ١دلاهء‏ تحقيق: 
عماد عامرء دار الحديث.» ط١ا.‏ ١١١٤١ه.‏ 

المدخل الفقهي العام. تأليف: مصطفى بن أحمد الزرقاء المتوفى سنة 
۰ه دار القلمء ط۲ 556١اه.‏ 

المدخل المفصل إلى فقه الإمام أحمد بن حنبل» تأليف: بكر بن عبدالله 
أبو زيدء المتوفى سنة 5479١ه»ء‏ دار العاصمة. من مطبوعات المجمع 
الفقهى الإسلامى. 


. الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها يه‎ Re 
ER 7©2©؟ب ا‎ 3 


1 7 و 
و 5 


© المدخل إلى الشريعة والفقه الإسلامى» تأليف: عمر بن سليمان الأشقرء 
المتوفى سنة ٤۳۳‏ ١ه‏ دار النفائس› طا 5”50١اه.‏ 

© المدخل إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل» تأليف: عبدالقادر بن 
أحمدين بدران» المتوفى سنة 55١؟١اهء‏ إخراج: محمد أمين ضناوي» 
دار الكتب العلمية» طا !١5١ه.‏ 
النصار. معاصران» اه بلا ناشر. 


المدونة الكبرى» تأليف: عبدالرحمن بن القاسمء المتوفى سنة ١9١هء‏ 
دار الكتب العلمية» طا ٥‏ ھ. 


© مذكرةذ فى أصول الفقهء EE‏ محمد الأمين بن محمد المختار 
الشنقيطى » المتوفى سنة ۲۳ھ بعناية عطية محمد سالمء »> مكتبة العلوم 
والحکم ط٥»‏ ۲۲٤٠ه.‏ 

© المذهب الحنفى : مراحله وطبقاته. ضوابطه ومصطلحاته. خصائصه 

ومؤلفاته» تأليف: أحمد بن محمد النقيب» مكتبة الرشد» ط١اء‏ 577١ه.‏ 

مراتب الإجماع. تال فل بن احا حزم. المتوفى سنة ٤0‏ ھ› 

دار الكتب العلمية. 

e e تأليف:‎ 0 

المرجع في تربية الموهوبين» تأليف: نيكولاس كولانجيلو وغاري ديفيزء 

ترجمة: صالح محمد أبو جادوء ومحمود محمد أبو جادوء من 

والإبداع ومكتبة العبيكان» طا ”"#ةاهم 





حا مراجع البحث اي 
عقوو سإ 


“0 


© المستدرك على الصحيحين» تأليف: محمد بن عبدالله (الحاكم)ء المتوفى 
سنة: 80٠5ه‏ طبع بإشراف : يوسف المرعشلى› دار المعرفة. 

© المستدرك على الصحيحين › ENE‏ محمد بن عبد الله (الحاكم). المتوفى 
سنة: ١٠٤ه»‏ تحقيق: الفريق العلمى لموسوعة جامع السنة النبوية» دار 
الميمان للنشر والتوزيعء طا ©5”0١اهم.‏ 

المستصفى من علم الأصول» ل محمد بن محمد الغزالى» المتوفى 
نة ۵ه تحقیق : محمد بن لمان ل قشي دار الرسالة» طا 
۷ ھه. 

© مسند الإمام أنخمد تال أحمد بن محمد بن حنبل»؛ المتوفى سنة 
١ه.‏ أشرف على تحقيقه: شعيب الأرنؤوط. دار الرسالة. ط”ء 
08 ه. 


© مسند الدارمىء المعروف بسنن الدارمى› الف عبدالله بن عبدالر حمن 
الدارمي» المتوفى سنة ١٥۲ه.‏ تحقيق : حسين سليم اتالد اران كدان 
المغني للنشر والتوزيع› طا ١55١ه.‏ 

© المسودة. تأليف: عبدالسلام بن عبدالله بن تيمية (مجد الدين)ء المتوفى 
سنة: 507هء وابنه عبدالحليم» المتوفى سنة: 547ه. وحفيده أحمدء 
المتوفى سنة: ۷۲۸ه. تحقيق : أحمد الذروي دار الفضيلةء بلا تاريخ. 
إسماعيل البوصيري» المتوفى سنة: ١٤۸ه»‏ تحقيق: محمد المتقى 
الكشناوي» دار العربية» ط۲ ۳١٤۱ھ‏ 

© المطلع على ألفاظ المقنع» تأليف: محمد بن أبي الفتح البعلي». المتوفى 
سنة ۹٠۷ه.‏ تحقيق : محمود الأرنؤوط وياسين الخطيب» مكتبة السوادي 
للنشر والتوزيع» ط ۱ء ٤۲۳‏ اھ. 


TÊ 


5 


الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها يه 


معد 
mt‏ 


© معالم أصول الفقه عند أهل السنة والجماعة» تأليف: محمد بن حسين 
الجيزاني» معاصر» دار ابن الجوزي. ط4. 5754١ه.‏ 

© معالم السنن» تأليف: حمد بن محمد الخطابي» المتوفى سنة ۳۸۸ه» 
المطبعة العلمية بحلب. طا ١١١١ه.‏ 

© معالم القربة في طلب الحسبة» تأليف: محمد بن محمد بن أحمد (ابن 
الأخوة). المتوفى سنة: ۷۲۹ه. دار الفنون. 

© معجم الأدباءء تأليف: ياقوت بن عبدالله الحمويء المتوفى سنة: 
5هء تحقيق: إحسان عباس. دار الغرب الإسلامي. طا 5١51١ه.‏ 

© معجم البلدان» تأليف: ياقوت بن عبدالله الرومي الحمويء المتوفى 
سنة: 575هء دار صادرء ط7. 1996م. 

© المعجم الفلسفي. مجمع اللغة العربية (مصر)ء اها 

© معجم القانون» من إصدار مجمع اللغة العربية بالقاهرة» الهيئة العامة 
لشؤون المطابع الأميرية» ١57١ه.‏ 

© المعجم الكبيرء تأليف: سليمان بن أحمد الطبراني» المتوفى سنة 
“هه تحقيق: حمدي بن عبدالمجيد السلفي». مكتبة ابن تيمية. 

© المعجم الوسيط. إصدار مجمع اللغة العربية بمصرء مكتبة الشروق 
الدولية.» طه. ۲١۳٤١ه.‏ 

© معجم لغة الفقهاء. تأليف: محمد رواس قلعجي وحامد صادق قنيبي» 
معاصرانء دار النفائس للطباعة والنشر والتوزيع» ط”. 508١ه.‏ 

© معرفة أنواع علوم الحديث (مقدمة ابن الصلاح)» تأليف: عثمان بن عبد 
الرحمن المعروف بابن الصلاح» المتوفى سنة 157هء تحقيق: نور الدين 
عترء دار الفكر ودار الفكر المعاصرء 5٠5١ه.‏ 

© معرفة علوم الحديث, تأليف: محمد بن عبدالله (الحاكم)» المتوفى سنة 


م مر اجع البحث م 


r 
کا‎ (e 
06ه. تحقيق: د. السيد معظم حسين» منشورات دار الآفاق الجديدة»‎ 

طق ٠٠5١اهه.‏ 


معيار العلم» تأليف : محمد بن محمد الغزالي» أبو حامد» المتوفى سنة: 
5ه. تحقيق: سليمان دنياء دار المعارف. مصرء 195١‏ م. 

المعين على تحصيل آداب العلم وأخلاق المتعلمين» مجموع من كتب 
الشيخ عبدالرحمن السعدي في آداب العلمء تاليف على بن سن 
الحلبي» دار الصميعي» ط١اء‏ 151١ه.‏ 

المغرب في ترتيب المعرب» تأليف : ناصر الدين بن عبدالسيد المطرزيء 
تان (بعة با المي E‏ 
أسامة بن زید» ط۱» ۳۹۹٠ه.‏ 

المغني عن حمل الأسفار في الأسفار في تخريج ما في الإحياء من 
الأخبار. (مطبوع بهامش إحياء علوم الدين)ء تأليف: عبد الرحيم بن 
الحسين العراقي» المتوفى سنة: 1١٠8ه»ه‏ دار ابن حزم» طا 555١ه.‏ 
المغني» تأليف: عبدالله بن أحمد بن محمد بن قدامةء المتوفى سنة: 
اه تحقيق : عبدالله التركي وعبدالفتاح الحلوء دار عالم الكتب. 
مفاتيح الغيب» تأليف: محمد بن عمر (فخر الدين الرازي)» المتوفى سنة 
7ه دار إحياء التراث العربي. ط". ١57١ه.‏ 

مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية أهل العلم والإرادة» تأليف: محمد بن 
أبي بكر بن أيوب (ابن القيم)» المتوفى سنة ١١۷ه»‏ تحقيق : بشير محمد 
عیون» مکتبة دار البیان» ۹١٤١ه.‏ 

المفتي وتغيّر الأحكام الاجتهادية» هاني الجبيرء مقال منشور في مجلة 
البیان» العدد (۲۸۲). 

المفردات في غريب القرآن» تأليف : الحسين بن محمد الأصبهاني» مكتبة 
نزار مصطفى الباز. 


ل الملكة الفقهية : حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها کے 
ا 


Si 0-3080 

© مقاصد الشريعة الإسلامية ومكارمهاء تآليف : علال الفاسى» المتوفى سنة 
اهمه دار الغرب الإسلامى. طهم 175ام. 
© مقاصد الشريعة الإسلامية» تأليف: محمد الطاهر بن عاشورهء المتوفى 
سنة 97؟اه تحقيق ودراسة: محمد الطاهر الميساوي› دار النفائس » 
ط۳ ۲ ھ. 
© مقاصد الشريعة عند ابن تيمية» تأليف: يوسف البدوي»ء معاصرء دار 
النفائس. 
© مقاصد الشريعة عند الإمام العز بن عبدالسلام» تالق عمر بن صالح بن 
عمر» معاصر» دار النفائس› طا ۲۳٤۱اه.‏ 
۵ مقاییس اللغة» تألیف: أحمد بن فارس» المتوفی سنة ۳۹۵ه» تحقيق : 
عبدالسلام محمد هارون» دار الفكر. 
© مقدمه ابن خلدون» تأليف: عبدالرحمن بن محمد بن خلدون» المتوفى 
سنة /٠/ه‏ ضبط : محمد الاسكندرانى» دار الكتاب العربى» /ا؟5١ه.‏ 
© المقنع في علوم الحديث, تأليف: عمر بن علي» ابن الملقن» المتوفى 
سنة ٤‏ ١٠۸ه»‏ تحقيق: عبد الله بن يوسف الجديع › دار فواز للنشرء طا 
۳ اه 
© الملكة النقدية عند المحدثين وكيفية بنائهاء تأليف: عبدالجبار أحمد 
سعيد» بحث منشور فى مجلة الزرقاء للبحوث والدراسات» المجلد 
الثامن› العدد الآول» ۹۹ ص77- 3 
© من تجديد الفقه إلى تجديد الفقيهء مقال منشور بمجلة البيان. العدد 
۱١‏ الكاتب: ياسر بن ماطر المطرفى. 

الذهبى» المتوفى سنة ۸٤۷ه»‏ تحقيق: محمد زاهد الكوثري وأبي الوفاء 


ع مراجع البحث بي 
e‏ کید 


الأفغانىء لجنة إحياء المعارف النعمانية» حيدر آباد الدكن بالهندء طثاء 
۸ هھ. 

مناقب الإمام أحمد» تأليف: عبد الرحمن بن علي بن الجوزي» المتوفى 
سنة ۵۹۷ه» تحقيق: عبد الله بن عبد المحسن التركي» دار هجرء ط ۲ء 
8ه 

مناقب الإمام الأعظم أبي حنيفة» تأليف: الموفق بن أحمد المكي». 
المتوفى سنة: 054ه» مطبعة مجلس دائرة المعارف النظامية بحيدرآبادء 
امهم 

المنثور في القواعد. تأليف: محمد بن بهادر الزركشي» المتوفى سنة 
14ه. تحقيق: تيسير فائق أحمد محمود. وزارة الأوقاف والشؤون 
الإسلامية بالكويت» طا ١١٤١ھ‏ 

المنخول من تعليقات الأصولء تأليف : محمد بن محمد الغزالي». أبي 
حامد. المتوفى سنة 06٠0ه.‏ تحقيق: محمد حسن هيتوء دار الفكر. 
منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية» تأليف: أحمد بن 
عبدالحليم ابن تيمية» المتوفى سنة: ۷۲۸ه» تحقيق : محمد رشاد سالمء 
نشر: جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.» طك 5٠١٠5١اه.‏ 

منهاج تدريس الفقه. تأليف: مصطفى صادقي ۰ المعهد العالمي للفكر 
الإسلامى» ط ۱ء ٤٣٣۳‏ اه 

المنهاج في ترتيب الحجاجء تأليف: سليمان بن خلف الباجي» ٤۷٤هء‏ 
تحقيق : عبدالمجيد تركي» دار الغرب الإسلامي» ط“اء ١١٠٠م.‏ 

منهج استنباط أحكام النوازل الفقهية المعاصرة» تأليف: مسفر بن علي 
القحطاني. معاصرء دار الأندلس الخضراء ودار ابن حزم. ط۲ 
١ه‏ 


E‏ الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها 
ک8 ۰ 4 


Ez4 عيمج‎ 





© المنهج نة ومكوناته. تالدع رشيد بن نوري البكر ووليد بن إبراهيم 
المهوس› مكتبة الرشد» طا ۲۲٤۱ھ‏ 

© منهج الأشاعرة في العقيدةء تأليف: سفر بن عبدالرحمن الحوالي› 
معاصر› دار الحجاز للنشر والتوزيع. 

© منهج الألغاز وأثره فى الفقه الإسلامى» تأليف: عبدالحق حميش » بحث 
محكم منشور في مجلة الشريعة والدراسات الإسلامية» الصادرة من 
جامعة الكويت› العدد (2)65 عام ۳م 

© منهج البحث في الفقه الإسلامي. تأليف: عبدالوهاب بن إبراهيم أبو 
سليمان» معاصر» المكتبة المكية ودار ابن حزمء ط۲ ١253١ه.‏ 

المنهج المدرسي المعاصرء تأليف: حسن جعفر الخليفة» معاصرء دار 
الرشد» طهم 55؟ة5١اه.‏ 

© مهارات التفكير وسرعة البديهةء تأليف: محمد هاشم ريان» مكتبة 
الفلاح» ط۲ ۳ه 

© المهذب في علم أصول الفقه المقارن» تأليف: عبدالكريم النملة»ء 
معاصر› مكتبة الرشد» طا ١55١ه.‏ 

© المهمات في شرح الروضة والرافعي» تأليف: عبدالرحيم الأسنوي» 
المتوفى سنة ۷۷۲ه. تحقيق: أحمد ابن على الدمياطي» مركز التراث 
الثقافى المغربى ودار ابن حزم طا ١۰٣۳٤۱ه.‏ 

© الموافقات في أصول الأحكام. تأليف: إبراهيم بن موسى اللخمي 
الشاطبى» المتوفى سنة: ٠4لاهء.‏ تعليق: محمد الخضر حسينء دار 
الفكر. 

© مواهب الجليل في شرح مختصر خليل» تأليف: محمد بن محمد الرّعيني 
(الحطاب). المتوفى سنة 468ه. دار الفكر» ط١١٤١ه.‏ 





ك 1 
© الموسوعة الفقهية» وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت» ط۳» 
08ه. 

الموطأء تأليف: مالك بن أنس» المتوفى سنة 4/ا١ه»‏ تحقيق بشار عواد 
معروف. دار الغرب الإسلامي. ط۲» ۱۷٤۱ه.‏ 

النحو الوافي»؛ تأليف: عباس حسن.ء المتوفى سنة ۳۹۸١ه‏ دار 
المعارف: 1 2: 

نزهة النظر في شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثرء تأليف: أحمد بن 
علي بن حجرء المتوفى سنة ۲٥۸ه»‏ تحقيق : عبدالكريم الفضيلي» مكتبة 
إحياء التراث الإسلامي» طا 1518هه. 

نشأة الكليات: معاهد العلم عند المسلمين وفي الغرب» تأليف: جورج 
المقدسي» ترجمة: محمود محمد سيد مركز النشر العلمي بجامعة 
الملك عبدالعزيزء ط١اء.‏ 5١5١ه.‏ 

نشر العرف في بناء الأحكام على العرف» ضمن مجموعة رسائل ابن 
عابدين» تاليف : محمد أمين بن عابدين» المتوفى سنة 7017١ه.‏ 

النص الكامل لكتاب العواصم من القواصمء تأليف: محمد بن عبد الله 
بو بكر بن العربي» المتوفى سنة 047ه» تحقيق: عمار طالبي» مكتبة 
دار التراث. 

نصائح منهجية لطالب علم السنة النبوية» تأليف: حاتم بن عارف العوني» 
دار عالم الفوائده طا 518١ه.‏ 

النظرية البنائية الاجتماعية وتطبيقاتها التدريسية في المنهج» تأليف: 
راشد بن حسين العبدالكريم. معاصرء مركز بحوث كلية التربية بجامعة 
الملك سعود. ”577١اه.‏ 

نظرية التخريج في الفقه الإسلامي» تأليف: نوّار بن الشلي» معاصرء دار 
البشائر الإسلامية.» ط١اء‏ ١57١ه.‏ 


م الملكة الفقهية : حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها ا 
e‏ 


AE 


Ra 


عدو“ xi‏ 
نظرية المقاصد عند الإمام الشاطبي» تأليف: أحمد الريسوني» معاصرء 
المعهد العالمي للفكر الإسلاميء ط٤»‏ ١٠١١٤٠ه.‏ 

نفائس الأصول في شرح المحصولء تأليف: أحمد بن إدريس القرافي. 
المتوفى سنة: ٤۸٦ه.‏ تحقيق: عادل أحمد عبدالموجود وعلي محمد 
معوضء مكتبة نزار مصطفى البازء ط1. 5١51١ه.‏ 

نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب» تأليف: أحمد بن محمد المقّري 
التلمسانى» المتوفى سنة ١5١٠هء‏ تحقيق: إحسان عباسء دار صادر» 
EA‏ 

النكت الوفية بما في شرح الألفية» تأليف: إبراهيم بن عمر البقاعي»› 
المتوفى سنة 040ه». تحقيق: ماهر ياسين الفحل» مكتبة الرشد ناشرون» 
طا ۲۸٤۱هھ.‏ 

النكت على مقدمة ابن الصلاح» تأليف: محمد بن عبداله الزركشي ٠‏ 
المتوفى سنة ٤ه‏ تحقيق : زين العابدين بن محمد بلا فريج» مكتبة 
أضواء السلف. ط۱ 9١5١ه.‏ 

نماذج التدريس» تأليف: يوسف قطامي» معاصر» دار وائل للنشر 
والتوزيع › طا .5١١١‏ 

نهاية السول شرح منهاج الأصول تأليف: عبدالرحيم بن الحسن 
الأسنوي» المتوفى سنة الالاهء عالم الكتب. 

نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج» تأليف: محمد بن أحمد الرملي» 
المتوفى سنة 85١٠٠هء‏ دار إحياء التراث العربي» طا 570١اه.‏ 

نهاية الوصول في دراية الأصول» تأليف: محمد بن عبدالرحيم الأرموي› 
المتوفى سنة ١۷۲ه»‏ تحقيق: صالح اليوسف وسعد السويح› المكتبة 
التجارية بمكة» طا 5١51١ه.‏ 

النهاية في غريب الحديث والأثرء تأليف: المبارك بن محمد الجزري» 








5 8 مراجع البحث ft‏ م 
5 0۹ 
GYD 2‏ 


المتوفى سنة 5 55ه» تحقيق: علي بن حسن بن علي الحلبي الأثري» دار 
ابن الجوزي» طق .۱٤۲۷‏ 

نيل الأوطار من أسرار منتقى الأخبارء ال محمد بن علي الشوكاني› 
المتوفى سنة ١٠٠٠ه.‏ تحقيق : أحمد محمد السيد ومحمود إبراهيم بزال 
وفخمد اديت الموصللي› وخرج أحاديثه محيي الدين ديب مستو ويوسف 
على بديوي» دار الكلم الطيب› طا ۹ ه. 

هندية العارفين "أستماء المؤلقين وآثاز المصحفين» تألبفت” إشماعيل بن 
محمد أمين الباباني» المتوفى سنة 149١ه»‏ طبع بعناية وكالة المعارف 
الجليلة فى مطبعتها البهية استانبول »146١‏ وأعادت طبعه بالأوفست: 
دار إحياء التراث العربى. 

الوابل الصيب ورافع الكلم الطيب» تأليف: محمد بن أبي بكر بن أيوب 
(ابن قيم الجوزية)» المتوفى سنة: ١۷۵ه.‏ تحقيق: عبدالرحمن بن حسن 
قائدل» ضمن مجموعة (آثار ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال)» دار 
عالم الفوائدء طاء 1476ه. 

الوجيز فى أصول الفقهء. تأليف: عبدالكريم زيدان» المتوفى سنة 
0 اه. مؤسسة الرسالة. ۷ م. 

الوصول إلى الأصول» تأليف: أحمد بن على بن برهان» المتوفى سنة 
6 ھ» تحقیق : عبدالحميد أبو زنید» مكتبة المعارف» طا 5٠١٠5١ه.‏ 
صادر. 


فهرس الموضوعات 





الفصل الأول: التعريف بالملكة الفقهية والأحكام المتعلقة بها Nae.‏ 
المبحث الأول: التعريف بجزءي الملكة الفقهية O‏ 
المطلب الأول: التعريف بالملكة 1 OA‏ 
الفرع الأول: المَلكة في اللغة SE DSR‏ 
الفرع الثاني : المَلكة في الاصطلاح ماعط كو جا لان مما ا 
المسألة الأولى : تعريف الملكة اصطلاحا 10 
المسألة الثانية: مصدر مصطلح (الملكة) ا وت 


المسألة الثالثة: موضوع الملكة RSs‏ ا 


الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها ,يش 


م 
E‏ 
أ 3 رك 4 


المطلب الأول: عباراتٌ للعلماء يؤخذ منها مدلول الملكة الفقهية ا 1 


المطلب الثانى : الكلمات المرادفة للملكة الفقهية فى لسان السلف والعلماء 5ه 


* الفقه saa‏ اا ان 

*# العلم ae‏ افا ول الوا اا لفقل مف ا رو لاوطا وف OVS Nee‏ 

* الرسوخ 0 0 
المطلب الثالث: تعريفات الباحثين المعاصرين للملكة الفقهية N O‏ 
المطلب الرابع : موضوع الملكة الفقهية E SS‏ 
المطلب الخامس: نسبة الملكة الفقهية 1119 1 E E‏ 
المطلب السادس: صلة الملكة الفقهية بالمصطلحات المقاربة لها Va‏ 
الذكاء حا a‏ امسا 17 NA oedema‏ 
سرعة البديهة اما لطي NAT RSet eS‏ 
الفقه ASE SES Se SSS Ra‏ الحو VN‏ 


المطلب السابع : التدرج والتجزؤ من خصائص الملكة الفقهية مب VY eed‏ 
المبحث الثالث : الأحكام المتعلقة بالملكة الفقهية Vea‏ 
الفرع الأول: الأحكام الوضعية المتعلقة بالملكة الفقهية ل 7 
المسألة الأولى: ملكة الاجتهاد سبب لوجوب الاجتهاد Re ee‏ 


المسألة الثانية : الملكة الفقهية شرط لصحة جميع التصرفات الفقهية ... ۸٠‏ 


rE فهرس الموضوعات‎ E. 
RO SE ALR E RSS, الاجتهاد المطلق‎ 
A الاجتهاد في المذهب دمحي نواه توق‎ 
AV 0111 الإفتاء والقضاء‎ 
N E OR الإفتاء بالمذهب في المسائل الجلية‎ 
E SAS الفرع الثاني : الأحكام التكليفية المتعلقة بالملكة الفقهية‎ 
A المسألة الأول: وجوب تنمية الملكة الفقهية امن ا‎ 
QO المسألة الثانية: وجوب الاجتهاد على من تحققت له ملكته االماسيي‎ 

الفرع الثالث: ما يعرف به تحقق الملكة الفقهية VEE eA SS‏ 
تمهيد في خفاء الملكة وعدم انضباط تحصيلها EE Soa se‏ 
المسألة الأولى : ما يعرف به المرء تحقق الملكة في نفسه 0004 
المسألة الثانية : ما يعرف به المرء تحقق الملكة في غيره E e‏ 

الفصل الثاني : شروط اكتساب الملكة الفقهية وتنميتها O AAS‏ 
تمهيد: في أن العلم هبة من الله لا تنال إلا بفضله A‏ 
أ - الإخلاص لله في طلب العلم TF eens sl ea‏ 
ب - التوكل على الله واستعانته IN ace SOE‏ 
ج - التقوى ماقان ET acess oS ARR AN‏ 
د - العمل بالعلم ERAGE‏ د 1101 
المبحث الأول: الاستعداد الفطري EEE SSS‏ 
المطلب الأول: الذكاء ما eS‏ لك اام لو ل FE‏ 


الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها )وم 


لييح الل« ا ال وبي 
عد 


الفرع الأول: التعريف بالذكاء EE SSA‏ 
الفرع الثاني : حاجة طالب الفقه إلى الذكاء a E‏ 
الفرع الثالث: أنواع الذكاء EN ainsi less‏ 

المسألة الأولى : نظرية تعدد الذكاء 1[ [1[1[ 1[ [ز[ز[ز ز[ [ [ 1 0000 


المسألة الثانية : الاستفادة من نظرية تعدد الذكاء فى تكوين ملكة الفقه ١54‏ 


الفرع الرابع : القدر المكتسب من الذكاء VO. Rae‏ 
المسألة الأولى : الذكاء بين الوراثة والبيئة VO x‏ 
المسألة الثانية: بعض الوسائل التي استعملها الفقهاء في تنمية التفكير ١57‏ 
أ ارت الحناة OS O NR OS‏ 0 
الاو NE SESS SSR‏ 
ج - تعلم العلوم الحسابية ونحوها SG SD‏ 131 
د - الألغاز الفقهية Oss‏ لا 
الفرع الخامس: العمل عند نقص الذكاء الفطري تاس ١‏ 


المسألة الأولى : حث الطالب على الاستمرار في الطلب وإعانته على ذلك ١7١‏ 


المسألة الثانية : إرشاد الطالب إلى أن يأخذ من العلم ما يتعين عليه ثم 


الانصراف إلى ما يلائمه من الأعمال الصالحة الأخرى WE SA‏ 
المطلب الثانى : الطبيعة المعتدلة با عط لساب السو اا SAT‏ 
الفرع الأول: التعريف بالطبيعة» وأثرها في السلوك والتفكير س١‏ 


أثر طبيعة الإنسان وشخصيته فى سلوكه وتفكيره ل يه ا 





الفرع الثاني : وصف الطبيعة المعتدلة التي ينبغي أن يتصف بها الفقيه ..... ۹1 
الفرع الثالث: موقف المتفقّه من الأخلاق الخارجة عن الاعتدال Ea‏ 
المسألة الأولى: الصفات الشخصية بين الثبات وقابلية التغيير an‏ 
المسألة الثانية : الشريعة لا تأمر إلا بالممكن ويد و م ١‏ 
المسألة الرابعة: الموقف من الصفات الثابتة EY betas:‏ 
المسألة الخامسة : إذا وقع الخطأ بعد الاجتهاد فصاحبه مثاب وخطؤه مغفور . ۰۷ 
المطلب الثالث: الرغبة في اكتساب الملكة الفقهية OV Bave‏ 
الفرع الأول: أثر وجود الرغبة في اكتساب الملكة الفقهية EN sees‏ 
الفرع الثاني : شروط الرغبة الدافعة إلى اكتساب الملكة الفقهية 0 
المسألة الأولى : الاعتدال Een‏ ا ب 
الميبالة الثانية: الاستمزاز AN rE‏ 
المسألة الثالثة: الذاتية ل E‏ ا 
الفرع الثالث: العمل عند ضعف الرغبة في طلب الفقه ا ا YY‏ 
المسألة الأولى: ترغيب النفس وإثارة دوافعها 1 
المسألة الثانية : الموازنة بين مصلحة مراعاة حال النفس وإقبالها 
ومصلحة حمل العلم EE eNOS ESE RR‏ 
المبحث الثاني : العناية بالقواعد والكليات reas ESS‏ 
المطلب الأول: نصوص الوحي بجا ام وا وتوم IV alee‏ 
الفرع الأول: أثر المعرفة بنصوص الوحي في اكتساب الملكة الفقهية . 7١8‏ 


4 


0 الملكة الفقهية : حقيقتها وشروط اكتسابها وثمراتها رر 


يمي ا 


5 


3 


المسألة الثانية: نصوص الوحي محصلة للعلم الراسخ 21 
الفرع الثاني : سبل اكتساب الملكة الفقهية بالتفقه في نصوص الوحي .. Y€‏ 
المطلب الثاني : أصول الفقه افا سا سو الع سح الس م TIA‏ 
الفرع الأول: التعريف بأصول الفقه م ا IR ESEREN‏ 


الفرع الثاني : أثر العلم بأصول الفقه في اكتساب الملكة الفقهية . ۲۲۹ 


الفرع الثالث : سبل تنمية الملكة الفقهية بطريق العناية بأصول الفقه ... ۲۴١‏ 


المسألة الأولى: المعرفة بأصول الفقه ا 
المسألة الثانية: الممارسة ااا TE‏ 
المطلب الثالث: القواعد والضوابط الفقهية ار E E ERS‏ 


الفرع الأول: التعريف بالقواعد والضوابط الفقهية والألقاب المقاربة لها ۲٣۳‏ 
المسألة الأولى : التعريف بالقواعد والضوابط الفقهية E‏ 
المسألة الثانية : التعريف بالفروق والأشباه والنظائر والنظرية الفقهية . ۲۳١‏ 

الفرع الثاني : أثر العلم بالقواعد والضوابط في اكتساب الملكة الفقهية . ۲٤١١‏ 


الفرع الثالث: سبل تنمية الملكة الفقهية بطريق العناية بالقواعد والضوابط 5145 


المطلب الرابع : مقاصد الشريعة E O‏ 
الفرع الأول: التعريف بمقاصد الشريعة .... OV es‏ 


الفرع الثاني : أثر العلم بمقاصد الشريعة في اكتساب الملكة الفقهية ... 599 


.كيم فهرس الموضوعات لي 
PUY F a‏ 
ی 


الفرع الثالث: العلم بمقاصد الشريعة شرط للاجتهاد ل 0 

الفرع الرابع : سبل تنمية الملكة الفقهية بطريق العناية بمقاصد الشريعة . ۲۷۹ 
المبحث الثالث: الممارسة المباشرة E‏ ا 
التمهيد : في التعريف بالممارسة المباشرة وأثرها في جودة التعلم اه 
المطلب الأول: العمل بالعلم TO REDNESS‏ 
المطلب الثاني : أخذ العلم عن العلماء الربانيين 0 0 ا 
المطلب الثالث: إعمال الفكر في التفقه م ل 1 


الفرع الأول: التفكير ضرورة لتكوين الملكة الفقهية 1 
الفرع الثاني : من مسالك تنمية الملكة الفقهية بطريق إعمال التفكير ... "٠١‏ 
المسألة الآولى: عدم إمرار الإشكالات بلا حل RIN aes‏ 
المسألة الثانية : تأمل المسائل المشكلة ومحاولة حلها قبل سؤال 

العلماء ومراجعة الكتب PS A‏ 


الفرع الثالث : التفقّه ببحث المسائل غير الواقعة O eS‏ 
المطلب الرابع : المذاكرة والمباحثة aS‏ ا TENT‏ 
الفرع الأول : التعريف بالمذاكرة والمباحثة Ekê:‏ ا 


الفرع الثاني : مكانة المذاكرة والمباحثة وأثرهما في تحصيل الملكة الفقهية . ٣٣۳‏ 


الفرع الثالث: لمحات من استعمال العلماء أسلوب المذاكرة والمباحثة 


+ الملكة الفقهية: حقيقتها وشروط اكتسابها وثم ات 
٣ A‏ لفقهية: حقيقتها وشرو بها وثمراتها کي 





الفرع الرابع : ازدياد العناية بأساليب المذاكرة والمباحثة في علم طرق 
التدريس الحديث e EEE‏ 
المطلب الخامس : النظر في أقوال الفقهاء وكتبهم للتفقه بها لا للتقليد ... PEY‏ 


الفرع الأول : أثر النظر في أقوال الفقهاء وكتبهم في اكتساب الملكة الفقهية . ٠٤١‏ 


الفرع الثاني : شروط الانتفاع بالنظر في أقوال الفقهاء وكتبهم FEN cleo‏ 
المسألة الأولى: وجود القاعدة المعرفية E‏ ا Ea‏ 
المسألة الثانية: جودة الاختيار اا 
المسألة الثالثة : ملاءمة غرض القارئ لمقصد المؤلف ا 
المسألة الرابعة: أن تكون القراءة قراءة ارتياض على الاجتهاد و O‏ 

المطلب السادس: تنوع مصادر العلم OSES‏ اا 

الفرع الأول: أثر تنوع مصادر العلم في اكتساب الملكة الفقهية م 7 

الفرع الثاني : من أشكال تنوع مصادر العلم عند الفقهاء PND pS‏ 

المطلب السابع : التعليم TA A SSD EDE‏ 
المطلب الثامن: البحث والتأليف FAN Sead‏ 
الفرع الأول: التعريف بالبحث والتأليف 1 ااا 

الفرع الثاني: أثر البحث والتأليف في اكتساب الملكة الفقهية ....... 8 و؟ 

الفرع الثالث: مما تلزم مراعاته من أراد البحث والتأليف OE le‏ 
المسألة الأولى : الأهلية للتأليف 51 


المسألة الثانية : أن يختار من أنواع التأليف ما هو أجدى في إكساب الملكة 897 


المسألة الثالثة : احتواء التأليف على فائدة جديدة فب او ني جم 
المطلب التاسع : المناظرة EO CEOS ES SOR e‏ 
الفرع الأول: التعريف بالمناظرة ع ابا وه كمال لوقا PIA ees‏ 
الفرع الثاني : أثر المناظرة في اكتساب الملكة الفقهية ا وم 
الفرع الثالث: من آداب المناظرة م مط شف مواق مم ل i‏ 
التطلي: العافر :"اتجرية ومتارسة الخياة EAN SS SEAS‏ 


الفرع الأول: أثر التجربة وممارسة الحياة في تنمية الملكة الفقهية .... 408 
الفرع الثاني : بعض مسالك التجربة وممارسة الحياة المستعملة لدى الفقهاء 4١7‏ 
المسألة الأولى: مخالطة الناس ومعاملتهم ومعايشة أحوال الحياة .. 4١‏ 
المسألة الثانية : مزاولة الفتوى والقضاء CERES‏ 


المسألة الثالثة : مشاهدة التطبيقات الفقهية الصحيحة لتنزيل الأحكام 


المسألة الرابعة: المعرفة بالتاريخ CEE SSA E‏ 
المسألة الخامسة : الاطلاع على العلوم الاجتماعية والنفسية ا 
المبحث الرابع : التكرار CTV, Saeed SERS‏ 
تمهيد: في التعريف بالتكرار وأثره في اكتساب الملكة EV Seas‏ 
المطلب الأول: الانقطاع إلى طلب العلم والتفرغ له EE SA ROS‏ 
المطلب الثاني : الحفظ TO Ra Seas oe‏ 


الفرع الأول: لمحة في عناية العلماء بالحفظ ومكانته من الملكة ET re‏ 


المطلب الثالث: الاستذكار at‏ ل 
الفرع الأول: مكانة استذكار العلم وأثره في رسوخه E‏ 
الفرع الثاني : من أساليب استذكار العلم لدى الفقهاء E‏ 

المطلب الرابع : الاختصاص E SENE IRADE‏ 
الفرع الأول: الاختصاص بعلم الفقه من بين العلوم ل ا 

المسألة الأولى: حاجة طالب الفقه إلى الاختصاص به E‏ 
المسألة الثانية : ما يلزم المختص بعلم الفقه من العلوم الأخرى 
الفرع الثاني : الاختصاص بباب أو فنَ من فنون الفقه كرت اله تعره 


المسألة الأولى: جواز الاختصاص بعلم باب أو فن من الفقه ودعاء 


الحاجة إلى ذلك طفع وات ناتسمد وه كعم ا E‏ 
المسألة الثانية : ما يلزم المختص بباب أو فن من الفقه من المعرفة 
بالأبواب والعلوم الأخرى را و SSNS ERR SDE‏ 
الفرع الثالث: إدامة النظر في كتاب أو كتب من كتب الفقه العالية 
المطلب الخامس : التعليم es eae en‏ 
المطلب السادس: الاستمرار في طلب العلم ال موسج الما د 
المطلب السابع : تقدم السن TT‏ باس ور ا 








4 فهرس الموضوعات داوم 
ي تيميد 


- إصابة الحق ولا سيما في المسائل الخفية OE A‏ 
- الرسوخ امد EO cesse aden‏ 
- الثبات على الحق» والسلامة من التزلزل أمام الشبهات والمعارضات ... 595 
- الاظراد والسلامة من التناقض ا ا لك 
- طمأنينة الفقيه لصحة ما انتهى إليه اجتهاده OVS A‏ 
- هيبة الفتوى والتيّت فيها ع اخ ka es‏ و له 
- التأهّل للقيام بفريضة الاجتهاد SS‏ يي“ دة 
- التصور المحيط والشامل للمسألة المبحوثة O eS‏ 
- يُسر الوصول إلى الأحكام كبام مدقي كبو نوا سرف ال وا و BT‏ 
- الانفكاك من سلطان اللفظ A SEN AS‏ 
- الاستشكال مأعي ON ORR Se‏ 
- القدرة على التأصيل وإصدار الأحكام الكلية ا 
- تمييز مراتب العلم ONE seers SS‏ 
- التناول الصحيح لمسائل الخلاف مط عاسم وا اه OVO E‏ 


- إدراك اتساق الشريعة واظراد أحكامها وبراءتها من التناقض والاختلاف . 01١5‏ 


- استفادة الدلالات المتعددة من الدليل الواحد ا ON E‏ 
- إدراك الأوجه والاحتمالات التي يحتملها الدليل OTN‏ 
- الاستنباط لح انحن اله دواد Ad E‏ 








کے فت ۱ شخ 
4 | 0 ستثما دلة كلها E‏ 
ظ E rs‏ 
لنظر فى متر لحديث عند لحكم عليه بالصحة والضعف 3 


قلب ليم على ل ooo nao 55 a‏ 
٠ع‏ وو وقوه oo.‏ 
ووو ووو وء. 
الد المستد ٠.‏ 
الخاتمة : أبرر النتائج والتوصيات . ه »ا وه هم و وو وه موه م .وم ووو م6 م6م.١-‏ 


الملكة الفقمة:. حقة 
لملكة الفقهية :. حقيقتها وشروط اكتسابها ود 


ا 
E‏ 






o» 


oY 


o4 


oY'o 


04° 


O0۹ 


oor 


oo 


01۰